الدراما تصوّر القضية حتى العام 1967 ولا تتخطاه
ما زالت للدراما التلفزيونية السوريّة التي تتناول القضية الفلسطينية «ألغازها» الكثيرة التي لم تحل بعد، على الرغم من كل محاولات تسويق تلك الأعمال، ونجاح بعضها في إحداث اختراق حقيقي لسوق المسلسلات، سواء لجهة جماهيرية العمل كما كانت الحال مع مسلسل «التغريبة الفلسطينية»، أو لجهة منافسته فنياً وفكرياً في المهرجانات الدولية على غرار مسلسل «الاجتياح» الذي نال جائزة «ايمي» العالمية في العام 2008. ولعل قراءة متفحصة لما قدم من أعمال درامية تؤدي إلى خلاصة واحدة تفيد دائماً بأن النص الدرامي عن فلسطين لم يكتب كاملاً بعد.
في بداية الثمانينيات، شكّل مسلسل «عز الدين القسام» للمخرج هيثم حقي نقطة الانطلاق الحقيقية للدراما السورية في تناولها للقضية الفلسطينية. وتناول العمل حينها ثورة الشيخ القسام في ثلاثينيات القرن الماضي. من بعده، تصدّى مسلسل «نهارات الدفلى» في العام 1995 لمرحلة النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وكانت تلك هي المرحلة ذاتها التي تناولها مسلسل «الشتات».
وفي العام 2004 ، أنجز أشهر عملين سوريين في تاريخ دراما فلسطين، وهما «التغريبة الفلسطينية»، و«عائد إلى حيفا». في المسلسل الأول، قدم الكاتب الدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي حكاية عائلة فلسطينية من خلال رصد مكابدات اغترابها من ظلم الإقطاع ونير الاستعمار الإنكليزي داخل فلسطين، ومن ثم سيرة لجوئها في منافٍ مختلفة.
أما العمل الثاني، وهو مأخوذ عن رواية «عائد إلى حيفا» للكاتب الشهيد غسان كنفاني، فيتناول مرحلة النكبة أيضاً. وقد أخرجه باسل الخطيب الذي قدّم في الفترة ذاتها مسلسل «عياش» حول قصة الشهيد يحيى عياش، من كتابة الزميلة ديانا جبور.
في العام 2007، قدم المخرج شوقي الماجري مسلسل «الاجتياح» الذي استعرض مرحلة من أهم مراحل نضال الشعب الفلسطيني إبّان عملية «السور الواقي» واقتحام مخيم جنين. بعده بسنة، أخرج أحمد دعيبس مسلسل «أولى القبلتين» الذي يرسم صورة للقدس قبل العام 1967. كما قدّم المخرج يوسف رزق مسلسل « سفر الحجارة» عن مرحلة الانتفاضة الفلسطينية في العام الماضي.
وأخيراً، بدأ المخرج باسل الخطيب تصوير مسلسله «أنا القدس» الذي يرصد فيه نحو خمسين عاماً من تاريخ القدس تنتهي في العام 1967.
تكشف النظرة البانورامية السريعة للأعمال السابقة أن معظمها لم يتجاوز نكسة حزيران، فتوقف عندها من دون أن يقربها. بينما اقتصرت الأعمال التي تجاوزت هذه الفترة على أحداث بعينها، فتناول «عياش» سيرة مهندس عمليات التفجير الفدائية مع انحياز لشرطه الإنساني. وركز «الاجتياح» على مخيم جنين بالدرجة الأولى، بينما غاص «سفر الحجارة» بسرد يوميات الانتفاضة من دون أن يخرج من حيزها التي تعرفنا إليه في نشرات الأخبار..
وبكل الأحوال، لم تمر تلك الأعمال من دون أن تدفع ضريبة موضوعاتها، فعرض مسلسل «عياش» بشكل محدود ومثله مسلسل «الاجتياح». حتى أن أصحاب هذا الأخير عانوا الأمرّين عند تسويقه لدرجة أنهم فكروا بمحاولة عرضه على قناة «الجزيرة الوثائقية»، بحسب ما قال بطله عباس النوري لـ«السفير» في حينها.
