حوار بين الإنسان ويهوذا وبطرس
الانسان :
لماذا يا يهوذا الاسخريوطي؟ ما الذي فعَلَتْهُ يداك؟ ما الذي حقَقَتهُ مخططاتك؟ … أهاذا ما تُقدمه له؟ تُسلمه؟!! تبيعه؟!! و مقابل ماذا؟! 30 من الفضة؟!!!
ذاك الذي أحبك و جعل منك تلميذاً له ، ذاك الذي جاء لأجلك ، لأجل أن يحررك من مخالب عبودية الخطيئة… أتسلمه يا يهوذا ؟؟!!
ويحك أيها الخائن! أتبيع ذاك الذي لا يساويه شيئاً على الأرض أو في الكون؟!
أهذا هو جزاء الحب الكبير الذي أحبك اياه ؟؟؟ أتخون المحبة يا يهوذا الاسخريوطي ؟!!!
يهوذا الاسخريوطي :
انتظر … انتظر يا عزيزي الانسان … تمهل قليلاً! … لما العجلة في الحكم عليّ؟! انتظر لتعرف تفاصيل و ملابسات هذه القضية … و من ثم فكر و كن عادلاً عندما تصدر حكمك …
انظر الى نفسك يا عزيزي … انظر في أعماقك … انظر الى كل تلك الخطايا التي أنت غارق فيها …
أنت لستَ بأفضل مني … انظر الى هذا الكبرياء و الكذب و الشهوة و النفاق و … تأمل جيداً في أعماقك … و سترى بأنني لست أنا فقط الخائن … أنت أيضاً خائن … و لربما قد تكون خيانتك أعظم و أشد بشاعة من خيانتي …
أنت من قال أنه أحب البشر حتى الموت … أنت من قال أنه جاء لأجلنا نحن …
أنت هو خائن كل هذا الحب … أنت الذي تركت حرية محبته و انجرفت نحو عبودية الخطيئة …
أنا أعترف بأنني قد بعته مقابل ثلاثين من الفضة التي كانت تساوي شيئاً آنذاك ، و لا أُنكر بأنني قد أسلمته لمرة واحدة فقط … أما أنت يا عزيزي ، و ان بحثت جيداً ، ستكتشف بأنك تبيعه و تسلمه كل يوم و حتى كل لحظة … أنت تبيعه مئات بل ملايين المرات … و مقابل ماذا؟! … مادياتك السخيفة …
أغوتك تلك التصرفات ، و سيطرت عليك الشهوات … فأضحيتَ تبيعه مقابل أي شئ يعترض طريقك!!!
أرأيت … أأدركت بأنك هو الخائن؟! … يا من تدّعي بأنك تحبه و تتظاهر بالصلاة له و تلومني لأنني أسلمته و بعته!!! …
نعم … أنت هو الخائن …
الانسان :
يا أيها الشعب القاسي القلب … أهذا ما تطالبون به؟! … اصلبه .. اصلبه!! … هذا الذي عرفتموه و أحببتموه ، هذا الذي كان معكم دائماً و أحبكم ، و علّمكم و عمل فيكم معجزاته ، و لربما قد يكون من بينكم من تعلم و تتلمذ على يديه ، أو حتى من نال من معجزاته شيئاً!! …
يا ناكري الجميل ، يا قساة القلب … أنتم لا تعرفون الرحمة أو حتى أنكم لا تعرفون الحب … انكم لم تفهموا بعدْ كل هذا الحب الذي قدمه لكم سخياً ، مُضحياً ، مُهاناً ، مصلوباً …
اصلبه .. اصلبه … كل واحد منكم بوجوده الجسدي و بصوته الغاضب الصارخ قام بصلب يسوع ..
