هناك عدة اساسيات لدراسة الكتاب المقدس و ساعرض بعضاً منها
شروط أساسية للدراسة
1- الولادة الثانية
إنها مسألة جوهرية، فالذي لم يولد من فوق لا يستطيع أن يتمتع بما في قلـب الله من أفكار، ولا ما فى كلمته من كنوز. وحتى إذا درسها فإنه لن يفهمها لأن « الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله » (1كو2: 14). لقد قال المسيح « الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة »، كما قال أيضاً « المولود من الروح هو روح » (يو6: 63، 3: 6)؛ ولذلك لا يفهم كلام الله سوى المولود من الروح، لأن الذين لهم طبيعة متشابهة هم الذين يفهمون بعضهم.
وأوضح مثال لذلك هم اليهود الذين يملكون التوراة لكنهم لا يفهمون منها شيئاً. قال الرب على لسان النبي هوشع معاتباً شعبه « أكتب له كثرة شرائعي، فهي تحسب أجنبية » (هو8: 12،انظر أيضا إش29: 11،12). ولا زال البرقع موضوعاً على قلبهم كما قال الرسول بولس في 2كورنثوس3: 14، « لكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع » (ع16). وهو مبدأ صحيح دائما سواء لليهود أو لغيرهم.
إننا طبعاً نشجع الشخص الذي لم يولد ثانية على قراءة الكلمة لأن فيها سيلتقي بالمسيح المخلص. لكنه إلى أن يؤمن بالمسيح ويتخذه مخلصاً شخصياً له فإنه لن يفهم أعماق هذه الكلمة.
2- الرغبة الجادة
يقول الحكيم « الرخاوة لا تمسك صيداً » (أم 12: 27). وهذا الأمر إنما هو أكثر وضوحاً فى التعامل مع الأمور الإلهية. لهذا قال الحكيم أيضاً « يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك. (ثم يضيف) إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز، فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله » (أم2: 1-6).
يطوّب المرنم فى المزمور الأول الرجل الذي « في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً » والكلمة "يلهج" تعنى يولع به و يلازمه. هذا ينبغي أن يكون موقفنا إزاء كلمة الله « بوصاياك ألهج» (مز119: 15 انظر أيضاً يش1: 8)، كما قال كاتب المزمور أيضاً « في طريق وصاياك أجرى » ( مز119: 32،60). وهو نفس ما حرّض المسيح مستمعيه عليه؛ لا أن يقرأوا الكتب المقدسة فحسب، بل قال لهم « فتشوا الكتب » (يو5: 39).
3- حياة التقوى والأمانة
لقد ذكر الرسول بولس أن الله يعلن أموره العجيبة للذين يحبونه (1كو2: 9،10) كما ذكـر المرنم أن « سر الرب لخائفيه » (مز25: 14). ولعلنا نلاحظ في الأناجيل أن الـرب لم يكن يشرح أسراره إلا لتلاميذه فقط، وأما للذين من خارج فكان يكلمهم دائماً بأمثال (مر4: 10،11).
والكتاب المقدس يعلمنا بكل وضوح أن الرب لا يعطينا نوراً جديداً في أموره ما لم نستفد أولاً من النور الذي وصل إلينا. قال الرب « إلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي » (إش66: 2). لذلك فإنه يمكننا أن نقول إن الطاعة هي أعظم شارح للكتاب؛ فالذي يطيع سيفهم المزيد « فإن من له (أي يقبل ويفهم ويحفظ) سيُعطى ويزاد » (مت13: 12).
نصائح عملية لدراسة كلمة الله
1- الدراسة اليومية (أم8: 34)
إن الإنسان كما يقولون، ابن عادته، فطوبى لمن تتملكه عادة دراسة الكتاب المقدس كل يوم إذ أنه لن يشعر بصعوبة في إيجاد وقت لهذه الدراسة. إن قراءة أصحاح والتأمل فيه لن يستغرقا أكثر من عشرين دقيقة فى اليوم، فاحذر من أن لا يكون فى برنامجك اليومي مثل هذا الوقت البسيط لله. يمتدح المؤرخ الإلهي في سفر الأعمال أهل ببيرية لأنهم كانوا يدرسون الكتب كل يوم، وكانوا يدرسونها بنشاط (أع17: 10، 11). هذا أمر هام حقاً.
2- الدراسةفيالوقت الأفضل
إذا شعرت أن كلمة الله هي أعظم كنز فى حياتك، فلن يكون عسيراً أن تعطيها أفضل أوقات اليوم. والمسيح مثالنا يقول بروح النبوة « يوقظ كل صباح . يوقظ لي أذناً لأسمـع كالمتعلمين » (أش 50: 4). في العهد القديم كان التقاط المن يتم فى الصباح الباكر، قبل أن تحمى الشمس فيذوب (خر16: 21)، فلا تنتظر حتى تحمى شمس مشغولياتك، فيذوب منك وقت التأمل الهادئ في كلمة الله.
3- التأمل الهادئ
ليس تصفح الكتاب المقدس بأسلوب قراءة الجرائد هو الأسلوب المناسب لدراسته، بل يحتاج الأمر إلى تأمل هادئ فيه وتفكر بالقلب فى معانيه. هذا ما نراه بصورة رمزية فى شريعة البهائم الطاهرة (لا11) التى كان يشترط أن تجترّ طعامها؛ فما تأكله بسرعة تعيد مضغه مرة ثانية للاستفادة الكاملة منه.
4- الدراسة بروح الصلاة
سـواء الصلاة لفهم المكتوب (مز119: 18)، أو لإطاعته كما سنشير بعد قليل. قال القديس أغسطينـوس "لما كنت شاباً سعيت إلى فهم معني الأسفار المقدسة بقوة الإدراك العقلي وليس بالتوسل الخاشع لله . . . فأغلقت أمام نفسي بتشامخي وكبريائي الباب الموصل إلى الله، وبذلك فبدلاً من أن أقرع فيفتح لي، صار سعيي هذا سبباً في أن يغلق الباب أمامي".
وغالباً ما تُذكَر الصلاة في الكتاب المقدس ملازمة لقراءة الكلمة أو سماعها (أنظر لو10: 39 مع 11: 1، أف6: 17، 18، عب4: 16، يه 20، . . . إلخ)؛ فهما كجناحي الطائـر، ولن يمكنك أن تحلق في أجواء الشركة مع الله بدونهما معاً. الذي يدرس كثيراً فى الكتاب دون صلاة يكون عُرضة للكبرياء وبرودة القلب، فتصبح الحياة مثل « خبز ملّة لم يُقلَب » (هو 7: 8). ربما يكون قادراً على تفسير عباراته، لكن سينقصه إدراك الأفكار والمشاعر المباركة التى تنبعث منها. وليس مهماً بأيهما تبدأ؛ هل تصلي ثم تقرأ أم تقرأ ثم تصلى، وإن كان الأفضل أن تقرأ الكتاب في روح الصلاة، وأن تصلي بروح المكتوب.
5- تدريب القلب
فدراسة الكتاب ليست مجالاً لعمل الذهن فقط، بل بالأولى تدريب القلب « أمِل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب » (مز119: 36)، وهذا يتطلب أمرين على الأقـل: أولهما أن أطبق ما أتعلمه على نفسي « كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم » (يع1: 22)؛ فكل وعد إلهي أقرأه أتمسك به، وكل مثال للقداسة يلمع أمامي أثناء دراستي أطلب من الله أن أقتدي به، وكل حق أتعلمه من الكلمة أجعله يسيطر على قلبي. والأمر الثاني هو أن أبحث عن المسيح في كل جزء؛ فكما قال داربي "لا توجد كلمة فى كل الكتاب المقدس لا تحمل غذاء إلى نفوسنا، فادرس الكتاب المقدس بالصلاة، وأبحث فيه عن الرب لا عن العلم، ولابد أنك ستجد العلم أيضاً، إنما اجعل غرضك الرب".
