تعود أقدم منشآت تل راس الشمرة المكتشفة إلى العصر الحجري الحديث أي إلى الألف السابع ق.م، وتقع في الأكروبول وفي القسم الشمالي من هذا التل، وأما المعبدان الرئيسيان فيها فيرقى تاريخهما إلى الألف الثاني ق.م، وخصص أحدهما للرب دجن الذي نرى اسمه منقوشاً على نصب صغير من الحجر، والثاني للرب (بعل) الذي نقش رسمه على نصب من حجارة مجزأة وجدت بالقرب من بعضها، وقام بين المعبدين سكن كبير الكهنة ضم مكتبة دينية عثر فيها على أول النصوص الخاصة برأس الشمرة، وعلى مستودع حوى 74 قطعة من السلاح، والأدوات البرونزية التي تمثل قرباناً قدمه الحرفيون العاملون في صناعة البرونز فيها إلى كبير الكهنة، وأما في جنوب التل فهناك منزل كاهن آخر ضم نصوصاً دينية، وتم الكشف عنه في عام 1961.
وفي شمال وجنوب الأكروبول امتد الكثير من الأحياء السكنية، والعديد من المحلات الخاصة بالحرف اليدوية التي مارستها جماعات مختلفة وردت أسماؤها في النصوص الملكية الإدارية والمالية مثل نجار، وحائك، وجوهري...؟ وأما المساكن فتوزعت في مجموعة بيوت متلاصقة تحيطها الشوارع والأزقة الضيقة المضطربة المتقاطعة فيما بينها على هيئة الزوايا القائمة.
وفي الحي الغربي في أوغاريت بدت الشوارع الخاصة بعصر البرونز الحديث، والقصور أكثر مساحة، ويملك أفراد هامون بعضها وقد ضمت مكتبات غنية مثل مكتبة راشابابو، ورابانو، وأما البيت الشهير بالألباتر فقد اشتمل على منشآت خاصة بصناعة وتخزين الزيت والخمر والأشياء الثمينة، ومنشآت لحفظ الخزف والفخار وأواني الألباتر والمجوهرات، كان صاحب البيت المذكور مصرياً أو شديد الصلة بمصر، وأما هذه القصور فقد احتوى كل واحد منها على قبر للعائلة مع غرفة وسرداب ذي درج من الحجارة المصقولة، ولكن لم يعثر على أحد من هذه القبور سليماُ، وإنما عثر فيه على آثار منقولة خاصة بالأموات مصنوعة من الألباتر والعاج، والفخار.
امتد القصر الملكي أو القصر الكبير العائد لعصر البرونز الحديث على مساحة أكثر من هكتار، واحتوى على اكثر من مئة صالة انتشرت حول حدائق داخلية عديدة وباحات كثيرة انفتحت من إحدى جهاتها على رواق قائم على أعمدة خشبية ذات أساسات دائرية الشكل من الحجر. وأكدت المحفوظات الملكية المسمارية على أهمية ودور مملكة أوغاريت السياسي والاقتصادي خلال النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، وعن اتساع علاقاتها الدولية، وعن نوع التنظيم الإداري الملكي فيها، وأما الثروة الخاصة بالأشياء المنقولة فظهرت في مجموعة الأثاث المطعم بالعاج الذي يمثل مشاهد دينية أو رمزية.
كذلك تم العثور شمال القصر الملكي على بناء قديم يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ويسمى القصر الشمالي، ولكنه وجد خالياً من أي أثاث، ووجد في جنوب القصر المذكور قصر أطلق عليه اسم القصر الصغير أو القصر الجنوبي، وهو معاصر للمرحلة الأخيرة الخاصة بالقصر الملكي في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وضم محفوظات اقتصادية تتعلق بالتجارة البحرية المتبادلة مع موانئ الساحل السوري الفلسطيني، وهناك في أسفل هذا القصر الصغير قبران بغرفة ذات عقد مبنية، وعثر في القبر الأكبر على آنية من الألباتر.
