باراك أوباما: بم يؤمن وكيف توصل إلي معتقداته هذه؟
ليزا ميلرعام 1981, كان باراك أوباما يبلغ من العمر 20 عاما, وطالبا في جامعة كولومبيا يبحث عن معني الحياة. كان متضارب المشاعر: بين الشباب والنضوج, والعرقين الأسود والأبيض, والسواحل والقارات, والدهشة والمأساة. أحد أسباب التحاقه بجامعة كولومبيا كان الابتعاد عن ماضيه, كان قد ارتاد المدرسة الثانوية في هاواي وأمضي سنتين 'يستمتع بالحياة', علي حد تعبيره, في جامعة أوكسيدنتال بمدينة لوس أنجلوس. في مدينة نيويورك, 'عشت حياة متقشفة', هذا ما قاله لنيوزويك في مقابلة أجريت علي طائرته خلال حملته الانتخابية الأسبوع الماضي. وأضاف: 'قمت بالكثير من التأمل الروحي. وانكفأت عن العالم بشكل متعمد'. كان يصوم. وغالبا ما يمضي أياما من دون أن يتحدث إلي أحد.
كانت الكتب رفيقه. قرأ كتابات القديس أوغسطينوس, وهو أسقف من شمال أفريقيا عاش في القرن الرابع وكتب أول مذكرة روحية في الغرب وأرسي الأسس اللاهوتية للكنيسة المسيحية. وكذلك طالع كتب فريدريك نيتشه, الفيلسوف الألماني من القرن الـ19 ومؤسس حركة الوجودية. وقرأ لجراهام جرين, الكاثوليكي الإنجليزي الذي تمتلئ رواياته القصيرة بالمواقف الحرجة والمشاعر المتضاربة والألم. تأمل أوباما في أفكار هؤلاء الرجال وجادلهم في مخيلته.
عندما كان يشعر بالتململ صباح أيام الأحد, كان يذهب إلي كنائس للأمريكيين من أصول أفريقية مثل الكنيسة المعمدانية الحبشية في هارلم. يقول مبتسما فيما يتذكر تلك الأيام الصعبة: 'كنت أجلس في مقعد خلفي وأستمع إلي الجوقة الموسيقية وإلي العظة. أحيانا كانت عيناي تدمعان وأنا أصغي إلي الجوقة وأشارك الحاضرين شعورهم بالانعتاق'.
غالبا ما تكلم أوباما بفصاحة عن أهمية الدين في الحياة العامة. لكن علي غرار الكثير من القادة السياسيين الذين يخشون الإساءة إلي داعميهم, كان أكثر تكتما بشأن ما يؤمن به بشأن الرب والصلاة والصلة بين الخلاص الروحي والمسئولية الشخصية. من بعض النواحي, يمكن تفهم تردده هذا. فسيرة أوباما الدينية غير تقليدية ومثيرة للجدل سياسيا. إنه ابن امرأة مسيحية أصبحت علمانية وأب أفريقي مسلم أصبح ملحدا. نشأ أوباما في أنحاء مختلفة من العالم متأثرا بديانات مختلفة, لكن من دون أن يلتزم بديانة معينة. إنه مسيحي الآن, وقد تعمد في مطلع تسعينيات القرن الماضي في كنيسة المسيح الموحدة للثالوث الأقدس في شيكاغو. لكن الشائعات بشأن ديانة أوباما لا تزال مستمرة. في استطلاع جديد للرأي أجرته نيوزويك, تبين أن 12 بالمائة من الناخبين يظنون أنه مسلم, وأن أكثر من الربع يعتقدون أنه نشأ في بيت مسلم.
