سلسلة قصص الرب قريب

[MAREAM]

الرب قريب

قصص رهبانية من الجبل المقدس تمت ترجمتها بواسطة راهبات دير سيدة البشارة
تحمل صفحات الكتاب قصصا واقعية وحية تتكرر باستمرا في حياة الرهبان اليومية, قصصا من حياة أشخاص عاشو وجاهدوا من أجل محبة الله المتقدة في قلوبهم كالشعلة , وكرسوا حياتهم للمحبة والقداسة فعانقت صلواتهم نعمة الله.
قد تجري أحداث هذه القصص في مكان بعيد عنا جغرافيا , في الجبل المقدس آثوس , لكنها تحمل لنا باقة من الفضائل المزهرة والمواقف الانسانية , التي تمس كل نفس بشرية خلقت على صورة الله, والتي اليها يجب ان يسعى كل مؤمن بالمسيح يسوع.
فلنثق بهؤلاء المجاهدين ولندعهم يرشدوننا بمثالهم عبر دروبهم المقدسة بالأتعاب والمزينة بالمحبة والتسامح والإيمان الثابت , والفضائل الأخرى المهمة في حياة كل مسيحي , والتي سترافق كل نفس غيورة فاتحة لها أبواب الحياة الأبدية.

أحببت أن أنقل لكم مجموعة القصص هذه عبر سلسلة متجددة وذلك لما وجدت فيها من امثلة حية عن الخطايا التي نتعايش معها يوميا دون ادراك منا أو تجاهل منا لمعنى الخطيئة واعتبارا منا أحيانا أن بعض الأفعال التي نقوم بها رغم خطئها فليست ضمن الخطايا ولكنها بالحقيقة كذلك
وايضا لكي اشارككم بقرائتها وذلك لما وجدته من متعة في قرائتها بسبب بساطة الأمثال الموجودة فيها وسهولة فهم الرسالة التي أرد اللله أن يوصلها إلينا عبر تجربته لأصحاب القصص

[MAREAM]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

العندليب الصامت

قرر ترك العالم وتكريس حياته لله , هكذا انطلق مرتل كنيسة القسطنطينية الأول ذو الصوت الشجي باتجاه الجبل المقدس . عند وصوله إلى الجبل , توجه إلى إسقيط (الاسقيط:كلمة يونانية تشير إلى مجموعة من القلالي أو مساكن الرهبان المتقاربة كالقرية, يعيش في كل منها راهبان أو ثلاثة يشتركون ببعض الخدمات وبكنيسة مركزية تقام فيها خدم الآحاد والأعياد . تعتبر الحياة في الأساقيط أحد أساليب الحياة الرهبانية البارزة في الجبل المقدس آثوس.) القديسة حنة , هناك بحث عن أب روحي خبير ليعترف لديه ويسترشد بنصائحه قبل أن يبدأ جهاده الروحي في الحياة الرهبانية .

_"ماذا كنت تعمل يا ولدي قبل مجيئك إلى هنا ؟".جاء هذا السؤال مربكا المبتدئ الذي طأطأ رأسه وبصوت منخفض وبتواضع أجاب:

_"لقد كنت المرتل الأول في مدينة القسطنطينية".

صمت الاب الروحي متأملا للحظات عند سماعه هذه الإجابة , وبعد برهة , كانما استنار فكره من الله قال:

_" أصغ إلي يا ولدي , قد تقودك موهبة الصوت الملائكي التي وهبك الله إياها إلى الكبرياء وخسارة نفسك , إن لم تكن حذرا ومنتبها. لدينا هنا في الجبل المقدس (أي جبل آثوس وهو شبه جزيرة في شمال اليونان , فيه اكبر تجمع رهباني أرثوذكسي في العالم من بلادان مختلفة . يذكر التقليد أن العذراء اختارته كمكان مقدس مكرس للرهبان , ولذلك تعتبر السيدة العذراء حامية الجبل .)أعياد كثيرة , واذا ما سمع الإخوة صوتك العذب , سيدعونك جميعهم إلى أعيادهم لترتل , لكن روحك هكذا لن تكون مأخوذة بالله والصلاة , إنما بالترتيل والمدائح . وكما تعلم ليس هدفنا هنا إرضاء الناس إنما نيل رضى الله".

