اكتشاف العصور المظلمة تعود بنا إلى ما قبل أكثر من 12 بليون سنة، بعد الانفجار العظيم، عندما توسع الكون وبرد غاز الهيدروجين وتوزع خلال الفضاء في سديم سميك هائل ومعتم، ذلك السديم يعتقد بأنه منع الضوء الذي بعث من أجرام الكون الأولى، كما أثبت ذلك من اكتشاف حديث لكوازار بعيد جدا، وهو الجسم الأكثر بعدا التي اكتشفت إلى الآن.
إن الفضاء والزمن والطاقة بدءا عند بداية الانفجار العظيم، وعندما برد الكون تحولت الطاقة إلى مادة، الكواركات والالكترونات ثم البروتونات والنيوترونات ظهروا في الدقيقة الأولى. لكن في درجات حرارة تقدر ببليون درجة، وهذه تعتبر درجة حرارة ساخنة جدا لتشكيل ذرات كاملة. ووجد العلماء أن الكون أخذ حوالي 300,000 سنة أخرى حتى تنخفض درجة الحرارة لتبرد بما فيه الكفاية لتتكون الذرات الكاملة من الهيدروجين.
الاكتشاف
أعلن الفلكيون أنهم تمكنوا من الرؤية من خلال ضباب الكون المبكر ورأوا جزء من انبعاث الضوء الأول أثناء فترات انبعاث الكون الأول، عند أول ولادة للمجرات الأولى، وجاء الإعلان بعد أيام فقط من نشر مجموعة من الأبحاث المختلفة والتي أعلنت عن اكتشاف الدليل الأول للعصور الكونية المظلمة، وهي الفترة الطويلة التي يعتقد بأنها سبقت الشروق الكوني.
باستخدام الضوء الصادر من أكثر الأجسام بعدا عنا تمكن الفلكيين من العثور على آثار الجيل الأول للذرات في الكون، من على بعد 14 بليون سنة ضوئية من الأرض. ملاحظات أوائل العصور المظلمة للكون بين الانفجار العظيم والنجوم والمجرات المرئية الأولى سوف يسمح للفلكيين لوضع تاريخ لإعادة التأين الكاملة للكون. خرجت الدراسات بلمحات عن آليات اللحظات المبكرة للكون بعد الانفجار العظيم، وهذا ساعد الفلكيون على خلق تسلسل زمني لتطور الكون.
وقد جاء هذا الإعلان بناء عن دراسة قام بها فريق من العلماء بقيادة العالم إس جورج جورفيسكس S. George Djorgovski أستاذ علم الفلك بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والذي قاد الفريق الذي أكتشف دليل عصر انبعاث الكون، وقد استعان الفريق بالبيانات التي جمعت بالماسح الفضائي الرقمي سلون Sloan Digital Sky Survey، بالإضافة إلى تعاون عدة جامعات ومؤسسات، من ضمنهم ناسا والمؤسسة القومية للعلوم، كما درس باحثون أطياف إشعاعات الضوء من كوازار قد أكتشف العام الماضي بواسطة فريق من سلون وأطلق عليه اسم SDSS 1044-0125.
النظريات الدالة على وجود العصور المظلمة
وتقول النظريات أن الكون بدأ بالانفجار العظيم قبل حوالي من 12 إلى 15 بليون سنة، والتي بعدها توسع الكون بسرعة لكنه ظل مظلما لملايين السنين، ويعتقد بأنه خلال العصر المظلم حدث تصادمات وتكتلات للمادة وتوزعت خلال هذا العصر، وتكونت المجرات الأولى بعد أن ساعدت الجاذبية في زيادة تكتلات المادة أكثر فأكثر.
يقول الباحثين بأنه وبعد فترة قليلة من الانفجار العظيم، امتلأ الكون في الغالب بالهيدروجين والهليوم الذي تأين وأصبح ساخنا جدا لأن يبقيا في حالة مستقرة وذلك لمدة 300,000 سنة تقريبا، توسع الكون في خلال تلك الفترة وبرد، وبدأت الغازات بإعادة الدمج والاستقرار إلى الحالة المحايدة.
