الساحر
المكان: واحدة من قرى محافظة قنا في صعيد مصر
الزمان: الربع الأخير من القرن العشرين
أخذ يهزني بقوة حتى أستيقظ من نومي .. كانت الفترة الماضية من حياتي قلقة جدا.. لذلك كنت أجد صعوبة في النوم.. وكنت أتمنى دائما لو أنام قليلا .. بسبب الخوف الذي يعتريني هذه الأيام .. وأخيرا بعدما دخلت فيما يشبه الإغماء بسبب عدم النوم وجدت من يزعجني ويهزني حتى أستيقظ .. وجاءني صوت ذلك الشاب ايليا وهو يصرخ
- استيقظ يا معلم بسخرون .. إنني أريدك
في البداية قررت تجاهله.. ولكني تذكرت أنه لم يدخل في جيبي قرشا واحدا منذ عدة أيام.. ومعدتي التي تصرخ طلبا للحم .. فنهضت متثاقلا قائلا وعلامات الضجر تملأني
- ماذا تريد يا إيليا يا إبني
- انني احتاج اليك يا عمي
قلت في ضجر
- ولماذا تذكرتني الآن .. لماذا لم تذهب إلى ذلك الواعظ الذي جاء الى البلدة .. ألم يتركني الجميع وذهبوا يلهثون وراءه ويستمعون اليه ويحل لهم مشاكلهم ؟
قال إيليا في مسكنة
- أنت الخير والبركة يا عماه.. أنت رجل صالح وبركة .. وكل ما تصنعه ينجح
أخذت ألبس جلبابي وطاقيتي وقد عادت الي ثقتي في نفسي .. فيبدوا أن ذلك الواعظ فقد سلطانه في هذه البلدة وسريعا ما سيعود اليى زبائني .
وبينما أنا ألبس الجلباب كان إيليا يساعدني بكل احترام واضعا القبقاب أمامي لكي ألبسه ثم يتجه الى الجوزة (أرجيلة ) ويحملها خارج العشة التي أعيش فيها يغير مائها ويحرق الفحم ويجهز المعسل (نوع من المكيفات البلدي المشهورة في صعيد مصر ) حتى انني ما أن خرجت الى خارج العشة وجلست تحت شجرة النبق (فاكهة تنمو في صعيد مصر) إمتدت يده بالجوزه يشد نفسين كإثبات على حسن إعداده وجودة صنعته.
وجلس بجانبي تحت النبقة وبينما أنا أشد نفسين من الجوزة كان هو يفرك في يديه متوترا وفي حالة غضب شديد.
قلت له
- ما هي مشكلتك يا إيليا
- أريد حجاب
- قل لي عن مشكلتك أولا يا إيليا
نظر الى والشرر يتطاير من عينه وبدا لي أنه اقترب من الانفجار وهو يقول
- ذلك الأحمق اللص الذي يقاسمني رزقي .. انه يسرقني في وضح النهار .. ذلك الذي يشاركني تجارتي ومعيشتي ويسلبني في نفس الوقت حقوقي
- ماهر؟
- نعم .. ذلك اللص ماهر .. لقد بدأنا تجارتنا سويا .. ولكنه كثيرا ما تسبب في خسارتي .. وبالأمس إكتشفت أنه يسرقني ويعمل من ورائي بتجارة لحسابه .. وهو الآن ثري جدا ويشكو من الخسارة ومن ضيق ذات ايد أمامي .. فأحص أنا وتجارتي الخسارة ويحصد هو المكسب.
كان من الممكن أن أبرئ ساحة ماهر .. إذ أنني أعرف أن ما يقوله ايليا غير حقيقي .. فهو مسرف وفاشل ولا يستطيع الاعتماد عليه ولولا ماهر لما قامت التجارة أصلا.. ولكن لو فعلت هذا لأغلقت على نفسي باب رزق صعب أن يعوض .. فبسرعة ابتسمت لإيليا تلك الابتسامة الساخرة وقلت له
- ألست أنت الذي تركته يعبث بأموالك ؟ .. أحصد أنت إذن ثمرة إهمالك..
