الموضوع سينشر على مراحل
رغم أن الكثير من الشباب المسيحي لم يسمع بأحمد ديدات الا أن كتابه هو من الكتب المعتمدة في العالم الاسلامي لتشويه المسيحيةو النيل منها و رغم أن ادعاءاته من السخافة لدرجة كبيرة بحيث لاتشوس أذهان المسيحيين الا أنها و بلا شك قادرة على تشويش أذهان من حولنا من المسلمين و فيما يلي الرد عليه.
صَلْب المسيح حقيقة لا افتراء
رد جون جلكرايست على كتاب أحمد ديدات " صَلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء"
في هذا الكتاب:
مقدمة
1- هل خطط المسيح لمحاولة انقلاب؟
2- صورة المسيح في كتيب ديدات.
3- هل دافع المسيح عن نفسه وقت محاكمته؟
4- نظرية أن المسيح بقي حياً بعد صلْبه.
5- تصريحات طائشة في كتيب ديدات.
6- حقائق إنجيلية يطمسها ديدات متعمداً.
مقدمة
يشبه الكتاب المقدس سندان الحدّاد الذي تحطمت عليه مطارق كثيرة، ورغم ذلك فإن أعداء الإنجيل لا يكلّون من محاولة تحطيمه! وأحمد ديدات، المنتمي إلى " مركز نشر الدعوة الإسلامية " في دربن بجنوب أفريقيا أحد هؤلاء،فكتب كتيباً عنوانه " هل صُلب المسيح؟ " تم توزيع ما يزيد من مائة ألف نسخة منه، ثم شنَّ في كتيبه بعنوان " صلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء." هجوماً جديداً على العقيدة المسيحية!
ومجمل موضوع كتيبه هذا أن المسيح كان صاحب طبع و خلق ضعيفين، وأنه دبر لانقلاب فاشل في أورشليم، وأنه بطريق الصدفة بقي حياً بعد صلبه. وهذه النظرية ليس لها سند في الإنجيل، كما أنها تتناقض مع القرآن الذي يذكر أن المسيح لم يُعلق أبداً على صليب ( سورة النساء 157 ) . ودعاة هذه النظرية هم فقط طائفة الأحمدية في باكستان، والذين تم الإعلان عنهم أنهم أقلية " غير مسلمة ".
ولا نعلم لماذا يناصر ديدات قضية طائفة مشبوهة، ولماذا يدعو إلى نظرية ملعونة من المسيحيين والمسلمين على السواء؟
وسنفند هنا ما جاء في كتيب ديدات، مركزين فقط على الموضوع الذي نحن بصدده، دون التعرض لموضوعات كثيرة في كتيبه خرج فيها ديدات عن صُلب الموضوع، أو لأنه كتب مجرد نظريات واحتمالات لا تمت للحقيقة والواقع بصلة.
-1-
هل خطط المسيح لمحاولة انقلاب فاشلة؟
يذكر ديدات في أول كتيبه أن المسيح خطط لانقلاب خلال الأسبوع الأخير الذي أمضاه في أورشليم، ولكن التخطيط فشل! وتحت عنوان " انقلاب لم يتم " يقول ديدات " .... آماله الضخمة لن تتحقق. انتهى العرض نهاية هزيلة " ( ص10 ).
وأنها بالتأكيد مفاجأة لكل المسيحيين والمسلمين أن يسمعوا لأول مرة بعد ما يقرب من عشرين قرناً أن المسيح كان يخطط لانقلاب سياسي! مع أن المسيح كان يحرص باستمرار أن يجنب نفسه التورط في السياسة! لقد رفض أن يقحم نفسه في مناقشة حول أحقية دفع الضرائب للرومان المستبدين ( لوقا 19:20-26 )، كما انسحب من وسط الجموع حينما أرادوا أن ينصبوه ملكاً سياسياً ( يوحنا 15:6 )، وعلّم تلاميذه ألاّ يسعوا وراء سلطة سياسية ( لوقا 25:22-27 ).
لقد بذل اليهود كل ما في وسعهم لإقناع بيلاطس الحاكم الروماني أن المسيح كان يدعو لثورة ضد قيصر ( لوقا 2:23 ) ولكن بيلاطس لم يقتنع! بل حتى ديدات نفسه يناقض نفسه ويقول أن هذه التهمة " كانت تهمة زائفة " وأن المسيح يبدو غير مسبِّب لأي خطر ولم يكن مشاغباً ولا إرهابياً معادياً للنظام ( ص27 ). ثم يقول " لقد كانت مملكته روحية، وكانت رئاسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال " ( ص27 ).
لذلك يبدو أمراً بالغ الغرابة أن نجده يحاول في موضع آخر من كتيبه أن يثبت أن المسيح كان في الحقيقة يدبر لانقلاب سياسي ليخلص اليهود من مستعمريهم. لكن تعليقاته في صفحة 27 من كتيبه – ودون أن يدري – سحبت البساط من تحته أطروحته ونظريته، إذ اعترف أن المسيح لم يكن يخطط لثورة.
