القامشلي موجوعة بنهر جغجغ...
والجهات المعنية تتفرج!!..مجرى النهر مكبّ للنفايات.. ومصب للصرف الصحي
والجهات المعنية تتفرج!!..مجرى النهر مكبّ للنفايات.. ومصب للصرف الصحي
تشرين: 14-1-2010
ما يثير فينا كل مفردات الدهشة والاستغراب أن مشكلاتنا البيئية عناوينها ثابتة لاتتغير الا في حالة واحدة أنها تزداد حدة، ومعها يزداد التلوث والأكثر من ذلك ان المعالجات تبقى غائبة وان الإهمال هو السائد!!
مشكلاتنا البيئية عمرها سنوات عديدة، صامدة من حيث المبدأ، لكنها تئن وتستغيث عسى ولعل احد المعنيين بأمرها يسمع الشكوى فيستجيب ولكن على ما يبدو هيهات!!
إحدى مشكلاتنا القديمة الجديدة ما يعانيها نهر جغجغ في القامشلي الملوث بأعماقه، فهو يعاني ما يعانيه من روائح كريهة تنبعث من مجراه، والنتيجة؛ صرف صحي يغزو مياهه، وللأسف الشديد سيبقى نهر جغجغ إحدى أهم المشكلات البيئية التي تعاني منها القامشلي، فالنهر ملوث ومصاب من داخل المدينة وخارجها فهل هناك من يخلصه ويخلص المدينة من أوجاعها وأمراضها؟!!
حكاية نهر
بكل بساطة، ودون مقدمات نقول إن النهر أصبح مكباً للنفايات بأنواعها وللصرف الصحي نتيجة إهمال الأهالي والجهات المعنية، وطبعاً القامشلي مشكلاتها البيئية والصحية كثيرة، ولكننا هنا بصدد الحديث عن النهر، لأن القامشلي أساساً تعاني قلة في المياه، فلماذا يتم السكوت عن تلويث نهر جغجغ، وما يسببه من تلوث للتربة الزراعية، يضاف إلى ذلك انتشار الروائح الكريهة وأسراب من الحشرات والزواحف والنتيجة الحتمية الأمراض... وبالعودة إلى ما أثرناه في «تشرين» فقد سبق أن شكلت لجنة وزارية بداية عام 2007 مهمتها الكشف عن واقع التلوث الحاصل في مناطق بحيرة سد الباسل ونبع طابان ونهر جغجغ ونهر الخابور في محافظة الحسكة بغية إلزام الجهات الملوثة بإعادة تأهيل المناطق التي تم تلويثها إضافة إلى اعداد تقرير مفصل عن واقع التلوث في هذه المناطق معززاً بالتحاليل اللازمة، وفيما بعد اطلعت اللجنة على واقع التلوث في هذه المناطق والأسباب ونتائج التحاليل إضافة إلى أنواع التلوث الأخرى الموجودة كالتلوث بمياه الصرف الصحي والصناعي، ونتيجة التحاليل التي أجريت في حينها لوحظ ارتفاع دالة الأملاح المنحلة عن الحدود المسموح بها في المياه السطحية في نبع طابان وبحيرة الأسد وفي نهري جغجغ والخابور، وكذلك دلت التحاليل على وجود تلوث عضوي كيميائي في نبع طابان ونهر جغجغ، وتم الاقتراح بضرورة اتخاذ الإجراءات لتنفيذ محطات معالجة لكل منشأة صناعية مخالفة واستكمال تنفيذ محطة معالجة مياه الصرف الصحي بالحسكة من قبل وزارة الإسكان، والترشيد باستخدام الأسمدة الزراعية والمبيدات واعتماد أساليب السقاية والري المعتمدة لديها.
وبعد كل هذه السنوات مازال الوضع على ما هو عليه بل ازداد تلوثاً، في ظل غياب للمعلومات وحتى المعالجات!!
مصدر مائي.. ولكن
دائماً نعاني من ندرة المعلومات البيئية في كل الموضوعات فيما يتعلق بتلوث مياه نهر جغجغ، لذلك تأتي أهمية الدراسة التي قامت بها المهندسة عبير حنا حول تلوث مياه النهر واقترحت حلولاً هندسية للمعالجة وبإشراف الدكتور عبد الحكيم بنود والدكتور محمد ضاي، لتكون أول دراسة يتم فيها تشكيل قاعدة بيانات علمية ودقيقة وشاملة لمعالجة موضوع تلوث النهر... المهندسة عبير حنا قالت: نهر جغجغ هو مصدر مائي هام في مدينة القامشلي وما حولها ويستفاد من مياهه بشكل كبير لسقاية الأراضي الزراعية على طول مجرى النهر، ولكن أهم مصادر تلوثه مياه الصرف الصحي لمدينة القامشلي ومياه الصرف الصحي القادمة من مطحنة الجزيرة والمنطقة الصناعية والمسلخ البلدي، والتلوث الناتج عن تربية الجواميس في حارة طي.
الأكبر في تلويث النهر هو الصرف الصحي لمدينة القامشلي وخانات تربية الجواميس والمسلخ البلدي.