_"معك حق يا أبت", أجاب المرتل الاول دون معارضة , "سأسعى بنعمة الله لاتمام كل ما تمليه علي ولحفظه بدقة".

_ " أفكر يا ولدي أن أرسلك إلى شيخ روحي تقي ومختبر في الجهاد الروحي , لكن انتبه لما ستفعله , اقرأ هناك المزامير وكل الصلوات على اكمل وجه كما تعرف , لكن لا ترتل أبدا بشكل متقن , حاول أن تقوم عمدا ببعض الأخطاء في الترتيل كي يظن الآخرون أنك لا تتقن الموسيقى . وهكذا عندما ستستمع بعد قليل من ترتيل رئيس الدير الذي سنقصده , تظاهر بانك لا تستطيع مجاراته في الترتيل ".

_"سمعا وطاعة , أجاب المبتدئ . ثم انطلقا معا إلى الدير الذي سيقيم فيه الشاب .

ومرت هكذا السنون . وفي يوم من الأيام التقى الأب الروحي برئيس الدير وبادره بكثير من اللهفة والقلق بالسؤال:

_"كيف حال راهبنا المبتدئ؟".

_"يتقدم بشكل جيد , الشكر لله", أجاب الشيخ برضى , ثم أردف قائلا :"إنه متواضع جدا , تقي ومطيع , يقرا بشكل رائع . لكنه لا يحسن الترتيل ويرتكب الأخطاء, رغم أنني أصحح له دائما . والحق أنه يحاول جاهدا , لكنه حتى الآن لم ينجح". اغرورقت عينا الأب الروحي بالدموع عند سماعه كلام رئيس الدير , لكنه لم يكشف له حقيقة جهاد المرتل , وعاد إلى قلايته(القلاية لفظة عربية للكلمة اليونانية تعني غرفة الراهب أو دير صغير لعدد من الرهبان)شاكرا الله ومتأثرا بتواضع الراهب.

مرت السنوات بكثير من الصلاة والصوم والطاعة . كان المرتل المتواضع يقبل بدون انزعاج إرشادات المرتلين الآخرين , الذين كانوا يصححون كل خطا يقوم به . اما الأب الروحي الذي أرشده , فكان قد وصل إلى مراحل روحية متقدمة بسبب جهاداته القاسية , ومنح من الله موهبة التبصر , هكذا علم مسبقا بأن المرتل سيصاب بمرض خطير ويغادر هذه الحياة الفانية بعد أيام قليلة جدا.

في الخامس والعشرين من شهر تموز احتفل الإسقيط بعيد رقاد القديسة حنة والدة العذراء شفيعته, وكما جرت العادة حضر جميع رهبان الإسقيط , والعديد من الزوار إلى الكنيسة الكبيرة. في هذا اليوم أوكلت إلى الأب الروحي ترتيب خدمة الصلاة.

بدأ القداس الإلهي باكرا جدا , وعندما حانت ساعة الدخول الكبير, اقترب الأب الروحي من المرتل وامره أن يتهيأ ليرتل التسبيح الشيروبيمي . حزن المرتل المتواضع كثيرا , لم يرد أن تكشف هويته بعد انقضاء كل هذه السنوات.

_"مرت سنوات عديدة يا أبي", تمتم بصوت خافت , "أكاد لا أتذكر شيئا".

لكن أباه الروحي ألح واصر على طلبه , فأجاب المرتل:

_"سمعا وطاعة",وذهب ليستعد.

تعجب الجميع ظانين أن الأب قد أخطأ الخيار , وتهامسوا فيما بينهم بانزعاج :

_"لدينا العديد من المرتلين الأكفاء,ولم يختر سوى هذا الراهب صاحب الصوت السيئ , ليرتل في مثل هذه الساعة وهذا اليوم!".

