د. عماد صبحي : الوخز بالإبر علاج صيني قديم يستعمل إدخال الإبر في الجلد في نقاط محددة في الجسم. وكلمة الوخز بالإبر استخدمها أولا طبيب ألماني يدعى ويليام تن راين، عاش في اليابان في النصف الثاني من القرن السابع عشر، وهو أول من أدخل هذه الكلمة إلى أوروبا. ولكن هذه الممارسة تعود إلى وقت أبعد بكثير من ذلك، فأقدم مرجع طبي عن الوخز بالإبر يرجع إلى العام 400 قبل الميلاد تقريبا واسمه كتاب الإمبراطور الأصفر للطب الباطني. وفي تلك الفترة تم تسجيل حالة أنقذ فيها مريض من الموت خلال غيبوبة عن طريق العلاج بالوخز بالإبر. وتقول الأسطورة أن العلاج بالوخز قد ظهر عندما لاحظ الناس أن الجنود الذين يصابون بالسهام ويشفون من الإصابة يشفون أيضا في نفس الوقت من أمراض أخرى كانوا يعانون منها. وأصبح الوخز بالإبر مشهورا جدا بين الأطباء البريطانيين في أوائل القرن التاسع عشر في علاج الآلام والحمى، حتى أن مقالا نشر في مجلة "لانست" الطبية في ذلك الوقت أشار إلى نجاح الوخز بالإبر في علاج الروماتيزم. وتقدم طب الوخز بالإبر وتحسن ببطء في الصين حتى نهاية عهد شينج في عام 1911، ثم بدأت شعبية الطب الغربي في الازدياد في الصين مما أدي إلى خمول طب الوخز بالإبر. ولكن في العصر الحالي انتعش الاهتمام بالوخز وعاد إلى الممارسة الواسعة في كل أنحاء الصين. والآن تطور هذا النوع من العلاج حتى أن أشعة الليزر والتيار الكهربي دخلا في التطبيق لكي يمنحا مزيدا من التنشيط للإبر المستخدمة في الوخز ، بل استخدم شعاع الليزر بديلا للإبر نفسها في تطوير حديث لهذا الطب التقليدي، وهو ما يسمى بالوخز بالليزر.
وهدف الوخز بالإبر هو تحديد ما اذا كان هناك عدم توازن بين "ين" و "يانج" ثم إصلاحه باستعمال الإبر في نقاط محددة في الجسم. وتقليديا هناك 365 نقطة، ثم أضيف إليهم نقاط أخرى فيما بعد حتى وصل الرقم إلى حوالي 2000 نقطة للوخز. ويوجد بالجسم 14 مسارا للطاقة أطلق عليهم أسماء مرتبطة بالأعضاء التي تمثلها مثل الرئة والكلية والقلب والمعدة ، كما أن هناك عضوين غير معروفين في الطب التقليدي الغربي وهي المدفيء الثلاثي Triple warmer وله علاقة بنشاط الغدد الصماء وضبط درجة حرارة الجسم والآخر هو التامور Pericardium وهو يرتبط بالنشاط الموسمي وينظم الدورة الدموية. ومن بين المسارات الأربعة عشر هناك اثنين "دو" Du أو الحاكم و "رن" Ren أو الحمل والاثنان يجريان في خط مستقيم في وسط الجسم، مع ملاحظة أن "دو" أقصر ويمتد من الرأس إلى الفم، بينما يبدأ "رن" من الذقن ويمتد إلى قاعدة جذع الجسم.
وهناك عوامل عديدة يمكنها تغيير تدفق الطاقة "شي" مثل العواطف والنشاط الجسدي والعوامل البيئية. ويمكن أن يتغير التدفق لكي يصبح بطيئا أو سريعا، كما يمكن أن يغير مساره أو يصاب بالانسداد فيصاب عضو في الجسم بالمرض، ويكون على المعالج بالوخز أن يعيد التدفق إلى طبيعته مرة أخرى. وهناك عديد من الحالات المؤلمة التي يستخدم فيها الوخز بالإبر، ففي الغرب استخدمت الإبر أساسا لعلاج الروماتيزم وآلام الظهر والتهاب المفاصل، كما تستخدم في علاج حالات أخرى مثل الضغوط والحساسية والتهاب القولون ومشاكل الجهاز الهضمي والأرق والربو وغيرها. كما يمكن مساعدة المدخنين الراغبين في ترك التدخين والمدمنين الذين يريدون ترك الإدمان، ومرضى السمنة وزيادة الوزن الراغبين في إنقاص أوزانهم والسيطرة على الشهية.