البحث عن حلول
يشير البحث كما قلنا إلى أن أهم مصادر تلوث النهر هي مياه الصرف الصحي لمدينة القامشلي لذلك ترى المهندسة حنا أنه يجب البدء في تغيير اتجاه نهاية خطوط مياه الصرف الصحي للمدينة عن النهر وإنشاء مجمع يكون موازياً للنهر لاستقبال مياه الصرف الصحي ومن ثم إلى محطة المعالجة وبالتالي منع استخدام مياه النهر في أي نشاط وبالدرجة الأولى السباحة وسقاية المحاصيل الزراعية.
ويركز البحث على ضرورة إلغاء فكرة تغطية النهر التي تمنع حل مشكلة التلوث.
أيضاً من الحلول التي وضعتها الباحثة تهذيب وتشجير ضفتي النهر وإحياؤه وإعادته إلى أحضان الطبيعة بعيداً عن الزحف العمراني الكثيف الذي بات يهدد مدينة القامشلي.
لذلك ترى أنه لابد من اتخاذ الإجراءات السريعة والمناسبة لحماية النهر واستمرار الاستفادة منه والحفاظ على الحياة التي يشكل عصبها، خاصة ان المنطقة الزراعية جافة أو شبه جافة وللوصول إلى هذه الغاية تقترح الباحثة تنفيذ بعض الأمور منها تنظيف وتهذيب مجرى النهر عن طريق إزالة نقاط الركود التي تكون فيها سرعة المياه منخفضة أو تنفيذ اكساء بيتوني لجوانب نهر جغجغ واقامة شلالات ضمن مجرى النهر لزيادة كمية الاوكسجين المنحل وتحسين نوعية مياه النهر واستمرار عملية المراقبة والقياسات بشكل دوري لتلوث مياه النهر، إضافة إلى العمل على إزالة مصادر التلوث البشري عن طريق ازالة جميع مصبات مياه الصرف الصحي التي تمت دراستها وسيتم تنفيذها، وطبعاً حماية النهر من التعديات وعلى وجه التحديد المخلفات السائلة والصلبة خاصة مخلفات المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية وذلك عن طريق مراقبتها بشكل مستمر.
دراسة متكاملة
الدكتور محمد ضاي أكد أن هذه الدراسة كانت على نهر جغجغ لكنها تلخص بصورة ما تلوث باقي المصادر المائية مثل العاصي وبردى وهذه الدراسة يمكن أن تكون دراسة نموذجية لأنهر قادمة والنتائج التي توصلت إليها الباحثة يمكن تعميمها على المصادر المائية الأخرى من أجل البحث عن مصدر الملوث ونوعه وكميته وهذا هو المتن الأساسي لأي بحث علمي.
إذاً البحث الذي أعدته المهندسة عبير حنا توضح فيه ان مياه النهر ملوثة وان الإنسان هو المصدر الأساسي للتلوث، وبالتالي فإن النتائج التي توصل إليها البحث يمكنها إعادة النهر إلى ما كان عليه دون تلوث والحل الأساسي هو الوقاية وإيقاف مصادر التلوث التي يسببها الإنسان وزيادة التدفق وإيقاف طرح مياه الصرف الصحي دون معالجة وتطبيق قانون حماية البيئة على المنشآت الصناعية ومعالجة مياه الصرف الصحي والصناعي قبل طرحه إلى الانهار ومعالجته في الموقع وضمن المواصفات المطلوبة.
لذلك تؤكد الباحثة عبير حنا على ضرورة تغيير ثقافة التعامل مع النهر وعدم التعامل معه كمكب لرمي النفايات سواء من الفعاليات الصناعية أو بفعل الممارسات البشرية.
الإسكان ترد
المهندس محمد الجرادات مدير الصرف الصحي في وزارة الاسكان تحدث عن الإجراءات التي تقوم بها الوزارة فيما يتعلق بنهر جغجغ فقال: من المصبات التي تصرف على النهر مجاري الحسكة فقد تعاقدت وزارة الإسكان والتعمير مع شركة الدراسات لانجاز دراسة للخطوط الرئيسة لمجاري مدينة الحسكة وذلك على أربع مراحل، فقد تم تنفيذ المراحل الأولى والثانية والثالثة، أما المرحلة الرابعة فهي قيد التنفيذ وتبلغ نسبة الانجاز أكثر من 75%.
أيضاً من الإجراءات المتخذة تعاقد الوزارة على دراسة محطة معالجة مدينة الحسكة، وتم انجاز الدراسة وتدقيقها واعتمادها، وكانت شركة ايرانية قد قدمت كتاباً إلى هيئة تخطيط الدولة تطلب فيه تنفيذ المحطة بموجب قرض ميسر وتمت الموافقة من قبل الوزارة وتم ذلك خلال عام 2009.
وبالنسبة لمجاري القامشلي يقول المهندس الجرادات: انه يتم تنفيذ الخطوط الرئيسة لمجاري مدينة القامشلي، وبنسبة تنفيذ ضعيفة، بسبب عدم انهاء الاستملاك لبعض مسارات المشروع من قبل مجلس مدينة القامشلي.
كما تم انجاز الدراسة في نهاية عام 2009 وتتم حاليا إجراءات التعاقد عليها مع الشركة العامة للمشروعات المائية بالتراضي «كسباً للوقت» وتنفيذ هاتين المحطتين سيساهم في رفع التلوث عن نهر جغجغ.
وبعد..
هذه حكاية نهر فاض بملوثاته نضعها بين أيدي المعنيين.. فهل نسمع قريباً خاتمة سعيدة، تعيد للنهر ألقه وحيويته وسلامته؟!
Comment