6- حفظ أجزاء كتابية
تعوّد أن تضيف كل يوم إلى حصيلة الآيات التى تحفظها آية جديدة أو أكثر على قـدر وقتك ومقدرتك. وهذه النصيحة نوجهها بصفة خاصة لحديثي السن حيث لا تـزال الذاكرة قوية. كثير من رجال الله الشيوخ يقولون إن ما يحفظونه من آيات يرجع إلى باكورة حياتهم أي سن الطفولة والشباب. هذه الحصيلة من الآيات الكتابية ستكون أعظم بركة لحياتك ولتقدم خدمتك الروحية.
7- الدراسة بالقلم
بمعنى الاستعانة بالقلم لتدوين شواهد كتابية أو ملاحظات على هامش الصفحة، وكذا وضع علامات معينة على أجزاء كتابية لفتت انتباهك. فبالاختبار نحن كثيراً ما ننسى بعـض الشواهد التى لها ارتباط بفصل معين أو التوضيحات المفيدة في فهم النص. وسيلزمك في هذه الحالة اقتناء نسخة خاصة بك من الكتاب المقدس. وينصح البعض استخدام الألوان أيضاً للمساعدة في إبراز المعاني المختلفة في الكتاب؛ فمثلاً الخطية وما يمت إليها تلون أو يوضع تحتها خط باللون الأسود، والكفارة أو الفداء وما إليها باللون الأحمر، والرجاء و السماء . . . الخ باللون الأزرق، والسلام والرعاية باللون الأخضر . . . وهكذا. ويمكن أن يكون لك نوتة مذكرات خاصة تدون فيها ملاحظاتك الهامة على الفصل الكتابي. كانت هذه هي عادة رجـل الله داربي، وبعد رقاده طُبعت ملاحظاته التى سجلها في مذكرات خاصـة في أربعة مجلدات بعنوان "ملاحظات وتعليقات على الكتاب المقدس" لا زالت بركة لكثيرين.
مبادئ هامة لتفسير الكتاب المقدس
إن الوحي كُتِب ليُفهم. والله لم يقصد مطلقاً أن يكون الكتاب المقدس وقفاً على فئة من أصحاب العقول الجبارة أو الإمكانيات الفذة، على العكس كثيراً ما كانت الدراسات الفلسفية عائقاً على فهم الكتاب لا مساعداً له « لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك » (مت11: 25،26). وسنورد فيما يلي بعض المبادئ التي تساعد على تفسير الكتاب المقدس.
1- الكتاب المقدس كله لنا، ولو أن ليس كله عنا
فكثير من أقوال العهد القديم، بل وبعض الأقوال في الأناجيل ليست عنا، ولو أن كل الكتاب نافع للتعليم، وبالتالي كله كتب لأجل تعليمنا. فالممارسات الخاصة بالذبائح في سفر اللاويين لا تخصنا في معناها الحرفي المباشر، ولو أن ما أكثر التعاليم التي لنا فيها عندما نطبقها على المسيح. والتعبير الذي ورد في متى 24: 20 « صلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت » ليس عنا، ولو أن لنا فيه تعاليم روحية مباركة. في هذا قال القديس أغسطينوس كلمات حكيمة "مَيِّز بين التدابير المختلفة، ينسجم الكتاب مع بعضه".
2- الكتاب المقدس يشرح نفسه
فأفضل شارح للكتاب المقدس هو الكتاب المقدس نفسه. فإذا تعذر عليك أن تفهم أي شئ في الكتاب المقدس؛ استمر في القراءة، وسرعان ما تجد أن ما استشكل عليك في البداية فهمه صار واضحاً ومفهوماً لديك. وفى هذا قال أحد الحكماء: "لا تدع شيئاً يسلب منك حقاً سبق لك أن فهمته بوضوح من كلمة الله، وانتظر بصبر أن تفهم باقي الآيات التي لا تقدر أن تفهمها". ثم هذا يتطلب منا درس كل الكتاب، لأن نصاً واحداً بخصوص أية حقيقة، لا يكفي أن يعلن لنا كل جـوانب هذه الحقيقة، فالآيات التي تتحدث عن موضوع متشابه، تفسر وتكمل إحداها الأخرى. كما قال المسيح للشيطان « مكتوب أيضاً » (مت4: 7).
3- لا تعارض في آيات الكتاب المقدس
لقد شبه أحدهم الكتاب المقدس بالكلمات المتقاطعة. فقد يطلب منك كلمة أفقية وتجد من السهل عليك أن تذكر أكثر من كلمة واحدة، ولنفترض أنك اقترحتكلمة من هذه الكلمات، ما الذي يجعلك متأكداً أن اقتراحك هذا صحيح؟ لو اتفق هذا الاقتراح مع باقي الكلمات الرأسية المتقاطعة مع كلمتك، فهذا دليل على أن اقتراحك كان صحيحاً، أما إذا لم يتفق فعليك أن تفكر من جديد في كلمة أخرى. هكذا الكتاب المقدس؛ ينبغي أن يتوافق كله مع بعضه، فإذا اقترحت تفسيراً للآية ووجدت أن هذا التفسير يصطدم مع آية أخرى في الكتاب فهذا دليل قاطع على أن هذا التفسير غير صحيح، فالتفسير الصحيح يجب أن يتوافق لا مع بعض تعاليم الكتاب، بل معها كلها. وبناء على هذه النظرية يمكننا أن نقول إن الآيات العسرة التي يصعب فهمها، يمكننا أن تفسرها في ضوء الآيات السهلة التي فهمتها.
4- النص والقرينة **** & Con****
فالفصل الذي أُخذت منه الآية يلقى الضوء على الآية، بينما النصوص المبتورة يمكن أن توصلنا إلى أشر التعاليم. لا شك أن جماعة شهود يهوه الذين يدعمون تعاليمهم المضللة بآيات من الكتاب، يستشهدون بآيات مبتورة، ويتعاملون مع جانب واحد من الحق، إنهم ينظرون بعين واحدة إلى الكتاب. فلكي تفهم الكتاب يجب أن تلحظ القرينة للكلمة أو الآية؛ أعني ما قبلها وما بعدها، وكذلك الجو العام للأصحاح، لأن آيات الكتاب المقدس، كما أوضح بطرس، لا تُفهَم من تفسيرها الخاص بها بل يجب أن تكون متمشية مع الكتاب المقدس كله (انظر2بط 1: 20)
5- المعنى الحرفي والمعنى المجازى
إذا كان المعنى الحرفي المباشر والبسيط يستقيم مع باقي تعاليم الكتاب المقدس فلا تبحث عن معنى آخر، أما إذا اصطدم بآيات أخرى، أو لم يكن له معنى معقول مقبول، فإننا نأخذ المعنى المجازي لا الحرفي. فمثلاً قول يوحنا المعمدان عن الرب يسوع « هوذا حمل الله » (يو1: 29)، واضح أن تعبير الحمل هنا مجازي؛ بمعنى أنه الذبيحة المعينة من الله، والتي تناسب الله لرفع حالة الخطية والتشويش من هذا الكون. وكذلك الآية التي وردت في عظة الجبل والتي تقول « إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك » (مت5: 29)، هذه الآية لا تُفهم حرفياً؛ لأن الكتاب يعلمنا أن نعتني بأجسادنا، ثم إنه لو قلعت عيني اليمنى سأنظر وأشتهي بعيني اليسرى، فالخطية منبعها القلب. أما التفسير الصحيح لذلك أننا نضحي بأغلى شئ ولو كان في غلاوة العين اليمنى، حتى لا نخسر الحياة الأبدية.
