ما أكثر التجارب التي نتعرض لها نحن المؤمنين. وما أكثر الجهات والظروف التي نتعرض فيها لهذه التجارب. فإذا هجرنا المدينة حيث تنتشر الخطيئة، وذهبا إلى القرية، صادفتنا هناك كذلك. وإذا هجرنا القرية وذهبنا إلى الجبل، وجدناها تنتظرنا فيه. وإذا اعتكفنا في بيوتنا، أو انصرفنا إلى أعمالنا، أو حتى إذا اتجهنا بالصلاة إلى الهنا، وجدناها تتحايل على الوصول إلينا وتوجيه أنظارنا إليها بطرق كثيرة.
ويرجع السبب في ذلك، إلى أن الميل نحو الخطيئة لا ينشأ فقط من عوامل خارجية، بل وأيضاً من عوامل داخلية، كامنة في طبيعتنا البشرية. وهذه الطبيعة، إن استطعنا تهذيبها وتثقيفها بكافة الوسائل، لا يتيسر لنا تغييرها بمجهودنا الذاتي. فهي من هذه الناحية مثل طبائع الكائنات عامة. فالحيوانات المفترسة – مثلاً – إن اختفت شراستها تحت تأثير الترويض لفترة ما، غير أنها تظل كما هي. والدليل على ذلك أنها تنقض أحياناً على مروضيها أنفسهم، وتفتك بهم فتكاً ذريعاً، كما حدث أكثر من مرة أثناء ألعاب "السيرك" المعروفة لدينا.
ومع كل لا يليق بنا أن نيأس من النصرة على التجارب، لأن الله أعلن لنا في كتابه سبيل النجاة منها. ونظراً لأهمية هذا السبيل، نرجو أن يضعه القراء نصب أعينهم في كل حين، حتى يلجؤوا إليه بكل سرعة عندما يتعرضون للتجربة، وذلك لأجل مجده تعالى وخير نفوسهم العزيزة.
السلوك بالروح والتجربة
يظن بعض المؤمنين أن الله لا يطلب منهم أن يحيوا حياة القداسة في العالم الحاضر، ولذلك لا يعبئون ببعض الخطايا التي تصدر منهم، بدعوى أنهم مثل غيرهم من البشر، مولودون بطبيعة تميل إلى الخطيئة، ومن ثم فإنها تدفعهم أحياناً إلى تنفيذ مطالبها، كما تدفع هؤلاء سواء بسواء.
وهذه الدعوى وإن كانت معقولة من وجهة النظر الجسدية، لكن غاب عن أذهانهم أنهم بولادتهم من الله ولادة روحية، عن طريق الإيمان الحقيقي بالمسيح (1 يوحنا 5: 1)، حصلوا على طبيعته الأدبية (2 بطرس 1: 4)، كما حصلوا أيضاً على روحه القدوس (أفسس 1: 13)، القادر على صيانتهم من السقوط في الخطية (1 يوحنا 5: 16). لذلك يحرضنا الوحي بالقول "بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة" (1 بطرس 1: 15). وبالقول "وكل من عنده هذا الرجاء به، يطهر نفسه كما هو طاهر" (1 يوحنا 3: 3). ومن هاتين الآيتين يتضح لنا أن الله لا يطلب منا أن نحيا حياة القداسة والطهارة فحسب، بل يطلب أيضاً منا أن تكون هذه القداسة والطهارة نظير قداسته وطهارته، وذلك حتى يتسنى لنا التوافق معه في صفاته الأدبية السامية والتمتع تبعاً لذلك بعطاياه الثمينة لنا.
