كتاب نزل الى الجحيم من قبل الصليب
الانبا كيرلس اسقف ميلانو
مقدمة الكتاب
إلي أبي القديس إبيفانيوس...
دعني أنقل لك كل ما هو في أعماقي أمام شريكي القارئ...
لقد قرأت عظتك العميقة عن سبت النور... وبعدما انتهيت منها رأيت نفسي كأني عائد من مكان بعيد... أو كنت عائشاً في زمان أنا لم أكن بعد مولوداً فيه...
لقد طار عقلي بأجنحة تأملاتك الروحية... طار بعيداً إلي الجلجثة... وهناك جلس ينظر متعمقاً إلي ذاك الذي "أصعدنا من العمق إلي النور... الذي أعطانا الحياة من الموت... الذي أنعم علينا بالحرية من العبودية... والذي جعل ظلمة الضلالة التي فينا تضيء من قِبَل إتيان المسيح الابن الكلمة" (من صلاة القسمة)...
كلماتك العميقة جذبتني معك... وبها رأيت مَن تحبه نفسي... رأيت السيد المسيح الذي هو حياة كل أحد ومُشتهي كل الأمم...
بتأملاتك الروحية اصطحبتني معك... وأريتني أحداث لساعات قليلة كلها مشاعر صادقة... رأيت القديس يوسف الرامي... ومعك نظرت إلي مشاعره وشجاعته في طلب جسد السيد المسيح ذاك الغريب... وبجوارك أوقفتني عند القديس نيقوديموس... وأريتني أحاسيسه وإخلاصه واهتمامه بأطياب السيد المسيح...
بتأملك أمسكتني بيدك... وأدخلتني معك من الأبواب الدهرية... وعرَّفتني كيف فُتِحَت هذه الأبواب... وكيف رُفِعَت أمام السيد المسيح ملك المجد...
وجذبتني معك للأعماق وهناك رأينا المقابلة المفرحة للمسيح القائم من بين الأموات مع آدم وكل بَنيه وهو يُصعِدّهم من ذلك السبي.
بعد العظة عدتُ إلي نفسي... وقلت كيف أبقي كل أيام حياتي مع المسيح الذي أحبني؟... كيف ألتصق به؟... كيف أتحد به؟... كيف أثبت فيه؟... كيف أتشوّق إلي محبته الحقيقية؟... كيف أمجدّ اسمه؟... كيف أتأمل في أقواله وأعماله؟
بصلوات السيدة العذراء القديسة مريم وبركة قداسة البابا شنودة الثالث تكون تأملات القديس إبيفانيوس سبب بركة ومنفعة لكل قارئ.
الأنبا كيرلس
أسقف ميلانو
سأنشر الكتاب علي حلقتين ولكن لي بعض النقاط ارغب في ذكرها في البداية...
1) الكتاب بعنوان: نزل إلي الجحيم... من قِبَل الصليب. عظة عن "سبت الفرح" للقديس إبيفانيوس أسقف قبرص.
2) ترجمها عن اليونانية د. جوزيف موريس فلتس مدير مؤسسة القديس باسيليوس
3) سيلاحظ القارئ ألفاظاً لم تعتاد اذنه او عينيه علي قراءته من قبل مثل... ألم ترتعد عندما حَمَلت علي يديك هذا الذي يرتعد منه الشاروبيم؟ ، اي خوف اعتراك وأنت تُعرّي الجسد الإلهي ، طوبي ليديك يا يوسف لأنهما لامستا اليدين الإلهيتين، طوبي ليديك اللتين مستّا جنب الإله الدامي.... ألخ
بالتأكيد أحبائي المعني واضح انه يتكلم عن الطبيعه الناسوتيه الموجوده في الإله المتجسد
4) أشكر من له تعب في مساعدتي في كتابه الكتاب في هذا الوقت القياسي لنشره علي حضراتكم في هذا التوقيت ليكافأه الله علي اتعابه وعلي خدمته.
الكاتب غادة منير
الحلقـــة الأولــــي
ما هذا الصمت الشديد الذي يُخيّم علي الأرض في هذا اليوم. صمت شديد وهدوء قاتل. الصمت شديد لأن الملك نائم، الأرض خشعت وهدأت لأن الإله المتجسد رقد بالجسد. وأقام الذين رقدوا منذ بداية الدهر. مات الإله –بالجسد- فارتعد الجحيم، رقد الإله – بالجسد - قليلاً فأنهض الذين في الجحيم.