على أن هذه النظرية لا يقرها عقل، ومع ذلك فإن ديدات حاول برهنتها بإشارته إلى قول المسيح لتلاميذه ( عند القبض عليه ) أنهم يجب أن يبيعوا ثيابهم ويشتروا سيفاً ( لوقا 36:22 ). ويفسر ديدات هذا القول بأن المسيح كان يدعوهم للتسلُّح والاستعداد " للجهاد" و " الحرب المقدسة "! على أن إجابة التلاميذ على تعليق المسيح تبين خطأ ديدات، فقد أجابوا " يا رب هوذا هنا سيفان " فقال لهم " يكفي " ( لوقا 38:22 ).
ومن المستحيل أن سيفين " يكفيان " لتدبير ثورة! فمن الواضح أن المسيح كان يعني " يكفي من هذا "( أي من عدم فهمكم لما أقول).ولكن لأن ديدات يحاول إقناع قرائه أن المسيح كان يخطط لانقلاب، أجهد نفسه مجادلاً بأن سيفين كانا كافيين للإطاحة بكل النظام اليهودي في إسرائيل، ثم بمستعمريهم الرومان. وكما هو متوقع، فإن جداله لا يمكن أن يصل لدرجة الإقناع. وهو يلجأ هارباً إلى الخيال، محاولاً الإيحاء أن تلاميذ المسيح كانوا " مسلحين بعصي وحجارة " ( ص13 ) كغوغاء متمردين. ولا يوجد في الإنجيل أي دليل يؤيد هذا الزعم الذي يثيره ديدات، ولكنه يخرج عن منطق الأحداث ويقول أن المسيح اعتبر أن سيفان يكفيان لتدبير ثورة كبيرة! وفي موضع آخر يقول ديدات " كان تلاميذه الأقربون دائماً لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله " ( ص23 ).
وكلمة " دائما " مطبوعة بحروف بارزة! ومرة أخرى يناقض ديدات نفسه بغير فطنه! فلو أن المسيح كان يقصد أن يسلّح تلاميذه ( كما يزعم ديدات ) يكون التلاميذ قد فهموه تماماً. على أن الحقيقة هي أنهم أساءوا فهمه. والدليل على ذلك موجود في نص الإنجيل، فالمسيح يقول " ... فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ»" ( لوقا 37:22 ).
والمسيح هنا يقتبس ما ورد في سفر إشعياء أصحاح 53، وهو أصحاح نبوي كُتب حوالي سبعمائة سنه قبل المسيح، وفيه يتنبأ إشعياء بآلام المسيا نيابة عن شعبه، وقال أنه سيقدم نفسه ذبيحة خطية ( إشعياء 10:53 ). والآية الكاملة التي أقتبسها المسيح هي " لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ " ( إشعياء 12:53 ).
وقال المسيح بوضوح إن هذه النبوة كانت على وشك أن تتحقق فيه، ومعناها واضح بكل جلاء. سوف " يسكب للموت نفسه " في اليوم التالي على الصليب، وسوف " يُحصى مع أثمة " ( وقد تم صلبه بين لصين- لوقا33:23 ) وأيضاً سوف " يحمل خطية كثيرين " لما قدم نفسه كفارة عن خطايا العالم على الصليب وسوف " يشفع في المذنبين "( لقد صلى من أجل قاتليه على الصليب- لوقا 34:23 ). ومن أجل عمل النعمة هذا فإن الله سيعطيه " من تعب نفسه فيرى ويشبع " ( إشعياء 11:53 ) كما سوف يعطيه " غنيمة انتصاره " – نبوّة صريحة عن قيامته من الأموات.
يتجاهل ديدات كل تصريحات المسيح، لأنها تتعارض من غرضه! لكن من الواضح أن المسيح كان يتوقع صلْبه وموته وقيامته من الأموات كمخلص العالم، وأنه لم يكن يخطط لانقلاب. كانت الأحداث الوشيكة الوقوع ستأخذ المسيح من بين تلاميذه، وكانت تحريضاته لهم ليشتروا " أكياساً ومزواد وسيوفاً " تعبيراً دارجاً نصحهم به ليستعدوا لكسب معيشتهم عندما يفارقهم.
ترتكز نظرية ديدات عن الانقلاب الفاشل على زعمه أن دخول المسيح أورشليم قبل ذلك بأسبوع واحد، وسط جمع من التلاميذ يهللون له كالمسيا، كان زحفاً نحو أورشليم. ويقول " أخفق الزحف نحو أورشليم "( ص21 ).
وتحت عنوان " زحف نحو أورشليم " يسلم ديدات أن المسيح دخل المدينة بصورة رمزية راكباً على جحش، وليس الجحش وسيلة انتقال تصلح لانقلاب، ولكن المسيح اختار هذه الوسيلة لأن الجحش يرمز للسلام وليونة الطبع، وقد أراد بذلك أن يظهر لأورشليم أنه قادم إليها في مهمة سلام متمماً وعد الله المسجل في نبوة أخرى جاءت من قرون عديدة ماضية " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" ( زكريا 9:9 ).
لقد جاء في وداعة وسلام راكباً حيواناً يرمز إلى غرضه " ويَتَكَلمُ بِالسَلاَمِ لْلأُمَمَ ". هكذا تستمر النبوة في سفر زكريا10:9. فما أسخف وما أغرب لا معقولية زعم ديدات أن المسيح كان على رأس " زَحْف " أو أنه كان يحرض على " كفاح مسلح " عنيف حسب ما يحدث في أيامنا هذه!
