الرجاء قرائتها للنهايه رائعه جدا
- توقف يا أبانوب … سوف تقتل زميلك!
كانت صرخات فؤاد مدرب أبانوب تبعث على الهلع, و هو يتجه بسرعة نحوه ممسكاً بذراعه التي شبثها بقوة و عناد حول عنق مايكل زميل أبانوب رافضًا تركها … بينما كان مايكل قد بدأ يستسلم لفكرة أنه سيغادر هذه الحياة بعد لحظات.
ولكن أخيراً تم تخليص رقبة مايكل من تلك الذراع الحديدية التي التفت حولها، ولكن ما أن أفلتت يد أبانوب حتى عاد يكيل له اللكمات في جنون مما استدعى الأمر لمجموعة من المتدربين زملائه أن يمسكوا به يكبلون يده محاولين السيطرة على غضبه، و كل منهم يتوسل ويصرخ:
- أهدأ يا أبانوب:
و هدأ أبانوب مضطرًا لأنه في ذلك الوقت كأنه خارج دائرة الزمن، لا يرى أمامه مجرد تدريب عنيف مع زميله للاستعداد لمباراة قادمة، بل كان يرى عدوًا يريد افتراسه، و لكن بعد أن توقفت يداه إجبارياً عن الضرب بدأ يستعيد وعيه، ليسترجع ما حدث فيرى مدرب أمامه، و زملاءه الشباب يحيطونه. و صديقه الصدوق مايكل ملقىً على الأرض يحاول أن يتنفس و قد امتلأ وجهه بالدماء، و بعد أن يستعيد وعيه تمامًا يجد مدربه الغاضب يحتدم غضب و يقول بنبرة حادة.
- هذا غير معقول يا أبانوب … لابد أن تسيطر على يديك و ذهنك وأعصابك وأنت تلعب … وإلا سينتهي بك الحال في السجن بعد أن تقتل أحد زملائك. استعاد أبانوب هدوءه بالكامل أخيرًا لينظر إلى مايكل الذي لم يصدق أنه لا يزال حياً، ويقول أبانوب له في خجل:
- أعتذر يا صاحبي!
ابتسم مايكل ابتسامة صفراء وهو يمسح الدم الذي في وجه ويتأكد أن عظام أنفه لا تزال مكانها!
- لا عليك يا صديقي… يبدو أنك اندمجت بعض الشيء .. لكن ربنا ستر ثم اتجه متثاقلاً إلى غرفة خلع الملابس بينما وقف أبانوب ينظر إلى يديه ولسان حاله ينتقد قائلًا: "متى تشبعين؟!!". وأبانوب طالب متفوق في السنة الثالثة من كلية الإرشاد السياحي، طويل القامة ورياضي شديد البأس.
لحظة! ( لم أفهم ما الذي تريده بكتابة لحظة)
في الواقع أن موضوع رياضي شديد البأس هذه هي صفة حديثة العهد به، فمن سنوات قليلة كان يمكن أن تصفه أنه شخص هاديء الطباع حلو الحديث، شديد الإخلاص لأصدقائه القليلين لأنه انطوائي بعض الشيء، يحب الإطلاع، و بالذات في مجال اللغات و التاريخ، مما جعله يختار كلية الإرشاد السياحي ليحدد بعد إنهائه مشواره الدراسي ما طبيعة المجال الذي سيعمل به، و لكن في بداية هذا العام بالذات تغيرت الكثير من اتجاهات أبانوب، فمن كان يتصور أن هذا الوديع يتحول خلال أشهر قليلة إلى واحد من أفضل المتدربين في رياضة شديدة الندرة في العالم كله و في مصر خاصة، هذه الرياضة التي يسمونها "رياضة تكسير العظام". هذه الرياضة التي يتدرب فيها خمسة أفراد فقط على مستوى مدينة الإسكندرية، وهي مزيج من أنواع مختلفة من المصارعة ومن اسمها تعرف محتواها، إذ أنها تهدف إلى تكسير العظام!! فنجاح المصارع في كسر عظمة من عظام الخصم يجعله فائزا!!( هل هذه حقيقة أم مبالغة).
