خميس الأسرار: عظة بندكتس السادس عشر في قداس العشاء السري في بازيليك القديس يوحنا اللاتران
وحدة المسيحيين لا تتحقق إلا إذا كان المسيحيون متحدين بشدة به، بيسوع
روما، الجمعة 22 أبريل 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال قداس "عشاء الرب" يوم خميس الأسرار في بازيليك القديس يوحنا اللاتران.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
"كم اشتهيت أن أتناول عشاء هذا الفصح معكم قبل أن أتألم!" (لو 22، 15). بهذه الكلمات، استهل يسوع الاحتفال بوليمته الأخيرة وبتأسيس سر القربان المقدس. لقد استقبل يسوع هذه الساعة بالرغبة بها. في صميمه، انتظر هذه اللحظة التي بذل فيها ذاته لتلاميذه تحت أعراض الخبز والخمر. انتظر هذه اللحظة التي كان يجب أن تكون نوعاً من العرس المسيحي الفعلي: تحول هبات هذه الأرض والوحدة مع تلاميذه ليبدلهم ويفتتح تبديل العالم. في رغبة يسوع، نستطيع تمييز رغبة الله نفسه – محبته للبشر، لخليقته، محبة منتظرة. المحبة التي تنتظر لحظة الوحدة، المحبة التي تجذب البشر إلى ذاتها، لتحقيق رغبة الخليقة بالكامل: ففي الواقع أن هذه الأخيرة تنتظر ظهور أبناء الله (رو 8، 19).
يسوع يريدنا وهو ينتظرنا. هل نريده فعلاً؟ هل نشعر أننا ميالون روحياً إلى لقائه؟ هل نرغب بشدة في قربه، وفي الوحدة معه، الهبة التي يمنحنا إياها في سر القربان المقدس؟ أو أننا غير مبالين، وغافلون، ومنشغلون بأمور أخرى؟ بناء على أمثلة يسوع حول الولائم، نعلم أنه يعرف حقيقة الأماكن الفارغة، الإجابة السلبية، عدم الاهتمام به وبقربه. الأماكن الفارغة في وليمة عرس الرب، مع ذرائع أو دونها، لا تشكل بالنسبة إلينا ومنذ زمن طويل مثلاً وإنما واقعاً موجوداً وتحديداً في هذه البلدان التي كان قد أظهر لها قربه الخاص.
لقد كان يسوع يعلم أيضاً أن مدعوين سيأتون، وإنما من غير أن يكونوا لابسين ثوب العرس – من دون فرح قربه، متبعين فقط العادة، ومع توجه آخر لحياتهم. في إحدى عظاته، كان يتساءل القديس غريغوريوس الكبير: من هم الأشخاص الذين يأتون من دون ثوب العرس؟ ما هو هذا الثوب وكيف يتم الحصول عليه؟ إجابته هي: إن الذين دعيوا وأتوا يتحلون نوعاً ما بالإيمان. الإيمان هو الذي يفتح لهم الباب. وإنما ينقصهم ثوب عرس المحبة. من لا يعش الإيمان كمحبة ليس مستعداً للعرس ويُطرح خارجاً. الشركة الافخارستية تستلزم الإيمان، لكن الإيمان يستلزم المحبة، وإلا يموت أيضاً كإيمان.
من خلال الأناجيل الأربعة، نعلم أن وليمة يسوع الأخيرة قبل آلامه كان مكان إعلان. فقد اقترح يسوع مجدداً وبإلحاح العناصر الأساسية لرسالته. الكلمة والسر، الرسالة والهبة، متحدان بلا انفصال. مع ذلك، وخلال وليمته الأخيرة، قام يسوع بخاصة بالصلاة. يستخدم متى ومرقس ولوقا كلمتين لوصف صلاة يسوع في اللحظة الأساسية من العشاء السري: "eucharistesas" و"eulogesas" – "شكر" و"بارك". إن حركة الشكر الصاعدة وحركة التبريك المنحدرة تترافقان. فكلمات استحالة القربان تشكل جزءاً من صلاة يسوع. إنها كلمات صلاة. يسوع يحول آلامه إلى صلاة، إلى تقدمة للآب من أجل البشر. ولتحويل معاناته إلى محبة، قوة مبدلة للهبات التي يمنح فيها ذاته حالياً. إنه يمنحنا إياها لكي نتبدل نحن والعالم. الهدف الفعلي والأخير للتبدل الافخارستي هو تبدلنا في الشركة مع المسيح. وسر القربان المقدس يسعى إلى الإنسان الجديد، العالم الجديد بحيث يحيا فقط انطلاقاً من الله من خلال عمل خادم الله.