لماذا إذاً لم تتجاوز معظم الأعمال الفلسطينية مرحلة 67؟
يرى المخرج باسل الخطيب، الذي تنتهي أحداث مسلسله الجديد «أنا القدس» عند التاريخ ذاته، أن « المرحلة التي تلي ذاك التاريخ هي مرحلة تاريخية مختلفة تماما، لها معطياتها وحساسيتها..»، مبيناً أنه «ربما في عمل مثل «أنا القدس» وجدت منتجاً قبلَ أن يخوض هذه المغامرة، لكن في أعمال مشابهة لها علاقة بمرحلة ما بعد 67 وحتى اليوم، لن تجد منتجاً ولا محطة فضائية تقدم على تبني عمل من هذا النوع بسبب التفاعلات والصراعات التي وقعت بعد هذا التاريخ».
ويشير الى نقطة إضافية تتمثل في أن عددا كبيرا من شخصيات مرحلة ما بعد العام 67 ما زالوا على قيد الحياة، ما «يسبب إشكاليات ويمكن أن يأسر العمل في العلب ويمنع عرضه».
ما لم يكتب في الدراما التي تتناول الموضوع الفلسطيني ليس نص نكسة حزيران وما بعدها فقط، وإنما يوميات الإنسان الفلسطيني العادي.
وتعتبر الكاتبة ديانا جبور أن ما لم تتناوله تلك الأعمال هو « تفاصيل حكايات وقصص الناس. لأن القصة هي التي تؤثر على المتلقي أكثر من أي أسلوب آخر».
وترى صاحبة مسلسل «عياش» أن «الاقتراب من الحكاية الشخصية لهؤلاء الناس هو أكثر ما نفتقده في الدراما التي تتناول القضية الفلسطينية». يبدو مسلسل «سحابة صيف» الذي قدم الموسم الفائت المثال الأبرز لرؤية الكاتبة جبور.
فالعمل قدم ضمن سلسلة خيوط اجتماعية. منها ما يتعلق بشخصية (أبو حبيب) وهو رب أسرة فلسطينية ما زال، بالرغم من كل ظروف اللجوء، مسكوناً بالعيش على أمجاد ذكرى عائلته الإقطاعية أيام حيفا قبل النكبة. بينما تبدو زوجته (أم حبيب) الفلسطينية اللاجئة مفجوعة باستشهاد ابنها البكر حبيب في الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، في وقت تبدو ذكريات الوطن وحلم العودة متقدة في ذهنها وقلبها..
وبالرغم من خصوصيّة الحكاية، لم يعلن «سحابة صيف» انتماؤه إلى دراما القضية الفلسطينية فظل مسلسلاً اجتماعياً بخيوط عديدة.. وظل معه النص الدرامي المتعلق بالقضية الفلسطينية يفتقد حكايات الملايين من اللاجئين اليوم، وقد غيبهم الإعلام لصالح صورة القتل اليومي في فلسطين.
يبقى سؤال إضافي: متى سنشاهد مسلسلات حول فلسطينيي الشتات، فتصوّر يوميات اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان أو القاطنين في مخيم اليرموك على سبيل المثال؟
إذا أخذ عنصر التسويق بالحسبان، فسيبدو الجواب الأكيد أن ذاك الحلم لن يترجم واقعاً.. على الأقل في الوقت الحاضر.
يعرض مسلسل «التغريبة الفلسطينية» حاليا على شاشة « أيه. أر. تي. الحكايات» عند السادسة من مساء كل يوم .
يعرض مسلسل «عائد إلى حيفا» حالياً على قناة «أوربت» للمسلسلات عند الثامنة من مساء كل يوم.