أيها المخالفون، أين الاضطرابات والأصوات والضجّة التي أُثيرت ضد المسيح؟ أين الجماهير والثوار والجنود والفِرَق والأسلحة؟
أين الملوك والكهنة والقضاة المُدانين؟
أين المشاعل الموقدة والسيوف والصرخات المُدَوِّية؟
أين الجماهير المزمجرة والحرّاس غير المحتشمين؟
لقد ثَبُتَ – في الواقع وبالحقيقة - أن كل ما دبرّوه كان باطلاً ولا نتيجة له.
لقد ارتطموا بحجر الزاوية – المسيح - فتحطموا. ضربوا الصخرة الصلبة، لكنهم تلاشوا كتلاشي الأمواج عندما ترتطم بالصخور.
دقوا علي السِّندَان الصُّلب فتشتتوا إلي أجزاء متفرقة. رفعوا حجر الحياة علي خشبة، فتدحرج عليهم وقتلهم.
قيَّدوا الإله العظيم، فكانوا كَمَن يريدون تقييد شمشون الجبَّار، ففك المسيح الرباطات الأزلية، وعتق الغرباء والمخالفين.
وضع المسيح في باطن الأرض فكان كالشمس التي تغيب، وبالتالي نزل علي اليهود ظلام حالك.
اليوم تم الخلاص من ناحيتين، للذين هم علي الأرض وللذين هم - منذ الدهر- تحت الأرض.
اليوم خلاص العالم بأسره، المنظور وغير المنظور.
اليوم حضور السيد في ناحيتين؟
اليوم صار التدبير لجهتين.
اليوم تم نزول وتنازل ثنائي؟
اليوم تضاعفت محبة الله للبشر.
اليوم صار الافتقاد مزدوج.
نزل الإله من السماء إلي الأرض، ومن الأرض إلي ما تحتها. أبواب الجحيم تُفتَح، فتهللوا أيها الراقدين منذ الدهر، أيها الجالسين في الظلمة وظلال الموت استقبلوا النور البَهِيّ بفرح.
فالسيد يأتي بين عبيده، والإله بين الأموات، والحياة بين المائتين، والبريء بين المذنبين، والنور الذي لا يغيب بين الجالسين في الظلمة، المُحَرّر بين الأسري، والذي هو أعلي من السموات يأتي تحت الأرض. ونحن نؤمن أن المسيح بيننا علي الأرض. وأنه كان بين الأموات.
إذن فلننزل معه ونتعلّم مما نعلم عن ما هناك من أسرار. ولنعرف العجائب الخفيّة، الغير منظورة، التي تحت الأرض، ولنتعلّم كيف كُرزَ للذين هم أيضاً في الجحيم.
ولكن،
ماذا سيحدث عندما ينزل المسيح إلي الجحيم؟
أبنزول الإله إلي الجحيم يَخلُص الجميع بدون استثناء؟
لا.
لأنه كما علي الأرض، هكذا أيضاً هناك يخلّص الذين آمنوا به
فبالأمس (الجمعة العظيمة) رأينا ما لتدبيره، واليوم نري ما لسلطانه.
بالأمس رأينا آلامه واليوم نشهد لسيادته المطلقة.
بالأمس تبينّت ما لطبيعته البشرّية، واليوم ما للإلهية.
بالأمس لطموه، واليوم – ببرق لاهوته - يَشُقّ الجحيم المظلم.
بالأمس قيدّوه، واليوم هو الذي يُقَيِّد الطاغية (الشيطان بقيود لا تنحل).
بالأمس حكموا عليه، واليوم يُنعِم بالحريّة علي المحكوم عليهم (من قِبَل الخطية).
بالأمس استهزأ به كل مَن في حاشية بيلاطس، واليوم رأوه بوابو الجحيم فارتعدوا.
أيها الإنسان
تطلّع إذن إلي آلام المسيح التي تعجز الكلمات عن وصفها، تَطلَّع إليها وسَبِّح، تَطلَّع وسَبِّح، تَطلَّع ومَجِّد، تطلَّع وتحدّث بعجائب الله العظيمة.
انظر كيف أن الناموس يمضي وأن النعمة تُزهِر؟!
كيف تتراجع الرموز وتغيب الظلال وتَعُمّ الشمس كل المسكونة؟!