ويتجاهل ديدات – حسبما يمليه عليه هدفه ويناسبه – أن المسيح وهو على وشك أن يقبض عليه سأله تلاميذه " يَا رَبُّ أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟" ( لوقا 49:22 ) وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقط أذنه. ولكن المسيح وبَّخ تلميذه وشفى الرجل الذي جُرح. وفي هذا برهان على أن المسيح لم يكن يخطط لانقلب مدمر بأي حال من الأحوال، ولكنه قدّم أسمى لفتة حب للعالم، وهو الذي جاء ليموت على الصليب من أجل خطايا الإنسان، تحقيقاً للنبوة القديمة " وَأُزِيلُ إِثْمَ تِلْكَ الأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ " ( زكريا 9:3 ).
لقد حل هذا اليوم، وكان المسيح يعد نفسه " ليتمم فداء أبدياً " ( عبرانيين 12 :9 ) بحَمْل خطايا العالم في يوم الجمعة العظيمة، والذي لأجله قد جاء.
إن إدعاء ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب فاشل إهانة بالغة لجلال نعمة المسيح، وتهكم سيئ لا يتوقعه إنسان من ديدات الذي يُفترض فيه أنه يؤمن أن المسيح من أعظم الرجال الذين عاشوا على مر العصور.
وواضح من كتابة ديدات أنه لم يؤدِّ أي تدريبات عسكرية. وجهله بهذا الميدان ينكشف في صفحة 14 من كتيبه حيث يزعم أن المسيح أصطحب بطرس ويعقوب ويوحنا معه إلى بستان جثسيماني كخط دفاع داخلي، بينما كان يحرس البوابة ثمانية آخرون. ويزعم ديدات أن هذا كان تكتيكاً بارعاً " يستحق أن يُكرّم من أجله أي ضابط تخرّج من ساند هرست – وهي أكاديمية عسكرية ذائعة الصيت في إنجلترا " ( صفحة 14 ). وقد علَّق ضابط سابق بالجيش البريطاني على هذا الزعم أته لم يسمع مطلقاً مثل هذه الأشياء تُدرس في ساند هرست!! ويقول ديدات عن الثمانية تلاميذ الذين تركهم المسيح عند مدخل البستان إنه " يمركزهم بخطة استراتيجية عند مدخل البستان مدججين السلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح " ( صفحة 14 ).
ويستطرد قائلاً إن المسيح أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا " هؤلاء المملوئين غيرة، والمتطرفين في الحماسة ( الأيرلنديون المحاربون في عصرهم )" ( صفحة 14 )، ليجهز خط دفاعه الداخلي.
ولكن جدل ديدات يتداعى أمام التحليل الدقيق. لقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا صيادي سمك مسالمين من الجليل ( كان واحد فقط من تلاميذ يسوع يُدعى الغيور ولكنه لم يكن أحد هؤلاء الثلاثة - لوقا 15:6 ) ولقد كانوا الدائرة الأقرب له من بين تلاميذه طوال فترة خدمته. ففي مناسبة التجلي صعد هؤلاء الثلاثة فقط معه الجبل، بينما اختلط باقي التلاميذ بالجماهير أسفل الجبل ( متى 1:17، 14-16 ). وحينما أقام ابنة يايرس من الموت، اصطحب معه نفس التلاميذ الثلاثة إلى داخل المنزل ( لوقا 51:8 ). وهذا يُظهر لنا بوضوح أن المسيح لم يكن يخطط لدفاع بارع في جثسيماني عندما اصطحبهم معه إلى داخل البستان. لقد كان ينشد رفقتهم في مناسبة هامة لأنهم الصُّحبة الحميمة وأقرب تلاميذه إليه. كل هذا يُظهر بصفة قاطعة أن نظرية ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب، هي كلام خالٍ من المعنى وغير معقول.
-2-
صورة المسيح في كتيب ديدات
من الغريب في كتيب ديدات الصورة التي يقدم بها المسيح، لأن المفروض أن يحترم المسلمون المسيح كالمسيا وأحد أعظم أنبياء الله. ولكن في كتيب ديدات تصريحان فيهما اعتداء صارخ على المسيحيين، وفيهما بالتأكيد إيذاء للمسلمين المخلصين الذين تعلموا أن يحترموا المسيح كرجل فضيلة وكرامة.
اسمع ديدات يقول " لقد أخفق المسيح في أن ينتبه إلى تحذير الفريسيين ليضع حداً لحيوية ونشاط تلاميذه الزائديْن ( لوقا 39:19 ). لقد أخطأ حساب المعركة وعليه الآن أن يدفع ثمن فشله " ( صفحة 10 ).
وفي صفحة أخرى يقول " أخطأ المسيح في الحساب خطأً مزدوجاً " ( صفحة 19 ) وذلك حينما ظن أن باستطاعته الاعتماد على تلاميذه للدفاع عنه، وأنه لن يحتاج للتعامل إلا مع اليهود فقط. وكما لو أن هذه المزاعم لم تكن كافية للإساءة إلى المسيح، يستطرد ديدات ليتكلم عن " أن يسوع كان ينفث غضباً ". ويملأ ديدات مكيال افتراءاته بقوله " أن المسيح كان أبأس الرسل حظاً " (صفحة 23 ).
