كتاب أغصان الشر ""للراهب القس كاراس المُحرَّقيّ
تقديم لكتاب أغصان الشر
للراهب القس كاراس المُحرَّقيّ
+ هو كتاب روحي عميق، وجيد للإنسان أن يتعمّق في الحياة الروحية.
+ هو كتاب مليء بالحقائق السيكولوجية الهامة التي يدركها علماء النفس، والمشتغلين به.
+ الكتاب مكتوب بلغة عربية فصحى، وقلَّما نجد كتباً تهتم بفصاحة التعبير.
+ كاتب هذا الكتاب يهتم بالروحيات أكثر من أي موضوع آخر.
+ تجد في هذا الكتاب بعض الفلسفات خلاف الروحيات، كما تجد فيه كثيراَ من الفلسفة الديالكتيكية الهيجيلية.
+ الكتاب يهتم بالفرح والسلام، وتبدو هذه عقيدة الكاتب.
+ الكتاب يهتم جداً بالإيجابيات والسلبيات، ويحاول علاجها.
هذا, وقلَّما نجد كتاباً بهذه الاهتمامات.
دكتور سعد فرنسيس جندي
دكتوراه في علم النفس (جامعة باريس)
مقــــــــــــــدمــــــــة
إنّي إنسان في داخلي يتعانق النور والظلام، هذه عبارة بليغة تدل على طبيعة الإنسان بعد السقوط، حيث صار يحمل الثنائية في داخله! ولكن سواء أردنا أو لم نُرد فنحن مضطرين أن نحيا هذا التناقض فإنَّ وجودنا في صميمه، ما هو إلاَّ توتر بين حياتنا على الأرض والحياة الأبدية، بين الروح والجسد.. إذن لا توجد شجرة بشرية كاملة النقاء، بل ما أكثر أغصان الشر التي نبتت في قلب الإنسان! قد يسعى إلى عملية تقليم لكي ينزع الأغصان الميتة، أو تقويّة الضعيف منها، إلاَّ أنَّ رحلة الإنسان مع ضعفاته قد تستغرق الحياة كلها.
والحق إنَّ حياة البشر ليست فردوساً يسوده الحُب والفرح والسلام.. على الـدوام! بل هي صراع مرير، فكثيـراً ما نصطدم بعثرات تأتينا من الخارج، وشهوات تثور فينا من الداخل من قِِبل الذات نفسها! وها نحن نتساءل: من منّا لم يشعر بأي عرض من أعراض اليأس أو الخوف أو القلق..؟ من مِِن البشر لم يختبر مرارة الشعور بالذنب أو النقص أو الرفض...؟ إنَّها جراثيم نفسية منتشرة وهى تُحاول أن تُميت ثمار حياتنا وما على البشر سوى اليقظة، متسلحين بكلمة الله حتى ينتصروا، وما كتابي هذا سوى محاولة بسيطة، لكي نعرف بعض ضعفاتنا ومشاكلنا النفسية، ووسائل علاجها، حتى يكون لدينا وعيّ روحيّ ونفسيّ بكل ما يعوق مسيرتنا، سواء في علاقتنا البشرية، أو الروحية..
نسأل الله أن يُبارك هذا العمل المتواضع، ويعوّض من انتفعت بكتاباتهم والذين تعبوا معي، وأخص بالاسم العالم الجليل الدكتور سعد فرنسيس، الذي تفضّل مشكوراً بمراجعة الكتاب والتقديم له، الرب يُعوضه في ملكوته الأبديّ، بصلوات القديسة الطاهرة مريم، وجميع مصاف الشهداء والقديسين، ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
كاراس المُحرَّقيّ
وهنا هنضيف لينكات الردود اللي فيها مشاركة كل فصل
اضغط علي اسم الجزء المراد قرائته
الفصل الأول "الشعور بالذنب"
" ذنبي أعظم من أن يُحتمل " ( تك4 : 14)
*****************
تعريف الشعور بالذنب
جذور وأسباب الشعور بالذنب
علامات الشعور بالذنب
التحرر من الشعور بالذنب
******************
الفصل الثاني "الشـعور بالنقص"
"لا أعرف أن أتكلم لأني ولد " ( إر4:1 )
*****************
ما هو الشعور بالنقص ؟
أسباب الشعور بالنقص
الشعور بالنقص ورجال الله
مظاهر الشعور بالنقص
علاج الشعور بالنقص
******************
الفصل الثالث "الشـعور بالرفض"
" محتقر ومخذول من الناس " ( إش3:53 )
*****************
معنى الرفض
الرفض بين الحقيقة والوهم
أسباب الرفض
نتائج الرفض
خطوات للتحرر من جذور الرفض
******************
الفصل الرابع "الشعور بالخـوف"
" كل من وجدني يقتلني " ( تك14:4)
*****************
بين خوف وخوف
جذور الخوف
أنواع من الخوف
خطورة الخوف
التحرر من الخوف
الفصل الأول
الشعور بالذنب
" ذنبي أعظم من أن يُحتمل "
( تك4 : 14 )
ذهبت وزوجها إلى أحد الأطباء،
فما أن جلسا حتى قال الزوج: زوجتي تموت!