حانت ساعة الدخول الكبير , و بأمر من الأب بدا المرتل التسبيح الشاروبيمي بكثير من الخشوع :"أيها الممثلون الشاروبيم سريا والمرنمون التسبيح المثلث تقديسه .....".

تفاجا الجميع لما سمعوا النغمات الملائكية في صوته العذب , ودهشوا ببراعته في أداء المقاطع اللحنية , فنظروا متأثرين بعضهم إلى بعض:

_"كيف يمكن لمن لا يعرف أصول الترتيل, أن يرتل بمثل هذا الأداء الرائع؟".

"محفوفا من المراتب الملائكية......", أكمل المرتل بإتقان لا مثيل له. عندها فهم الجميع أن هذا الراهب كان يتقن الترتيل جيدا , وتساءلوا ما الذي فعه لأن يدعي عدم المعرفة وقلة الخبرة كل هذه السنوات! وخجل الإخوة من أنفسهم عندما تذكروا كل المرات التي كانوا ينظرون فيها إليه بقسوة عندما كان يخطئ وكيف كانوا ينحونه جانبا أثناء الترتيل.

انتهى القداس وخرج ارهبان إلى فناء الكنيسة وتحدثوا بتأثر عن تواضع هذا الراهب :

_"عندليب العذراء ! كيف كان مختبئا في بستانها كل هذه السنين ؟", قال أحدهم متعجبا .

_" كان هذا المبارك يسمعنا طيلة هذه السنوات بالرغم من كل أخطائنا في الترتيل دون أن يصحح لنا أبدا!", قال آخر .

_"ليس هذا فقط بل كم كنا نصحح له و ونوجه له الملاحظات على كل خطأ يقوم به ,وهو لم يكن يتذمر البتة, بل كان يجيب مطأطئ الرأس:سامحوني يا إخوتي , سأعيد المحاولة !".

_"المجد لله على هذا الصوت, وكان كل طيور المغردة اجتمعت في حنجرته !", اتعجب آخر .

_" هيا بسرعة لنذهب إليه ونطلب المسامحة".

أسرع الجميع وراءه , وبالكاد لحقو به لأن أباه الروحي كان يرافقه مبعدا إياه بسرعة عن المدائح وكلمات الإعجاب والثناء , وليوصله للمرة الأخيرة إلى قلايته .

ما كان لأحد أن يعرف بتواضع هذا الراهب لو لم يظهره أبوه الروحي, وهو لم يكشفه إلا لإفادة الآخرين . بعد مرور يومين على هذا الحدث , مرض صاحب الصوت الملائكي بشدة, ورقد بالرب كما تنبأ أبوه الروحي . والآن هو يرتل في السماء مع الملائكة , وسيمجد خالق الكل إلى دهر الداهرين .آمين.

[حنا80]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

مشكوره مريم

[MAREAM]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

مشكور حنا نورت

[MAREAM]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

أسماك الأحد

قطع صوت القبطان ميخائيل الهدوء الصباحي المعهود في جبل آثوس , والمترافق مع هدير أمواج البحر. كان صاعدا باتجاه قلالي إسقيط القديسة حنة , حاملا معه أسماكا طازجة ليبيعها للرهبان . وبينما كان يقترب من قلاية الأب مينا ,نادى بأعلى صوته:

_"أيها الأب مينا, أأنت هنا؟".

لم يكن قد مر وقت طويل عن انتهاء قداس الأحد في الإسقيط. فوجد القبطان الأب مينا جالسا بهيئته السلامية يستؤيح على أحد جذوع الأشجار . كان الأب مينا معروفا بنسكه القاسي و أصوامه, ومتميزا بتواضع وتقوى كبيرين , لذا أضحى مسكنا لنعمة الله , التي لا تسكن إلا في النفوس المتواضعة.

_"تعال يا مبارك,صباح الخير ! اجلس لتستريح قليلا ", رحب به الأب مينا بلطافته المعهودة.

