الأبواب مغلقة: بالطبع المسيح لم يدخل والأبواب مغلقة، بمعنى أنه لم يخترق الأبواب، فهو ليس بشبح بالرغم من أنه لم يعد يخضع للزمان والمكان. فإذا رآه التلاميذ فجأة في الغرفة المقفلة حيث هو متواجدون، فهذا يعني أنه كان فيها مسبقاً، غير مرئي لكنه حاضر وهذا الحضور منذ الآن، أي منذ القيامة، هو حضور شامل. فالتلاميذ يتذكرون ما سبق أن قاله لهم «فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك. ليوكونوا واحداً كما نحن واحد» (يو 17، 21 - 23). فالمسيح موجود في كل مكان نوجد نحن فيه. فالأبواب ستفتح، ولكن لا لكي تسمح بالدخول، إنما لكي نستطيع الخروج: «إني أرسلكم». وفي إنجيل يوحنا 14، 23، يعلن بأنه سيجعل من المؤمنين مجتمعين مسكناً له: «إذا أحبني أحد، حفظ كلامي، فأحبّه أبي فنأتي إليه ونجعلُ لنا عنده مقاماً».
إذاّ حيث يوجد التلميذ يوجد المسيح. كل واحد وواحدة منّا يصبح مسكناً لله؛ كل واحد وواحدة منّا بقدر ما يتجه باتجاه الآخرين. ولكن ماذا يمكننا القول عن إيمان توما، توأمنا؟ توما لم يكن مع الآخرين عندما ظهر المسيح لهم. فالتلاميذ، قبل القيامة، لدى دعوة يسوع لهم، اجتمعوا على أن يتبعوه. والآن، يسوع لم يعد هنا لكن، على عكس تلميذي عمّاوس، الذين ذهبوا، بقوا معاً. هل هم مدفوعون بدون علمهم برجاء خفي ما؟ توما لم يكن موجوداً لكن هذا لا يعني انه تخلّى عن الآخرين: فبعد ثمانية أيام كان معهم يقول لنا النص. فذكر اليوم الأول من الأسبوع في الآية19 وثمانية أيام لاحقاً ليس عشوائي: فبعد ستة أيام الخلق واليوم السابع المكرّس لراحة الله، ها هو اليوم الثامن، اليوم الأول لعهد جديد، لخق جديد.
الإيمان بدون نظر: التلاميذ المجتمعين آمنوا لأنهم رأوا يسوع. لم يؤمنوا على كلمة مريم المجدلية ورفاقها عندما تحدثوا عن القبر الفارغ وعن الرسالة التي نقلها لهم الملاك. بطريقة ما تبع التلاميذ طريق توما نفسه: لكي يؤمنوا كان عليهم أن يروا. ورؤية يسوع القائم من بين الأموات لا تكفي، فلا بدّ من التأكد بأنه هو نفسه الموجود هنا. ولهذا السبب يريهم يسوع يديه ورجليه وجنبه المفتوح. فلنتذكر ما تقوله لنا الرسالة الأولى ليوحنا: «ذاك الذي كان منذ البدء، ذاك الذي سمعناه، ذاك الذي رأيناه بعيننا، ذالك الذي تأملناه ولمسته يدانا من كلمة الحياة» (1 يو 1، 1).
على كل حال «الرؤية الموضوعية» تتركنا خارجاً عن الذي نراه. بينما، على العكس، كلمة الآخر تدخل فينا إن صح التعبير وتوصل لنا ما هو عليه. في البدء هناك الكلمة، العلاقة؛ وهذا ما يجعلنا نوجد بالفعل. حتى جسدياً، كما نعلم، نولد من العلاقة. فالكملة هي بذرة، حتى ولو أن بإمكانها أن تفسد فتقع في اللامعنى أو في الكذب. فالإيمان بدون النظر، بدون برهان، هذا يعني الاستقبال بدون أي تحفظ لمن يكلمنا. فالموضوع لم يعد موضوع معرفة إنما موضوع إيمان. نحن هنا وهذه هي الوسيلة الوحيدة لكي نجعل الاخر جزء منّا، كلمة الله التي منها كل شيء يوجد. فالرؤية الوحيدة التي تبقى أمامنا هي الاتحاد، اتحاد من يجتمع ويتكلم بأسم المسيح.