نظر الي ايليا والغضب يكاد يقتله وهو يقول
- كل هذا لابد وأن يكون له نهاية يا معلمي .. لذلك اريد منك أن تصنع لي حجابا يخرب بيته.
أريدك أن تصيبه بمصيبة رهيبة .. كارثة .. إقرأ لي ما يجعله يختفي من وجه الأرض .
قلت له
- أهدأ يا أبليا .. ستكون في غاية الراحة
نهضت ودخلت الى العشة فأخرجت كتاب الطلاسم الذي أورثني إياه أجدادي .. وكتاب المزامير – مزامير داود- ذلك الكتاب الذي أستعمله في صنع الأحجية .. وأمسكت بورقة وأخذت أكتب بضعة آيات من المزمور التاسع والثمانون..
وأنا منشغل في هذا المزمور أخذت أسأله
- ان رأس مالك كله في يده.. ألا تخشى أن يصيبه سوء عندما يصاب هو بأذى؟
- لم يعد لي ما أخسره.. أريد أن أسحقه فقط
قالها بصراخ شديد وغضب بالغ.. فقلت له
- ولماذا لم تذهب الى ذلك الواعظ الذي يذهب اليه كل أهل البلدة في هذه الأيام ؟!!
نظر الي بتردد كمن يخجل من أن يتكلم.. وقال على استحياء
- لقد ذهبت يا معلمي .. انه .. انه دجال .. بعد كل ما قلته له عن ذلك الصديق الخائن أخذ يكلمني عن المحبة والتسامح.. تصور .. أراد أن يجمعني معه.. ويواجهني به حتى ينحل المشكل ..
- يا للنصيحة
- أخذ يقول لي أن يسوع المسيح قد غفر الخطايا .. ولذلك يجب أن أغفر أنا أيضا .. وأخذ يكلمني بأمثلة عن مداين سامح الرجل الذي اقترض منه أموال .. أهذه هي المسيحية حقا يا معلمي ؟!!
- أهكذا أنا علمتكم
- كلا ..وأنت معنا كل الأيام لم تقل لنا مثل هذا الكلام
نظرت اليه وقلت في أسف
- دجالون هؤلاء الآتون من المدينة .. لم يعرفوا طريق قريتنا الا الآن .. أتمنى لو يرحل هذا الدجال.
- الغريب يا سيدي أنه يمسك بالكتاب المقدس . ويعلمنا منه ويدعي أن هذا الكلام مكتوب فيه ويكلمنا عن صلب المسيح وفداؤه. هذا تعليم جديد لا يمت للمسيحية في شئ .. أليس كذلك ؟
صرخت فيه
- لماذا إذن تذهبون اليه وتتركون معلمكم الذي يلبي كل إحتياجاتكم ... يفك المربوط ويربط المحلول.. ويعطيكم لكل داء دواء .. لماذا تركتم الصالح وجريتم وراء الباطل .. تركتم الحق وركضتم وراء دجالون.. ألا تخجلون من أنفسكم؟
نظر الي باستعطاف وقال
- اذهب اليه يا سيدي واطرده من ههنا .. انه يدعي أنه يخرج شياطين من أجسامنا .. وأنا أرى بنفسي كثير من الشباب يتغيرون تماما عن سلوكهم .. أرى بعض الشباب يصرخون في هلع عند رؤيتهم له .. وهو يقول لهم تلك الكلمة { باسم يسوع أخرج منه} وما هي الا لحظات حتى يستكين الجسد ويهدأ .. ان اسم يسوع على لسانه له فعل السحر .. وعندما يبدأ الواعظ في وعظه لابد وأن يتكلم عن ذلك المصلوب طالبا من المستمعين أن يسلموا حياتهم له..
نظرت له بسخرية
- أنت تذهب اليه كثيرا اذن
ومددت يدي الى تلك الورقة التي أعطيتها له كحجاب لأمزقها .. ولكنه صرخ باستعطاف وقال
- كلا يا سيدي .. لا تمزق الحجاب .. انني أذهب اليه لأقول لك ما يفعل فقط.. لكني عندما احتجت الى شئ رجعت لك فورا.. لن أستطيع الاستغناء عن الحجاب
وبدا لي أنه على وشك البكاء .. فأكملت ما تبقى من آيات في المزمور .. وبعدها كتبت تلك الطلاسم الخاصة بالخصومة .. لكي تأتي قوى الشر تتعامل مع ذلك الرجل .
