ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة، وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمهُ منوح وامرأتهُ عاقر لم تلد، فتراءَى ملاك الرب للمرأَة وقال لها: ها أنتِ عاقر لم تلدي، ولكنكِ تحبلين وتلدين ابناً. والآن فاحذري ولا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً نجساً، فها إنكِ تحبلين وتلدين ابناً ولا يعلُ موسى رأسهُ؛ لأن الصبي نذيراً لله من البطن وهو يبدأُ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين
«فدخلت المرأة وكلمت رجلها قائلة: جاءَ إليَّ رجل الله ومنظرهُ كمنظر ملاك الله مرهب جدًّا، ولم أسألهُ من أين هو ولا هو أخبرني عن اسمهِ، وقال لي: ها أنتِ تحبلين وتلدين ابناً، والآن فلا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً نجساً؛ لأن الصبي يكون نذيراً لله من البطن إلى يوم موتهِ…
وعاد الملاك فظهر إجابة لصلاة منوح وأوصاهما وصية مدققة من جهة تربية الولد، ووُلد شمشون في الوقت المعين وباركهُ الرب وابتدأ روح الرب يحركهُ في محلة دان بين صرعة وأشتاول.
«ونزل شمشون إلى تمنة، ورأَى امرأَة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباهُ وأمهُ وقال: قد رأَيت امرأَة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فالآن خذاها لي امرأَة. فقال لهُ أبوهُ وأمهُ: أَليس في بنات اخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى انك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف؟ فقال شمشون لأبيهِ: اياها خذ لي فقد حسنت في عينيَّ، ولم يعلم أبوهُ وأمهُ أن ذلك من الرب؛ لأنهُ كان يطلب علّةً عَلَى الفلسطينيين. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين عَلَى إسرائيل
فنزل شمشون وأبوهُ وأمهُ إلى تمنة وأتوا إلى كروم تمنة، وإذا بشبل أسد يزمجر للقائهِ، فحلَّ عليهِ روح الرب فشقهُ كشقّ الجدي وليس في يدهِ شيءٌ، ولم يخبر أباهُ وأمهُ بما فعل فنزل و كلم المرأة فحسنت في عيني شمشون ولما رجع بعد أياك لكي يأخدها لكي يرى رمة الأسد
واذ دبر من النحل في جوف الأسد مع عسل فاشتار منه على كفيه و كان يمشي ويأكل وذهب الى ابيه وامه واعطاهما فأكلا ولما يخبرهما
انه من جوف الأسد اشتار العسل
ونزل أبوهُ إلى المرأة فعمل هناك شمشون وليمة؛ لأنهُ هكذا كان يفعل الفتيان، فلما رأوهُ أحضروا ثلاثين من الأصحاب فكانوا معهُ، فقال لهم شمشون: لأُحاجينّكم أُحجية، فإذا حللتموها لي في سبعة أيام الوليمة وأصبتموها أعطيكم ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب. فقالوا لهُ: حاجِ أحجيتك فنسمعها، فقال لهم: من الآكل خرج أُكل ومن الجافي خرجت حلاوة، فلم يستطيعوا أن يحلُّوا الأحجية في ثلاث أيام
وكان في اليوم السابع انهم قالوا لأمراة شمشون تملقي رجلك لكي يظهر لنا الأحجية لئلا نحرقك وبيت ابيك بالنار
فبكت امرأة شمشون لديه وقالت: انما كرهتني ولا تحبني قد حاجيت بني شعبي أحجية واياي لم تخبر فقال لها: هوذا أبي و أمي لم أخبرهما
فهل اياكي اخبر فبكت لديه السبعة أيام التي فيها كانت لهم الوليمة و كان في اليوم السابع انه أخبرها لانها ضايقته فأظهر الأحجية لبني شعبها فقال له رجال المدينة: في اليوم السابع قبل غروب الشمس أي شيء احلا من العسل و ما أشفى من الأسد فقال لهم: لو لم تحرثوا
على عجلتي لما وجدتم أحجيتي وحل عليه روح الرب فنزل الى اشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلا و أخذ سلبهم و أعطى الحلل لمظهري الأحجية وحمي غضبه وصعد الى بيت ابيه فصارت امرأة شمشون لصاحبه الذي كان يصاحبه
وكان بعد مدة في أيام حصاد الحنطة أن شمشون افتقد امرأَته بجدي معزى، وقال: أدخل إلى امرأَتي إلى حجرتها، ولكن أباها لم يدعه أن يدخل
فيبان أنه لم يكن قد تزوج بها بعد؛ لأنهُ قام وتركها بالغيظ المرة الأولى وأعطاها أبوها لواحد آخر، ولما عرف ذلك شمشون غضب وأضرَّ أضراراً بليغاً بزروع الفلسطينيين فقاموا وانتقموا من التمني وبنتهِ إذ أحرقوهما بالنار، فجلبا الهلاك عَلَى نفسيهما عاقبة خيانتهما؛ لأن طرق الرب عادلة وكل إنسان يحصد ما قد زرعه، فعاد شمشون وانتقم منهم إذ ضربهم ساقاً عَلَى فخذ ضرباً عظيماً، ثم نزل وأقام في شقّ صخرة عيطم.
وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وتفرقوا في لحي، فقال رجال يهوذا: لماذا صعدتم علينا؟ فقالوا: صعدنا لكي نوثق شمشون لنفعل بهِ كما فعل بنا، فنزل ثلاثة آلاف رجل من يهوذا إلى شق صخرة عيطم وقالوا لشمشون: أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا؟ فماذا فعلت بنا؟ فقال لهم: كما فعلوا بي هكذا فعلت بهم، فقالوا له: نزلنا لكي نوثقك ونسلمك إلى يد الفلسطينيين، فقال لهم شمشون: احلفوا لي أنكم أنتم أيضاً لا تقعون عليّ، فكلموهُ قائلين: كلاَّ ولكننا نوثقك ونسلمك إلى يدهم وقتلاً لا نقتلك، فأوثقوهُ بحبلين جديدين وأصعدوهُ من الصخرة
صار قاضي إسرائيل منفصلاً وحدهُ؛ لأنهم ارتضوا أن يكونوا تحت سطوة أعدائهم خوفاً من مكابدة بعض المشقات التي لا بد منها إذا صارت حرب. فيبان انحطاط حالة إسرائيل إذ كان الله قد أقام لهم مخلصاً، وقد فضلوا العبودية عَلَى الحرية والخلاص. وهذا دأْب الإنسان في كل حين فإنهُ يفضل الراحة الحالية ولو كانت تحت سلطة إبليس القاسي عَلَى الخلاص تحت عناية المخلص الحنون، إذ الخلاص يقتضي مقاومة إبليس ويهيج غضبهُ في الحال، وكذلك إذا استولى العالم عَلَى الكنيسة لا يوجد طريق حينئذٍ لأولاد الله إلاَّ أن ينفصلوا عن الشر ويحتملوا العواقب مهما كانت، ولكن ذلك صعب عَلَى البشر. لم يكن شمشون واثقاً باخوتهِ أكثر من الفلسطينيين، ولكنهُ لم يشأ أن يستعمل قوتهُ لإبادتهم كما عمل يفتاح، وإذ ذاك استحلفهم أن لا يحاولون قتلهُ. يا للعجب! كيف أنهم ما خجلوا وانحازوا إلى مخلصهم طالبين منهُ أن يقودهم ضد ظالميهم؟ ولكن شعب الله إذا استعبدوا للعالم فقدوا كل حياءٍ وكل الاحساسات الجيدة حتى حب الوطن أيضاً. وبلا خجل قالوا له: أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا؟ فأين إله إسرائيل؟ أين غيرتهم عَلَى وطنهم وجنسهم؟ ألم يعملوا مثل ذلك مع المخلص الأعظم جدًّا من شمشون، إذ أوثقوهُ ومضوا بهِ إلى محكمة بيلاطس وسلموهُ لإرادة الأمم؟
ولما جاء إلى لحي صاح الفلسطينيين للقائهِ، فحل عليهِ روح الرب فكان الحبلان اللذان عَلَى ذراعيهِ ككتان أُحرق بالنار فانحلَّ الوثاق عن يديهِ ووجد لحي حمار طريّاً فمدَّ يدهُ وأخذهُ وضرب بهِ ألف رجل
ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها، فقيل للغزيين قد أتى شمشون إلى هنا، فأحاطوا به وكمنوا لهُ الليل كلهُ عند باب المدينة، فهدءوا الليل كله قائلين: عند ضوءِ الصباح نقتله، فاضطجع شمشون إلى نصف الليل ثم قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين وقلعهما مع العارضة ووضعهما عَلَى كتفهِ وصعد بها إلى رأْس الجبل الذي مقابل حبرون
وكان بعد ذلك أنهُ أحبَّ امرأَة في وادي سورق اسمها دليلة، فصعد إليها أقطاب الفلسطينيين وقالوا لها: تملّقيهِ وانظري بماذا قوتهُ العظيمة، وبماذا نتمكن منه لكي نوثقهُ لإذلالهِ، فنعطيك كل واحد ألفاً ومائة شاقل فضة
فقالت دليلة لشمشون: أخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لاذلالك فقال لها شمشون: اذا اوثقوني بسبعة أوتار طرية لم تجف
أضعف و أصير كواحد من الناس فأصعد لها أقطاب الفلسطينين سبعة أوتار طرية لم تجف فأوثقته بها والكمين لابث عندها في الحجرة
فقالت له : الفلسطينيون عليك يا شمشون فقطع الأواتار
فقالت دليلة لشمشون: ها قد خذلتني و كلمتني بالكذب
فاخبرني الآن بماذا توثق؟
