العاقل و الجاهل
»فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الْأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لِأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الْأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً!« (متى 7:24-27).
أقدم لكم تشبيهاً مفيداً جداً، لأن الذي يعرف مشيئة اللّه ويعملها يشبه الشخص الذي يضع أساس بيته على الصخرة. والذي يعرف ولا يعمل يشبه الذي يبني بيته على أساس رملي بجانب مجرى ماء، فما دام الجو صافياً والرياح ساكنة، يظهر أن الذي بنى على الرمل هو الحكيم، لأنه استراح من متاعب الحفر ونفقاته، فيهنّئ نفسه ويهنّئه الآخرون. ولكن صفاء الجو وسكون الريح لا يدومان إلى الأبد، فمتى جاء النوء يظهر جلياً من كان الحكيم الذي سَلِم بناؤه. الذي يعرف ولا يعمل يتلذذ حالياً بملذات الدنيا، ويجتنب المصاعب في سبيل البر، لكن متى هبّت رياح الدِّين، ونزل مطر الغضب الإِلهي، وجاءت أنهار عذاب الضمير، وحدث سيل إرسال الخطاة إلى مكانهم في الهلاك »وصدم« هذا الشخص، يسقط حالاً، ويكون خرابه عظيماً. بينما الأول لا يسقط ولا يتزعزع لأنه مؤسس على صخر.
»فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الْأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ« (متى 7:28 ، 29).
كل من يتأمل بدِقة وإخلاص في نظام الملكوت الروحي هذا، وفي قوة المطاليب الإلهية من الإنسان، ييأس من استطاعته أن يطيع هذه الوصايا. هذا اليأس هو الخطوة الأولى في الخلاص، لأنه يُبعد الإِنسان عن الاتكال الباطل على الخلاص بالأعمال، ويقوده إلى المخلّص الوحيد الذي جعل الإِيمان الحي الحقيقي به شرط الخلاص الكافي والوحيد.
شفاء خادم قائد المئة
»وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: »يَا سَيِّدُ، غُلَامِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجاً مُتَعَذِّباً جِدّاً«. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: »أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ«. فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ: »يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلَامِي. لِأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلِآخَرَ: اِيتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا فَيَفْعَلُ«. فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: »اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَلَا فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ«. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: »اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ«. فَبَرَأَ غُلَامُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ« (متى 8:5-13).
قال السيد المسيح إنه جاء ليقدم الخدمة للناس، لا ليُخدَم. وهو الوحيد الذي لم يخطئ فعلُه قولَه مطلقاً. قال فيه سامعوه إنه تكلم كمن له سلطان، وفوق السلطان يتبعه فعل السلطان. لم ينتهِ وعظه إلا وتجددت معجزاته. دخل مدينة كفر ناحوم ترافقه جموع كثيرة، فاستقبله وفد من قادة اليهود من أصحاب الوظائف الدينية يطلبون إليه باجتهاد، بالنيابة عن الحاكم العسكري الروماني أن يشفي عبده المريض بالشلل معذباً جداً ومشرفاً على الموت، وهو عزيز عنده. سمّاه »غلامه« وهي كلمة تُستعمل في اليونانية عن الابن أيضاً. من كلامه واهتمامه بعبده عرفنا مزايا هذا الجندي الشريف، لأن في ذلك كان العبد محتقراً مُهاناً إلى أقصى درجة عند أغلب الأسياد .