ثم أعطيته الحجاب وقلت له
- إغمسه في دم غراب .. هيا
أخرج ايليا مبلغا من المال كنت في أمس الحاجة اليه .. بعد مجئ ذلك الواعظ الذي خرب بيتي .. ثم غادر المكان وبقيت أدخن الشيشة وحدي ... رن في أذني كلمات ايليا
- هذا تعليم جديد .. نسمعه لأول مرة .. يسوع صلب لأجل خطايانا ....
- يجب أن نسلم أنفسنا له لنصير أبناء له ونتعلم كيف نسامح ..
لم يكن هذا التعليم جديد علي .. أنا أعرفه .. وددت لو أذهب الى ذلك الرجل .. لكن كان في داخلي خوف شديد .. أخاف أن يغير في شئ .. ذلك الساكن في داخلي ربما يهرب وعندئذ سوف ينقطع رزقي تماما.. ثم .. ماذا يقول الناس عني .. أنا معلمهم .. ألجأ الى ذلك الواعظ؟
بداخلي رغبة شديدة في حضور إجتماعات الكنيسة .. ذلك المكان الذي أغلق أربعة عشر عاما كاملة لعدم وجود خادم يأتي الى ذلك المكان النائي ..
أذكر أنه منذ أربعة عشر عاما كانت هناك كنيستين من طائفتين مختلفتين .. كانوا يعملون معا .. ثم يدبرون بعضهم لبعض المكائد .. والشعب حائر بين الطرفين .. كنت لا أزال في مقتبل العمر .. أريد أن أعرف الخطأ من الصواب .. لكنهم كانوا مشغولين بالعراك حتى أغلق المكان وتحول الآخر الى دار لتلقي واجب العزاء .
والآن بعد أربعة عشر عاما يتذكر ذلك الواعظ قريتي بعد أن أصبح رزقي من تلك الأحجية التي أبيعها للناس والصالحة لكل الأغراض .
وجدت قدماي تقودني الى ذلك المكان – الكنيسة – جلست على آخر مقعد وسط نظرات الحاضرين.. شعرت أن كل الحاضرين يختلسون النظر لي بتوجس كما لو كانوا يتساءلون عن سبب حضوري في هذا المكان .. الواعظ يتكلم .. ذلك الساكن في داخلي يصرخ ... يصرخ ويصرخ .. يريد أن ينتزعني من المكان .. ولكن بداخلي رغبة شديدة في البقاء .. من منا الساحر .. أنا أم ذلك الشخص الذي يتكلم بسلطان .. " أخرج منه " بدا لي أن روحي تنسحب مني .. وأرى من حولي أناس يشاهدونني .. بعضهم يرفع صلوات لي .. وأنا شئ في داخلي يصارعني .. رغبتي في أن أترك ذلك المكان وبين رغبتي في أن أترك ذلك الذي أسرني سنوات طوال .. صراعي بين رزقي الذي ينهار .. وبين الحرية التي أبحث عنها ..
وانتصر الواعظ .. لأجد نفسي على الأرض .. قلبي فارغ .. منهك .. لكني سعيد .. أشعر أنني حر ..
انحني الواعظ وهو يقول
- يسوع أخرج شياطين كثيرة .. لكنه قال لا يجب أن يبقى المسكن فارغ والا سوف تعود تلك الشياطين من جديد .
وأعاد الى ذهني تلك الحقائق التي تناسيتها حتى أرتزق .. يسوع مات لأجلي .. وقام .. دافعا ثمن خطاياي .. ويجب أن أسلم ذاتي بالكامل الى ذاك الذي مات لأجلي .. فأصل الى الحرية الحقيقية .. لم يعد يهمني العمل .. أو المستقبل
يجب أن أكون ابنا حقيقيا لله .. اودع حياتي الماضية .. أودع أعمالي السابقة .. يجب ان يكون الكل جديدا .. ايمان جديد وأعمال هي ثمرة لذلك الايمان .. ووجدت نفسي راكعا أصلي .
