لا أدري لماذا كل هذه الغضبة الإسلامية العارمة على تصريحات قداسة بابا الفاتيكان بنيديكت السادس عشر بخصوص انتقاده لمفهوم الجهاد في الإسلام!
لماذا هذا النفاق العربي والإسلامي الصارخ؟ لماذا تغض الشعوب العربية والإسلامية الطرف عن الحملات الشعواء التي تشنها الأنظمة الحاكمة ضد الإسلام والمسلمين، ثم تثور ثائرتها لمجرد أن شخصاً غربياً، كاتباً كان أو رجل دين، يتفوه بجملة أو جملتين استفزازيتين لا تقدمان أو تؤخران؟
ماذا فعل البابا سوى أنه قال علناً ما يقترفه، سراً وجهراً، معظم حكام العالم الإسلامي بحق الدين الحنيف؟ تعالوا نحاسب أنفسنا أولاً قبل أن نستل سيوفنا الصدئة وسكاكينا الخشبية التي نخرها السوس في وجه هذا الناقد الغربي أو ذاك.
لقد قال البابا ما معناه إن "الحرب المقدسة" أو "الجهاد" الإسلامي مفهوم مرفوض. ما الجديد، بربكم، في هذا الكلام؟
لماذا ندين الأقوال ونبارك الأفعال، أو على الأقل نتغاضى عنها؟ ألم يسخّر الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية المزعومة كل طاقاتها الإعلامية والثقافية والدعائية والفقهية لتجريم المجاهدين، وكسر شوكتهم، واقتلاع مفهوم الجهاد من عقول المسلمين؟
لماذا أطلق رعاة الإسلام والمسلمين المزعومون مئات القنوات الفضائية الهابطة و"الهايفة"، أليس لإفساد العقول وتمييع الشباب وتزييف الوعي؟ ماذا كان هدف تلك الامبراطوريات العربية الإعلامية التي تحاصرنا من كل حدب وصوب سوى إخصاء المجتمعات الإسلامية وتحويلها إلى راقصين وراقصات وماجنين وماجنات وفاسدين وفاسدات ومخنثين ومخنثات؟
هل هناك هدف لمعظم وسائل الإعلام العربية سوى الحض على الفساد والإفساد والابتعاد عن الجهاد بمفهومه الإسلامي السامي، لا العنفي؟ أيهما أخطر على الإسلام والمسلمين جملة عابرة قالها الحبر الأعظم في محاضرة مغلقة أمام حاضرين مختارين بعناية، ولم يحضرها مسلم واحد، أم الضخ الإعلامي "الإسلامي" اليومي وغسل الأدمغة العربية والإسلامية بطريقة منظمة وممنهجة وتطهيرها من قيم النخوة والعزة والإباء والحمية والكرامة، وكلها قيم يحتضنها مفهوم الجهاد؟
لماذا لا تتحرك مشاعرنا الإسلامية إلا عندما يدوس على أقدامنا شخص غربي؟ ألم تصبح كلمة "جهاد" مصطلحاً مذموماً في الأدبيات الإعلامية والسياسية العربية والإسلامية؟
من هو الخطيب الذي ما زال يتجرأ على دعوة المسلمين إلى الجهاد في هذا العالم الإسلامي الكبير؟ ألا يفكر الدعاة والخطباء الرسميون هذه الأيام ألف مرة قبل التفوه بكلمة "جهاد"؟
ألا يتلفتون حولهم يميناً وشمالاً قبل أن ينطقوا تلك الكلمة المسكينة التي باتت أقرب إلى الشتيمة منها إلى الفريضة الإسلامية العظيمة في أدبياتنا الإسلامية الجديدة؟ ألم تنجح وسائل الإعلام الغربية والعربية الدائرة في فلكها في الربط بين الجهاد والإرهاب؟
ألم يصبح المزج الأمريكي بين المصطلحين مقبولاً سياسياً وإعلامياً على الصعيدين العربي والإسلامي؟ متى سمعتم حاكماً عربياً واحداً يتحدى الخلط الغربي بين الجهاد والإرهاب؟
ألا تسلــّم معظم أنظمتنا الحاكمة بالتوئمة الغربية بين الفريضة الإسلامية المذكورة والعنف الوحشي؟
وكي لا نذهب بعيداً، ألا ترون كيف تتعامل الحكومات العربية مع كل من رفع راية الجهاد لتحرير الأراضي المحتلة أو مواجهة الظلم والعدوان الخارجي؟ ألا ترون كيف يتعاملون مع الحركات الجهادية مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان؟
ألم يتآمر معظم الأنظمة العربية مع أمريكا وإسرائيل لخنق حكومة حماس في فلسطين ومحاصرتها من كل حدب وصوب كي تركع على ركبتيها، وتستسلم، وتلعن الساعة التي نطقت فيها كلمة جهاد؟ ألم تروا كيف تصدت الأنظمة العربية لجهاد حزب الله ضد إسرائيل؟ ألم يصفوا قائده بالمغامر والمتهور؟ ألا يقبع الكثير ممن يحلمون بممارسة "الجهاد" في غياهب السجون العربية والإسلامية الغراء؟
لقد كان حرياً بـ"المجاهدين" أن يفهوا الدرس منذ زمن بعيد بدلاً من أن يركبوا رؤوسهم ويمضوا في "جهادهم".