ليس لدينا أدنى شك أن المسلمون يعتبرون هذا التصريح في غاية العدوانية، ولا يتردد المسيحيون في اعتباره تجديفاً. وبالرغم من ذلك فلسنا نرغب أن نعبر عن سخط عاطفي، بل أن نوضح كم هي غبية وواهية مزاعم ديدات!
إن كل ما نحتاج إليه هو تحليل سريع للساعات الأخيرة في حياة المسيح قبل صلبه، ليتضح أنه لا أساس بالمرة للادعاء بأن المسيح أخطأ في حساباته، أو أنه كان ينفث غضباً. فأن كل ما قاله المسيح في آخر ليلة أمضاها مع تلاميذه يُظهر إدراكه الكامل لكل ما كان سيحل به، واستعداده لأن يتحمل ذلك. لقد كان يعرف أن يهوذا الإسخريوطي سيخزنه ( مرقس 18:14 ) بل إنه كان يعرف ذلك لمدة طويلة ( كما يتضح من يوحنا 64:6 ). وكان يعرف أن بطرس سينكره ثلاث مرات ( متى 34:26 ). كما تنبأ بأنه سيتم القبض عليه، وأن كل تلاميذه سيتخلون عنه ( مرقس 27:14 ). ولسنا نجد أي سند بالمرة لزعم ديدات أن المسيح " كان يأمل أن يحارب تلاميذه لإنقاذه، وأنه أخطأ في تقديراته ". فقد كان المسيح يقدّر بالضبط ما سيحدث، وتنبأ بكل ما فعله تلاميذه جميعاً، وقد حدث بالتمام ما قال إنهم سيفعلونه!
لقد قال لهم باستمرار في تلك الليلة المصيرية إنه على وشك أن يتركهم ( يوحنا 33:13، 23:14، 28، 5:16 ) ويجب أن لا تخور عزيمتهم حيث أن الآمه ستكون متمشية تماماً مع ورد في نبوات الأنبياء السابقين ( لوقا 22:22 ). وعندما جاء اليهود أخيراً للقبض عليه – واستبعاداً لأن يكون هناك إعداد لأي نوع من أنواع الدفاع – سلّم نفسه لأعدائه، كما نقرأ " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. " ( يوحنا 5،4:18 ).
" فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ " كان يعلم أنه سيُصلب ويُقتل، ولكنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، كما تنبأ بذلك مراراً بكلام صريح ( متى 22:17، 23، 19:20 لوقا 22:9، 18-33:31 ). لم تكن هناك أي حاجة لتصفية حسب مع اليهود. فلو أراد المسيح أن يتجنب القبض عليه لغادر أورشليم قبل حدوث ذلك! غير أنه ذهب إلى ذات المكان الذي علم أن يهوذا الإسخريوطي سيقود اليهود للبحث عنه فيه ( يوحنا 2:8 )، وعندما حضروا سلّم نفسه إليهم طواعية. وأكثر من هذا، فإن المسيح لم يكن في حاجة للمجهودات الشجاعة لأحد عشر تلميذاً للدفاع عنه! فقد قال بوضوح أنه يقدر أن يستدعي أثنى عشر جيشاً من الملائكة ليساعدوه، لو أنه أراد ذلك (متى 53:26 ). علماً بأن ملاكاً واحداً فقط كان يقدر أن يبيد مدناً وجيوشاً ( 2 صموئيل 16:24، 2 ملوك 35:19 ) وأن المرء ليرتعد رعباً من التفكير فيما كان اثنا عشر جيشاً من الملائكة سيفعلونه لحمايته، لو أنه استدعاهم ليفعلوا ذلك.
ليس هناك أذن أية قيمة لزعم ديدات أن المسيح كان يتآمر ويخطط، وأنه فشل نتيجة سؤ تقديره. على العكس من ذلك، فإنه كان يعلم بالتدقيق ما سيحدث له! وبقدْر ما هو مستبعد تماماً أن يكون " فاشلاً " فقد أصبح أكثر الناس الذين عاشوا في أي عصر نجاحاً – فهو الرجل الأوحد الذي أقام نفسه من الأموات إلى حياة ومجد أبديين. ابراهيم مات وموسى مات، وكل البشر ماتوا ولا زال الموت يمسك بهم في قبضته إلى يومنا هذا. أما " مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ " ( 2 تي 10:1 ). لقد أنتصر على الموت وصعد إلى السموات حيث دوماً يسود. فيا لهول إهانة ديدات وافتراضه أن المسيح أكثر رسل الله سوء حظ. مع أنه أعظم رجل عاش على مر العصور!
لقد وضح الآن كما - سيتضح أكثر فيما يلي – أن كتيب ديدات ما هو إلا تشويه وتحريف للكتاب المقدس. فهو يحرف معنى النصوص التي يشعر أنه يمكن أن يلويها لخدمة غرضه، كما أنه يخفي ويتجنب نصوصاً أخرى لأنها تدحض نظريته تماماً.
و للحديث بقية............