الزمان: الربع الأخير من القرن العشرين
أخذ يهزني بقوة حتى أستيقظ من نومي .. كانت الفترة الماضية من حياتي قلقة جدا.. لذلك كنت أجد صعوبة في النوم.. وكنت أتمنى دائما لو أنام قليلا .. بسبب الخوف الذي يعتريني هذه الأيام .. وأخيرا بعدما دخلت فيما يشبه الإغماء بسبب عدم النوم وجدت من يزعجني ويهزني حتى أستيقظ .. وجاءني صوت ذلك الشاب ايليا وهو يصرخ
- استيقظ يا معلم بسخرون .. إنني أريدك
في البداية قررت تجاهله.. ولكني تذكرت أنه لم يدخل في جيبي قرشا واحدا منذ عدة أيام.. ومعدتي التي تصرخ طلبا للحم .. فنهضت متثاقلا قائلا وعلامات الضجر تملأني
- ماذا تريد يا إيليا يا إبني
- انني احتاج اليك يا عمي
قلت في ضجر
- ولماذا تذكرتني الآن .. لماذا لم تذهب إلى ذلك الواعظ الذي جاء الى البلدة .. ألم يتركني الجميع وذهبوا يلهثون وراءه ويستمعون اليه ويحل لهم مشاكلهم ؟
قال إيليا في مسكنة
- أنت الخير والبركة يا عماه.. أنت رجل صالح وبركة .. وكل ما تصنعه ينجح
أخذت ألبس جلبابي وطاقيتي وقد عادت الي ثقتي في نفسي .. فيبدوا أن ذلك الواعظ فقد سلطانه في هذه البلدة وسريعا ما سيعود اليى زبائني .
وبينما أنا ألبس الجلباب كان إيليا يساعدني بكل احترام واضعا القبقاب أمامي لكي ألبسه ثم يتجه الى الجوزة (أرجيلة ) ويحملها خارج العشة التي أعيش فيها يغير مائها ويحرق الفحم ويجهز المعسل (نوع من المكيفات البلدي المشهورة في صعيد مصر ) حتى انني ما أن خرجت الى خارج العشة وجلست تحت شجرة النبق (فاكهة تنمو في صعيد مصر) إمتدت يده بالجوزه يشد نفسين كإثبات على حسن إعداده وجودة صنعته.
وجلس بجانبي تحت النبقة وبينما أنا أشد نفسين من الجوزة كان هو يفرك في يديه متوترا وفي حالة غضب شديد.
قلت له
- ما هي مشكلتك يا إيليا
- أريد حجاب
- قل لي عن مشكلتك أولا يا إيليا
نظر الى والشرر يتطاير من عينه وبدا لي أنه اقترب من الانفجار وهو يقول
- ذلك الأحمق اللص الذي يقاسمني رزقي .. انه يسرقني في وضح النهار .. ذلك الذي يشاركني تجارتي ومعيشتي ويسلبني في نفس الوقت حقوقي
- ماهر؟
- نعم .. ذلك اللص ماهر .. لقد بدأنا تجارتنا سويا .. ولكنه كثيرا ما تسبب في خسارتي .. وبالأمس إكتشفت أنه يسرقني ويعمل من ورائي بتجارة لحسابه .. وهو الآن ثري جدا ويشكو من الخسارة ومن ضيق ذات ايد أمامي .. فأحص أنا وتجارتي الخسارة ويحصد هو المكسب.
كان من الممكن أن أبرئ ساحة ماهر .. إذ أنني أعرف أن ما يقوله ايليا غير حقيقي .. فهو مسرف وفاشل ولا يستطيع الاعتماد عليه ولولا ماهر لما قامت التجارة أصلا.. ولكن لو فعلت هذا لأغلقت على نفسي باب رزق صعب أن يعوض .. فبسرعة ابتسمت لإيليا تلك الابتسامة الساخرة وقلت له
- ألست أنت الذي تركته يعبث بأموالك ؟ .. أحصد أنت إذن ثمرة إهمالك..
نظر الي ايليا والغضب يكاد يقتله وهو يقول
- كل هذا لابد وأن يكون له نهاية يا معلمي .. لذلك اريد منك أن تصنع لي حجابا يخرب بيته.
