سيادة القانون والصليب
من أهم الصفات التي نتعلمها من خلال الصليب، هي كم الله هو إله قانون ويعلمنا بالتشديد المستمر في الكتاب المقدس على قدسية سيادة القانون على الجميع. فمثلاً، ما الذي يجعل ملك عظيم يحكم على ابنه الوحيد الذي يحبه بالإعدام، وهو قادر أن يعفو عنه؟ الجواب هو: احترام القانون وتطبيقه على الجميع؛ حتى على ابنه وعلى نفسه أيضًا إذا اقتدى الأمر. إن هذا هو ذروة المجد لذلك الملك.
"كيف تؤمنون بإله مات على الصليب؟"
، يستطيع الله أن يفدي الإنسان بدون الصليب إذا أراد، لكن اختيار الله لموت المسيح على الصليب، يُظهر كم الله يشدد على سيادة القانون الكامل الذي وضعه، حتى عليه شخصيًا إذا اقتدى الأمر، بالرغم من أنه غير مُجبر ليفعل هذا أبدًا.
إن القانون الذي وضعه الله لآدم، ينُص على أنه يوم يأكل آدم من شجرة معرفة الخير والشر، أي عندما يكسر وصية الله، موتًا يموت (تكوين ٢: ١٧)؛
وأيضًا هذا قانون ثابت لجميع البشر: "أجرة الخطية هي موت" (رومية ٦: ٢٣).
فلا يمكن أن يكسر الله قانونه الكامل الذي وضعه؛ لأن أحد أبرز صفاته التي نراها من خلال كلمته، أنه إله يُقَدِّس ويحترم سيادة قانونة الكامل الذي وضعه.
إن الذي يقول أن الله يقدر أن يغفر خطايانا بدون موت فادي بشري يمثل خطية آدم، بحسب قانون الله الكامل الذي وضعه، يطعن بعدالة الله وقدرته على وضع قانون كامل لا يُكسَر.
كالذي يقول أن ذاك الملك يقدر أن يعفو عن ابنه، مع أنه يستحق العقاب ومع أن العفو عن ابنه هو ضد القانون.
مما يعني أنه ينسب لله:
(١) أنه ناقص في عدالته؛
(٢) أنه عاجز على وضع قانون كامل يسري على جميع الحالات دون استثناءات (أي ترقيع)؛
(٣) أن عنده مشكلة في شخصيته تجعله لا يحترم قانونه، وبالتالي لا يحترم نفسه؛
(٤) أنه ليس له أمان ولا يمكن أن يُوثق به؛
(٥) أنه يجعل الإنسان يعيش في حالة رُعب منه، لأنه لا يعرف حقوقه وواجباته بشكل واضح، بسبب عدم تطبيق الله لقانونه بشكل تام؛ ولأنه لا يعرف كيف سيكون "مزاجه" في اليوم الآخر.
في الصليب رأينا "الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا (تعانقا)."
(مزمور ٨٥: ١٠).
في الصليب رأينا كمال الله في الرحمة، وكماله في العدالة.
فإذا أوقفك شرطي بسبب السرعة الزائدة مثلاً، وبحسب القانون يجب أن يعطيك مخالفة بمقدار ٢٠٠ دينار؛
فإذا أعطاك مخالفة بمقدار ١٠٠ دينار، سيكون رحيمًا بشكل جزئي، وعادل بشكل جزئي، لأن القانون ينص على أنه يجب أن يعطيك مخالفة بـ ٢٠٠ دينار.
فلكي يحافظ على كماله في عدالته، وكماله في رحمته، يجب أن يعطيك مخالفة بـ ٢٠٠ دينار، ويعطيك من جيبه الخاص ٢٠٠ دينار لتسديدها؛ بهدف أن تشعر بخطأك وتتغير.
