الآن أستطيع الرحيل
في سكون الليل وفي الظلام الدامس شعرت به يدخل غرفتي.. يتحسس ولكنه لم يضئ النور .. فتحت عيني قليلا .. انه يتجه إلى خزانتي .. كنت أعرف من هو على الرغم الظلام وعلى الرغم من ضعف بصري.. انه حفيدي هاني .. لقد اعتاد أن يدخل حجرتي لكي يسرقني .. تركته يفتش في الصندوق الذي اعتاد أن يسرق منه والذي كنت أضع فيه مدخراتي وأخذ بغيته وخرج .
وببطء قمت من نومي.. وسط ألم هائل في عظامي بسبب الروماتيزم الذي هد كياني كله.. وفتحت الصندوق .. لقد سرق عشر دنانير.. ترى .. ماذا سيفعل بهذا المبلغ الكبير؟
دمعة نزلت من عيني .. ليس بسبب النقود.. بل لأجل هاني الشاب التائه الذي هو حفيدي.. ولم أملك إلا أن أكلم من وضعت رجائي عليه منذ سنوات طوال فرفعت عيني إلى أعلى وصرخت إلى الهي...
يا الهي .. أضع هاني بين يديك
انه الوحيد من عائلتي الذي لا يزال يرفضك
الوحيد الذي يتمرد عليك
والآن
ها أنا قد بلغت من العمر ما يجعلني أنتظر الرحيل في أي لحظة
ولكني أرفض الرحيل الآن يا رب
لن أرحل إلا بعد أن أراه وقد قبلك في حياته
أريد أن أراه ابنك يا رب
هل تعدني ؟
هل تعد ابنتك العجوز التي عاشت معك طوال عمرها
هل تلبي لها طلبتها الأخيرة
هل .....؟
وتشرق الشمس .. أفتح الشباك ليدخل النور .. ويدخل على هاني .. وفي عينه كثير من الشقاوة والمكر يريد أن يعرف إن كنت قد عرفت بسرقته أم لا ...
- جدتي .. صباح الخير يا جدتي
- صباح النور يا هاني
- ماذا تفعلين؟
- أصلي
- يا جدتي العزيزة .. ألم تسأمي من تلك الصلوات المتكررة .. أنك تصلين ثمانين عاما .. ألا يكفي ؟ !!
ويبدوا لي أني لمحت تلك النظرة الساخرة التي يرمقني بها كلما رآني أصلي وتلميحه لي بعمري بدا لي أنه يقول كفي يا جدتي .. ألم يحن وقت رحيلك بعد؟ .. ولكني طردت تلك الأفكار التي راودتني وقلت له
- لا يزال لدي طلبة أصلي لأجلها
- وما هي ؟
- أن تعرفه أنت يا هاني
لا تزال ابتسامة هاني الساخرة مرتسمة على وجهه وقال
- هذه الطلبة لن تتحقق أبداً يا جدتي .. هذا آخر شئ يمكن أن أفعله .. إن الله اختراع بشري ساذج .. وأنا الآن شاب أريد أن أتمتع بالحياة.
- وتمتعت؟
- لازلت أبحث عن السعادة .. وسأجدها
- لن يجدها إلا في يسوع
- يا للضجر
- اسمع .. أنني لن أغادر هذه الدنيا إلا بعد أن تقبل يسوع في حياتك .. حتى لو قارب عمري عمر متوشالح ..
- ومن هو متوشالح؟
قالها واستدار في سخرية وينظر بخبث إلى خزانة ملابسي وكأنه يخترقها ليصل إلى ما بداخلها من نقود ويقول
- يا جدتي .. لا تصلي كثيرا ونامي مبكرا هذا المساء .. لأن السهر للعجائز يضر الصحة كثيرا .
نظرت له وفهمت أنه سيسرقني الليلة أيضا .. قلت له
- أجل يا عزيزي .. سأنام مبكرا .. ولكني لن أكف عن الصلاة لأجلك ..
ونظر أليه نظرة مليئة بالتحدي وتركني وغادر المكان .