فنظر إليها الطبيب وأدرك سر معاناتها!
فطلب من الزوج أن يُغادر الغرفة
ثم سألها: هل تريدين أن تعيشي؟! على الأقـل من أجل زوجـك وأطفالك
فقالت: نعم،
فقال الطبيب: سوف أُساعدك بشرط أن تُخبريني بماضيكِ!
فنهضت السيدة واقفة والغضب يتطاير من عينيها،
وصاحت: هل أنا في قسم البوليس؟! ما شأنك وماضي حياتي؟
فنهض الطبيب وقال: إذن لا أستطيع مساعدتك..
فانتاب المرأة خوف شديد وانهمرت من عينيها الدموع وبنبرة حزينة
قالت: سأُخبرك بكل شيء وإن كنت لا أعتقد أنَّ هذا هو الحل!
ثم أكملت: لقد توفى والداي وأنا صغيرة، فنشأتُ في بيت أُختي الكبيرة التي ربتني، وعندما دخلت الكلية نشأت علاقة حُب بيني وبين زوج أُختي ثمَّ تطورت العلاقة إلى خطية! بعدها بدأتُ أشعر بذنب مرير كاد أن يُحطّم قلبي،
خاصة بعد أن ذهبت إلى المستشفى لكي أجهض ثمرة الإثم من بطني..
وعندما تخرَّجت من الكلية تزوّجت وأصبح لي منزل ورصيد في البنك..
ولكن عندما يُقدّم لي زوجي مشاعر حُب أشعر بأنّي زانية ولا أستحق محبته،
إنَّ في داخلي قلباً يبكي دائماً، وأطفالي عندما يُعانقونني يقولون لي ماما أشعر بالبُغضة الشديدة لنفسي.
فقال لها الطبيب: ينبغي أن تُسامحي نفسك، وتعرفي أنَّ المسيح مات..
لكنَّها قاطعته وهى تنتحب: إنَّ خطاياي أكبر من أن تُغفر!!
فأخذها الطبيب إلى شاطيء بحيرة، ثمَّ أمسك بحصاة وألقاها في الماء،
وأعطاها حَجَراً ألقته هى الأُخرى في الماء
ثم قال: إنَّ الحصاة والحَجَر أصبحا في القاع، والفرق الوحيد بينهما هو في صوت ارتطامهما بالمياه،
فالحصاة صنعت تموّجات صغيرة،
أمَّا حَجَرك فصنع تموّجات كبيرة،
وهذا يوضح لنا أنَّ الناس تذهب إلى الجحيم بخطاياها الصغيرة والكبيرة،
إذاً ما هو الفرق بين الخطية الصغيرة والكبيرة؟
أعتقد في الضجة التي تصنعها في المجتمع،
لكنَّ دم المسيح يغفر كل الخطايا.
فلمس المثل قلب المرأة، فتابت واعترفت وتخلّصت من الشعور بالذنب،
وبدأت قوة اللَّه تعمل في حياتها، إنَّها الآن غير مريضة،
لأنَّها عندما أخرجت الذنب المكبوت بداخلها تمتَّعت بمحبة اللَّه.
تعريف الشعور بالذنب
جذور وأسباب الشعور بالذنب
علامات الشعور بالذنب
التحرر من الشعور بالذنب
تعريف الشعور بالذنب
من الاسم نستطيع أن نُعرّف عقدة الذنب بأنَّها:
شعور يُصاحب الإنسان عندما يسقط في خطية، أو يرتكب أمراً يخالف وصايا الله، أو تقاليد المجتمع.. ويُعد هذا الشعور طبيعياً، إنَّه إنذار بأنَّ هناك خطأ ما في حياتنا ويجب علينا أن نُصلحه.
