"سمعت آخر نكتة؟" هذه مقدمة حديث تقليدية في مجالس الشباب وبين شلل الاصدقاء. وارتبطت روح الفكاهة عموماً بظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة لذلك نرى ان السخرية تنتقد الواقع المعاش من بطالة وغلاء مهور وقمع للحريات الشخصية. إلى أن الكثير من النكات القديمة مصدرها اختلاف اللهجات بين البلدان العربية، تماماً مثل النكتة التي لحق فيها شاب مصري بفتاة لبنانية. قالت له: "حل عني". فأجابها: "فين الأسئلة يا عسل؟"."
الحمصي" ملك النكات في سورية...
ظل الحماصنة، أي أهل منطقة حمص في سورية، نجوم النكتة والمعنيون الاوائل بها، و شكلوا على مدى أجيال طويلة مادة خصبة لهذه المخيلة.. بل إن طرفة يرويها التاريخ أيضاً تقول إن "الحماصنة" وأثناء سيرهم للمشاركة في معركة صفين التي كان يوم الجمعة أحد أيامها، صلوا صلاة الجمعة يوم الأربعاء خوفاً من أن تضيع عليهم الصلاة!
وعلى رغم وجود الكثير من النكات عن "الشوام" (أهل الشام) و"الحلبيين" (أهل حلب)، فإن النكات عن أهل حمص أمر لا مفر منه، لشدة تنوع هذه النكات وعدم تسببها بأي نوع من الحساسية.
"أربعة حماصنة انشأوا فريقاً رياضياً سموه الشجعان الثلاثة"، النكتة المذكورة لا تثير هذا القدر الكبير من الضحك، لكن "طريقة الكلام هي التي تدفع المستمع إلى الضحك".. ولكن ما المضحك في أن "عشرة حماصنة رايحين عالحج، قال أحدهم: إذا استعجلنا نصل قبل العيد"... ربما، لا شيء. أما عندما "يشتري حمصي سيارة أوتوماتيك، فيقطع رجله اليسرى لأنه لن يستعملها"، ألا تختلف النكتة؟
طرافة الحمصي وصلت إلى أميركا، حيث يقال إن أميركياً عيّر حمصياً أمام البيت الأبيض في واشنطن بعدم وجود الديموقراطية في سورية قائلاً: "أنا أستطيع أن اشتم جورج بوش هنا أمام البيت الأبيض". فقال له الحمصي مستغرباً: "وأنا أستطيع أن اقف على راس ساعة حمص وأشتمه حتى الصباح".
الحرب على العراق لم تعد آنية. لكن صداها ما زال يتردد في أرجاء الدول المجاورة. سورية هي الأقرب جغرافياً. و"حمص ستربطها علاقات قوية بسورية" في النكتة التالية. الرئيس الأميركي جورج بوش لم يكن على علم بهذا التطور. ربما لهذا السبب "أصدر أهل حمص بياناً تهديدياً إلى بوش، أكدوا فيه أن أي اعتداء على سورية هو بمثابة الاعتداء على حمص".
وفي ظل استمرار قبول "الحماصنة" لما قيل ويقال عنهم من طرائف، يستمر السوريون حتى اليوم في إلباس "الحمصي" طربوش "النكتة" الذي يلبسه اللبنانيون لأبو العبد والمصريون للصعيدي والخليجيون للحشاش. ولا يبذل الحماصنة أي مجهود لتغيير هذه الحال، حتى أنهم في احيان كثيرة يصنعون النكات عن نفسهم ويروّجونها. شهرة "الحماصنة" بتسكين الصاد كما يسميهم أهل بيروت، طغت على شهرة أي سوري آخر، لأنها تختزل وفي كثير من الأحيان شخصية المواطن السوري بشخص "الحمصي"، وتجمع بينه وبين رجل الاستخبارات وضابط الجيش. وبدورهم، يتداول السوريون عن اللبنانيين نكات حول امور مختلفة مثل عدد المطربين والمطربات فيه، وبرامج "سوبر ستار" و"ستار أكاديمي"، وموضة "الميني جوب" واللبنانيين العاملين في سورية.
