** قال السيد المسيح وهو يحذر تلاميذه من اليهود في أيامه "يأتونكم بثياب الحملان، وهم ذئاب خاطفة" (متى : 7/15)
* أي يأتونكم بمظهر الطيبة والوداعة والمسالمة، وهم عناصر عنيفة فتاكة تشبه الذئاب التي تخطف... فما هو المعنى الحقيقي لثياب الحملان هذه، وفي أية المواقف يمكن أن تنطبق؟
* يمكن أن ينطبق هذا الوصف علي العدو الذي يلبس ثياب الأصدقاء... أو علي الخاطئ الذي يتظاهر بالبر... ويمكن أن ينطبق علي المرائين الذين قال عنهم السيد المسيح إنهم يشبهون القبور المبيضة من الخارج وفي داخلها عظام نتنة...
* أن تعبير "ثياب الحملان" يمكن أن ينطبق أيضا علي الرذائل التي تلبس ثياب الفضائل وعلي الأخطاء التي تتسمي بغير أسمائها.
* إن الخطيئة التي تغري الأشرار وهي مكشوفة وصريحة ، لا تستطيع أن تحارب الأبرار والقديسين هكذا، لأنها لو ظهرت لهم بوجهها الصريح لرفضوها.
* لذلك فإن الشيطان حينما يحاربهم بخطية معينة، قد يلبسها ثوب الفضيلة، أو يعطيها إسما يريح الضمير! وهكذا يضل غير الحكماء وغير العارفين، ومثل هذا التضليل يمكن أن يكشفه المرشد الروحي إذا ما عُرض عليه...
* وهذه الأسماء المستعارة التي تلبسها الخطية، قد يستخدمها أشخاص يعرفون تماما أنهم مخطئون، ولكنهم يخفون أخطاءهم بثياب الحملان، حتى لا يخجلوا أمام الآخرين، وحتى لا ينكشفوا.
* إن ثياب الحملان قد يقع فيها البعض عن طريق الجهل وعدم الخبرة، وقد يستخدمها البعض بأسلوب الخداع أو الرياء.
* وأمثال هؤلاء المرائين: إن استطاعوا أن يخدعوا غيرهم ، إلا أنهم مكشوفون أمام الله فاحص القلوب والأفكار والنيات، ومكشوفون أيضا أمام ضمائرهم... وقد يكشفهم الناس كما يقول الشاعر: ثوب الرياء يشفّ عما تحته .. فإذا التحفت به فإنك عار على أن هؤلاء المرائين. قد يسهل بهم الاستهتار أحياناً إلي أن يتهكموا علي البسطاء، لكي ينطوي عليهم الخداع.
* وثياب الحملان يستخدمها العقل أحياناً لتبرير سلوك النفس: إن العقل لا يكون في كل وقت عقلاً صرفاً، أو مفكراً في الحق تفكيراً سليماً.. وإنما كثير ما يكون العقل خادما مطيعا لرغبات النفس... يحاول أن يبرر شهوات هذه النفس، وأن يبرر سلوكها، حتى لا تبدو مدانة أمام الضمير.. وهكذا يعطي الخطايا والنقائص أسماء مقبولة غير أسمائها الحقيقية.
* وسنحاول أن نضرب لذلك بعض الأمثلة:
* فالاستهتار مع الطياشة مثلا يلبس ثياب الحملان، ويأخذ اسم الحرية!
* وكلمة الحرية كلمة جميلة لا يجادل أحد في سمو معناها.
وتحت اسم الحرية يفعل الشخص ما يشاء، مستخدما هذا الاسم الجميل في فعل ما لا يليق، ناسياً أن الحرية في معناها الحقيقي، هي تحرر النفس من الأخطاء ومن الشهوات المعيبة..
فالشخص الحر هو الذي لا تستعبده عادة رديئة أو شهوة بطالة أو طبع فاسد، وليس معني الحرية أن يكسر أحد وصايا الله ويقول أنا حر أفعل ما أشاء! فمثل هذا الشخص ليس هو حراً، بل هو مستعبد للشيطان وإغراءاته.. هو يحاول أن يُلبس الاستهتار ثياب الحملان، ويعطيه اسم الحرية !
أحيانا المتدينون يظهرون أمام الناس بثياب الحملان بتقواهم وبكثرة صلواتهم وأنشطتهم الكثيرة ، وهم يخفون داخلهم الذئاب التي لها نيات أخرى كثيرة كجمع المال والسعي نحو السلطة وحب الظهور....الخ فتتبدد بتصرفاتهم الرعية.
* وفي بعض البلاد الكثيرة لبس الفساد ، والشذوذ الجنسي، وإدمان المخدرات ثياب الحملان ، وتسمي باسم الحرية الشخصية..
* وفي بعض البلاد لبس الإلحاد والانحراف الديني والمذهبي ثياب الحملان أيضا، وتسمي باسم الحرية الدينية وحرية العقيدة ! حتى أن بعضهم اعتنق عبادة الشيطان، وبني له بيوتا للعبادة وممارسات.. وطالب الدولة بحمايتها، باسم الحرية!
* كذلك قد تلبس الشهوة الجسدية ثياب الحملان، وتتسمي باسم الحب! والحب كلمة جميلة في معناها السامي تنال توقير الجميع... ولكن هل كل ما يسمونه حباً، هو حب في حقيقته؟ ألا يجوز أن خطية ما تخشي أن تكشف عن حقيقتها الفاسدة، فتلبس ثياب الحملان وتتسمي بهذا الاسم الجميل؟ ألا يحدث أحياناً أن شاباً يصادق فتاة صداقة غير بريئة مملوءة بالأخطاء الواضحة الفاضحة، ويسمي هذه العلاقة خطأً باسم الحب، وهي بعيدة عنه كل البعد!
