سبت النور
الأب د. لويس حزبون
يومُ سبتُ النور هو يومُ قلقٍ واضطراب ويومُ أملٍ وانتظار. فهو يمثلُ نَمط حياتنا المُعاصر أجملَ تمثيل. فمن ناحيةٍ، حياتنا مَليئة بالإنتظار والأمل، ومن ناحيةٍ أخرى، لا تخلو حَياتُنا من القلقِ واَلإضطرابِ والتخوّف الذي يُعكرُ صَفوَ حياتنا وهدوء معيشتنا. سبتُ النور يَعكسُ صراعنا الداخلي بين الأمل والفشل وبين الحريّة والعُبودية، وبين الفرح والحزن، وبين الإنتظار والقلق، وبين النور والظلمة.
أجل! في سبت النور لم يَعد يَسوع حَاضراً بين هؤلاء الذين عَرفوهُ وَتوقعوا منه كل شيء، بَل غائباً عَن رُسله، غَائباً عن تلاميذه، غائباً عن الجميع. في سبت النور لم يستطع أحد أن يعملَ شيئاً، انشلت الحَركة ولم يتمكن أحدٌ من زيارة قبر المعلم الإلهي، يومٌ نَسيَ الجميعُ ما وعدَ به يسوع، بأنه يقُوم من بين الأموات.
أجل! كم واحداً كان ينتظرُ قيامةَ المسيح؟ لا أحد. الرسل والتلاميذ والشعب كلهم سَمعوهُ يَقولُ أنهُ يـَنبغي عَلى إبن الإنسان أن يتألمَ وَيَرذُل وَيقومُ في اليوم الثالث. إنهُ وَعدهم بذلك بَيْدَ أن الموتَ أعمى أبصارهم وأظلمَ بَصيرتهم فنسوا ما سيحدثُ بعد الموت، في ذلك الوقت ما كانَ التلاميذُ يؤمنونَ بقيامةِ مُعلمهم يَسوعُ من بين الأموات ولم تكن النسوةُ اللواتي تَبعنَ يسوع إلى الجُلجلة يؤمِنَّ أيضاً بقيامتهِ.
وكانَ ذاك السبت سبت موت، سبتُ قلقٍ سبتُ خوفٍ، سبت خيبةِ أملٍ وسبتُ تلاشي وإنقراض، رَجلٌ كانَ عَظيماً في أعمالهِ وقديساً في سيرته. فهو يومُ هّذيان، يومُ ضياع، يومُ غياب الرؤية المُستقبلية للتلاميذ والناس، ولم تَكنْ إلاّ مَريم العذراء تتأملُ كلمات إبنها يَسوع وَتحفظها في قَلبها، فكانت على يَقينٍ مِن أنَّ إبنها سيقومُ في اليومِ الثالث.
نحنُ بدورنا نؤمنُ بقيامةِ المسيح، ولسنا في ظُروف هؤلاء التلاميذ الذين عَاصروا المسيحَ قَبل ظُهورهِ لهم. وبالرغمِ من ذلك، فنحن نَعيشُ في ظُروفٍ تُماثلُ ظُروفَ هؤلاء التلاميذ الذينَ كَانوا يَعيشونَ في القلقِ والأملِ. فكم مرة شَعرنا وَكانَ سيدنا المَسيح غَائبٌ عنا، لا يُظهرُ نَفسهُ لنا ولا يُكلمنا وَليسَ مَوجوداً في حياتنا ولا يُساعدنا؛ وَكأنهُ لا يَزالُ مَدفوناً في القبر ولم يَقم. كُل ذلك قد يُثقلُ قُلوبنا وَيُثبطُ عَزائمنا. فَمـا العَمـل؟
عَلينا أن نَعيشَ الأملَ، وأن نَنظُر بنظراتِ الأملِ نَحوَ المَسيح كما نَظرتْ مَريم في سرّ نَفسها، لَم تُصدّق مَريم أن ابنها يسوع يُدفن وأن حياتهُ قد انتهت وانقطع كل أمل، بل كانت مَريم تأمل أكثر من ذلك، لا لأنها أم يَسوع بل لأنها كَانت مؤمنة. وكَمؤمنة كانت تنتظرُ بألمٍ وسلامٍ وَصبرٍ وَتهيأ قلبها لقيامةِ المسيح.