اذ اوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل اضعف واصير كواحد من الناس
فأخذت دليلة حبال جديدة و أوثقته بها
فعادت و قالت له : الفلسطينيون عليك يا شمشون
فقطعها عن ذراعيه كخيط
فقالت دليلة لشمشون حتى الآن خذلتني وكلمتني بالكذب
فأخبرني بماذا توثق فقال لها: اذا ضفرتي سبع خصل رأسي مع السدى فمكنتها بالوتد وقالت له: الفلسطينيون عليك يا شمشون
فأنبته من نومه وقلع وتد النسيج والسدى فقالت له: كيف تقول احبك وقلبك ليس معي
هوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة
ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم والحت عليه ضاقت نفسه الى الموت فكشف لها كل قلبه
وقال لها: لم يعلو موس رأسي لأني نذير الله من بطن أمي فأن حلقت تفارقني قوتي واضعف وأصير كأحد الناس
ولما دليلة أنه قد أخبرها بكل ما فيه قلبه أرسلت فدعت الفلسطينين وقالت اصعدو هذه المرة فأنه قد كشف لي كل قلبه
فصعد اليها الفلسطينين و اصعدو الفضة بيديهم وانامته على ركبتيها ودعت رجلا و حلقت سبع خصل رأسه
وابتدأت بأذلاله وفارقته قوته وقالت : الفلسطينيون عليك يا شمشون فأنتبه من نومه و اخرج حسب كل مرة وانتفض
ولم يعلم أن الرب قد فارقه فأخده الفلسطينيون وقلعو عينيه ونزلو به الى غزة وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن
وابتدأَ شعر رأَسه ينبت بعد أن حُلق، وأما أقطاب الفلسطينيين فاجتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا وقالوا: قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا، ولما رآهُ الشعب مجدوا إلههم لأنهم قالوا قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرب أرضنا وكثر قتلانا، وكان لما طابت قلوبهم أنهم قالوا: ادعوا شمشون ليلعب لنا، فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب أمامهم وأوقفوه بين الأعمدة، فقال شمشون للغلام الماسك بيده: دعني ألمس الأعمدة التي البيت قائم عليها لأستند عليها. وكان البيت مملوءاً رجالاً ونساءً وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين، وعَلَى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأَة ينظرون لعب شمشون، فدعا شمشون الرب وقال: يا سيدي الرب اذكرني وشدّدني يا الله هذه المرة فقط فأنتقم نقمة واحدة من عينيّ من الفلسطينيين، وقبض شمشون عَلَى العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائماً عليهما، واستند عليهما الواحد بيمينهِ والآخر بيسارهِ، وقال شمشون: لتمتْ نفسي مع الفلسطينيين، وانحنى بقوة فسقط البيت عَلَى الأقطاب وعَلَى كل الشعب الذي فيهِ، فكان الموتى الذين أماتهم في موتهِ أكثر من الذين أماتهم في حياتهِ، فنزل اخوتهُ وكل بيت أبيهِ وحملوهُ وصعدوا بهِ ودفنوه بين صرعة وأشتأْول في قبر منوح أبيهِ، وهو قضى لإسرائيل عشرين سنة
«فدخلت المرأة وكلمت رجلها قائلة: جاءَ إليَّ رجل الله ومنظرهُ كمنظر ملاك الله مرهب جدًّا، ولم أسألهُ من أين هو ولا هو أخبرني عن اسمهِ، وقال لي: ها أنتِ تحبلين وتلدين ابناً، والآن فلا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً نجساً؛ لأن الصبي يكون نذيراً لله من البطن إلى يوم موتهِ…
وعاد الملاك فظهر إجابة لصلاة منوح وأوصاهما وصية مدققة من جهة تربية الولد، ووُلد شمشون في الوقت المعين وباركهُ الرب وابتدأ روح الرب يحركهُ في محلة دان بين صرعة وأشتاول.