كيف يَبلَي القديم وتتأكد صحة الجديد؟!
كيف تمضي الأمور القديمة وتُزهِر الجديدة؟!
لقد كان هناك. في زمن آلام المسيح، في صهيون، شعبين معاً،
الشعب اليهودي كما كان هناك مَلِكَين:
بيلاطس وهيرودس، ورئيسي كهنة: حَنَّان وقيافا.
هكذا يتم الفصحان معاً، ينتهي الفصح اليهودي، ليبدأ فِصح المسيح.
في تلك الليلة قُدَّمَت ذبيحتان، تّم فيهما خلاصان:
خلاصاً للأحياء وخلاصاً للأموات.
فمن ناحية، قَبَضَ اليهود علي حَمَل الذبيحة ليذبحوه،
ومن جهة أخري قَبَضَ بعض الأممّيين علي الله المُتَّخِذ جسداً، وبينما بقي اليهود في الظلال سَعَت الأمم إلي رحمة الله.
اليهود يقيّدونه ويطردونه خارجاً، والأمم تَقبَله بكل فرح!
اليهود يقدّمون ذبيحة حيوانية، والأمم يفرحون بذبيحة الإله المُتَّخِذ طبيعة بشرّية.
اليهود يقدّمون ذبيحة الفصح تذكاراً لخروجهم من أرض مصر، والأمم –باحتفال القيامة- يعلنون خلاصهم من الضلال. وأين يحدث هذا؟ يحدث في صهيون مدينة الملك العظيم، حيث تّم الخلاص في وسط الأرض،
بيسوع ابن الله، المولود من الآب الحّي ومن الروح القدس المحيّي. الله هو الحياة من الحياة، وهو مُعطي الحياة بطبيعته، هو الذي وُلِدَ في مذود بين حيوانين (الثور والحمار) وبين الملائكة والبشر، هو الذي جعل شعبين يجتمعان فيه كحجرٍ الزاوية، وهو الذي كُرِزَ به في الناموس والأنبياء.
هو الذي ظَهَر علي جبل (تابور) بين موسى وإيليا.
هو الذي بينما كان مُعَلَّقاً بين اللصين اعترف به اللص اليمين إلهاً.
هو الذي يجلس علي كرسيه كديّان أبدي ليس في وسط هذه الحياة الحاضرة فقط، بل وفي وسط الحياة الآخرة.
هو الذي بوجوده بين الأحياء والأموات يمنح الحياة والخلاص معاً، وهو يمنح أيضاً حياة ثانية، وولادة ثانية، وتجديداً.
إذن، تَطَلَّع إلي ما يحدث وكَرِّم ولادة المسيح –المزدوجة والعجائبية- من الآب ومن العذراء بالروح القدس.
ملاك يُبَشِّر مريم والدة الإله بميلاد المسيح، وملاك آخر يُبَشِّر مريم المجدلية (بقيامة المسيح) من القبر.
في الليل يُلد المسيح في بيت لحم، وفي الليل أيضاً يُولَد من جديد (من بين الأموات) في صهيون.
يُلَفّ بالأقمطة عند ولادته، ويُلَفّ بالأكفان عن موته.
في ميلاده يَتَقَبّل الأطياب (من المجوس). وعند القبر توضع الأطياب علي جسده.
هناك يوسف خطيب مريم يخدمه، وهنا يوسف الرامي يَتَطَوّع لدفنه وهو حياة الكل.
كان مكان ميلاده مذود في بيت لحم، وكان القبر له كمذود وُلد فيه من جديد.
أوّل من بشّر بميلاد المسيح كانوا الرعاة، وأول من بشروا بولادته الجديدة من بين الأموات هم تلاميذ المسيح الذين هم رعاةً أيضاً.
هناك هتف الملاك قائلاً للعذراء: "افرحي"، وهنا هتف المسيح ملاك المشورة العظمي قائلاً للنسوة: "افرحن".
بعد أربعين يوماً من ميلاده دخل المسيح أورشليم الأرضية، أي إلي الهيكل،
ولأنه البكر قدّم لله زوج حمام،
وأيضاً بعد أربعين يوماً من قيامته دخل المسيح إلي أورشليم السمائية –التي لم يفارقها- إلي قدس الأقداس
ولأنه البكر بين الراقدين قدّم لله الآب زوج حمام بلا عيب أي النفس والجسد البشريين.