"أبو العبد" البيروتي أحيل إلى التقاعد
اللبنانيون الذين يمدحون نفسهم بأنهم ينافسون المصريين في روح دعابتهم، أوجدوا لأنفسهم شخصيات تشبههم ألبسوها "هضامتهم" كلّها. وقبل ان يلمع نجم هيفاء وهبي، وتكتسح بورصة النكات اللبنانية، كانت هناك مجموعة من الشخصيات أبرزها "أبو العبد" البيروتي وصديقه "أبو صطيف". وعرف عن أبو العبد رجولته المفرطة التي لا تستطيع امرأة في المبنى والحي والمنطقة كلّها مقاومتها، كما عرفت بذاءة لسانه المرتبطة بفتوته وزعامته على شباب الحي.
وباءت كل محاولات تحديث هذه الشخصية البيروتية وتغريبها بالفشل. فعندما التحق صديقنا بالمركز الثقافي الفرنسي طلبت منه المعلمة ان يعطيها جملة مفيدة تتضمن كلمة "كوكونات" (أو جوز الهند) ففاجأها بأن "كوكو نط من الشباك!".
وفي مرحلة أخرى برز "الزغرتاوي" (نسبة الى منطقة زغرتا في الشمال اللبناني) شخصية فكاهية يتندر الناس بطباعها الحادة والجبلية. فالزغرتاوي هو ذلك الريفي الذي يملك حلاً جذرياً واحداً لكل مشكلاته هو الرصاص.
ويروى عن جد زغرتاوي أنه أهدى حفيده مسدساً في عيد ميلاده كتقليد عريق في العائلة. رفض الولد الهدية وفضل عليها ساعة يد. فهب الجد كالمجنون وصاح في حفيده: "ماذا تفيدك الساعة عندما تكبر وتعود بعد نهار عمل شاق لتجد زوجتك في السرير مع صديقك؟ أتقول لهما عفواً إنها الساعة الثانية؟".
هيفا تريح "الحماصنة" من "سماجة" اللبنانيين وتكتسح بورصة النكات
في السنوات القليلة الماضية، لمع نجم عارضة أزياء لبنانية، تتمتع بقدر هائل من الجمال. هي هيفا وهبي. شغلت هيفا بسرعة البرق أحاديث الشارع اللبناني، وبالتالي نكاته. ومع انتقالها إلى الغناء والفيديو كليب انقلب السحر على الساحر. استراح الحماصنة من سماجة اللبنانيين التاريخية عليهم، وأنشأوا "تمثالاً لهيفا في حمص... لأنها أراحتهم من التنكيت".
تابع النكتة الآتية: "لماذا تلبس هيفا الكعب العالي؟... حتى ترفع راس لبنان".
سأ لوا هيفاء وهبي: لو جاكي بابا نويل شو بتطلبي منو؟
قالت : متلو متل غيرو!!! خمس ألاف دولار.
مضمون النكتة الواحد، واختلاف شخصياتها بين الحمصي وأبو العبد والصعيدي أمر لا ينطبق البتة على الفنانة هيفا وهبي التي يجتمع حول شخصها السوريون واللبنانيون، بل العرب كلهم من المحيط إلى الخليج. فنكات هيفا صارت بلا هوية، وتعبر شاشات الموبايل والبريد الإلكتروني من دون أن يجد متلقوها أي صعوبة في فهم المضمون الذي يتناول مقومات هيفا الجمالية وتعليقاتها الصحافية لتكون مادة خاماً تلائم الجميع.
المصريون نجوم النكتة بلا منازع...
المصري ابن نكتة، فتح عينيه عليها، وتربى معها. وعلى رغم أن دراسة اجتماعية صادرة من جامعة القاهرة اشارت الى أن 69 في المئة من نكات المصريين تدور حول الصعايدة، تليها النكات ذات الطابع الجنسي، ثم السياسية وأخيراً الدينية ، إلا أن النكات السياسية والدينية على رغم قلة عددها مقارنة بالصعايدة، هي واسعة الانتشار والأثر.
وعن جهنم، يتداول الشباب الكثير من النكات الساخرة التي تندرج ضمن ما يعرف بـ"السخرية السوداء". فيقولون إن ثلاثة رجال ماتوا، وذهبوا الى جهنم، وهناك اتيحت لهم فرصة الاتصال هاتفياً بذويهم من هاتف عمومي. فدفع الاميركي ألف دولار، والبريطاني 500 جنيه استرليني، ودفع المصري 75 قرشاً مصرياً متعللاً بأنها مكالمة محلية".