ألم يسمعوا بأن قادة العالم الإسلامي المنضوون تحت لواء ما يسمى بـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" كانوا قد ألغوا مفهوم الجهاد من الأدبيات الإسلامية في مؤتمرهم الشهير في داكار بالسنغال عام 1991، مما جعل أحد الجهاديين يتهم زعماء العالم الإسلامي وقتها بـ"منافقة الكفار في مؤتمر داكار"، وذلك بعد أن حذفوا كلمة "الجهاد" من قاموس العقيدة الإسلامية؟
لقد غدا الجهاد منذ ذلك الحين رجساً من عمل الشيطان(والعياذ بالله) بمباركة القادة المسلمين المنتسبين إلى المنظمة. فلا تتفاجأوا يوماً إذا فكروا بتقنين الصلاة أو الحج أو ربما إلغائهما! فلن يعدموا الحجج والذرائع. ولا ننسى أن الدعوة الأحمدية في الهند كانت بدورها قد مهدت لمنع الجهاد عندما ألغته ضد الانجليز تملقاً لهم، كما يرى بعض الجهاديين.
لقد كان حرياً بوسائل الإعلام الرسمية العربية أن تذكــّر البابا بأن الحكومات الإسلامية كانت قد شطبت الجهاد من قاموسها قبل أن يصبح قائداً للفاتيكان بحوالي خمسة عشر عاماً، وبالتالي لا داعي لأن يضيع وقته ويبدد أنفاسه لمهاجمة شيء أصبح ممنوعاً ومداناً في ثقافتنا الإسلامية قبل أن يغدو مرفوضاً غربياً ومسيحياً.
قد يقول قائل إن العالم الإسلامي لم يغضب من البابا فقط بسبب انتقاده لمفهوم الجهاد في الإسلام، بل بسبب اقتباسه نصاً لامبراطور بيزنطي تهجم فيه على "الدعوة المحمدية وممارساتها".
وهو أمر مرفوض تماماً ويستحق غضبة إسلامية عارمة حقاً. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان قادة العالم الإسلامي هذه الأيام سيسمحون بتكرار تلك الدعوة التاريخية العظيمة، أم أنهم سيتصدون لها بكل ما أوتيوا من قوة؟
ألا يعمل الكثير منهم على محاصرة الدين الحنيف وتقليم أظافره ووضع العقبات في طريقه، وذلك من خلال تغيير المناهج وتحريف بعض النصوص وتفصيل "إسلام ليبرالي" يناسب مقاس الغرب ووصفاته؟ فإذا كان الأمر كذلك، يتساءل أحد الساخرين: لماذا الغضب من مجرد تصريحات إعلامية؟
الآن عرفنا سبب هذا التردد العربي والإسلامي الرسمي في إدانة تصريحات البابا وشجبها واستنكارها، يصيح معلق ساخر. لماذا هذا التروي الرسمي الشديد واللجوء إلى عبارات مختارة بعناية للتعليق على ما جاء على لسان الحبر الأعظم؟
لقد لاحظنا أن الردود الرسمية حتى ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين الحنيف ومقدساته كانت فاترة جداً، ولا تتسم بنبرة حادة أبداً، كما لو أنهم يباركون التصريحات الباباوية بطريقة غير مباشرة، ناهيك عن أن تلك الردود جاءت متأخرة، وربما أتت تحت الضغط الشعبي، ولو انعدمت الضغوط الشعبية لربما ظل الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية ساكتاً، والسكوت علامة الرضى، كما نعرف. ولربما صب بعضهم اللعنات على ذلك الصحفي الشرير الذي سرب تصريحات البابا إلى وسائل الإعلام ووضع الحكومات العربية والإسلامية في حيرة من أمرها، وأحرجها وأجبرها على الرد على الفاتيكان، ولو من باب رفع العتب!