حقاً إن حياة القداسة والطهارة هذه سامية كل السمو، ونحن لا نستطيع الارتقاء إليها بقوتنا الذاتية، بسبب بقاء الميل إلى الخطيئة في طبيعتنا العتيقة. بيد أن الله في نعمته الغنية، لا يتركنا لقدرتنا الذاتية من جهة السلوك بالقداسة في العالم الحاضر، بل يؤيدنا بروحه القدوس كما ذكرنا. ولذلك عندما نسلم حياتنا له تسليماً كاملاً، يمكن أن يعمل بنا ما لا نستطيع أن نعمله بقوتنا الذاتية. فقد قال تعالى "ليس بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي" (زكريا 4: 6). ولما كان الأمر كذلك، أعلن الوحي أن الله هو الذي يقدسنا بالتمام، ويحفظ أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (1 تسالونيكي 5: 23-24). إذن فلا عذر لنا إذا انحرفنا عن قداسة الله، أو ارتضينا بأخرى أقل منها – إن كان ما هو أقل منها، يمكن أن يدعى قداسة.
إنما يجب أن لا يغيب عنا، أن روح الله وإن كان يسكن فينا (1 كورنثوس 3: 16)، غير أنه لا يرقى بنا إلى حياة القداسة، رغماً عنا، بل بمحض إرادتنا ومشيئتنا. ولذلك قال الوحي لنا "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم. بلجام وزمام زينته لكم" (مزمور 32: 9). ومن ثم علينا أن نخضع نفوسنا لروح الله في كل صغيرة وكبيرة، حتى نكون في مأمن من العثرة. فقد قال الوحي "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غلاطية 5: 16) – وطبعاً ليس المطلوب منا بهذه الآية، أن نقوم بعملين (الأول) السلوك بالروح (والثاني) عدم تكميل شهوة الجسد. بل أن نقوم بعمل واحد، وهو السلوك بالروح، لأن الآية لا تقول "اسلكوا بالروح، ولا تكملوا شهوة الجسد"، بل تقول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد". وهناك فرق كبير بين العبارتين. فالأولى تدل على عدم تكميل شهوة الجسد، هو أمر آخر (أو نهي جديد) معطوف على السلوك بالروح، يجب أن نقوم به من تلقاء أنفسنا، بينما العبارة الثانية تدل على أن عدم تكميل هذه الشهوة، هو نتيجة طبيعية للسلوك بالروح[1]، أو بالحري للانقياد الكلي وراء هديه وإرشاده.
والحق ما أشبه ما يعمله الرب معنا، بما نعمله نحن مع الذين يعجزون عن القيام بالأعمال التي يريدون أداءها. فنحن نحمل المقعدين الذين يريدون الانتقال من مكان إلى مكان، ونمسك بأيدي الصغار الذين لا يستطيعون الكتابة، ونحركها في اتجاه الحروف والأرقام، ولا نطلب من هؤلاء أو أولئك في سبيل قيامنا بمساعدتهم، إلا أن يسلموا أنفسهم لإرشاداتنا تسليماً كاملاً. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة بعبارة واضحة، فبعد ما قال "تمموا خلاصكم[2] بخوف ورعدة[3]"، قال: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فيلبي 2: 13). ومن الوسائل التي تساعدنا على السلوك بالروح، حصر الفكر في "كل ما هو حق، وكل ما هو جليل، وكل ما هو عادل، وكل ما هو طاهر، وكل ما هو مسر[4]، وكل ما صيته حسن" (فيلبي 4: 8). لأنه إذا كان العقل مشغولاً (أو بالأحرى مشبعاً) بأمور سامية، لا يكون هناك مجال لتسرب الخطيئة إليه، بينما إذا لم يكن مشغولاً أو مشبعاً بهذه الأمور، تشرد الأفكار هنا وهناك، وتأتي إلينا بالأهواء التي تتعبنا وتحرمنا من الشركة الروحية مع الهنا.
وحصر الأفكار في الموضوعات الروحية لا يعطلنا عن التفكير في أعمالنا في العالم – كما يدعي البعض – لأننا نفكر في هذه بعقولنا، بينما نفكر في تلك بنفوسنا. فضلاً عن ذلك، فإن التفكير في الموضوعات المذكورة يبعث الفرح والسلام إلينا، وهذان من شأنهما أن يهدئا أعصابنا فيتسنى لنا القيام بأعمالنا العالمية خير قيام. وللإيضاح نقول: إذا تلقى أحدنا في الصباح خبراً طيباً، فإن هذا لا يحول بينه وبين القيام بأعماله اليومية، بل بالعكس يدعه يقبل عليها بهمة ونشاط، كما يمده بالقدرة على تذليل العقبات التي يتعرض لها عند القيام بهذه الأعمال، الأمر الذي لا يستطيعه، إذا لم يكن قد تلقى هذا الخبر.