رغم أن الكثير من الشباب المسيحي لم يسمع بأحمد ديدات الا أن كتابه هو من الكتب المعتمدة في العالم الاسلامي لتشويه المسيحيةو النيل منها و رغم أن ادعاءاته من السخافة لدرجة كبيرة بحيث لاتشوس أذهان المسيحيين الا أنها و بلا شك قادرة على تشويش أذهان من حولنا من المسلمين و فيما يلي الرد عليه.
صَلْب المسيح حقيقة لا افتراء
رد جون جلكرايست على كتاب أحمد ديدات " صَلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء"
في هذا الكتاب:
مقدمة
1- هل خطط المسيح لمحاولة انقلاب؟
2- صورة المسيح في كتيب ديدات.
3- هل دافع المسيح عن نفسه وقت محاكمته؟
4- نظرية أن المسيح بقي حياً بعد صلْبه.
5- تصريحات طائشة في كتيب ديدات.
6- حقائق إنجيلية يطمسها ديدات متعمداً.
مقدمة
يشبه الكتاب المقدس سندان الحدّاد الذي تحطمت عليه مطارق كثيرة، ورغم ذلك فإن أعداء الإنجيل لا يكلّون من محاولة تحطيمه! وأحمد ديدات، المنتمي إلى " مركز نشر الدعوة الإسلامية " في دربن بجنوب أفريقيا أحد هؤلاء،فكتب كتيباً عنوانه " هل صُلب المسيح؟ " تم توزيع ما يزيد من مائة ألف نسخة منه، ثم شنَّ في كتيبه بعنوان " صلْب المسيح بين الحقيقة والافتراء." هجوماً جديداً على العقيدة المسيحية!
ومجمل موضوع كتيبه هذا أن المسيح كان صاحب طبع و خلق ضعيفين، وأنه دبر لانقلاب فاشل في أورشليم، وأنه بطريق الصدفة بقي حياً بعد صلبه. وهذه النظرية ليس لها سند في الإنجيل، كما أنها تتناقض مع القرآن الذي يذكر أن المسيح لم يُعلق أبداً على صليب ( سورة النساء 157 ) . ودعاة هذه النظرية هم فقط طائفة الأحمدية في باكستان، والذين تم الإعلان عنهم أنهم أقلية " غير مسلمة ".
ولا نعلم لماذا يناصر ديدات قضية طائفة مشبوهة، ولماذا يدعو إلى نظرية ملعونة من المسيحيين والمسلمين على السواء؟
وسنفند هنا ما جاء في كتيب ديدات، مركزين فقط على الموضوع الذي نحن بصدده، دون التعرض لموضوعات كثيرة في كتيبه خرج فيها ديدات عن صُلب الموضوع، أو لأنه كتب مجرد نظريات واحتمالات لا تمت للحقيقة والواقع بصلة.
-1-
هل خطط المسيح لمحاولة انقلاب فاشلة؟
يذكر ديدات في أول كتيبه أن المسيح خطط لانقلاب خلال الأسبوع الأخير الذي أمضاه في أورشليم، ولكن التخطيط فشل! وتحت عنوان " انقلاب لم يتم " يقول ديدات " .... آماله الضخمة لن تتحقق. انتهى العرض نهاية هزيلة " ( ص10 ).
وأنها بالتأكيد مفاجأة لكل المسيحيين والمسلمين أن يسمعوا لأول مرة بعد ما يقرب من عشرين قرناً أن المسيح كان يخطط لانقلاب سياسي! مع أن المسيح كان يحرص باستمرار أن يجنب نفسه التورط في السياسة! لقد رفض أن يقحم نفسه في مناقشة حول أحقية دفع الضرائب للرومان المستبدين ( لوقا 19:20-26 )، كما انسحب من وسط الجموع حينما أرادوا أن ينصبوه ملكاً سياسياً ( يوحنا 15:6 )، وعلّم تلاميذه ألاّ يسعوا وراء سلطة سياسية ( لوقا 25:22-27 ).
لقد بذل اليهود كل ما في وسعهم لإقناع بيلاطس الحاكم الروماني أن المسيح كان يدعو لثورة ضد قيصر ( لوقا 2:23 ) ولكن بيلاطس لم يقتنع! بل حتى ديدات نفسه يناقض نفسه ويقول أن هذه التهمة " كانت تهمة زائفة " وأن المسيح يبدو غير مسبِّب لأي خطر ولم يكن مشاغباً ولا إرهابياً معادياً للنظام ( ص27 ). ثم يقول " لقد كانت مملكته روحية، وكانت رئاسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال " ( ص27 ).
لذلك يبدو أمراً بالغ الغرابة أن نجده يحاول في موضع آخر من كتيبه أن يثبت أن المسيح كان في الحقيقة يدبر لانقلاب سياسي ليخلص اليهود من مستعمريهم. لكن تعليقاته في صفحة 27 من كتيبه – ودون أن يدري – سحبت البساط من تحته أطروحته ونظريته، إذ اعترف أن المسيح لم يكن يخطط لثورة.