الانبا كيرلس اسقف ميلانو
مقدمة الكتاب
إلي أبي القديس إبيفانيوس...
دعني أنقل لك كل ما هو في أعماقي أمام شريكي القارئ...
لقد قرأت عظتك العميقة عن سبت النور... وبعدما انتهيت منها رأيت نفسي كأني عائد من مكان بعيد... أو كنت عائشاً في زمان أنا لم أكن بعد مولوداً فيه...
لقد طار عقلي بأجنحة تأملاتك الروحية... طار بعيداً إلي الجلجثة... وهناك جلس ينظر متعمقاً إلي ذاك الذي "أصعدنا من العمق إلي النور... الذي أعطانا الحياة من الموت... الذي أنعم علينا بالحرية من العبودية... والذي جعل ظلمة الضلالة التي فينا تضيء من قِبَل إتيان المسيح الابن الكلمة" (من صلاة القسمة)...
كلماتك العميقة جذبتني معك... وبها رأيت مَن تحبه نفسي... رأيت السيد المسيح الذي هو حياة كل أحد ومُشتهي كل الأمم...
بتأملاتك الروحية اصطحبتني معك... وأريتني أحداث لساعات قليلة كلها مشاعر صادقة... رأيت القديس يوسف الرامي... ومعك نظرت إلي مشاعره وشجاعته في طلب جسد السيد المسيح ذاك الغريب... وبجوارك أوقفتني عند القديس نيقوديموس... وأريتني أحاسيسه وإخلاصه واهتمامه بأطياب السيد المسيح...
بتأملك أمسكتني بيدك... وأدخلتني معك من الأبواب الدهرية... وعرَّفتني كيف فُتِحَت هذه الأبواب... وكيف رُفِعَت أمام السيد المسيح ملك المجد...
وجذبتني معك للأعماق وهناك رأينا المقابلة المفرحة للمسيح القائم من بين الأموات مع آدم وكل بَنيه وهو يُصعِدّهم من ذلك السبي.
بعد العظة عدتُ إلي نفسي... وقلت كيف أبقي كل أيام حياتي مع المسيح الذي أحبني؟... كيف ألتصق به؟... كيف أتحد به؟... كيف أثبت فيه؟... كيف أتشوّق إلي محبته الحقيقية؟... كيف أمجدّ اسمه؟... كيف أتأمل في أقواله وأعماله؟
بصلوات السيدة العذراء القديسة مريم وبركة قداسة البابا شنودة الثالث تكون تأملات القديس إبيفانيوس سبب بركة ومنفعة لكل قارئ.
الأنبا كيرلس
أسقف ميلانو
سأنشر الكتاب علي حلقتين ولكن لي بعض النقاط ارغب في ذكرها في البداية...
1) الكتاب بعنوان: نزل إلي الجحيم... من قِبَل الصليب. عظة عن "سبت الفرح" للقديس إبيفانيوس أسقف قبرص.
2) ترجمها عن اليونانية د. جوزيف موريس فلتس مدير مؤسسة القديس باسيليوس
3) سيلاحظ القارئ ألفاظاً لم تعتاد اذنه او عينيه علي قراءته من قبل مثل... ألم ترتعد عندما حَمَلت علي يديك هذا الذي يرتعد منه الشاروبيم؟ ، اي خوف اعتراك وأنت تُعرّي الجسد الإلهي ، طوبي ليديك يا يوسف لأنهما لامستا اليدين الإلهيتين، طوبي ليديك اللتين مستّا جنب الإله الدامي.... ألخ
بالتأكيد أحبائي المعني واضح انه يتكلم عن الطبيعه الناسوتيه الموجوده في الإله المتجسد
4) أشكر من له تعب في مساعدتي في كتابه الكتاب في هذا الوقت القياسي لنشره علي حضراتكم في هذا التوقيت ليكافأه الله علي اتعابه وعلي خدمته.
الكاتب غادة منير
الحلقـــة الأولــــي
ما هذا الصمت الشديد الذي يُخيّم علي الأرض في هذا اليوم. صمت شديد وهدوء قاتل. الصمت شديد لأن الملك نائم، الأرض خشعت وهدأت لأن الإله المتجسد رقد بالجسد. وأقام الذين رقدوا منذ بداية الدهر. مات الإله –بالجسد- فارتعد الجحيم، رقد الإله – بالجسد - قليلاً فأنهض الذين في الجحيم.