وهنا يسأل البعض: هل إذا سلكنا بالروح، نكون في مأمن من التجارب؟
الجواب: طبعاً كلا، لأن هذه تلازمنا ما دمنا في العالم، ويرجع السبب في ذلك إلى أمرين: (الأول) أن غرائز الجسد لا تفارقنا طالما نحن نعيش في هذا العالم، و(الثاني) أن عدو الخير يقف لنا بالمرصاد في كل حين – لكن موقفنا إزاء التجارب يتغير تغييراً جوهرياً، عندما نكون سالكين بالروح. فعوضاً عن أن يكون تأثراً بها أو استسلاماً لها، يصبح إعراضاً عنها، وتمسكاً أكثر بحياة القداسة. لأن الصديق، كما يقول الوحي، كشبل ثبيت (أمثال 28: 1). وبذلك تشرق حياتنا الروحية بل ويزداد إشراقها يوماً بعد يوم، لأن "سبيل الصديق كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل" (أمثال 4: 18).
أما إذا سهونا ولم نسلك بالروح وقتاً ما، فإننا نعرض أنفسنا للدخول في جهاد ضد الخطيئة بقوتنا الذاتية. وجهاد مثل هذا، لا يعود علينا إلا بالتعب والعناء. قال لي أحد الشبان الذين يريدون أن يحيوا حياة القداسة أنه في أثناء الجهاد المذكور، كان يصرخ إلى الله قائلاً "اقتلني ولا أجتاز في هذه النيران المستعرة". ولا أحسبه مغالياً في قوله، لأن هذا الجهاد إنما هو جهاد الإنسان الضعيف ضد الخطيئة، التي قهرت أقوى البشر وأعظمهم (أمثال 7: 26)، وأيضاً ضد أجناد الشر الروحية الذين يقاومون كل راغب في القداسة، بكل ما أوتوا من حيلة وقوة (أفسس 6: 12). ولذلك يجب علينا أن نواظب على السلوك بالروح، لكي نتجنب هذا الجهاد العنيف، فجرام وقاية خير من طن علاج.
ويرجع السبب في ذلك، إلى أن الميل نحو الخطيئة لا ينشأ فقط من عوامل خارجية، بل وأيضاً من عوامل داخلية، كامنة في طبيعتنا البشرية. وهذه الطبيعة، إن استطعنا تهذيبها وتثقيفها بكافة الوسائل، لا يتيسر لنا تغييرها بمجهودنا الذاتي. فهي من هذه الناحية مثل طبائع الكائنات عامة. فالحيوانات المفترسة – مثلاً – إن اختفت شراستها تحت تأثير الترويض لفترة ما، غير أنها تظل كما هي. والدليل على ذلك أنها تنقض أحياناً على مروضيها أنفسهم، وتفتك بهم فتكاً ذريعاً، كما حدث أكثر من مرة أثناء ألعاب "السيرك" المعروفة لدينا.
ومع كل لا يليق بنا أن نيأس من النصرة على التجارب، لأن الله أعلن لنا في كتابه سبيل النجاة منها. ونظراً لأهمية هذا السبيل، نرجو أن يضعه القراء نصب أعينهم في كل حين، حتى يلجؤوا إليه بكل سرعة عندما يتعرضون للتجربة، وذلك لأجل مجده تعالى وخير نفوسهم العزيزة.
السلوك بالروح والتجربة
يظن بعض المؤمنين أن الله لا يطلب منهم أن يحيوا حياة القداسة في العالم الحاضر، ولذلك لا يعبئون ببعض الخطايا التي تصدر منهم، بدعوى أنهم مثل غيرهم من البشر، مولودون بطبيعة تميل إلى الخطيئة، ومن ثم فإنها تدفعهم أحياناً إلى تنفيذ مطالبها، كما تدفع هؤلاء سواء بسواء.
