تحاول بعض الدول الغربية ومن في صفها من دول ومنظمات والتي لا أرغب بتسميتها أن تصنف المجتمع السوري إما مواليا أو معارضا، والحقيقة هي أن غالبية المجتمع السوري الواعي والناضج، كما ثبت إلى ساعة كتابتي لهذا المقال، لا يريد أن يكون مواليا أو معارضا بل يصنف نفسه على أنه وطنيا إصلاحيا. إن الإصلاح هو جزء لا يتجزأ من الوطنية، فلا يمكننا أن نكون وطنيين دون أن نكون إصلاحيين. الإصلاح هو نتاج الإيمان الصادق بالله وبالإنسان وبالوطن، لأجل ذلك شهدت عليه الكتب السماوية
فنقرأ فى القرآن الكريم: "خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا" سورة التوبة:102، "ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها" سورة الأعراف:56.
و نقرأ في الكتاب المقدس : 5- لأنكم إن أصلحتم إصلاحا طرقكم وأعمالكم، إن أجريتم عدلا بين الإنسان وصاحبه ، 7 - إن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة، ولم تسفكوا دما زكيا ..(من سفر ارميا 7 :5-7)
الإصلاح هو البحث عن الخير ليكون نهجا يمس كافة جوانب الحياة الروحية والاخلاقية والفكرية والسلوكية. بكلمات بسيطة: الإصلاح هو ما ينبغي أن يساهم به جميع أبناء الوطن فكرا، قولا، وعملا.
بسبب هذا المفهوم السامي للإصلاح نجد أن المعارضة والحكومة يعلنان، إن الإصلاح أولوية، وبالتالي نهجا يتبنيانه في رؤاهم لأجل بلادنا الحبيبة سوريا.
قراءة ممعنة للصحف، إصغاء جيد للتلفاز، ومتابعة ممحصة للشبكة العنكبوتية تأخذنا إلى أن نكون إما مع إصلاح المعارضة أو إصلاح الحكومة، وهذا تماما ما أحاول في مقالي هذا أن أتجنبه. للإختصار: عدد لا يستهان به من السوريين لا يريد أن يصنف في خانة الحكومة أو في خانة المعارضة، لهذا أضع نفسي في هذا المقال معارضا ومواليا فأقول:
• إن كانت المعارضة تبتغي إصلاح الواقع الخدماتي المعيشي في المجتمع السوري، فليصنفوني على أنني معارض، لأنني لست راضيا بأداء الحكومة في هذا الحقل. إن كانت المعارضة تبتغي أن تعطي المواطن السوري حقه في مراجعة أية مؤسسة أو شركة حكومية دون البحث عن من يتواسط له ليجد أذنا مصغية، فلا مشكلة لدي في أن أصنف كمعارض. إن كانت المعارضة تعمل على أن يقوم الموظف الحكومي بدوره بكل أمانة وصدق بعيدا عن المحسوبيات والرشاوي، فإني افتخر بأن أكون في صدارة المعارضين. إن كانت المعارضة تطالب بأن تكون الكهرباء متوفرة لكل بيت بثبات 220 فولت في كل مدينة وقرية ، فليعلم الجميع بأنني في صف المعارضة. إن كانت المعارضة تطالب أن تكون المياه الحلوة الصالحة للإستعمال البشري متوفرة 24ساعة /24 ساعة، فإني أجد نفسي ملزما بمساندة المعارضة. إن كانت المعارضة تطالب بأن تكون صيانة الشوارع والأرصفة دورية لكي نتجنب الحوادث التي تودي بحياة الكثيرين من أبناء الوطن، فأنني لست في إطار مقايضة، أنا حتما داعم لمطالب المعارضة، لأن الله تعالى خلقنا لنحيا فالسيد المسيح وضح مضمون إرساليته عندما قال "اتيت لكي يكون لكم حياة، وليكن لكم أفضل" . إن كانت المعارضة تطالب بحياة أفضل ورخاء أكبر للمواطن السوري، فهذا حقي وحق كل مواطن سوري لأجل ذلك أنا معارض.