كيف تتوقع من أنظمة أن تهب لنصرة دينها في وجه المفترين عليه إذا كانت هي نفسها أول المتهمين بمحاصرته والتضييق عليه؟
لماذا هذا النفاق العربي والإسلامي الصارخ؟ لماذا تغض الشعوب العربية والإسلامية الطرف عن الحملات الشعواء التي تشنها الأنظمة الحاكمة ضد الإسلام والمسلمين، ثم تثور ثائرتها لمجرد أن شخصاً غربياً، كاتباً كان أو رجل دين، يتفوه بجملة أو جملتين استفزازيتين لا تقدمان أو تؤخران؟
ماذا فعل البابا سوى أنه قال علناً ما يقترفه، سراً وجهراً، معظم حكام العالم الإسلامي بحق الدين الحنيف؟ تعالوا نحاسب أنفسنا أولاً قبل أن نستل سيوفنا الصدئة وسكاكينا الخشبية التي نخرها السوس في وجه هذا الناقد الغربي أو ذاك.
لقد قال البابا ما معناه إن "الحرب المقدسة" أو "الجهاد" الإسلامي مفهوم مرفوض. ما الجديد، بربكم، في هذا الكلام؟
لماذا ندين الأقوال ونبارك الأفعال، أو على الأقل نتغاضى عنها؟ ألم يسخّر الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية المزعومة كل طاقاتها الإعلامية والثقافية والدعائية والفقهية لتجريم المجاهدين، وكسر شوكتهم، واقتلاع مفهوم الجهاد من عقول المسلمين؟
لماذا أطلق رعاة الإسلام والمسلمين المزعومون مئات القنوات الفضائية الهابطة و"الهايفة"، أليس لإفساد العقول وتمييع الشباب وتزييف الوعي؟ ماذا كان هدف تلك الامبراطوريات العربية الإعلامية التي تحاصرنا من كل حدب وصوب سوى إخصاء المجتمعات الإسلامية وتحويلها إلى راقصين وراقصات وماجنين وماجنات وفاسدين وفاسدات ومخنثين ومخنثات؟
هل هناك هدف لمعظم وسائل الإعلام العربية سوى الحض على الفساد والإفساد والابتعاد عن الجهاد بمفهومه الإسلامي السامي، لا العنفي؟ أيهما أخطر على الإسلام والمسلمين جملة عابرة قالها الحبر الأعظم في محاضرة مغلقة أمام حاضرين مختارين بعناية، ولم يحضرها مسلم واحد، أم الضخ الإعلامي "الإسلامي" اليومي وغسل الأدمغة العربية والإسلامية بطريقة منظمة وممنهجة وتطهيرها من قيم النخوة والعزة والإباء والحمية والكرامة، وكلها قيم يحتضنها مفهوم الجهاد؟
لماذا لا تتحرك مشاعرنا الإسلامية إلا عندما يدوس على أقدامنا شخص غربي؟ ألم تصبح كلمة "جهاد" مصطلحاً مذموماً في الأدبيات الإعلامية والسياسية العربية والإسلامية؟
من هو الخطيب الذي ما زال يتجرأ على دعوة المسلمين إلى الجهاد في هذا العالم الإسلامي الكبير؟ ألا يفكر الدعاة والخطباء الرسميون هذه الأيام ألف مرة قبل التفوه بكلمة "جهاد"؟
ألا يتلفتون حولهم يميناً وشمالاً قبل أن ينطقوا تلك الكلمة المسكينة التي باتت أقرب إلى الشتيمة منها إلى الفريضة الإسلامية العظيمة في أدبياتنا الإسلامية الجديدة؟ ألم تنجح وسائل الإعلام الغربية والعربية الدائرة في فلكها في الربط بين الجهاد والإرهاب؟
ألم يصبح المزج الأمريكي بين المصطلحين مقبولاً سياسياً وإعلامياً على الصعيدين العربي والإسلامي؟ متى سمعتم حاكماً عربياً واحداً يتحدى الخلط الغربي بين الجهاد والإرهاب؟
ألا تسلــّم معظم أنظمتنا الحاكمة بالتوئمة الغربية بين الفريضة الإسلامية المذكورة والعنف الوحشي؟
وكي لا نذهب بعيداً، ألا ترون كيف تتعامل الحكومات العربية مع كل من رفع راية الجهاد لتحرير الأراضي المحتلة أو مواجهة الظلم والعدوان الخارجي؟ ألا ترون كيف يتعاملون مع الحركات الجهادية مثل حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان؟
ألم يتآمر معظم الأنظمة العربية مع أمريكا وإسرائيل لخنق حكومة حماس في فلسطين ومحاصرتها من كل حدب وصوب كي تركع على ركبتيها، وتستسلم، وتلعن الساعة التي نطقت فيها كلمة جهاد؟ ألم تروا كيف تصدت الأنظمة العربية لجهاد حزب الله ضد إسرائيل؟ ألم يصفوا قائده بالمغامر والمتهور؟ ألا يقبع الكثير ممن يحلمون بممارسة "الجهاد" في غياهب السجون العربية والإسلامية الغراء؟
لقد كان حرياً بـ"المجاهدين" أن يفهوا الدرس منذ زمن بعيد بدلاً من أن يركبوا رؤوسهم ويمضوا في "جهادهم".