«ونزل شمشون إلى تمنة، ورأَى امرأَة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباهُ وأمهُ وقال: قد رأَيت امرأَة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فالآن خذاها لي امرأَة. فقال لهُ أبوهُ وأمهُ: أَليس في بنات اخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى انك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف؟ فقال شمشون لأبيهِ: اياها خذ لي فقد حسنت في عينيَّ، ولم يعلم أبوهُ وأمهُ أن ذلك من الرب؛ لأنهُ كان يطلب علّةً عَلَى الفلسطينيين. وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين عَلَى إسرائيل
فنزل شمشون وأبوهُ وأمهُ إلى تمنة وأتوا إلى كروم تمنة، وإذا بشبل أسد يزمجر للقائهِ، فحلَّ عليهِ روح الرب فشقهُ كشقّ الجدي وليس في يدهِ شيءٌ، ولم يخبر أباهُ وأمهُ بما فعل فنزل و كلم المرأة فحسنت في عيني شمشون ولما رجع بعد أياك لكي يأخدها لكي يرى رمة الأسد
واذ دبر من النحل في جوف الأسد مع عسل فاشتار منه على كفيه و كان يمشي ويأكل وذهب الى ابيه وامه واعطاهما فأكلا ولما يخبرهما
انه من جوف الأسد اشتار العسل
ونزل أبوهُ إلى المرأة فعمل هناك شمشون وليمة؛ لأنهُ هكذا كان يفعل الفتيان، فلما رأوهُ أحضروا ثلاثين من الأصحاب فكانوا معهُ، فقال لهم شمشون: لأُحاجينّكم أُحجية، فإذا حللتموها لي في سبعة أيام الوليمة وأصبتموها أعطيكم ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب. فقالوا لهُ: حاجِ أحجيتك فنسمعها، فقال لهم: من الآكل خرج أُكل ومن الجافي خرجت حلاوة، فلم يستطيعوا أن يحلُّوا الأحجية في ثلاث أيام
وكان في اليوم السابع انهم قالوا لأمراة شمشون تملقي رجلك لكي يظهر لنا الأحجية لئلا نحرقك وبيت ابيك بالنار
فبكت امرأة شمشون لديه وقالت: انما كرهتني ولا تحبني قد حاجيت بني شعبي أحجية واياي لم تخبر فقال لها: هوذا أبي و أمي لم أخبرهما
فهل اياكي اخبر فبكت لديه السبعة أيام التي فيها كانت لهم الوليمة و كان في اليوم السابع انه أخبرها لانها ضايقته فأظهر الأحجية لبني شعبها فقال له رجال المدينة: في اليوم السابع قبل غروب الشمس أي شيء احلا من العسل و ما أشفى من الأسد فقال لهم: لو لم تحرثوا
على عجلتي لما وجدتم أحجيتي وحل عليه روح الرب فنزل الى اشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلا و أخذ سلبهم و أعطى الحلل لمظهري الأحجية وحمي غضبه وصعد الى بيت ابيه فصارت امرأة شمشون لصاحبه الذي كان يصاحبه
وكان بعد مدة في أيام حصاد الحنطة أن شمشون افتقد امرأَته بجدي معزى، وقال: أدخل إلى امرأَتي إلى حجرتها، ولكن أباها لم يدعه أن يدخل
فيبان أنه لم يكن قد تزوج بها بعد؛ لأنهُ قام وتركها بالغيظ المرة الأولى وأعطاها أبوها لواحد آخر، ولما عرف ذلك شمشون غضب وأضرَّ أضراراً بليغاً بزروع الفلسطينيين فقاموا وانتقموا من التمني وبنتهِ إذ أحرقوهما بالنار، فجلبا الهلاك عَلَى نفسيهما عاقبة خيانتهما؛ لأن طرق الرب عادلة وكل إنسان يحصد ما قد زرعه، فعاد شمشون وانتقم منهم إذ ضربهم ساقاً عَلَى فخذ ضرباً عظيماً، ثم نزل وأقام في شقّ صخرة عيطم.
