الموقع:
يتوضع موقع النبي هوري على بعد 70كم إلى الشمال الغربي من مدينة حلب، على ضفاف نهر الصابون في موقع جغرافي محصن طبيعياً، ومؤلف من هضبتين ومن ثم تليه منطقة سهلية تمتد نحو الوادي والنهر[1] (الشكل 1)، وعلى الهضبة الأقل ارتفاعاً شيدت المدينة وهي تقسم الى قسمين: المدينة المنخفضة، والمدينة المرتفعة التي تضم القلعة، ويحيط بالمدينة بالكامل سور يعود للعصر البيزنطي، وهو مبني فوق الأساسات الهلنستية، وتخترق السور أربع بوابات من الجهات الأربعة، ويتكون الجهاز الدفاعي من أسوار وأبراج وحصن إسلامي يتوضع في الجزء المرتفع من المدينة[2] (الشكل 2).
الاكتشاف:
كانت بداية اكتشاف الموقع في عام 1953م عندما قام هنري سيريغ «H.Seyrig» - مدير معهد الآثار الفرنسي في بيروت - بتشكيل بعثة أثرية برئاسة أدمون فريزولس «E.Frezouls» وبمساعدة المعماري فورير «M.Forrer»، حيث استمرت البعثة بأعمالها خلال ثمانية مواسم حتى عام 1976م، توقفت الأعمال بعدها، وللأسف لم تنشر كامل نتائج الأعمال التي قامت بها البعثة خلال هذه المواسم الثمانية[3].
وبقي الموقع على حاله حتى عام 2006م عندما تم تشكيل بعثة سورية لبنانية[4]، وكان من أهم أهدافها تعريف العامة بموقع النبي هوري (سيروس) وإعادة تجديد أعمال التنقيب ونشر النتائج مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج التنقيبات السابقة والقيام بأعمال ترميم للمباني والمنشآت ضمن الموقع حسب الإمكانيات المتاحة. ولا تزال البعثة مستمرة بأعمال التنقيب والترميم ضمن الموقع حتى الوقت الحاضر وكان آخر أعمالها افتتاح متحف بجانب الموقع يتيح للزوار التعرف على الموقع ونتائج التنقيب واللقى المكتشفة.
لمحة تاريخية:
عندما دخل الإسكندر للشرق ووافته المنية، خلفه قواده على عرش إمبراطوريته، وكانت سورية من نصيب القائد سلوقس نيكاتور (312-280ق.م)[5] الذي قام ببناء عدد من المدن في سورية مثل أنطاكية ودورا أوروبوس واللاذقية، وبناء المدينة ينسب إلى هذا القائد، وعرفت باسم «كيروس» نسبة لمدينة مقدونية كما جرت العادة خلال العصر الهلنستي[6] حيث أن تقنية بناء السور (POLYGONAL) والوسائل الدفاعية مؤرخة على هذه الفترة (الشكل 3). ومع وصول الرومان بقيادة بومبي إلى الشرق عام 64ق.م أصبحت سيروس جزءاً من المقاطعة السورية الرومانية، وتمركزت فيها حامية عسكرية لأهمية موقعها الجغرافي ولدعم الجيش الروماني في معاركه ضد الفرثيين وذلك حتى نهاية القرن الثالث الميلادي. وعندما أصبحت منبج (هيرابوليس) عاصمة الفرات أيام سبتيموس سيفيروس غدت سيروس تابعة لها[7]. وخلال العصر البيزنطي استمرت الحياة في المدينة، وكان لها مركز ديني وعسكري مهم، وقد أعاد جوستينيان (527- 565م) بناء المدينة وتحصينها وأقام فيها فرقة عسكرية إلى جانب العديد من الأبنية وأقنية الماء. وبعد دخول القوات الإسلامية إلى المدينة، سميت «قورش» وذلك عام 636م، واستمر هذا الاسم شائعاً حتى تدميرها على يد نور الدين زنكي عام 1150م[8].
هناك من نسب التسمية «قورش» إلى الملك الفارسي قورش، إلا أن هناك نصوصاً كتابية تشير إلى أن أصل التسمية يعود للعصر المملوكي، وتتعلق بالضريح الموجود في الموقع، وقد عرفه السكان المحليون فيما بعد باسم النبي هوري[9].
