هناك في بعض بلادنا نصف ديموقراطية، وهناك في بعض آخر ربع ديموقراطية، وهناك في الغالبية لا ديموقراطية. غير اننا لو جمعنا كل الديموقراطية العربية المتفرقة في بلد واحد لبقيت أقل من الممارسة الديموقراطية الغربية.
أقيم في لندن، وأحمل الجنسية البريطانية مع اللبنانية (وعندي جنسية من بليز، المستعمرة البريطانية السابقة في وسط أميركا)، ومنذ سنوات خصوصاً بعد الحرب على العراق، وأنا انتقد رئيس الوزراء (السابق) توني بلير، وأقسو في النقد، وقد أنعته نعوتاً قبيحة اعتماداً على الوضع العراقي ذلك اليوم. وبما انني أعرف مواد القدح والذم في قانون الصحافة جيداً، فأنا لا أعطي بلير عذراً ليرفع عليّ قضية أمام المحاكم، فما أكتب عنه هو رأي، والرأي مقدس، أما المعلومات فعندي دائماً المراجع التي تظهر من أين استقيتها.
الديموقراطية الغربية هي من مستوى أنني لو مَثَلت ورئيس الوزراء أمام قاض بريطاني ومحلفين لمال القانون إلى جانبي ضده، فأنا الطرف الأضعف في مقابل شخصية عامة، والمسؤول يحاسب بأشد مما يحاسب غيره، مع ان هذا طبعاً ليس في نص القانون أو روحه.
مثل هذا الوضع ينطبق على المشاهير حتى من دون وجود طرف آخر، ولعل قضية الوارثة الأميركية باريس هلتون مثال واضح، فهي مثُلت أمام محكمة في كاليفورنيا، ودينت لأنها قادت سيارتها وهي مخمورة، على رغم وجود أمر قضائي بمنعها من السواقة.
وحكم على باريس هلتون بالسجن 45 يوماً، وهبّت جماعات معترضة لأن الحكم قاسٍ، والسبب ان البنت مشهورة، ولها سمعة سيئة، فأرادت المحاكم ان تجعل منها عبرة للآخرين.
غير ان باريس هلتون خرجت من السجن بعد ثلاثة أيام فقط، وثارت هذه المرة جماعات إنسانية ونشطون قالوا ان الإفراج عنها دليل على محاباة الأثرياء، وان الفقراء لا يمكن ان يحلموا بمعاملة مماثلة.
وأعيدت باريس هلتون إلى السجن بعد الضجة التي أثارها إخراجها منه، وعاد الفريق الأول ليقول إن البنت ظلمت لأنها ثرية.
لا أعرف تماماً ماذا تفعل باريس، البنت لا المدينة، فهي مشهورة بأنها مشهورة، وهي ورثت بعض المال من أسرة هلتون صاحبة مجموعة الفنادق المشهورة، إلا ان المبلغ كان بسيطاً بمقاييس العصر، وهي تقول انها عارضة أزياء، إلا انها ليست جيزيل بوندشن حتماً، وتقول انها سيدة أعمال ولكن لا عمل معروفاً لديها. وحدث يوماً ان عشيقاً سابقاً نشر على الإنترنت فيلماً لهما في السرير، ورفعت قضية ثم أسقطتها وكان هناك من زعم انها حصلت من العشيق على حصة من دخل الفيلم.
هل مسؤولية الحكم، أو الشهرة، تساعد صاحبها في المحاكم أو تعمل ضده؟
بما انني لست طرفاً، وإنما صاحب معرفة معقولة بالموضوع، فإنني أقول إن المسؤول الكبير، أو الثري أو الثرية، يكون في موقف أفضل في البداية لأنه يستطيع ان يستعين بمحامين من مستوى أفضل. وهناك العربي الذي قال: لا أريد محامياً يعرف القانون. أريد محامياً يعرف القاضي. غير انه إذا صدر حكم يصبح المسؤول أو الثري في وضع أصعب لأن القاضي لا يريد ان يبدو متسامحاً، أو متساهلاً، مع المحكوم عليه بسبب وضعه السياسي أو الاجتماعي.
