نظرية الانفجار الكبير:
قصة دراماتيكية لولادة كون
أضواء
- السنة الضوئية LY: هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة كاملة، و بالتالي تكافئ المسافة بيننا و بين الشمس حوالي 8 دقائق ضوئية بينما نبعد عن نجم القطب حوالي 40 سنة ضوئية.
- 910 تساوي واحداً و أمامه تسعة أصفار أي بليون (مليار) و الرقم 9 مجرد مثال هنا حيث يمكن أن يكون أي رقم.
- 10-9 تساوي واحداً مقسوماً على 910، أي جزء من 910 جزء، أي واحد بالبليون.
- الكواركات Quarks: تسمى بالجسيمات الأولية، و يتألف كل من البروتون و النيترون من ثلاث كواركات.
- الانزياح نحو الأحمر Red Shift: عند ابتعاد جسم عنا فإن القيم العظمى لطول الموجة الصادرة عنه تصبح أكثر تباعداً بالنسبة لنا و بالتالي يقل تردد الموجة فينزاح طيفها نحو نهاية الطيف المرئي أي إلى الأحمر، و عكس ذلك الانزياح نحو الأزرق.
- جميع التواريخ معطاة بالمقياس الأرضي للزمن.
لمحة تاريخية
أتى الإطار العلمي لنظرية الانفجار الكبير (Big Bang Theory) من حلول معادلات تسمى معادلات الحقل في النظرية النسبية العامة التي وضعها ألبرت آينشتاين عام 1916، أما تفاصيل النظرية فقد وضعت لاحقاً و طرأت عليها تعديلات كثيرة و لا تزال.
اعتقد آينشتاين نفسه في البداية أن الكون ثابت و مستقر لا تمدد فيه و لا انكماش، و لكنه عندما اكتشف أن معادلاته تشير ضمناً إلى كون متمدد أو منكمش لم تعجبه الفكرة، فقام بإضافة ثابت إلى معادلاته أسماه الثابت الكوني و كانت وظيفة هذا الثابت أن جعل المعادلات تشير إلى كون ثابت بإيجاد توازن بين قوى الجذب وبين قوى أخرى تقاومها، و بعد اكتشاف تمدد الكون لاحقا تراجع آينشتاين عن أفكاره و حذف ذلك الثابت من معادلاته و اعترف بأنه كان أكبر خطا في حياته.
نجح الكثير من العلماء لاحقا بإيجاد حلول لمعادلات الحقل و رسموا على أثرها نماذج لكوننا حيث قدم العالم الهولندي ويليم دي سيتر حلولاً ترسم لنا كونا بدون مادة و هذا - رغم عدم صحته – ليس بعيدا عما هو معروف اليوم من أن كثافة المادة منخفضة جدا بالنسبة للكون، أما العالم الروسي ألكسندر فريدمان فقال إن الكون تمدد من تجمع صغير جدا و شديد الكثافة، و اعتبرت الحلول التي قدمها فريدمان عام 1922 لمعادلات الحقل إطاراً علمياً للكثير من الدراسات النظرية اللاحقة حول الانفجار الكبير، كما قدم القس البلجيكي جورج ليماتر نموذجا لكون تمدد من ذرة بدئية (طبعا ليس المقصود ذرة مؤلفة من نواة و إلكترونات بل المقصود حجم صغير جدا كان يطلق عليه اسم البيضة الكونية).
ثم جاء الاكتشاف الكبير لإدوين هابل عام 1929 حيث اكتشف أن ضوء المجرات البعيدة ينزاح نحو الأحمر و هذا يؤكد أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض، و هذا في الحالة العامة طبعا حيث أن مجرة أندروميدا التي تبعد عنا 2.2 مليون سنة ضوئية و هي أقرب المجرات إلينا تنجذب نحونا، كما وجد أيضا أن المجرات الأبعد تبتعد بسرعات أكبر مما يؤكد أن الكون يتمدد و كل شيء فيه يبتعد عن كل شيء.
ينطوي هذا الكلام على نتيجة هامة جدا وهي أنه ليس للكون مركز، فذلك الكون اللامتناهي في الصغر أصبح هذا الكون اللامنتهي، و بالتالي كل نقطة في الكون هي مركزه، يشبه الأمر رسم عدد من النقاط المتلاصقة على بالون مطاطي ثم نفخ البالون و مشاهدة ابتعاد النقاط عن بعضها البعض.