كان القبطان ميخائيل يتصبب عرقا من شدة الحر والتعب , وقد أنهكت قواه بسبب صعوبة الطريق . فصعود المرتفع المؤدي إلى إسقيط القديسة حنة مع سلة مليئة بالأسماك ليس بالأمر السهل أبدا.

_"أرأيت يا أبي أنني لم انسك ؟ كنت قد أعطيتك وعدا بإحضار الأسماك قبل عيد قلايتك. فسيأتيك بالطبع زوار عديدون وسيكون من الرائع أن تقدم لهم سمكا طازجا وجيدا!".

_"أشكرك يا أخي على تذكرك إياي , هيا لنرى الأسماك التي أحضرتها !", قال الأب مينا وتوجه نحو السلة بابتسامة تعلو وجهه. لكن فرحه فتر حالما نظر الأسماك تتلوى داخل السلة .

_"متى اصطدتها يا قبطان ؟", سأله ليتأكد.

_"اليوم صباحا, إنها أسماك يوم الأحد , اصطدتها قبل بزوغ الشمس طازجة , طازجة! وهل ظننت أنني سأحضرها لك أسماكا غير طازجة؟".

_"للأسف يا بني إني لا أستطيع شراءها ! فعمل يتم يوم الأحد هو عمل غير مبارك من الله , وشيء غير مبارك لا أضعه في قلايتي ", قال الأب مينا وتهيأ للمغادرة .

_"آه! ما الذي تقوله يا أبي ؟", قال القبطان ميخائيل متعجبا,"ما المشكلة إن اصطدتها يوم الأحد؟ أوليست كل الأيام لله؟", برر القبطان موقفه!

_"نعم يا بني, كل الايام لله, وهو أعطانا إياها لنستغلها ونستثمرها , لكنه خصص يوم الأحد له وباركه وقدسه, لذلك فالعملفيه هو خطيئة! ألا تكفينا الأيام الستة الأخرى؟ يوم الأحد علينا الذهاب إلى الكنيسة والقيام بأعمال المحبة".

لم يستطع القبطان ميخائيل فهم هذا الكلام و أصر على رأيه. حينئذ صلى الأب مينا وطلب من الله ان يتدخل ليساعد هذا الإنسان على إدراك خطأه, ثم نظر مباشرة إليه وقال :

_"أحتى الآن لم تصدق أن هذه الأسماك غير مباركة؟".

_"بالطبع لا أصدق! انظر إليها كم هي جيدة!".

عندها نادى الأب مينا قططه الثلاثة , وقال له:

_"انظر إلى قططي! انت تعلم شغفها بالسمك! لكني أريدك أن تعطيها الآن سمكة من أسماكك, وسترى أنها لن تأكلها , مع أنها بدون طعام من مساء البارحة".

_"أه! ما الذي تقوله ؟ حتى قبل أن ألقي السمكة أرضا ستلتقطها القطط من الهواء . انظر كيف ترنو إلي!".

اقترب القط الأول من السلة ونظر إلى عيون الأسماك وحالما امسك القبطان إحداها ورماها له تحرك بسرعة نحوها وانحنى ليلتقطها بفمه, لكنه توقف فجأة وكأنه اشتم رائحة كريهة ! ثم استدار وعاد إلى مكانه. وهكذا تماما فعل القطان الآخران , حالما اقتربا من الأسماك واشتما رائحتها تركاها وعادا إلى مكانهما.

_"أرأيت يا بني كيف لم تأكلها!" قال الأب مينا.

أصيب القبطان بالدهشة , فاستدار نحو الأب مينا وقال له:

-" يا إلهي ! طيلة هذه السنوات كانت هذه القطط تاكل كل ما أقدمه لها من الأسماك , حتى يوم الأحد!".

_" نعم , انت على حق , لكنك لم تقدم لها يوما أسماكا اصطدتها يوم الأحد إنما يوم السبت. ألا تتذكر يا بني؟ أنت لم تحضر لي أبدا أسماكا اصطدتها يوم الأحد, يوم الرب".