أما عندما يلزم أن نأخذ التفسير المجازى، فإننا نبحث عن نفس المجاز في باقي الكتاب المقدس، ولا سيما مبدأ الإشارة الأولى (الذى سنتكلم عنه فى النقطة التالية). فمثلاً كان الرب يقصد معنى مجازياً عندما حذر تلاميذه من خمير الصدوقيين والفريسيين. الكتاب المقدس كله يعتبر الخمير صورة للشر والخطية. وإذا أخذنا الإشارة الأولى للخمير في الكتاب المقدس، فإن الرب حذر الإسرائيلي من أن يأكل خروف الفصح إلا بعد أن يطهر الخمير من مساكنه (خر12: 15)، وهكذا.
6- قانون الإشارة الأولى
شّـبه بعضهم الكتاب المقدس بخزانة مملوءة بالأطعمة أو إن شئت بالكنوز، وأن المفتاح لهذه الخزانة هو على الباب. وعليه فإن الإشارة الأولى لأية كلمة في الكتاب المقدس يكون لها مدلولات قوية تساعد بعد ذلك على تحديد المعنى المقصود من هذه الكلمة في كل الكتاب. فإذا فهمنا جيداً هذا المبدأ كم يصبح سفر التكوين غنياً وثميناً لدارسي الكتاب، إذ سنجد فيه ما لا يحصى من الأفكار التي ترد في الكتاب لأول مرة. لقد دُعي هذا السفر بحق "مخزن بذار الكتاب المقدس".
7- قانون الإشارة المتكررة (الإعلان المتدرج):
فلا تكرار لمجرد التكرار في كلمة الله، فعندما يكرر الرب أية فكرة سبق ذكرها، فلابد أنه يريد أن يلقى ضوءاً جديداً على جانب لم يسبق أن أوضحه قبل ذلك، كقول إشعياء النبي « هنا قليل هناك قليل » (إش 28: 10). ولعل أوضح الأمثلة لذلك ما ورد في تكوين 1، 2 فلقد كرر الرب الإشارة إلى عملية خلق الإنسان في تكوين 2 وذكر عدة تفصيلات لم ترد في الفصل الأول.
أساليب الدراسة المختلفة للكتاب المقدس
1- أسلوب دراسة الأسفار
هذه أهم وأبسط طرق دراسة الكتاب المقدس وأكثرها انتشاراً، وننصح بها بالنسبة للمبتدئين فى الدراسة. وفى هذه الحالة يفضل الابتداء بالأسفار الأسهل فالأصعب. العهـد الجديد أولاً ثم القديم. ولكن بالنسبة للمتقدمين فى الدراسة ننصح أن تتم الدراسة بترتيب الأسفار، فنتفادى بذلك التركيز على أسفار بعينها على حساب إهمال أسفاراً أخرى.
وفىدراسـة الكتاب بهذه الطريقة هناك أسلوبان يكملان بعضهما ويطلق عليهما أحياناً "الدراسـة التليسكوبية" و "الدراسة الميكروسكوبية". فالتلسكوب هو ذاك الجهاز الذي يدهشنا بعظمة اتساع الكون الهائلة، بينما الميكروسكوب هو جهاز يدهشنا بدقة مكوناته المذهلة. هذان الأسلوبان يذكراننا برجلين لله في العهد القديم هما موسى ويشوع. الأول أخذه الرب فوق جبل نبو وأراه الأرض كلها دفعة واحدة (تث34)؛ لقـد شاهد منظر كل أرض كنعان من فوق، ولو أنه لم يسمح له بأن يمشى فيها. وما كان أجمل منظر الأرض البهية بالنسبة له! أما الشخصية الأخرى فهى شخصية يشوع بن نون. هذا الرجل سمح له الرب أن يسير في رحاب أرض عمانوئيل شبراً شبراً. لقد قال له الله في الأصحاح التالي لكلام الرب مع موسى « كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته » (يش1: 3). وهو ما تحقق فعلاً على عهد يشوع، لقد سار فيها برجليه، وامتلكها فعلاً.
هكذا تماماً كل من الدراسة التليسكوبية والدراسة الميكروسكوبية؛ في النوع الأول من الدراسة نحن نأخذ فكرة عن السفر دون الخوض فى تفاصيله الدقيقة. هذه النظرة للسفر يسميها البعض "نظرة عين الطائر"، ستعطيك مجالاً واسعاً ونظرة شاملة دون تعمق. فعن طريق قراءة السفر كله في جلسة واحدة، إن أمكن (وإن كان صغيراً تعاد قراءته عدة مرات)، ستفتح أمامك معاني لم تكن تحس بها من قبل، وستشعر بالرابطة الجميلة بين مفردات السفر التي لم تكن تلحظ العلاقة بينها.
من المهـم في هذه الدراسة أن تحاول معرفة الطابع العام للسفر، وكذا ملاحظة تكرار كلمـات بعينها فيه مثل: كلمة "الفرح" في رسالة فيلبى، أو "السلوك" في رسالة أفسس، أو "السيرة" في رسالتى بطرس، أو كلمة "أفضل" في رسالة العبرانين... وهكذا.
وقبل أن تترك هذه الدراسة اعرف من هو كاتب السفر، وفي أي زمن كتب، والظروف المحيطة به وقت كتابة السفر. فسيكون جميلاً عندما تلاحظ مثلاً أن رسالة فيلبي التي طابعها الفرح كتبها بولس وهو فى القيود مسجوناً!
وبعد هذه الدراسة يأتي دور الدراسة الميكروسكوبية، التى تنفذ إلى دقائق الموضوع؛ فيقسـم السفـر إلى أقسام، ثم الأصحاح إلى أقسام أصغر حتى نصل إلى الآية. بل الآية الواحدة نفسها نبدأ بمحاولة فهم كل كلمة منها.
وبعد أن تكون قد فهمت القصد من الآية، يمكنك أن تتأمل فى الكتاب المقدس لتعرف أين ترد التعاليم أو الأقوال المتشابهة، وما النور الجديد الذى حصلت عليه من هذا الفصل، فكما ذكرنـا قبلاً في مبادئ التفسير أنه لا يوجد في كلمة الله تكرار لمجرد التكرار، بل إن الله إذا كرر الكلام فى أى موضوع فإنما لإبراز جانب معين أو لإلقاء نور إضافي عليه.
2- أسلوب دراسة الموضوعات
هذه هي نفس الطريقة التي استخدمها ربنا يسوع مع تلميذي عمواس، عندما شرح لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب (لو24 : 27). هذه الدراسة تصلح للمتقدمين نسبياً فى كلمة الله. كأن تدرس مثلاً موضوع الصليب أو موضوع النعمة أو الكنيسة أو مجيء المسيح الثاني، أو الدينونة، فتتبعه في كل أسفار الكتاب المقدس. أو تدرس موضوع الصلاة فتتتبع رجال الله القديسين في صلواتهم من أول الكتاب إلى آخره، وكذا التحريضات الكتابية على الصلاة وما ورد عن نتائجها، وكذا شروطها ومعطلاتها... الخ. وما يقال عن الصلاة يقال أيضاً عن الصوم أو عن الخدمة أو عن التكريس. . . الخ.
تحت هذا العنوان نشير أيضاً إلى دراسة موضوعات رمزية جميلة؛ مثل خيمة الاجتماع أو هيكل سليمان أو الذبائح. . . الخ، لاستخلاص الدروس الروحية المستفادة منها. أو دراسة موضوعات عامة كالتدابير؛ أي طرق تعامل الله مع البشر على مر العصور، وكذا العهود المختلفة، أو معجزات المسيح أو أمثال المسيح وهكذا.