ألم يسمعوا بأن قادة العالم الإسلامي المنضوون تحت لواء ما يسمى بـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" كانوا قد ألغوا مفهوم الجهاد من الأدبيات الإسلامية في مؤتمرهم الشهير في داكار بالسنغال عام 1991، مما جعل أحد الجهاديين يتهم زعماء العالم الإسلامي وقتها بـ"منافقة الكفار في مؤتمر داكار"، وذلك بعد أن حذفوا كلمة "الجهاد" من قاموس العقيدة الإسلامية؟
لقد غدا الجهاد منذ ذلك الحين رجساً من عمل الشيطان(والعياذ بالله) بمباركة القادة المسلمين المنتسبين إلى المنظمة. فلا تتفاجأوا يوماً إذا فكروا بتقنين الصلاة أو الحج أو ربما إلغائهما! فلن يعدموا الحجج والذرائع. ولا ننسى أن الدعوة الأحمدية في الهند كانت بدورها قد مهدت لمنع الجهاد عندما ألغته ضد الانجليز تملقاً لهم، كما يرى بعض الجهاديين.
لقد كان حرياً بوسائل الإعلام الرسمية العربية أن تذكــّر البابا بأن الحكومات الإسلامية كانت قد شطبت الجهاد من قاموسها قبل أن يصبح قائداً للفاتيكان بحوالي خمسة عشر عاماً، وبالتالي لا داعي لأن يضيع وقته ويبدد أنفاسه لمهاجمة شيء أصبح ممنوعاً ومداناً في ثقافتنا الإسلامية قبل أن يغدو مرفوضاً غربياً ومسيحياً.
قد يقول قائل إن العالم الإسلامي لم يغضب من البابا فقط بسبب انتقاده لمفهوم الجهاد في الإسلام، بل بسبب اقتباسه نصاً لامبراطور بيزنطي تهجم فيه على "الدعوة المحمدية وممارساتها".
وهو أمر مرفوض تماماً ويستحق غضبة إسلامية عارمة حقاً. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل كان قادة العالم الإسلامي هذه الأيام سيسمحون بتكرار تلك الدعوة التاريخية العظيمة، أم أنهم سيتصدون لها بكل ما أوتيوا من قوة؟
ألا يعمل الكثير منهم على محاصرة الدين الحنيف وتقليم أظافره ووضع العقبات في طريقه، وذلك من خلال تغيير المناهج وتحريف بعض النصوص وتفصيل "إسلام ليبرالي" يناسب مقاس الغرب ووصفاته؟ فإذا كان الأمر كذلك، يتساءل أحد الساخرين: لماذا الغضب من مجرد تصريحات إعلامية؟
الآن عرفنا سبب هذا التردد العربي والإسلامي الرسمي في إدانة تصريحات البابا وشجبها واستنكارها، يصيح معلق ساخر. لماذا هذا التروي الرسمي الشديد واللجوء إلى عبارات مختارة بعناية للتعليق على ما جاء على لسان الحبر الأعظم؟
لقد لاحظنا أن الردود الرسمية حتى ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين الحنيف ومقدساته كانت فاترة جداً، ولا تتسم بنبرة حادة أبداً، كما لو أنهم يباركون التصريحات الباباوية بطريقة غير مباشرة، ناهيك عن أن تلك الردود جاءت متأخرة، وربما أتت تحت الضغط الشعبي، ولو انعدمت الضغوط الشعبية لربما ظل الكثير من الأنظمة العربية والإسلامية ساكتاً، والسكوت علامة الرضى، كما نعرف. ولربما صب بعضهم اللعنات على ذلك الصحفي الشرير الذي سرب تصريحات البابا إلى وسائل الإعلام ووضع الحكومات العربية والإسلامية في حيرة من أمرها، وأحرجها وأجبرها على الرد على الفاتيكان، ولو من باب رفع العتب!
كيف تتوقع من أنظمة أن تهب لنصرة دينها في وجه المفترين عليه إذا كانت هي نفسها أول المتهمين بمحاصرته والتضييق عليه؟
د.فيصل القاسم