المصدر: ماهر منصور - السفير
ما زالت للدراما التلفزيونية السوريّة التي تتناول القضية الفلسطينية «ألغازها» الكثيرة التي لم تحل بعد، على الرغم من كل محاولات تسويق تلك الأعمال، ونجاح بعضها في إحداث اختراق حقيقي لسوق المسلسلات، سواء لجهة جماهيرية العمل كما كانت الحال مع مسلسل «التغريبة الفلسطينية»، أو لجهة منافسته فنياً وفكرياً في المهرجانات الدولية على غرار مسلسل «الاجتياح» الذي نال جائزة «ايمي» العالمية في العام 2008. ولعل قراءة متفحصة لما قدم من أعمال درامية تؤدي إلى خلاصة واحدة تفيد دائماً بأن النص الدرامي عن فلسطين لم يكتب كاملاً بعد.
في بداية الثمانينيات، شكّل مسلسل «عز الدين القسام» للمخرج هيثم حقي نقطة الانطلاق الحقيقية للدراما السورية في تناولها للقضية الفلسطينية. وتناول العمل حينها ثورة الشيخ القسام في ثلاثينيات القرن الماضي. من بعده، تصدّى مسلسل «نهارات الدفلى» في العام 1995 لمرحلة النكبة الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، وكانت تلك هي المرحلة ذاتها التي تناولها مسلسل «الشتات».
وفي العام 2004 ، أنجز أشهر عملين سوريين في تاريخ دراما فلسطين، وهما «التغريبة الفلسطينية»، و«عائد إلى حيفا». في المسلسل الأول، قدم الكاتب الدكتور وليد سيف والمخرج حاتم علي حكاية عائلة فلسطينية من خلال رصد مكابدات اغترابها من ظلم الإقطاع ونير الاستعمار الإنكليزي داخل فلسطين، ومن ثم سيرة لجوئها في منافٍ مختلفة.
أما العمل الثاني، وهو مأخوذ عن رواية «عائد إلى حيفا» للكاتب الشهيد غسان كنفاني، فيتناول مرحلة النكبة أيضاً. وقد أخرجه باسل الخطيب الذي قدّم في الفترة ذاتها مسلسل «عياش» حول قصة الشهيد يحيى عياش، من كتابة الزميلة ديانا جبور.
في العام 2007، قدم المخرج شوقي الماجري مسلسل «الاجتياح» الذي استعرض مرحلة من أهم مراحل نضال الشعب الفلسطيني إبّان عملية «السور الواقي» واقتحام مخيم جنين. بعده بسنة، أخرج أحمد دعيبس مسلسل «أولى القبلتين» الذي يرسم صورة للقدس قبل العام 1967. كما قدّم المخرج يوسف رزق مسلسل « سفر الحجارة» عن مرحلة الانتفاضة الفلسطينية في العام الماضي.
وأخيراً، بدأ المخرج باسل الخطيب تصوير مسلسله «أنا القدس» الذي يرصد فيه نحو خمسين عاماً من تاريخ القدس تنتهي في العام 1967.
تكشف النظرة البانورامية السريعة للأعمال السابقة أن معظمها لم يتجاوز نكسة حزيران، فتوقف عندها من دون أن يقربها. بينما اقتصرت الأعمال التي تجاوزت هذه الفترة على أحداث بعينها، فتناول «عياش» سيرة مهندس عمليات التفجير الفدائية مع انحياز لشرطه الإنساني. وركز «الاجتياح» على مخيم جنين بالدرجة الأولى، بينما غاص «سفر الحجارة» بسرد يوميات الانتفاضة من دون أن يخرج من حيزها التي تعرفنا إليه في نشرات الأخبار..
وبكل الأحوال، لم تمر تلك الأعمال من دون أن تدفع ضريبة موضوعاتها، فعرض مسلسل «عياش» بشكل محدود ومثله مسلسل «الاجتياح». حتى أن أصحاب هذا الأخير عانوا الأمرّين عند تسويقه لدرجة أنهم فكروا بمحاولة عرضه على قناة «الجزيرة الوثائقية»، بحسب ما قال بطله عباس النوري لـ«السفير» في حينها.