لا يقدر أن يرحم الله الإنسان جزئيًا وبشكل غير قانوني، ويكون عادلاً جزئيًا، مما يجعله غير عادل،
لأنه كامل في صفاته؛
كامل في عدالته
وكامل في رحمته.
لذلك لقد حكم الله على الإنسان بالموت بحسب عدالته؛ ودفع هو بنفسه، من خلال موت المسيح البار، ذلك الثمن؛ لكي يُخلِّص الإنسان من خطيته.
وذلك بشكل قانوني، أي بدون أي كسر لقانونه الكامل الذي وضعه.
تجلي الله في شخص المسيح:
إن الكتاب المقدس يصور تجلي الله في جسد المسيح، كذروة المجد لله، ويُظهر من خلاله قمة احترامه ومحبته للإنسان؛
ويُظهر أيضًا أن الله ليس كالشرطي الذي ينتظر بفارغ الصبر، أن يخطئ أي إنسان أمامه ليعاقبه،
لكنه مُخَلِّص وفادي، قادر أن يرد الإنسان عن فساده وخطيته وهلاكه.
إن تجلي الله في شخص المسيح يُظهر أيضًا تواضعه وذلك أيضًا يمجده.
فإذا تواضع ملك عظيم ذات يوم، وقام بالتطوع مع الزبالين لمدة أسبوع، تقديرًا لمجهودهم وخدمتهم ومحبته لشعبه؛ فبحسب فكر الكتاب المقدس، هذا لا يقلل من شأن الملك أبدًا، بل بالعكس، يعظِّم من شأنه.
فالذي يقلل من شأن أي ملك، هو كسره للقانون والخطية، وسوء استخدام السلطة؛
ليس التواضع والمحبة والتضحية.
الله مُخَلِّص وأب:
إن تجلي الله في شخص المسيح يبرز أيضًا طبيعة الله كـأب للبشر؛
فالشرطي يبحث عن المجرم ليعاقبه، أما أبو المجرم، فيبحث عن ابنه المجرم، لكي يغيره ويرده عن شره وهلاكه؛
هذه هي طبيعة أبونا السماوي. فالذين يرفضون حقيقة تجلي الله في شخص المسيح، بينما يتهمون المسيحيين بأنهم يكفرون من أجل إيمانهم بأن الله تجلى في جسد الإنسان ليفدي الإنسان،
ينسبون لله أقصى درجات الإهانة بوصفهم اياه بأنه إله لا يحتاج لأن يلتزم بقوانينه ولا يمكن للإنسان أن يستأمِنَ من مكره وشرِّه؛
وكأنهم يصوِّرونه كأحد القادة العرب الدكتاتوريين في الشرق الأوسط (والعياذ بالله).
وبينما يظنون أنهم بذلك يُكرمونه، هم يهينونه أشر إهانة، دون أن يرون، حيث أنهم يطعنون بقداسته ونقائه.
عواقب مبدأ أن الله لا يلتزم بقانونه:
بالإضافة إلى مبدأ عدم ضرورة تقيد الله بقوانينه، مما يجعل الصليب غير ضروري لغفران خطايا الإنسان؛
هناك الكثير من النتائج الأخرى المشوهة لذلك الاعتقاد، مثل:
القائد أو النبي الذي يضعه الله، هو فوق القانون أيضًا؛
وهذا سيؤدي إلى تشويه صارخ للمبادئ والثوابت التي وضعها الله في خليقته.
أليست هذه الكارثة التي نعيشها في الشرق الأوسط في سيادة القائد وعدم التزامه بالقانون؟؟
إن هذا في الأصل آت من الفهم المشوه لطبيعة الله، وعدم إدراكهم لقانونه الكامل المجيد الذي سيجدونه فقط في الكتاب المقدس.
إن مجرد إيمان اليهود بجزء من الكتاب المقدس (العهد القديم) ساعدهم كثيرًا على تطبيق مبدأ سيادة القانون،
كما رأينا مؤخرًا في عقوبة السجن لمدة سبع سنين لرئيس الدولة موشيه كتساف.