رياضة دموية مدمرة بعيدة تماماً عن أخلاقيات أبانوب .. ولكنه وجد نفسه مستمتعاً بها فجأة بل تفوق فيها أخيراً .. في الواقع قبيل أن تجرفه هذه الرياضة بتفاصيلها..جذبته مبادؤها التي راقت لأبانوب كثيراً في فترة من أحلك فترات حياته، فأهم مبادئها:
- ثق بنفسك..لا يوجد أي شخص يمكن أن تثق فيه إلا عقلك وذراعك!
- حتى الله لا يمكنك أن تثق فيه، لأنه متى و ثقت بأي عنصر خارجي يمكنك أن تحبط، و لكن ثقتك في نفسك تجعلك تتحكم بكل أمور حياتك.
- تستطيع بنفسك أن تتغلب على أي مشكلة، لابد أن تميت أي مشاعر داخلك يمكنها أن تعطلك على أهدافك!
- كل شخص هو عدو…لا يوجد من يستحق أن تثق به، إلهك هو ذراعك، لأنك تستطيع أن تطوعه كيفما تشاء. و لن تخذلك أبداً، في الكون كله لا إله يمكن أن تثق به إلا ذاتك. - لا مكان للألم، تغلب على ألمك و اعتبره غير موجود!
- جسم الإنسان يمكنك أن تدربه و تطوّعه على أي شيء تريد، يمكن أن تتغلب على أي انكسار أو أي مرض بقوة إرادتك الشخصية، لابد أن تميت أحاسيسك بالتدريب و التدرّب المستمر!
- ستنجح، لابد أن تنجح، لا مجال للفشل.
كل هذه العبارات هي بعض مباديء تلك الرياضة العنيفة، أعجبته هذه المباديء كثيراً و هو يستمع إليها في فترة من أحلك فترات حياته، حيث فقد جدته التي كان يحبها للغاية، وأيضاً بعد خيانة صديقة له أعطاها كل مشاعره الغضة، ليجد أنها تتركه و تلهث وراء آخر، صدمتان أصابتاه في مقتل، و هو صاحب الطبيعة الهادئة الوفية و الخجولة التي جعلته لا يقوى على احتمال الصدمات .. وفي لحظات يأس يتعرف على المدرب فؤاد، و يجد نفسه بسرعة يقاتل تلك الرياضة العنيفة. و يتميز فيها.
في الواقع كان يختلف تماماً عن مدربه فؤاد، الذي كان يعتبر هذه اللعبة مجرد رياضة، فكان رغم قوته الشديدة و صلابته يستطيع السيطرة على نفسه بصورة كبيرة، فيعرف متى يتوقف، فلا يؤذي خصمه، أما هو فمتى بدأ ينهمك كثيرًا في ضرب المصارع الذي أمامه كما لو كان عدوًا له، كان يشعر بشهوة كبيرة للدمار و التحطيم، حتى و لو على حساب نفسه، في الواقع كان يظن أنه لو لم يجد أي شخص يحطمه سوف يحطم نفسه. لذلك وجد في هذه الرياضة ضالته. و وجد فؤاد في هذه الشهوة مشكلة أبانوب الوحيدة التي تعيق تفوقه، لأنه لابد أن يؤذي شخصًا ما. انتهى أبانوب من التدريب بهذه النهاية المأساوية، مع عقاب صارم من فؤاد، و تهديد بالتوقف عن استمراره في التدريب إذا لم ينجح في السيطرة على نفسه، و يخرج أبانوب من النادي و يتجه إلى بيته، و عندما دخل أبانوب بيته، بتلقائية دخل إلى غرفة جدته كما اعتاد ليلقي عليها تحية المساء، و لكنه لم يجدها جالسة مكانها تقرأ في الكتاب المقدس كعادتها، و لا عجب في ذلك فقد غادرت جدته غرفتها منذ بضعة شهور.
غادرتها بعد مرض و ألم و معاناة، خلالها كان أبانوب يتوسل إلى الله كثيرًا أن يتركها له و يشفيها من مرضها، و لكن هذا لم يحدث. لقد كانت جدته وصديقته و القلب الحنون الذي يلجأ إليه في ضيقه، و لكن الله أصر أن يأخذها ولا يسمع لصلاته.
- يارب لماذا؟ … لماذا تحرمني من كل مَن أحب؟، لماذا لا تسمع الصلاة وأنت تعدنا أنك تستجيب صلواتنا!
