على الرغم من أنني أرى لكم هو وضع الأمور الآن غريب – وما أعنيه هو ظهور شرق أوسط شمولي جديد - والذي على نحو مايمكن الترحيب به-لأن كل أيديولوجية لكي تموت يجب أن تصبح حقيقة واقعة. ففي بداية القرن العشرين كان هناك شباب يريدون بناء وسيادة الشيوعية على الأرض. وبنوها بالفعل ولكن في سبيل ذلك دمروا وخربوا الدولة الروسية. ولكن من ناحية أخرى لم يعد هناك الآن من يرغب في بناء الشيوعية.
الأصوليون الإسلاميون يريدونبناء "ملكوت الله" في الأرض - حسنا ليبنوا ما يريدون، ولكن بمرور 20 - 30 سنة، ستتضح كل الأمور، لأن الأيدلوجية لا يمكن تدميرها بكلمة ولا يمكن تدميرها بالمنطق،ولا بأي شكل من الأشكال بواسطة السلاح، ولكن الأيديولوجية ذاتها تفنى وتموت عندما يتبين انهالا تتوافق مع الواقع.
معلمو بن لادن.
"الأخوان المسلمون" ليسوا مجرد منظمة إسلامية أصولية ، ولكنهم المنظمة الإسلامية الأصولية الأساسية التي تولدت منها كل المنظمات الأخرى. ويمكن فقط مقارنة تأسيسها في 1928م بتأسيس حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي. وتلك الأيديولوجية التي طرحها سيد قطب أحد مؤسسيها "حسب الإذاعية"يمكن أن نقارنها فقط مع كتاب "رأس المال" لكارل ماركس من حيث قوة التأثير. ويكفي أن نقول أن إحدى المنظمات التابعة"للإخوان المسلمين" هي حركة حماس. وبن لادن كان في وقت ما يستوحى فكره من أفكار "الإخوان". وفي تلك المدارس التي درس فيها بن لادن كان المعلمون إسلاميون من جماعة "الإخوان المسلمين".

مفهوم الحرية بالنسبة لمعظم الثوار العرب بصرف النظر عن كونهم علمانيين أو دينيين، يعني قبل كل شيء التحرر من الإمبريالية الغربية، وليس تحقيق الحريات الفردية للناس. فأي نظام عربي يستمد شرعيته من المواجهة مع الغرب، ولوقت طويل لكي يكون الحاكم شرعياً في الشرق الأوسط لم يكن من الضروري الفوز في انتخابات ديمقراطية، بل كان الواجب إظهارالعناية الأبوية تجاه الرعيّة على غرار وفي روح ما كان يظهره الخلفاء الأوائل، وكذلك السعي إلى الوحدة العربية ومواجهة الغرب .

فهم يعتقدون أن قمة وذروة ازدهار الحضارة الإسلامية كانت في فترة وحدة الدولة الإسلامية، وبناء عليه فإن الازدهار وعودة الروح للشرق الأوسط يُعلق على إقامة الدولة الموحدة، أما تشرذم العرب فهو مرتبط بفترة التخلف والاعتماد على الغرب.
وعلى مدى السنوات الـ 50 الماضية كان على الدكتاتورياتالشرق أوسطيةأن تجيب شعوبها على سؤال: لماذا لم يتوحد العرب ولماذا يتخلف الشرق الأوسط عن الغرب. وللأسف، الجواب المنطقي الوحيد على هذا السؤال قدمه الأصوليون الإسلاميون. لأن الحكام الحاليين كانوا غارقين في الجماهيريات: فهم مسلمون سيئون وعرب سيئون!