وستجد لذة خاصة عند دراستك لرحلات شعب الله من مصر إلى كنعان، وكذا رحلات بولس الرسول الواردة فى سفر الأعمال، وتاريخ الكنيسة النبوي (رؤ2، 3) وغيرها وغيرها.
3- أسلوب دراسة السير أو الشخصيات الكتابية
وهـذه الطريقة واضحة من اسمها، وفيها يتم دراسة كل ما ذكره الكتاب المقدس عن هذه الشخصية. ابحث عن معنى اسمه واكتشف مدى انطباق المعنى على حياته. حاول أيضاً أن تعرف في أي زمن عاش والظروف المحيطة به وأسماء معاصريه من الشخصيات البارزة، ومن ذلك ادرس التشابه الذي بين أيامه وأيامنا الحاضرة لاستخراج الدروس العملية بالنسبة لنا. حاول اكتشاف نواحي القوة في حياته ونواحي الضعف ومسبباته، وكذا في أي شئ يرمز للمسيح.
أعتقد أنه من الأفضل أن تبدأ بدراسة الشخصيات المعروفة كإبراهيم ويوسف وموسى وداود . . . الخ. وبعد ذلك الشخصيات الأقل انتشاراً في الكتاب المقدس مثل جدعون ويوناثان ويوشيا . . . حتى نصل إلى شخصيات حلوة لكن لم تشغل فى الكتاب سوى آيات قليلة مثل عكسة (قض 1) وياعيل (قض 4، 5) ويوناداب بن ركاب (2مل 10: 15، أر35) . . . الخ، أو مثل عنى بن صبعون (تك36: 24) أو رصفة بنت أية (2صم 21: 10، 11) أو حنينا رئيس القصر أيام نحميا (نح 7: 2) . . . الخ.
4- أسلوب دراسة الكتاب حسب فئات الناس حولنا
هذه الطريقة تصلح بصفة خاصة فى مجال العمل الفردي. وفيها تدرس كل ما يقوله الكتـاب المقدس لفئات الناس المختلفة؛ الآباء والأبناء، الأزواج والزوجات، وكذلك ما يصلح فى الكتاب للمتألمين، أو المرضى، والمضطهدين وأيضاً ما يناسب المتشككين أو اليائسين. وأيضاً ما يقوله الكتاب المقدس عن السكيرين والمستبيحين. وأيضاً المتهاونين والمؤجلين . . . وهكذا.
مساعدات أخرى لدراسة الكتاب المقدس
1- تعلم اللغات الأصلية للكتاب
إنه ليس ترفاً عديم القيمة أن تقرأ الكتاب المقدس باللغة التى كُتب فيها، فهناك كلمات فى اللغة الأصلية لا يوجد شبيه تام لها فى لغتنا العربية، وكلمات أخرى لها أكثر من معنى أو استخدام. فعلى سبيلالمثال كلمة "تاجر" في المثل السادس لملكوت السموات (متى13: 45)؛ جاءت فى الأصل اليوناني كلمة تعنى حرفياً "مسافر في مهمـة عمل" . ما أجمل أن تطبق هذا المعنى على المسيح الذي سافر من السماء إلى الأرض في مهمة ما أهمها! ثم كلمة "باع" المذكورة في نفس المثل تختلف فى الأصل اليوناني عن الكلمة المترجمة أيضاً "باع" في المثل الخامس (ع44)، التي تستخدم لمعاملات البيع والشراء العادية، أما الخاصة بمثل اللؤلؤة فهى تستخدم للبيع كعبد. ما أكثر البركة التى تجنيها عندما نتأمل فى هذه الأفكار؛ فهذا المسافر فى مهمة عمل، ضحى وأصبح عبداً إلى الأبد لأنه أحب الكنيسة (أف 5: 25). لقد أصاب مؤلف كتاب "بعض كنوز مخبأة فى العهد الجديد باللغة اليونانية" عندما قال "أعتقد أنه ليس قبل أن نصل إلى بيتنا السماوي سيمكننا أن نعرف حجم الخسارة التى تكبدناها بإهمالنا العهد الجديد اليوناني".
وفى حالة تعذر تعلم العبري واليوناني، يمكن الاستعاضة عن ذلك بالاستعانة بترجمات أخرى للكتاب المقدس. وبالنسبة لمن لا يعرف سوى اللغة العربية ينصح بالكتاب المقدس ذي الشواهد، والترجمة التفسيرية.
2- الاستعانة بقواميس وفهارس الكتاب المقدس
فالقـواميس تسهل عليك معرفة المعاني الغامضة للكلمات، وكذا معاني الكلمات والأسماء الأعجمية، أما الفهارس فإنها توفر عليك الوقت الطويل فى البحث عن الآية المطلوبة، كما تعطيك أماكن تواجد نظائرها فى الكتاب المقدس مما يفتح أمامك متسعاً للبحث والتأمل.
3- الشروحات والتفاسير
إننا نتذكر هنا نصيحة بوعز لراعوث لما قال لها « إذا عطشت فاذهبي إلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان » (را 2: 9). فلقد كان للغلمان طاقة أكبر مما لراعوث فى استخراج الماء من البئر العميقة. هكذا أيضاً يوجد رجال لله زودهم الرب بمواهب فذة، استطاعوا فهم كلمة الله بصورة واسعة. ونحن نشكر الرب عليهم لأن المواهـب التى أعطاها الرب؛ رأس الجسد، هي « لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح » (أف 4: 11، 12)، وهم بما سجلوه فى كتب صـاروا بـركة للأجيال. والمكتبات اليوم عامرة بعصارة جهدهم وطاقتهم وبحوثهم فى هذه الكلمة.
وإن لنـا من المثال الموحى به فى 2تيموثاوس 4: 13 تشجيعاً إلهياً على قراءة هذه الشروحات. ولو أننا نريد أن نحذر هنا بقوة من خطر الانصراف بقراءة هذه الشـروحات عن قراءة كلمة الله نفسها. هذه بلا شك عادة سيئة، فالكتاب المقدس يجب أن يأخذ المجال الأول في قراءاتنا. وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين تعلم الحق من قراءة الكتاب المقدس مباشرة وبين تعلمه من قراءة الشروحات؛ فإنه يمكن القول إن الكتب الروحية تعطى مجالاً أوسع لفهم الحق، والقراءة المباشرة للكتاب تعطى عمقاً أكبر فى تقدير الحق. الأولى تعطى كمية أكبر والثانية تعطى تدريباً أكبر. فإن جمعنا بين الأمرين فنعما نفعل.
4- الاجتماعات الروحية والجلسات
فعن طريق حضور الاجتماعات باسم الرب، لا سيما اجتماعات درس الكتاب، ينمو القديسون فى إدراك الكلمة. كما أن جلسات الأحباء معاً، إذا قُضيت فى الأسئلة الروحية والتأمل فى الكلمة، تعود على الإخوة بالنفع الكثير « وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو » (أف 3: 18). لم يتعمق الإخوة في أول عهدهم فى فهم كلمة الله إلا عن طريق هذه الاجتماعات الروحية، والجلسات الحبية.
ليت الرب المُقام، الذي جاء إلى تلاميذه عشية يوم القيامة وفتح ذهنهم ليفهموا الكتب، يفعل نفس الشئ معنا نحن أيضاً. وليته يعطينا القلب الملتهب ليزداد حبنا وشغفنا بمن هو موضوع الكتاب. وليت الرب يهبنا الذهن الواعي والقلب المدَّرب والحياة المتجاوبة. وحقاً أن تفتح كتابك، ثم تفتح قلبك للكتاب، ثم تفتح فمك طالباً من الله أن تسلك بموجب ما قرأت فهذا مفتاح للأمان واليقين والبهجة.