على أن هذه النظرية لا يقرها عقل، ومع ذلك فإن ديدات حاول برهنتها بإشارته إلى قول المسيح لتلاميذه ( عند القبض عليه ) أنهم يجب أن يبيعوا ثيابهم ويشتروا سيفاً ( لوقا 36:22 ). ويفسر ديدات هذا القول بأن المسيح كان يدعوهم للتسلُّح والاستعداد " للجهاد" و " الحرب المقدسة "! على أن إجابة التلاميذ على تعليق المسيح تبين خطأ ديدات، فقد أجابوا " يا رب هوذا هنا سيفان " فقال لهم " يكفي " ( لوقا 38:22 ).
ومن المستحيل أن سيفين " يكفيان " لتدبير ثورة! فمن الواضح أن المسيح كان يعني " يكفي من هذا "( أي من عدم فهمكم لما أقول).ولكن لأن ديدات يحاول إقناع قرائه أن المسيح كان يخطط لانقلاب، أجهد نفسه مجادلاً بأن سيفين كانا كافيين للإطاحة بكل النظام اليهودي في إسرائيل، ثم بمستعمريهم الرومان. وكما هو متوقع، فإن جداله لا يمكن أن يصل لدرجة الإقناع. وهو يلجأ هارباً إلى الخيال، محاولاً الإيحاء أن تلاميذ المسيح كانوا " مسلحين بعصي وحجارة " ( ص13 ) كغوغاء متمردين. ولا يوجد في الإنجيل أي دليل يؤيد هذا الزعم الذي يثيره ديدات، ولكنه يخرج عن منطق الأحداث ويقول أن المسيح اعتبر أن سيفان يكفيان لتدبير ثورة كبيرة! وفي موضع آخر يقول ديدات " كان تلاميذه الأقربون دائماً لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله " ( ص23 ).
وكلمة " دائما " مطبوعة بحروف بارزة! ومرة أخرى يناقض ديدات نفسه بغير فطنه! فلو أن المسيح كان يقصد أن يسلّح تلاميذه ( كما يزعم ديدات ) يكون التلاميذ قد فهموه تماماً. على أن الحقيقة هي أنهم أساءوا فهمه. والدليل على ذلك موجود في نص الإنجيل، فالمسيح يقول " ... فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضاً هَذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ»" ( لوقا 37:22 ).
والمسيح هنا يقتبس ما ورد في سفر إشعياء أصحاح 53، وهو أصحاح نبوي كُتب حوالي سبعمائة سنه قبل المسيح، وفيه يتنبأ إشعياء بآلام المسيا نيابة عن شعبه، وقال أنه سيقدم نفسه ذبيحة خطية ( إشعياء 10:53 ). والآية الكاملة التي أقتبسها المسيح هي " لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ " ( إشعياء 12:53 ).
وقال المسيح بوضوح إن هذه النبوة كانت على وشك أن تتحقق فيه، ومعناها واضح بكل جلاء. سوف " يسكب للموت نفسه " في اليوم التالي على الصليب، وسوف " يُحصى مع أثمة " ( وقد تم صلبه بين لصين- لوقا33:23 ) وأيضاً سوف " يحمل خطية كثيرين " لما قدم نفسه كفارة عن خطايا العالم على الصليب وسوف " يشفع في المذنبين "( لقد صلى من أجل قاتليه على الصليب- لوقا 34:23 ). ومن أجل عمل النعمة هذا فإن الله سيعطيه " من تعب نفسه فيرى ويشبع " ( إشعياء 11:53 ) كما سوف يعطيه " غنيمة انتصاره " – نبوّة صريحة عن قيامته من الأموات.
يتجاهل ديدات كل تصريحات المسيح، لأنها تتعارض من غرضه! لكن من الواضح أن المسيح كان يتوقع صلْبه وموته وقيامته من الأموات كمخلص العالم، وأنه لم يكن يخطط لانقلاب. كانت الأحداث الوشيكة الوقوع ستأخذ المسيح من بين تلاميذه، وكانت تحريضاته لهم ليشتروا " أكياساً ومزواد وسيوفاً " تعبيراً دارجاً نصحهم به ليستعدوا لكسب معيشتهم عندما يفارقهم.
ترتكز نظرية ديدات عن الانقلاب الفاشل على زعمه أن دخول المسيح أورشليم قبل ذلك بأسبوع واحد، وسط جمع من التلاميذ يهللون له كالمسيا، كان زحفاً نحو أورشليم. ويقول " أخفق الزحف نحو أورشليم "( ص21 ).
وتحت عنوان " زحف نحو أورشليم " يسلم ديدات أن المسيح دخل المدينة بصورة رمزية راكباً على جحش، وليس الجحش وسيلة انتقال تصلح لانقلاب، ولكن المسيح اختار هذه الوسيلة لأن الجحش يرمز للسلام وليونة الطبع، وقد أراد بذلك أن يظهر لأورشليم أنه قادم إليها في مهمة سلام متمماً وعد الله المسجل في نبوة أخرى جاءت من قرون عديدة ماضية " اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" ( زكريا 9:9 ).
لقد جاء في وداعة وسلام راكباً حيواناً يرمز إلى غرضه " ويَتَكَلمُ بِالسَلاَمِ لْلأُمَمَ ". هكذا تستمر النبوة في سفر زكريا10:9. فما أسخف وما أغرب لا معقولية زعم ديدات أن المسيح كان على رأس " زَحْف " أو أنه كان يحرض على " كفاح مسلح " عنيف حسب ما يحدث في أيامنا هذه!