فطبقا لنظرية الانفجار العظيم، امتلأ الكون البدائي بالبلازما الساخنة وقدر من البروتونات والإلكترونات والفوتونات، مع قليل من جزيئات أخرى. الإلكترونات الحرة تفاعلت بالفوتونات خلال عملية من التفاعلات يطلق عليها تفاعلات تومسون، التي تجمع المادة والإشعاع سويا، وعندما توسع الكون في الحجم وبرد، انخفضت درجات الحرارة إلى 3,000 كلفن، تجمعت البروتونات والإلكترونات لتكوين ذرات الهيدروجين المحايدة. وبعد ذلك انتهت عملية الدمج، وأوقفت الفوتونات التفاعل مع المادة، لتكون ما يسمى بأشعة المايكروويف، ساهم التوسع الكوني بتبريد الغازات المنتشرة، لذا فإنه من المتوقع بأن الغازات الكونية ما زالت باردة ومحايدة إلى اليوم.
ثم دخل الكون في فترة من العصور المظلمة، قدرها العلماء بأنها دامت حوالي نصف بليون سنة. خلال هذه الفترة، تطورت تكتلات المادة، ثم ظهرت النجوم الأولى، وتشكلت المجرات والكوزرات، والكوزرات هي أجسام لامعة جدا ويعتقد بأنها تأوي ثقوب سوداء تقدر كتلتها ببلايين كتلة شمسنا
ولكن المفاجأة أن الوضع ليس كذلك، فبالرغم من أن الفضاء حولنا متكون من الذرات، معظم مادة الكون العادية اليوم على شكل بلازما تتواجد عميقا في الفضاء السحيق. أطياف الإشعاعات الملاحظة والأكثر بعدا (والأقدم كذلك) الكوزرات والمجرات وإنفجارات أشعة جاما تشير إلى أن هذا الهيدروجين الكوني المنتشر قد تأين بالكامل خلال البليون سنة الأولى من عمر الكون، وتشير الملاحظات بأن أشعة المايكروويف الخلفية مثارة بعض الشيء. الهيدروجين المحايد لا يؤثر على هذه الأشعة، وفقط الهيدروجين المؤين هو الذي يوثر. تقترح كمية الاستقطاب بأن الغاز قد تأين في حدود بضعة مئات من الملايين السنين بعد الانفجار العظيم، وهكذا فالذرات لا بد وأن انهارت ثانية وتفككت إلى بروتيناتها الأساسية وإلكترونات عند نهاية العصور المظلمة.
نصف بليون سنة انقضت بين تشكل هذه الذرات الأولى وتكون أكثر الأجسام بعدا التي اكتشف ضوئها غطت جزء في اللغز المحير. وقد أطلق الفلكيون على هذه الفترة العصور المظلمة الكونية. على أية حال، أن الكون لم يكن هادئ في هذه الفترات المبكرة. الإشعاع الخلفي الكوني في فترة تشكل الذرات يظهر بأن المادة وزعت خلال الكون، عند نهاية العصور المظلمة تجمعت المادة في تراكيب هائلة مثل الثقوب السوداء الضخمة والتي تبلغ كتلتها حوالي البليون شمس لتغذية الكوزرات التي اكتشفت أخيرا.
فبينما خلق الانفجار العظيم الهيدروجين والهليوم وكمية محدودة من الليثيوم، فإن ضوء الكوزرات يكشف آثار لذرات أكثر تعقيدا يتضمن ذلك الكربون والنتروجين والأوكسجين والسيلكون، والتي جميعها تتكون في النجوم.
نهاية العصور المظلمة وبداية ظهور المجرات
في نهاية العصور المظلمة، تأينت ذرات الهيدروجين ثانية، أو انفصلت الالكترونات عن نواة الذرة، ومن المحتمل أن إعادة التأين كان سببه الأشعة فوق البنفسجية من الكوزرات والنجوم الأولى، ويبقى توقيت هذا الحدث وهو إعادة تأين الذرات مجهولا للعلماء.