ما الذي فعله لكم؟ ما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ … لم تحبوه قط … من المؤكد انكم لم تحبوه …
الشعب :
مهلاً مهلاً أيها الانسان … انتظر للحظة … لما كل هذا اللوم الذي تُلقيه علينا؟! … نعم نحن لا ننكر بأننا صرخنا بأعلى صوتنا و طالبنا بصلبه … نعم لقد كان معنا و أحبَنا و أحببناه ، و طالبنا باطلاق سراح برأبا بدلاً من يسوع، و تحقق ما طلبناه …
و لكن قف عندك ، قف للحظة ، انظر في داخلك ، ابحث جيداً … ألا ترى بأننا موجودين في داخلك … استرجع شريط ذكرياتك ، ألا تلاحظ أنك قد وقفت معنا و صرخت غاضباً "اصلبه .. اصلبه" ؟ … ربما لم تكن معنا آنذاك ، الا انك لم تُفوّت لحظة لم تطالب فيها بصلبه …
ألا تعلم أنك بابتعادك عنه يعلو صوتك مطالباً بصلبه … ألا تعلم أن كل خطيئة ترتكبها ترفع من صوتك أكثر فأكثر و تطالب بصلبه … ألا تعلم أنك دائماً تطالب بصلبه بل حتى تصلبه … نعم لا تستغرب ، فأنت أيضاً قاسي القلب ، و لا تعرف الرحمة ، أنت أيضاً ناكر للجميل ، أنت أيضاً قد أحبك و ضحى لأجلك … فأنت أيضاً لا تعرف معنى كل هذا الحب الذي أحبك اياه …
الانسان :
أنت انسان مندفع يا بطرس ، لا تفكر … عندما قال لكم أن أحداً منكم سيسلمه ، صعد الدم الى وجهك ،
و رفضتَ الفكرة ، لا لن نسلمك يا يسوع ، فأنبأك بأنك ستنكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك …
و صاح الديك ، فما لبثتَ أن سمعت صوته حتى أيقنتَ أنك قد أنكرته كما أنبأك …
دافعت عنه ، فقطعت أذن ذاك العبد … أنت مندفع يا بطرس … و اندفاعك هذا كله كان هباءً ، اندفاع مبني عل الرمل لا أساس له … فعاصفة واحدة أمالتك و جعلتك تنكره …
أتخجل من جارية؟! أتخجل أن يعرفوا بأنك تلميذه؟! أتستحي به؟!
بطرس :
لقد نسيتَ يا عزيزي الانسان بأني قد بكيتُ بكاءً مراً … فقد أدركت عظم الخطيئة التي ارتكبتها … و بكيت بكيت …
لم أستطع أن أرفع عينيّ اليه ، فلم تقويا على الالتقاء بعينيه … نظرته اخترقت قلبي و أخذت تمزقه …
أما أنت … ترتكب الخطيئة ، و تخونه أمام عينيه … ينظر اليك ، يراك ، يرى ما أنت فاعله ، يرى بماذا تقابل محبته …
تأتي اليه ، و ترفع عينيك نحوه دون خجل … فلا تخجل من عمق الهاوية التي أنت منزلق فيها …
ينظر اليك ، يسألك أن تكُف عن انكاره … يرجوك أن تبكي ، ابكي قليلاً … لعل هذه الدموع التى تطرحها عينيك تقوم بطرح الخطيئة و الضلال من قلبك معها … لعل هذا البكاء يُليّن قلبك القاسي هذا! …
نعم ، لقد أنكرته … الا أنني لم أجرؤ أن أنظر في عينيه … أما أنت فتنكره و لا تأبه … فلا ترى عينيه … حتى انك لا تراه هو نفسه من علوّ الحائط الذي بنيته بيديك …
انظر الى نفسك الآن … ألا ترى في نفسك ذاك الناكر للجميل؟! … ذاك الشخص المندفع وراء هذا الحب الأعمى ، دون ادراك مدى روعة العلاقة معه!!! …
انظر الى نفسك لترى بطرس الناكر مزروع فيك … و لكنك لن ترى بطرس التائب الباكي …
فأنت هو ناكر يسوع يا عزيزي الانسان …
الانسان :
لا أيها الجندي … ما الذي تفعله أنت هناك؟ ارحمه أرجوك! … لا تزرع هذا الشوك اللعين في جبينه! ألا ترى وجعه الصامت في داخله؟ هذا الشوك الذي ينغرس ليدخل في الأعماق واخزاً كل شئ …
توقف قليلاً … لقد مزق هذا السياط جسده ، لم يخفَ على هذا السياط مكان إلا و وصل اليه ، لم يخفَ عليه جرح إلا و زاده … لم يَعُد في جسده الطاهر متسعاً لمزيد من الجلدات … ارحموه …
انتظر أنت أيضاً … ما هذه المسامير الهائلة التي تضعها في يديه ، انها تأخذ في طريقها كل ما يحلو لها من لحم و دم و أعصاب ، انه يصرخ دون أن يصدر صوتاً … اعتقه أرجوك …
مهلاً … لقد طلب منك ماءً ، أتعطيه خلاً ؟!! … أتتلذذ بنشوة رؤيته عطشاناً ، و يشرب الخل ليزيد من حرقة عطشه ؟!!!