ويتجاهل ديدات – حسبما يمليه عليه هدفه ويناسبه – أن المسيح وهو على وشك أن يقبض عليه سأله تلاميذه " يَا رَبُّ أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟" ( لوقا 49:22 ) وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقط أذنه. ولكن المسيح وبَّخ تلميذه وشفى الرجل الذي جُرح. وفي هذا برهان على أن المسيح لم يكن يخطط لانقلب مدمر بأي حال من الأحوال، ولكنه قدّم أسمى لفتة حب للعالم، وهو الذي جاء ليموت على الصليب من أجل خطايا الإنسان، تحقيقاً للنبوة القديمة " وَأُزِيلُ إِثْمَ تِلْكَ الأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ " ( زكريا 9:3 ).
لقد حل هذا اليوم، وكان المسيح يعد نفسه " ليتمم فداء أبدياً " ( عبرانيين 12 :9 ) بحَمْل خطايا العالم في يوم الجمعة العظيمة، والذي لأجله قد جاء.
إن إدعاء ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب فاشل إهانة بالغة لجلال نعمة المسيح، وتهكم سيئ لا يتوقعه إنسان من ديدات الذي يُفترض فيه أنه يؤمن أن المسيح من أعظم الرجال الذين عاشوا على مر العصور.
وواضح من كتابة ديدات أنه لم يؤدِّ أي تدريبات عسكرية. وجهله بهذا الميدان ينكشف في صفحة 14 من كتيبه حيث يزعم أن المسيح أصطحب بطرس ويعقوب ويوحنا معه إلى بستان جثسيماني كخط دفاع داخلي، بينما كان يحرس البوابة ثمانية آخرون. ويزعم ديدات أن هذا كان تكتيكاً بارعاً " يستحق أن يُكرّم من أجله أي ضابط تخرّج من ساند هرست – وهي أكاديمية عسكرية ذائعة الصيت في إنجلترا " ( صفحة 14 ). وقد علَّق ضابط سابق بالجيش البريطاني على هذا الزعم أته لم يسمع مطلقاً مثل هذه الأشياء تُدرس في ساند هرست!! ويقول ديدات عن الثمانية تلاميذ الذين تركهم المسيح عند مدخل البستان إنه " يمركزهم بخطة استراتيجية عند مدخل البستان مدججين السلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح " ( صفحة 14 ).
ويستطرد قائلاً إن المسيح أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا " هؤلاء المملوئين غيرة، والمتطرفين في الحماسة ( الأيرلنديون المحاربون في عصرهم )" ( صفحة 14 )، ليجهز خط دفاعه الداخلي.
ولكن جدل ديدات يتداعى أمام التحليل الدقيق. لقد كان بطرس ويعقوب ويوحنا صيادي سمك مسالمين من الجليل ( كان واحد فقط من تلاميذ يسوع يُدعى الغيور ولكنه لم يكن أحد هؤلاء الثلاثة - لوقا 15:6 ) ولقد كانوا الدائرة الأقرب له من بين تلاميذه طوال فترة خدمته. ففي مناسبة التجلي صعد هؤلاء الثلاثة فقط معه الجبل، بينما اختلط باقي التلاميذ بالجماهير أسفل الجبل ( متى 1:17، 14-16 ). وحينما أقام ابنة يايرس من الموت، اصطحب معه نفس التلاميذ الثلاثة إلى داخل المنزل ( لوقا 51:8 ). وهذا يُظهر لنا بوضوح أن المسيح لم يكن يخطط لدفاع بارع في جثسيماني عندما اصطحبهم معه إلى داخل البستان. لقد كان ينشد رفقتهم في مناسبة هامة لأنهم الصُّحبة الحميمة وأقرب تلاميذه إليه. كل هذا يُظهر بصفة قاطعة أن نظرية ديدات أن المسيح كان يخطط لانقلاب، هي كلام خالٍ من المعنى وغير معقول.
-2-
صورة المسيح في كتيب ديدات
من الغريب في كتيب ديدات الصورة التي يقدم بها المسيح، لأن المفروض أن يحترم المسلمون المسيح كالمسيا وأحد أعظم أنبياء الله. ولكن في كتيب ديدات تصريحان فيهما اعتداء صارخ على المسيحيين، وفيهما بالتأكيد إيذاء للمسلمين المخلصين الذين تعلموا أن يحترموا المسيح كرجل فضيلة وكرامة.
اسمع ديدات يقول " لقد أخفق المسيح في أن ينتبه إلى تحذير الفريسيين ليضع حداً لحيوية ونشاط تلاميذه الزائديْن ( لوقا 39:19 ). لقد أخطأ حساب المعركة وعليه الآن أن يدفع ثمن فشله " ( صفحة 10 ).
وفي صفحة أخرى يقول " أخطأ المسيح في الحساب خطأً مزدوجاً " ( صفحة 19 ) وذلك حينما ظن أن باستطاعته الاعتماد على تلاميذه للدفاع عنه، وأنه لن يحتاج للتعامل إلا مع اليهود فقط. وكما لو أن هذه المزاعم لم تكن كافية للإساءة إلى المسيح، يستطرد ديدات ليتكلم عن " أن يسوع كان ينفث غضباً ". ويملأ ديدات مكيال افتراءاته بقوله " أن المسيح كان أبأس الرسل حظاً " (صفحة 23 ).