لماذا إذاً لم تتجاوز معظم الأعمال الفلسطينية مرحلة 67؟
يرى المخرج باسل الخطيب، الذي تنتهي أحداث مسلسله الجديد «أنا القدس» عند التاريخ ذاته، أن « المرحلة التي تلي ذاك التاريخ هي مرحلة تاريخية مختلفة تماما، لها معطياتها وحساسيتها..»، مبيناً أنه «ربما في عمل مثل «أنا القدس» وجدت منتجاً قبلَ أن يخوض هذه المغامرة، لكن في أعمال مشابهة لها علاقة بمرحلة ما بعد 67 وحتى اليوم، لن تجد منتجاً ولا محطة فضائية تقدم على تبني عمل من هذا النوع بسبب التفاعلات والصراعات التي وقعت بعد هذا التاريخ».
ويشير الى نقطة إضافية تتمثل في أن عددا كبيرا من شخصيات مرحلة ما بعد العام 67 ما زالوا على قيد الحياة، ما «يسبب إشكاليات ويمكن أن يأسر العمل في العلب ويمنع عرضه».
ما لم يكتب في الدراما التي تتناول الموضوع الفلسطيني ليس نص نكسة حزيران وما بعدها فقط، وإنما يوميات الإنسان الفلسطيني العادي.
وتعتبر الكاتبة ديانا جبور أن ما لم تتناوله تلك الأعمال هو « تفاصيل حكايات وقصص الناس. لأن القصة هي التي تؤثر على المتلقي أكثر من أي أسلوب آخر».
وترى صاحبة مسلسل «عياش» أن «الاقتراب من الحكاية الشخصية لهؤلاء الناس هو أكثر ما نفتقده في الدراما التي تتناول القضية الفلسطينية». يبدو مسلسل «سحابة صيف» الذي قدم الموسم الفائت المثال الأبرز لرؤية الكاتبة جبور.
فالعمل قدم ضمن سلسلة خيوط اجتماعية. منها ما يتعلق بشخصية (أبو حبيب) وهو رب أسرة فلسطينية ما زال، بالرغم من كل ظروف اللجوء، مسكوناً بالعيش على أمجاد ذكرى عائلته الإقطاعية أيام حيفا قبل النكبة. بينما تبدو زوجته (أم حبيب) الفلسطينية اللاجئة مفجوعة باستشهاد ابنها البكر حبيب في الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف العام 1982، في وقت تبدو ذكريات الوطن وحلم العودة متقدة في ذهنها وقلبها..
وبالرغم من خصوصيّة الحكاية، لم يعلن «سحابة صيف» انتماؤه إلى دراما القضية الفلسطينية فظل مسلسلاً اجتماعياً بخيوط عديدة.. وظل معه النص الدرامي المتعلق بالقضية الفلسطينية يفتقد حكايات الملايين من اللاجئين اليوم، وقد غيبهم الإعلام لصالح صورة القتل اليومي في فلسطين.
يبقى سؤال إضافي: متى سنشاهد مسلسلات حول فلسطينيي الشتات، فتصوّر يوميات اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان أو القاطنين في مخيم اليرموك على سبيل المثال؟
إذا أخذ عنصر التسويق بالحسبان، فسيبدو الجواب الأكيد أن ذاك الحلم لن يترجم واقعاً.. على الأقل في الوقت الحاضر.
يعرض مسلسل «التغريبة الفلسطينية» حاليا على شاشة « أيه. أر. تي. الحكايات» عند السادسة من مساء كل يوم .
يعرض مسلسل «عائد إلى حيفا» حالياً على قناة «أوربت» للمسلسلات عند الثامنة من مساء كل يوم.
المصدر: ماهر منصور - السفير
Comment