فنحنُ، عـَلينا أن نقتفي لا آثارَ التَلاميذ المَخذولين بل آثار مَريم المؤمنة. هـَذا هُو عَملنا وهَـذا هُو خَيارنا كل يوم في عالمٍ يَبدو أن الله فيه غائباً. نحن نعيش في عالمٍ يَبدو وكأن الظالم مُنتصرٌ، فإذا سرنا على خُطى مَريم نؤمنُ أن المسيح قد غلب الموتَ بموته وانتصر على الظلم والظلام،. كما أن العالم الذي نعيش فيه يبدو أنه عالم يسوده الفساد، فإذا سرنا بروح الإيمان، بروحِ مَريم فإننا نؤمن أن المسيحَ قد وهبَ لنا الخلود. وكذلك فإن هذا العالم هو عالم مادي يُسيطر عليه المال وشهوات هذه الدنيا (شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغِنى)، فإذا سرنا بروح الإيمان نعرفُ أن المسيح بموته وقيامتهِ قد غَلب العالم وما فيهِ من الأباطيل، فالعالم يَزول وتزول معه شهواته وأما من يَعملُ بمشيئة الله فإنه يبقى مدى الأبد.
نَحنُ نَعيشُ في عَالم يَبدو وكأنَّ الحق مَهضومٌ، فإذا سرنا بروحِ الإيمان فإننا سنعملُ مع المسيح إحقاق الحق والقيام بالواجب. نَحنُ نَعيشُ في عـَالم، يبدو وكَأن أعمال الخير لا تـُجدي نفعـاً، فعلينا أن نُبيِّن للعالم كم هي فعـّالةٌ الصلاة المنبثقة من روحِ الإيمان وروح الأمل بالمسيح القائم من بين الأموات.
يوم السبت العظيم، سبت النور هو سبتُ خَيار، فنحنُ مُعلقونَ بينَ الأمس والغد، بين الجُلجلة والقيامة، بينَ الأمل والألم، فهل نَبكي على فُقدانه أم هل نفرحُ لقيامته؟ إنه سؤالٌ تتعلقُ بهِ حياتنا ومصيرنا، فهل نَعيشُ الخوفَ والكآبة والاضطراب والتشاؤم أم نعيش الإيمانَ والعملَ والرجاءَ والتفاؤلَ؟ فقيامة المسيح تبعث فينا الأمل والتفاؤل، فهي دَعوةٌ للحياة، للحرية، للسخاء والعطاء وللتحرر من الأنانية والظلم والعبودية. إنها دَعوةٌ للمغامرة في سبيل الله، فلا خوفَ من الخسارة لمن سار بروحِ الإيمان. وأما إذا عشنا بدون الإيمان، بدون القيامة وبدون الأمل فإننا نبقى متمسكين بالعالم وأباطيله ونظل رهينة الملذات والعبودية وأسرى للشهوات والظلام.
وأخيرا وليس آخراً يومُ السبت هو اختيار، فإما أن ننظرَ إلى الوراء وَنبكي على القبر الفارغ حيث لا يوجدُ أحد، وإما أن ننظرَ إلى الأمام، ونلتقي مع يَسوع في حَياتنا اليومية، مع يسوع القائم من خلالِ صَلاتنا وعملنا وأطفالنا ومجتمعنا وأن نسير معه في الناصرة، في بيت لحم، في القدس، في نابلس وعلى شواطئ بُحيرة طبريا، وفي كل بقعةٍ من أرضنا العزيزة التي سارَ عليها المسيح، إنه مَعنا حيثما تَوجهنا وأينما كنا لأنه حي قائمٌ من ين الأموات.