ليس لدينا أدنى شك أن المسلمون يعتبرون هذا التصريح في غاية العدوانية، ولا يتردد المسيحيون في اعتباره تجديفاً. وبالرغم من ذلك فلسنا نرغب أن نعبر عن سخط عاطفي، بل أن نوضح كم هي غبية وواهية مزاعم ديدات!
إن كل ما نحتاج إليه هو تحليل سريع للساعات الأخيرة في حياة المسيح قبل صلبه، ليتضح أنه لا أساس بالمرة للادعاء بأن المسيح أخطأ في حساباته، أو أنه كان ينفث غضباً. فأن كل ما قاله المسيح في آخر ليلة أمضاها مع تلاميذه يُظهر إدراكه الكامل لكل ما كان سيحل به، واستعداده لأن يتحمل ذلك. لقد كان يعرف أن يهوذا الإسخريوطي سيخزنه ( مرقس 18:14 ) بل إنه كان يعرف ذلك لمدة طويلة ( كما يتضح من يوحنا 64:6 ). وكان يعرف أن بطرس سينكره ثلاث مرات ( متى 34:26 ). كما تنبأ بأنه سيتم القبض عليه، وأن كل تلاميذه سيتخلون عنه ( مرقس 27:14 ). ولسنا نجد أي سند بالمرة لزعم ديدات أن المسيح " كان يأمل أن يحارب تلاميذه لإنقاذه، وأنه أخطأ في تقديراته ". فقد كان المسيح يقدّر بالضبط ما سيحدث، وتنبأ بكل ما فعله تلاميذه جميعاً، وقد حدث بالتمام ما قال إنهم سيفعلونه!
لقد قال لهم باستمرار في تلك الليلة المصيرية إنه على وشك أن يتركهم ( يوحنا 33:13، 23:14، 28، 5:16 ) ويجب أن لا تخور عزيمتهم حيث أن الآمه ستكون متمشية تماماً مع ورد في نبوات الأنبياء السابقين ( لوقا 22:22 ). وعندما جاء اليهود أخيراً للقبض عليه – واستبعاداً لأن يكون هناك إعداد لأي نوع من أنواع الدفاع – سلّم نفسه لأعدائه، كما نقرأ " فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ. " ( يوحنا 5،4:18 ).
" فَخَرَجَ يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ " كان يعلم أنه سيُصلب ويُقتل، ولكنه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، كما تنبأ بذلك مراراً بكلام صريح ( متى 22:17، 23، 19:20 لوقا 22:9، 18-33:31 ). لم تكن هناك أي حاجة لتصفية حسب مع اليهود. فلو أراد المسيح أن يتجنب القبض عليه لغادر أورشليم قبل حدوث ذلك! غير أنه ذهب إلى ذات المكان الذي علم أن يهوذا الإسخريوطي سيقود اليهود للبحث عنه فيه ( يوحنا 2:8 )، وعندما حضروا سلّم نفسه إليهم طواعية. وأكثر من هذا، فإن المسيح لم يكن في حاجة للمجهودات الشجاعة لأحد عشر تلميذاً للدفاع عنه! فقد قال بوضوح أنه يقدر أن يستدعي أثنى عشر جيشاً من الملائكة ليساعدوه، لو أنه أراد ذلك (متى 53:26 ). علماً بأن ملاكاً واحداً فقط كان يقدر أن يبيد مدناً وجيوشاً ( 2 صموئيل 16:24، 2 ملوك 35:19 ) وأن المرء ليرتعد رعباً من التفكير فيما كان اثنا عشر جيشاً من الملائكة سيفعلونه لحمايته، لو أنه استدعاهم ليفعلوا ذلك.
ليس هناك أذن أية قيمة لزعم ديدات أن المسيح كان يتآمر ويخطط، وأنه فشل نتيجة سؤ تقديره. على العكس من ذلك، فإنه كان يعلم بالتدقيق ما سيحدث له! وبقدْر ما هو مستبعد تماماً أن يكون " فاشلاً " فقد أصبح أكثر الناس الذين عاشوا في أي عصر نجاحاً – فهو الرجل الأوحد الذي أقام نفسه من الأموات إلى حياة ومجد أبديين. ابراهيم مات وموسى مات، وكل البشر ماتوا ولا زال الموت يمسك بهم في قبضته إلى يومنا هذا. أما " مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ " ( 2 تي 10:1 ). لقد أنتصر على الموت وصعد إلى السموات حيث دوماً يسود. فيا لهول إهانة ديدات وافتراضه أن المسيح أكثر رسل الله سوء حظ. مع أنه أعظم رجل عاش على مر العصور!
لقد وضح الآن كما - سيتضح أكثر فيما يلي – أن كتيب ديدات ما هو إلا تشويه وتحريف للكتاب المقدس. فهو يحرف معنى النصوص التي يشعر أنه يمكن أن يلويها لخدمة غرضه، كما أنه يخفي ويتجنب نصوصاً أخرى لأنها تدحض نظريته تماماً.
و للحديث بقية............
Comment