كانت مريم الصغيرة معروفة لدى الجميع . وكانت تجول في أرجاء حيها الفقير متكئة على عكازيها , لأنها منذ طفولتها أصيبت بحادث اقتضى بتر ساقها .
وكان والداها رقيقي الحال يكدّان كل النهار في سبيل الرغيف , لذلك لم يستطيعا تقديم العناية الكافية لها . وكان على الفتاة أن تبقى وحدها في ذلك البيت الكئيب , حيث كانت تقضي الأيام بصورة رتيبة وبدون أمل .
ولكن ذات يوم زارها ملاك من عند الله , وكان الملاك فتاة شاءت أن تخفف عنها ما بها . ففي أثناء الزيارة كلمتها عن يسوع , عن محبته الفائقة التي حملته على أن يبذل نفسه لكي يخلصها , فأصغت بكل اهتمام و لم تلبث نفسها التي نضجت بفعل الآلام , أن انفتحت لنعمة الله , فقبلت يسوع مخلصاً , واتخذته صديقاً .
ولما انصرفت الزائرة كانت تحمل الفتاة الصغيرة العاجزة في قلبها . و تجاوباً مع هذه العاطفة الطيبة , ذهبت لمقابلة بعض أعضاء الكنيسة و سألتهم أن يساعدوها لشراء عكازين للفتاة المسكينة . وهذان العكازان أحدثا أثراً كبيراً في حياة تلك الصغيرة البائسة . فقد تعلمت كيفية استعمالهما بسرعة مدهشة .
ولكم كان فرحها عميماً حين استطاعت أخيراً الخروج من عزلتها لتملأ رئتيها من الهواء النقي في الخارج و لكم كانت غبطتها جزيلة في أن تستطيع الذهاب إلى الكنيسة في يوم الأحد لتسمع كلمة الله , هنا وجدت السعادة العظيمة , السعادة التي توجدها عبادة الله بالروح و الحق .
في يوم أحد بعد الصلاة , وجه الراعي نداءً حاراً طلب فيه من الحضور تقديم مساعدات لإرسالية تعمل في مجاهل الأرض لنشر الانجيل بين أفراد قبيلة وثنية لم يسبق لها أن سمعت شيئاً عن يسوع المخلص.
ولكن هذا النداء بدا و كأنه لم يجد صدى في قلوب السامعين .كان هناك مدير بنك يسمع بلا مبالاة و يخفي تثاؤبه بوضع يده على فمه . وإلى جواره تاجر ثري كان يلقي نظره على ساعته بين آونة وأخرى وكأنه ضاق ذرعاً بالجتماع , وفيما الجو اللا مشجع يسيطر على الوضع جلس الراعي وفي نفسه شعور بأن نداءه قد ذهب بدون جدوى .
إلا أنه حين بدأ أحد الشيوخ بجمع العطايا , رفع القس قلبه إلى الله مصلياً أن لا يحرم تلك القبيلة القابعة في ظلمة الوثنية من نور المسيح يسوع.
في تلك اللحظات كانت أشياء خفية عن عيون البشر تتفاعل في نفس مريم الصغيرة الجالسة في أحد المقاعد الخلفية, كان نداء القس قد لمس قلبها في عمق أعماقه.
آه لو كان في وسعي أن أفعل شيئاً يتيح لأولئك الوثنيين أن يعرفوا يسوع هكذا قالت الفتاة في نفسها . ولكني لا أملك فلساً واحداً ... والعكازان؟ ولكن ليس في وسعي أن أعطي العكازين .
ولكن الصوت , صوت يسوع, استأنف يكلمها جازماً:
أعطيني عكازيك فأنا في حاجة إليهما .
ولكن كيف يمكنني أن أعيش بدون عكازين؟ قالت الفتاة في نفسها. كانت معركة هائلة تدور في نفس مريم , وقد راح قلبها يخفق بشدة حتى خيل لها أنه عما قليل سيتوقف عن الخفقان.