ما كل هذا الذي تفعلونه أيها الجنود؟ … ما هذه الطاعة العمياء التي تقودكم و تسيّركم ، لتهزأوا منه و تشتموه و تضربوه ، و لم يفلت أيضاً من شوك اكليلكم و لا من جلدات سياطكم ، و لا حتى من غرسات مساميركم و حرقة خلكم ، بل انه لم يفلت أيضاً من حربتكم التي لم تنسَ أن تُخرج ما تبقى في جسده من دم و ماء …
ما من كلام يسعُ فمي أن يتفوه به … ليس لدي ما أقوله إلا أنكم قد ارتكبتم أكبر جريمة في حق ذاك الحمل الذي أحبكم … و حتى أنه لم ينسَ أن يغفر لكم كل ما فعلتموه !!!! الجنود : ارحمنا أرجوك … فكلامك كالمنشار مزقنا تمزيقاً … لا ننكر بأننا قد ارتكبنا كل هذه القسوة بحق هذا الانسان البرئ ، بحق هذا الحمل الوديع … الا أننا عبد المأمور … هذا ما فُرض علينا عمله ، هذه كانت وظيفتنا ، لا ارادة لنا في ذلك ، كل هذا كان خارجاً عن ارادتنا …
و لكنك أنت ... نعم أنت أيها الانسان المدعي الرحمة ... انظر ما أنت فاعله ...
انك بكل شهوة في نفسك تسلمه ليحكموا عليه و انك بهذا الكبرياء المسيطر عليك تصرخ غاضباً "اصلبه .. اصلبه" , بل انك أيضاً تنكره أمام أتفه الأشياء و أصغرها و ينظر اليك نظرته لبطرس ... و أنت بخطيئة الحسد تمسك السياط بين يديك هاتين و تجلده بعنف و بقوة ... و كلما تكاسلت و أهملت واجباتك الدينية و الدنيوية تعقد اكليلاً شوكياً على جبينه و تغرسه صائحاً "ملك اليهود" ... و ببخلك تُحمله ذاك الصليب الثقيل و تُسيّره ليمشي به الى أعلى الجلجلة ... و لا تنسى أنك بخطيئة الشراهة تطرق تلك المسامير لتستقر في يديه و رجليه ... و بغضبك ترفع صليبه عالياً ليراه الجميع مصلوباً ، خائر القوى ، متألماً و مائتاً ... و أما الخل الذي تسقيه له ببعدك عنه محاولاً اشعال النيران في أحشائه ... و أيضاً الحربة التي تغرسها في جنبه الآخر ... و حتى انك قد تقوم بتنفيذ عقوبات أخرى لم نرتكبها نحن ...