وبالنسبة الى اللحم نظراً لقيمته المتعاظمة وأسعاره الخيالية، فإن الثقافة المصرية حافلة بنكات خاصة باللحم، لا سيما اللحم الأحمر ذي المكانة الاجتماعية الخاصة. وكانت هناك نكتة شائعة الى وقت قريب، وتحديداً قبل سقوط النظام العراقي، فقيل إن سؤالاً وُجه الى ثلاثة مواطنين عرب من مصر، والسودان، والعراق هو: "ما رأيك في أكل اللحمة؟" فقال المصري: ما هي اللحمة؟ وقال السوداني: ما هو الأكل؟ فيما قال العراقي: ما هو الرأي؟.
والغريب أن عشرات النكات تظهر بصفة شبه دائمة، ويتم تغييرها وتحويرها لتناسب الأوضاع التي تسرد فيها، ولتناسب انتماءات أو أهواء الراوي والسامعين. وظهرت مثلاً نكتة "زرع الاعضاء" في مصر قبل سنوات لكنها تتلون تبعاً لـ"المسؤول" المغضوب عليه، ومفادها أن ثلاثة أطباء اختصاصيين في زراعة الكبد، وهم: ياباني، فرنسي، مصري، كانوا يتبادلون خبراتهم، فقال الياباني: "نجحنا في زرع الكبد، واستأنف المريض حياته وعاد الى عمله" وقال الفرنسي: "نجحنا في زرع البنكرياس ويمارس المريض الآن رياضة القفز في الهواء". وقال المصري: "نجحنا في زرع فردة حذاء بدلاً من المخ التالف ويشغل المريض الآن موقعاً رفيعاً".
رواد المقاهي من الشباب وغيرهم هم الأكثر قدرة على التفرقة بين نكهات (ونوعيات) السجائر الجيدة والرديئة. وروي أن مسؤولاً من شركة سجائر أميركية وجد قطعة خشب في سيجارة مصنعة في شركة مصرية فسأل مسؤولاً في الأخيرة: "من أين تستورد التبغ؟" فرد عليه المسؤول المصري: "يعني أيه تبغ؟!".
وعن طبقة الاثرياء الجدد، وهي الطبقة التي يضعها معظم الشباب المصري تحت المجهر لأسباب تتعلق بالفجوة الاقتصادية والاجتماعية الآخذة في الاتساع، روج أحدهم نكتة مفادها أن رجلاً وزوجته، من الطبقة المعروف عنها حبها ادعاء الثقافة العامة، دعيا الى حفلة فأدار صاحب الدعوة أغنية للراحل محمد عبد الوهاب، فامتعضت الزوجة مطالبة بالاستماع الى اغنية لـ"شكسبير". وحين عادا الى البيت، نهرها الزوج على ضحالة معلوماتها وقال "شكسبير ليس مطرباً، ده ماركة سيارات".
وهناك من مرض، وكان معروفاً طوال حياته بالنذالة، حتى إن وصيته لأولاده وهو على فراش الموت في المستشفى، كانت أن يكونوا أنذل منه. ومن فرط حبهم لوالدهم، سارعوا بفصل اسطوانة الأوكسجين عنه.. فمات.
وهناك الكثير من النكات "الالكترونية" التي يتفنن فيها الشباب ومعظمها آسيوي المصدر. فيقولون: "مرة واحد بيكلم واحد ياباني في التلفون فقال له: سانيو واحدة"، و"مرة واحد ياباني خبط واحد قال له: سوني"، و"مرة اتنين كوريين اتجوزوا، خلفوا واحد أسود سموه سامسونج رونج".
صحيح ان أموراً عدة طرأت على عالم النكتة المصرية خصوصاً بعد انتقالها عبر البحار والمحيطات في ثوان بفضل تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الرقمية الحديثة، لكن النكتة الأقدم و"الأبوخ" تظل "مرة واحد راح يقعد على قهوة فقعد على شاي".
منقول ...
Comment