لم يكن أحد يعلم بالجهد اللامنظور الذي كانت الفتاة تبذله في داخلها بلا هوادة.. و أخيراً انتصرت الفتاة على نفسها فقالت همساً: نعم يا رب أنا أعطيك العكازين قالتها بلهجة المنتصرة .
ولو تفرس أحد في وجهها لرأى نوراً لطيفاً يشع في عينيها المملوئتين بالدموع ولشهد ابتسامة حلوة تنطبع على ثغرها الصغير وهي تنتظر وصول صينية العطايا إلى أمام مقعدها.
حين انتهى الشيخ من جمع العطايا الهزيلة التي وضعتها الأكف في الصينية , تردد في المرور أمام الفتاة العاجزة , وقد وضعت العكازين إلى جانبها . إلا أنه تمشياً مع الذوق السليم لم يشأ الذهاب دون أن يتوقف أمامها.
فنظرت إليه مريم و بكل ما في طفوليتها من بساطة , رفعت عكازيها لتضعهما في الصينية الفضية . وبسرعة البرق فهم الشيخ الوقور ما تعني هذه اللفتة الغريبة فحمل الصينية بإحدى يديه وبالأخرى تناول العكازين ووضعهما فوق الصينية , ثم عبر بين المقاعد بينما كانت أنظار الحاضرين مسمرة عليه.
كان كل واحد منهم يعرف العكازين وقد عرفوا في تلك اللحظة أن الصغيرة العاجزة أقدمت على تضحية كبرى , فقد أعطت كل ما تملك .
كانت اللفتة كريمة جداً وسرعان ما أحدثت أثرها إذ امتلأت محاجر الحضور بالدموع. وتلى ذلك تحرك الأريحية عند كل منهم . فمدير البنك الثري بعد أن مسح دموعه المتساقطة على وجنتيه أخذ قلمه ووقع شيكاً بمبلغ ضخم . وبينما الشيخ يضع الصينية على المذبح ومن فوقها العكازان , أشار إليه التاجر الكبير لكي يعود بعد أن أخرج حافظة نقوده المكتظة بالأوراق النقدية . فتشجع الشيخ وطاف بالصينية مرة أخرى على العابدين . وأسفر طوافه عن حصاد وفير جداً.
أما القس فقبل التقدمة بكل سرور . وبعد أن رفع صلاة شكر لله قال:
إن صديقتنا الصغيرة العاجزة أعطتنا مثالاً رائعاً عظيماً في العطاء لأنها أعطت أعز وأثمن ما تملك.
ما أن أنهى القس كلمته حتى وقف أحد الحضور ودفع مبلغاً كبيراً من المال ثمناً للعكازين ثم أعادهما إلى الفتاة الصغيرة العاجزة , التي خرجت من الكنيسة وهي في أعظم حالات السعادة.
نعم , الله كان يعلم أن مريم في حاجة إلى عكازيها ولم يكن في فكره الإلهي أن يأخذهما إلى الأبد , وإنما كان يحتاج إليهما لبرهة وجيزة لكي يوقظ الضمائر , ويرى إن كانت الفتاة على استعداد أن تعطي كل شيء حباً بالمسيح.
صحيح أن العطية زهيدة في حد ذاتها , ولكنها كبيرة بالنسبة للتضحية التي كانت تمثلها والتي انطلقت منها قوة استطاعت أن تحرك أريحية أعضاء الكنيسة و تضاعف عطاياها.
ثم نقلت عواطف العطاء السخي إلى كل الذين سمعوا هذه القصة الرائعة في بساطتها.
أما مريم , فليس من شك في أنها ستكتشف ذات يوم أن الله استطاع بواستطها أن يعمل في الأرض الوثنية .
هذه حقيقة يجب أن نعرفها وهي أن عمل الطاعة المتجاوب مع الصوت الداخلي له نتائج لا تحصى.