بفضل لوقا وبخاصة يوحنا، ندرك أن يسوع في صلاته خلال العشاء السري رفع ابتهالات إلى الآب – ابتهالات تشمل في الوقت عينه نداءات إلى تلاميذه في ذلك الزمان وفي كل زمان. الآن، أود أن أختار فقط ابتهالاً كرره يسوع بحسب يوحنا أربع مرات خلال صلاته الكهنوتية. كم شغله في صميمه! وهو يبقى دوماً ابتهاله إلى الآب من أجلنا: إنها الصلاة من أجل الوحدة. يسوع يقول بوضوح أن هذا الابتهال ليس ملائماً فقط للتلاميذ في ذلك الزمن، وإنما يشمل كل الذين يؤمنون به (يو 17، 20). إنه يطلب أن يكون الجميع واحداً "أيها الآب، مثلما أنت فيّ وأنا فيك، فيؤمن العالم" (يو 17، 21).
وحدة المسيحيين لا تتحقق إلا إذا كان المسيحيون متحدين بشدة به، بيسوع. إن الإيمان بيسوع ومحبته والإيمان بأنه واحد مع الآب والانفتاح على الوحدة معه هي أمور أساسية. هذه الوحدة إذاً ليست فقط شيئاً باطنياً، صوفياً. يجب أن تضحي مرئية، مرئية إلى حد أن تشكل للعالم الإثبات بأن يسوع أرسل في مهمة من قبل الآب. لذلك، لهذا الابتهال معنى افخارستي مستتر أوضحه بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس: "الخبز الذي نكسره، أما هو مشاركة في جسد المسيح؟ فنحن على كثرتنا جسد واحد لأن هناك خبزاً واحداً، ونحن كلنا نشترك في هذا الخبز الواحد" (1 كور 10، 16).
مع سر الافخارستيا، تنشأ الكنيسة. نحن جميعاً نتناول الخبز عينه، وننال جسد الرب عينه، مما يعني أنه يفتح كل واحد منا، أبعد من ذاته. يجعلنا جميعاً واحداً. سر القربان المقدس هو سر قرب وشركة كل واحد مع الرب. وفي الوقت عينه، هو اتحاد الجميع المرئي. سر القربان المقدس هو سر الوحدة. وهو يبلغ سر الثالوث خالقاً في الوقت عينه الوحدة المنظورة. لنقل مجدداً: إنه اللقاء الشخصي مع الرب، ومع ذلك، ليس أبداً مجرد فعل تفان فردي. نحتفل به جميعاً بالضرورة. ففي كل جماعة، الرب حاضر بشكل كامل. لكنه واحدٌ في كافة الجماعات. لذلك، فإن كلمات "Una cum Papa nostro et cum Episcopo nostro" تشكل حتماً جزءاً من صلاة الكنيسة الافخارستية. هي ليست إضافة خارجية إلى ما يحصل داخلياً، لكنها تعبير ضروري عن الواقع الافخارستي. ونذكر البابا والأسقف باسمهما: الوحدة هي ملموسة كلياً ولها أسماء. هكذا، تصبح الوحدة منظورة، تضحي رمزاً للعالم وتضع لنا معياراً ملموساً.
