عقار عجيب له تاريخ طويل يمتد إلى القرن الخامس قبل الميلاد. ويصل بجذوره إلى ابي قراط الملقب بأبي الطب الإغريقي القديم، وقد كان يعالج الآلام والحمى بوساطة مادة مستخلصة من نبات الصفصاف، وصفها في كتاباته أنها مرة المذاق. هذا العلاج جاء ذكره قبل ذلك أيضًا في مراجع المصريين القدماء والسومريين والأشوريين أيضًا، كما استخدمه سكان أميركا الأصليون لعلاج الصداع والحمى وآلام العضلات والروماتيزم. ومات أبو قراط، الذي يطلق اسمه على قسم الأطباء حتى اليوم، ومات معه سر هذا العقار العجيب، حتى تمت إعادة اكتشافه في عام 1758 بوساطة رجل دين إنكليزي، ثم طوره عالم ألماني في القرن التاسع عشر. هذا العقار هو المعروف حاليًا باسم الأسبرين.
وجاهد العلماء لمعرفة المادة الفعالة في نبات الصفصاف والتي تحمل هذه القدرة الفذة على علاج الآلام والحمي وتوصلوا لذلك في عام 1820، حين تم اكتشاف مادة "الساليسين" وهي أول فرد في عائلة الساليسلات، ومنها جاء الأسبرين وتركيبه الكيميائي هو "أسيتايل ساليسلك". ومنذ ذلك الوقت بدأ استخدام الأسبرين بصورة تقليدية في علاج الآلام والروماتيزم والحمى.
وعلى الرغم من وجود الأسبرين لفترة طويلة في تاريخ العقاقير التي استخدمها البشر، إلا أن العلماء ما زالوا يكتشفون كل يوم جديدًا يضاف لفوائد هذا العقار العجيب. والأبحاث الجديدة تضعه في قمة الأدوية التي تستخدم للعلاج والوقاية من العديد من المراض مثل أمراض القلب، والسرطان، والصداع النصفي، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وعلاج بعض الأمراض الجلدية، ممّا دعا أحد الباحثين في مجال الأدوية إلى وصفه بالعقار "ذي التسعة أرواح".
ويعمل الأسبرين على علاج الآلام عن طريق منع الجسم من إنتاج مواد تسمى البروستاجلاندينات، وهي شبيهة بالهرمونات، ولها دور في مرونة الأوعية الدموية وانقباضات الرحم وعمل صفائح الدم لوقف النزيف، كما تعمل هذه المادة على التأثير في نهايات الأعصاب في حالة الإحساس بالألم. والأسبرين يعمل أيضًا على خفض الحرارة، وهو مضاد للالتهابات، ويساعد على زيادة اخراج حمض البوليك في البول. لكن تذكر قبل أن ينتابك الحماس في أن تناول الأسبرين للعلاج أو الوقاية يجب أن يخضع أولاً لرأي الطبيب الذي يستشار قبل البدء في الإستفادة من الفوائد المحتملة للأسبرين. كما يجب أن يعرف الطبيب كل شيء عن الأدوية الأخري التي يتناولها المريض قبل أن يسمح له بتناول الأسبرين حيث أن أنواعًا أخرى من الأدوية التي تزيد من سيولة الدم قد تسبب خطرًا شديدًا إذا تم تناول الأسبرين معها. وينصح الأطباء بوقف تناول الأسبرين لمدة يومين قبل اجراء أي جراحة (بما فيها خلع الأسنان) للتقليل من خطر النزيف.
الحماية من جلطات الأوعية الدموية
وأهم استعمالات الأسبرين الحديثة هي في زيادة سيولة الدم عند تناوله بكميات صغيرة مما يساعد على تجنب جلطات الدم وهو ما يوفر الوقاية من الأزمات القلبية والسكتات المخية. وتحدث السكتة المخية في معظم الحالات نتيجة لإنسداد الوعاء الدموي المغذي للمخ وذلك في مرض تصلب الشرايين، وهذا الانسداد ينتج عن تجلط الدم في أوعية المخ، أو نتيجة انتقال جلطة متكونة في مكان آخر – قد يكون القلب – إلى المخ. وهنا يكون للأسبرين دورًا كبيرًا في تقليل احتمالات حدوث هذه الجلطات، إذ يمنع صفائح الدم من انتاج المواد المكونة للجلطة. وقد تأكد الأطباء بعد دراسات مطولة أن تناول الأسبرين بجرعات صغيرة (80 مج) يوميًا بعد سن الأربعين يحمي الإنسان من الأزمات القلبية والسكتات الدماغية.