لا تقل أن لا ارادة لك في كل هذا ، كل تلك العذابات التي تلقيها عليه إنما تقوم بها بملئ ارادتك ، لم يُجبرك أحد على ارتكاب تلك الخطايا التي زادت عذابه ...
نعم أنت الذي تُنفذ تلك العقوبات على هذا البرئ الذي أحبك حتى الموت ، تنفذها دون رحمة أو حب ...
أنت من أراد هذا ... انها ارادتك الحرة ... نعم ، فأنت من يعذبه و ليس نحن ...
نعم ، هذه هي حال كل دقيقة في كل يوم من أيام حياتي ... هذا هو أنا ... أنا يهوذا الخائن ... أنا الشعب الصائح الغاضب ... أنا بطرس الناكر... أنا الجنود القساة ... و الآن ... كيف يمكنني أن أكفّر عن كل الآلام والعذاب الذي سببته لك ؟؟؟ تلك الآلام الجسدية و أيضاً الآلام النفسية التي تعاني منها لبعدي عنك و لحزنك لخيانتي محبتك ؟؟؟
أما الآن يا يسوعي ، وبعد أن اكتشفت حقيقة يهوذا و الشعب و بطرس و الجنود المزروعين في داخلي ... أطلب منك يا يسوع أن تصلب هذه الخطيئة ... هذا الضعف ... هذا البعد ... أمتْ جميع ما يبعدني عنك و لا تقمهم أبداً ...
أسرع يا يسوعي و أرجعني الى حضنك ... ابعدني عن عبودية الخطيئة و أرجعني الى الحرية ... فأنا أسلم لك ذاتي لتفعل بي ما تشاء ... لن أرجع الى الهاوية ما دمت أنت بقربي ...
فأنت الطريق و أنا بدونك ضائع ... أنت الحق ، فأنا بدونك كذبة لا وجود لي ... و أنت الحياة ، فأنا بدونك ميت ...
لن أسلمك يا يسوع ، و لن أنكرك و لن أطالب بصلبك و لن أعذبك ما حييت ... فأنا أحبك الى الأبد ...
لماذا يا يهوذا الاسخريوطي؟ ما الذي فعَلَتْهُ يداك؟ ما الذي حقَقَتهُ مخططاتك؟ … أهاذا ما تُقدمه له؟ تُسلمه؟!! تبيعه؟!! و مقابل ماذا؟! 30 من الفضة؟!!!
ذاك الذي أحبك و جعل منك تلميذاً له ، ذاك الذي جاء لأجلك ، لأجل أن يحررك من مخالب عبودية الخطيئة… أتسلمه يا يهوذا ؟؟!!
ويحك أيها الخائن! أتبيع ذاك الذي لا يساويه شيئاً على الأرض أو في الكون؟!
أهذا هو جزاء الحب الكبير الذي أحبك اياه ؟؟؟ أتخون المحبة يا يهوذا الاسخريوطي ؟!!!
يهوذا الاسخريوطي :
انتظر … انتظر يا عزيزي الانسان … تمهل قليلاً! … لما العجلة في الحكم عليّ؟! انتظر لتعرف تفاصيل و ملابسات هذه القضية … و من ثم فكر و كن عادلاً عندما تصدر حكمك …
انظر الى نفسك يا عزيزي … انظر في أعماقك … انظر الى كل تلك الخطايا التي أنت غارق فيها …
أنت لستَ بأفضل مني … انظر الى هذا الكبرياء و الكذب و الشهوة و النفاق و … تأمل جيداً في أعماقك … و سترى بأنني لست أنا فقط الخائن … أنت أيضاً خائن … و لربما قد تكون خيانتك أعظم و أشد بشاعة من خيانتي …
أنت من قال أنه أحب البشر حتى الموت … أنت من قال أنه جاء لأجلنا نحن …
أنت هو خائن كل هذا الحب … أنت الذي تركت حرية محبته و انجرفت نحو عبودية الخطيئة …
أنا أعترف بأنني قد بعته مقابل ثلاثين من الفضة التي كانت تساوي شيئاً آنذاك ، و لا أُنكر بأنني قد أسلمته لمرة واحدة فقط … أما أنت يا عزيزي ، و ان بحثت جيداً ، ستكتشف بأنك تبيعه و تسلمه كل يوم و حتى كل لحظة … أنت تبيعه مئات بل ملايين المرات … و مقابل ماذا؟! … مادياتك السخيفة …
أغوتك تلك التصرفات ، و سيطرت عليك الشهوات … فأضحيتَ تبيعه مقابل أي شئ يعترض طريقك!!!