معموديته تنطوي علي بعض المشاكل أيضا. فكبير القساوسة في كنيسة الثالوث خلال الفترة التي تعمد فيها أوباما كان القس جيريمايا رايت الابن, وهو الواعظ الذي ظهر علي محطات الكيبل التليفزيونية طوال أسابيع في الربيع الماضي لاعنا أمريكا وسيظهر عليها بلا شك من جديد هذا الخريف. في استطلاع نيوزويك, قال نصف المشاركين تقريبا إن أوباما يشارك رايت بعضا من آرائه علي الأقل وقال ما يقارب ثلث المشاركين إن رايت قد يكون سبب عدم تصويتهم للمرشح الديموقراطي المتوقع.
قصة مسيرة أوباما الدينية هي قصة أمريكية بامتياز. إنها تتناول شابا يبحث عن هويته, ويتمتع بالفضول الفكري ويحاول تكوين هوية دينية من تأثيرات متعددة. أوباما, الذي لطالما جذبته الأسئلة الوجودية الأساسية, شرع في بحث روحي حاول فيه التوفيق بين الجانب العقلاني في شخصيته وتوقه للسمو الروحي. وقد وجد المسيح لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في طرح الأسئلة. يقول: 'أنا أتابع مسيرتي الدينية الخاصة ولا أزال أبحث. ولا أستبعد إمكانية كوني مخطئا بالكامل'.
قصة إيمان أوباما تبدأ مع والدته, آن. لقد نشأت في إحدي الولايات الزراعية وسط أمريكا علي يدي مسيحيين علمانيين, وعاشت وسافرت في مختلف أنحاء العالم مقدرة كل الديانات لكن من دون أن تلتزم بأي منها. أحد النصوص الروحية المفضلة لدي آن كان كناية عن سلسلة من المقابلات التي أجراها بيل مويرز من شبكة إيه.بي.إس مع جوزف كامبل بعنوان 'جوزف كامبل وقوة الخرافات', والتي يتم التطرق فيها إلي القواسم المشتركة بين الدين والأساطير, كما قالت مايا سيوتورو إنج, أخت أوباما غير الشقيقة لنيوزويك. عندما كانت العائلة تعيش في إندونيسيا, كانت آن في بعض الأحيان تأخذ الطفلين لحضور القداس الكاثوليكي وبعد عودتهم إلي هاواي, كانوا يحتفلون بعيد الفصح وعيد الميلاد في كنيسة المسيح الموحدة. عادت آن لاحقا إلي إندونيسيا مع مايا, وعندما كان أوباما يزورهما, كانا يأخذانه إلي بوروبودور, وهو أحد أكبر المعابد البوذية في العالم. لاحقا, حينما عملت آن في الهند, أقامت لفترة في دير بوذي.
لم تكن زيارة المعابد مجرد سياحة بالنسبة إلي آن. تقول مايا: 'هذا النوع من التجارب كان جزءا لا يتجزأ من طفولتنا وتربيتنا, وكان مهما لوالدتنا لأنه كان ينطوي علي طقوس. كانت تري أن الطقوس جميلة جدا. فكرة سعي البشر إلي تحسين أنفسهم, والفضول والأسئلة عن كل هذه الأمور,كانت تلازمها دائما'.
هل كانت آن تؤمن بالله؟ أوباما. يقول: 'أعتقد أنها كانت تؤمن بقوة عليا. كانت تؤمن بأن الكون منظم وخير. كانت ستوافق علي فكرة أينشتاين بأن ما من شيء عشوائي في هذا الكون. لكنني أظن أنها كانت شديدة التشكيك في المفهوم القائل إن الحقيقة تكمن في ديانة منظمة واحدة دون غيرها'.