وفي حالة النوبات القلبية فإن انسداد أحد فروع الشريان التاجي المغذي للقلب يقود إلى حالة من التلف تصيب عضلة القلب، مما يؤدي الى ضعفها بل وموتها. والأسبرين بالطبع يمنع تكون هذه الجلطات ومن ثم النوبات القلبية.
الأسبرين يقاوم السرطان
وحديثًا دلت بعض الدراسات التي أجراها علماء بريطانيون، إلى أن الأسبرين له دور في علاج بعض أنواع السرطان التي تصيب الثدي والجلد. وأظهرت هذه الدراسات أن الأسبرين يساعد في تقليل حجم الأورام الناجمة عن هذه الأنواع من السرطان.
وفي أوائل عام 2004 نشرت مجلة "الجمعية الطبية الأمريكية" بحثًا أشارت فيه إلى أن النساء اللاتي كن يتعاطين الأسبرين يوميًا قلت عندهن نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي. كما أشارت أبحاثًا أخرى إلى وجود دور للأسبرين في الحماية من سرطان المريء والمعدة والبروستاتا والقولون. وأشارت دراسات أخرى الى انخفاض في نسبة الاصابة بالأورام الممهدة لسرطان القولون (Adenomas) بنسبة 50% -وهي نسبة كبيرة- بين الذين يتناولون الأسبرين. ويعتقد العلماء أن السبب في مقاومة الأسبرين للسرطان هو أنه يمنع تكون مادة البروستاجلاندين المسؤولة عن احداث الالتهاب في الأعضاء الداخلية الشبيه بما يحدث في المفاصل الملتهبة في حالات الروماتيزم، وهذا يعالج بالتالي حالات الالتهاب المزمن الذي قد يسبب السرطان لأعضاء الجسم المختلفة.
وفي حالة الوقاية من سرطان الثدي فإن العلماء يعتقدون أن الأسبرين يؤثر على انتاج الاستروجين -أحد هورمونات الأنوثة– والذي يؤدي الى حدوث الورم في نسبة 60-70% من حالات سرطان الثدي. وقرر العلماء ذلك لأنهم وجدوا أن الأسبرين يقلل من سرطان الثدي الذي يحدث نتيجة لزيادة الهورمون فقط وليس كل أنواعه. ولكن العلماء يجدون أنفسهم أمام ظاهرة محيرة، ذلك أن التأثير الايجابي للاسبرين في الحماية يكون مع الجرعات المنخفضة وليس مع الجرعات المرتفعة.
الأسبرين قد يقدم علاجًا لمرض السكر
وفي دراسة نشرت في مجلة "Science " وجد العلماء أن الأسبرين بكميات كبيرة يساعد فئران التجارب المصابة بالسمنة على زيادة انتاج الانسولين، مما يزيد من مقاومة مرض السكر الذي يتعرض مرضى السمنة للإصابة به. وعلى الرغم من أن الأسبرين ليس علاجًا مقترحًا لعلاج مرض السكر إلا أن هذه البحث يمهد الطريق لإكتشاف عقاقير جدية تساعد على علاج السكر.
الهربس العصبي
وباستخدام الأسبرين المخلوط بمادة الليبوزوم أمكن علاج فيروس "الهربس العصبي" حيث يمكن ادخال المادة الفعالة للأسبرين من خلال مادة دهنية ناقلة الى الالتهابات داخل العصب مما يؤدي الى تدفق الدورة الدموية، وهو ما يساعد على مقاومة الفيروس وشفاء العصب. والهربس العصبي يسببه الفيروس نفسه والمسبب للجديري المائي الذي يصيب الأطفال، ويظل في حالة كمون داخل جسم الإنسان ثم قد يظهر محدثًا "الهربس العصبي" بفعل بعض العوامل البيئية التي تؤثر على مناعة الجسم وتضعفها.
محاذير في تناول الأسبرين
إن فوائد الأسبرين العديدة، ولا يجب أن تنسينا أن له بعض التأثيرات الجانبية وخصوصًا على الجهاز الهضمي حيث يمكن أن يصاب بالنـزف نتيجة تعاطي كميات كبيرة منه لفترة طويلة، لذا ينصح بعدم تناوله على معدة خالية، كما يجب ألا يعطي للأطفال أقل من 12 سنة حيث أثبتت الأبحاث أن الأطفال في هذه المرحلة يمكن أن يكونوا عرضة لفيروس خطر يصيب المخ عند تناولهم للأسبرين، ويفضل في هذه الحالة إعطائهم دواء "الباراسيتامول" الأكثر أمنًا لخفض الحرارة وعلاج الآلام. ويفضل أيضًا عدم تناول الأسبرين مع القهوة والشاي لأن هذه المشروبات تزيد من تهيج جدار المعدة.