_"إن الأب مينا محق!", فكر القبطان ميخائيل وهو يترك المنحدر عائدا وسلته مليئة بالأسماك ." العمل يوم الأحد غير مبارك من الله... لكن لماذا أنا منزعج؟", استمر محدثا نفسه. "طالما أنني لم أستمع لكلام هذا الراهب القديس , سمح الله أن تعلمني ثلاث قطط جائعة".

من ذلك اليوم , احترم القبطان ميخائيل أيام الآحاد والأعياد , ولم يعمل فيها إطلاقا, إنما كان يذهب إلى الكنيسة دون ان يختلق لنفسه الأعذار, واستمر يروي للناس هذا الحادث العجيب الذي حصل معه.

[MAREAM]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

عسل المسامحة

كان الأب سابا أحد رهبان الجبل المقدس , وقد تميز بمحبته الكبيرة للآخرين . وفي أحد الأيام زاره تاجران بهدف الاحتيال عليه.

_"صباح الخير أيها الأب , أعطنا بركتك", قال تاجرا العسل بتقوى مصطنة وانحنيا ليقبلا يده.

_" ليحفظكما الله يا ولدي ", حياهما الأب بدوره.

_"لقد أحضرنا إلى الشاطئ عسلا صافيا , ذا نوعية ممتازة! تفضل, تذوق بعضا منه".

تذوق الأب سابا بعض العسل من إناء صغير قدماه له, وفعلا كان العسل ممتازا! وبما أن العسل والخبز اليابس هما من الأطعمة المعتادة في الجبل المقدس , فقد قرر الأب سابا شراء القليل منه . هكذا , صعد الأب إيلاريون , تلميذ الأب سابا بعد قليل من الشاطئ , حاملا معه إناء من العسل , ولكن ما إن فتحا الإناء حتى أدركا أنهما خدعا , فقد كان الإناء مملوءا بنوع من الماء المحلى لا طعم له . ابتعد التاجران عن القلاية, سعيدين لتمكنهما من خداع الرهبان .

_ "هذان الساذجان! كييف جرى لهما هذا؟", فكرا بذلك بينما كانا يقتربان من مركبهما.

_" هيا لنغادر ببسرعة قبل أن يدركا ما حصل لهما ويلحقا بنا , قالا لبعضهما البض وأسرعا الخطى.

في الأعلى , داخل القلاية, لم يبد الأب سابا أي انزعاج من احتيال التاجرين عليه. محبة الآخرين والسلام الداخلي ملكا قلبه, وكانت السكينة تملأ كيانه وتظهر على وجهه.

_"هيا يا بني إلى الكنيسة!", قال للأب إيلاريون, "علينا أن نصلي من أجل هاتين النفسين . علينا أن نطلب من الله أن يرحمهما ليبتعدا عن هذه الخطيئة! دعنا نصلي ثلاث مسابح لأجلهما ".

_"سمعا وطاعة يا أبتي".

في الحال دخلا إلى الكنيسة الصغيرة وركعا أمام أيقونة السيد وبدأل الصلاة بالمسبحة:"أيها الرب يسوع المسيح , يا ابن الله الوحيد, ارحم عبديك وأرشدهما إلى طريقك ". سمعت الصلاة من شفاه الراهبين بينما كانت المسبحة تنساب بين أصابعهما.

لم يتأخر التاجران عن الوصول إلى الشاطئ , راكضين خوفا من أن يكشف أمرهما . لكنهما لم يحسبا حسابا لقوة الصلاة!

بدأ الأصغر بينهما بسحب الحبل الذي كان يربط المركب والبضاعة , ولكن الحبل انقطع فجأة .

_"أيعقل هذا ؟" , صرخ الاثنان.

_"غريب ! كيف حدث هذا ؟", تساءلا فيما بينهما . وقبل أن يستعيدا رشدهما من المفاجأة الأولى , هبت ريح قوية ودفعت المركب نحو العمق.

_"بسرعة, المركب يبتعد! لنقفز إلى الماء للحاق به", صرخا بقلق وغطسا في الماء.