والد أوباما, الذي نشأ مسلما في كينيا, كان قد أصبح 'ملحدا' عندما التقي آن ويعتقد أن الدين 'مجموعة ترهات', كما كتب أوباما في 'جرأة الأمل'. (باراك أوباما الأب هجر عائلته عندما كان أوباما في الثانية من عمره). خلال السنوات التي أمضاها في إندونيسيا, ارتاد أوباما مدرسة كاثوليكية أولا ومن ثم مدرسة ابتدائية عامة تقدم حصة أسبوعية في التعليم الديني تعكس الثقافة الإسلامية السائدة. وقد رباه خلال تلك الفترة زوج والدته, وهو رجل يدعي لولو. 'علي غرار الكثير من الإندونيسيين ... كان يتبع نوعا من الإسلام تتخلله معتقدات من الديانات الأرواحية والهندوسية القديمة. كان يشرح لي أن الإنسان يكتسب قوي كل ما يأكله', كما كتب أوباما في 'أحلام من والدي'. عرف لولو أوباما إلي مذاق لحم الكلاب والأفاعي والجندب المشوي. يقول أوباما إنه كان يري نساء محجبات ونساء غير محجبات ومسلمين يعيشون بارتياح بالقرب من المسيحيين في إندونيسيا, وإن حياته بين المسلمين هناك أظهرت له أن 'الإسلام ينسجم مع العصر الحديث'.
مع أن أوباما كان طالبا مجتهدا في هاواي ــ ويبحث عن هويته حتي في تلك الفترة ــ فإن كتاب أحلام من والدي يصف مرحلة مراهقة يتخللها شرب الكحول والتدخين 'ولعب كرة السلة'. خلال سنتيه الدراسيتين الأوليين في جامعة أوكسيدنتال, يقول إنه لم يكن 'يأخذ شيئا علي محمل الجد, أو علي الأقل ظاهريا, لم يكن جادا بشأن شيء'. لكن بعد انتقاله إلي جامعة كولومبيا, بدأ بحثه الروحي بجدية.
الناس الذين عرفوه في تلك الفترة يصفونه بأنه كان رجلا متحفظا منطويا علي نفسه, لا تهمه النشاطات غير الدراسية للطلاب في نيويورك: أي الحانات والاختلاط الاجتماعي والثرثرة. كان ويليام أرايزا يحضر حصة علوم سياسية مع أوباما خلال عامهما الدراسي الأخير, وأكثر ما يتذكره هو انعزال أوباما. يقول أرايزا: 'لا ألمح إلي أنه كان يتعمد الانعزال, بل بدا أنه لا ينتمي إلي أي من مجموعات الطلاب في الجامعة. كان من الشبان الذين لا يقيمون في مهاجع الطلاب ولا يمضي وقتا في حرم الجامعة'.
أول وظيفة شغلها أوباما بعد مغادرته الجامعة كانت في شركة 'بيزنس إنترناشونال', التي توفر خدمات أبحاث في نيويورك. تقول بيث نويمر ليفين, إحدي زميلات أوباما: 'كان هناك الكثير من الاختلاط الاجتماعي بين الموظفين. كانت الشركة ممتلئة بالشبان العازبين ـــ والاختلاط الاجتماعي يؤدي إلي الأقاويل ـــ لكن أوباما بقي بعيدا عن كل ذلك... كان رزينا وناضجا جدا, كنت في الـ23 من عمري وشعرت بأنني في حال يرثي لها مقارنة به'.
يقول أوباما إن سببين أساسيين كانا يدفعان سعيه الروحي. كان يبحث عن مجتمع يمكنه الانتماء إليه ويوفر له ركيزة وحس الانتماء الذي لم يشعر به في طفولته التي تجمع بين عرقين والكثيرة التجوال. زياراته إلي كنائس الأمريكيين الأفارقة في شمال المدينة ساعدته علي تحقيق هذه الأمنية. يقول: 'تتمتع الكنائس الأمريكية الأفريقية بتقاليد خاصة أثرت بي إلي حد كبير'. كانت الطقوس المفعمة بالحياة والجو العائلي والتعاليم النبوية في كنائس مثل الكنيسة الحبشية جذابة بالنسبة إلي شاب منطو علي نفسه. وقد أصبح مهووسا بحركة الحقوق المدنية, ومقتنعا من خلال قراءاته بقدرة النشاط الاجتماعي علي إحداث تغييرات, لاسيما عندما يقترن بالدين. هذا أمر شائع بين الذين يبحثون عن هويتهم الروحية وذوي التفكير التقدمي. يقول النائب ديفيد برايس من نورث كارولينا الذي يعرف أوباما في إطار مسيرته المهنـــية ويكتب عن الشـــــئون السياسية والدينـــية: ما من مســـألة أكثر دراماتيكية في التـــاريخ الأمريكي من مســـيرة حــركة الحقوق المدنية. لا يمكن للمرء أن يكون كريما ولطيفا في حياته الخاصة إن كان ينكر إنسانية الآخرين. عندما وقع اختيار جيرالد كيلمان علي أوباما ليذهب إلي شيكاغو ويعمل منظما اجتماعيا, يتـــذكر أن الشاب كان 'غارقا في عالم الأفكار'. كان يقرأ بنهم كتاب تايلور برانش بعنوان 'شق المياه', الذي يجمع بين تاريخ حركة الحقوق المدنية وسيرة حياة مارتن لوثر كينج الابن.