الوصف الأثري
وصلت أوغاريت إلى قمة ازدهارها في منتصف الألف الثاني ق.م ويدل على هذا الازدهار المباني الهامة التي تم اكتشافها، وهي القصر الملكي والأحياء الرسمية، ففي القسم الغربي من المدينة مازال السور واضحاً ولقد امتد خلف القصر الملكي الكبير. ويضم أكثر من مئة صالة، وفيه عثر على مجموعة من الأثاث المطعم بالعاج، يمثل مشاهد دينية رمزية، محفوظة في المتحف الوطني بدمشق.
عند زيارة موقع أوغاريت فإن شارعاً يقسم الموقع إلى قسمين؛ القسم الشمالي وفيه القلعة والقصر، والقسم الجنوبي وفيه المدينة الرسمية.
ومن الملاحظ أن عمارة القصر ذات طابع سوري متميز وفيه تم اكتشاف الوثائق الملكية على رقم طينية. ويتبع القصر الإسطبل الملكي وغرفة الكاهن ومسكن الحاكم العسكري ومسكن الملكة الأم.
أما المدينة فهي مؤلفة من الحي الجنوبي وحي المعابد، والحي الشمالي الشرقي أو المدينة المنخفضة، والحي الغربي. ويتضمن حي المعابد معبد دجن والمكتبة ومعبد إيل.
ولقد عثر خلال الحفريات المستمرة التي تمت في موقع أوغاريت على الكثير من القطع الفنية، نراها محفوظة في جناح خاص في المتحف الوطني بدمشق، منها أختام أسطوانية وأوزان وقوالب وقلادات. ومنها تماثيل للآلهة بعل وغيره وشواهد عليها نقش إله لعله إيل مع ملك أوغاريت. ومجموعة كبيرة من الرقم أي الألواح الطينية بعضها مغلّف بغلاف طيني، وبعضها مدموغ بخاتم لأنه يحوي مرسوماً أصدره الملك الحثي تودخاليا الرابع، وثمة ألواح عاجية تغطي منضدة أو تزين سريراً ورأس عاجي يمثل رجلاً أو امرأة، هذا عدا عن رقيم الأبجدية الصغير.
أبجدية أوغاريت و الرّقم
عثر في أوغاريت حتى الآن على حوالي 17000من الرقم؛ أي اللوحات الفخارية تعود للقرنين 14 و13ق.م، مكتوبة باللغة الكنعانية وباللغة الأكادية - البابلية، وكذلك على نصوص باللغة الحورية والمصرية والقبرصية والحثية. ولم تكن الأبجدية الأوغاريتية معروفة قبل اكتشاف موقع رأس الشمرة، وهي تستعمل 30حرفاً، بينما كانت الكتابات الأخرى تتضمن مئات الإشارات، ويمكن أن تعد أبجدية أوغاريت أقدم أبجدية ظهرت في العالم حتى الآن. وعندما حُلت رموزها من قبل المختصين باللغات القديمة تبين التشابه الكبير بين كنعانية أوغاريت واللغة العربية، وفيها 800كلمة موجودة في لغتنا. ولوحظ تشابهها مع اللغة العربية في صياغة الجمل وبعض التعابير. وهي تدرس الآن في حوالي خمسين جامعة في العالم. ووجِدت رقم أوغاريت في مجموعات، كل مجموعة بمثابة ديوان وثائق أو مكتبة. وأظهرت الحفريات سبعة دواوين في القصر الملكي، وديواناً في القصر الجنوبي، ومجموعات مختلفة من الأبنية في حي المساكن الفخمة ، وفي القسم الجنوبي من المدينة، وعلى الأكروبول. وقد أعطت الوثائق معلومات هامة عن تاريخ أوغاريت وحضارتها في شتى الميادين، وألقت ضوءاً على حوادث الشرق القديمة بعامة، ومنطقة الساحل السوري بخاصة. وذكرت الوثائق أسماء ما يقرب من ثلاثمئة مدينة أو موقع كانت تابعة لأوغاريت.
