ضرورة الاستعداد لصلاة الورديّة
إنّ الآباء الروحيّين قد عرّفوا الصلاة بأنّها ارتفاع العقل وانعطاف الروح إلى الله. لذلك يجب على كلّ من يتقدّم للصلاة، أن يهيّئ نفسه أوّلاً، ويعدّها لمخاطبة الله بأن يندم على كلّ ما صدر عنه من ذنوب وخطايا، ويطلب الغفران عنها بكلّ قصد وتوبة. ومن ثمّ يتأمّل في نفسه بعظمة الله ومجده وأنّه يجب أن يقدّم له كلّ إكرام وتعظيم. على أنّ تقدمة الحمد له تعالى هو دَين متوجّب عليه لا يعفى منه، وأن يتذكّر دائمًا أنّه خاطئ حقير يحتاج إلى عطف ورحمة من مولاه وأنّه لا يستطيع شيئًا دونه.
فهذا الاستعداد واجب أيضًا لمن يتقدّم لتلاوة المسبحة الورديّة. وقبل تقدّمنا إلى مخاطبة السيّدة العذراء علينا أن نندم على خطايانا. لأنّه كيف نتصوّر أنّنا نرضيها بأفواهنا ونحن في قلوبنا أعداء لابنها. ومن ثمّ علينا أن نتأمّل عظمة تلك السيّدة المجيدة سلطانة السماء والأرض، وجميع الملائكة والقدّيسين يخرّون أمامها ساجدين لأنّها أمّ الإله، وهي الملكة التي قامت عن يمينه فوق كلّ العروش والمراتب جميعها. وإنّ تكريمنا هذا لها راجع إليه وهو مصدره فيلزمنا لذلك المبالغة في تكريمها إجلالاً له ولها.
ولما كانت الصلاة على نوعين عقليّة ولفظيّة، كانت صلاة الورديّة أفضل الصلوات لاشتمالها: على اللفظيّة بتلاوة الأبانا والسلام والمجد، وعلى العقليّة بتأمّل الأسرار الخلاصيّة المنظومة في سلكها. فيلزمنا إذًا أن نحسن اللفظ في تلاوتها بتأنٍ ولا سيّما إذا كانت تلاوتها بين الجمهور ليتمكّنوا من سماعها. وأن نصغي بأفكارنا إلى فحوى الكلام عن كلّ سرّ من أسرارها. وليكن دائمًا مسطّرًا أمامنا قول القدّيس قبريانوس وهو: "كيف تأمل أيّها المصلي أن يسمعك الله وأنت لا تسمع نفسك عند صلاتك".
وهذا القول حرّي بأن نردّده في بالنا كلّما تقدّمنا إلى مخاطبة العذراء في تلاوة ورديّتها. كما حرّي أن نتذكّر أيضًا قول السيّد المسيح عن نبوءة أشعيا: "إنّ هذا الشعب يكرّمني بشفتيه وأمّا قلبه فبعيد عنّي فباطلاً يعبدوني" (مرقس 7/7). وهذا الكلام تكرّره السيّدة العذراء دائمًا. فكيف نرجو منها إذًا أن تصغي إلى طلباتنا ونحن لا نصغي إليها ولا إلى طلباتها. ولا يخفى أنّ ذلك يُعدّ ضربًا من الهزء وعدم المبالاة بمقام من نخاطبها هل يطيق أحدنا أن يخاطبه أحد خدمه بهذه الصورة ولا يعدّ ذلك إهانة له وعدم إكراث.
إنّ سيّدنا يسوع المسيح لمّا علّمنا أن نصلّي قال: "وأمّا أنت فإذا صلّيت فادخل مخدعك واغلق بابك" (متى 6/6). فالمخدع نفهم فيه نفسنا، والباب حواسنا أي يلزمنا أن نجمع أفكارنا ونختلي في أعماق ضمائرنا وأن نمنع حواسنا من الالتفات والإصغاء إلى ما حولنا.