وهذه الدعوى وإن كانت معقولة من وجهة النظر الجسدية، لكن غاب عن أذهانهم أنهم بولادتهم من الله ولادة روحية، عن طريق الإيمان الحقيقي بالمسيح (1 يوحنا 5: 1)، حصلوا على طبيعته الأدبية (2 بطرس 1: 4)، كما حصلوا أيضاً على روحه القدوس (أفسس 1: 13)، القادر على صيانتهم من السقوط في الخطية (1 يوحنا 5: 16). لذلك يحرضنا الوحي بالقول "بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة" (1 بطرس 1: 15). وبالقول "وكل من عنده هذا الرجاء به، يطهر نفسه كما هو طاهر" (1 يوحنا 3: 3). ومن هاتين الآيتين يتضح لنا أن الله لا يطلب منا أن نحيا حياة القداسة والطهارة فحسب، بل يطلب أيضاً منا أن تكون هذه القداسة والطهارة نظير قداسته وطهارته، وذلك حتى يتسنى لنا التوافق معه في صفاته الأدبية السامية والتمتع تبعاً لذلك بعطاياه الثمينة لنا.
حقاً إن حياة القداسة والطهارة هذه سامية كل السمو، ونحن لا نستطيع الارتقاء إليها بقوتنا الذاتية، بسبب بقاء الميل إلى الخطيئة في طبيعتنا العتيقة. بيد أن الله في نعمته الغنية، لا يتركنا لقدرتنا الذاتية من جهة السلوك بالقداسة في العالم الحاضر، بل يؤيدنا بروحه القدوس كما ذكرنا. ولذلك عندما نسلم حياتنا له تسليماً كاملاً، يمكن أن يعمل بنا ما لا نستطيع أن نعمله بقوتنا الذاتية. فقد قال تعالى "ليس بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي" (زكريا 4: 6). ولما كان الأمر كذلك، أعلن الوحي أن الله هو الذي يقدسنا بالتمام، ويحفظ أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح (1 تسالونيكي 5: 23-24). إذن فلا عذر لنا إذا انحرفنا عن قداسة الله، أو ارتضينا بأخرى أقل منها – إن كان ما هو أقل منها، يمكن أن يدعى قداسة.
إنما يجب أن لا يغيب عنا، أن روح الله وإن كان يسكن فينا (1 كورنثوس 3: 16)، غير أنه لا يرقى بنا إلى حياة القداسة، رغماً عنا، بل بمحض إرادتنا ومشيئتنا. ولذلك قال الوحي لنا "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم. بلجام وزمام زينته لكم" (مزمور 32: 9). ومن ثم علينا أن نخضع نفوسنا لروح الله في كل صغيرة وكبيرة، حتى نكون في مأمن من العثرة. فقد قال الوحي "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد" (غلاطية 5: 16) – وطبعاً ليس المطلوب منا بهذه الآية، أن نقوم بعملين (الأول) السلوك بالروح (والثاني) عدم تكميل شهوة الجسد. بل أن نقوم بعمل واحد، وهو السلوك بالروح، لأن الآية لا تقول "اسلكوا بالروح، ولا تكملوا شهوة الجسد"، بل تقول "اسلكوا بالروح، فلا تكملوا شهوة الجسد". وهناك فرق كبير بين العبارتين. فالأولى تدل على عدم تكميل شهوة الجسد، هو أمر آخر (أو نهي جديد) معطوف على السلوك بالروح، يجب أن نقوم به من تلقاء أنفسنا، بينما العبارة الثانية تدل على أن عدم تكميل هذه الشهوة، هو نتيجة طبيعية للسلوك بالروح[1]، أو بالحري للانقياد الكلي وراء هديه وإرشاده.