خرج أبانوب من الغرفة، ليدخل مباشرة إلى الحمام، متجاهلاً عائلته التي تنظر له في أسى و حزن على ما حل به…يفتح المياه في الحمام. ينتظر الماء حتى يسخن سخونة غير عادية، ثم يضع جسمه تحت المياه الساخنة لخمسة دقائق. و هو شارد.
في الواقع كان أبانوب يثق ثقة عمياء بالله، كان يناجي نفسه: "الله عادل وهو حي ويسمع الصلاة… لذلك إذا صليت بقوة كافية فإن جدتي لن تموت" و ماتت الجدة.
وتنتهي الخمس دقائق فيقلب الدش على الماء البارد، فيتحول الماء بسرعة إلى ماء بارد … دون أن يشعر بأي مشاكل، إذ أنه درب جسمه على هذا التمرين، وينتظر تحته خمس دقائق…يتذكر وجه صديقته الجامعية، بابتسامتها التي جعلت قلبه ينبض بالحياة، عينان لامعتان واثقتان جعلتاه يصدقها، وهي تقول: معاً إلى الأبد؟! … أجل معاً إلى الأبد … مع ابتسامة حانية…و شوق لمستقبل رائع … ليتبخر بسرعة ذهب هذا الحب مع الريح تاركاً مشاعره محطمة … و لسان حاله يقول .. لماذا؟
لماذا الخيانة … لماذا الترك … لماذا عدم الاستجابة … لماذا عدم الوفاء؟؟؟؟
أسئلة بلا إجابة … يضرب يده على حائط الحمام في عنف، ثم يغلق الدش دون أن يشعر بسخونة المياه أو برودتها، لقد تدرب أن يطوع جسده لإرادته، كما تعلم في التدريب…ينظر إلى الحائط يجد شظية زجاجية ملتصقة بالحائط مع الكثير من الدم!
ينظر إلى يده، لقد أصيبت في تدريب منذ ثلاثة أسابيع بشظية زجاجية، ولم يأبه ويفكر بأن يعالجها، بل تجاهلها واثقاً أنها ستخرج مع الوقت و الاستخدام، هكذا تعلم مع رياضته الجديدة، طوع يدك كما تريد مهما كانت مصابة، و لا تستسلم للألم الذي ينتج عن ذلك. و لم تخذله يداه، فها هي تطرد الشظية بعد ثلاثة أسابيع، يمسح بالمنشفة يده الممتلئة بالدماء، ثم يغادر الحمام تاركاً وراءه آثار معركة قصيرة مع جسده خرج فيها منتصراً كعادته، و يتجه بعدها إلى غرفته في صمت.
كانت الدماء قد توقفت من يده ، ليمسحها بهدوء ثم يتجه إلى جهاز الكمبيوتر، و يدخل على الفيسبوك "Facebook" يقلب في صفحاته، ليجد أحد أصدقائه يرسل له عنوان جروب "على مستوى التحدي" يدخل هذا الجروب، ينظر إلى الحائط، ليجد إعلان آخر عن جروب تابع له اسمه "He Can" (هو يستطيع) يدخل من الجروب الأول إلى الجروب الثاني، ليكتشف أنهم جماعة تهتم بالرياضة، ويغلب عليهم اهتمامهم بكرة القدم، و مع الوقت يكتشف أنهم جماعة من المسيحيين المؤمنين. ليبتسم في ملل!
- لا ينقصني إلا هذا!
ثم ينضم للمجموعة و يكتب باللغة الانجليزية على الحائط!
- If he can, then where is he in my life? وترجمتها إذا كان هو بالفعل يستطيع، فأين مكانه في حياتي؟
كانت هذه هي مشاعره، هل بالفعل الله يستطيع؟
ويغادر أبانوب الصفحة … بل ويغادر الكمبيوتر ويستلقي على السرير. - صفحة مسيحية، ألا يكفينا ما يحدث؟؟
يغمض عيناه، و يتذكر أصدقاءه في الكلية، واحدة منهم نصحته أن يرجع ليقرأ الكتاب المقدس ثانية، و يعيد ثقته بالله، وقتها ابتسم في مرارة و أجاب:
- لا يوجد من يستحق أن أثق به. أين كان حينما كنت أتألم، أما الآن فأنا منتصر حتى على الألم.
- أغمض عينيه … ليتذكر قوله لزميلته.
