هل يمكن للدولة الدينية التي يبشرنا بها أصحاب التيارات الماضوية من البقاء والاستمرار في هذا العالم حيث تتبدل المفاهيم والقيم وتنهار الأساطير وتظهر الحقائق العلمية المطلقة التي لا يدانيها الشك التي تتهاوى أمامها كل المعارف والرؤى الماضوية والروايات القديمة التي لم تعد تقنع أحداً. وفي دولة المواطنة الحديث حيث الاعتبار والاحترام للفرد المواطن المبدع المتميز المعطاء ذي العقل والتفكير الحر المستقل، لا الجماعة القطيعية الغوغائية المتكورة حول الذات العشائرية والقبيلة والعائلية والإثنية الواحدة وذات العقل الجمعي الموروث التقليدي الذي لا يغير ولا يتغير، ولا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من قدامه. في عالم انهارت فيه الحدود وسقطت التمايزات وكل نظريات التفوق والتميز والعصمة والنجاة، وانهارت العقائد الفاشستية والنازية، لم يعد أحد قادر اليوم على الاحتماء والانزواء من خطر تقدم قيم العولمة التي تداهم غرف النوم وأشد الغيتوهات عزلة وبعداً.
ومع ذلك تحاول الدول الدينية التي تخوض معركة بقاء لا أكثر ولا أقل الصمود في وجه تيارات العولمة محدثة صدامات عنيفة معها، تتجلى في حدة الرفض والخطاب المأزوم حيالها، ونشوء نزعة الإرهاب والقتل للدفاع عن النفس في مواجهة تبدو محسومة لصالح تيارات الحداثة والتنوير والعولمة. فلم تستطع الدول الدينية اليوم، وبرغم خطابها الوردي الرومانسي من إنشاء مجتمعات فاضلة يسودها العدل، والبحبوحة والازدهار، لا بل تبدو دول ترفع رايات التدين، وبرغم الثراء الأسطوري لبعضها، أفقر من دول قبائلية تعيش في الأدغال، وتفتقر بعضها إلى منظومات للصرف الصحي على سبيل المثال لا الحصر. وتعاني دول مثل مصر والسودان والجزائر واليمن وحكومة حماس وعراق الملالي من أزمات حياتية مستفحلة على صعد التعليم والصحة والاقتصاد بشكل عام، فيما تنهض نمور بوذية وهندوسية وإلحادية، وترسل الطعام والغذاء والدوام، وورق "التواليتات"، إلى أولئك الذين ما زالوا يحلمون ويبشرون بالنظم الهيراركية الأبوية الماضوية المقدسة. ولم تستطع الدول الدينية، بالرغم من الكم الهائل من الزواجر والنواهي وتطبيق الصوارم والذهاب بعيداً في مراقبة الناس والتدخل في خصوصياتهم واقتحام حياتهم الخاصة فيمن وضع نفسه وكيلاً لله في التدخل في شؤون الحياة من تقديم الفرد الأنموذج المسالم الطيب الزاهد الورع التقي لا بل نرى التوحش والنزعة والميل نحو الدموية والانتقام ولقد فرخت لنا الدول الدينية المعروفة اليوم، التي ترفع زوراً وبهتاناً رايات التدين والدروشة، معظم رموز الإرهاب والقتلة ومصاصي الدماء الذين يحفل بهم المشهد العام. فهناك علاقة جدلية وحتمية بين الفقر والقمع وانعدام الحريات، وبين الجريمة واستفحال فكر التطرف والإرهاب. وكلما كان هناك قنوات لتنفيس الاحتقان العام وتفريغ شحنات القهر المتولدة من الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي الهائل، كلما نحا المشهد نحو السكينة والهدوء والاستقرار العام.