والحق ما أشبه ما يعمله الرب معنا، بما نعمله نحن مع الذين يعجزون عن القيام بالأعمال التي يريدون أداءها. فنحن نحمل المقعدين الذين يريدون الانتقال من مكان إلى مكان، ونمسك بأيدي الصغار الذين لا يستطيعون الكتابة، ونحركها في اتجاه الحروف والأرقام، ولا نطلب من هؤلاء أو أولئك في سبيل قيامنا بمساعدتهم، إلا أن يسلموا أنفسهم لإرشاداتنا تسليماً كاملاً. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة بعبارة واضحة، فبعد ما قال "تمموا خلاصكم[2] بخوف ورعدة[3]"، قال: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة" (فيلبي 2: 13). ومن الوسائل التي تساعدنا على السلوك بالروح، حصر الفكر في "كل ما هو حق، وكل ما هو جليل، وكل ما هو عادل، وكل ما هو طاهر، وكل ما هو مسر[4]، وكل ما صيته حسن" (فيلبي 4: 8). لأنه إذا كان العقل مشغولاً (أو بالأحرى مشبعاً) بأمور سامية، لا يكون هناك مجال لتسرب الخطيئة إليه، بينما إذا لم يكن مشغولاً أو مشبعاً بهذه الأمور، تشرد الأفكار هنا وهناك، وتأتي إلينا بالأهواء التي تتعبنا وتحرمنا من الشركة الروحية مع الهنا.
وحصر الأفكار في الموضوعات الروحية لا يعطلنا عن التفكير في أعمالنا في العالم – كما يدعي البعض – لأننا نفكر في هذه بعقولنا، بينما نفكر في تلك بنفوسنا. فضلاً عن ذلك، فإن التفكير في الموضوعات المذكورة يبعث الفرح والسلام إلينا، وهذان من شأنهما أن يهدئا أعصابنا فيتسنى لنا القيام بأعمالنا العالمية خير قيام. وللإيضاح نقول: إذا تلقى أحدنا في الصباح خبراً طيباً، فإن هذا لا يحول بينه وبين القيام بأعماله اليومية، بل بالعكس يدعه يقبل عليها بهمة ونشاط، كما يمده بالقدرة على تذليل العقبات التي يتعرض لها عند القيام بهذه الأعمال، الأمر الذي لا يستطيعه، إذا لم يكن قد تلقى هذا الخبر.
وهنا يسأل البعض: هل إذا سلكنا بالروح، نكون في مأمن من التجارب؟
الجواب: طبعاً كلا، لأن هذه تلازمنا ما دمنا في العالم، ويرجع السبب في ذلك إلى أمرين: (الأول) أن غرائز الجسد لا تفارقنا طالما نحن نعيش في هذا العالم، و(الثاني) أن عدو الخير يقف لنا بالمرصاد في كل حين – لكن موقفنا إزاء التجارب يتغير تغييراً جوهرياً، عندما نكون سالكين بالروح. فعوضاً عن أن يكون تأثراً بها أو استسلاماً لها، يصبح إعراضاً عنها، وتمسكاً أكثر بحياة القداسة. لأن الصديق، كما يقول الوحي، كشبل ثبيت (أمثال 28: 1). وبذلك تشرق حياتنا الروحية بل ويزداد إشراقها يوماً بعد يوم، لأن "سبيل الصديق كنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل" (أمثال 4: 18).
أما إذا سهونا ولم نسلك بالروح وقتاً ما، فإننا نعرض أنفسنا للدخول في جهاد ضد الخطيئة بقوتنا الذاتية. وجهاد مثل هذا، لا يعود علينا إلا بالتعب والعناء. قال لي أحد الشبان الذين يريدون أن يحيوا حياة القداسة أنه في أثناء الجهاد المذكور، كان يصرخ إلى الله قائلاً "اقتلني ولا أجتاز في هذه النيران المستعرة". ولا أحسبه مغالياً في قوله، لأن هذا الجهاد إنما هو جهاد الإنسان الضعيف ضد الخطيئة، التي قهرت أقوى البشر وأعظمهم (أمثال 7: 26)، وأيضاً ضد أجناد الشر الروحية الذين يقاومون كل راغب في القداسة، بكل ما أوتوا من حيلة وقوة (أفسس 6: 12). ولذلك يجب علينا أن نواظب على السلوك بالروح، لكي نتجنب هذا الجهاد العنيف، فجرام وقاية خير من طن علاج.
Comment