أريدك أن تصيبه بمصيبة رهيبة .. كارثة .. إقرأ لي ما يجعله يختفي من وجه الأرض .
قلت له
- أهدأ يا أبليا .. ستكون في غاية الراحة
نهضت ودخلت الى العشة فأخرجت كتاب الطلاسم الذي أورثني إياه أجدادي .. وكتاب المزامير – مزامير داود- ذلك الكتاب الذي أستعمله في صنع الأحجية .. وأمسكت بورقة وأخذت أكتب بضعة آيات من المزمور التاسع والثمانون..
وأنا منشغل في هذا المزمور أخذت أسأله
- ان رأس مالك كله في يده.. ألا تخشى أن يصيبه سوء عندما يصاب هو بأذى؟
- لم يعد لي ما أخسره.. أريد أن أسحقه فقط
قالها بصراخ شديد وغضب بالغ.. فقلت له
- ولماذا لم تذهب الى ذلك الواعظ الذي يذهب اليه كل أهل البلدة في هذه الأيام ؟!!
نظر الي بتردد كمن يخجل من أن يتكلم.. وقال على استحياء
- لقد ذهبت يا معلمي .. انه .. انه دجال .. بعد كل ما قلته له عن ذلك الصديق الخائن أخذ يكلمني عن المحبة والتسامح.. تصور .. أراد أن يجمعني معه.. ويواجهني به حتى ينحل المشكل ..
- يا للنصيحة
- أخذ يقول لي أن يسوع المسيح قد غفر الخطايا .. ولذلك يجب أن أغفر أنا أيضا .. وأخذ يكلمني بأمثلة عن مداين سامح الرجل الذي اقترض منه أموال .. أهذه هي المسيحية حقا يا معلمي ؟!!
- أهكذا أنا علمتكم
- كلا ..وأنت معنا كل الأيام لم تقل لنا مثل هذا الكلام
نظرت اليه وقلت في أسف
- دجالون هؤلاء الآتون من المدينة .. لم يعرفوا طريق قريتنا الا الآن .. أتمنى لو يرحل هذا الدجال.
- الغريب يا سيدي أنه يمسك بالكتاب المقدس . ويعلمنا منه ويدعي أن هذا الكلام مكتوب فيه ويكلمنا عن صلب المسيح وفداؤه. هذا تعليم جديد لا يمت للمسيحية في شئ .. أليس كذلك ؟
صرخت فيه
- لماذا إذن تذهبون اليه وتتركون معلمكم الذي يلبي كل إحتياجاتكم ... يفك المربوط ويربط المحلول.. ويعطيكم لكل داء دواء .. لماذا تركتم الصالح وجريتم وراء الباطل .. تركتم الحق وركضتم وراء دجالون.. ألا تخجلون من أنفسكم؟
نظر الي باستعطاف وقال
- اذهب اليه يا سيدي واطرده من ههنا .. انه يدعي أنه يخرج شياطين من أجسامنا .. وأنا أرى بنفسي كثير من الشباب يتغيرون تماما عن سلوكهم .. أرى بعض الشباب يصرخون في هلع عند رؤيتهم له .. وهو يقول لهم تلك الكلمة { باسم يسوع أخرج منه} وما هي الا لحظات حتى يستكين الجسد ويهدأ .. ان اسم يسوع على لسانه له فعل السحر .. وعندما يبدأ الواعظ في وعظه لابد وأن يتكلم عن ذلك المصلوب طالبا من المستمعين أن يسلموا حياتهم له..
نظرت له بسخرية
- أنت تذهب اليه كثيرا اذن
ومددت يدي الى تلك الورقة التي أعطيتها له كحجاب لأمزقها .. ولكنه صرخ باستعطاف وقال
- كلا يا سيدي .. لا تمزق الحجاب .. انني أذهب اليه لأقول لك ما يفعل فقط.. لكني عندما احتجت الى شئ رجعت لك فورا.. لن أستطيع الاستغناء عن الحجاب
وبدا لي أنه على وشك البكاء .. فأكملت ما تبقى من آيات في المزمور .. وبعدها كتبت تلك الطلاسم الخاصة بالخصومة .. لكي تأتي قوى الشر تتعامل مع ذلك الرجل .