لهذا السبب يعد يسوع تلاميذه الذين تجاوزهم الحدث بأن يرسل لهم الروح القدس؛ وهذا الإعلان للعنصرة يشير بأنه لا يزال أمامهم طريق طويل، وأن عليهم أن ينفتحوا على ما يفلت من سيطرتهم، عليهم أن يتدربوا لكي يستشفوا شيئاً فشياً، بشكل أفضل ما هو الموضوع. كيف يمكن أن لا نفهم بأنه على خبرة التلاميذ أن تكون خبرتنا نحن؟ علينا أن لا نتسرع ونعلن بأننا قد فهمنا، وأننا نعرف جيداً ما هي قيامة المسيح. فلنقبل ببساطة أن الموضوع يتجاوزنا. على يسوع أن يخترق أبواب إدراكنا وقلبنا ليشرح لنا الكتب المقدسة ونفلت من شكوكنا ومخاوفنا. لهذا السبب من المفضل، على مثال التلاميذ، الاعتراف بشكوكنا ومخاوفنا.
ولكن علينا أن نتجنب احتقاراً جديداً. قد نفكر بأنه مجرد أن أتى الروح القدس، سوف يجتاحنا الوضوح، وأن كل شيء سيكون واضحاً ومفهوماً بشكل جيد. باختصار قيامة المسيح ستفقد بطريقة ما سرها. كما لو أن الروح يأتي ليقفل، ليغلق وليختم ما يجب أن يبقى مفتوحاً، دائماً سر. على العكس علينا الإقرار بأنه حتى ولو كنّا متفاعلين مع الروح لا يمكننا أن نضمن بشكل كامل بأننا نؤمن بالفعل ما نعلنه على أنه إيماننا، وأن موضوع إيماننا يبقى على مسافة منّا. طوبى لهذه المسافة إن كانت تعني بأن قيامة المسيح تحث دائماً فينا الاندهاش، والذهول والمفاجئة، طوبى لتلك المسافة إن كانت تعني بأن قيامة المسيح لا يمكن يوماً أن تكون جزء من الخير العام والمألوف والحاضر بين أيدينا. هذا الانفتاح هو شرط مهم لنمونا في الإيمان، وكيف يمكننا أن ننمو إذا كنّا نفكر بأن الروح يغمرنا باليقين وأننا نعرف كل ما علينا أن نؤمن به؟ انتظار الروح هو إذن انتظار هذا الاندهاش الذي يعمّق فينا الرغبة في الإيمان والفهم، عارفين بأن هذه الرغبة لا يمكن أن تُلبى أبداً بما أنها في النهاية رغبة في الله.
الأب رامي الياس
إذاّ حيث يوجد التلميذ يوجد المسيح. كل واحد وواحدة منّا يصبح مسكناً لله؛ كل واحد وواحدة منّا بقدر ما يتجه باتجاه الآخرين. ولكن ماذا يمكننا القول عن إيمان توما، توأمنا؟ توما لم يكن مع الآخرين عندما ظهر المسيح لهم. فالتلاميذ، قبل القيامة، لدى دعوة يسوع لهم، اجتمعوا على أن يتبعوه. والآن، يسوع لم يعد هنا لكن، على عكس تلميذي عمّاوس، الذين ذهبوا، بقوا معاً. هل هم مدفوعون بدون علمهم برجاء خفي ما؟ توما لم يكن موجوداً لكن هذا لا يعني انه تخلّى عن الآخرين: فبعد ثمانية أيام كان معهم يقول لنا النص. فذكر اليوم الأول من الأسبوع في الآية19 وثمانية أيام لاحقاً ليس عشوائي: فبعد ستة أيام الخلق واليوم السابع المكرّس لراحة الله، ها هو اليوم الثامن، اليوم الأول لعهد جديد، لخق جديد.