أيها المخالفون، أين الاضطرابات والأصوات والضجّة التي أُثيرت ضد المسيح؟ أين الجماهير والثوار والجنود والفِرَق والأسلحة؟
أين الملوك والكهنة والقضاة المُدانين؟
أين المشاعل الموقدة والسيوف والصرخات المُدَوِّية؟
أين الجماهير المزمجرة والحرّاس غير المحتشمين؟
لقد ثَبُتَ – في الواقع وبالحقيقة - أن كل ما دبرّوه كان باطلاً ولا نتيجة له.
لقد ارتطموا بحجر الزاوية – المسيح - فتحطموا. ضربوا الصخرة الصلبة، لكنهم تلاشوا كتلاشي الأمواج عندما ترتطم بالصخور.
دقوا علي السِّندَان الصُّلب فتشتتوا إلي أجزاء متفرقة. رفعوا حجر الحياة علي خشبة، فتدحرج عليهم وقتلهم.
قيَّدوا الإله العظيم، فكانوا كَمَن يريدون تقييد شمشون الجبَّار، ففك المسيح الرباطات الأزلية، وعتق الغرباء والمخالفين.
وضع المسيح في باطن الأرض فكان كالشمس التي تغيب، وبالتالي نزل علي اليهود ظلام حالك.
اليوم تم الخلاص من ناحيتين، للذين هم علي الأرض وللذين هم - منذ الدهر- تحت الأرض.
اليوم خلاص العالم بأسره، المنظور وغير المنظور.
اليوم حضور السيد في ناحيتين؟
اليوم صار التدبير لجهتين.
اليوم تم نزول وتنازل ثنائي؟
اليوم تضاعفت محبة الله للبشر.
اليوم صار الافتقاد مزدوج.
نزل الإله من السماء إلي الأرض، ومن الأرض إلي ما تحتها. أبواب الجحيم تُفتَح، فتهللوا أيها الراقدين منذ الدهر، أيها الجالسين في الظلمة وظلال الموت استقبلوا النور البَهِيّ بفرح.
فالسيد يأتي بين عبيده، والإله بين الأموات، والحياة بين المائتين، والبريء بين المذنبين، والنور الذي لا يغيب بين الجالسين في الظلمة، المُحَرّر بين الأسري، والذي هو أعلي من السموات يأتي تحت الأرض. ونحن نؤمن أن المسيح بيننا علي الأرض. وأنه كان بين الأموات.
إذن فلننزل معه ونتعلّم مما نعلم عن ما هناك من أسرار. ولنعرف العجائب الخفيّة، الغير منظورة، التي تحت الأرض، ولنتعلّم كيف كُرزَ للذين هم أيضاً في الجحيم.
ولكن،
ماذا سيحدث عندما ينزل المسيح إلي الجحيم؟
أبنزول الإله إلي الجحيم يَخلُص الجميع بدون استثناء؟
لا.
لأنه كما علي الأرض، هكذا أيضاً هناك يخلّص الذين آمنوا به
فبالأمس (الجمعة العظيمة) رأينا ما لتدبيره، واليوم نري ما لسلطانه.
بالأمس رأينا آلامه واليوم نشهد لسيادته المطلقة.
بالأمس تبينّت ما لطبيعته البشرّية، واليوم ما للإلهية.
بالأمس لطموه، واليوم – ببرق لاهوته - يَشُقّ الجحيم المظلم.
بالأمس قيدّوه، واليوم هو الذي يُقَيِّد الطاغية (الشيطان بقيود لا تنحل).
بالأمس حكموا عليه، واليوم يُنعِم بالحريّة علي المحكوم عليهم (من قِبَل الخطية).
بالأمس استهزأ به كل مَن في حاشية بيلاطس، واليوم رأوه بوابو الجحيم فارتعدوا.
أيها الإنسان
تطلّع إذن إلي آلام المسيح التي تعجز الكلمات عن وصفها، تَطلَّع إليها وسَبِّح، تَطلَّع وسَبِّح، تَطلَّع ومَجِّد، تطلَّع وتحدّث بعجائب الله العظيمة.
انظر كيف أن الناموس يمضي وأن النعمة تُزهِر؟!
كيف تتراجع الرموز وتغيب الظلال وتَعُمّ الشمس كل المسكونة؟!