ولمّا كان الإنسان مركّبًا من نفس وجسد، ترتّب عليه قضاء فروضه الدينيّة بالنفس والجسد معًا. فإذا صلّى بشفتيه وكان قلبه مشغولاً بغير عواطف وهواجس، كانت صلاته نظير جسد بلا نفس. وذلك عائد لضعف الطبيعة البشريّة إذا لا تقوى على إتيان الأمور الروحيّة كما يجب ما لم تساعدنا النعمة الإلهيّة، ومع مساعدة هذه النعمة لها يلزمنا أن نعوّدها ونروّضها على ذلك. متمثّلين بمن سبقنا من المؤمنين، فإنّهم استطاعوا بمساعدة هذه النعمة أن يضبطوا أفكارهم ويجمعونها عند الصلاة، إلى أن استحقّ بعضهم أن ترتفع أجسادهم وقت الصلاة مع ارتفاع عقولهم "انخطاف روحيّ وجسديّ". وإنّ ضياع الفكر وشروده أثناء الصلاة، أكثر من يكون إلى جانب ضعف طبيعتنا البشريّة، لانهماكنا في المشاغل الأرضيّة انهماكًا زائدًا، دون أن نهتمّ لأمر خلاصنا الذي هو أهمّ بكثير، لا بل يجب أن نسخّر لأجله كلّ أوقاتنا ونشغل له كلّ أفكارنا وحركاتنا. كيف لا، وهو الأمر الذي إليه انصرف اهتمام الله منذ الأزل وفي الزمان وإلى الأبد. وهذه خلائقه كلّها مسخّرة منه لخدمة الإنسان على تحقيقه.
وإنّ مساكن الإنسان الثلاثة: الأرض والنعيم والجحيم ما كانت إلاّ لهذا الأمر الخطير. فالأرض للعمل فيها بطلب الخلاص، والسماء لإغراء الإنسان بالتماسه وترغيبه فيه، وجهنّم لتخويفه فتدفعه بكلّ جديّة لتحصيله خوفًا من الوقوع فيها.
فعند افتكارنا وقت تلاوة الورديّة بهذه الاعتبارات، وهي عظمة السيّدة العذراء، وشرف السرّ الذي أمامنا من أسرار الفداء، وحالة فقرنا وأهميّة أمر خلاصنا، نتمكّن من جمع أفكارنا وضبط تصوّراتنا فيما نعمله، وهزّ مشاعرنا بعواطف الخشوع والتذلّل متصاغرين أمام الملكة العظيمة التي نخاطبها أم الإله وسلطانة السماء والأرض.
إنّ الآباء الروحيّين قد عرّفوا الصلاة بأنّها ارتفاع العقل وانعطاف الروح إلى الله. لذلك يجب على كلّ من يتقدّم للصلاة، أن يهيّئ نفسه أوّلاً، ويعدّها لمخاطبة الله بأن يندم على كلّ ما صدر عنه من ذنوب وخطايا، ويطلب الغفران عنها بكلّ قصد وتوبة. ومن ثمّ يتأمّل في نفسه بعظمة الله ومجده وأنّه يجب أن يقدّم له كلّ إكرام وتعظيم. على أنّ تقدمة الحمد له تعالى هو دَين متوجّب عليه لا يعفى منه، وأن يتذكّر دائمًا أنّه خاطئ حقير يحتاج إلى عطف ورحمة من مولاه وأنّه لا يستطيع شيئًا دونه.
فهذا الاستعداد واجب أيضًا لمن يتقدّم لتلاوة المسبحة الورديّة. وقبل تقدّمنا إلى مخاطبة السيّدة العذراء علينا أن نندم على خطايانا. لأنّه كيف نتصوّر أنّنا نرضيها بأفواهنا ونحن في قلوبنا أعداء لابنها. ومن ثمّ علينا أن نتأمّل عظمة تلك السيّدة المجيدة سلطانة السماء والأرض، وجميع الملائكة والقدّيسين يخرّون أمامها ساجدين لأنّها أمّ الإله، وهي الملكة التي قامت عن يمينه فوق كلّ العروش والمراتب جميعها. وإنّ تكريمنا هذا لها راجع إليه وهو مصدره فيلزمنا لذلك المبالغة في تكريمها إجلالاً له ولها.
ولما كانت الصلاة على نوعين عقليّة ولفظيّة، كانت صلاة الورديّة أفضل الصلوات لاشتمالها: على اللفظيّة بتلاوة الأبانا والسلام والمجد، وعلى العقليّة بتأمّل الأسرار الخلاصيّة المنظومة في سلكها. فيلزمنا إذًا أن نحسن اللفظ في تلاوتها بتأنٍ ولا سيّما إذا كانت تلاوتها بين الجمهور ليتمكّنوا من سماعها. وأن نصغي بأفكارنا إلى فحوى الكلام عن كلّ سرّ من أسرارها. وليكن دائمًا مسطّرًا أمامنا قول القدّيس قبريانوس وهو: "كيف تأمل أيّها المصلي أن يسمعك الله وأنت لا تسمع نفسك عند صلاتك".