وبالنسبة إلى باريس هلتون بالذات، فالحكم كان قاسياً لأن القاضي أمر بأن تبقى في السجن 23 يوماً من أصل حكم بسجنها 45 يوماً. وقالت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان ان الإحصاءات حيث صدر الحكم تظهر ان المحكوم عليهم في الجنح البسيطة ينفذون صفراً في المئة إلى عشرة في المئة فقط من مدة الحكم، لازدحام السجون، غير ان باريس هلتون أمرت بتنفيذ نصف الحكم بسبب شهرتها.
في النهاية، أفرج عن باريس هلتون الأسبوع الماضي بعد إكمال مدة السجن الأصلية. وقيل ان شبكة «إن بي سي» حصلت على حق بث أول مقابلة معها، بعد ان دخلت في مزاد مع شبكة «أي بي سي». وقرأت ان الوارثة العارضة الغانية ستحصل على مئات ألوف الدولارات أخيراً للمقابلة. والأجر فائدة إضافية للمشاهير، لأن الفقير السجين لا يسأل عنه أحد. غير ان محطات التلفزيون الأميركية أنكرت بعد ذلك ان تكون دفعت.
أنصح القارئ، مشهوراً كان أو مغموراً، بأن يتجنب المحاكم، فقد جربتها في لندن، وهي مخيفة حتى إذا انتهت بكسب القضية. ولكن إذا أصرّ القارئ على دخول هذه التجربة، فنصيحتي له ان يقاضي مسؤولاً في الحزب الحاكم، لأن الناس، من بلادنا إلى بلادهم، ضد من وَلِيَ الأحكام... وهذا إن عَدَل.
في القرآن الكريم «وأمرهم شورى بينهم» و «شاورهم في الأمر»، والشورى هنا أفقية بين المحكومين، وعمودية بين الحاكم والمحكوم. غير ان المسلمين بعد 15 قرناً من نزول الوحي لم يفعلوا، ولا أراهم سيفعلون قريباً.
عندما يفعلون ستصبح عندنا ديموقراطية من مستوى غربي، فيرفع حاكم أو وزير قضية على صحافي (أو بقال) ويكون القانون منحازاً إلى الطرف الأضعف.
أقيم في لندن، وأحمل الجنسية البريطانية مع اللبنانية (وعندي جنسية من بليز، المستعمرة البريطانية السابقة في وسط أميركا)، ومنذ سنوات خصوصاً بعد الحرب على العراق، وأنا انتقد رئيس الوزراء (السابق) توني بلير، وأقسو في النقد، وقد أنعته نعوتاً قبيحة اعتماداً على الوضع العراقي ذلك اليوم. وبما انني أعرف مواد القدح والذم في قانون الصحافة جيداً، فأنا لا أعطي بلير عذراً ليرفع عليّ قضية أمام المحاكم، فما أكتب عنه هو رأي، والرأي مقدس، أما المعلومات فعندي دائماً المراجع التي تظهر من أين استقيتها.
الديموقراطية الغربية هي من مستوى أنني لو مَثَلت ورئيس الوزراء أمام قاض بريطاني ومحلفين لمال القانون إلى جانبي ضده، فأنا الطرف الأضعف في مقابل شخصية عامة، والمسؤول يحاسب بأشد مما يحاسب غيره، مع ان هذا طبعاً ليس في نص القانون أو روحه.
مثل هذا الوضع ينطبق على المشاهير حتى من دون وجود طرف آخر، ولعل قضية الوارثة الأميركية باريس هلتون مثال واضح، فهي مثُلت أمام محكمة في كاليفورنيا، ودينت لأنها قادت سيارتها وهي مخمورة، على رغم وجود أمر قضائي بمنعها من السواقة.
وحكم على باريس هلتون بالسجن 45 يوماً، وهبّت جماعات معترضة لأن الحكم قاسٍ، والسبب ان البنت مشهورة، ولها سمعة سيئة، فأرادت المحاكم ان تجعل منها عبرة للآخرين.