- هل تعرف يا أبانوب أنه داخلك….يسكن فيك، لذلك هو يتألم معك، المشكلة أنك تظن أنه في الجانب الآخر من المشكلة، أي أنه مصدر و سبب الألم، ولكنه يسكن فيك أنت و يواجه الألم معك أنت.
- وما دليلك على هذا؟
- هو سبق و تألم وحده، فأعطانا الدليل على أنه يحارب معنا و ليس في الجانب الآخر.
- هل هو ضعيف هكذا؟… لقد انتصرت أنا على الألم، أما هو فلم ينتصر.
- هو اختار أن يتجرع الكأس للنهاية لأنه يحبك … ألا تعي هذا … لماذا لا تكون على مستوى التحدي مثله.
على مستوى التحدي… هو يستطيع He Can كلمات قرأها منذ لحظات على الانترنت و لم تفارق هذه الكلمات ذهنه, فلم يستطع طردها من عقله….هو تحدٍ من نوع آخر تحدي الألم بدلًا من الهرب منه، تحدي الخيانة بالمحبة بدلًا من الخنوع و الهروب.
- يد لا تشبع من التدمير، هل يستطيع إشباعها بالحب؟
جلس على السرير، يتلفت حوله باحثًا عن الإنجيل … هو يستطيع .. إنه تحدٍ من نوع آخر … يريد أن يغير من أولوياته…
يفتح الكتاب … يجد ورقة صغيرة كتبها وهو صغير "إذا كنت شديد الحساسية حقاً و أردت علاقة بمعزل عن ظروف الحياة …فهذه العلاقة يجب أن تكون مع الله، لأنه هو الثابت … الكل يتغير … الكل جزء من دورة الحياة بحلوها و بمرها، بعدلها و بشرها، إلا هو، فيه كانت الحياة … لذلك إذا وثقت في الله بغض النظر عن شكل الحياة..فسوف تستمر العلاقة مع الله بنفس القوة في الوقت الذي فيه تتصدع أركان الحياة…تستطيع أن تتعلم الوثوق بالله رغم كل ما في الحياة من ظلم، لأنه ببساطة سوف يجتاز هذا الظلم معك".
يفتح مزمور أحبه كثيرًا، وبهدوء واثق يقرأ: - اختبرني يا الله واعرف قلبي…. ينظر إلى يديه، لن تشبعين إذا كان طعامك هو التدمير، و لكني قررت ألا يكون التدمير هو زادك، هو يقدر، وسأكون أنا على مستوى التحدي … معه. و كانت النهاية … و البداية…..
- توقف يا أبانوب … سوف تقتل زميلك!
كانت صرخات فؤاد مدرب أبانوب تبعث على الهلع, و هو يتجه بسرعة نحوه ممسكاً بذراعه التي شبثها بقوة و عناد حول عنق مايكل زميل أبانوب رافضًا تركها … بينما كان مايكل قد بدأ يستسلم لفكرة أنه سيغادر هذه الحياة بعد لحظات.
ولكن أخيراً تم تخليص رقبة مايكل من تلك الذراع الحديدية التي التفت حولها، ولكن ما أن أفلتت يد أبانوب حتى عاد يكيل له اللكمات في جنون مما استدعى الأمر لمجموعة من المتدربين زملائه أن يمسكوا به يكبلون يده محاولين السيطرة على غضبه، و كل منهم يتوسل ويصرخ:
- أهدأ يا أبانوب:
و هدأ أبانوب مضطرًا لأنه في ذلك الوقت كأنه خارج دائرة الزمن، لا يرى أمامه مجرد تدريب عنيف مع زميله للاستعداد لمباراة قادمة، بل كان يرى عدوًا يريد افتراسه، و لكن بعد أن توقفت يداه إجبارياً عن الضرب بدأ يستعيد وعيه، ليسترجع ما حدث فيرى مدرب أمامه، و زملاءه الشباب يحيطونه. و صديقه الصدوق مايكل ملقىً على الأرض يحاول أن يتنفس و قد امتلأ وجهه بالدماء، و بعد أن يستعيد وعيه تمامًا يجد مدربه الغاضب يحتدم غضب و يقول بنبرة حادة.