وأعلنت المجرات نهاية العصور المظلمة وبداية عصر جديد وهو عصر انبعاث الكون الحالي، مثل اختراق ضوء الشمس للضباب في الصباح، الإشعاع من تلك الأجسام الجديدة جعلت من الغاز المظلم في الكون لأن يصبح شفافا نتيجة انشطار ذرات الهيدروجين إلى الكترونات حرة وبروتونات، وقد أطلق الباحثون على هذه الفترة أسم عصر إعادة التأين، ثم جاءت المجرات الأولى التي أضاءت واخترقت بضوئها الضباب.
يقول العلماء عن هذه الفترة وهي فترة التحول من الكون المظلم إلى الكون الشفاف أنها فترة لم تكن سريعة، بل ربما أخذت العشرات أو المئات من ملايين السنين حتى يخترق ضوء الكوزرات والمجرات الأولي الضباب الكوني.
يعتبر أكثر الباحثين أن عملية إعادة التأين هذا مرتبطة بوجود الجيل الأول للنجوم، وتأخذ عملية تأين ذرة الهيدروجين من الطاقة بقدر كمية الطاقة التي يولدها فوتون الضوء فوق البنفسجي، وهو ليس بالكثير من الطاقة ويساوي لحوالي 109 جول joules لكل كيلوجرام من الهيدروجين، أقل بكثير من الـ1015 جول الذي ينتج بالانشطار النووي لنفس كمية الهيدروجين. لذا فإن عشر المليون قدر من الغاز في الكون مر بالانشطار داخل النجوم فسينتج طاقة كافية لتأين البقية. ويخمن باحثين آخرين بأن سقوط المادة داخل الثقوب السوداء يبعث قدر من إشعاع التأين، فسقوط كيلو جرام واحد من الهيدروجين يصدر طاقة تقدر بحوالي 1016 جول، إذا فلها نفس الطريقة السابقة لتأين البقية.
تتواجد النجوم والثقوب السوداء ضمن المجرات، لذا قبل أن تحدث عملية إعادة التأين، إذا فلابد وان المجرات قد تشكلت. (بالرغم من أن أكثر الناس يعتبرون المجرات هي مجموعات من النجوم ولكن الفلكيون يعتبرنها كتجمعات كبيرة من المادة والتي تكونت منها النجوم لاحقا).
تتضمن المجرات في الغالب المادة المظلمة، وهو نوع من المادة غير معروف إلى الآن والتي هي غير مرئية لذا يطلق عليها هذا الاسم.
ويعتقد بأن المجرات تشكلت عندما تكونت مناطق كثيفة في الكون تجمعت وتكتلت سويا بتأثير جاذبيتها الخاصة. بالرغم من أن المناطق نفسها قد توسعت مثل بقية الكون، فإن جاذبيته الإضافية أبطأت توسعه، وجعل منها منطقة منطوية على نفسها لتشكل على نفسه لخلق المجرة.
طبقا للنماذج الحالية، المجرات القزمة بدأت بالتشكل عندما كان الكون بعمر 100 مليون سنة تقريبا، وبمرور الوقت حدثت اندماجات نتج عنها مجرات أكبر. المجرة الحديثة مثل مجرتنا درب التبانة يخمن العلماء بأنها نتيجة اندماج حوالي مليون مجرة قزمة لتكوينها. داخل المجرات الأولية حدث وأن برد الغاز وتجزئ لخلق النجوم.
وتسربت الأشعة فوق البنفسجية الناتجة من النجوم إلى الفضاء السحيق بين المجرات، وتحررت الإلكترونات من ذراتها وخلقت فقاعة واسعة من الغاز المؤين. وانتشرت الفقاعات في الكون وبدأت في التداخل وتحولت إلى مجرات جديدة وفي النهاية ملأت كل الكون.
بالرغم من أن هذا التتابع في الأحداث يبدو معقولا، ولكنه وحتى الآن ما زال نظريا، ويرغب العلماء في أن يروا دليلا مباشرا لعصر إعادة التأين علاوة على ذلك إجابة عن سؤال هل ساد الظلام فعلا خلال فترة العصور المظلمة؟
Comment