قام العالم الأمريكي جورج غامو مع طالبيه رالف ألفر و روربرت هيرمان بالعمل معا على تفاصيل حلول فريدمان لمعادلات آينشتاين حيث يقول غامو بأن الكون تمدد من حالة بدئية تتألف من بروتونات، نيترونات و إلكترونات في وسط من الإشعاع (كان الكون كذلك إلى حد ما لكن ليس في حالته البدئية كما سنرى) و كان حارا جدا. تنبأ ألفر و هيرمان بأن الإشعاع المتولد من الانفجار الكبير يجب أن يكون موجودا الآن، ثم أتى الدعم التاريخي لهذه الفرضية على يد كل من آرنو بنزياس و روبرت ويلسون عام 1964 باكتشاف هذا الإشعاع فعلا و نالا جائزة نوبل على اكتشافهم هذا، و قام القمر الصناعي COBE بقياس درجة حرارة هذا الإشعاع و هي 2.735 درجة فوق الصفر المطلق أي -270 درجة مئوية.
تهدف نظرية الانفجار الكبير إلى إعطاء تفسير لما حدث بعد الانفجار الكبير مباشرة و قد استطاع العلماء وضع تصور للكون بدءاً من اللحظة 10-43 ثانية من عمره و لكن ليس قبل ذلك لأن قوانين الفيزياء الحالية بما فيها النسبية العامة تنهار هناك و لا يمكنها وصف ما حدث، و يسعى العلماء الآن إلى توحيد نظرية الميكانيك الكوانتي مع النسبية العامة بسبب وجود اختلاف جوهري بينهما حيث تعتمد النسبية العامة مبدأ الحتمية في الأحداث أما الميكانيك الكوانتي فيخضع لمبدأ الارتياب أو الشك الذي يخضع بدوره إلى قوانين احتمالية، و يعتقد العلماء أنهم بهذا التوحيد سوف يمكننا وصف الكون قبل اللحظة10-43 ثانية.
في البدء كانت هناك قوة واحدة موجودة انقسمت إلى القوى الأربع المعروفة الآن: النووية الشديدة، الكهرومغناطيسية، النووية الضعيفة و قوة الجاذبية، و يبحث الفيزيائيون الآن عما مات آينشتاين و هو يحلم بتحقيقه و هو نظرية توحد هذه القوى الأربع في قوة واحدة، تسعى نظرية تسمى الكهروضعيفة إلى توحيد القوة الكهروطيسية مع القوة النووية الضعيفة بينما تحاول نظرية الأوتار توحيد القوى الأربع.
ما الذي حدث ؟
حدث الانفجار الكبير منذ حوالي 10 – 20 بليون سنة مضت و هذا الرقم ليس دقيقا، فالبعض يقول منذ 15 – 20 بليون سنة بينما يقدره آخرون بـ 13 بليون سنة، و قد اخترت الرقم الأول لأنه يقارب جميع الاحتمالات السابقة التي ربما تكون خاطئة جميعها.
- اللحظة 10-35 ثانية من عمر الكون: كثافة هائلة من الكواركات و مضادات الكواركات و الطاقة.
- الثانية الأولى: تنخفض درجة الحرارة إلى 1010 درجة مئوية و تتشكل الإلكترونات و البوزترونات (مضادات الإلكترونات) و الميونات.
- الدقيقة الثالثة: تتشكل نوى الهليوم من اجتماع بروتونين و نيترونين و يتابع الكون تمدده و تبرده.
- بعد 000 300 سنة تالية: درجة الحرارة حوالي 3000 درجة مئوية، تتشكل ذرات الهيدروجين من دوران إلكترون حول بروتون، و تتشكل ذرات الهليوم من دوران إلكترون حول نوى الهليوم المتشكلة منذ الدقيقة الثالثة.
- كان الاعتقاد سائداً بأن المجرات بدأت بالتشكل بعد 2 بليون سنة من عمر الكون إلى أن تم اكتشاف مجرة مؤخراً من مرصد تولوز في فرنسا و قد تشكلت بعد 500 مليون سنة فقط من عمر الكون، و بالتالي اعتبر هذا الزمن هو الزمن الذي بدأت عنده المجرات بالتشكل.