- هذا غير معقول يا أبانوب … لابد أن تسيطر على يديك و ذهنك وأعصابك وأنت تلعب … وإلا سينتهي بك الحال في السجن بعد أن تقتل أحد زملائك. استعاد أبانوب هدوءه بالكامل أخيرًا لينظر إلى مايكل الذي لم يصدق أنه لا يزال حياً، ويقول أبانوب له في خجل:
- أعتذر يا صاحبي!
ابتسم مايكل ابتسامة صفراء وهو يمسح الدم الذي في وجه ويتأكد أن عظام أنفه لا تزال مكانها!
- لا عليك يا صديقي… يبدو أنك اندمجت بعض الشيء .. لكن ربنا ستر ثم اتجه متثاقلاً إلى غرفة خلع الملابس بينما وقف أبانوب ينظر إلى يديه ولسان حاله ينتقد قائلًا: "متى تشبعين؟!!".
***
لحظة! ( لم أفهم ما الذي تريده بكتابة لحظة)
في الواقع أن موضوع رياضي شديد البأس هذه هي صفة حديثة العهد به، فمن سنوات قليلة كان يمكن أن تصفه أنه شخص هاديء الطباع حلو الحديث، شديد الإخلاص لأصدقائه القليلين لأنه انطوائي بعض الشيء، يحب الإطلاع، و بالذات في مجال اللغات و التاريخ، مما جعله يختار كلية الإرشاد السياحي ليحدد بعد إنهائه مشواره الدراسي ما طبيعة المجال الذي سيعمل به، و لكن في بداية هذا العام بالذات تغيرت الكثير من اتجاهات أبانوب، فمن كان يتصور أن هذا الوديع يتحول خلال أشهر قليلة إلى واحد من أفضل المتدربين في رياضة شديدة الندرة في العالم كله و في مصر خاصة، هذه الرياضة التي يسمونها "رياضة تكسير العظام". هذه الرياضة التي يتدرب فيها خمسة أفراد فقط على مستوى مدينة الإسكندرية، وهي مزيج من أنواع مختلفة من المصارعة ومن اسمها تعرف محتواها، إذ أنها تهدف إلى تكسير العظام!! فنجاح المصارع في كسر عظمة من عظام الخصم يجعله فائزا!!( هل هذه حقيقة أم مبالغة).
رياضة دموية مدمرة بعيدة تماماً عن أخلاقيات أبانوب .. ولكنه وجد نفسه مستمتعاً بها فجأة بل تفوق فيها أخيراً .. في الواقع قبيل أن تجرفه هذه الرياضة بتفاصيلها..جذبته مبادؤها التي راقت لأبانوب كثيراً في فترة من أحلك فترات حياته، فأهم مبادئها:
- ثق بنفسك..لا يوجد أي شخص يمكن أن تثق فيه إلا عقلك وذراعك!
- حتى الله لا يمكنك أن تثق فيه، لأنه متى و ثقت بأي عنصر خارجي يمكنك أن تحبط، و لكن ثقتك في نفسك تجعلك تتحكم بكل أمور حياتك.
- تستطيع بنفسك أن تتغلب على أي مشكلة، لابد أن تميت أي مشاعر داخلك يمكنها أن تعطلك على أهدافك!
- كل شخص هو عدو…لا يوجد من يستحق أن تثق به، إلهك هو ذراعك، لأنك تستطيع أن تطوعه كيفما تشاء. و لن تخذلك أبداً، في الكون كله لا إله يمكن أن تثق به إلا ذاتك. - لا مكان للألم، تغلب على ألمك و اعتبره غير موجود!
- جسم الإنسان يمكنك أن تدربه و تطوّعه على أي شيء تريد، يمكن أن تتغلب على أي انكسار أو أي مرض بقوة إرادتك الشخصية، لابد أن تميت أحاسيسك بالتدريب و التدرّب المستمر!
- ستنجح، لابد أن تنجح، لا مجال للفشل.
كل هذه العبارات هي بعض مباديء تلك الرياضة العنيفة، أعجبته هذه المباديء كثيراً و هو يستمع إليها في فترة من أحلك فترات حياته، حيث فقد جدته التي كان يحبها للغاية، وأيضاً بعد خيانة صديقة له أعطاها كل مشاعره الغضة، ليجد أنها تتركه و تلهث وراء آخر، صدمتان أصابتاه في مقتل، و هو صاحب الطبيعة الهادئة الوفية و الخجولة التي جعلته لا يقوى على احتمال الصدمات .. وفي لحظات يأس يتعرف على المدرب فؤاد، و يجد نفسه بسرعة يقاتل تلك الرياضة العنيفة. و يتميز فيها.