تخطيط المدينة:
تم تخطيط المدينة حسب النظام المتبع في المدن اليونانية وهو المخطط الشطرنجي، إلا أن العصور اللاحقة التي مرت المدينة بها غيرت من المخطط الأصلي للمدينة، خصوصاً خلال العصر الروماني، حيث نجد الشارع المستقيم «Cardo Maximus» يقطعها بين البوابتين الشمالية والجنوبية، وعلى جانبيه تتوزع منشآت المدينة التي لم يتم التنقيب عنها بعد. ويتوضع الأكروبول في أعلى التلة، ويحيط بالمدينة سور سميك مجهز بأبراج دفاعية مربعة وبوابتين رئيستين إحداهما في الجنوب والأخرى في الجهة الشمالية، وقد حصلت عليه تعديلات خلال العصر الروماني والبيزنطي، وقد تم في مواسم التنقيب الأخيرة الكشف عن البوابة الجنوبية وأجزاء من السور بهدف تحديد الفترات التاريخية وأعمال التجديد التي حصلت عليه. كما تم العثور على لوحات فسيفساء في غاية الجمال تشكل أرضيات منازل في الجزء الشمالي الشرقي من الموقع.
أما إلى الجنوب الغربي من المدينة فوق التل المرتفع المشرف على الحصن و المنطقة بأجمعها، فنجد بقايا معبد روماني كان مخصصاً لعبادة الإله زيوس، وقد حول إلى كنيسة بيزنطية في وقت لاحق (الشكل 4).
ومن أهم البقايا الأثرية الظاهرة ضمن المدينة والذي أخذ حيزاً كبيراً في دراسات فريزولس، المسرح الذي يتوضع في منتصف المدينة تقريباً، في الجهة الغربية من الشارع المستقيم، ويعد ثاني أكبر المسارح في سورية، إذ يبلغ قطره 115 متراً، منصته على شكل نصف دائري، ويبلغ عدد مدرجاته 24 صفاً لا تزال ظاهرة، وبينها تفصل ممرات، وجميع أجزائه مبنية بالقطع الحجرية. وكان المدرج ينتهي في الجزء العلوي برواق تزينه أعمدة وتماثيل حيث لا تزال الكثير من الأعمدة منهارة في مكانها، إضافة إلى الكثير من العناصر الزخرفية المؤرخة على القرن الثاني والثالث الميلادي[10] (الشكل 5).
كذلك من الأبنية المهمة التي لا تزال ظاهرة خارج المدينة، المدفن الذي يتوضّع في الجهة الجنوبية من الموقع، ويعرف حالياً من قبل أهالي المنطقة بضريح النبي هوري، وهي التسمية الحالية للموقع، وتاريخ المدفن يعود إلى القرن الثاني أو بداية القرن الثالث الميلادي، ويعود إلى قائد روماني ثم إلى أحد رجال الدين المسيحيين، ففي العهد البيزنطي تحولت هذه المدينة إلى مدينة مسيحية بيزنطية ضمت عشر كنائس وأسقفية. والمدفن مبني بقطع حجرية كلسية مشذبة، سقفه على شكل هرم وبداخله أعمدة ذات تيجان كورنثية، وهناك بناء آخر يحيط بالمدفن مؤرخ على العصر الإسلامي، وحالياً يضم متحفاً يعرض فيه كل ما يتعلق بالموقع (الشكل 6).
وما تجدر الإشارة إليه ويعتبر من البقايا العامة المؤرخة على العصر الروماني (القرن الثاني الميلادي)، تلك الجسور المتوضعة على نهر الصابون، والتي كانت تربط المدينة بالمناطق الجنوبية والشمالية، ولا تزال بحالة جيدة ومستخدمة حتى الوقت الحاضر، أحدها يقع على بعد 1.5كم إلى الشرق من المدينة، وهو مبني من الحجارة ويحتوي على ست فتحات لمرور مياه النهر.
وكانت هذه الجسور تستخدم قديماً لعبور المشاة والعربات التي تجرها الحيوانات، في حين أنها تستخدم حتى هذا العصر لعبور الآليات والسيارات بمختلف أوزانها وأنواعها ما أدى إلى تصدع هذه الجسور، وهذا يستوجب منع السير فوق تلك الجسور القديمة وترميمها حفاظاً عليها (الشكل 7).
لا تزال الحفريات الأثرية مستمرة في الموقع، وهناك الكثير من منشآت المدينة غير المعروفة والتي لم يتم تنقيبها، وتعد سيروس من المدن الرومانية الحدودية الهامة ذات الأصل الهلنستي وقد لعبت دوراً هاماً في حماية شمال سورية ضد الفرس، وتعمل البعثة الأثرية السورية اللبنانية حالياً على إعادة ترميم وتأهيل بعض المباني والمنشآت المعمارية كالبوابة الجنوبية والمسرح.