- 3 بليون سنة بعد الانفجار: بدأت مجرتنا العزيزة درب التبانة بالتشكل.
ماذا أيضاً ؟
يبدو التطوير الذي طرحه عالم الكونيات الأمريكي آلان غوث عام 1981 لنظرية الانفجار الكبير منطقيا فهو يتكلم عن مفهوم التضخم (Inflation) و في هذا النموذج كان تمدد الكون في لحظاته الأولى أسرع بكثير (أول بضع أجزاء من مليون من الثانية) و وصل الكون إلى 5010 ضعف حجمه الأصلي في غضون 10-32 ثانية الأولى من عمره و تابع تمدده و لكن بسرعة أبطأ، تتنبأ نظرية الكون المتضخم بأن كوننا الآن يقف على الحد الفاصل بين أن يكون كونا مفتوحاً يستمر بالتمدد إلى اللانهاية في الزمان، أو أن يكون كونا مغلقا يتوقف عن التمدد في لحظة ما و يبدأ بالانكماش على نفسه حتى ينهار، و يسمي أنصار هذا الفرض ذلك بـ Gnab Gib و هو العكس الكتابي لكلمة Big Bang. أما: هذا أم ذاك، فذلك يتبع لتركيز المادة في الكون، إذا كان أصغر من حد معين فإن المادة ستفشل في تجميع نفسها مجدداً و يكون كوننا كوناً مفتوحاً، أما إن كان تركيز المادة أكبر من ذلك الحد فسوف تتمكن المادة عندئذ من إعادة تجميع نفسها و يكون كوننا كوناً مغلقاً و تنتصر قوة الجاذبية أضعف القوى الكونية، و تشير أبحاث حديثة إلى أن كوننا كون مفتوح.
يعتقد الفلكيون أن 95% من المادة في الكون مادة عاتمة أو مادة لها قوة جذب (يذهب البعض إلى 99%) و لكننا لا نستطيع رؤيتها أو تحريها و قد وضعت نظريات لتصنيف هذه المادة إلى:
- مادة عاتمة باردة: تتألف من أجزاء ضخمة تتحرك ببطء، طبعاً لم تكتشف هذه الأجزاء حتى الآن و لكن الفلكيين أعطوها أسماءً مثل WIMPs (الأجزاء الضخمة المتفاعلة ببطء)، و يتوقع وجود مادة عاتمة باردة يمكن أن تشكل نجوماً و كواكب غير مشعة تسمى MACHOs (الأجسام الضخمة المضغوطة على شكل هالة).
- مادة عاتمة حارة: تتحرك بسرعة كبيرة جداً و أهم جسيمات هذا النموذج هو جسيم النيوترينو وهي صغيرة جدا.
إذا كانت نظرية التضخم صحيحة فإن كمية المادة العاتمة الموجودة كفيلة بإيصال الكون إلى الحد الفاصل بين الكون الفتوح و الكون المغلق.
طور الفلكيون نماذج لإظهار هيكلية الكون و قد تضمنت هذه النماذج مادة عاتمة باردة و مادة عاتمة حارة أو مزيجاً من الاثنين معاً، و تشكل المادة العاتمة تفسيراً لوجود قوة جذب قوية جداً تكبح جماح البنى الضخمة كالحشود المجرية، و تجعل تجمعات المادة الضخمة كتلك الحشود أيضاً و هي غير متجانسة من حيث توزيع المادة فيها كما نشاهد في الصورة، تتصرف و كأنها متجانسة.
إشارة استفهام ؟
أعطت نظرية الانفجار الكبير تصوراً عن ولادة الكون و تطوره و لكنها لم تعط تصوراً عما كان عليه الكون قبل الانفجار و عن حالته (شروطه) البدئية و التي يترتب على معرفتها نتائج جد مهمة كمعرفة حالة كوننا إن كان مغلقاً أو مفتوحاً و غيرها، و لا يزال الجواب الوحيد الذي تحصل عليه عند سؤالك أي عالم ذلك السؤال: "لا نعرف ... حتى الآن".
Comment