في شيكاغو, اكتشف أوباما أن المنظمين والناشطين هناك وفي مناطق أخري يروجون لأفكار دينية تقدمية من أجل تحفيز المجموعات المؤمنة علي العمل. كان القادة الدينيون المحليون يستعينون بكتابات بول تيليش, وخصوصا راينهولد نيبور, وكينج أيضا, وغيرهم من علماء اللاهوت الأمريكيين من أصول أفريقية والكاثوليكيين الداعين للتحرر, والمؤسسين المسيحيين مثل القديس أوغسطينوس للتشديد علي الخطيئة الأولي والعيوب البشرية. هبة الخلاص التي قدمها المسيح كانت للمؤمنين وليست للأفراد. لذلك تقع علي عاتق المؤمنين مسئولية مساعدة بعضهم بعضا ـــ من خلال الأعمال ـــ والاستجابة إلي الدعوة إلي الكمال الذي لن يتحقق بالكامل إلا عند نهاية العالم. غالبا ما يشير المؤمنون بهذه الفكرة إلي الفصل 25 من إنجيل متي: 'إن كل ما تصنعونه إلي أحد هؤلاء الصغار, فإلي أيضا تصنعونه'. بعبارات أخري, فإن الجميع يتشاركون مسألة الخلاص هذه.
الأيام التي أمضاها أوباما في العمل التنظيمي ساهمت في توضيح رأيه عن تداخل الإيمان والعمل الاجتماعي. يقول: 'يصعب علي اعتبار نفسي مخلصا لإيماني من دون التفكير في من حولي, وفي مصلحة الآخرين, وعدم التصرف بشكل أخلاقي. عندما اختلطت هذه الأفكار ببحثه العاطفي عن الانتماء, اجتذبته المسيحية. وقد كتب في 'جرأة الأمل' إنه 'شعر بروح الله تناديه. فاستسلمت لمشيئته, وكرست نفسي لاكتشاف حقيقته'.
هل كان اهتداء سمع فيه يسوع يتكلم إليه في لحظة تغير كل شيء بعدها؟ كلا. يقول: 'لم تكن إحدي لحظات التجلي. لم يصعقني البرق وظهرت لي الحقيقة فجأة. كانت عملية تدريجية تعود إلي الأيام التي أمضيتها هائما في شوارع نيويورك أو أقرأ الكتب, حيث اكتشفت أن القيم الأهم إلي في حياتي وتقديري للأمور والحس بالمأساة الذي كان لدي, تجسدت كلها في المسيحية'. كم كان هذا القرار منطقيا وناتجا عن رغبة أوباما في التقرب من الناس الذين يحاول مساعدتهم, كما يؤكد في كتاب 'أحلام من والدي'؟ يقول: 'ظننت أن انتمائي إلي مجتمع والاعتراف بإيماني بشكل علني كان مهما'.