أرأيت … أأدركت بأنك هو الخائن؟! … يا من تدّعي بأنك تحبه و تتظاهر بالصلاة له و تلومني لأنني أسلمته و بعته!!! …
نعم … أنت هو الخائن …
الانسان :
يا أيها الشعب القاسي القلب … أهذا ما تطالبون به؟! … اصلبه .. اصلبه!! … هذا الذي عرفتموه و أحببتموه ، هذا الذي كان معكم دائماً و أحبكم ، و علّمكم و عمل فيكم معجزاته ، و لربما قد يكون من بينكم من تعلم و تتلمذ على يديه ، أو حتى من نال من معجزاته شيئاً!! …
يا ناكري الجميل ، يا قساة القلب … أنتم لا تعرفون الرحمة أو حتى أنكم لا تعرفون الحب … انكم لم تفهموا بعدْ كل هذا الحب الذي قدمه لكم سخياً ، مُضحياً ، مُهاناً ، مصلوباً …
اصلبه .. اصلبه … كل واحد منكم بوجوده الجسدي و بصوته الغاضب الصارخ قام بصلب يسوع ..
ما الذي فعله لكم؟ ما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ … لم تحبوه قط … من المؤكد انكم لم تحبوه …
الشعب :
مهلاً مهلاً أيها الانسان … انتظر للحظة … لما كل هذا اللوم الذي تُلقيه علينا؟! … نعم نحن لا ننكر بأننا صرخنا بأعلى صوتنا و طالبنا بصلبه … نعم لقد كان معنا و أحبَنا و أحببناه ، و طالبنا باطلاق سراح برأبا بدلاً من يسوع، و تحقق ما طلبناه …
و لكن قف عندك ، قف للحظة ، انظر في داخلك ، ابحث جيداً … ألا ترى بأننا موجودين في داخلك … استرجع شريط ذكرياتك ، ألا تلاحظ أنك قد وقفت معنا و صرخت غاضباً "اصلبه .. اصلبه" ؟ … ربما لم تكن معنا آنذاك ، الا انك لم تُفوّت لحظة لم تطالب فيها بصلبه …
ألا تعلم أنك بابتعادك عنه يعلو صوتك مطالباً بصلبه … ألا تعلم أن كل خطيئة ترتكبها ترفع من صوتك أكثر فأكثر و تطالب بصلبه … ألا تعلم أنك دائماً تطالب بصلبه بل حتى تصلبه … نعم لا تستغرب ، فأنت أيضاً قاسي القلب ، و لا تعرف الرحمة ، أنت أيضاً ناكر للجميل ، أنت أيضاً قد أحبك و ضحى لأجلك … فأنت أيضاً لا تعرف معنى كل هذا الحب الذي أحبك اياه …
الانسان :
أنت انسان مندفع يا بطرس ، لا تفكر … عندما قال لكم أن أحداً منكم سيسلمه ، صعد الدم الى وجهك ،
و رفضتَ الفكرة ، لا لن نسلمك يا يسوع ، فأنبأك بأنك ستنكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك …
و صاح الديك ، فما لبثتَ أن سمعت صوته حتى أيقنتَ أنك قد أنكرته كما أنبأك …
دافعت عنه ، فقطعت أذن ذاك العبد … أنت مندفع يا بطرس … و اندفاعك هذا كله كان هباءً ، اندفاع مبني عل الرمل لا أساس له … فعاصفة واحدة أمالتك و جعلتك تنكره …
أتخجل من جارية؟! أتخجل أن يعرفوا بأنك تلميذه؟! أتستحي به؟!