***
لم أكن أعرف ماذا يفعل هاني بالنقود التي يسرقها مني .. فكرت أن أخبئها في مكان آخر .. ولكني خفت أن يسرق أي شخص آخر ويذهب إلى السجن .. أيضا الذي زاد من حيرتي ومخاوفي أن تعتاد يد هاني على السرقة فتصبح هذه سماته .. لم أعرف ماذا أفعل ؟ .. لا أملك القوة في توجيهه وهو أيضا يسخر مني ولا يستمع لي .. ولم أجد غير الصلاة .. ضعفت ووهنت قدماي .. وعيناي لم تعد تر ألا بصيص من النور .. وهاني لا يزال يتمادى في تمرده .. لا أعرف ماذا يفعل ولكني أعرف أنه ضائع .... وتمر الأيام والسنين .. ولم يعد هاني يسرق مني .. لأنه لم يعد عندي ما يستحق السرقة.. وهو كبر .. وبدأ يعمل .. ولكن .. لا يزال في تمرده .. وأنا لا أزال أصلي .. عمري طال كثيرا وودت لو أرحل .. أحباء كثيرون رحلوا وتركوني .. وأنا لا زلت أنتظر .. ألا يكفي كل هذا العمر يا رب ؟!
ولكن وعد الله لا يزال داخلي .. وأنا متمسكة به وأنتظر تحقيقه.
استيقظت فجأة في الليل .. بداخلي دافع قوي للصلاة لأجل هاني .. أخذت أصلي وأصلي .. أجل يا رب .. أشعر به يصارع الآن .. لا تدعه يهرب من تلك النعمة الإلهية التي تريد أن تحاوطه .. أعلم يا رب بتمرده .. ولكن رجائي فيك .. أنها الليلة الأخيرة .
وبقيت طوال الليل وأنا في حالة صلاة .. حتى شعرت بالفجر يقترب .. وصوت الباب يفتح .. انه هو .. لم يكن يعرف أنني مستيقظة .. وناديته
- هاني
يأتي ألي ..
- هل أنت مستيقظة يا جدتي ؟
الابتسامة مضيئة خالية من السخرية .. والقلب منشرح على الرغم من الدموع التي تملأ العينين
- لقد فعلتها يا هاني .. أليس كذلك ؟
- ماذا فعلت ؟
- أصبحت ابنا لله
نظر بدهشة وقال .. كيف عرفت .. أنه لم يحدث إلا تلك الليلة .. دمعت عيناي في سعادة .. عانقته وأنا أنظر إلى اله أمين يحقق الوعود .. وقلت له
- الآن أستطيع الرحيل
وببطء قمت من نومي.. وسط ألم هائل في عظامي بسبب الروماتيزم الذي هد كياني كله.. وفتحت الصندوق .. لقد سرق عشر دنانير.. ترى .. ماذا سيفعل بهذا المبلغ الكبير؟
دمعة نزلت من عيني .. ليس بسبب النقود.. بل لأجل هاني الشاب التائه الذي هو حفيدي.. ولم أملك إلا أن أكلم من وضعت رجائي عليه منذ سنوات طوال فرفعت عيني إلى أعلى وصرخت إلى الهي...
يا الهي .. أضع هاني بين يديك
انه الوحيد من عائلتي الذي لا يزال يرفضك
الوحيد الذي يتمرد عليك
والآن
ها أنا قد بلغت من العمر ما يجعلني أنتظر الرحيل في أي لحظة
ولكني أرفض الرحيل الآن يا رب
لن أرحل إلا بعد أن أراه وقد قبلك في حياته
أريد أن أراه ابنك يا رب
هل تعدني ؟
هل تعد ابنتك العجوز التي عاشت معك طوال عمرها
هل تلبي لها طلبتها الأخيرة
هل .....؟
وتشرق الشمس .. أفتح الشباك ليدخل النور .. ويدخل على هاني .. وفي عينه كثير من الشقاوة والمكر يريد أن يعرف إن كنت قد عرفت بسرقته أم لا ...
- جدتي .. صباح الخير يا جدتي
- صباح النور يا هاني
- ماذا تفعلين؟
- أصلي
- يا جدتي العزيزة .. ألم تسأمي من تلك الصلوات المتكررة .. أنك تصلين ثمانين عاما .. ألا يكفي ؟ !!
