الموت ليس نهاية الإنسان!..
يخصصّ شهر تشرين الثاني للصلاة من أجل الموتى ولذكر الموتى والموت.. ولكن ما هو الموت؟ ولماذا وجد؟.. وما هو الموت في المفهوم المسيحيّ تحديداً؟
الموت هو ظاهرة طبيعية. فكما أن في الطبيعة توجد الحياة، كذلك يوجد فيها الموت.
الموت والحياة عنصران من سرّ الطبيعة التي أبدعها الله..
لقد استيقظ الإنسان بدهشة عميقة أمام هذا السرّ منذ مغامراته الأولى في التفكير،
وبدا له بعض جوانبها مزعجاً،
فطرح تساؤلات قلقة: لماذا الموت؟.. هل أنتهي عنده؟.. هل هناك حياة أخرى بعده؟..
لم يقبل الإنسان، منذ مغامرته الأولى في البحث عن سرّ وجوده وغايته،
أنه ينتهي بموته، فأخذ ينشد الخلود.
كم هي كثيرة وعميقة الأساطير القديمة التي تتحدّث عن رغبة الإنسان في الخلود!..
وكم هي متنوّعة وغنيّة طقوس الاحتفال بالموت وبالموتى!..
إن قلق الموت والتفكير فيه، كما تقول الفلسفة الوجوديّة، أقسى من الموت نفسه،
ولا يُخرِج من هذا المأزق، لا العقل وحده ولاالمنطق، هناك حاجة أخرى للتأقلم مع هذه المسألة.
فإن كان الفكر الإنساني يكشف عن رغبة الإنسان القلقة بعدم الانتهاء بعد الموت،
الكشف الإلهي يُعلن عن حياة جديدة بعد الرُقاد.
المسيحي يؤمن أن السيد المسيح أعطى مفهوماً جديداً عن الموت وعن الحياة بعده،
فلم يبقَ الخلود رغبة الإنسان وحسب، بل هو أساساً مشيئة الله أيضاً.
الله لا يتسمّر عند الموت.
لم يكتفِ يسوع بأن أقام الموتى (ابنة يائيروس، وحيدأرملة نائين، ولعازر)، بل أراد الحياة لكل من يؤمن به:
"من آمن بي وإن مات سيحيا".
لقد مات في زمانه الكثير من البشر، لمَ لم يقمهم؟!..
المسألة ليست تحدٍّ لنظام الطبيعة لأن الله هو الذي أوجده والله لا يتحدّى نفسه،
بل هي إعلانٌ أن الله فوق هذا النظام لأنه هو من أوجده..
إن يسوع يقدّم علامات لحبّ الله الذي يتجاوز هذاالنظام.
ومن ناحية أخرى، علينا أن ننظر بإيجابية إلى هذه الظاهرة الطبيعية، فلولا الموت والحياة لما تجددت الطبيعة،
ماذا لو لم يوجد موت، وبقي جميع البشر يتكاثرون ويبقون في شيخوخة!؟..
علينا كمسيحيين وفي عمق واقعيتنا أن ننظرإلى الموت برجاء فهو ليس نهاية.
إن يسوع، وهو ابن الله، انتسب إلى إنسانيتنا فأخذ لحماً كلحمنا ودماً كدمنا، ومات كموتنا، لا بل موته يفوق موتنا! وما قيامته سوى باكورة لقيامتنا وأنموذج لها، لأنّه من غير المعقول أن يبقى يسوع رهينة الموت.
قيامته هي كشف عن أبدية الله.
الله الأبدي لن يرتهن للموت، وإن ارتهن حبّاً بالبشر، فليس أكثر من ثلاثة أيام.
إن الله يحبّ الإنسان، ولأنه وحبّه أبديان، يحقق الأبدية لمن أحبّ.