أتذكر أنني مرة في حديث ُسئلت عن الفرق بين الحب والشهوة؟
فقلت إن الحب يريد دائما أن يعطي، والشهوة تريد دائما أن تأخذ..
فالذي يحب، ينبغي أن يكون طريقه سليماً وواضحاً، ويعمل في النور وليس في الظلام، ولا يصح أن يكون الحب مجرد ثياب حملان تخفي في داخلها ذئاباً خاطفة..
* كذلك قد تلبس القسوة ثياب الحملان، وتتسمي بالحزم..
فقد يعاقب أباً قاسياً أولاده أقصى ألوان العذاب. فيبرر موقفه بأنه ليس قاسياً، وإنما هو حازم! ويطلق علي معاملته الفظة الخشنة لأبنائه اسم التأديب أو التربية! ويقول عن عنفه في تربية أبنائه إنها حفظ لهم حتى لا يخطئوا! بينما تكون قسوته بعيدة كل البعد عن أساليب التربية، وقد تأتي بعكس ما يريد، وتغرس في نفوس الأبناء الكبت والشعور بالظلم، والرغبة في الانطلاق من هذا البيت.. ولكنها ثياب الحملان التي يحاول بها الأب إخفاء وحشيته وقسوته!
* وثياب الحملان قد تدخل أحياناً في بعض مجالات النصب علي عقول بعض البسطاء أو غير المتعلمين، وبخاصة في الأرياف..
* وربما يدخل في هذا المجال المشتغلون بقراءة الكف "باعتباره علماً" أو بقراءة الفنجان، أو بضرب الرمل ووشوشة الودع، أو بمعرفة البخت عن طريق النجوم، أو طريق البندول، وغير ذلك من الغيبيات.. وتسمية كل ذلك باسم الموهبة، أو الفراسة، أو النبوة وإدعاء معرفة المستقبل، وكلها ثياب حملان تخفي مجموعة من الخرافات..
* ومن ثياب الحملان المشهورة، ثوب آخر اسمه الفن:
وكلمة الفن محبوبة من الجميع، ومن فروعها الفنون الجميلة وكل ما تشتمل عليه، ولكن "فنوناً" أخري ليست جميلة تنتحل هذا الاسم أيضاً!
* فهناك نوع من الرقص الخليع يسمونه أيضا فناً، وكذلك بعض التماثيل والصور العارية التي تخدش الحياء تدخل في نطاق الفن، وعروض عديدة من الإباحية، ومن الأغاني العابثة، ومن الروايات المثيرة، تسمي أيضاً فناً، وكلها تنطوي داخل ثياب الحملان، وإن رأى أن ينتقدها، يتهمونه بأنه يحارب الإبداع الفني!
وما أكثر الأسماء المستعارة التي تلبسها أخطاء الناس:
* فالدهاء أو المكر أو الخبث، قد يتسمي بالذكاء أو بحسن التصرف!
والإسراف قد يأخذ اسم الكرم، والتهكم أو المزاح الردئ، قد يسمي باسم خفة الدم ! والشتيمة والانتقاد المرّ والكلام الجارح ضد المسؤلين، يسمونها كلها باسم الإصلاح..
والتعصب الردئ قد يأخذ اسم الغيرة المقدسة والتمسك بالدين.
* وأحياناً يسمي الكذب بالكذب الأبيض لإخفاء حقيقته، والملابس الخليعة قد تأخذ اسم الموضة، وقد تختفي الرشوة تحت اسم الهدية، وتختفي السرقات تحت شكليات رسمية لا ترضي الضمير.. إلي آخر هذه الأنواع.
* وثياب الحملان قد يلبسها البعض في معاملاتهم للآخرين:
فقد يسلك إنسان بأسلوب من التملق والنفاق، فإن عاتبته علي ذلك، يقول لك إن هذا لون من الحنكة، أو من الحكمة، أو كسب الأصدقاء! بينما يستطيع أن يصل إلي ذلك بغير تملق.
* وقد ينم شخص عند رئيسه في حق زملائه، ويسمي الدس والوقيعة بأنه إخلاص منه لرئيسه وللصالح العام! وما هو إلا من ثياب الحملان.
ومن ناحية أخري. قد يلبس ضعف الشخصية ثوب الطيبة والوداعة:
* وتحت اسم الطيبة قد يتلف أب أولاده. وقد يتلف رئيس أو مدير كل الهيئة التي تحت إدارته، لكونه يسلك بتساهل معيب يسميه الوداعة!
* والمفروض أن يكون الإنسان لطيفاً في غير ضعف، وحازماً في غير عنف، وقد يعاقب ويكون طيب القلب في معاقبته، كما قد يعفو ويكون حازماً خلال عفوه... وهكذا تكون الشخصية المتكاملة..
** ليتنا إذن نواجه الحقائق واضحة وصريحة، ولا نسمي الأمور بغير أسمائها، لكي نستطيع أن نعيش الحقيقة ، وهذا ما حذرنا منه يسوع لننتبه من دهاء البشر ، في نفس الوقت لا نقع نحن ونلبس ثياب الحملان .
** نصحح أنفسنا أولا قبل نصح الآخرين وننتبه، فيصلح شأن المجتمع الذي نعيش فيه.. لان ثياب الحملان تحاول أن تخفي فينا العيوب دون إصلاحها..!
الأب بيوس فرح ادمون
Comment