إلاَّ أنَّ هناك وساوس مبالغ فيها ورثناها جميعاً- وإن تفاوتت النسب - لا علاقة لها بذنب حقيقيّ،
لأنَّها تكوّنت في سن كان اقتراف الذنب فيه مستحيلاً،
ولكن لسوء التربية، وقساوة الأهل.. الذين يتّخذون من أولادهم وسيلة لتفريغ شحنات غضبهم تحت ستار التربية،
يتكوّن لدى الفرد شعور عميق بالخطأ،
ويُخيّم عليه هاجس بأنَّه اقترف ذنب ما!
ومن الملاحظ أنَّ عقدة الذنب التي تتجسد في ما يُسمّى وساوس " Scruplex " مشتقة من كلمة لاتينية تعني " حصاة " ،
فالحصاة إذا دخلت حِذاء شخص، صار يشعر وهو يمشي بوخزات مؤلمة في قدمه،
وهكذا الإنسان الموّسوس يشعر بآلام متقطّعة،
من شدة ذنب يتصوّر أنَّه اقترفه أو اقترفه بالفعل!!
جذور وأسباب الشعور بالذنب
ما من إنسان إلاَّ ويولد صفحة بيضاء، لا يدري ما هو الخير وما هو الشر،
وإنَّما يولد الإنسان وفي أعماقه نبض يشعر بالجمال وينفر من القُبح،
نبض يُسعده النور ويُخيفه الظلام، يرتاح للعدل ويشقى بالظلم،
وهذا النبض لا فضل فيه لأحد من البشر،فالإنسان يولد واللمسة الإلهية واضحة في كيانه،
وبمرور الوقت يبدأ تشكيل الضمير لدى الطفل، وذلك من خلال تعاليم الأهل،
وأساليبهم في التربية..
1-وسائل التربية الخاطئة
وقد يحدث في أحيان كثيرة، أن يُسرف الوالدان في لوم الطفل،
وتأنيبه على كل كبيرة وصغيرة.. وإشعاره بالذنب في كل ما يفعل،
مما يؤدي به إلى تزمت واضح في تكوين ضميره،
ويترتّب على ذلك أنَّ هذا الضمير المتزمّت، الجامد،
يُحاسب صاحبه على كل هفوة أو أمر تافه، كما أنَّه يُسرف في أمره ونهيـه،
ومن ثَمَّ يُصبح الفرد شديد الحساسية، يُحاسب نفسه بقسوة متناهية،
قد تكون ظاهرة للجميع.
ماذا لو سمعت عن أُم تُشجع أولادها على سرقة الجيران؟!
أو أب يدفع ابنه إلى التدخين الذي في نظره يُعد من سمات الرجولة؟!
أو أُخت تُعلّم أُختها الغزل لكي تكون زوجة ناجحة في المستقبل؟!
ألم ترَ زميلاً يحث زملاءه على استعمال الضرب والعنف ليُسيطروا على غيرهم؟!
أو أُسطى يضرب صبيانه لأنَّه يرى أنَّها الوسيلة الوحيدة للتعلُّم؟!
أو إرهابياً يُعلّم الصغار العنف وأبشع طرق الموت، بل يدفعهم إلى الانتحار من أجل معتقدات خاطئة؟!
هؤلاء وكثيرون غيرهم ماذا ستكون ضمائرهم عندما يكبرون؟!
وإن صادف وتولّوا مسئولية كيف سيتصرّفون مع غيرهم؟!
ومع أولادهم كيف سيتعاملون؟!
ألسنا نرى كثيرين يعتقدون بصواب الشيء أو خطأه، لمجرد أن قاله هذا أو ذاك؟!
فمن يعلم فربَّما يسيرون على هذا النهج الفاشل، كما سار آبائهم ومُعلّموهم..
فلا تتعجب إن رأيت إنساناً يُعاقب نفسه لأنَّه شاهد فيلماً!
ليس لأنَّ الفيلم يُعثر، بل لأنَّ ضميره الذي تشكّل بطريقة خاطئة يقول له:
إنَّ مشاهدة التليفزيون حرام!!
أو محادثة النساء ورؤيتهن خطية!!
أو لعب الرياضة ضد الدين!!
وما أكثر الذين يتوهّمون أنَّهم زنوا، لمجرد أنَّ شهوتهم قد ثارت عندما رأوا امرأة، أو سمعوا قصة عاطفية..!