وهذا ساعد اليهود للانطلاق الحضاري والسياسي، بالرغم من التحديات العملاقة التي أمامهم.
أما العالم العربي، فلا يزال يعيش في كابوس مُظلم لن يخرج منه أبدًا؛
وذلك كنتيجة لصعوبة تطبيق مبدأ سيادة القانون؛
والسبب الأساسي في هذا هو، فهمهم الُمشوه لطبيعة الله في سيادة القانون، كنتيجة لفهمهم الديني السائد المشوه عن طبيعة الله.
إن الكتاب المقدس يشدد باستمرار، بأن الله لم يسمح لأيِّ من القادة والأنبياء بكسر قانونه أبدًا؛
ولم يهيِّء للقادة والأنبياء قوانين واستثناءات خاصة بهم؛
بل وضع الجميع تحت القانون، من الكبير إلى الصغير.
لم يحلل لنبي معين بأن يتزوج بأكثر من امرأة، ولآخر امرأة واحدة فقط مثلاً.
إن هذه الصفة المجيدة نراها بقوة في الكتاب المقدس.
وليس هذا فقط، بل الله نفسه يختار أن يكون هو نفسه تحت القانون كخليقته كقُدوة لهم من خلال الصليب.
إن هذا المبدأ يعظم من شأن الله، وليس العكس.
فإذا أتى رئيس دولة عربية، وقدم رخصة لبناء بيت خاص به، بحسب ما ينص عليه القانون كباقي المواطنين، هذا بحسب فكر الكتاب المقدس يعظم من شأن الملك، ولا يحُط من شأنه أبدًا.
إن الصليب إذًا يشدد على كم أن الله هو إله قانون وأعظم مثال للإنسان.
هذا ما يسميه العالم الحديث العلماني، بالديمقراطية في نظام الحكم؛
وهي أن يكون القانون سائد على الجميع.
الديمقراطية هي ليست حرية الرأي فقط؛
إن حرية الرأي هي مجرد نتيجة من النتائج لسيادة القانون، لأنه عندما تعبر عن رأيك بصراحة، لا يستطيع القائد أن يقمعك لأنه تحت القانون مثلك؛
ولا يستطيع أن يجنح عن القانون وإلا سيُحاكم.
إن مبدأ الديمقراطية الذي يتعطش إليه العالم العربي هو من أبرز الثوابت الكتابية التي نراها في الكتاب المقدس كما وضعها الله.
في نهاية هذا المقال أقول للذين يرفضون ويحتقرون خبر موت فادي البشر، الرب يسوع المسيح، على الصليب الآتي:
إن تجلي الله في شخص المسيح هو ليس إهانة لله، بل ذروة المجد، فتواضع أي قائد هو ليس إهانة للقائد، لكن الخطية هي التي تهينه، ككسره للقانون مثلاً.
إن الصليب يُظهر كم الله يُحِب ويُثمِّن الإنسان، ويريد أن يَرُدَّه عن شره وهلاكه؛ ويظهر قدرته على ذلك.
إن الصليب يُظهر كم الله يحترم قانونه ويقدس سيادة القانون على الجميع، وحتى على نفسه.
وذلك يعظم من شأن الله بأقصى الدرجات، ويحفز الإنسان لاحترام قوانين الله، ليس عن طريق الترهيب والتهديد ولغة النار وجُنهم والعذاب، التي تُظهر الله كإله مهزوز الشخصية وفاقد السيطرة تمامًا على الإنسان.
لكن عن طريق المحبة والقُدوة التي نراها من الله في الإنجيل؛
التي تُذيب قلب الإنسان وتجعله يجثو تائبًا أمام إلهَهُ المُحب المُخلِّص.
-----------------
لمشاهدة المقالة المتعلقة بهذا الموضوع الرجاء الضغط على العنوان
التالي ---كيف تؤمنون بإله مات على الصليب