وثمة علاقة جدلية باتت واضحة اليوم، أنه كلما اشتد التدين ومظاهر الدروشة والإيمان في بلد ما من بلدان العالم، كلما اشتدت الأزمات، وكلما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والأمية والجهل والمرض، والترهل والفوضى والفساد والكسل والترنح العام والديكتاتورية والاستبداد ومعدلات الجريمة والخروج عن القانون، والزنا والعلاقات المحرقة وجرائم الشرف...إلخ، وانتشار الصراعات والخلافات والحروب الأهلية وخطر التفكك والانزلاق نحو التلاشي والانقسام، مع انتشار كم هائل من الأساطير والخرافات والخزعبلات التي يعول الناس عليها في نشلهم من مأزقهم التاريخي والإنساني الكارثي وانتشار التحاقد والتكاره والتراشق المذهبي المجتمعي ما يفكك المجتمعات وضرب عصب وجودها، وتغذي ذلك كله منظومة فقهية وماكينات إعلامية هائلة في واحدة من أكبر عمليات تزييف الوعي في التاريخ، والأمثلة أكثر من الهم على القلب في هذا الصدد ونعيشها واقعاًَ يومياً ملموساً. فيما تبدو الشفافية والإنتاج والديمقراطية وارتفاع معدل الأعمار والوفرة والبحبوحة والازدهار والوعي العام والتهذيب والرقي الفردي هي أهم ما يميز الدول غير الدينية أو التي لا تعتبر الدين عاملاً من عوامل الحكم وتسيير شؤون البلاد، ولا تدخله وتبرزه في دساتيرها، وتؤكد وتشدد عليه، فقد كانت الدول الدينية، وعبر التاريخ بؤراً للتسلط والقهر والحكم بالحديد والنار، وكل الدول الدكتاتورية والمستبدة اليوم، هي التي ورثت بشكل أو بآخر، أو التي ما تزال في أطوار مجتمعية دينية، فكلما كان الفرد متديناً ومتدروشاً ويعيش بعقل جمعي، لا عقل فردي، كلما كان من الأيسر ضبطه و"سوقه" مع "الجماعة" والتلاعب بمصيره وخداعه والاحتيال عليه، من جيوش وجحافل المحتالين والنصابين الذين يحفل بهم المشهد العام. وكلما كان الفرد واعياً ومستقلاً بتفكيره وذا تفكير شخصي، كلما كان من الصعب السيطرة عليه وسوسه، ما يعني نهاية الاستبداد والديكتاتورية وانهيار دعائمها الإيديولوجية. وثمة سؤال آخر مؤرق لماذا تفشل الدول الدينية اليوم دون غيرها؟ ألم يعد الدين قادراً على مواكبة متطلبات العصر واحتياجاته المتسارعة والمتصاعدة، ولماذا هذا الترابط العجيب والوثيق، الذي لا يمكن نفيه من أية مقارنات معادلة بين الفشل والانهيار والتخلف والتدين؟ ولماذا التدين حاضر هنا وبالذات؟
الدول الدينية دول فاشلة بشكل عام، وامتياز لا تحسد عليه، فها هي منظومة الدول الدينية تفشل اليوم، ولوحدها تقريباً، على كافة الصعد والمستويات من الخروج من أزماتها المستفحلة وبناء مجتمع عصري تنعدم فيها السلبيات والصراعت، وتتجذر فيه المبادئ والقيم والأخلاق، ولم تستطع بالرغم من خطابها الوردي من التقدم درجة على سلم الحضارة والازدهار، ويبدو أن لا ازدهار ولا خلاص للبشرية، إلا بالتخلص من أنموذج الدول الدينية.
عن الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232364
..
ومع ذلك تحاول الدول الدينية التي تخوض معركة بقاء لا أكثر ولا أقل الصمود في وجه تيارات العولمة محدثة صدامات عنيفة معها، تتجلى في حدة الرفض والخطاب المأزوم حيالها، ونشوء نزعة الإرهاب والقتل للدفاع عن النفس في مواجهة تبدو محسومة لصالح تيارات الحداثة والتنوير والعولمة. فلم تستطع الدول الدينية اليوم، وبرغم خطابها الوردي الرومانسي من إنشاء مجتمعات فاضلة يسودها العدل، والبحبوحة والازدهار، لا بل تبدو دول ترفع رايات التدين، وبرغم الثراء الأسطوري لبعضها، أفقر من دول قبائلية تعيش في الأدغال، وتفتقر بعضها إلى منظومات للصرف الصحي على سبيل المثال لا الحصر. وتعاني دول مثل مصر والسودان والجزائر واليمن وحكومة حماس وعراق الملالي من أزمات حياتية مستفحلة على صعد التعليم والصحة والاقتصاد بشكل عام، فيما تنهض نمور بوذية وهندوسية وإلحادية، وترسل الطعام والغذاء والدوام، وورق "التواليتات"، إلى أولئك الذين ما زالوا يحلمون ويبشرون بالنظم الهيراركية الأبوية الماضوية المقدسة. ولم تستطع الدول الدينية، بالرغم من الكم الهائل من الزواجر والنواهي وتطبيق الصوارم والذهاب بعيداً في مراقبة الناس والتدخل في خصوصياتهم واقتحام حياتهم الخاصة فيمن وضع نفسه وكيلاً لله في التدخل في شؤون الحياة من تقديم الفرد الأنموذج المسالم الطيب الزاهد الورع التقي لا بل نرى التوحش والنزعة والميل نحو الدموية والانتقام ولقد فرخت لنا الدول الدينية المعروفة اليوم، التي ترفع زوراً وبهتاناً رايات التدين والدروشة، معظم رموز الإرهاب والقتلة ومصاصي الدماء الذين يحفل بهم المشهد العام. فهناك علاقة جدلية وحتمية بين الفقر والقمع وانعدام الحريات، وبين الجريمة واستفحال فكر التطرف والإرهاب. وكلما كان هناك قنوات لتنفيس الاحتقان العام وتفريغ شحنات القهر المتولدة من الصراع الطبقي والتفاوت الاجتماعي الهائل، كلما نحا المشهد نحو السكينة والهدوء والاستقرار العام.
