يقولالبعض ان مريم هـي امرأة عادية أختيرت لغرض عظيم، وأنـه إن كان يستلزم إختيار إمرأةليتجسد فيها الله الكلمة وانه ما حدث هو فقط إختيار لـمريم، فما هو الغريب والعجيبفي ذلك؟
الـــــــــــرد:
ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث في أي زمان عبر القرون منذزمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً كان يُـمكن أن يحدث في أي مكان من العالـم،وكانيُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعدالوقت الذي كانت فيـه عذراء الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط في هذاالوقت أو كما ورد”فلما بلغ الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحتالناموس”(غلاطية4:4) ولـماذا أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التي يولد منها ابنالله؟، وما الذي تتصف بـه عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التي تجعلهـا أنتُصبح “ام الله”( لوقا43:1)؟
إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على مايراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاولالطرسوسي “إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه وكان شاول بن قيس فيذكر عنهالكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن في بني اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقهلـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التي يقّدرهاله”،وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري مننِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما في التجسد والفداء والخلاص.
لايوجد سبب معيـن أو وحيد جعل الله يختار مريم عذراء الناصرة، وما يلي بعض من تلكالأسباب:
1. تكريسهـا الكلي للـه منذ طفولتهـا
طبقاً للناموس اليهودي فإن “كلبِكر كل فاتح رَحم من بني إسرائيل” فهو مُقدس للرب (خروج2:13) ويجب تقديـمه لهيكلالرب. وحسب روايـة انجيل يعقوب الغير قانونـي (Protoevangelium of James) فلقد جاءأن يواقيم وحِنّـة والدا القديسة مريـم قد قررا الوفاء بنذرهـما بتقديم طفلتهـماللرب فقدمـا إبنتهـما مريـم للهيكل عندمـا كان عمرهـا ثلاث سنوات( وفي بعض الأقوالعندما كان عمرهـا سنتان وسبعة شهور وسبعة أيام). وتقدمـة مريم للهيكل لم يكن أمراًمفروضاً فى الشريعة،فالشريعة ما كانت تلزم إلاّ بتقدمـة الصبي بكر عائلتـه ولكنوالدا مريم قدماها للرب وكرساها لخدمة الهيكل منذ ميلادهـا. والرأي العام عند مؤرخيحياة العذراء مريم هو انها مكثت سني صباها حتى سن الرابعة عشرعاما حيث سكنت معرفيقاتها الـمكرّسات مثلها احدى الأبنية الـمتصلة بهيكل سليمان،وهي مثل دار للفتياتيربين فيه وفيها يعشن في نظام مشترك مشابه لنظام الرهبنات الحالي. وكانت الفتياتتتعلم في الهيكل الصلاة والـمزامير والأناشيد مع التأمل وتدرس التوراة وتاريخ بنياسرائيل والشرائع والعادات والنبؤات التي تعلن عن مجيئ الـمسيّا. ثم يأتـي بعد ذلكالأعمال اليدويـة العاديتة من تطريز لثياب الكهنة وإعداد العطور والغزل والنسج. وكانت مريم العذراء تفعل كل ذلك في صمت ومناجاة مع اللـه في تواضع وتصنع الخير وتحبالفضيلة وفي طاعـة كاملة،وبالطبع كانت ترى كل يوم الذبائح التي تقدم في الفجر وعندغروب الشمس. وكان كل اليهود يحضرون هذه التقدمة، وكانت تحضر في أيام الأعياد مثلأعياد الفصح والـمظال،وفي الـمساء كانت تجتمع الفتيات للصلاة. ويذكر بعض الكتّاب عنمعجزات كانت تقوم بهـا مريم العذراء،وأنـه كانت تأتيهـا مأكولات مخصوصة منالسماء،أو انهـا كانت تحادث الـملائكة،وكل هذه الروايات لا يمكن قبولهـا أو رفضهـالأنـه لم يذكرلنا شيئاً مؤكداً. لكن ما يجب أن نعلـمه أن مريم كانت متعبدة للـهالتي نذرت لـه كل نفسها وقلبها وجسدها،وإستمر عـمل النعـمة فيهـا طيلة حياتهـا حتىان ملاكاً من السماء حياهـا فيما بعد قائلاً:”يا ممتلئـة نعـمة”.
2. لأنهـا جاءتفي سلسلة الأنساب تتميما للنبؤات
فـمنذ الوعد بالخلاص كما جاء في سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا،هو يسحق رأسِك وأنتِترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3)، هذه النبؤة التي قيلت بفم الله،فإختار الله من كلالبشريـة عائلة سام،ومن كل عائلة سام إختار الله ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كلعائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)،ومن كل عائلة يهوذايختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)،ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا علىاثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوعالـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقيةليسوع (لوقا31:3).
من أجل هذا لـم يشأ الـمخلّص أن يأتـي من سبط لاوي الذي كان سِبطالكهنوت لأنـه لـم يأتـي كاهنـا على غرار كهنوت لاوي،فجاء من سِبط لـم يلازم أحدمنهم الـمذبح ولـم يتكلم عن هذا السِبط (يهوذا) شيئـا من جهة الكهنوت(عبرانيين 13:7-14)، “وأما هذا فلكونـه يـبقى إلـى الأبد له كهنوت لايزول”(عبرانيين24:7).