لقد حفظ لنا القديس لوقا عنصراً حسياً من صلاة يسوع للوحدة: "سمعان، سمعان! ها هو الشيطان يطلب أن يغربلكم مثلما يغربل الزارع القمح. ولكني طلبت لك أن لا تفقد إيمانك. وأنت، متى رجعت إلي، ثبت إخوانك" (لو 22، 31). اليوم، نكتشف مجدداً بألم أن الشيطان أوكلت إليه غربلة التلاميذ بشكل مرئي أمام العالم أجمع. ونحن نعلم أن يسوع يصلي من أجل إيمان بطرس وخلفائه. نعلم أن بطرس الذي من خلال مياه التاريخ المضطربة يذهب للقاء الرب ويكاد يغرق، وتدعمه من جديد يد الرب وترشده على المياه. وإنما يلي ذلك إعلان ومهمة. "وأنت، متى رجعت إلي...": كل البشر باستثناء مريم هم بحاجة دائمة إلى الاهتداء.
يسوع يتنبأ لبطرس زلته واهتداءه. عمّ يتحول بطرس؟ في البداية، خلال دعوته، وبسبب خوفه بفعل قدرة الرب الإلهية وبفعل عجزه الذاتي، كان بطرس قد قال: "ابتعد عني، يا سيدي! أنا رجل خاطئ!" (لو 5، 8). على ضوء الرب، يدرك نقصه. هكذا تحديداً، في تواضع العارف بأنه خاطئ، تتم دعوته. وينبغي عليه دوماً أن يستعيد مجدداً هذا التواضع. قرب قيصرية فيلبس، لم يكن بطرس يريد أن يقبل آلام يسوع وصلبه. هذا الأمر لم يكن متفقاً مع الصورة التي كونها عن الله والمسيح. وفي العلية، لم يرد أن يقبل بأن يقوم يسوع بغسل رجليه: هذا لم يكن متفقاً مع فكرته عن كرامة المعلم. وفي بستان الزيتون، ضرب بسيفه. كان يريد إثبات شجاعته. مع ذلك، وأمام الجارية، قال أنه لا يعرف يسوع. عندها، لم يبد له ذلك سوى أكذوبة بسيطة، للبقاء قرب يسوع. لقد انهارت شجاعته بسبب معركة حقيرة للحصول على مكان وسط الأحداث.
ينبغي علينا جميعاً أن نتعلم مجدداً قبول الله ويسوع المسيح كما هو، وليس كما نريده أن يكون. نحن أيضاً يصعب علينا أن نقبل ارتباطه بمحدودية كنيسته وخدامه. ونحن أيضاً لا نريد أن نقبل أنه مجرد من القوة في هذا العالم. ونحن أيضاً نختبئ وراء الذرائع، عندما يصبح انتماؤنا إلى المسيح مكلفاً وخطيراً. نحن جميعاً بحاجة إلى الاهتداء لنستقبل يسوع في ألوهيته وإنسانيته. إننا بحاجة إلى تواضع التلميذ الذي يراعي مشيئة المعلم. الآن، نريد أن نسأله أن ينظر إلينا نحن أيضاً كما نظر إلى بطرس في اللحظة المناسبة بعينين ساهرتين وأن يهدينا.
بطرس المهتدي مدعو إلى تثبيت إخوته. ليس حدثاً خارجياً أن توكل إليه هذه المهمة في العلية. فخدمة الوحدة مرئية في الاحتفال بسر القربان المقدس. أيها الأحباء، يشعر البابا بتعزية كبيرة عندما يعلم أن الجميع يصلون من أجله خلال كل احتفال افخارستي؛ أن صلاتنا تتحد مع صلاة الرب لبطرس. فقط بفضل صلاة الرب والكنيسة، يستطيع البابا إنجاز مهمته التي تقتضي تثبيت إخوته – رعاية قطيع يسوع وضمان هذه الوحدة التي تصبح شهادة مرئية لرسالة يسوع من قبل الآب.
"كم اشتهيت أن أتناول عشاء هذا الفصح معكم". يا رب، أنت تريدنا، أنت تريدني. تريد أن تبذل ذاتك لأجلنا في سر القربان المقدس، أن تتحد معنا. يا رب، أَوجِد فينا أيضاً الرغبة بك. قونا في الوحدة معك وبيننا. امنح كنيستك الوحدة لكي يؤمن العالم. آمين.