يتوضع موقع النبي هوري على بعد 70كم إلى الشمال الغربي من مدينة حلب، على ضفاف نهر الصابون في موقع جغرافي محصن طبيعياً، ومؤلف من هضبتين ومن ثم تليه منطقة سهلية تمتد نحو الوادي والنهر[1] (الشكل 1)، وعلى الهضبة الأقل ارتفاعاً شيدت المدينة وهي تقسم الى قسمين: المدينة المنخفضة، والمدينة المرتفعة التي تضم القلعة، ويحيط بالمدينة بالكامل سور يعود للعصر البيزنطي، وهو مبني فوق الأساسات الهلنستية، وتخترق السور أربع بوابات من الجهات الأربعة، ويتكون الجهاز الدفاعي من أسوار وأبراج وحصن إسلامي يتوضع في الجزء المرتفع من المدينة[2] (الشكل 2).
الاكتشاف:
كانت بداية اكتشاف الموقع في عام 1953م عندما قام هنري سيريغ «H.Seyrig» - مدير معهد الآثار الفرنسي في بيروت - بتشكيل بعثة أثرية برئاسة أدمون فريزولس «E.Frezouls» وبمساعدة المعماري فورير «M.Forrer»، حيث استمرت البعثة بأعمالها خلال ثمانية مواسم حتى عام 1976م، توقفت الأعمال بعدها، وللأسف لم تنشر كامل نتائج الأعمال التي قامت بها البعثة خلال هذه المواسم الثمانية[3].
وبقي الموقع على حاله حتى عام 2006م عندما تم تشكيل بعثة سورية لبنانية[4]، وكان من أهم أهدافها تعريف العامة بموقع النبي هوري (سيروس) وإعادة تجديد أعمال التنقيب ونشر النتائج مع الأخذ بعين الاعتبار نتائج التنقيبات السابقة والقيام بأعمال ترميم للمباني والمنشآت ضمن الموقع حسب الإمكانيات المتاحة. ولا تزال البعثة مستمرة بأعمال التنقيب والترميم ضمن الموقع حتى الوقت الحاضر وكان آخر أعمالها افتتاح متحف بجانب الموقع يتيح للزوار التعرف على الموقع ونتائج التنقيب واللقى المكتشفة.
لمحة تاريخية:
عندما دخل الإسكندر للشرق ووافته المنية، خلفه قواده على عرش إمبراطوريته، وكانت سورية من نصيب القائد سلوقس نيكاتور (312-280ق.م)[5] الذي قام ببناء عدد من المدن في سورية مثل أنطاكية ودورا أوروبوس واللاذقية، وبناء المدينة ينسب إلى هذا القائد، وعرفت باسم «كيروس» نسبة لمدينة مقدونية كما جرت العادة خلال العصر الهلنستي[6] حيث أن تقنية بناء السور (POLYGONAL) والوسائل الدفاعية مؤرخة على هذه الفترة (الشكل 3). ومع وصول الرومان بقيادة بومبي إلى الشرق عام 64ق.م أصبحت سيروس جزءاً من المقاطعة السورية الرومانية، وتمركزت فيها حامية عسكرية لأهمية موقعها الجغرافي ولدعم الجيش الروماني في معاركه ضد الفرثيين وذلك حتى نهاية القرن الثالث الميلادي. وعندما أصبحت منبج (هيرابوليس) عاصمة الفرات أيام سبتيموس سيفيروس غدت سيروس تابعة لها[7]. وخلال العصر البيزنطي استمرت الحياة في المدينة، وكان لها مركز ديني وعسكري مهم، وقد أعاد جوستينيان (527- 565م) بناء المدينة وتحصينها وأقام فيها فرقة عسكرية إلى جانب العديد من الأبنية وأقنية الماء. وبعد دخول القوات الإسلامية إلى المدينة، سميت «قورش» وذلك عام 636م، واستمر هذا الاسم شائعاً حتى تدميرها على يد نور الدين زنكي عام 1150م[8].
هناك من نسب التسمية «قورش» إلى الملك الفارسي قورش، إلا أن هناك نصوصاً كتابية تشير إلى أن أصل التسمية يعود للعصر المملوكي، وتتعلق بالضريح الموجود في الموقع، وقد عرفه السكان المحليون فيما بعد باسم النبي هوري[9].