كيف يَبلَي القديم وتتأكد صحة الجديد؟!
كيف تمضي الأمور القديمة وتُزهِر الجديدة؟!
لقد كان هناك. في زمن آلام المسيح، في صهيون، شعبين معاً،
الشعب اليهودي كما كان هناك مَلِكَين:
بيلاطس وهيرودس، ورئيسي كهنة: حَنَّان وقيافا.
هكذا يتم الفصحان معاً، ينتهي الفصح اليهودي، ليبدأ فِصح المسيح.
في تلك الليلة قُدَّمَت ذبيحتان، تّم فيهما خلاصان:
خلاصاً للأحياء وخلاصاً للأموات.
فمن ناحية، قَبَضَ اليهود علي حَمَل الذبيحة ليذبحوه،
ومن جهة أخري قَبَضَ بعض الأممّيين علي الله المُتَّخِذ جسداً، وبينما بقي اليهود في الظلال سَعَت الأمم إلي رحمة الله.
اليهود يقيّدونه ويطردونه خارجاً، والأمم تَقبَله بكل فرح!
اليهود يقدّمون ذبيحة حيوانية، والأمم يفرحون بذبيحة الإله المُتَّخِذ طبيعة بشرّية.
اليهود يقدّمون ذبيحة الفصح تذكاراً لخروجهم من أرض مصر، والأمم –باحتفال القيامة- يعلنون خلاصهم من الضلال. وأين يحدث هذا؟ يحدث في صهيون مدينة الملك العظيم، حيث تّم الخلاص في وسط الأرض،
بيسوع ابن الله، المولود من الآب الحّي ومن الروح القدس المحيّي. الله هو الحياة من الحياة، وهو مُعطي الحياة بطبيعته، هو الذي وُلِدَ في مذود بين حيوانين (الثور والحمار) وبين الملائكة والبشر، هو الذي جعل شعبين يجتمعان فيه كحجرٍ الزاوية، وهو الذي كُرِزَ به في الناموس والأنبياء.
هو الذي ظَهَر علي جبل (تابور) بين موسى وإيليا.
هو الذي بينما كان مُعَلَّقاً بين اللصين اعترف به اللص اليمين إلهاً.
هو الذي يجلس علي كرسيه كديّان أبدي ليس في وسط هذه الحياة الحاضرة فقط، بل وفي وسط الحياة الآخرة.
هو الذي بوجوده بين الأحياء والأموات يمنح الحياة والخلاص معاً، وهو يمنح أيضاً حياة ثانية، وولادة ثانية، وتجديداً.
إذن، تَطَلَّع إلي ما يحدث وكَرِّم ولادة المسيح –المزدوجة والعجائبية- من الآب ومن العذراء بالروح القدس.
ملاك يُبَشِّر مريم والدة الإله بميلاد المسيح، وملاك آخر يُبَشِّر مريم المجدلية (بقيامة المسيح) من القبر.
في الليل يُلد المسيح في بيت لحم، وفي الليل أيضاً يُولَد من جديد (من بين الأموات) في صهيون.
يُلَفّ بالأقمطة عند ولادته، ويُلَفّ بالأكفان عن موته.
في ميلاده يَتَقَبّل الأطياب (من المجوس). وعند القبر توضع الأطياب علي جسده.
هناك يوسف خطيب مريم يخدمه، وهنا يوسف الرامي يَتَطَوّع لدفنه وهو حياة الكل.
كان مكان ميلاده مذود في بيت لحم، وكان القبر له كمذود وُلد فيه من جديد.
أوّل من بشّر بميلاد المسيح كانوا الرعاة، وأول من بشروا بولادته الجديدة من بين الأموات هم تلاميذ المسيح الذين هم رعاةً أيضاً.
هناك هتف الملاك قائلاً للعذراء: "افرحي"، وهنا هتف المسيح ملاك المشورة العظمي قائلاً للنسوة: "افرحن".
بعد أربعين يوماً من ميلاده دخل المسيح أورشليم الأرضية، أي إلي الهيكل،
ولأنه البكر قدّم لله زوج حمام،
وأيضاً بعد أربعين يوماً من قيامته دخل المسيح إلي أورشليم السمائية –التي لم يفارقها- إلي قدس الأقداس
ولأنه البكر بين الراقدين قدّم لله الآب زوج حمام بلا عيب أي النفس والجسد البشريين.
Comment