***
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لدار النشر الفاتيكانية 2011
وحدة المسيحيين لا تتحقق إلا إذا كان المسيحيون متحدين بشدة به، بيسوع
روما، الجمعة 22 أبريل 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال قداس "عشاء الرب" يوم خميس الأسرار في بازيليك القديس يوحنا اللاتران.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
"كم اشتهيت أن أتناول عشاء هذا الفصح معكم قبل أن أتألم!" (لو 22، 15). بهذه الكلمات، استهل يسوع الاحتفال بوليمته الأخيرة وبتأسيس سر القربان المقدس. لقد استقبل يسوع هذه الساعة بالرغبة بها. في صميمه، انتظر هذه اللحظة التي بذل فيها ذاته لتلاميذه تحت أعراض الخبز والخمر. انتظر هذه اللحظة التي كان يجب أن تكون نوعاً من العرس المسيحي الفعلي: تحول هبات هذه الأرض والوحدة مع تلاميذه ليبدلهم ويفتتح تبديل العالم. في رغبة يسوع، نستطيع تمييز رغبة الله نفسه – محبته للبشر، لخليقته، محبة منتظرة. المحبة التي تنتظر لحظة الوحدة، المحبة التي تجذب البشر إلى ذاتها، لتحقيق رغبة الخليقة بالكامل: ففي الواقع أن هذه الأخيرة تنتظر ظهور أبناء الله (رو 8، 19).
يسوع يريدنا وهو ينتظرنا. هل نريده فعلاً؟ هل نشعر أننا ميالون روحياً إلى لقائه؟ هل نرغب بشدة في قربه، وفي الوحدة معه، الهبة التي يمنحنا إياها في سر القربان المقدس؟ أو أننا غير مبالين، وغافلون، ومنشغلون بأمور أخرى؟ بناء على أمثلة يسوع حول الولائم، نعلم أنه يعرف حقيقة الأماكن الفارغة، الإجابة السلبية، عدم الاهتمام به وبقربه. الأماكن الفارغة في وليمة عرس الرب، مع ذرائع أو دونها، لا تشكل بالنسبة إلينا ومنذ زمن طويل مثلاً وإنما واقعاً موجوداً وتحديداً في هذه البلدان التي كان قد أظهر لها قربه الخاص.
لقد كان يسوع يعلم أيضاً أن مدعوين سيأتون، وإنما من غير أن يكونوا لابسين ثوب العرس – من دون فرح قربه، متبعين فقط العادة، ومع توجه آخر لحياتهم. في إحدى عظاته، كان يتساءل القديس غريغوريوس الكبير: من هم الأشخاص الذين يأتون من دون ثوب العرس؟ ما هو هذا الثوب وكيف يتم الحصول عليه؟ إجابته هي: إن الذين دعيوا وأتوا يتحلون نوعاً ما بالإيمان. الإيمان هو الذي يفتح لهم الباب. وإنما ينقصهم ثوب عرس المحبة. من لا يعش الإيمان كمحبة ليس مستعداً للعرس ويُطرح خارجاً. الشركة الافخارستية تستلزم الإيمان، لكن الإيمان يستلزم المحبة، وإلا يموت أيضاً كإيمان.
من خلال الأناجيل الأربعة، نعلم أن وليمة يسوع الأخيرة قبل آلامه كان مكان إعلان. فقد اقترح يسوع مجدداً وبإلحاح العناصر الأساسية لرسالته. الكلمة والسر، الرسالة والهبة، متحدان بلا انفصال. مع ذلك، وخلال وليمته الأخيرة، قام يسوع بخاصة بالصلاة. يستخدم متى ومرقس ولوقا كلمتين لوصف صلاة يسوع في اللحظة الأساسية من العشاء السري: "eucharistesas" و"eulogesas" – "شكر" و"بارك". إن حركة الشكر الصاعدة وحركة التبريك المنحدرة تترافقان. فكلمات استحالة القربان تشكل جزءاً من صلاة يسوع. إنها كلمات صلاة. يسوع يحول آلامه إلى صلاة، إلى تقدمة للآب من أجل البشر. ولتحويل معاناته إلى محبة، قوة مبدلة للهبات التي يمنح فيها ذاته حالياً. إنه يمنحنا إياها لكي نتبدل نحن والعالم. الهدف الفعلي والأخير للتبدل الافخارستي هو تبدلنا في الشركة مع المسيح. وسر القربان المقدس يسعى إلى الإنسان الجديد، العالم الجديد بحيث يحيا فقط انطلاقاً من الله من خلال عمل خادم الله.