وصعد الفلسطينيون ونزلوا في يهوذا وتفرقوا في لحي، فقال رجال يهوذا: لماذا صعدتم علينا؟ فقالوا: صعدنا لكي نوثق شمشون لنفعل بهِ كما فعل بنا، فنزل ثلاثة آلاف رجل من يهوذا إلى شق صخرة عيطم وقالوا لشمشون: أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا؟ فماذا فعلت بنا؟ فقال لهم: كما فعلوا بي هكذا فعلت بهم، فقالوا له: نزلنا لكي نوثقك ونسلمك إلى يد الفلسطينيين، فقال لهم شمشون: احلفوا لي أنكم أنتم أيضاً لا تقعون عليّ، فكلموهُ قائلين: كلاَّ ولكننا نوثقك ونسلمك إلى يدهم وقتلاً لا نقتلك، فأوثقوهُ بحبلين جديدين وأصعدوهُ من الصخرة
صار قاضي إسرائيل منفصلاً وحدهُ؛ لأنهم ارتضوا أن يكونوا تحت سطوة أعدائهم خوفاً من مكابدة بعض المشقات التي لا بد منها إذا صارت حرب. فيبان انحطاط حالة إسرائيل إذ كان الله قد أقام لهم مخلصاً، وقد فضلوا العبودية عَلَى الحرية والخلاص. وهذا دأْب الإنسان في كل حين فإنهُ يفضل الراحة الحالية ولو كانت تحت سلطة إبليس القاسي عَلَى الخلاص تحت عناية المخلص الحنون، إذ الخلاص يقتضي مقاومة إبليس ويهيج غضبهُ في الحال، وكذلك إذا استولى العالم عَلَى الكنيسة لا يوجد طريق حينئذٍ لأولاد الله إلاَّ أن ينفصلوا عن الشر ويحتملوا العواقب مهما كانت، ولكن ذلك صعب عَلَى البشر. لم يكن شمشون واثقاً باخوتهِ أكثر من الفلسطينيين، ولكنهُ لم يشأ أن يستعمل قوتهُ لإبادتهم كما عمل يفتاح، وإذ ذاك استحلفهم أن لا يحاولون قتلهُ. يا للعجب! كيف أنهم ما خجلوا وانحازوا إلى مخلصهم طالبين منهُ أن يقودهم ضد ظالميهم؟ ولكن شعب الله إذا استعبدوا للعالم فقدوا كل حياءٍ وكل الاحساسات الجيدة حتى حب الوطن أيضاً. وبلا خجل قالوا له: أما علمت أن الفلسطينيين متسلطون علينا؟ فأين إله إسرائيل؟ أين غيرتهم عَلَى وطنهم وجنسهم؟ ألم يعملوا مثل ذلك مع المخلص الأعظم جدًّا من شمشون، إذ أوثقوهُ ومضوا بهِ إلى محكمة بيلاطس وسلموهُ لإرادة الأمم؟
ولما جاء إلى لحي صاح الفلسطينيين للقائهِ، فحل عليهِ روح الرب فكان الحبلان اللذان عَلَى ذراعيهِ ككتان أُحرق بالنار فانحلَّ الوثاق عن يديهِ ووجد لحي حمار طريّاً فمدَّ يدهُ وأخذهُ وضرب بهِ ألف رجل
ثم ذهب شمشون إلى غزة ورأى هناك امرأة زانية فدخل إليها، فقيل للغزيين قد أتى شمشون إلى هنا، فأحاطوا به وكمنوا لهُ الليل كلهُ عند باب المدينة، فهدءوا الليل كله قائلين: عند ضوءِ الصباح نقتله، فاضطجع شمشون إلى نصف الليل ثم قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين وقلعهما مع العارضة ووضعهما عَلَى كتفهِ وصعد بها إلى رأْس الجبل الذي مقابل حبرون
وكان بعد ذلك أنهُ أحبَّ امرأَة في وادي سورق اسمها دليلة، فصعد إليها أقطاب الفلسطينيين وقالوا لها: تملّقيهِ وانظري بماذا قوتهُ العظيمة، وبماذا نتمكن منه لكي نوثقهُ لإذلالهِ، فنعطيك كل واحد ألفاً ومائة شاقل فضة
فقالت دليلة لشمشون: أخبرني بماذا قوتك العظيمة وبماذا توثق لاذلالك فقال لها شمشون: اذا اوثقوني بسبعة أوتار طرية لم تجف