ويبدوا لي أني لمحت تلك النظرة الساخرة التي يرمقني بها كلما رآني أصلي وتلميحه لي بعمري بدا لي أنه يقول كفي يا جدتي .. ألم يحن وقت رحيلك بعد؟ .. ولكني طردت تلك الأفكار التي راودتني وقلت له
- لا يزال لدي طلبة أصلي لأجلها
- وما هي ؟
- أن تعرفه أنت يا هاني
لا تزال ابتسامة هاني الساخرة مرتسمة على وجهه وقال
- هذه الطلبة لن تتحقق أبداً يا جدتي .. هذا آخر شئ يمكن أن أفعله .. إن الله اختراع بشري ساذج .. وأنا الآن شاب أريد أن أتمتع بالحياة.
- وتمتعت؟
- لازلت أبحث عن السعادة .. وسأجدها
- لن يجدها إلا في يسوع
- يا للضجر
- اسمع .. أنني لن أغادر هذه الدنيا إلا بعد أن تقبل يسوع في حياتك .. حتى لو قارب عمري عمر متوشالح ..
- ومن هو متوشالح؟
قالها واستدار في سخرية وينظر بخبث إلى خزانة ملابسي وكأنه يخترقها ليصل إلى ما بداخلها من نقود ويقول
- يا جدتي .. لا تصلي كثيرا ونامي مبكرا هذا المساء .. لأن السهر للعجائز يضر الصحة كثيرا .
نظرت له وفهمت أنه سيسرقني الليلة أيضا .. قلت له
- أجل يا عزيزي .. سأنام مبكرا .. ولكني لن أكف عن الصلاة لأجلك ..
ونظر أليه نظرة مليئة بالتحدي وتركني وغادر المكان .
***
لم أكن أعرف ماذا يفعل هاني بالنقود التي يسرقها مني .. فكرت أن أخبئها في مكان آخر .. ولكني خفت أن يسرق أي شخص آخر ويذهب إلى السجن .. أيضا الذي زاد من حيرتي ومخاوفي أن تعتاد يد هاني على السرقة فتصبح هذه سماته .. لم أعرف ماذا أفعل ؟ .. لا أملك القوة في توجيهه وهو أيضا يسخر مني ولا يستمع لي .. ولم أجد غير الصلاة .. ضعفت ووهنت قدماي .. وعيناي لم تعد تر ألا بصيص من النور .. وهاني لا يزال يتمادى في تمرده .. لا أعرف ماذا يفعل ولكني أعرف أنه ضائع .... وتمر الأيام والسنين .. ولم يعد هاني يسرق مني .. لأنه لم يعد عندي ما يستحق السرقة.. وهو كبر .. وبدأ يعمل .. ولكن .. لا يزال في تمرده .. وأنا لا أزال أصلي .. عمري طال كثيرا وودت لو أرحل .. أحباء كثيرون رحلوا وتركوني .. وأنا لا زلت أنتظر .. ألا يكفي كل هذا العمر يا رب ؟!
ولكن وعد الله لا يزال داخلي .. وأنا متمسكة به وأنتظر تحقيقه.
استيقظت فجأة في الليل .. بداخلي دافع قوي للصلاة لأجل هاني .. أخذت أصلي وأصلي .. أجل يا رب .. أشعر به يصارع الآن .. لا تدعه يهرب من تلك النعمة الإلهية التي تريد أن تحاوطه .. أعلم يا رب بتمرده .. ولكن رجائي فيك .. أنها الليلة الأخيرة .
وبقيت طوال الليل وأنا في حالة صلاة .. حتى شعرت بالفجر يقترب .. وصوت الباب يفتح .. انه هو .. لم يكن يعرف أنني مستيقظة .. وناديته
- هاني
يأتي ألي ..
- هل أنت مستيقظة يا جدتي ؟
الابتسامة مضيئة خالية من السخرية .. والقلب منشرح على الرغم من الدموع التي تملأ العينين
- لقد فعلتها يا هاني .. أليس كذلك ؟
- ماذا فعلت ؟
- أصبحت ابنا لله
نظر بدهشة وقال .. كيف عرفت .. أنه لم يحدث إلا تلك الليلة .. دمعت عيناي في سعادة .. عانقته وأنا أنظر إلى اله أمين يحقق الوعود .. وقلت له
- الآن أستطيع الرحيل
Comment