سبحا بصعوبة كبيرة حتى وصلا إلى المركب, تعلقا بحافته محاولين الصعود إليه. لكن في تلك اللحظة اختل توازن المركب , واندفعت موجة قوية مفاجئة من الجهة الأخرى , ارتطمت بالمركب وجعلته يوشك على الانقلاب . اهتزت أواني العسل وسقطت في أرض المركب وبدأ ينسكب كل ما فيها .

_"يا لهذه الخسارة التي أصابتنا!", صرخا متضايقين عندما صعدا ورأيا ما حصل.

_"آه يا صديقي! كيف سأخبرك بالأسوأ؟", قال الذي كان ممسكا بالنقود.

_"ما الذي حصل أيضا؟", سأله شريكه بقلق, محاولا إعادة ترتيب الأوعية المتساقطة.

_"عندما دفع لنا الأب سابا النقود, لم أضعها في جيب بنطالي وإنما في جيب القميص, وبينما كنت أحاول الصعود إلى المركب سقطت النقود في الماء".

_"يا إلهي ! الآن فقدنا النقود والعسل !", قال الآخر بانزعاج.

بعد دقائق , كانت بانتظارهم مفاجاة أخرى , فبينما كانت المنطقة المحيطة بهما ساكنة هادئة, هبت حول المركب ريح قوية مفاجئة. كانت الأمواج تعلو باستمرار وتهز المركب , وبصعوبة كبيرة حاولا قيادته,لكن الريح استمرت تعصف بقوة والمركب يتأرجح هنا وهناك , متوجها نحو صخور خطرة.

_"انتبه الصخور!", صرخ بأعلى صوته الممسك بما تبقى من الأوعية.

_"لا أستطيع!هذا مستحيل!", صرخ الممسك بالمجاديف.

_"اسحب أحد المجاديف وثبته على الصخور لنبعد لمركب عنها".

وهكذا سند قدمه على الصخور وسحب أحد المجاديف دافعا به الصخور ليبعد المركب عنهاو لكن المجداف علق في إحدى صدوع الصخور ولم يخرج رغم كل محاولاتهما.

_"لم يعد هناك أمل! سيتحطم المركب على الصخور حتما".

سحبت الموجة التالية المركب بعيدا, وأما المجداف فكانما يد ما سحبته فسقط في الماء تتقاذفه الأمواج.

_"متى سينتهي كل هذا؟!".

_"أيتها العذراء أنقذينا!", صرخ أحدهما في لحظة يأسه.

_"الآن نصرخ للعذراء!", قال الآخر, " قبل قليل سرقنا الرهبان وداخل بستانها (يسمى الجبل المقدس بستان العذراء , وذلك لمقدار ما يكرم الرهبان امهم البتول مريم , ولأن التقليد يروي أنها هي من اختار هذا الجبل كمكان مقدس مكرس للرهبان.)والآن نطلب مساعدتها!".

بقي المركب يتأرجح يمنة ويسرة ,تارة باتجاه الصخور وتارة أخرة يعود إلى الوراء.

_"أتعلم يا صديقي ما الذي لفت انتباهي؟", قال ذلك الممسك بالمجداف وهو يحاول اتحكم بالمركب. "في كل مرة كانت الأمواج تضرب المركب لتددفعه نحو الصخور , كانت تأتي موجة من الجهة الأخرى وتبعده عنها . شيء غريب يحصل هنا! هذه الأمور غير ممكنة لقد قضينا حياتنا كلها في البحر , لكنني لم ارى قط امواجا كهذه !".

_"معك حق ! والآن بينما أنت تتحدث كنت أفكر أن كل هذه الأمور حدثت معنا لأننا أخطأنا!".

_"أه ! لو كان معنا المجداف الآخر , لكنا عدنا إلى الشاطئ لطلب المغفرة من الرهبان".

_" ليتنا نستطيع!".

في الأعلى داخل الكنيسة الصغيرة , كان الراهبان قد أنهيا صلاتهما. لم تكن قد مرت نصف ساعة منذ ذلك الوقت, صلواتهما الممتلئة محبة صعدت كالبخور الزكي نحو عرش الله.