اعتنق أوباما المسيحية في كنيسة المسيح الموحدة للثالوث الأقدس المثيرة للجدل. كانت ملائمة له. يقول أوباما: 'هذا المجتمع المؤمن ناسبني'. السبب الأول كان أن كنيسة الثالوث أصرت علي أن النشاط الاجتماعي جزء لا يتجزأ من الحياة المسيحية. كما أنها كانت مكانا تجتمع فيه العائلات. أعضاؤها يصفون الأقسام المختلفة في حرم الكنيسة بالأحياء المؤمنون يذهبون كل يوم أحد إلي الحي نفسه ويتعرفون إلي الأشخاص الذين يجلسون قربهم. يعرفون متي يمرض أحدهم أو ينال ترقية في العمل. جيريمايا رايت, الذي تعرف إليه أوباما في إطار عمله التنظيمي, أصبح صديقا له.
ويقول أوباما إنه بعد زواجه, كان الرجلان يجتمعان أحيانا 'بعد القداس لتناول الدجاج مع عائلتيهما وكنا نتبادل الأحاديث عن عائلتينا'. في عظته, غالبا ما كان رايت يشدد علي أهمية العائلة, واستمرارية الزواج وحسن الاهتمام بالأولاد.خطاب أوباما الأخير لمناسبة عيد الأب, الذي قال فيه إن المسئولية لا تنتهي عند الحمل', غير مقتبس من رايت لكن أساس الفكرة قد يكون عائدا له. يقول أوباما إنه لحظة قرر قبول المسيح: 'اجتمع الجانبان العقلاني والعاطفي, وتجلي الإيمان في مقدرة يسوع المسيح علي إنقاذ الجميع, وفي أنه مات تكفيرا عن خطايانا, وأننا من خلاله سنحظي بالحياة الأبدية, لكننا أيضا من خلال أعمالنا الصالحة, سنجد معني لحياتنا هنا علي الأرض ونتخطي حدودنا وعيوبنا ونقاط ضعفنا, وجدت ذلك مؤثرا'.
تقول مايا إن والدتهما لم تكن لتتخذ الخيار نفسه, لكن آن فهمت قرار أوباما ووافقت عليه: 'لم تشعر بالحاجة نفسها, لأنها كانت تشعر أن بإمكاننا أن نكون صالحين أحدنا مع الآخر, وأن نخدم من دون أن نضطر إلي الاختيار. كانت دائمة الترحال بالطبع, وأظن أنه كان أكثر ميلا إلي الاستقرار واتخاذ خيار التعبير عن تعهداته بشكل أوضح'.
بعد عمله منظما اجتماعيا, التحق أوباما بكلية هارفارد للحقوق. لم ينضم رسميا إلي كنيسة الثالوث إلا بعد سنوات, عندما عاد إلي شيكاغو كمحام شاب واعد عازم علي أن يصبح زوجا ووالدا ورجلا ناجحا في مهنته. قبيل معمودية أوباما, يقول إنه درس الكتاب المقدس مع معلمين بارعين كانوا 'يجعلونني أمعن التفكير في إيماني'. عندما تزوج باراك وميشيل التي لم تكن تذهب إلي الكنيسة بشكل منتظم في صغرها أيضا, كانا يرتادان الكنيسة بشكل منتظم مرتين أو ثلاث مرات في الشهر. لكن بعد ولادة طفلتهما الأولي, ماليا, وجدا صعوبة أكبر في بذل هذا المجهود. يقول: 'لا أعرف أن أخذت أطفالا صغارا متململين إلي الكنيسة, لكن الأمر ليس سهلا. كانت كنيسة الثالوث مكتظة دائما, وعليك الوصول إلي هناك باكرا. وإذا ذهبت إلي قداس الصباح, يكون المكان مكتظا جدا, كان الأمر صعبا. وهذا دفعنا إلي الحد من التزاماتنا الكنسية'.