الأب د. لويس حزبون
يومُ سبتُ النور هو يومُ قلقٍ واضطراب ويومُ أملٍ وانتظار. فهو يمثلُ نَمط حياتنا المُعاصر أجملَ تمثيل. فمن ناحيةٍ، حياتنا مَليئة بالإنتظار والأمل، ومن ناحيةٍ أخرى، لا تخلو حَياتُنا من القلقِ واَلإضطرابِ والتخوّف الذي يُعكرُ صَفوَ حياتنا وهدوء معيشتنا. سبتُ النور يَعكسُ صراعنا الداخلي بين الأمل والفشل وبين الحريّة والعُبودية، وبين الفرح والحزن، وبين الإنتظار والقلق، وبين النور والظلمة.
أجل! في سبت النور لم يَعد يَسوع حَاضراً بين هؤلاء الذين عَرفوهُ وَتوقعوا منه كل شيء، بَل غائباً عَن رُسله، غَائباً عن تلاميذه، غائباً عن الجميع. في سبت النور لم يستطع أحد أن يعملَ شيئاً، انشلت الحَركة ولم يتمكن أحدٌ من زيارة قبر المعلم الإلهي، يومٌ نَسيَ الجميعُ ما وعدَ به يسوع، بأنه يقُوم من بين الأموات.
أجل! كم واحداً كان ينتظرُ قيامةَ المسيح؟ لا أحد. الرسل والتلاميذ والشعب كلهم سَمعوهُ يَقولُ أنهُ يـَنبغي عَلى إبن الإنسان أن يتألمَ وَيَرذُل وَيقومُ في اليوم الثالث. إنهُ وَعدهم بذلك بَيْدَ أن الموتَ أعمى أبصارهم وأظلمَ بَصيرتهم فنسوا ما سيحدثُ بعد الموت، في ذلك الوقت ما كانَ التلاميذُ يؤمنونَ بقيامةِ مُعلمهم يَسوعُ من بين الأموات ولم تكن النسوةُ اللواتي تَبعنَ يسوع إلى الجُلجلة يؤمِنَّ أيضاً بقيامتهِ.
وكانَ ذاك السبت سبت موت، سبتُ قلقٍ سبتُ خوفٍ، سبت خيبةِ أملٍ وسبتُ تلاشي وإنقراض، رَجلٌ كانَ عَظيماً في أعمالهِ وقديساً في سيرته. فهو يومُ هّذيان، يومُ ضياع، يومُ غياب الرؤية المُستقبلية للتلاميذ والناس، ولم تَكنْ إلاّ مَريم العذراء تتأملُ كلمات إبنها يَسوع وَتحفظها في قَلبها، فكانت على يَقينٍ مِن أنَّ إبنها سيقومُ في اليومِ الثالث.
نحنُ بدورنا نؤمنُ بقيامةِ المسيح، ولسنا في ظُروف هؤلاء التلاميذ الذين عَاصروا المسيحَ قَبل ظُهورهِ لهم. وبالرغمِ من ذلك، فنحن نَعيشُ في ظُروفٍ تُماثلُ ظُروفَ هؤلاء التلاميذ الذينَ كَانوا يَعيشونَ في القلقِ والأملِ. فكم مرة شَعرنا وَكانَ سيدنا المَسيح غَائبٌ عنا، لا يُظهرُ نَفسهُ لنا ولا يُكلمنا وَليسَ مَوجوداً في حياتنا ولا يُساعدنا؛ وَكأنهُ لا يَزالُ مَدفوناً في القبر ولم يَقم. كُل ذلك قد يُثقلُ قُلوبنا وَيُثبطُ عَزائمنا. فَمـا العَمـل؟
عَلينا أن نَعيشَ الأملَ، وأن نَنظُر بنظراتِ الأملِ نَحوَ المَسيح كما نَظرتْ مَريم في سرّ نَفسها، لَم تُصدّق مَريم أن ابنها يسوع يُدفن وأن حياتهُ قد انتهت وانقطع كل أمل، بل كانت مَريم تأمل أكثر من ذلك، لا لأنها أم يَسوع بل لأنها كَانت مؤمنة. وكَمؤمنة كانت تنتظرُ بألمٍ وسلامٍ وَصبرٍ وَتهيأ قلبها لقيامةِ المسيح.