وهكذا يستمر الأسبرين في الكشف عن أسراره الجديدة، ويستمر العلماء في الإندهاش مما يحتويه هذا العقار القديم الجديد، الرخيص في السعر والغالي في القيمة، ويظل البشر متطلعين إلى ما سيأتي به المستقبل من جديد هذه الحبة العجيبة.
doctor@emadsobhi.com
وجاهد العلماء لمعرفة المادة الفعالة في نبات الصفصاف والتي تحمل هذه القدرة الفذة على علاج الآلام والحمي وتوصلوا لذلك في عام 1820، حين تم اكتشاف مادة "الساليسين" وهي أول فرد في عائلة الساليسلات، ومنها جاء الأسبرين وتركيبه الكيميائي هو "أسيتايل ساليسلك". ومنذ ذلك الوقت بدأ استخدام الأسبرين بصورة تقليدية في علاج الآلام والروماتيزم والحمى.
وعلى الرغم من وجود الأسبرين لفترة طويلة في تاريخ العقاقير التي استخدمها البشر، إلا أن العلماء ما زالوا يكتشفون كل يوم جديدًا يضاف لفوائد هذا العقار العجيب. والأبحاث الجديدة تضعه في قمة الأدوية التي تستخدم للعلاج والوقاية من العديد من المراض مثل أمراض القلب، والسرطان، والصداع النصفي، وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وعلاج بعض الأمراض الجلدية، ممّا دعا أحد الباحثين في مجال الأدوية إلى وصفه بالعقار "ذي التسعة أرواح".
ويعمل الأسبرين على علاج الآلام عن طريق منع الجسم من إنتاج مواد تسمى البروستاجلاندينات، وهي شبيهة بالهرمونات، ولها دور في مرونة الأوعية الدموية وانقباضات الرحم وعمل صفائح الدم لوقف النزيف، كما تعمل هذه المادة على التأثير في نهايات الأعصاب في حالة الإحساس بالألم. والأسبرين يعمل أيضًا على خفض الحرارة، وهو مضاد للالتهابات، ويساعد على زيادة اخراج حمض البوليك في البول. لكن تذكر قبل أن ينتابك الحماس في أن تناول الأسبرين للعلاج أو الوقاية يجب أن يخضع أولاً لرأي الطبيب الذي يستشار قبل البدء في الإستفادة من الفوائد المحتملة للأسبرين. كما يجب أن يعرف الطبيب كل شيء عن الأدوية الأخري التي يتناولها المريض قبل أن يسمح له بتناول الأسبرين حيث أن أنواعًا أخرى من الأدوية التي تزيد من سيولة الدم قد تسبب خطرًا شديدًا إذا تم تناول الأسبرين معها. وينصح الأطباء بوقف تناول الأسبرين لمدة يومين قبل اجراء أي جراحة (بما فيها خلع الأسنان) للتقليل من خطر النزيف.
الحماية من جلطات الأوعية الدموية
وأهم استعمالات الأسبرين الحديثة هي في زيادة سيولة الدم عند تناوله بكميات صغيرة مما يساعد على تجنب جلطات الدم وهو ما يوفر الوقاية من الأزمات القلبية والسكتات المخية. وتحدث السكتة المخية في معظم الحالات نتيجة لإنسداد الوعاء الدموي المغذي للمخ وذلك في مرض تصلب الشرايين، وهذا الانسداد ينتج عن تجلط الدم في أوعية المخ، أو نتيجة انتقال جلطة متكونة في مكان آخر – قد يكون القلب – إلى المخ. وهنا يكون للأسبرين دورًا كبيرًا في تقليل احتمالات حدوث هذه الجلطات، إذ يمنع صفائح الدم من انتاج المواد المكونة للجلطة. وقد تأكد الأطباء بعد دراسات مطولة أن تناول الأسبرين بجرعات صغيرة (80 مج) يوميًا بعد سن الأربعين يحمي الإنسان من الأزمات القلبية والسكتات الدماغية.
وفي حالة النوبات القلبية فإن انسداد أحد فروع الشريان التاجي المغذي للقلب يقود إلى حالة من التلف تصيب عضلة القلب، مما يؤدي الى ضعفها بل وموتها. والأسبرين بالطبع يمنع تكون هذه الجلطات ومن ثم النوبات القلبية.
الأسبرين يقاوم السرطان
وحديثًا دلت بعض الدراسات التي أجراها علماء بريطانيون، إلى أن الأسبرين له دور في علاج بعض أنواع السرطان التي تصيب الثدي والجلد. وأظهرت هذه الدراسات أن الأسبرين يساعد في تقليل حجم الأورام الناجمة عن هذه الأنواع من السرطان.