يقول إنه بعد بدئه الحملة الانتخابية لنيل منصب في مجلس الشيوخ الأمريكي, كانت العائلة في بعض الأحيان تغيب عن الكنيسة لأشهر. لم تذهب الفتاتان إلي مدرسة الأحد. لكن العائلة تتلو صلاة الشكر عند تناول الطعام, وهو يتكلم مع الطفلتين بشأن الرب عندما يكون لديهما أسئلة. يقول: 'أنا من كبار المؤمنين بإيمان غير مفروض لكن يستمد قوته مما يكمن داخلهما أصلا, فضولهما أو روحهما'.
وسط هذه الفترة المضطربة, استمر أوباما في محاولة معرفة معني أن يكون المرء مؤمنا. عام 1999, فيما كان لايزال في مجلس شيوخ ولاية إيلينوي, تشارك مكتبا مع أيرا سيلفرستين, وهو يهودي متشدد. راح أوباما يمطر سيلفرستين بوابل من الأسئلة عن القيود التي يضعها دينه علي حياته اليومية: القوانين المتعلقة بالطعام المباح في الشريعة اليهودية والعقوبات المفروضة عند ممارسة أعمال معينة أيام السبت. 'أيام السبت, إن كنت بحاجة إلي شيء, كان أوباما دائما يعرض المساعدة. بعض الأبواب كهربائية, لذا كان يعرض علي فتحها ... لم أكن أتوقع ذلك', كما يتذكر سيلفرستين.
منذ قطعه علاقاته مع رايت وكنيسة الثالوث, فقد أوباما بعضا من جذوره الروحية مجددا. خسر صديقه رايت, وخسر ملاذا له, بالرغم من أن هذه العلاقات كانت متوترة في الفترة الأخيرة في كنيسة الثالوث. لم يجد كنيسة جديدة ولا يعتزم البحث عن واحدة إلا بعد الانتخابات. يقول: 'هناك نواح متعلقة بالحملة الانتخابية تصعب اتخاذ قرار حول ما إذا كان مجتمع كنسي معين ملائما لنا. بسبب ما حدث في كنيسة الثالوث, ستكون الأضواء مسلطة علينا'.
بالرغم من ذلك, لم يتخل عن حياته الروحية في خضم الحملة. يقول إنه يصلي كل يوم, طالبا 'مغفرة خطاياي وعيوبي, وهي كثيرة, وحماية عائلتي, وأن أنفذ مشيئة الرب, ليس بالمعني المبالغ به, بل أن يكون هناك تجانس بين أعمالي وما يريده الرب بكل بساطة'. أحيانا يقرأ كتابه المقدس في المساء, وهو طقس 'يبعدني عن همومي اليومية ويعطيني مجالا للتأمل'. بفضل جهود فريق التوعية الديني في حملته, بات لديه مجموعة من رجال الدين والأصدقاء الذين يصلون لأجله ويرسلون إليه عبر البريد الإلكتروني مقتطفات من الكتاب المقدس للتأمل فيها خلال النهار.
القس كـيربيجون كالدويل, الذي تلا الصلاة في حفلتي تنصيب جورج دبليو بوش وترأس حفل زفاف ابنة الرئيس جينا, هو أحد أعضاء فريق الصلاة لأوباما. عندما يتحدث كالدويل عن أوباما, لا يمكنه إخفاء مشاعره الجلية في صوته. أكثر ما يثير إعجابه بحسب قوله هو أنه عندما يسأل أوباما: 'ما الذي تريدني أن أصلي من أجله؟' يجيبه أوباما دائما: 'ميشيل والفتاتان'. 'لا يقول أبدا: صل لأجلي, صل لأجل حملتي, صل كي يكف الناس عن التهجم علي. دائما يقول: 'صل لأجل ميشيل وابنتي',لكن إيمان أوباما لا يخلو من الانتقاد. بعض المحافظين يقولون إن المسيحية التي يمارسها هي مزيج عصري غير محافظ وغير منضبط وحتي غير صادق. الشهر الماضي, اتهم الدكتور جيمس دوبسون أوباما بأنه 'يحرف عمدا المفهوم التقليدي للكتاب المقدس ليلائم نظرته الخاصة إلي العالم ومعتقداته المشوشة الخاصة'. فرد القيمون علي الحملة بالقول إن أوباما يتقرب من المؤمنين ويدافع عن العائلات.