بفضل لوقا وبخاصة يوحنا، ندرك أن يسوع في صلاته خلال العشاء السري رفع ابتهالات إلى الآب – ابتهالات تشمل في الوقت عينه نداءات إلى تلاميذه في ذلك الزمان وفي كل زمان. الآن، أود أن أختار فقط ابتهالاً كرره يسوع بحسب يوحنا أربع مرات خلال صلاته الكهنوتية. كم شغله في صميمه! وهو يبقى دوماً ابتهاله إلى الآب من أجلنا: إنها الصلاة من أجل الوحدة. يسوع يقول بوضوح أن هذا الابتهال ليس ملائماً فقط للتلاميذ في ذلك الزمن، وإنما يشمل كل الذين يؤمنون به (يو 17، 20). إنه يطلب أن يكون الجميع واحداً "أيها الآب، مثلما أنت فيّ وأنا فيك، فيؤمن العالم" (يو 17، 21).
وحدة المسيحيين لا تتحقق إلا إذا كان المسيحيون متحدين بشدة به، بيسوع. إن الإيمان بيسوع ومحبته والإيمان بأنه واحد مع الآب والانفتاح على الوحدة معه هي أمور أساسية. هذه الوحدة إذاً ليست فقط شيئاً باطنياً، صوفياً. يجب أن تضحي مرئية، مرئية إلى حد أن تشكل للعالم الإثبات بأن يسوع أرسل في مهمة من قبل الآب. لذلك، لهذا الابتهال معنى افخارستي مستتر أوضحه بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس: "الخبز الذي نكسره، أما هو مشاركة في جسد المسيح؟ فنحن على كثرتنا جسد واحد لأن هناك خبزاً واحداً، ونحن كلنا نشترك في هذا الخبز الواحد" (1 كور 10، 16).
مع سر الافخارستيا، تنشأ الكنيسة. نحن جميعاً نتناول الخبز عينه، وننال جسد الرب عينه، مما يعني أنه يفتح كل واحد منا، أبعد من ذاته. يجعلنا جميعاً واحداً. سر القربان المقدس هو سر قرب وشركة كل واحد مع الرب. وفي الوقت عينه، هو اتحاد الجميع المرئي. سر القربان المقدس هو سر الوحدة. وهو يبلغ سر الثالوث خالقاً في الوقت عينه الوحدة المنظورة. لنقل مجدداً: إنه اللقاء الشخصي مع الرب، ومع ذلك، ليس أبداً مجرد فعل تفان فردي. نحتفل به جميعاً بالضرورة. ففي كل جماعة، الرب حاضر بشكل كامل. لكنه واحدٌ في كافة الجماعات. لذلك، فإن كلمات "Una cum Papa nostro et cum Episcopo nostro" تشكل حتماً جزءاً من صلاة الكنيسة الافخارستية. هي ليست إضافة خارجية إلى ما يحصل داخلياً، لكنها تعبير ضروري عن الواقع الافخارستي. ونذكر البابا والأسقف باسمهما: الوحدة هي ملموسة كلياً ولها أسماء. هكذا، تصبح الوحدة منظورة، تضحي رمزاً للعالم وتضع لنا معياراً ملموساً.