فإذا كنّا نحن البشر، وبالرغم من حدودنا، يعيش أحباؤنا فينا بعد موتهم طويلاً،
فكم بالأحرى الله، الأبدي بجوهره، الحيّ دائماً ومصدر الحياة، يمنح أحباءه الحياة فيه بعد موتهم أبداً.
هذا هو معنى قيامة يسوع وهكذا تخص هذه القيامة "من آمن به".
هل الموت جاء كعقاب لآدم بسبب خطيئته؟
إن قصة آدم وحواء، يجب أن أوضح بدايةً، هي قصة لاهوتية، ليست من نوع الخبر التاريخي.
إنها، وإن لم تكن تاريخية في تسلل ومجريات أحداثها، حقيقية وعميقة، في معانيها،
وفي الكشف عن مقصد الله للبشر في خلقه الكون وفي إبداعهم على صورته ودعوتهم العيش بحسب مثاله. هذا الكشف لا يأتي إلا من خلال إنسانية البشر، وما تحمل هذه البشرية من ثقافة وفنون يوم تمّ تدوينه بإلهام روح الله.
هناك نوع أدبي للتعبير، أسلوب فني، لا يستطيع فهمه من لم يتعرّف عليه ويدرسه.
لذلك يجب وضع النص الديني في إطاره الأدبي والتاريخي والثقافي، والإصغاء لما يهمس الروح القدس في آن..
الفصول الأولى من الكتاب المقدّس التي تروي قصة آدم وحواء، كذلك الكثير من نصوص الكتاب المقدّس، تنتمي إلى أنواع أدبية معينة، لا نستطيع فهمه إلا بدارسة نوعها الأدبي كما وجد في زمانه.
إن هذه القصة اللاهوتية تكشف أولاً أن الله هو مصدر الحياة ومصدر الموت والأبدية.
والإنسان، في رفضه مصدرية الله هذه، وهذا معنى الخطيئة الأولى، يحكم على نفسه بقلق الموت، يتحوّل الموت عنده إلى كارثة.
عندما نطفئ شمعة أمام مرآة، لا يصدر النور عن المرآة.
وبالمثل، عندما يرفض الإنسان ارتباطه بالله الأبدي يُغلق بحدوده، فلا يعود يثق بأبديّته، وبالتالي يصبح الموت عنده نهاية.
المسيحية هي إعادة الارتباط بالله وبمصدريته.
لا يُفهم ذلك، كما لا نستطيع فهم أي نص من الكتاب المقدّس، العهد القديم خصوصاً؛
إلا على ضوء إيماننا بالسيد المسيح آدم الجديد بحسب تعبير بولس الرسول.
فالتجسّد، في المسيحيّة، لم يكن نزهة لله، ولقد أراده حتى وإن لم تكن خطيئة آدم، كما يقول بعض آباء الكنيسة،
إنه كشف عن أبدية الله في حبه، لتحقيق أبدية مماثلة لمن أحب، أي الإنسان.
فإن كان آدم القديم قد ضيّع انتماءه لله، ورفض مصدرية الخالق في الحياة والخلود، فشعر بوطأة الموت؛
يسوع، وهو آدم الجديد،
يحافظ بأمانة مطلقة على هذا الانتماء، فيكشف بفرح أن مصدريّة الله هي "أبوّة"،
دون أن يرفض ما كان نتيجة الاختيار الآدمي الأول، ودون أن يرتهن له في آن: صُلب وقام.
إن يسوع يصير كآدم لكي يحقق لآدم ما أخفق الأخير في تحقيقه، يتجسّد لنتأله، يأخذ موتنا ليمنحنا حياته. المسألة إذاً مسألة اختيار: إما التسمّر عند ترابية آدم القديم، وبالتالي البقاء في كارثيّة الموت وكأنه نهاية؛ وإما العبور إلى بنوّة آدم الجديد لله،
وبالتالي الاستمرار في الوجود استمرار الله نفسه، فصبح الموت عبوراً واستمراراً في أبديّة الله.