وعندما سأل فرانكلين جراهام أوباما أخيرا كيف يمكنه كمسيحي أن يوفق بين ادعاءات العهد الجديد بأن الخلاص ليس ممكنا إلا من خلال المسيح وبين حملة تدعو إلي التعددية والتنوع, يقول أوباما لنيوزويك إنه أجاب: من مسلمات إيماني المسيحي أن خلاصي يتم من خلال المسيح, لكنني أيضا من كبار المؤمنين بالوصية القائلة إن علي المرء أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه, وهي في رأيي ركيزة أساسية ليس فقط لإيماني بل أيضا لقيمي ومثلي وتجربتي هنا علي الأرض. قلت هذا من قبل, وأنا أعرف أن ذلك يثير تساؤلات في أذهان بعض الإنجيليين. لا أعتقد أن أمي, التي لم تعتنق المسيحية رسميا علي حد علمي ... لا أعتقد أنها ذهبت إلي الحجيم. قال أوباما إن جواب جراهام كان لبقا. إذا تمكن أوباما من هزم جون ماكين, فسيكون التاريخ إلي جانبه. بعض الرؤساء أمثال لنكولن وجيفرسون كانوا مسيحيين غير محافظين وبحسب استطلاع للرأي أجراه منتدي مؤسسة بيو, فإن 70 بالمائة من الأمريكيين يوافقون علي القول إن 'الكثير من الديانات يمكن أن تؤدي إلي الحياة الأبدية'. يقول أوباما: 'قد لا تتوافق معتقداتي الخاصة بالكامل مع معتقدات غيري من المسيحيين'.
خلال شهر مارس الماضي, عندما عرضت محطات التليفزيون مقاطع فيديو لرايت يلعن فيها أمريكا, كتب أوباما خطابا عن العرق أمل أن ينقذ حملته. لكن بالنسبة إلي البعض, كان أيضا خطابا يتعلق بالإيمان. حاول أوباما أن يشرح علاقته بالقس, مستغلا شعور الأمريكيين بأنهم أخيار في صميمهم. تكلم عن الشقاق العرقي في أمريكا قائلا إنه 'جزء منا علينا تحسينه' ووصف قسه بأنه كائن بشري لديه عيوبه. يقول بول إيلاي, المؤلف الكاثوليكي لكتاب The Life You Save May Be Your Own الحياة التي تنقذها قد تكون حياتك: 'هذا الخطاب مسيحي بامتياز. فهو يتطرق إلي العلاقات, وجميعها مشوبة, وكلنا غير كاملين. لا يمكنك إنكار تاريخ علاقتك بشخص آخر بكلمة واحدة, علينا أن نثابر في علاقاتنا مع أشخاص آخرين غير كاملين ونقاوم ادعاءات الكمال الصادرة عن كلا الطرفين'. بعد أداء رايت في الشهر التالي خلال اجتماع نادي الصحافة الوطني, يقول إيلاي إن أوباما كان محقا -ومسيحيا- في تبرئه منه.
هل اعتبر أوباما خطاب الأعراق خطابا دينيا؟ الأسبوع الماضي, علي متن الطائرة التي يستقلها خلال حملته الانتخابية, قال: 'العرق هو الاختبار الأساسي لإيماننا لأننا حماة أشقائنا وشقيقاتنا ... هناك شعور بأننا إذا تخطينا فروقاتنا العرقية, فستصبح الأمور جيدة وجميلة, في حين أن جزءا من خطابي مفاده بأن الأمور ستكون صعبة وفوضوية, وهنا يأتي دور الإيمان'. مع اقتراب الانتخابات العامة, سيتعين علي أوباما استجماع كل إيمانه, بكل تعقيداته. قلة من الأمور في الحياة أصعب أو أكثر فوضوية من الأشهر الأخيرة من حملة انتخابية رئاسية.