بتمنى سكوربيون يكون جاوبت عن سؤال اطرحتو كيف منقرا الكتاب المقدس لانو بظن نفس الخطوات رح نعمل
شروط أساسية للدراسة
1- الولادة الثانية
إنها مسألة جوهرية، فالذي لم يولد من فوق لا يستطيع أن يتمتع بما في قلـب الله من أفكار، ولا ما فى كلمته من كنوز. وحتى إذا درسها فإنه لن يفهمها لأن « الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله » (1كو2: 14). لقد قال المسيح « الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة »، كما قال أيضاً « المولود من الروح هو روح » (يو6: 63، 3: 6)؛ ولذلك لا يفهم كلام الله سوى المولود من الروح، لأن الذين لهم طبيعة متشابهة هم الذين يفهمون بعضهم.
وأوضح مثال لذلك هم اليهود الذين يملكون التوراة لكنهم لا يفهمون منها شيئاً. قال الرب على لسان النبي هوشع معاتباً شعبه « أكتب له كثرة شرائعي، فهي تحسب أجنبية » (هو8: 12،انظر أيضا إش29: 11،12). ولا زال البرقع موضوعاً على قلبهم كما قال الرسول بولس في 2كورنثوس3: 14، « لكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع » (ع16). وهو مبدأ صحيح دائما سواء لليهود أو لغيرهم.
إننا طبعاً نشجع الشخص الذي لم يولد ثانية على قراءة الكلمة لأن فيها سيلتقي بالمسيح المخلص. لكنه إلى أن يؤمن بالمسيح ويتخذه مخلصاً شخصياً له فإنه لن يفهم أعماق هذه الكلمة.
2- الرغبة الجادة
يقول الحكيم « الرخاوة لا تمسك صيداً » (أم 12: 27). وهذا الأمر إنما هو أكثر وضوحاً فى التعامل مع الأمور الإلهية. لهذا قال الحكيم أيضاً « يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك. (ثم يضيف) إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز، فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله » (أم2: 1-6).
يطوّب المرنم فى المزمور الأول الرجل الذي « في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً » والكلمة "يلهج" تعنى يولع به و يلازمه. هذا ينبغي أن يكون موقفنا إزاء كلمة الله « بوصاياك ألهج» (مز119: 15 انظر أيضاً يش1: 8)، كما قال كاتب المزمور أيضاً « في طريق وصاياك أجرى » ( مز119: 32،60). وهو نفس ما حرّض المسيح مستمعيه عليه؛ لا أن يقرأوا الكتب المقدسة فحسب، بل قال لهم « فتشوا الكتب » (يو5: 39).
3- حياة التقوى والأمانة
لقد ذكر الرسول بولس أن الله يعلن أموره العجيبة للذين يحبونه (1كو2: 9،10) كما ذكـر المرنم أن « سر الرب لخائفيه » (مز25: 14). ولعلنا نلاحظ في الأناجيل أن الـرب لم يكن يشرح أسراره إلا لتلاميذه فقط، وأما للذين من خارج فكان يكلمهم دائماً بأمثال (مر4: 10،11).
والكتاب المقدس يعلمنا بكل وضوح أن الرب لا يعطينا نوراً جديداً في أموره ما لم نستفد أولاً من النور الذي وصل إلينا. قال الرب « إلى هذا أنظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي » (إش66: 2). لذلك فإنه يمكننا أن نقول إن الطاعة هي أعظم شارح للكتاب؛ فالذي يطيع سيفهم المزيد « فإن من له (أي يقبل ويفهم ويحفظ) سيُعطى ويزاد » (مت13: 12).
نصائح عملية لدراسة كلمة الله
1- الدراسة اليومية (أم8: 34)
إن الإنسان كما يقولون، ابن عادته، فطوبى لمن تتملكه عادة دراسة الكتاب المقدس كل يوم إذ أنه لن يشعر بصعوبة في إيجاد وقت لهذه الدراسة. إن قراءة أصحاح والتأمل فيه لن يستغرقا أكثر من عشرين دقيقة فى اليوم، فاحذر من أن لا يكون فى برنامجك اليومي مثل هذا الوقت البسيط لله. يمتدح المؤرخ الإلهي في سفر الأعمال أهل ببيرية لأنهم كانوا يدرسون الكتب كل يوم، وكانوا يدرسونها بنشاط (أع17: 10، 11). هذا أمر هام حقاً.
2- الدراسةفيالوقت الأفضل
إذا شعرت أن كلمة الله هي أعظم كنز فى حياتك، فلن يكون عسيراً أن تعطيها أفضل أوقات اليوم. والمسيح مثالنا يقول بروح النبوة « يوقظ كل صباح . يوقظ لي أذناً لأسمـع كالمتعلمين » (أش 50: 4). في العهد القديم كان التقاط المن يتم فى الصباح الباكر، قبل أن تحمى الشمس فيذوب (خر16: 21)، فلا تنتظر حتى تحمى شمس مشغولياتك، فيذوب منك وقت التأمل الهادئ في كلمة الله.
3- التأمل الهادئ
ليس تصفح الكتاب المقدس بأسلوب قراءة الجرائد هو الأسلوب المناسب لدراسته، بل يحتاج الأمر إلى تأمل هادئ فيه وتفكر بالقلب فى معانيه. هذا ما نراه بصورة رمزية فى شريعة البهائم الطاهرة (لا11) التى كان يشترط أن تجترّ طعامها؛ فما تأكله بسرعة تعيد مضغه مرة ثانية للاستفادة الكاملة منه.
4- الدراسة بروح الصلاة
سـواء الصلاة لفهم المكتوب (مز119: 18)، أو لإطاعته كما سنشير بعد قليل. قال القديس أغسطينـوس "لما كنت شاباً سعيت إلى فهم معني الأسفار المقدسة بقوة الإدراك العقلي وليس بالتوسل الخاشع لله . . . فأغلقت أمام نفسي بتشامخي وكبريائي الباب الموصل إلى الله، وبذلك فبدلاً من أن أقرع فيفتح لي، صار سعيي هذا سبباً في أن يغلق الباب أمامي".
وغالباً ما تُذكَر الصلاة في الكتاب المقدس ملازمة لقراءة الكلمة أو سماعها (أنظر لو10: 39 مع 11: 1، أف6: 17، 18، عب4: 16، يه 20، . . . إلخ)؛ فهما كجناحي الطائـر، ولن يمكنك أن تحلق في أجواء الشركة مع الله بدونهما معاً. الذي يدرس كثيراً فى الكتاب دون صلاة يكون عُرضة للكبرياء وبرودة القلب، فتصبح الحياة مثل « خبز ملّة لم يُقلَب » (هو 7: 8). ربما يكون قادراً على تفسير عباراته، لكن سينقصه إدراك الأفكار والمشاعر المباركة التى تنبعث منها. وليس مهماً بأيهما تبدأ؛ هل تصلي ثم تقرأ أم تقرأ ثم تصلى، وإن كان الأفضل أن تقرأ الكتاب في روح الصلاة، وأن تصلي بروح المكتوب.
5- تدريب القلب
فدراسة الكتاب ليست مجالاً لعمل الذهن فقط، بل بالأولى تدريب القلب « أمِل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب » (مز119: 36)، وهذا يتطلب أمرين على الأقـل: أولهما أن أطبق ما أتعلمه على نفسي « كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين فقط خادعين نفوسكم » (يع1: 22)؛ فكل وعد إلهي أقرأه أتمسك به، وكل مثال للقداسة يلمع أمامي أثناء دراستي أطلب من الله أن أقتدي به، وكل حق أتعلمه من الكلمة أجعله يسيطر على قلبي. والأمر الثاني هو أن أبحث عن المسيح في كل جزء؛ فكما قال داربي "لا توجد كلمة فى كل الكتاب المقدس لا تحمل غذاء إلى نفوسنا، فادرس الكتاب المقدس بالصلاة، وأبحث فيه عن الرب لا عن العلم، ولابد أنك ستجد العلم أيضاً، إنما اجعل غرضك الرب".
