(منذ أيام النبي العربي
والشام تتكلم عربي
ومنذ أيام معاوية، وهشام ومروان
حتى أيام حافظ الأسد ومنذ موقعة بدر.. حتى موقعة جبل الشيخ.. والشام
مواظبة على تكلم اللغة العربية وعلى تعليمها
إن صناعة دمشق الأساسية هي العروبة
وهذه الصناعة الدمشقية قديمة جداً.. ومشهورة جداً
وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها).
في تشرين سطر المقاتل العربي أروع المعارك في الدفاع عن الأرض والوطن ونذر الدماء الذكية قرباناً للنصر على الظلم والطغيان، وفي خضم المعارك يدرك نزار قباني أن دمشق هي خط الدفاع العربي الأول وأن سورية أرض العرب كل العرب وإنها منذ فجر التاريخ تدافع عن أرض الوطن كل الوطن.
هكذا أيقن نزار بحسه الشاعري دور دمشق في صناعة العروبة والدفاع عنها، أوَليس الشعر هو مرآة الحياة وترجمة أمينة للعاطفة الإنسانية:
هكذا خلق الله السوريين
كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب
وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب
وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير
بيت العرب
وجاء انتصار تشرين وجاء معه فجر عربي مشرق أعاد لنا شموخنا وكبرياءنا فاعتبر نزار قباني أنه في السادس من تشرين كان مولد الإنسان العربي:
قبل السادس من تشرين 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة، وقبيحة
واليوم 6 تشرين يبدأ عمري
لا تستغربوا كلامي فأنا ولدت
تحت الطوافات والجسور العائمة
وخرجت من أسنان المجنزرات السورية
التي كانت تقرقش الصخور في مرتفعات الجولان
ويتابع شاعرنا التغني بأمجاد تشرين وبالتضامن العربي حين استعمل العرب سلاح النفط في المعركة فيقول:
للمرة الأولى.. أشتري زجاجة بترول.. وأهديها لحبيبتي
وللمرة الأولى.. تأخذ حبيبتي الهدية باعتزاز
وتشكرني لأنني أعدت إليها الثقة بأنوثتها
وأهديتها عطرها المفضل: النفط
حبيبتي، بعد حرب 6 تشرين تفضل أن تستعمل عطراً قومياً
وأنا أحبها بشكل أعنف
لأن رائحتها صارت مختلطة برائحة وطني المقاتل
ويزاوج الشاعر بين وجه الحبيبة وخريطة الوطن فيقول:
هل حدث لكم أن أحببتم امرأة في زمن الحرب؟
هل حدث لكم أن واعدتم امرأة تحت جناح طائرة فانتوم محترقة في أحد شوارع دمشق؟
هل حدث لكم أن رأيتم عيني حبيبتكم على ضوء الشظايا
وسمعتم صوتها يخرج كالوردة، من تحت أكياس الرمل
وإيقاع صفارات الإنذار؟..
هل عرفتم كيف يصير وجه الحبيبة وخريطة الوطن
شيئاً واحداً؟..
ويتجول نزار قباني في شوارع دمشق بعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأهداف المدنية إبان حرب تشرين التحريرية ويشاهد شارع أبو رمانة وقد طالته يد العدوان فيعتبر ذلك شاهداً على بطولة المدينة وصمودها في وجه آلة الدمار الإسرائيلية فيقول:
تجولت في كل شوارع العشاق..
ولكن شارع أبو رمانة في مدينة دمشق
بأبنيته المهدمة وشرفه المتساقطة
وأصص أزهاره المحترقة، وأشجاره
التي حصدتها الصواريخ
أصبح أهم شارع في العالم لأن الكبرياء والبطولة
أصبحتا من بين سكانه..
وتمر الأيام والسنون على حرب تشرين.. ويطل علينا تشرين التحرير في ذكراه الرابعة والعشرين، وعبق النصر فواح على روابي العرب، إنه يوم الانتصار.. يوم الفرح العظيم، وماذا يمكن للشاعر أن يقدم لهذه الذكرى، وماذا يمكن أن يقدم لبطل تشرين.. فيخط قصيدته الرائعة (ترصيع بالذهب على سيف دمشقي):
جاء تشرين يا حبيبة عمري
أحسن وقت للهوى تشرين
مزقي يا دمشق خارطة الذل
وقولي للدهر كن فيكون
اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد
وكحل جفنيك يا حرمون
اركبي الشمس يا دمشق حصاناً
ولك الله.. حافظ وأمين
ويتابع الشاعر التغني بحرب تشرين والانتصار العظيم للعرب، مؤكداً أن الكلمة للمعركة فيقول:
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بدأ تاريخنا الحقيقي..
الحرب هذه هي ولادتنا والحل الأول والأخير لقضيتنا..
إن هذه هي معركة العرب جميعا..
وفي قصيدة (ملاحظات في زمن الحب والحرب) والتي كتبها الشاعر بعد حرب تشرين 1973، تحدث فيها بطريقة منبسطة تزدحم نظرته للأشياء، وتوارت أمام عينيه معالم المأساة، فراح ينظر إلى ما حوله بعين جديدة، يرى فيها الأشياء قد تغيرت نحو الأفضل في زمن الحرب والنصر.