في الأسفل, توقفت الرياح فجأة وسكنت الأمواج الهائجة وعاد المركب يتوازن شيئا فشيئا.

_" نشكر الله قالا بصوت واحد راسمين إشارة الصليب.

_"لاانظر المجداف الآخر!", صرخ أحدهما بفرح, سأقفز لإحضاره".

_"لا حاجة لذلك"’ , أوقفه الآخر. " ألا ترى ! تيار الماء يحضره الينا, انظر , لقد هدأت المياه".

_"معك حق! والقعر أيضا يبدو واضحا, سنجد بالتأكيد النقود أيضا".

بعد قليل , صعد التاجران التائبان إلى قلاية الأب سابا مع وعاء مملوء بالعسل الصافي.

_" نريد أن نعترف يا أبانا. نريد إخبارك بكل الأحداث العجيبة التي حصلت معنا في الأسفل".

وبرأس مطأطئ خجلا من خطيئتهما طلبا المغفرة. وهكذا بمحبة الأب سابا وعجائب الله انفتحت أعين نفسيهما. ومنذ ذلك اليوم لم يسقط التاجران في هذه الخطيئة ثانية.

[MAREAM]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

درب الطاعة

تجري أحداث هذه القصة خلال السنوات العشر الأولى من القرن الحالي . كان الوقت شتاء والطقس بدأ يصبح أكثر قسوة. ومنذ الصباح الباكر تجمعت غيوم ثلجية فوق الجبل المقدس . هناك في منطقة "كاتوناكيا" نسك الأب جراسيموس , الذي لم يكن شابا, كتلميذ لأحد الآباء الروحيين.

في ذلك الصباح الشتوي , كان أبوه الروحي متضايقا جدا وقلقا . طرأ امر ما وتوجب على أحدهم الذهاب بأية طريقة إلى دير اللافرا.

تبعد كاتوناكيا عن اللافرا حوالي ثلاث إلى أربع ساعات مشيا على الأقدام في جو صاف , لكن في ذلك اليوم , وبما أنها كانت ستثلج , ستلزم بالتأكيد ساعات أكثر للوصول . شرح الأب الروحي للأب جراسيموس ما قد حصل.

_" هكذا هي الأمور يا بني ...عليك أن تصل إلى هناك قبل حلول الظلام".

_" سمعا وطاعة يا أبت", أجاب دون مناقشة وانحنى ليأخذ بركة أبيه.

ارتدى الناسك ثيابا سميكة تناسب الطقس لقاسي وانطلق. حالما أغلق الباب الخشبي مغادرا , أمسك أبوه مسبحته وركع ليصلي , فهو قد أرسل ابنه في مهمة خطيرة, لذا بدا يتوسل إلى الله أن يتدخل للمساعدة.

كانت الطريق موحلة, لكن الأب جراسيموس كان يتقدم بسرعة, فعليه الوصول قبل حلول الظلام . صعد ممرا ضيقا, وكانت الغيوم قد بدأت تنخفض منذرة بتساقط الثلوج. بعد قليل حل الظلام مع أن الوقتكان بعد الظهر . أسرعت الحيوانات والطيور للاختباء في أوكارها هربا من هذا الطقس القاسي .

بعد ان عبر الأب جراسيموس مسافة , وعلى ارتفاع ألف متر عن سطح البحر , لفت المنطة عاصفة ثلجية رهيبة بحجاب أبيض من الغيوم الثلجية الكثيفة. كان الثلج كلما مر الوقت يزداد ويغطي الأرض بلون أبيض ناصع , ولكن في الوقت نفسه , بدأت معالم الطريق بالاختفاء شيئا فشيئا فالثلج كان قد غطى كل شيء تقريبا .

تقدم الناسك بصعوبة ووجد نفسه في سهل فسيح , حاول جاهدا الرؤية عبر الثلج الكثيف المتساقط حوله لكنه لم ينجح في العثور على الدرب , فحوله لم يكن يرى سوى بساط ثلجي أبيض , لذا اضطر أن يتوقف عن المسير .