6- حفظ أجزاء كتابية
تعوّد أن تضيف كل يوم إلى حصيلة الآيات التى تحفظها آية جديدة أو أكثر على قـدر وقتك ومقدرتك. وهذه النصيحة نوجهها بصفة خاصة لحديثي السن حيث لا تـزال الذاكرة قوية. كثير من رجال الله الشيوخ يقولون إن ما يحفظونه من آيات يرجع إلى باكورة حياتهم أي سن الطفولة والشباب. هذه الحصيلة من الآيات الكتابية ستكون أعظم بركة لحياتك ولتقدم خدمتك الروحية.
7- الدراسة بالقلم
بمعنى الاستعانة بالقلم لتدوين شواهد كتابية أو ملاحظات على هامش الصفحة، وكذا وضع علامات معينة على أجزاء كتابية لفتت انتباهك. فبالاختبار نحن كثيراً ما ننسى بعـض الشواهد التى لها ارتباط بفصل معين أو التوضيحات المفيدة في فهم النص. وسيلزمك في هذه الحالة اقتناء نسخة خاصة بك من الكتاب المقدس. وينصح البعض استخدام الألوان أيضاً للمساعدة في إبراز المعاني المختلفة في الكتاب؛ فمثلاً الخطية وما يمت إليها تلون أو يوضع تحتها خط باللون الأسود، والكفارة أو الفداء وما إليها باللون الأحمر، والرجاء و السماء . . . الخ باللون الأزرق، والسلام والرعاية باللون الأخضر . . . وهكذا. ويمكن أن يكون لك نوتة مذكرات خاصة تدون فيها ملاحظاتك الهامة على الفصل الكتابي. كانت هذه هي عادة رجـل الله داربي، وبعد رقاده طُبعت ملاحظاته التى سجلها في مذكرات خاصـة في أربعة مجلدات بعنوان "ملاحظات وتعليقات على الكتاب المقدس" لا زالت بركة لكثيرين.
مبادئ هامة لتفسير الكتاب المقدس
إن الوحي كُتِب ليُفهم. والله لم يقصد مطلقاً أن يكون الكتاب المقدس وقفاً على فئة من أصحاب العقول الجبارة أو الإمكانيات الفذة، على العكس كثيراً ما كانت الدراسات الفلسفية عائقاً على فهم الكتاب لا مساعداً له « لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك » (مت11: 25،26). وسنورد فيما يلي بعض المبادئ التي تساعد على تفسير الكتاب المقدس.
1- الكتاب المقدس كله لنا، ولو أن ليس كله عنا
فكثير من أقوال العهد القديم، بل وبعض الأقوال في الأناجيل ليست عنا، ولو أن كل الكتاب نافع للتعليم، وبالتالي كله كتب لأجل تعليمنا. فالممارسات الخاصة بالذبائح في سفر اللاويين لا تخصنا في معناها الحرفي المباشر، ولو أن ما أكثر التعاليم التي لنا فيها عندما نطبقها على المسيح. والتعبير الذي ورد في متى 24: 20 « صلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت » ليس عنا، ولو أن لنا فيه تعاليم روحية مباركة. في هذا قال القديس أغسطينوس كلمات حكيمة "مَيِّز بين التدابير المختلفة، ينسجم الكتاب مع بعضه".
2- الكتاب المقدس يشرح نفسه
فأفضل شارح للكتاب المقدس هو الكتاب المقدس نفسه. فإذا تعذر عليك أن تفهم أي شئ في الكتاب المقدس؛ استمر في القراءة، وسرعان ما تجد أن ما استشكل عليك في البداية فهمه صار واضحاً ومفهوماً لديك. وفى هذا قال أحد الحكماء: "لا تدع شيئاً يسلب منك حقاً سبق لك أن فهمته بوضوح من كلمة الله، وانتظر بصبر أن تفهم باقي الآيات التي لا تقدر أن تفهمها". ثم هذا يتطلب منا درس كل الكتاب، لأن نصاً واحداً بخصوص أية حقيقة، لا يكفي أن يعلن لنا كل جـوانب هذه الحقيقة، فالآيات التي تتحدث عن موضوع متشابه، تفسر وتكمل إحداها الأخرى. كما قال المسيح للشيطان « مكتوب أيضاً » (مت4: 7).
3- لا تعارض في آيات الكتاب المقدس
لقد شبه أحدهم الكتاب المقدس بالكلمات المتقاطعة. فقد يطلب منك كلمة أفقية وتجد من السهل عليك أن تذكر أكثر من كلمة واحدة، ولنفترض أنك اقترحتكلمة من هذه الكلمات، ما الذي يجعلك متأكداً أن اقتراحك هذا صحيح؟ لو اتفق هذا الاقتراح مع باقي الكلمات الرأسية المتقاطعة مع كلمتك، فهذا دليل على أن اقتراحك كان صحيحاً، أما إذا لم يتفق فعليك أن تفكر من جديد في كلمة أخرى. هكذا الكتاب المقدس؛ ينبغي أن يتوافق كله مع بعضه، فإذا اقترحت تفسيراً للآية ووجدت أن هذا التفسير يصطدم مع آية أخرى في الكتاب فهذا دليل قاطع على أن هذا التفسير غير صحيح، فالتفسير الصحيح يجب أن يتوافق لا مع بعض تعاليم الكتاب، بل معها كلها. وبناء على هذه النظرية يمكننا أن نقول إن الآيات العسرة التي يصعب فهمها، يمكننا أن تفسرها في ضوء الآيات السهلة التي فهمتها.
4- النص والقرينة **** & Con****
فالفصل الذي أُخذت منه الآية يلقى الضوء على الآية، بينما النصوص المبتورة يمكن أن توصلنا إلى أشر التعاليم. لا شك أن جماعة شهود يهوه الذين يدعمون تعاليمهم المضللة بآيات من الكتاب، يستشهدون بآيات مبتورة، ويتعاملون مع جانب واحد من الحق، إنهم ينظرون بعين واحدة إلى الكتاب. فلكي تفهم الكتاب يجب أن تلحظ القرينة للكلمة أو الآية؛ أعني ما قبلها وما بعدها، وكذلك الجو العام للأصحاح، لأن آيات الكتاب المقدس، كما أوضح بطرس، لا تُفهَم من تفسيرها الخاص بها بل يجب أن تكون متمشية مع الكتاب المقدس كله (انظر2بط 1: 20)
5- المعنى الحرفي والمعنى المجازى
إذا كان المعنى الحرفي المباشر والبسيط يستقيم مع باقي تعاليم الكتاب المقدس فلا تبحث عن معنى آخر، أما إذا اصطدم بآيات أخرى، أو لم يكن له معنى معقول مقبول، فإننا نأخذ المعنى المجازي لا الحرفي. فمثلاً قول يوحنا المعمدان عن الرب يسوع « هوذا حمل الله » (يو1: 29)، واضح أن تعبير الحمل هنا مجازي؛ بمعنى أنه الذبيحة المعينة من الله، والتي تناسب الله لرفع حالة الخطية والتشويش من هذا الكون. وكذلك الآية التي وردت في عظة الجبل والتي تقول « إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك » (مت5: 29)، هذه الآية لا تُفهم حرفياً؛ لأن الكتاب يعلمنا أن نعتني بأجسادنا، ثم إنه لو قلعت عيني اليمنى سأنظر وأشتهي بعيني اليسرى، فالخطية منبعها القلب. أما التفسير الصحيح لذلك أننا نضحي بأغلى شئ ولو كان في غلاوة العين اليمنى، حتى لا نخسر الحياة الأبدية.