تخطيط المدينة:
تم تخطيط المدينة حسب النظام المتبع في المدن اليونانية وهو المخطط الشطرنجي، إلا أن العصور اللاحقة التي مرت المدينة بها غيرت من المخطط الأصلي للمدينة، خصوصاً خلال العصر الروماني، حيث نجد الشارع المستقيم «Cardo Maximus» يقطعها بين البوابتين الشمالية والجنوبية، وعلى جانبيه تتوزع منشآت المدينة التي لم يتم التنقيب عنها بعد. ويتوضع الأكروبول في أعلى التلة، ويحيط بالمدينة سور سميك مجهز بأبراج دفاعية مربعة وبوابتين رئيستين إحداهما في الجنوب والأخرى في الجهة الشمالية، وقد حصلت عليه تعديلات خلال العصر الروماني والبيزنطي، وقد تم في مواسم التنقيب الأخيرة الكشف عن البوابة الجنوبية وأجزاء من السور بهدف تحديد الفترات التاريخية وأعمال التجديد التي حصلت عليه. كما تم العثور على لوحات فسيفساء في غاية الجمال تشكل أرضيات منازل في الجزء الشمالي الشرقي من الموقع.
أما إلى الجنوب الغربي من المدينة فوق التل المرتفع المشرف على الحصن و المنطقة بأجمعها، فنجد بقايا معبد روماني كان مخصصاً لعبادة الإله زيوس، وقد حول إلى كنيسة بيزنطية في وقت لاحق (الشكل 4).
ومن أهم البقايا الأثرية الظاهرة ضمن المدينة والذي أخذ حيزاً كبيراً في دراسات فريزولس، المسرح الذي يتوضع في منتصف المدينة تقريباً، في الجهة الغربية من الشارع المستقيم، ويعد ثاني أكبر المسارح في سورية، إذ يبلغ قطره 115 متراً، منصته على شكل نصف دائري، ويبلغ عدد مدرجاته 24 صفاً لا تزال ظاهرة، وبينها تفصل ممرات، وجميع أجزائه مبنية بالقطع الحجرية. وكان المدرج ينتهي في الجزء العلوي برواق تزينه أعمدة وتماثيل حيث لا تزال الكثير من الأعمدة منهارة في مكانها، إضافة إلى الكثير من العناصر الزخرفية المؤرخة على القرن الثاني والثالث الميلادي[10] (الشكل 5).
كذلك من الأبنية المهمة التي لا تزال ظاهرة خارج المدينة، المدفن الذي يتوضّع في الجهة الجنوبية من الموقع، ويعرف حالياً من قبل أهالي المنطقة بضريح النبي هوري، وهي التسمية الحالية للموقع، وتاريخ المدفن يعود إلى القرن الثاني أو بداية القرن الثالث الميلادي، ويعود إلى قائد روماني ثم إلى أحد رجال الدين المسيحيين، ففي العهد البيزنطي تحولت هذه المدينة إلى مدينة مسيحية بيزنطية ضمت عشر كنائس وأسقفية. والمدفن مبني بقطع حجرية كلسية مشذبة، سقفه على شكل هرم وبداخله أعمدة ذات تيجان كورنثية، وهناك بناء آخر يحيط بالمدفن مؤرخ على العصر الإسلامي، وحالياً يضم متحفاً يعرض فيه كل ما يتعلق بالموقع (الشكل 6).
وما تجدر الإشارة إليه ويعتبر من البقايا العامة المؤرخة على العصر الروماني (القرن الثاني الميلادي)، تلك الجسور المتوضعة على نهر الصابون، والتي كانت تربط المدينة بالمناطق الجنوبية والشمالية، ولا تزال بحالة جيدة ومستخدمة حتى الوقت الحاضر، أحدها يقع على بعد 1.5كم إلى الشرق من المدينة، وهو مبني من الحجارة ويحتوي على ست فتحات لمرور مياه النهر.
وكانت هذه الجسور تستخدم قديماً لعبور المشاة والعربات التي تجرها الحيوانات، في حين أنها تستخدم حتى هذا العصر لعبور الآليات والسيارات بمختلف أوزانها وأنواعها ما أدى إلى تصدع هذه الجسور، وهذا يستوجب منع السير فوق تلك الجسور القديمة وترميمها حفاظاً عليها (الشكل 7).
لا تزال الحفريات الأثرية مستمرة في الموقع، وهناك الكثير من منشآت المدينة غير المعروفة والتي لم يتم تنقيبها، وتعد سيروس من المدن الرومانية الحدودية الهامة ذات الأصل الهلنستي وقد لعبت دوراً هاماً في حماية شمال سورية ضد الفرس، وتعمل البعثة الأثرية السورية اللبنانية حالياً على إعادة ترميم وتأهيل بعض المباني والمنشآت المعمارية كالبوابة الجنوبية والمسرح.
Comment