في هذا الموقف الصعب لم يفوت الشيطان الفرصة لبث أفكار اليأس والإحباط في قلب الأب جراسيموس , لكن الأب تجاهل الأفكار الشريرة وواجهها بطريقت الحكيمة , أخرج مسبحته وبدأ يصلي بحرارة :

"أيها الرب يسوع المسيح , يا ابن الله الوحيد , ارحمني فإني أوشك على الضياع . ساعدني لأجد طريقي وأصل إلى هدفي ". ولم تكد تمر بضعة دقائق من هضه الصلاة الحارة حتى استجاب الله . تدخل الله كما يتدخل دائما بمجبته لإنقاذنا بالوقت والطريقة المناسبين. فجأة ظهر أمامه طفل صغير بابتسامة بريئة تعلو وجهه:

_" بارك أيها الأب ".

-" ليباركك الله يا بني", أجاب الأب ".

_" إلى أين تذهب في طقس كهذا ؟ ستضيع في الغابة وسيغطيك الثلج حتما ".

_" أرسلني أبي الروحي إلى اللافرا , ما الذي كنت سأفعله يا بني غير الطاعة؟ كان الموضوع جديا وتوجب على أحدنا الذهاب ".

_" أرى أنك قد أضعت طريقك, هيا سأساعدك على إيجاده".

_" حسنا .ها أنا قادم معك ".

تقدم الطفل في المقدمة يلحق به الأب جراسيموس, وبسرعة وصلا إلى مفرق طرق مغطى بالثلج.

_" من هنا أيها الأب ", أشار له. " ستأخذ الطريق السفلي, وبعدها ستجد أمامك الدرب المؤدي إلى اللافرا. هناك سيكون الطريق أسهل فالثلج غير كثيف ".

شكر الأب جراسيموس الطفل ممجدا الله على مساعدته التي ملأته رجاء وأملا , وتابع طريقه بثقة, لم يستغرب الأب , حتى تلك اللحظة, ما حدث معه لأنه كان مغمورا بالتأثير العجيب لحضور الله . لكن بعد أن تقدم قليلا بدأ يتسائل في داخله :

_" كيف يتواجد طفل صغير كهذا هنا في الأعلى وفي مثل هذا الطقس؟ كيف أمكنه أن يعرف غيبا كل الدروب مع أنها لم تكن واضحة؟ إنها حقا أمور عجيبة! علي أن أسأل الطفل ...".

وبينما كان يتسائل في داخله التفت فورا نحو الوراء , أدار عينيه هنا وهناك باحثا عن الصغير, لكنه لم يجد له أي أثر. صرخ بصوت عال , صرخ ثانية, لكنه لم يسمع أية إجابة إلا صفير الريح القاسية فقط.

_" سأتابع آثار قدميه وسأجده", فكر في نفسه بحث كثيرا لكنه لم يجد أي أثر لخطواته على الثلج السميك . كانت توجد آثار خطوات الأب فقط.

_" عظيم أنت يا الله!" صرخ وأدرك العجيبة التي حصلت معه قبل دقائق قليلة . كان ذاك الطفل الصغير أحد الملائكة , أرسله الله لمساعدته في تلك اللحظات الصعبة . انهمرت دموعه على وجنتيه تأثرا بمحبة الله وعنايته, ثم تابع طريقه ممجدا الله.

كان أبوه الروحي قد أنهى لتوه صلاته من أجل تلميذه.

_" يجب أن يكون الآن بمساعدة الله قد وصل إلى مفرق الطرق الكبير", حدث نفسه بينما كان يلقي قطعة من خشب الكستناء داخل المدفأة, ليعد كوبا من النعناع مع القليل من العسل الصافي ثم استعد لصلاة الغروب .

وهكذا, طاعة الأب جيراسيموس وإيمانه أنعما عليه ببركة الله, واستطاع أن يصل إلى هدفه دون عوائق.

[Dima]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

[The D.I.S]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

مشكورة مريم

[Molham Haddad]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

[barbara]

رد: سلسلة قصص الرب قريب

قصص كثير حلوة , الرب يبارك تعبك