قصة اقتبسها اسكندر جديد
وكان والداها رقيقي الحال يكدّان كل النهار في سبيل الرغيف , لذلك لم يستطيعا تقديم العناية الكافية لها . وكان على الفتاة أن تبقى وحدها في ذلك البيت الكئيب , حيث كانت تقضي الأيام بصورة رتيبة وبدون أمل .
ولكن ذات يوم زارها ملاك من عند الله , وكان الملاك فتاة شاءت أن تخفف عنها ما بها . ففي أثناء الزيارة كلمتها عن يسوع , عن محبته الفائقة التي حملته على أن يبذل نفسه لكي يخلصها , فأصغت بكل اهتمام و لم تلبث نفسها التي نضجت بفعل الآلام , أن انفتحت لنعمة الله , فقبلت يسوع مخلصاً , واتخذته صديقاً .
ولما انصرفت الزائرة كانت تحمل الفتاة الصغيرة العاجزة في قلبها . و تجاوباً مع هذه العاطفة الطيبة , ذهبت لمقابلة بعض أعضاء الكنيسة و سألتهم أن يساعدوها لشراء عكازين للفتاة المسكينة . وهذان العكازان أحدثا أثراً كبيراً في حياة تلك الصغيرة البائسة . فقد تعلمت كيفية استعمالهما بسرعة مدهشة .
ولكم كان فرحها عميماً حين استطاعت أخيراً الخروج من عزلتها لتملأ رئتيها من الهواء النقي في الخارج و لكم كانت غبطتها جزيلة في أن تستطيع الذهاب إلى الكنيسة في يوم الأحد لتسمع كلمة الله , هنا وجدت السعادة العظيمة , السعادة التي توجدها عبادة الله بالروح و الحق .
في يوم أحد بعد الصلاة , وجه الراعي نداءً حاراً طلب فيه من الحضور تقديم مساعدات لإرسالية تعمل في مجاهل الأرض لنشر الانجيل بين أفراد قبيلة وثنية لم يسبق لها أن سمعت شيئاً عن يسوع المخلص.
ولكن هذا النداء بدا و كأنه لم يجد صدى في قلوب السامعين .كان هناك مدير بنك يسمع بلا مبالاة و يخفي تثاؤبه بوضع يده على فمه . وإلى جواره تاجر ثري كان يلقي نظره على ساعته بين آونة وأخرى وكأنه ضاق ذرعاً بالجتماع , وفيما الجو اللا مشجع يسيطر على الوضع جلس الراعي وفي نفسه شعور بأن نداءه قد ذهب بدون جدوى .
إلا أنه حين بدأ أحد الشيوخ بجمع العطايا , رفع القس قلبه إلى الله مصلياً أن لا يحرم تلك القبيلة القابعة في ظلمة الوثنية من نور المسيح يسوع.
في تلك اللحظات كانت أشياء خفية عن عيون البشر تتفاعل في نفس مريم الصغيرة الجالسة في أحد المقاعد الخلفية, كان نداء القس قد لمس قلبها في عمق أعماقه.
آه لو كان في وسعي أن أفعل شيئاً يتيح لأولئك الوثنيين أن يعرفوا يسوع هكذا قالت الفتاة في نفسها . ولكني لا أملك فلساً واحداً ... والعكازان؟ ولكن ليس في وسعي أن أعطي العكازين .
ولكن الصوت , صوت يسوع, استأنف يكلمها جازماً:
أعطيني عكازيك فأنا في حاجة إليهما .
ولكن كيف يمكنني أن أعيش بدون عكازين؟ قالت الفتاة في نفسها. كانت معركة هائلة تدور في نفس مريم , وقد راح قلبها يخفق بشدة حتى خيل لها أنه عما قليل سيتوقف عن الخفقان.