غير ان باريس هلتون خرجت من السجن بعد ثلاثة أيام فقط، وثارت هذه المرة جماعات إنسانية ونشطون قالوا ان الإفراج عنها دليل على محاباة الأثرياء، وان الفقراء لا يمكن ان يحلموا بمعاملة مماثلة.
وأعيدت باريس هلتون إلى السجن بعد الضجة التي أثارها إخراجها منه، وعاد الفريق الأول ليقول إن البنت ظلمت لأنها ثرية.
لا أعرف تماماً ماذا تفعل باريس، البنت لا المدينة، فهي مشهورة بأنها مشهورة، وهي ورثت بعض المال من أسرة هلتون صاحبة مجموعة الفنادق المشهورة، إلا ان المبلغ كان بسيطاً بمقاييس العصر، وهي تقول انها عارضة أزياء، إلا انها ليست جيزيل بوندشن حتماً، وتقول انها سيدة أعمال ولكن لا عمل معروفاً لديها. وحدث يوماً ان عشيقاً سابقاً نشر على الإنترنت فيلماً لهما في السرير، ورفعت قضية ثم أسقطتها وكان هناك من زعم انها حصلت من العشيق على حصة من دخل الفيلم.
هل مسؤولية الحكم، أو الشهرة، تساعد صاحبها في المحاكم أو تعمل ضده؟
بما انني لست طرفاً، وإنما صاحب معرفة معقولة بالموضوع، فإنني أقول إن المسؤول الكبير، أو الثري أو الثرية، يكون في موقف أفضل في البداية لأنه يستطيع ان يستعين بمحامين من مستوى أفضل. وهناك العربي الذي قال: لا أريد محامياً يعرف القانون. أريد محامياً يعرف القاضي. غير انه إذا صدر حكم يصبح المسؤول أو الثري في وضع أصعب لأن القاضي لا يريد ان يبدو متسامحاً، أو متساهلاً، مع المحكوم عليه بسبب وضعه السياسي أو الاجتماعي.
وبالنسبة إلى باريس هلتون بالذات، فالحكم كان قاسياً لأن القاضي أمر بأن تبقى في السجن 23 يوماً من أصل حكم بسجنها 45 يوماً. وقالت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان ان الإحصاءات حيث صدر الحكم تظهر ان المحكوم عليهم في الجنح البسيطة ينفذون صفراً في المئة إلى عشرة في المئة فقط من مدة الحكم، لازدحام السجون، غير ان باريس هلتون أمرت بتنفيذ نصف الحكم بسبب شهرتها.
في النهاية، أفرج عن باريس هلتون الأسبوع الماضي بعد إكمال مدة السجن الأصلية. وقيل ان شبكة «إن بي سي» حصلت على حق بث أول مقابلة معها، بعد ان دخلت في مزاد مع شبكة «أي بي سي». وقرأت ان الوارثة العارضة الغانية ستحصل على مئات ألوف الدولارات أخيراً للمقابلة. والأجر فائدة إضافية للمشاهير، لأن الفقير السجين لا يسأل عنه أحد. غير ان محطات التلفزيون الأميركية أنكرت بعد ذلك ان تكون دفعت.
أنصح القارئ، مشهوراً كان أو مغموراً، بأن يتجنب المحاكم، فقد جربتها في لندن، وهي مخيفة حتى إذا انتهت بكسب القضية. ولكن إذا أصرّ القارئ على دخول هذه التجربة، فنصيحتي له ان يقاضي مسؤولاً في الحزب الحاكم، لأن الناس، من بلادنا إلى بلادهم، ضد من وَلِيَ الأحكام... وهذا إن عَدَل.
في القرآن الكريم «وأمرهم شورى بينهم» و «شاورهم في الأمر»، والشورى هنا أفقية بين المحكومين، وعمودية بين الحاكم والمحكوم. غير ان المسلمين بعد 15 قرناً من نزول الوحي لم يفعلوا، ولا أراهم سيفعلون قريباً.
عندما يفعلون ستصبح عندنا ديموقراطية من مستوى غربي، فيرفع حاكم أو وزير قضية على صحافي (أو بقال) ويكون القانون منحازاً إلى الطرف الأضعف.
جهاد الخازن
Comment