لقد حفظ لنا القديس لوقا عنصراً حسياً من صلاة يسوع للوحدة: "سمعان، سمعان! ها هو الشيطان يطلب أن يغربلكم مثلما يغربل الزارع القمح. ولكني طلبت لك أن لا تفقد إيمانك. وأنت، متى رجعت إلي، ثبت إخوانك" (لو 22، 31). اليوم، نكتشف مجدداً بألم أن الشيطان أوكلت إليه غربلة التلاميذ بشكل مرئي أمام العالم أجمع. ونحن نعلم أن يسوع يصلي من أجل إيمان بطرس وخلفائه. نعلم أن بطرس الذي من خلال مياه التاريخ المضطربة يذهب للقاء الرب ويكاد يغرق، وتدعمه من جديد يد الرب وترشده على المياه. وإنما يلي ذلك إعلان ومهمة. "وأنت، متى رجعت إلي...": كل البشر باستثناء مريم هم بحاجة دائمة إلى الاهتداء.
يسوع يتنبأ لبطرس زلته واهتداءه. عمّ يتحول بطرس؟ في البداية، خلال دعوته، وبسبب خوفه بفعل قدرة الرب الإلهية وبفعل عجزه الذاتي، كان بطرس قد قال: "ابتعد عني، يا سيدي! أنا رجل خاطئ!" (لو 5، 8). على ضوء الرب، يدرك نقصه. هكذا تحديداً، في تواضع العارف بأنه خاطئ، تتم دعوته. وينبغي عليه دوماً أن يستعيد مجدداً هذا التواضع. قرب قيصرية فيلبس، لم يكن بطرس يريد أن يقبل آلام يسوع وصلبه. هذا الأمر لم يكن متفقاً مع الصورة التي كونها عن الله والمسيح. وفي العلية، لم يرد أن يقبل بأن يقوم يسوع بغسل رجليه: هذا لم يكن متفقاً مع فكرته عن كرامة المعلم. وفي بستان الزيتون، ضرب بسيفه. كان يريد إثبات شجاعته. مع ذلك، وأمام الجارية، قال أنه لا يعرف يسوع. عندها، لم يبد له ذلك سوى أكذوبة بسيطة، للبقاء قرب يسوع. لقد انهارت شجاعته بسبب معركة حقيرة للحصول على مكان وسط الأحداث.
ينبغي علينا جميعاً أن نتعلم مجدداً قبول الله ويسوع المسيح كما هو، وليس كما نريده أن يكون. نحن أيضاً يصعب علينا أن نقبل ارتباطه بمحدودية كنيسته وخدامه. ونحن أيضاً لا نريد أن نقبل أنه مجرد من القوة في هذا العالم. ونحن أيضاً نختبئ وراء الذرائع، عندما يصبح انتماؤنا إلى المسيح مكلفاً وخطيراً. نحن جميعاً بحاجة إلى الاهتداء لنستقبل يسوع في ألوهيته وإنسانيته. إننا بحاجة إلى تواضع التلميذ الذي يراعي مشيئة المعلم. الآن، نريد أن نسأله أن ينظر إلينا نحن أيضاً كما نظر إلى بطرس في اللحظة المناسبة بعينين ساهرتين وأن يهدينا.
بطرس المهتدي مدعو إلى تثبيت إخوته. ليس حدثاً خارجياً أن توكل إليه هذه المهمة في العلية. فخدمة الوحدة مرئية في الاحتفال بسر القربان المقدس. أيها الأحباء، يشعر البابا بتعزية كبيرة عندما يعلم أن الجميع يصلون من أجله خلال كل احتفال افخارستي؛ أن صلاتنا تتحد مع صلاة الرب لبطرس. فقط بفضل صلاة الرب والكنيسة، يستطيع البابا إنجاز مهمته التي تقتضي تثبيت إخوته – رعاية قطيع يسوع وضمان هذه الوحدة التي تصبح شهادة مرئية لرسالة يسوع من قبل الآب.
"كم اشتهيت أن أتناول عشاء هذا الفصح معكم". يا رب، أنت تريدنا، أنت تريدني. تريد أن تبذل ذاتك لأجلنا في سر القربان المقدس، أن تتحد معنا. يا رب، أَوجِد فينا أيضاً الرغبة بك. قونا في الوحدة معك وبيننا. امنح كنيستك الوحدة لكي يؤمن العالم. آمين.
***
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لدار النشر الفاتيكانية 2011
Comment