وهذا القول حرّي بأن نردّده في بالنا كلّما تقدّمنا إلى مخاطبة العذراء في تلاوة ورديّتها. كما حرّي أن نتذكّر أيضًا قول السيّد المسيح عن نبوءة أشعيا: "إنّ هذا الشعب يكرّمني بشفتيه وأمّا قلبه فبعيد عنّي فباطلاً يعبدوني" (مرقس 7/7). وهذا الكلام تكرّره السيّدة العذراء دائمًا. فكيف نرجو منها إذًا أن تصغي إلى طلباتنا ونحن لا نصغي إليها ولا إلى طلباتها. ولا يخفى أنّ ذلك يُعدّ ضربًا من الهزء وعدم المبالاة بمقام من نخاطبها هل يطيق أحدنا أن يخاطبه أحد خدمه بهذه الصورة ولا يعدّ ذلك إهانة له وعدم إكراث.
إنّ سيّدنا يسوع المسيح لمّا علّمنا أن نصلّي قال: "وأمّا أنت فإذا صلّيت فادخل مخدعك واغلق بابك" (متى 6/6). فالمخدع نفهم فيه نفسنا، والباب حواسنا أي يلزمنا أن نجمع أفكارنا ونختلي في أعماق ضمائرنا وأن نمنع حواسنا من الالتفات والإصغاء إلى ما حولنا.
ولمّا كان الإنسان مركّبًا من نفس وجسد، ترتّب عليه قضاء فروضه الدينيّة بالنفس والجسد معًا. فإذا صلّى بشفتيه وكان قلبه مشغولاً بغير عواطف وهواجس، كانت صلاته نظير جسد بلا نفس. وذلك عائد لضعف الطبيعة البشريّة إذا لا تقوى على إتيان الأمور الروحيّة كما يجب ما لم تساعدنا النعمة الإلهيّة، ومع مساعدة هذه النعمة لها يلزمنا أن نعوّدها ونروّضها على ذلك. متمثّلين بمن سبقنا من المؤمنين، فإنّهم استطاعوا بمساعدة هذه النعمة أن يضبطوا أفكارهم ويجمعونها عند الصلاة، إلى أن استحقّ بعضهم أن ترتفع أجسادهم وقت الصلاة مع ارتفاع عقولهم "انخطاف روحيّ وجسديّ". وإنّ ضياع الفكر وشروده أثناء الصلاة، أكثر من يكون إلى جانب ضعف طبيعتنا البشريّة، لانهماكنا في المشاغل الأرضيّة انهماكًا زائدًا، دون أن نهتمّ لأمر خلاصنا الذي هو أهمّ بكثير، لا بل يجب أن نسخّر لأجله كلّ أوقاتنا ونشغل له كلّ أفكارنا وحركاتنا. كيف لا، وهو الأمر الذي إليه انصرف اهتمام الله منذ الأزل وفي الزمان وإلى الأبد. وهذه خلائقه كلّها مسخّرة منه لخدمة الإنسان على تحقيقه.
وإنّ مساكن الإنسان الثلاثة: الأرض والنعيم والجحيم ما كانت إلاّ لهذا الأمر الخطير. فالأرض للعمل فيها بطلب الخلاص، والسماء لإغراء الإنسان بالتماسه وترغيبه فيه، وجهنّم لتخويفه فتدفعه بكلّ جديّة لتحصيله خوفًا من الوقوع فيها.
فعند افتكارنا وقت تلاوة الورديّة بهذه الاعتبارات، وهي عظمة السيّدة العذراء، وشرف السرّ الذي أمامنا من أسرار الفداء، وحالة فقرنا وأهميّة أمر خلاصنا، نتمكّن من جمع أفكارنا وضبط تصوّراتنا فيما نعمله، وهزّ مشاعرنا بعواطف الخشوع والتذلّل متصاغرين أمام الملكة العظيمة التي نخاطبها أم الإله وسلطانة السماء والأرض.