ثم أعطيته الحجاب وقلت له
- إغمسه في دم غراب .. هيا
أخرج ايليا مبلغا من المال كنت في أمس الحاجة اليه .. بعد مجئ ذلك الواعظ الذي خرب بيتي .. ثم غادر المكان وبقيت أدخن الشيشة وحدي ... رن في أذني كلمات ايليا
- هذا تعليم جديد .. نسمعه لأول مرة .. يسوع صلب لأجل خطايانا ....
- يجب أن نسلم أنفسنا له لنصير أبناء له ونتعلم كيف نسامح ..
لم يكن هذا التعليم جديد علي .. أنا أعرفه .. وددت لو أذهب الى ذلك الرجل .. لكن كان في داخلي خوف شديد .. أخاف أن يغير في شئ .. ذلك الساكن في داخلي ربما يهرب وعندئذ سوف ينقطع رزقي تماما.. ثم .. ماذا يقول الناس عني .. أنا معلمهم .. ألجأ الى ذلك الواعظ؟
بداخلي رغبة شديدة في حضور إجتماعات الكنيسة .. ذلك المكان الذي أغلق أربعة عشر عاما كاملة لعدم وجود خادم يأتي الى ذلك المكان النائي ..
أذكر أنه منذ أربعة عشر عاما كانت هناك كنيستين من طائفتين مختلفتين .. كانوا يعملون معا .. ثم يدبرون بعضهم لبعض المكائد .. والشعب حائر بين الطرفين .. كنت لا أزال في مقتبل العمر .. أريد أن أعرف الخطأ من الصواب .. لكنهم كانوا مشغولين بالعراك حتى أغلق المكان وتحول الآخر الى دار لتلقي واجب العزاء .
والآن بعد أربعة عشر عاما يتذكر ذلك الواعظ قريتي بعد أن أصبح رزقي من تلك الأحجية التي أبيعها للناس والصالحة لكل الأغراض .
وجدت قدماي تقودني الى ذلك المكان – الكنيسة – جلست على آخر مقعد وسط نظرات الحاضرين.. شعرت أن كل الحاضرين يختلسون النظر لي بتوجس كما لو كانوا يتساءلون عن سبب حضوري في هذا المكان .. الواعظ يتكلم .. ذلك الساكن في داخلي يصرخ ... يصرخ ويصرخ .. يريد أن ينتزعني من المكان .. ولكن بداخلي رغبة شديدة في البقاء .. من منا الساحر .. أنا أم ذلك الشخص الذي يتكلم بسلطان .. " أخرج منه " بدا لي أن روحي تنسحب مني .. وأرى من حولي أناس يشاهدونني .. بعضهم يرفع صلوات لي .. وأنا شئ في داخلي يصارعني .. رغبتي في أن أترك ذلك المكان وبين رغبتي في أن أترك ذلك الذي أسرني سنوات طوال .. صراعي بين رزقي الذي ينهار .. وبين الحرية التي أبحث عنها ..
وانتصر الواعظ .. لأجد نفسي على الأرض .. قلبي فارغ .. منهك .. لكني سعيد .. أشعر أنني حر ..
انحني الواعظ وهو يقول
- يسوع أخرج شياطين كثيرة .. لكنه قال لا يجب أن يبقى المسكن فارغ والا سوف تعود تلك الشياطين من جديد .
وأعاد الى ذهني تلك الحقائق التي تناسيتها حتى أرتزق .. يسوع مات لأجلي .. وقام .. دافعا ثمن خطاياي .. ويجب أن أسلم ذاتي بالكامل الى ذاك الذي مات لأجلي .. فأصل الى الحرية الحقيقية .. لم يعد يهمني العمل .. أو المستقبل
يجب أن أكون ابنا حقيقيا لله .. اودع حياتي الماضية .. أودع أعمالي السابقة .. يجب ان يكون الكل جديدا .. ايمان جديد وأعمال هي ثمرة لذلك الايمان .. ووجدت نفسي راكعا أصلي .
Comment