أما عندما يلزم أن نأخذ التفسير المجازى، فإننا نبحث عن نفس المجاز في باقي الكتاب المقدس، ولا سيما مبدأ الإشارة الأولى (الذى سنتكلم عنه فى النقطة التالية). فمثلاً كان الرب يقصد معنى مجازياً عندما حذر تلاميذه من خمير الصدوقيين والفريسيين. الكتاب المقدس كله يعتبر الخمير صورة للشر والخطية. وإذا أخذنا الإشارة الأولى للخمير في الكتاب المقدس، فإن الرب حذر الإسرائيلي من أن يأكل خروف الفصح إلا بعد أن يطهر الخمير من مساكنه (خر12: 15)، وهكذا.
6- قانون الإشارة الأولى
شّـبه بعضهم الكتاب المقدس بخزانة مملوءة بالأطعمة أو إن شئت بالكنوز، وأن المفتاح لهذه الخزانة هو على الباب. وعليه فإن الإشارة الأولى لأية كلمة في الكتاب المقدس يكون لها مدلولات قوية تساعد بعد ذلك على تحديد المعنى المقصود من هذه الكلمة في كل الكتاب. فإذا فهمنا جيداً هذا المبدأ كم يصبح سفر التكوين غنياً وثميناً لدارسي الكتاب، إذ سنجد فيه ما لا يحصى من الأفكار التي ترد في الكتاب لأول مرة. لقد دُعي هذا السفر بحق "مخزن بذار الكتاب المقدس".
7- قانون الإشارة المتكررة (الإعلان المتدرج):
فلا تكرار لمجرد التكرار في كلمة الله، فعندما يكرر الرب أية فكرة سبق ذكرها، فلابد أنه يريد أن يلقى ضوءاً جديداً على جانب لم يسبق أن أوضحه قبل ذلك، كقول إشعياء النبي « هنا قليل هناك قليل » (إش 28: 10). ولعل أوضح الأمثلة لذلك ما ورد في تكوين 1، 2 فلقد كرر الرب الإشارة إلى عملية خلق الإنسان في تكوين 2 وذكر عدة تفصيلات لم ترد في الفصل الأول.
أساليب الدراسة المختلفة للكتاب المقدس
1- أسلوب دراسة الأسفار
هذه أهم وأبسط طرق دراسة الكتاب المقدس وأكثرها انتشاراً، وننصح بها بالنسبة للمبتدئين فى الدراسة. وفى هذه الحالة يفضل الابتداء بالأسفار الأسهل فالأصعب. العهـد الجديد أولاً ثم القديم. ولكن بالنسبة للمتقدمين فى الدراسة ننصح أن تتم الدراسة بترتيب الأسفار، فنتفادى بذلك التركيز على أسفار بعينها على حساب إهمال أسفاراً أخرى.
وفىدراسـة الكتاب بهذه الطريقة هناك أسلوبان يكملان بعضهما ويطلق عليهما أحياناً "الدراسـة التليسكوبية" و "الدراسة الميكروسكوبية". فالتلسكوب هو ذاك الجهاز الذي يدهشنا بعظمة اتساع الكون الهائلة، بينما الميكروسكوب هو جهاز يدهشنا بدقة مكوناته المذهلة. هذان الأسلوبان يذكراننا برجلين لله في العهد القديم هما موسى ويشوع. الأول أخذه الرب فوق جبل نبو وأراه الأرض كلها دفعة واحدة (تث34)؛ لقـد شاهد منظر كل أرض كنعان من فوق، ولو أنه لم يسمح له بأن يمشى فيها. وما كان أجمل منظر الأرض البهية بالنسبة له! أما الشخصية الأخرى فهى شخصية يشوع بن نون. هذا الرجل سمح له الرب أن يسير في رحاب أرض عمانوئيل شبراً شبراً. لقد قال له الله في الأصحاح التالي لكلام الرب مع موسى « كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته » (يش1: 3). وهو ما تحقق فعلاً على عهد يشوع، لقد سار فيها برجليه، وامتلكها فعلاً.
هكذا تماماً كل من الدراسة التليسكوبية والدراسة الميكروسكوبية؛ في النوع الأول من الدراسة نحن نأخذ فكرة عن السفر دون الخوض فى تفاصيله الدقيقة. هذه النظرة للسفر يسميها البعض "نظرة عين الطائر"، ستعطيك مجالاً واسعاً ونظرة شاملة دون تعمق. فعن طريق قراءة السفر كله في جلسة واحدة، إن أمكن (وإن كان صغيراً تعاد قراءته عدة مرات)، ستفتح أمامك معاني لم تكن تحس بها من قبل، وستشعر بالرابطة الجميلة بين مفردات السفر التي لم تكن تلحظ العلاقة بينها.
من المهـم في هذه الدراسة أن تحاول معرفة الطابع العام للسفر، وكذا ملاحظة تكرار كلمـات بعينها فيه مثل: كلمة "الفرح" في رسالة فيلبى، أو "السلوك" في رسالة أفسس، أو "السيرة" في رسالتى بطرس، أو كلمة "أفضل" في رسالة العبرانين... وهكذا.
وقبل أن تترك هذه الدراسة اعرف من هو كاتب السفر، وفي أي زمن كتب، والظروف المحيطة به وقت كتابة السفر. فسيكون جميلاً عندما تلاحظ مثلاً أن رسالة فيلبي التي طابعها الفرح كتبها بولس وهو فى القيود مسجوناً!
وبعد هذه الدراسة يأتي دور الدراسة الميكروسكوبية، التى تنفذ إلى دقائق الموضوع؛ فيقسـم السفـر إلى أقسام، ثم الأصحاح إلى أقسام أصغر حتى نصل إلى الآية. بل الآية الواحدة نفسها نبدأ بمحاولة فهم كل كلمة منها.
وبعد أن تكون قد فهمت القصد من الآية، يمكنك أن تتأمل فى الكتاب المقدس لتعرف أين ترد التعاليم أو الأقوال المتشابهة، وما النور الجديد الذى حصلت عليه من هذا الفصل، فكما ذكرنـا قبلاً في مبادئ التفسير أنه لا يوجد في كلمة الله تكرار لمجرد التكرار، بل إن الله إذا كرر الكلام فى أى موضوع فإنما لإبراز جانب معين أو لإلقاء نور إضافي عليه.
2- أسلوب دراسة الموضوعات
هذه هي نفس الطريقة التي استخدمها ربنا يسوع مع تلميذي عمواس، عندما شرح لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب (لو24 : 27). هذه الدراسة تصلح للمتقدمين نسبياً فى كلمة الله. كأن تدرس مثلاً موضوع الصليب أو موضوع النعمة أو الكنيسة أو مجيء المسيح الثاني، أو الدينونة، فتتبعه في كل أسفار الكتاب المقدس. أو تدرس موضوع الصلاة فتتتبع رجال الله القديسين في صلواتهم من أول الكتاب إلى آخره، وكذا التحريضات الكتابية على الصلاة وما ورد عن نتائجها، وكذا شروطها ومعطلاتها... الخ. وما يقال عن الصلاة يقال أيضاً عن الصوم أو عن الخدمة أو عن التكريس. . . الخ.
تحت هذا العنوان نشير أيضاً إلى دراسة موضوعات رمزية جميلة؛ مثل خيمة الاجتماع أو هيكل سليمان أو الذبائح. . . الخ، لاستخلاص الدروس الروحية المستفادة منها. أو دراسة موضوعات عامة كالتدابير؛ أي طرق تعامل الله مع البشر على مر العصور، وكذا العهود المختلفة، أو معجزات المسيح أو أمثال المسيح وهكذا.
وستجد لذة خاصة عند دراستك لرحلات شعب الله من مصر إلى كنعان، وكذا رحلات بولس الرسول الواردة فى سفر الأعمال، وتاريخ الكنيسة النبوي (رؤ2، 3) وغيرها وغيرها.