والمعالج بالوخز بالإبر يكون طبيبا دارسا للعلوم الطبية المختلفة، ثم يتم استكمال تأهيله بعد دورة تدريبية في الوخز بالإبر لمدة ثلاث سنوات يكون بعدها مؤهلا للعلاج بالوخز. وأثناء مناظرة المريض يستخدم المعالج طريقة محددة ذات قواعد راسخة لتحديد نقاط الوخز بالإبر، ويكون لملمس الجلد ولونه ونوعه ووضع اللسان وحركته دور في تشخيص الحالة والعلاج حسب تقاليد الطب الصيني. ويطرح الطبيب بعض الأسئلة على المريض بخصوص نوع غذائه وكمية حركته البدنية ونوع حياته ومخاوفه وأسلوب نومه وردة فعله تجاه ضغوط الحياة. ولكل معصم ذراع 6 أنواع من النبض، يمثل كل واحد منها عضوا رئيسيا ووظيفته، ويتم الإحساس بالنبض لكي يشخص المرض من خلال ملاحظة أي مشكلة لها علاقة بتدفق الطاقة في الأعضاء الداخلية. وقد تستغرق المقابلة الأولى مع الطبيب حوالي الساعة يتم فيها طرح الأسئلة وفحص المريض.
والإبر المستخدمة في الوخز تستخدم لمرة واحدة يتم بعدها التخلص منها ولا تستعمل مرة أخرى مع نفس المريض أو مريض غيره بالطبع، وهي مصنوعة من الصلب غير القابل للصدأ، وتكون موضوعة في غلاف معقم. وبمجرد غرس الإبر في الجلد يتم تحريكها عن طريق إصبعي الإبهام والسبابة وذلك لنشر الطاقة أو لجذبها من النقطة المغروس فيها الإبرة. ويتراوح العمق الذي تغرس فيه الإبرة حتى يصل إلى حوالي 12 ملليمتر وهنا يشعر المريض بأحاسيس مختلفة مثل التنميل حول المنطقة المغروس فيها الإبرة أو فقد الإحساس بالكامل في هذه النقطة. وفي الحالة الواحدة يتم غرس حوالي 5 ابر، ولكن الرقم قد يصل إلى 15 إبرة في بعض الأحيان. والوقت اللازم للعلاج يتراوح بين بضعة دقائق ونصف الساعة، ويعتمد تحديد الوقت على عديد من العوامل مثل ردة فعل المريض لجلسات العلاج السابقة، وأيضا نوع المرض الذي يعاني منه.
وغالبا ما يشعر المرضى بالتحسن بعد 4 إلى 6 جلسات من العلاج بالوخز، حيث يتم حدوث التأثيرات المفيدة بالتدريج وخصوصا اذا كان المرض مزمن ويعاني منه المريض لفترة طويلة. وبعض الحالات المرضية مثل الربو تأخذ وقتا أطول حتى يشعر المريض بتحسن واضح.وفي بعض الحالات قد لا يشعر بعض المرضى بأي تحسن على الإطلاق أو قد يشعروا بتدهور في الأعراض بعد الجلسة الأولى، ويرجع ذلك إلى أن طاقات الجسم تكون قد نشطت أكثر من حدودها، ولعلاج ذلك فان المعالج يستخدم عددا أقل من الإبر لفترات أقصر من الوقت. وإذا لم يتم الشعور بالتحسن بعد 6-8 جلسات فان ذلك يعنى أن الوخز لن يكون ذو فائدة لهذه الحالة. وفي حالات تحسين الصحة العامة يقترح المعالجون بالوخز بأن تتم الجلسات في وقت تغيرات الفصول، والحالات المزمنة تأخذ جلسات أكثر للشفاء، بينما قد تشفى الحالات الحديثة في جلسة واحدة أو اثنتين.