مازالت الحفريات قائمة حتى اليوم في أوغاريت. وبخاصة في مسكن رحب يدعى بيت أورتينو ويقع جنوب المدينة وفيه عثر على أكثر من خمسمئة رقيم منقوش تعتبر من أهم المكتشفات الهامة وتدل على المكانة المتميزة التي احتلتها أوغاريت في عصر البرونز الحديث أي حوالي 1200ق.م. وهو دور أساسي في تاريخ سورية وتاريخ شرقي البحر الأبيض المتوسط.
ولقد نقشت هذه الرقم أو أغلبها باللغة الأكادية وهي لغة الاتصالات الدولية، أو لنقل أنها اللغة الفصحى بينما كانت الأوغاريتية هي لهجة محلية.ومن اشهر الرقم المكتشفة في أوغاريت رقيم عريض عليه أغنية صوفية، بمعنى أن الحب والدعاء فيها يختلطان، ولقد كشف العالم الموسيقي كريمر لحن هذه الأغنية ورأى أن الموسيقى السباعية الدياتونية كانت موجودة في أوغاريت قبل ظهورها في بلاد اليونان بألف عام.
ولقد سجلت هذه الأغنية مع جوقة في جامعة لوس أنجلس على أسطوانات، وكان الهارب هو الآلة الموسيقية المرافقة نظراً لتأكد استعماله في ذلك العصر الذي يعود إلى القرن 14ق.م.
العقائد
نصوص رأس الشمرة حدثتنا عن الأساطير خلال الألف الثاني. وقد تشكلت خلاله ملاحم دينية مثل الملاحم التي وجدت في بلاد الرافدين سجلت معالم الدين. فملاحم الملك نقماد تعود الى منتصف القرن الرابع عشر، وتتحدث عن سيد الآلهة "إيل" وكذلك كان من خصائص ثالوث الإله ويطلق عليه "فليون ودمسقيوس إيل كرونوس"، وقد كان يشرف على الأنهار ويتنبأ بالأمطار، وكانت زوجته هي عشيرات البحر وتسمى أيضاً إيلات.
ويأتي بعد ذلك بعل ويعني السيد وهو وصف لإله معين كان اسمه حدد عند السوريين وأدد عند أهل بلاد ما بين النهرين. وهو إله يشرف على القمم والعواصف والرعد والمطر. وقد ذكرت بعض الأساطير في رأس شمرا أن بعل إله ليس له معبد بينما كانت لأغلب الآلهة معابد.
وغالباً ما يكون الإله بعل سابق على العصر الفينيقي، وقد صور على شكل محارب على رأسه خوذة وبيده مقمعة، أما زوجه فهي عشيرات، وهي غير عشيرات البحر قرينة إيل والد بعل.
ثم يأتي بعد ذلك ألييان بن بعل وهو شبيه بأبيه، وكان يشرف على المنابع والأنهار.
وبعد ذلك أنات أخت ألييان، وهي تشبه عشتار صاحبة إربل الأشورية. وقد عبدها المصريون عندما دخلوا أرض كنعان، وصوروها بصورة الآلهة أنتا.
ثم عشتار وهي تشبه الآلهة قدش عند المصريين، وكانت تصور على هيئة امرأة امتطت أسداً.
وكان خصم ألييان أخاه موت وهذا شبيه بما جاء في قصة أزوريس مع أخيه ست، وكان عدوه، وهو يدل على شمس الظهيرة المحرقة فهو إله الجحيم.
وكان بعل إله العاصفة والمطر، وكذلك كان الييان إله المنابع والأنهار، ثم هو أيضاً إله الفيضان الذي يغمر الأرض. أما موت فهو رمز الحصاد. وقد كان كل من الإلهين الييان وموت إذا اجتمعا يمثلان تعاقب الفصول حسب ما جاء في أسطورة "عشتار وأدونيس". أما إيل فكان والد بعل ورب الأرباب.
Comment