يخصصّ شهر تشرين الثاني للصلاة من أجل الموتى ولذكر الموتى والموت.. ولكن ما هو الموت؟ ولماذا وجد؟.. وما هو الموت في المفهوم المسيحيّ تحديداً؟
الموت هو ظاهرة طبيعية. فكما أن في الطبيعة توجد الحياة، كذلك يوجد فيها الموت.
الموت والحياة عنصران من سرّ الطبيعة التي أبدعها الله..
لقد استيقظ الإنسان بدهشة عميقة أمام هذا السرّ منذ مغامراته الأولى في التفكير،
وبدا له بعض جوانبها مزعجاً،
فطرح تساؤلات قلقة: لماذا الموت؟.. هل أنتهي عنده؟.. هل هناك حياة أخرى بعده؟..
لم يقبل الإنسان، منذ مغامرته الأولى في البحث عن سرّ وجوده وغايته،
أنه ينتهي بموته، فأخذ ينشد الخلود.
كم هي كثيرة وعميقة الأساطير القديمة التي تتحدّث عن رغبة الإنسان في الخلود!..
وكم هي متنوّعة وغنيّة طقوس الاحتفال بالموت وبالموتى!..
إن قلق الموت والتفكير فيه، كما تقول الفلسفة الوجوديّة، أقسى من الموت نفسه،
ولا يُخرِج من هذا المأزق، لا العقل وحده ولاالمنطق، هناك حاجة أخرى للتأقلم مع هذه المسألة.
فإن كان الفكر الإنساني يكشف عن رغبة الإنسان القلقة بعدم الانتهاء بعد الموت،
الكشف الإلهي يُعلن عن حياة جديدة بعد الرُقاد.
المسيحي يؤمن أن السيد المسيح أعطى مفهوماً جديداً عن الموت وعن الحياة بعده،
فلم يبقَ الخلود رغبة الإنسان وحسب، بل هو أساساً مشيئة الله أيضاً.
الله لا يتسمّر عند الموت.
لم يكتفِ يسوع بأن أقام الموتى (ابنة يائيروس، وحيدأرملة نائين، ولعازر)، بل أراد الحياة لكل من يؤمن به:
"من آمن بي وإن مات سيحيا".
لقد مات في زمانه الكثير من البشر، لمَ لم يقمهم؟!..
المسألة ليست تحدٍّ لنظام الطبيعة لأن الله هو الذي أوجده والله لا يتحدّى نفسه،
بل هي إعلانٌ أن الله فوق هذا النظام لأنه هو من أوجده..
إن يسوع يقدّم علامات لحبّ الله الذي يتجاوز هذاالنظام.
ومن ناحية أخرى، علينا أن ننظر بإيجابية إلى هذه الظاهرة الطبيعية، فلولا الموت والحياة لما تجددت الطبيعة،
ماذا لو لم يوجد موت، وبقي جميع البشر يتكاثرون ويبقون في شيخوخة!؟..
علينا كمسيحيين وفي عمق واقعيتنا أن ننظرإلى الموت برجاء فهو ليس نهاية.
إن يسوع، وهو ابن الله، انتسب إلى إنسانيتنا فأخذ لحماً كلحمنا ودماً كدمنا، ومات كموتنا، لا بل موته يفوق موتنا! وما قيامته سوى باكورة لقيامتنا وأنموذج لها، لأنّه من غير المعقول أن يبقى يسوع رهينة الموت.
قيامته هي كشف عن أبدية الله.
الله الأبدي لن يرتهن للموت، وإن ارتهن حبّاً بالبشر، فليس أكثر من ثلاثة أيام.
إن الله يحبّ الإنسان، ولأنه وحبّه أبديان، يحقق الأبدية لمن أحبّ.