في الواقع كان يختلف تماماً عن مدربه فؤاد، الذي كان يعتبر هذه اللعبة مجرد رياضة، فكان رغم قوته الشديدة و صلابته يستطيع السيطرة على نفسه بصورة كبيرة، فيعرف متى يتوقف، فلا يؤذي خصمه، أما هو فمتى بدأ ينهمك كثيرًا في ضرب المصارع الذي أمامه كما لو كان عدوًا له، كان يشعر بشهوة كبيرة للدمار و التحطيم، حتى و لو على حساب نفسه، في الواقع كان يظن أنه لو لم يجد أي شخص يحطمه سوف يحطم نفسه. لذلك وجد في هذه الرياضة ضالته. و وجد فؤاد في هذه الشهوة مشكلة أبانوب الوحيدة التي تعيق تفوقه، لأنه لابد أن يؤذي شخصًا ما.
***
غادرتها بعد مرض و ألم و معاناة، خلالها كان أبانوب يتوسل إلى الله كثيرًا أن يتركها له و يشفيها من مرضها، و لكن هذا لم يحدث. لقد كانت جدته وصديقته و القلب الحنون الذي يلجأ إليه في ضيقه، و لكن الله أصر أن يأخذها ولا يسمع لصلاته.
- يارب لماذا؟ … لماذا تحرمني من كل مَن أحب؟، لماذا لا تسمع الصلاة وأنت تعدنا أنك تستجيب صلواتنا!
خرج أبانوب من الغرفة، ليدخل مباشرة إلى الحمام، متجاهلاً عائلته التي تنظر له في أسى و حزن على ما حل به…يفتح المياه في الحمام. ينتظر الماء حتى يسخن سخونة غير عادية، ثم يضع جسمه تحت المياه الساخنة لخمسة دقائق. و هو شارد.
في الواقع كان أبانوب يثق ثقة عمياء بالله، كان يناجي نفسه: "الله عادل وهو حي ويسمع الصلاة… لذلك إذا صليت بقوة كافية فإن جدتي لن تموت" و ماتت الجدة.
وتنتهي الخمس دقائق فيقلب الدش على الماء البارد، فيتحول الماء بسرعة إلى ماء بارد … دون أن يشعر بأي مشاكل، إذ أنه درب جسمه على هذا التمرين، وينتظر تحته خمس دقائق…يتذكر وجه صديقته الجامعية، بابتسامتها التي جعلت قلبه ينبض بالحياة، عينان لامعتان واثقتان جعلتاه يصدقها، وهي تقول: معاً إلى الأبد؟! … أجل معاً إلى الأبد … مع ابتسامة حانية…و شوق لمستقبل رائع … ليتبخر بسرعة ذهب هذا الحب مع الريح تاركاً مشاعره محطمة … و لسان حاله يقول .. لماذا؟
لماذا الخيانة … لماذا الترك … لماذا عدم الاستجابة … لماذا عدم الوفاء؟؟؟؟
أسئلة بلا إجابة … يضرب يده على حائط الحمام في عنف، ثم يغلق الدش دون أن يشعر بسخونة المياه أو برودتها، لقد تدرب أن يطوع جسده لإرادته، كما تعلم في التدريب…ينظر إلى الحائط يجد شظية زجاجية ملتصقة بالحائط مع الكثير من الدم!
ينظر إلى يده، لقد أصيبت في تدريب منذ ثلاثة أسابيع بشظية زجاجية، ولم يأبه ويفكر بأن يعالجها، بل تجاهلها واثقاً أنها ستخرج مع الوقت و الاستخدام، هكذا تعلم مع رياضته الجديدة، طوع يدك كما تريد مهما كانت مصابة، و لا تستسلم للألم الذي ينتج عن ذلك. و لم تخذله يداه، فها هي تطرد الشظية بعد ثلاثة أسابيع، يمسح بالمنشفة يده الممتلئة بالدماء، ثم يغادر الحمام تاركاً وراءه آثار معركة قصيرة مع جسده خرج فيها منتصراً كعادته، و يتجه بعدها إلى غرفته في صمت.