كيف يعمل العلاج بالوخز
أجريت بحوث كثيرة وخصوصا بواسطة الصينيين الذين أصدروا كتبا عدة تتناول بالتفصيل نسب النجاح الكبيرة للعلاج بالوخز في مختلف الأمراض. وهذه الدراسات نظر إليها الغرب بحذر في بداية الأمر حيث تختلف أساليب البحث الطبي فيه عنها في الشرق. ولكن بعد إجراء البحوث الطبية تم إثبات أن الوخز بالإبر يمكن أن يوقف إحساس المخ بالألم الذي يصل إليه من العضو المتألم، حيث تسير إشارة وخز الإبرة في العصب فتغلق ما يشبه البوابة مانعة رسالة الألم من الوصول إلى المخ وبالتالي يتوقف الإحساس بالألم. إذن فالوخز بالإبر يعمل عن طريق إعاقة إشارة الألم، مع الوضع في الاعتبار أن الألم قد يكون علامة على وجود خطأ ما أو مرض خطير مثل السرطان مما يستدعي علاجا طبيا تقليديا. وقد تم اكتشاف بعض المواد التي يفرزها الجسم بصورة طبيعية وترتبط بتهدئة الألم وهي المورفينات الطبيعية مثل مادة الانكيفالين. وأظهرت الدراسات التي أجريت في بلدان العالم المختلفة أن الوخز ينشط إفراز هذه المورفينات الطبيعية في الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى تهدئة الألم. ويستخدم الوخز بكثرة في التخدير الجراحي في الصين في الحالات المناسبة ويقال أنه فعال للغاية في حوالي 90 % من الحالات. كما يستخدم هذا النوع من التخدير أثناء الولادة وعلاج الأسنان وأنواع الجراحات الأخرى. ويتقبل الأطباء في الغرب فكرة العلاج بالتسخين والتدليك والوخز بالإبر في علاج الآلام المختلفة عن طريق تعريض نقاط حساسة في الجلد، تسمى نقاط القدح Trigger Points وهذه قد تكون بعيدة عن العضو المصاب. ولقد لوحظ أن ثلاثة أرباع هذه النقاط تقريبا تقابل نفس نقاط العلاج بالوخز بالإبر الصينية.وأظهرت دراسات حديثة إمكانية العثور على نقاط الوخز بالإبر عن طريق أجهزة إلكترونية معينة حيث تسجل مقاومة كهربية اقل من باقي أجزاء الجلد.
العلاج بالوخر في الأذن
وهي طريقة للعلاج بالوخز عن طريق إثارة نقاط محددة على سطح الأذن. ويقول المعالجون بهذه الطريقة أنه هناك حوالي 200 نقطة على الأذن مرتبطة بأعضاء أو أنسجة معينة في الجسم. وفي حالة الإصابة بمرض ما فان النقطة المقابلة للعضو المصاب تكون حساسة أو مؤلمة للمس والضغط، كما قد تظهر بها بعض العلامات العضوية مثل وجود نقطة حمراء أو تورم. وتنشيط الأذن يحتاج إلى ابر ذات مقاس معين وتيار كهربي ضعيف، كما يمكن استخدام شعاع الليزر بديلا للإبر. وهذه الطريقة يمكن بها علاج عديد من الحالات المزمنة مثل الروماتيزم والتهاب المفاصل وبعض حالات الإدمان وضبط الشهية للطعام. وفي أول زيارة للمعالج يحصل من المريض على تفاصيل حالته الصحية وأسلوب حياته وخلفيته الأسرية، ثم يقوم بفحصه وفحص أذنيه لكي يتعرف على بعض التفاصيل، ثم يمرر مجس على سطح الأذن لكي يكتشف النقاط الحساسة التي تحدد العضو المطلوب علاجه عن طريق الأذن.
(للمزيد http://www.emadsobhi.com/viewtopic.php?t=9 ).
وأسلوب العلاج بالإبر في الأذن لشفاء الأمراض في كل أعضاء الجسم هو طريقة قديمة استعملت لمئات السنين في بعض بلدان الشرق وحوض البحر المتوسط والصين، واستخدمت في مصر قبل الميلاد بألفي سنة. وبالرغم من عدم وضوح الطريقة التي يتم بها شفاء الحالة أصبح العلاج بوخز الأذن منتشرا في عديد من بلدان العالم المتقدم وأولها بريطانيا. ولا يوجد للوخز بالإبر أي أعراض جانبية حيث أنه مأمون تماما، كما لم تسجل في الأربعين عاما الأخيرة أية آثار ضارة لهذا النوع من العلاج.
Comment