• إن كانت المعارضة تبتغي صون كرامة الإنسان السوري دون النظر إلى دينه أو جنسه أو عرقه، فليصنفوني على أنني معارض. إن كانت المعارضة تؤكد أن المواطن السوري له حق مراجعة مخفر الشرطة دون أن يهان او تمس كرامته، فإنني أفخر بأنني معارض. إن كانت المعارضة تؤكد أن المواطن السوري له حق مراجعة القضاء دون أن يصبح الحق باطلا والباطل حقا، فليعلم الجميع أنني معارض (قانون إنهاء العلاقة الإيجارية الذي أقر بـ 40 % للمستاجر، دون أن يستطيع أي مستأجر أن يحصل عليها).
إن كانت المعارضة تبتغي سيادة القانون وتصنف الجميع أمام القانون على أنهم سواسية في الحقوق والواجبات ، فإنني أجد نفسي معارضا لأني أعيش كلمات السيد المسيح الذي علمني قائلا "ليكن كلامكم نعم نعم أو لا لا واما الباقي فهو من الشرير.". إن كانت المعارضة تطالب بحرية الفكر والمعتقد للمواطن السوري، فإنني حتما داعم قويا للمعارضة. إن كانت المعارضة تبتغي خلق وإيجاد فرص عمل للمواطن السوري للقضاء على البطالة المعلنة والمبطنة، فأنا حتما إلى جانب المعارضة.
• إن كانت المعارضة تعمل على تأصيل العيش المشترك كنهج يبدأ من تعديل مناهج وزارة التربية ، فأنا داعم قوي للمعارضة. إن كانت المعارضة تطالب بالدولة المدنية العلمانية التي تجهد ليكون الشخص المؤهل المناسب في المكان المناسب، فأنا معارض وبإمتياز. إن كانت المعارضة ترنو إلى ردم الهوة بين المراسيم الرئاسية والتعليمات التنفيذية التي في كثير من الأحيان تسخر لتفرغ تلك المراسيم من مضمونها وجوهرها، فأنا مساند للمعارضة. إن كانت المعارضة تعمل على أن تكون مكاتب الوزراء والمحافظين والمسؤولين والمدراء متاحة للمراجعة من قبل المواطن السوري، فهذا يعني أنني مصر على أن أكون معارضا، لاني تعلمت في الكتاب المقدس من السيد المسيح أن القيادة هي مسؤولية وليست امتياز "لم آت لكي أٌخدم بل لكي أخدٌم". إن كانت المعارضة تطالب بأن يكون الانتخاب هو الفيصل في هوية من يقود الدولة، فهذا مطلب حق أدعمه وأسانده دون تردد أو ارتياب.
لكن:
إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني أن نكون أمة سورية حرة، قرارها لا يصنع في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، فليعلم التاريخ أنني موالٍ للنظام مهما كان ثمن هذه الموالاة، لأني أسير في كلمات معلمي السيد المسيح الذي علمنا أنه "إن حررنا الله فبالحقيقة نحن أحرارا". إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تؤكد أن سوريا لا يمكن أن تكون تابعا، بل هي من الذين يصنعون القرار، فهذا يؤكد أنني موالٍ للنظام بفخر دون خجل. إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني أن أسخر كل قدراتي لمواجهة يد الغدر التي تحاول أن تعبث بسوريا وأمنها ومواطنها، فليشهد جميع قراء هذا المقال أنني موالٍ للنظام دون تردد. إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تجهد لتحارب من يحاول ان يزرع الفتنة بين أبناء الشعب السوري من خلال تغذية هوية الإنتماء إلى سوريا، فليشهد أبناء هذا العصر إنني موالٍ للنظام لأنني مؤمن بدعوة الله لي من خلال كلمات السيد المسيح "احبوا بعضكم بعضا". إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني التأكيد على العيش المشترك فيما بين الألوان الزاهية للطيف السوري الواحد، فليدرك الجميع أنني مصر على هذا العيش فأنا موالٍ للنظام بكل طاقتي وقدرتي، لأن أؤمن أن الله عز وجل هو محبة في جوهره، وهذا ما جاء على لسان الرسول الكريم عندما قال "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه." . إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني أن طائفتي وطائفة شريكي في وطني هي سوري أولا، وسوري ثانيا، وسوري ثالثا، فإني موالٍ للنظام من كل قلبي ومهجتي.
إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني أن نكون مناهضين للكيان المغتصب إسرائيل، فليصنفني أراد من أراد وأبى من أبى بأني موالٍ للنظام السياسي الحالي، لأني أثق بأن السيد المسيح كشفهم على حقيقتهم عندما قال لليهود "أنتم من أب هو إبليس، وهو أبو الكذابين".
إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني العمل على استعادة أراضينا المحتلة في سوريا ولبنان وفلسطين، فليشهد عني التاريخ أني موال للنظام السياسي الحالي، لأن هذه الأراضي هي الوزنات التي وضعها السيد المسيح في يدي وعلي أن أحافظ عليها وأكون أمينا على مقدراتها وثرواتها، كما أكد على ضرورة صونها الرسول الكريم عندما قال : "حب الوطن من الإيمان." إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني أن نؤسس لعهدة عمرية جديدة تحافظ على كنيسة المهد والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة فيأتي العابدون "ليسجدوا بالروح وبالحق"، فلست خجلا بإعلان موالاتي للنظام السياسي الحالي.
إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني سيادة الشعب السوري المطلقة على سمائه وأرضه ومائه، فأنا دون شك موالٍ للنظام لأن هذه السيادة تشهد على إباء وكرامة وطني، تشهد لحضارته من الحرف إلى الكلمة. إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي هي أن لا أرضخ لقوى الاستبداد العالمي، ولا أن أمنح أعشاشا لطيور الظلام في جسد وطني، ولا أن أسمح لأحد أن ينهب ثروات وطني، فأنا حتما موالٍ لهذا النظام الأبي.
إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني تجاوز الأزمة الحالية بقرار ناضج داخلي، فأنا أصنف نفسي بالموالي العدٌي. إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني رفض التدخل الخارجي تحت أي مسمى كان، فأنا حتما مواطن موالٍ، لأني مؤمن بقدرة المواطن السوري، وبحكمته القادرة أن تجد حلولا مهما طال زمن الأزمة أو قصر. إن كانت الموالاة للنظام السياسي الحالي تعني مواجهة المجرم والمتطرف والتكفيري، فأنا مواطن سوري موالٍ علني.
إن كانت الموالاة للنظام السياسي تعني تبني نهج الحوار الحتمي، فلا مشكلة لدي أن أصنف موالٍ للنظام لأني لا أقبل العنف لغة تواصل في الطيف السوري. إن كانت الموالاة للنظام السياسي تعني التصدي للشوق التركي لأيام الإحتلال العثماني، فإني سوري موالٍ للنظام لأني لست بعثماني.
إن كانت الموالاة للنظام تعني تسخير كل الوقت والجهد لضرب المخطط الغربي لتقسيم وطني سوريا إلى دويلات على أساس انتماء ثانوي، فليصنفوني على أنني مواطن سوري موالٍ وموالٍ وموالٍ للنظام السياسي الحالي أبدي.
عــــــذرا:
في نهاية مقالتي يبدو أنني خدعتكم قرائي أو خدعت نفسي بشكل غبي، فأنا لست معارضا للنظام السياسي الحالي ، وأنا لست مواليا للنظام السياسي الحالي، أنا لست إلا مواطنا سوريا بسيطا أحاول أن أحافظ على نفسي شريفا مؤمنا بالله وبالإنسان وبالوطن.
لموقع لتحت المجهر - القس ابراهيم عبد الكريم نصير
الرئيس الروحي للكنيسة الإنجيلية العربية بحلب
Comment