وفي أوائل عام 2004 نشرت مجلة "الجمعية الطبية الأمريكية" بحثًا أشارت فيه إلى أن النساء اللاتي كن يتعاطين الأسبرين يوميًا قلت عندهن نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي. كما أشارت أبحاثًا أخرى إلى وجود دور للأسبرين في الحماية من سرطان المريء والمعدة والبروستاتا والقولون. وأشارت دراسات أخرى الى انخفاض في نسبة الاصابة بالأورام الممهدة لسرطان القولون (Adenomas) بنسبة 50% -وهي نسبة كبيرة- بين الذين يتناولون الأسبرين. ويعتقد العلماء أن السبب في مقاومة الأسبرين للسرطان هو أنه يمنع تكون مادة البروستاجلاندين المسؤولة عن احداث الالتهاب في الأعضاء الداخلية الشبيه بما يحدث في المفاصل الملتهبة في حالات الروماتيزم، وهذا يعالج بالتالي حالات الالتهاب المزمن الذي قد يسبب السرطان لأعضاء الجسم المختلفة.
وفي حالة الوقاية من سرطان الثدي فإن العلماء يعتقدون أن الأسبرين يؤثر على انتاج الاستروجين -أحد هورمونات الأنوثة– والذي يؤدي الى حدوث الورم في نسبة 60-70% من حالات سرطان الثدي. وقرر العلماء ذلك لأنهم وجدوا أن الأسبرين يقلل من سرطان الثدي الذي يحدث نتيجة لزيادة الهورمون فقط وليس كل أنواعه. ولكن العلماء يجدون أنفسهم أمام ظاهرة محيرة، ذلك أن التأثير الايجابي للاسبرين في الحماية يكون مع الجرعات المنخفضة وليس مع الجرعات المرتفعة.
الأسبرين قد يقدم علاجًا لمرض السكر
وفي دراسة نشرت في مجلة "Science " وجد العلماء أن الأسبرين بكميات كبيرة يساعد فئران التجارب المصابة بالسمنة على زيادة انتاج الانسولين، مما يزيد من مقاومة مرض السكر الذي يتعرض مرضى السمنة للإصابة به. وعلى الرغم من أن الأسبرين ليس علاجًا مقترحًا لعلاج مرض السكر إلا أن هذه البحث يمهد الطريق لإكتشاف عقاقير جدية تساعد على علاج السكر.
الهربس العصبي
وباستخدام الأسبرين المخلوط بمادة الليبوزوم أمكن علاج فيروس "الهربس العصبي" حيث يمكن ادخال المادة الفعالة للأسبرين من خلال مادة دهنية ناقلة الى الالتهابات داخل العصب مما يؤدي الى تدفق الدورة الدموية، وهو ما يساعد على مقاومة الفيروس وشفاء العصب. والهربس العصبي يسببه الفيروس نفسه والمسبب للجديري المائي الذي يصيب الأطفال، ويظل في حالة كمون داخل جسم الإنسان ثم قد يظهر محدثًا "الهربس العصبي" بفعل بعض العوامل البيئية التي تؤثر على مناعة الجسم وتضعفها.
محاذير في تناول الأسبرين
إن فوائد الأسبرين العديدة، ولا يجب أن تنسينا أن له بعض التأثيرات الجانبية وخصوصًا على الجهاز الهضمي حيث يمكن أن يصاب بالنـزف نتيجة تعاطي كميات كبيرة منه لفترة طويلة، لذا ينصح بعدم تناوله على معدة خالية، كما يجب ألا يعطي للأطفال أقل من 12 سنة حيث أثبتت الأبحاث أن الأطفال في هذه المرحلة يمكن أن يكونوا عرضة لفيروس خطر يصيب المخ عند تناولهم للأسبرين، ويفضل في هذه الحالة إعطائهم دواء "الباراسيتامول" الأكثر أمنًا لخفض الحرارة وعلاج الآلام. ويفضل أيضًا عدم تناول الأسبرين مع القهوة والشاي لأن هذه المشروبات تزيد من تهيج جدار المعدة.
وهكذا يستمر الأسبرين في الكشف عن أسراره الجديدة، ويستمر العلماء في الإندهاش مما يحتويه هذا العقار القديم الجديد، الرخيص في السعر والغالي في القيمة، ويظل البشر متطلعين إلى ما سيأتي به المستقبل من جديد هذه الحبة العجيبة.
doctor@emadsobhi.com
Comment