هنا نذكر عبارة البابا شنوده البليغة التي تُعد دستوراً للإنسان في حياته الروحية ألا وهى: نحن لا نُحرّم المادة وإنَّما نُحرّم الاستخدام الخاطيء للمادة.
2-الحروب الروحيّة
وفي حالات كثيرة.. يتملّك على المُصاب بهذه الآفة النفسية، شعور بأنَّه مذنب في كل شيء،
حتى وإن لم يكن قد أتى شيئاً أو اقترف إثماً يستحق عليه العقاب بالفعل!
ولهذا كثيراً ما نرى أُناساً يثورون، لمجرد فكرة عابرة تجول بخاطرهم،
فما هو ذنبهم أو جُرمهم حتى يُعذّبوا أنفسهم هكذا؟!
إنَّ انتشار مثل هذه الوساوس، كثيراً ما يكون مجرد حرب روحية،
يحاول الشيطان من خلالها زعزعتنا أو شغل أفكارنا في أشياء سلبية،
لكي يعوق تقدمنا الروحيّ، أو يرجع لعدم فهم الوصايا الإلهية،
ولو عمل الإنسان بالآية القائلة:
" فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً " (يو5: 39)،
لوجد فيها العلاج الأعظم لضعفاته، والحل الأمثل لكل مشاكله،
وربَّما يكون السبب هو محاولة الإنسان للوصول إلى كمال وهميّ،
ليس له مكان على الأرض، التي قد تلوَّثت بدماء القتلى والمجرمين والزناة..
3-الوسط الاجتماعيّ
ويُعد الوسط المُحيط بالإنسان له دور عظيم الأهمية،
في إصابة كثيرين بهذه الآفة النفسية، لا تتعجبوا !!
فالإنسان ما أن تكتمل قواه، فسرعان ما ينسلخ من الأُسرة إلى المجتمع بما فيه الأقارب والجيران والأصحاب..
ومن خلال آرائهم فيه ونقدهم له تتشكّل نظرته الخاصة عن ذاته، فالمجتمع هو مركز ضخم،
لإشعاعات عقلية وأخلاقية ودينية لا حصر لها تمتد في دوائر أُخرى كثيرة بعيدة المدى!
ولكننا ونحن بصدد الحديث عن المجتمع نقول:
إنَّ المجتمع وإن كان يُمثّل السلطة التي تحمي الإنسان وتنظم العلاقات بين أفراده..
إلاَّ أنَّه ليس هو القوة الإلهية المقدسة، التي لا يأتيها الباطل من بين يديها!
فما أكثر الحضارات التي انهارت بسبب شرائعها الفاسدة،
التي نادت بعبادة الأوثان وأباحت الزنى..!!
وليس هناك ما يجعلنا نُقرر أنَّ كل ما يتطلبه المجتمع من الفرد،
لابد وأن يكون حسناً دائماً، وكما أنَّ الرأي الشائع بين الناس،
لا يمكن أن يكون دائماً هو الحقيقة بعينها،
هكذا أيضاً القاعدة الأخلاقية قد تكون فاسدة في مجتمعات كثيرة،
حتى وإن كانت مبدأ عاماً تعتنقه الجماعة بأسرها!
ويبقى السؤال: هل نسير بموجب شرائع بشرية عقيمة وأفكار إنسانية بالية..؟!
أعتقد أنَّ هذا يقود إلى انهيار كليّ لحياتنا الروحية والنفسية.. لأنَّ
" أفكار البشر ذات أحجام " كما قال سليمان الحكيم (حكمة14:9)،
وهى تتغير بين يوم وضحاه، وتحكمها العلاقات والمصالح والعواطف..
والحق إنَّ كثيرين قد وقعوا فريسة، عندما استسلموا لآراء غيرهم،
الذين توسَّموا فيهم الثقة، ولكنَّهم سرعان ما اكتشفوا مكرهم وخِِداعهم،
وأنَّهم لا يعرفون من الحياة سوى أنفسهم.. فالمناخ الاجتماعيّ لا يخلو من ضعفات كثيرة،
كالغيرة والحسد والكراهية.. وهى تؤثر على آراء البشر،
ولهذا فإنَّ كثيرين يعانون من شعور مرير بالذنب، رغم أنَّهم لم يقترفوا ذنباً!