فإذا كنّا نحن البشر، وبالرغم من حدودنا، يعيش أحباؤنا فينا بعد موتهم طويلاً،
فكم بالأحرى الله، الأبدي بجوهره، الحيّ دائماً ومصدر الحياة، يمنح أحباءه الحياة فيه بعد موتهم أبداً.
هذا هو معنى قيامة يسوع وهكذا تخص هذه القيامة "من آمن به".
هل الموت جاء كعقاب لآدم بسبب خطيئته؟
إن قصة آدم وحواء، يجب أن أوضح بدايةً، هي قصة لاهوتية، ليست من نوع الخبر التاريخي.
إنها، وإن لم تكن تاريخية في تسلل ومجريات أحداثها، حقيقية وعميقة، في معانيها،
وفي الكشف عن مقصد الله للبشر في خلقه الكون وفي إبداعهم على صورته ودعوتهم العيش بحسب مثاله. هذا الكشف لا يأتي إلا من خلال إنسانية البشر، وما تحمل هذه البشرية من ثقافة وفنون يوم تمّ تدوينه بإلهام روح الله.
هناك نوع أدبي للتعبير، أسلوب فني، لا يستطيع فهمه من لم يتعرّف عليه ويدرسه.
لذلك يجب وضع النص الديني في إطاره الأدبي والتاريخي والثقافي، والإصغاء لما يهمس الروح القدس في آن..
الفصول الأولى من الكتاب المقدّس التي تروي قصة آدم وحواء، كذلك الكثير من نصوص الكتاب المقدّس، تنتمي إلى أنواع أدبية معينة، لا نستطيع فهمه إلا بدارسة نوعها الأدبي كما وجد في زمانه.
إن هذه القصة اللاهوتية تكشف أولاً أن الله هو مصدر الحياة ومصدر الموت والأبدية.
والإنسان، في رفضه مصدرية الله هذه، وهذا معنى الخطيئة الأولى، يحكم على نفسه بقلق الموت، يتحوّل الموت عنده إلى كارثة.
عندما نطفئ شمعة أمام مرآة، لا يصدر النور عن المرآة.
وبالمثل، عندما يرفض الإنسان ارتباطه بالله الأبدي يُغلق بحدوده، فلا يعود يثق بأبديّته، وبالتالي يصبح الموت عنده نهاية.
المسيحية هي إعادة الارتباط بالله وبمصدريته.
لا يُفهم ذلك، كما لا نستطيع فهم أي نص من الكتاب المقدّس، العهد القديم خصوصاً؛
إلا على ضوء إيماننا بالسيد المسيح آدم الجديد بحسب تعبير بولس الرسول.
فالتجسّد، في المسيحيّة، لم يكن نزهة لله، ولقد أراده حتى وإن لم تكن خطيئة آدم، كما يقول بعض آباء الكنيسة،
إنه كشف عن أبدية الله في حبه، لتحقيق أبدية مماثلة لمن أحب، أي الإنسان.
فإن كان آدم القديم قد ضيّع انتماءه لله، ورفض مصدرية الخالق في الحياة والخلود، فشعر بوطأة الموت؛
يسوع، وهو آدم الجديد،
يحافظ بأمانة مطلقة على هذا الانتماء، فيكشف بفرح أن مصدريّة الله هي "أبوّة"،
دون أن يرفض ما كان نتيجة الاختيار الآدمي الأول، ودون أن يرتهن له في آن: صُلب وقام.
إن يسوع يصير كآدم لكي يحقق لآدم ما أخفق الأخير في تحقيقه، يتجسّد لنتأله، يأخذ موتنا ليمنحنا حياته. المسألة إذاً مسألة اختيار: إما التسمّر عند ترابية آدم القديم، وبالتالي البقاء في كارثيّة الموت وكأنه نهاية؛ وإما العبور إلى بنوّة آدم الجديد لله،
وبالتالي الاستمرار في الوجود استمرار الله نفسه، فصبح الموت عبوراً واستمراراً في أبديّة الله.
Comment