ألاحظت شيئاً؟
ألاحظت أن العلاقة بيني وبينك..
في زمن الحرب..
تأخذ شكلاً جديداً
وتدخل طوراً جديداً
وأنك أصبحت أجمل من أي يوم مضى..
وأني أحبك أكثر من أي يوم مضى..
ألاحظت؟
كيف اخترقنا جدار الزمن
وصارت مساحة عينيك
مثل مساحة هذا الوطن..
في تشرين انقشع الظلام وظهر الأفق بلونه الأحمر القاني ممزوجاً بدماء الشهداء، ويرى نزار أن هؤلاء الشهداء هم سبيلنا إلى النصر والتحرير:
في السادس من تشرين الأول بدأنا نكتشف طريق وجودنا الحقيقي، وبين الحياة والموت خط وهمي دقيق، إذا لم نتجاوزه وندخل في لعبة الموت، لن نعرف الحياة، وموتنا سيفجر المواسم الجديدة وسنكون طائر الفينيق الذي يحترق ومن رماده تطلع الحياة.
وبعد تشرين التحرير من عام 1973 تحاول آلة العدوان والدمار الاستمرار في الاعتداء على أرض سورية فيقف الجندي السوري شامخاً مدافعاً عن بوابة العروبة عن دمشق الشام وتروي دماء جنودنا البواسل أرض الوطن فيقول نزار:
82 يوماً والشام تكتب إلياذتها العظيمة على الصخر
والثلج بحروف كبيرة
82 يوماً والشام تسدد وحدها كل ديون العالم العربي المستحقة
منذ عام 1967 وعام 1948 ولا تطلب من المديونين جزاء ولا شكورا
لقد حاربت الشام، واستحقت ثواب حربها
هذه هي سورية
كانت في الحرب أستاذة
تتكلم بالعربي الفصيح..
ولكن الشاعر يخشى أن تتحول الكتابة العربية عن حرب تشرين نبرة التعالي والانتفاخ والغرور فهو يخشى العودة إلى عصر عمرو بن كلثوم، ومعلقته الشهيرة:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابرة ساجدينا
لذا يؤكد أن حرب تشرين كانت مناسبة جميلة أتاحت لنا أن نشم رائحة البرتقال اليافاوي.. ولكن رائحة البرتقال شيء.. والإحساس بشكله وحجمه واستدارته.. شيء آخر.
بقلم:
والشام تتكلم عربي
ومنذ أيام معاوية، وهشام ومروان
حتى أيام حافظ الأسد ومنذ موقعة بدر.. حتى موقعة جبل الشيخ.. والشام
مواظبة على تكلم اللغة العربية وعلى تعليمها
إن صناعة دمشق الأساسية هي العروبة
وهذه الصناعة الدمشقية قديمة جداً.. ومشهورة جداً
وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها).
في تشرين سطر المقاتل العربي أروع المعارك في الدفاع عن الأرض والوطن ونذر الدماء الذكية قرباناً للنصر على الظلم والطغيان، وفي خضم المعارك يدرك نزار قباني أن دمشق هي خط الدفاع العربي الأول وأن سورية أرض العرب كل العرب وإنها منذ فجر التاريخ تدافع عن أرض الوطن كل الوطن.
هكذا أيقن نزار بحسه الشاعري دور دمشق في صناعة العروبة والدفاع عنها، أوَليس الشعر هو مرآة الحياة وترجمة أمينة للعاطفة الإنسانية:
هكذا خلق الله السوريين
كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب
وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب
وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير
بيت العرب
وجاء انتصار تشرين وجاء معه فجر عربي مشرق أعاد لنا شموخنا وكبرياءنا فاعتبر نزار قباني أنه في السادس من تشرين كان مولد الإنسان العربي:
قبل السادس من تشرين 1973 كانت صورتي مشوشة وغائمة، وقبيحة
واليوم 6 تشرين يبدأ عمري
لا تستغربوا كلامي فأنا ولدت
تحت الطوافات والجسور العائمة
وخرجت من أسنان المجنزرات السورية
التي كانت تقرقش الصخور في مرتفعات الجولان
ويتابع شاعرنا التغني بأمجاد تشرين وبالتضامن العربي حين استعمل العرب سلاح النفط في المعركة فيقول:
للمرة الأولى.. أشتري زجاجة بترول.. وأهديها لحبيبتي
وللمرة الأولى.. تأخذ حبيبتي الهدية باعتزاز
وتشكرني لأنني أعدت إليها الثقة بأنوثتها
وأهديتها عطرها المفضل: النفط
حبيبتي، بعد حرب 6 تشرين تفضل أن تستعمل عطراً قومياً
وأنا أحبها بشكل أعنف
لأن رائحتها صارت مختلطة برائحة وطني المقاتل
ويزاوج الشاعر بين وجه الحبيبة وخريطة الوطن فيقول:
هل حدث لكم أن أحببتم امرأة في زمن الحرب؟
هل حدث لكم أن واعدتم امرأة تحت جناح طائرة فانتوم محترقة في أحد شوارع دمشق؟
هل حدث لكم أن رأيتم عيني حبيبتكم على ضوء الشظايا
وسمعتم صوتها يخرج كالوردة، من تحت أكياس الرمل
وإيقاع صفارات الإنذار؟..