بطرس :
لقد نسيتَ يا عزيزي الانسان بأني قد بكيتُ بكاءً مراً … فقد أدركت عظم الخطيئة التي ارتكبتها … و بكيت بكيت …
لم أستطع أن أرفع عينيّ اليه ، فلم تقويا على الالتقاء بعينيه … نظرته اخترقت قلبي و أخذت تمزقه …
أما أنت … ترتكب الخطيئة ، و تخونه أمام عينيه … ينظر اليك ، يراك ، يرى ما أنت فاعله ، يرى بماذا تقابل محبته …
تأتي اليه ، و ترفع عينيك نحوه دون خجل … فلا تخجل من عمق الهاوية التي أنت منزلق فيها …
ينظر اليك ، يسألك أن تكُف عن انكاره … يرجوك أن تبكي ، ابكي قليلاً … لعل هذه الدموع التى تطرحها عينيك تقوم بطرح الخطيئة و الضلال من قلبك معها … لعل هذا البكاء يُليّن قلبك القاسي هذا! …
نعم ، لقد أنكرته … الا أنني لم أجرؤ أن أنظر في عينيه … أما أنت فتنكره و لا تأبه … فلا ترى عينيه … حتى انك لا تراه هو نفسه من علوّ الحائط الذي بنيته بيديك …
انظر الى نفسك الآن … ألا ترى في نفسك ذاك الناكر للجميل؟! … ذاك الشخص المندفع وراء هذا الحب الأعمى ، دون ادراك مدى روعة العلاقة معه!!! …
انظر الى نفسك لترى بطرس الناكر مزروع فيك … و لكنك لن ترى بطرس التائب الباكي …
فأنت هو ناكر يسوع يا عزيزي الانسان …
الانسان :
لا أيها الجندي … ما الذي تفعله أنت هناك؟ ارحمه أرجوك! … لا تزرع هذا الشوك اللعين في جبينه! ألا ترى وجعه الصامت في داخله؟ هذا الشوك الذي ينغرس ليدخل في الأعماق واخزاً كل شئ …
توقف قليلاً … لقد مزق هذا السياط جسده ، لم يخفَ على هذا السياط مكان إلا و وصل اليه ، لم يخفَ عليه جرح إلا و زاده … لم يَعُد في جسده الطاهر متسعاً لمزيد من الجلدات … ارحموه …
انتظر أنت أيضاً … ما هذه المسامير الهائلة التي تضعها في يديه ، انها تأخذ في طريقها كل ما يحلو لها من لحم و دم و أعصاب ، انه يصرخ دون أن يصدر صوتاً … اعتقه أرجوك …
مهلاً … لقد طلب منك ماءً ، أتعطيه خلاً ؟!! … أتتلذذ بنشوة رؤيته عطشاناً ، و يشرب الخل ليزيد من حرقة عطشه ؟!!!
ما كل هذا الذي تفعلونه أيها الجنود؟ … ما هذه الطاعة العمياء التي تقودكم و تسيّركم ، لتهزأوا منه و تشتموه و تضربوه ، و لم يفلت أيضاً من شوك اكليلكم و لا من جلدات سياطكم ، و لا حتى من غرسات مساميركم و حرقة خلكم ، بل انه لم يفلت أيضاً من حربتكم التي لم تنسَ أن تُخرج ما تبقى في جسده من دم و ماء …
ما من كلام يسعُ فمي أن يتفوه به … ليس لدي ما أقوله إلا أنكم قد ارتكبتم أكبر جريمة في حق ذاك الحمل الذي أحبكم … و حتى أنه لم ينسَ أن يغفر لكم كل ما فعلتموه !!!! الجنود : ارحمنا أرجوك … فكلامك كالمنشار مزقنا تمزيقاً … لا ننكر بأننا قد ارتكبنا كل هذه القسوة بحق هذا الانسان البرئ ، بحق هذا الحمل الوديع … الا أننا عبد المأمور … هذا ما فُرض علينا عمله ، هذه كانت وظيفتنا ، لا ارادة لنا في ذلك ، كل هذا كان خارجاً عن ارادتنا …
و لكنك أنت ... نعم أنت أيها الانسان المدعي الرحمة ... انظر ما أنت فاعله ...