الإيمان بدون نظر: التلاميذ المجتمعين آمنوا لأنهم رأوا يسوع. لم يؤمنوا على كلمة مريم المجدلية ورفاقها عندما تحدثوا عن القبر الفارغ وعن الرسالة التي نقلها لهم الملاك. بطريقة ما تبع التلاميذ طريق توما نفسه: لكي يؤمنوا كان عليهم أن يروا. ورؤية يسوع القائم من بين الأموات لا تكفي، فلا بدّ من التأكد بأنه هو نفسه الموجود هنا. ولهذا السبب يريهم يسوع يديه ورجليه وجنبه المفتوح. فلنتذكر ما تقوله لنا الرسالة الأولى ليوحنا: «ذاك الذي كان منذ البدء، ذاك الذي سمعناه، ذاك الذي رأيناه بعيننا، ذالك الذي تأملناه ولمسته يدانا من كلمة الحياة» (1 يو 1، 1).
على كل حال «الرؤية الموضوعية» تتركنا خارجاً عن الذي نراه. بينما، على العكس، كلمة الآخر تدخل فينا إن صح التعبير وتوصل لنا ما هو عليه. في البدء هناك الكلمة، العلاقة؛ وهذا ما يجعلنا نوجد بالفعل. حتى جسدياً، كما نعلم، نولد من العلاقة. فالكملة هي بذرة، حتى ولو أن بإمكانها أن تفسد فتقع في اللامعنى أو في الكذب. فالإيمان بدون النظر، بدون برهان، هذا يعني الاستقبال بدون أي تحفظ لمن يكلمنا. فالموضوع لم يعد موضوع معرفة إنما موضوع إيمان. نحن هنا وهذه هي الوسيلة الوحيدة لكي نجعل الاخر جزء منّا، كلمة الله التي منها كل شيء يوجد. فالرؤية الوحيدة التي تبقى أمامنا هي الاتحاد، اتحاد من يجتمع ويتكلم بأسم المسيح.
لهذا السبب يعد يسوع تلاميذه الذين تجاوزهم الحدث بأن يرسل لهم الروح القدس؛ وهذا الإعلان للعنصرة يشير بأنه لا يزال أمامهم طريق طويل، وأن عليهم أن ينفتحوا على ما يفلت من سيطرتهم، عليهم أن يتدربوا لكي يستشفوا شيئاً فشياً، بشكل أفضل ما هو الموضوع. كيف يمكن أن لا نفهم بأنه على خبرة التلاميذ أن تكون خبرتنا نحن؟ علينا أن لا نتسرع ونعلن بأننا قد فهمنا، وأننا نعرف جيداً ما هي قيامة المسيح. فلنقبل ببساطة أن الموضوع يتجاوزنا. على يسوع أن يخترق أبواب إدراكنا وقلبنا ليشرح لنا الكتب المقدسة ونفلت من شكوكنا ومخاوفنا. لهذا السبب من المفضل، على مثال التلاميذ، الاعتراف بشكوكنا ومخاوفنا.
ولكن علينا أن نتجنب احتقاراً جديداً. قد نفكر بأنه مجرد أن أتى الروح القدس، سوف يجتاحنا الوضوح، وأن كل شيء سيكون واضحاً ومفهوماً بشكل جيد. باختصار قيامة المسيح ستفقد بطريقة ما سرها. كما لو أن الروح يأتي ليقفل، ليغلق وليختم ما يجب أن يبقى مفتوحاً، دائماً سر. على العكس علينا الإقرار بأنه حتى ولو كنّا متفاعلين مع الروح لا يمكننا أن نضمن بشكل كامل بأننا نؤمن بالفعل ما نعلنه على أنه إيماننا، وأن موضوع إيماننا يبقى على مسافة منّا. طوبى لهذه المسافة إن كانت تعني بأن قيامة المسيح تحث دائماً فينا الاندهاش، والذهول والمفاجئة، طوبى لتلك المسافة إن كانت تعني بأن قيامة المسيح لا يمكن يوماً أن تكون جزء من الخير العام والمألوف والحاضر بين أيدينا. هذا الانفتاح هو شرط مهم لنمونا في الإيمان، وكيف يمكننا أن ننمو إذا كنّا نفكر بأن الروح يغمرنا باليقين وأننا نعرف كل ما علينا أن نؤمن به؟ انتظار الروح هو إذن انتظار هذا الاندهاش الذي يعمّق فينا الرغبة في الإيمان والفهم، عارفين بأن هذه الرغبة لا يمكن أن تُلبى أبداً بما أنها في النهاية رغبة في الله.
الأب رامي الياس