فنحنُ، عـَلينا أن نقتفي لا آثارَ التَلاميذ المَخذولين بل آثار مَريم المؤمنة. هـَذا هُو عَملنا وهَـذا هُو خَيارنا كل يوم في عالمٍ يَبدو أن الله فيه غائباً. نحن نعيش في عالمٍ يَبدو وكأن الظالم مُنتصرٌ، فإذا سرنا على خُطى مَريم نؤمنُ أن المسيح قد غلب الموتَ بموته وانتصر على الظلم والظلام،. كما أن العالم الذي نعيش فيه يبدو أنه عالم يسوده الفساد، فإذا سرنا بروح الإيمان، بروحِ مَريم فإننا نؤمن أن المسيحَ قد وهبَ لنا الخلود. وكذلك فإن هذا العالم هو عالم مادي يُسيطر عليه المال وشهوات هذه الدنيا (شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغِنى)، فإذا سرنا بروح الإيمان نعرفُ أن المسيح بموته وقيامتهِ قد غَلب العالم وما فيهِ من الأباطيل، فالعالم يَزول وتزول معه شهواته وأما من يَعملُ بمشيئة الله فإنه يبقى مدى الأبد.
نَحنُ نَعيشُ في عَالم يَبدو وكأنَّ الحق مَهضومٌ، فإذا سرنا بروحِ الإيمان فإننا سنعملُ مع المسيح إحقاق الحق والقيام بالواجب. نَحنُ نَعيشُ في عـَالم، يبدو وكَأن أعمال الخير لا تـُجدي نفعـاً، فعلينا أن نُبيِّن للعالم كم هي فعـّالةٌ الصلاة المنبثقة من روحِ الإيمان وروح الأمل بالمسيح القائم من بين الأموات.
يوم السبت العظيم، سبت النور هو سبتُ خَيار، فنحنُ مُعلقونَ بينَ الأمس والغد، بين الجُلجلة والقيامة، بينَ الأمل والألم، فهل نَبكي على فُقدانه أم هل نفرحُ لقيامته؟ إنه سؤالٌ تتعلقُ بهِ حياتنا ومصيرنا، فهل نَعيشُ الخوفَ والكآبة والاضطراب والتشاؤم أم نعيش الإيمانَ والعملَ والرجاءَ والتفاؤلَ؟ فقيامة المسيح تبعث فينا الأمل والتفاؤل، فهي دَعوةٌ للحياة، للحرية، للسخاء والعطاء وللتحرر من الأنانية والظلم والعبودية. إنها دَعوةٌ للمغامرة في سبيل الله، فلا خوفَ من الخسارة لمن سار بروحِ الإيمان. وأما إذا عشنا بدون الإيمان، بدون القيامة وبدون الأمل فإننا نبقى متمسكين بالعالم وأباطيله ونظل رهينة الملذات والعبودية وأسرى للشهوات والظلام.
وأخيرا وليس آخراً يومُ السبت هو اختيار، فإما أن ننظرَ إلى الوراء وَنبكي على القبر الفارغ حيث لا يوجدُ أحد، وإما أن ننظرَ إلى الأمام، ونلتقي مع يَسوع في حَياتنا اليومية، مع يسوع القائم من خلالِ صَلاتنا وعملنا وأطفالنا ومجتمعنا وأن نسير معه في الناصرة، في بيت لحم، في القدس، في نابلس وعلى شواطئ بُحيرة طبريا، وفي كل بقعةٍ من أرضنا العزيزة التي سارَ عليها المسيح، إنه مَعنا حيثما تَوجهنا وأينما كنا لأنه حي قائمٌ من ين الأموات.