وثمة علاقة جدلية باتت واضحة اليوم، أنه كلما اشتد التدين ومظاهر الدروشة والإيمان في بلد ما من بلدان العالم، كلما اشتدت الأزمات، وكلما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة والأمية والجهل والمرض، والترهل والفوضى والفساد والكسل والترنح العام والديكتاتورية والاستبداد ومعدلات الجريمة والخروج عن القانون، والزنا والعلاقات المحرقة وجرائم الشرف...إلخ، وانتشار الصراعات والخلافات والحروب الأهلية وخطر التفكك والانزلاق نحو التلاشي والانقسام، مع انتشار كم هائل من الأساطير والخرافات والخزعبلات التي يعول الناس عليها في نشلهم من مأزقهم التاريخي والإنساني الكارثي وانتشار التحاقد والتكاره والتراشق المذهبي المجتمعي ما يفكك المجتمعات وضرب عصب وجودها، وتغذي ذلك كله منظومة فقهية وماكينات إعلامية هائلة في واحدة من أكبر عمليات تزييف الوعي في التاريخ، والأمثلة أكثر من الهم على القلب في هذا الصدد ونعيشها واقعاًَ يومياً ملموساً. فيما تبدو الشفافية والإنتاج والديمقراطية وارتفاع معدل الأعمار والوفرة والبحبوحة والازدهار والوعي العام والتهذيب والرقي الفردي هي أهم ما يميز الدول غير الدينية أو التي لا تعتبر الدين عاملاً من عوامل الحكم وتسيير شؤون البلاد، ولا تدخله وتبرزه في دساتيرها، وتؤكد وتشدد عليه، فقد كانت الدول الدينية، وعبر التاريخ بؤراً للتسلط والقهر والحكم بالحديد والنار، وكل الدول الدكتاتورية والمستبدة اليوم، هي التي ورثت بشكل أو بآخر، أو التي ما تزال في أطوار مجتمعية دينية، فكلما كان الفرد متديناً ومتدروشاً ويعيش بعقل جمعي، لا عقل فردي، كلما كان من الأيسر ضبطه و"سوقه" مع "الجماعة" والتلاعب بمصيره وخداعه والاحتيال عليه، من جيوش وجحافل المحتالين والنصابين الذين يحفل بهم المشهد العام. وكلما كان الفرد واعياً ومستقلاً بتفكيره وذا تفكير شخصي، كلما كان من الصعب السيطرة عليه وسوسه، ما يعني نهاية الاستبداد والديكتاتورية وانهيار دعائمها الإيديولوجية. وثمة سؤال آخر مؤرق لماذا تفشل الدول الدينية اليوم دون غيرها؟ ألم يعد الدين قادراً على مواكبة متطلبات العصر واحتياجاته المتسارعة والمتصاعدة، ولماذا هذا الترابط العجيب والوثيق، الذي لا يمكن نفيه من أية مقارنات معادلة بين الفشل والانهيار والتخلف والتدين؟ ولماذا التدين حاضر هنا وبالذات؟
الدول الدينية دول فاشلة بشكل عام، وامتياز لا تحسد عليه، فها هي منظومة الدول الدينية تفشل اليوم، ولوحدها تقريباً، على كافة الصعد والمستويات من الخروج من أزماتها المستفحلة وبناء مجتمع عصري تنعدم فيها السلبيات والصراعت، وتتجذر فيه المبادئ والقيم والأخلاق، ولم تستطع بالرغم من خطابها الوردي من التقدم درجة على سلم الحضارة والازدهار، ويبدو أن لا ازدهار ولا خلاص للبشرية، إلا بالتخلص من أنموذج الدول الدينية.
عن الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=232364
..
Comment