انك بكل شهوة في نفسك تسلمه ليحكموا عليه و انك بهذا الكبرياء المسيطر عليك تصرخ غاضباً "اصلبه .. اصلبه" , بل انك أيضاً تنكره أمام أتفه الأشياء و أصغرها و ينظر اليك نظرته لبطرس ... و أنت بخطيئة الحسد تمسك السياط بين يديك هاتين و تجلده بعنف و بقوة ... و كلما تكاسلت و أهملت واجباتك الدينية و الدنيوية تعقد اكليلاً شوكياً على جبينه و تغرسه صائحاً "ملك اليهود" ... و ببخلك تُحمله ذاك الصليب الثقيل و تُسيّره ليمشي به الى أعلى الجلجلة ... و لا تنسى أنك بخطيئة الشراهة تطرق تلك المسامير لتستقر في يديه و رجليه ... و بغضبك ترفع صليبه عالياً ليراه الجميع مصلوباً ، خائر القوى ، متألماً و مائتاً ... و أما الخل الذي تسقيه له ببعدك عنه محاولاً اشعال النيران في أحشائه ... و أيضاً الحربة التي تغرسها في جنبه الآخر ... و حتى انك قد تقوم بتنفيذ عقوبات أخرى لم نرتكبها نحن ...
لا تقل أن لا ارادة لك في كل هذا ، كل تلك العذابات التي تلقيها عليه إنما تقوم بها بملئ ارادتك ، لم يُجبرك أحد على ارتكاب تلك الخطايا التي زادت عذابه ...
نعم أنت الذي تُنفذ تلك العقوبات على هذا البرئ الذي أحبك حتى الموت ، تنفذها دون رحمة أو حب ...
أنت من أراد هذا ... انها ارادتك الحرة ... نعم ، فأنت من يعذبه و ليس نحن ...
نعم ، هذه هي حال كل دقيقة في كل يوم من أيام حياتي ... هذا هو أنا ... أنا يهوذا الخائن ... أنا الشعب الصائح الغاضب ... أنا بطرس الناكر... أنا الجنود القساة ... و الآن ... كيف يمكنني أن أكفّر عن كل الآلام والعذاب الذي سببته لك ؟؟؟ تلك الآلام الجسدية و أيضاً الآلام النفسية التي تعاني منها لبعدي عنك و لحزنك لخيانتي محبتك ؟؟؟
أما الآن يا يسوعي ، وبعد أن اكتشفت حقيقة يهوذا و الشعب و بطرس و الجنود المزروعين في داخلي ... أطلب منك يا يسوع أن تصلب هذه الخطيئة ... هذا الضعف ... هذا البعد ... أمتْ جميع ما يبعدني عنك و لا تقمهم أبداً ...
أسرع يا يسوعي و أرجعني الى حضنك ... ابعدني عن عبودية الخطيئة و أرجعني الى الحرية ... فأنا أسلم لك ذاتي لتفعل بي ما تشاء ... لن أرجع الى الهاوية ما دمت أنت بقربي ...
فأنت الطريق و أنا بدونك ضائع ... أنت الحق ، فأنا بدونك كذبة لا وجود لي ... و أنت الحياة ، فأنا بدونك ميت ...
لن أسلمك يا يسوع ، و لن أنكرك و لن أطالب بصلبك و لن أعذبك ما حييت ... فأنا أحبك الى الأبد ...
Comment