لم يكن أحد يعلم بالجهد اللامنظور الذي كانت الفتاة تبذله في داخلها بلا هوادة.. و أخيراً انتصرت الفتاة على نفسها فقالت همساً: نعم يا رب أنا أعطيك العكازين قالتها بلهجة المنتصرة .
ولو تفرس أحد في وجهها لرأى نوراً لطيفاً يشع في عينيها المملوئتين بالدموع ولشهد ابتسامة حلوة تنطبع على ثغرها الصغير وهي تنتظر وصول صينية العطايا إلى أمام مقعدها.
حين انتهى الشيخ من جمع العطايا الهزيلة التي وضعتها الأكف في الصينية , تردد في المرور أمام الفتاة العاجزة , وقد وضعت العكازين إلى جانبها . إلا أنه تمشياً مع الذوق السليم لم يشأ الذهاب دون أن يتوقف أمامها.
فنظرت إليه مريم و بكل ما في طفوليتها من بساطة , رفعت عكازيها لتضعهما في الصينية الفضية . وبسرعة البرق فهم الشيخ الوقور ما تعني هذه اللفتة الغريبة فحمل الصينية بإحدى يديه وبالأخرى تناول العكازين ووضعهما فوق الصينية , ثم عبر بين المقاعد بينما كانت أنظار الحاضرين مسمرة عليه.
كان كل واحد منهم يعرف العكازين وقد عرفوا في تلك اللحظة أن الصغيرة العاجزة أقدمت على تضحية كبرى , فقد أعطت كل ما تملك .
كانت اللفتة كريمة جداً وسرعان ما أحدثت أثرها إذ امتلأت محاجر الحضور بالدموع. وتلى ذلك تحرك الأريحية عند كل منهم . فمدير البنك الثري بعد أن مسح دموعه المتساقطة على وجنتيه أخذ قلمه ووقع شيكاً بمبلغ ضخم . وبينما الشيخ يضع الصينية على المذبح ومن فوقها العكازان , أشار إليه التاجر الكبير لكي يعود بعد أن أخرج حافظة نقوده المكتظة بالأوراق النقدية . فتشجع الشيخ وطاف بالصينية مرة أخرى على العابدين . وأسفر طوافه عن حصاد وفير جداً.
أما القس فقبل التقدمة بكل سرور . وبعد أن رفع صلاة شكر لله قال:
إن صديقتنا الصغيرة العاجزة أعطتنا مثالاً رائعاً عظيماً في العطاء لأنها أعطت أعز وأثمن ما تملك.
ما أن أنهى القس كلمته حتى وقف أحد الحضور ودفع مبلغاً كبيراً من المال ثمناً للعكازين ثم أعادهما إلى الفتاة الصغيرة العاجزة , التي خرجت من الكنيسة وهي في أعظم حالات السعادة.
نعم , الله كان يعلم أن مريم في حاجة إلى عكازيها ولم يكن في فكره الإلهي أن يأخذهما إلى الأبد , وإنما كان يحتاج إليهما لبرهة وجيزة لكي يوقظ الضمائر , ويرى إن كانت الفتاة على استعداد أن تعطي كل شيء حباً بالمسيح.
صحيح أن العطية زهيدة في حد ذاتها , ولكنها كبيرة بالنسبة للتضحية التي كانت تمثلها والتي انطلقت منها قوة استطاعت أن تحرك أريحية أعضاء الكنيسة و تضاعف عطاياها.
ثم نقلت عواطف العطاء السخي إلى كل الذين سمعوا هذه القصة الرائعة في بساطتها.
أما مريم , فليس من شك في أنها ستكتشف ذات يوم أن الله استطاع بواستطها أن يعمل في الأرض الوثنية .
هذه حقيقة يجب أن نعرفها وهي أن عمل الطاعة المتجاوب مع الصوت الداخلي له نتائج لا تحصى.
قصة اقتبسها اسكندر جديد
Comment