هنا يأتي دور الجانب الروحيّ وأثره في حياة الإنسان وقراراته،
أتتذكرون قول معلمنا بولس الرسول:
" وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ " (1كو2: 15)،
وهل ننسى موقف البابا القديس أثناسيوس الرسوليّ،
فقد قيل له مرة: العالم كله ضدك يا أثناسيوس!
فقال: وأنا ضد العالم!
أتعرفون لماذا؟! لأنَّه كان يدافع عن لاهوت السيد المسيح الذي أنكره أريوس!
4-الشيطان
من أبرز صفات الشيطان " الحسد "، فهو لا يحتمل أن يرى إنساناً ناجحاً أو باراً يسير في طريق الله،
ألم يحسد يوسف الصديق على ما رآه من أحلام ورؤى،
ثم نقل الحسد إلى إخوته فباعوه كعبد،
ثم حسده على نجاحه في بيت فوطيفار خصيّ فرعون،
فدبّر له حيلة استطاع من خلالها أن يُلقيه في السجن كفاعل إثم..!
وفي حياتي الروحية لاحظتُ حرباً شيطانية تتلخص في الآتي:
كل فضيلة تعملها سيحاول الشيطان:
إمَّا أن يُشكّك فيها، أو يُحاربك بالرذيلة المضادة لها،
فإن كنت مُحباً للعفة يُحاربك بصور النساء !!
وإن كنت تُعطي الفقراء يحاول منعك أولاً، فإذا فشل يتّهمك بأنّك تبحث عن المجد الباطل،
وإن تحدّثت عن خبرة روحية من خبراتك لمنفعة غيرك بتواضع،
يدّعي أنّك تبحث عن الشهرة ومديح الناس..
وهكذا تتسلل إلينا أفكار عنكبوتية تتملك علينا وتُشعرنا بأننا نُخطيء في كل ما نقوم به من أعمال،
والأفضل أن ننعزل عن البشر، ونبتعد حتى عن الخدمة والصلوات العامة،
فيكفي أن نُصلى وحدنا حتى لا يمدحنا الناس..
إلاّ أنَّ مثل هذه الأفكار، ما أن تخرج لأب الاعتراف في جلسة روحية صادقة،
فسرعان ما تضمحل كالدخان، ولا يعود لها تأثير علينا لأنَّها مجرد حرب!
أمَّا خطورتها فتظهر لو أنَّها ظلت حبيسة في الداخل.
5-الانقسام الذاتيّ
وقد يرجع الشعور بالذنب إلى الانقسام الذاتيّ، الذي يتهدد طبيعتنا بمداومته،
فمن المعروف أنَّ الإنسان بعد السقوط، قد صار يحمل " الثنائية " في أعماقه:
النور والظلمة، الفرح والحزن.. في لحظة يتحرك من أقصى الخير إلى أقصى الشر،
دون أن يكون هناك سبب واضح أو دليل ملموس، وهذا يبدو واضحاً في الصلاة،
فقد اختبرنا جميعاً لحظات كثيرة، كنَّا في قمة العزاء الروحيّ والصفاء الذهنيّ..
ثم سرعان ما طاش فكرنا بلا سبب!
ولعل أعظم دليل على هذا التناقض، الذي قد أصاب الكائن البشريّ،
الصراع القائم بين النفس والجسد، فعلى الرغم من الارتباط الوثيق بينهما،
إلاَّ أنَّ الحياة أثبتت لنا أنَّ بين هذين الصديقين علاقة مضطربة يسودها التناقض والتعارض!
" لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ " (غل17:5).
إنَّها قمة المأساة عندما يحيا الإنسان في انقسام ذاتيّ أو تناقض وجدانيّ،
خاصة عندما يجد نفسه عاجزاً عن الاستغناء عما يكرهه ويريد أن يتخلص منه!
" لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ " (رو15:7).
ولكن سواء أردنا أو لم نرد، فنحن مضطرين أن نحيا هذا التناقض،
لأنَّ وجودنا في صميمه هو توتر بين حياتنا على الأرض والحياة الأبدية،
بين النفس والجسد، الوحدة الفردية والتعددية الجماعية.. وإن كنَّا نسعى جاهدين،
في سبيل حل كل ما في حياتنا من تلك المتعارضات الأليمة،
إلاَّ أننا نشعر بأنَّ الثنائية ضريبة باهظة فُرضت علينا بوصفنا كائنات خُلقت من طين ونور،
الطين هو تراب الأرض والنور هو نفخة الله المقدسة!
Comment