هل عرفتم كيف يصير وجه الحبيبة وخريطة الوطن
شيئاً واحداً؟..
ويتجول نزار قباني في شوارع دمشق بعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأهداف المدنية إبان حرب تشرين التحريرية ويشاهد شارع أبو رمانة وقد طالته يد العدوان فيعتبر ذلك شاهداً على بطولة المدينة وصمودها في وجه آلة الدمار الإسرائيلية فيقول:
تجولت في كل شوارع العشاق..
ولكن شارع أبو رمانة في مدينة دمشق
بأبنيته المهدمة وشرفه المتساقطة
وأصص أزهاره المحترقة، وأشجاره
التي حصدتها الصواريخ
أصبح أهم شارع في العالم لأن الكبرياء والبطولة
أصبحتا من بين سكانه..
وتمر الأيام والسنون على حرب تشرين.. ويطل علينا تشرين التحرير في ذكراه الرابعة والعشرين، وعبق النصر فواح على روابي العرب، إنه يوم الانتصار.. يوم الفرح العظيم، وماذا يمكن للشاعر أن يقدم لهذه الذكرى، وماذا يمكن أن يقدم لبطل تشرين.. فيخط قصيدته الرائعة (ترصيع بالذهب على سيف دمشقي):
جاء تشرين يا حبيبة عمري
أحسن وقت للهوى تشرين
مزقي يا دمشق خارطة الذل
وقولي للدهر كن فيكون
اسحبي الذيل يا قنيطرة المجد
وكحل جفنيك يا حرمون
اركبي الشمس يا دمشق حصاناً
ولك الله.. حافظ وأمين
ويتابع الشاعر التغني بحرب تشرين والانتصار العظيم للعرب، مؤكداً أن الكلمة للمعركة فيقول:
في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) بدأ تاريخنا الحقيقي..
الحرب هذه هي ولادتنا والحل الأول والأخير لقضيتنا..
إن هذه هي معركة العرب جميعا..
وفي قصيدة (ملاحظات في زمن الحب والحرب) والتي كتبها الشاعر بعد حرب تشرين 1973، تحدث فيها بطريقة منبسطة تزدحم نظرته للأشياء، وتوارت أمام عينيه معالم المأساة، فراح ينظر إلى ما حوله بعين جديدة، يرى فيها الأشياء قد تغيرت نحو الأفضل في زمن الحرب والنصر.
ألاحظت شيئاً؟
ألاحظت أن العلاقة بيني وبينك..
في زمن الحرب..
تأخذ شكلاً جديداً
وتدخل طوراً جديداً
وأنك أصبحت أجمل من أي يوم مضى..
وأني أحبك أكثر من أي يوم مضى..
ألاحظت؟
كيف اخترقنا جدار الزمن
وصارت مساحة عينيك
مثل مساحة هذا الوطن..
في تشرين انقشع الظلام وظهر الأفق بلونه الأحمر القاني ممزوجاً بدماء الشهداء، ويرى نزار أن هؤلاء الشهداء هم سبيلنا إلى النصر والتحرير:
في السادس من تشرين الأول بدأنا نكتشف طريق وجودنا الحقيقي، وبين الحياة والموت خط وهمي دقيق، إذا لم نتجاوزه وندخل في لعبة الموت، لن نعرف الحياة، وموتنا سيفجر المواسم الجديدة وسنكون طائر الفينيق الذي يحترق ومن رماده تطلع الحياة.
وبعد تشرين التحرير من عام 1973 تحاول آلة العدوان والدمار الاستمرار في الاعتداء على أرض سورية فيقف الجندي السوري شامخاً مدافعاً عن بوابة العروبة عن دمشق الشام وتروي دماء جنودنا البواسل أرض الوطن فيقول نزار:
82 يوماً والشام تكتب إلياذتها العظيمة على الصخر
والثلج بحروف كبيرة
82 يوماً والشام تسدد وحدها كل ديون العالم العربي المستحقة
منذ عام 1967 وعام 1948 ولا تطلب من المديونين جزاء ولا شكورا
لقد حاربت الشام، واستحقت ثواب حربها
هذه هي سورية
كانت في الحرب أستاذة
تتكلم بالعربي الفصيح..
ولكن الشاعر يخشى أن تتحول الكتابة العربية عن حرب تشرين نبرة التعالي والانتفاخ والغرور فهو يخشى العودة إلى عصر عمرو بن كلثوم، ومعلقته الشهيرة:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي
تخر له الجبابرة ساجدينا
لذا يؤكد أن حرب تشرين كانت مناسبة جميلة أتاحت لنا أن نشم رائحة البرتقال اليافاوي.. ولكن رائحة البرتقال شيء.. والإحساس بشكله وحجمه واستدارته.. شيء آخر.
بقلم:
شمس الدين العجلاني