كانت الدماء قد توقفت من يده ، ليمسحها بهدوء ثم يتجه إلى جهاز الكمبيوتر، و يدخل على الفيسبوك "Facebook" يقلب في صفحاته، ليجد أحد أصدقائه يرسل له عنوان جروب "على مستوى التحدي" يدخل هذا الجروب، ينظر إلى الحائط، ليجد إعلان آخر عن جروب تابع له اسمه "He Can" (هو يستطيع) يدخل من الجروب الأول إلى الجروب الثاني، ليكتشف أنهم جماعة تهتم بالرياضة، ويغلب عليهم اهتمامهم بكرة القدم، و مع الوقت يكتشف أنهم جماعة من المسيحيين المؤمنين. ليبتسم في ملل!
- لا ينقصني إلا هذا!
ثم ينضم للمجموعة و يكتب باللغة الانجليزية على الحائط!
- If he can, then where is he in my life? وترجمتها إذا كان هو بالفعل يستطيع، فأين مكانه في حياتي؟
كانت هذه هي مشاعره، هل بالفعل الله يستطيع؟
ويغادر أبانوب الصفحة … بل ويغادر الكمبيوتر ويستلقي على السرير. - صفحة مسيحية، ألا يكفينا ما يحدث؟؟
يغمض عيناه، و يتذكر أصدقاءه في الكلية، واحدة منهم نصحته أن يرجع ليقرأ الكتاب المقدس ثانية، و يعيد ثقته بالله، وقتها ابتسم في مرارة و أجاب:
- لا يوجد من يستحق أن أثق به. أين كان حينما كنت أتألم، أما الآن فأنا منتصر حتى على الألم.
- أغمض عينيه … ليتذكر قوله لزميلته.
- هل تعرف يا أبانوب أنه داخلك….يسكن فيك، لذلك هو يتألم معك، المشكلة أنك تظن أنه في الجانب الآخر من المشكلة، أي أنه مصدر و سبب الألم، ولكنه يسكن فيك أنت و يواجه الألم معك أنت.
- وما دليلك على هذا؟
- هو سبق و تألم وحده، فأعطانا الدليل على أنه يحارب معنا و ليس في الجانب الآخر.
- هل هو ضعيف هكذا؟… لقد انتصرت أنا على الألم، أما هو فلم ينتصر.
- هو اختار أن يتجرع الكأس للنهاية لأنه يحبك … ألا تعي هذا … لماذا لا تكون على مستوى التحدي مثله.
على مستوى التحدي… هو يستطيع He Can كلمات قرأها منذ لحظات على الانترنت و لم تفارق هذه الكلمات ذهنه, فلم يستطع طردها من عقله….هو تحدٍ من نوع آخر تحدي الألم بدلًا من الهرب منه، تحدي الخيانة بالمحبة بدلًا من الخنوع و الهروب.
- يد لا تشبع من التدمير، هل يستطيع إشباعها بالحب؟
جلس على السرير، يتلفت حوله باحثًا عن الإنجيل … هو يستطيع .. إنه تحدٍ من نوع آخر … يريد أن يغير من أولوياته…
يفتح الكتاب … يجد ورقة صغيرة كتبها وهو صغير "إذا كنت شديد الحساسية حقاً و أردت علاقة بمعزل عن ظروف الحياة …فهذه العلاقة يجب أن تكون مع الله، لأنه هو الثابت … الكل يتغير … الكل جزء من دورة الحياة بحلوها و بمرها، بعدلها و بشرها، إلا هو، فيه كانت الحياة … لذلك إذا وثقت في الله بغض النظر عن شكل الحياة..فسوف تستمر العلاقة مع الله بنفس القوة في الوقت الذي فيه تتصدع أركان الحياة…تستطيع أن تتعلم الوثوق بالله رغم كل ما في الحياة من ظلم، لأنه ببساطة سوف يجتاز هذا الظلم معك".
يفتح مزمور أحبه كثيرًا، وبهدوء واثق يقرأ: - اختبرني يا الله واعرف قلبي…. ينظر إلى يديه، لن تشبعين إذا كان طعامك هو التدمير، و لكني قررت ألا يكون التدمير هو زادك، هو يقدر، وسأكون أنا على مستوى التحدي … معه. و كانت النهاية … و البداية…..