3- أسلوب دراسة السير أو الشخصيات الكتابية
وهـذه الطريقة واضحة من اسمها، وفيها يتم دراسة كل ما ذكره الكتاب المقدس عن هذه الشخصية. ابحث عن معنى اسمه واكتشف مدى انطباق المعنى على حياته. حاول أيضاً أن تعرف في أي زمن عاش والظروف المحيطة به وأسماء معاصريه من الشخصيات البارزة، ومن ذلك ادرس التشابه الذي بين أيامه وأيامنا الحاضرة لاستخراج الدروس العملية بالنسبة لنا. حاول اكتشاف نواحي القوة في حياته ونواحي الضعف ومسبباته، وكذا في أي شئ يرمز للمسيح.
أعتقد أنه من الأفضل أن تبدأ بدراسة الشخصيات المعروفة كإبراهيم ويوسف وموسى وداود . . . الخ. وبعد ذلك الشخصيات الأقل انتشاراً في الكتاب المقدس مثل جدعون ويوناثان ويوشيا . . . حتى نصل إلى شخصيات حلوة لكن لم تشغل فى الكتاب سوى آيات قليلة مثل عكسة (قض 1) وياعيل (قض 4، 5) ويوناداب بن ركاب (2مل 10: 15، أر35) . . . الخ، أو مثل عنى بن صبعون (تك36: 24) أو رصفة بنت أية (2صم 21: 10، 11) أو حنينا رئيس القصر أيام نحميا (نح 7: 2) . . . الخ.
4- أسلوب دراسة الكتاب حسب فئات الناس حولنا
هذه الطريقة تصلح بصفة خاصة فى مجال العمل الفردي. وفيها تدرس كل ما يقوله الكتـاب المقدس لفئات الناس المختلفة؛ الآباء والأبناء، الأزواج والزوجات، وكذلك ما يصلح فى الكتاب للمتألمين، أو المرضى، والمضطهدين وأيضاً ما يناسب المتشككين أو اليائسين. وأيضاً ما يقوله الكتاب المقدس عن السكيرين والمستبيحين. وأيضاً المتهاونين والمؤجلين . . . وهكذا.
مساعدات أخرى لدراسة الكتاب المقدس
1- تعلم اللغات الأصلية للكتاب
إنه ليس ترفاً عديم القيمة أن تقرأ الكتاب المقدس باللغة التى كُتب فيها، فهناك كلمات فى اللغة الأصلية لا يوجد شبيه تام لها فى لغتنا العربية، وكلمات أخرى لها أكثر من معنى أو استخدام. فعلى سبيلالمثال كلمة "تاجر" في المثل السادس لملكوت السموات (متى13: 45)؛ جاءت فى الأصل اليوناني كلمة تعنى حرفياً "مسافر في مهمـة عمل" . ما أجمل أن تطبق هذا المعنى على المسيح الذي سافر من السماء إلى الأرض في مهمة ما أهمها! ثم كلمة "باع" المذكورة في نفس المثل تختلف فى الأصل اليوناني عن الكلمة المترجمة أيضاً "باع" في المثل الخامس (ع44)، التي تستخدم لمعاملات البيع والشراء العادية، أما الخاصة بمثل اللؤلؤة فهى تستخدم للبيع كعبد. ما أكثر البركة التى تجنيها عندما نتأمل فى هذه الأفكار؛ فهذا المسافر فى مهمة عمل، ضحى وأصبح عبداً إلى الأبد لأنه أحب الكنيسة (أف 5: 25). لقد أصاب مؤلف كتاب "بعض كنوز مخبأة فى العهد الجديد باللغة اليونانية" عندما قال "أعتقد أنه ليس قبل أن نصل إلى بيتنا السماوي سيمكننا أن نعرف حجم الخسارة التى تكبدناها بإهمالنا العهد الجديد اليوناني".
وفى حالة تعذر تعلم العبري واليوناني، يمكن الاستعاضة عن ذلك بالاستعانة بترجمات أخرى للكتاب المقدس. وبالنسبة لمن لا يعرف سوى اللغة العربية ينصح بالكتاب المقدس ذي الشواهد، والترجمة التفسيرية.
2- الاستعانة بقواميس وفهارس الكتاب المقدس
فالقـواميس تسهل عليك معرفة المعاني الغامضة للكلمات، وكذا معاني الكلمات والأسماء الأعجمية، أما الفهارس فإنها توفر عليك الوقت الطويل فى البحث عن الآية المطلوبة، كما تعطيك أماكن تواجد نظائرها فى الكتاب المقدس مما يفتح أمامك متسعاً للبحث والتأمل.
3- الشروحات والتفاسير
إننا نتذكر هنا نصيحة بوعز لراعوث لما قال لها « إذا عطشت فاذهبي إلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان » (را 2: 9). فلقد كان للغلمان طاقة أكبر مما لراعوث فى استخراج الماء من البئر العميقة. هكذا أيضاً يوجد رجال لله زودهم الرب بمواهب فذة، استطاعوا فهم كلمة الله بصورة واسعة. ونحن نشكر الرب عليهم لأن المواهـب التى أعطاها الرب؛ رأس الجسد، هي « لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح » (أف 4: 11، 12)، وهم بما سجلوه فى كتب صـاروا بـركة للأجيال. والمكتبات اليوم عامرة بعصارة جهدهم وطاقتهم وبحوثهم فى هذه الكلمة.
وإن لنـا من المثال الموحى به فى 2تيموثاوس 4: 13 تشجيعاً إلهياً على قراءة هذه الشروحات. ولو أننا نريد أن نحذر هنا بقوة من خطر الانصراف بقراءة هذه الشـروحات عن قراءة كلمة الله نفسها. هذه بلا شك عادة سيئة، فالكتاب المقدس يجب أن يأخذ المجال الأول في قراءاتنا. وإذا أردنا أن نعقد مقارنة بين تعلم الحق من قراءة الكتاب المقدس مباشرة وبين تعلمه من قراءة الشروحات؛ فإنه يمكن القول إن الكتب الروحية تعطى مجالاً أوسع لفهم الحق، والقراءة المباشرة للكتاب تعطى عمقاً أكبر فى تقدير الحق. الأولى تعطى كمية أكبر والثانية تعطى تدريباً أكبر. فإن جمعنا بين الأمرين فنعما نفعل.
4- الاجتماعات الروحية والجلسات
فعن طريق حضور الاجتماعات باسم الرب، لا سيما اجتماعات درس الكتاب، ينمو القديسون فى إدراك الكلمة. كما أن جلسات الأحباء معاً، إذا قُضيت فى الأسئلة الروحية والتأمل فى الكلمة، تعود على الإخوة بالنفع الكثير « وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو » (أف 3: 18). لم يتعمق الإخوة في أول عهدهم فى فهم كلمة الله إلا عن طريق هذه الاجتماعات الروحية، والجلسات الحبية.
ليت الرب المُقام، الذي جاء إلى تلاميذه عشية يوم القيامة وفتح ذهنهم ليفهموا الكتب، يفعل نفس الشئ معنا نحن أيضاً. وليته يعطينا القلب الملتهب ليزداد حبنا وشغفنا بمن هو موضوع الكتاب. وليت الرب يهبنا الذهن الواعي والقلب المدَّرب والحياة المتجاوبة. وحقاً أن تفتح كتابك، ثم تفتح قلبك للكتاب، ثم تفتح فمك طالباً من الله أن تسلك بموجب ما قرأت فهذا مفتاح للأمان واليقين والبهجة.
بتمنى سكوربيون يكون جاوبت عن سؤال اطرحتو كيف منقرا الكتاب المقدس لانو بظن نفس الخطوات رح نعمل