وسِبط يهوذا هو سِبط الـمُلك الذي قال عنـه يعقوب “لا يزولقضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليـه حتى يأتـي شيلون ولـه يكون خضوعالأمم”(تكوين11:49). ومن سِبط يهوذا هذا خرج بوعز ويسّي وداود (راعوث 13:4-21)، ومنداود خرج الـمسيح (متى1:1-16).
3. لأن فيهـا وجد الله ما جاء في العهد القديم منرموز أو شخصيات أو أحداث تعكس صورة عن أم الـمسيّا الـمنتظر
إن الـمـسيح،كـلـمـةالله،هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء فـي القديم وكـلّمالأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص،ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن العذراء الأمالـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي. ويلّخص لنـا القديس يوحنا الدمشقي هذه الرموزفي عظة ألقاها “لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس وأرفع من القديـمة، ففيالأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي من السمـاء. لقد مـثـلتكِسفينة نوح التي أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ الـمسيح خلاص العالـم الذي غّرقالخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التي رمزت اليكِ ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التيخطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحاالعهد وعصا هارون التي افرخت (عبرانيين 4:9 وعدد 7و23) ، وُلد منكِ من هو شعلةالألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذي يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذي لايداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ أنتِ التي سبق ودل عليكِ الأتون الذيإمتزجت ناره بالندى (دانيال 49:3-50) “ها أنا أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار ومابهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”،رمز النار الإلهية التي جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوبرأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معهفي صراع رمزي القوي الذي لايغلب هكذا أصبحتِ أنتِ الوسيطة والسلم الذي نزل عليهاالله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قوليفي أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا شئنا أن نثبت صحتها؟.
من هي العذراءالتي قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو صارإنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذي قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التي هيالـمسيح؟ أليس أنتِ التي حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هي تلك التي تكلّمعنها داود والتي جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.
4. لأنهـا كانت مختارة منذالأزل حسب علم الله الـمُسبق
عندما نقول عن مريم انهـا مـختـارةمن الله منذالأزل،فمـاذا نعني بهذا الإختيار؟
جاء في انجيل متى عن الإختيار ما يلي: “هكذايكون الأخرون أولون و الأولون آخرين لأن كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخبون”(متى 16:20)، وكذلك نجد في إنجيل يوحنا هذه الآيـة “لا يقدر أحد أن يقبل إلـي إن لـميجتذبـه الأب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا44:9).
إن هذاالإختيار هو شخصي من الله..وبحسب قصد الله.
“كـما إختارنا فيه قبل تأسيس العالـملنكون قديسين وبلا لوم قدامه في الـمحبة” (أفسس 4:1)، “ولكي يـبين غِنى مـجده علىآنية رحمة قد سبق فأعدّها للـمجد” (رومية 23:9).
ابراهيم واسحق وموسى كانإختيارهم من الله والكثيرين غيرهم.
ويذكرالكتاب بعض النسوة اللواتي نلن حظوة فيعيني الله والناس مثل سارة التي ولدت إبنها اسحق بطريقة عجيبة، ورفقة زوجة اسحقالتي تم إختيارها من الله ، وراحيل التي أحبها يعقوب والتي أعطاها الله إبن الـموعديوسف بعد أن ظلّت عاقراً، ويهوديت مخلّصة شعب الله، واستير الـملكة ولكن أين هؤلاءمن مريم العذراء ، إنـما هن إلا رموزاً عن عظمة مريم التي فاقت جميع الناسوالـملائكة مجداً وعظمة.
عندما وقف الـملاك ليحي القديسة مريم قائلا لها “السلامعليك يا ممتلئة نعمة" (لوقا 28:1) والـملاك يحييها هذه التحية قبل أن يحل عليهاالروح القدس وقبل أن يتجسد الكلمة في أحشائها الطاهرة، فمتى بدأت تحظى بهذاالإمتلاء؟
أن مريم مختارة منذ الأزل لتكون أما لإبن العلي ولذا منذ أول لحظة منوجودها ملأها الثالوث الأقدس بالنعمة الـمقدسة وكما قال لها الـملاك “إنكِ قد نلتِنِعـمة عند الله”(لوقا30:1).
قال القديس غريوريوس العجائبي ” ان الله قد جعلفيها كل كنوز النعمة فهي السفينة التي حملت جميع كنوز القداسة”. والكنيسة ترتـل “الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل الزمان لتكون له كرسيا” والله لا يجلسإلا على كرسي الـملوكية الذي كله قداسة ونعمة. “قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آتها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمينالـمطّوبة غير الـمهجورة” (أشعيا 11:62-12).
ويقول القديس افرام السريانـي: “راحيل صرخت برجلها قائلة أعطني بني ، هنيئا لـمريم وقد حللت في حشاها بقداسة علىغير مطلبة منها، يا للموهبة التي ألقت بنفسها على آخذيها. حنة طلبت ولداً بدموعحارة، وسارة ورفقة بنذور ووعود وأليصابات بالصلاة وبعد أن طال عذابهن تعزين “.
إنها إبنة صهيون،مسكنالله،الإبنة الـمختارة، مريم الـملكة والأم