أضعف و أصير كواحد من الناس فأصعد لها أقطاب الفلسطينين سبعة أوتار طرية لم تجف فأوثقته بها والكمين لابث عندها في الحجرة
فقالت له : الفلسطينيون عليك يا شمشون فقطع الأواتار
فقالت دليلة لشمشون: ها قد خذلتني و كلمتني بالكذب
فاخبرني الآن بماذا توثق؟
اذ اوثقوني بحبال جديدة لم تستعمل اضعف واصير كواحد من الناس
فأخذت دليلة حبال جديدة و أوثقته بها
فعادت و قالت له : الفلسطينيون عليك يا شمشون
فقطعها عن ذراعيه كخيط
فقالت دليلة لشمشون حتى الآن خذلتني وكلمتني بالكذب
فأخبرني بماذا توثق فقال لها: اذا ضفرتي سبع خصل رأسي مع السدى فمكنتها بالوتد وقالت له: الفلسطينيون عليك يا شمشون
فأنبته من نومه وقلع وتد النسيج والسدى فقالت له: كيف تقول احبك وقلبك ليس معي
هوذا ثلاث مرات قد خذلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة
ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم والحت عليه ضاقت نفسه الى الموت فكشف لها كل قلبه
وقال لها: لم يعلو موس رأسي لأني نذير الله من بطن أمي فأن حلقت تفارقني قوتي واضعف وأصير كأحد الناس
ولما دليلة أنه قد أخبرها بكل ما فيه قلبه أرسلت فدعت الفلسطينين وقالت اصعدو هذه المرة فأنه قد كشف لي كل قلبه
فصعد اليها الفلسطينين و اصعدو الفضة بيديهم وانامته على ركبتيها ودعت رجلا و حلقت سبع خصل رأسه
وابتدأت بأذلاله وفارقته قوته وقالت : الفلسطينيون عليك يا شمشون فأنتبه من نومه و اخرج حسب كل مرة وانتفض
ولم يعلم أن الرب قد فارقه فأخده الفلسطينيون وقلعو عينيه ونزلو به الى غزة وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن
وابتدأَ شعر رأَسه ينبت بعد أن حُلق، وأما أقطاب الفلسطينيين فاجتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا وقالوا: قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا، ولما رآهُ الشعب مجدوا إلههم لأنهم قالوا قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرب أرضنا وكثر قتلانا، وكان لما طابت قلوبهم أنهم قالوا: ادعوا شمشون ليلعب لنا، فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب أمامهم وأوقفوه بين الأعمدة، فقال شمشون للغلام الماسك بيده: دعني ألمس الأعمدة التي البيت قائم عليها لأستند عليها. وكان البيت مملوءاً رجالاً ونساءً وكان هناك جميع أقطاب الفلسطينيين، وعَلَى السطح نحو ثلاثة آلاف رجل وامرأَة ينظرون لعب شمشون، فدعا شمشون الرب وقال: يا سيدي الرب اذكرني وشدّدني يا الله هذه المرة فقط فأنتقم نقمة واحدة من عينيّ من الفلسطينيين، وقبض شمشون عَلَى العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائماً عليهما، واستند عليهما الواحد بيمينهِ والآخر بيسارهِ، وقال شمشون: لتمتْ نفسي مع الفلسطينيين، وانحنى بقوة فسقط البيت عَلَى الأقطاب وعَلَى كل الشعب الذي فيهِ، فكان الموتى الذين أماتهم في موتهِ أكثر من الذين أماتهم في حياتهِ، فنزل اخوتهُ وكل بيت أبيهِ وحملوهُ وصعدوا بهِ ودفنوه بين صرعة وأشتأْول في قبر منوح أبيهِ، وهو قضى لإسرائيل عشرين سنة
Comment