ظن هذا القائد الروماني أن المعلم اليهودي سينقاد إلى طلب رؤساء ملَّته في المدينة، فاستنجد بهم، وبذلك ظهر أن علاقة هؤلاء مع المسيح كانت لا تزال حسنة، بخلاف الأمر مع زملائهم في اليهودية. فوافق الرؤساء على طلب هذا القائد، بناءً على حُسْن علاقاتهم معه أيضاً. فتمكن من ملازمة غلامه في أشد ساعات الخطر. لما حضر وفد الرؤساء أمام المسيح قالوا إن القائد بنى لنا المجمع ويحبُّ أمّتنا، ويستحق أن يُفعل له هذا. ولا نلوم هذا القائد الوثني على ظنه بأنه يحتاج إلى شفعاء لدى المسيح ليحقق آماله، فلم يكن يعلم أن المسيح يعرفه أفضل من هؤلاء الشفعاء به، ولم يكن يعلم أن محبة هؤلاء له ليست إلا جزءاً لا يُذكر من محبة المسيح له. ولذلك لم يعلم أن تدخُّل هؤلاء الشفعاء كان فضولاً. وفي يومنا هذا ليس من ملاك أو قديس إنْ كان على الأرض أو في السماء أعْرَف بنا أو أقرب إلينا أو أحنّ علينا، من المسيح ذاته لكي يصلح شفيعاً بدلاً من المسيح، أو لكي يعينه في الشفاعة بنا. ومنزلة السيد المسيح عند الآب السماوي، الذي عيّنه شفيعاً وحيداً وكافياً، لا تترك مجالاً لغيره ليجلس بجانبه أو يشاركه في الشفاعة، فإن شفاعة المسيح مبنيَّة على أساس ما انفرد به عن سائر الناس أو الملائكة في عمله الكفاري، كما يقول الإِنجيل: »لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ: الْإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ« (1تيموثاوس 2:5).
الذين يستشفعون ملائكة أو قديسين لا ينتبهون إلى أن ما في أقدس القديسين وأعظمهم، من اللطف والإِشفاق وحب الإِنسانية والعطف على البؤساء، ليس إلا قطرة فقط مما في المسيح من هذه العواطف الشريفة. فهم كالذين يطلبون أن يستضيئوا شمعة في رابعة النهار. إنهم لا ينتبهون إلى أن ليس قديس من القديسين قد أعطي برهاناً لحبه إياهم أو سؤاله عنهم، بينما المسيح قد جاء من السماء وتأنَّس وعلَّم وخدم وتألم واحتمل ومات وقام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين اللّه ليشفع في المؤمنين. وكل ذلك حباً لهم. إنهم كالولد الذي في الشدائد والمخاطر يحيد عن أمٍ جمعتْ في شخصها كل الكمالات، واحتملت في تربيته أعظم المشقات، ليتمسك بخادمة البيت بدلاً عنها. ويجوز لنا أن نستشهد برفْض المسيح لتداخُل والدته وقت عرس قانا الجليل شاهداً مؤثراً لهذه الحقيقة المتعلّقة باستشفاع القديسين في أمور الدين. وبذلك علَّم المسيح الناس في كل الأجيال أن لا محل ولا حاجة إلى هذا الاستشفاع.
كان المرضى يُحمَلون اعتيادياً إلى محل وجود المسيح. أما في هذا الحادث فقد وافق المسيح الناس على عادتهم في تمييز كبار القوم، فرضي أن يعامل هذا القائد معاملة ممتازة، ولا سيما لأنه أجنبي، وتوجه إلى بيت المريض. ولما عرف قائد المئة أن المسيح آتٍ، كلَّف بعض أصدقائه ليلاقوه ويظهروا له احتراماته القلبية وإيمانه بمقدرته، وأن ينوبوا عنه بالقول: »يا سيد لا تتعب، لأني لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي. لذلك لم أحسب ذاتي أهلاً أن آتي إليك. لكن قُلْ كلمة فقط فيبرأ غلامي«. وقوله بتواضع وإخلاص: »لستُ أحسب نفسي أهلاً« هو أفضل برهان لأهليّته، لأن الشعور بعدم الاستحقاق الذاتي هو المقدمة الضرورية لكل من يطلب معونة المسيح وخلاصه.
يظهر أن هذا الرجل ظن أن المسيح يفعل معه كما فعل مع مواطنه خادم الملك منذ نحو سنة ونصف، فيشفي غلامه عن بُعْد، بكلمة. وكان مؤمناً أن للمسيح ذات السلطة على الطبيعة والأمراض التي له هو على أنفار الجند والخدم الذين تحت أمره، والتي لرؤسائه عليه أيضاً، فاستعار هذا التشبيه الجميل الدال على حُسْن تقييمه للموقف. فتعجب المسيح من عظمة الإِيمان والحكمة والتواضع واللياقة في هذا الوثني، والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال: »الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا«. ولم يبال بما قد يُحدثه هذا من استياء في سامعيه من اليهود. ثم صرح بأن القبول عند اللّه لا يتوقف على الأصل. قال: »أقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيُطرحون خارجاً إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان« .
في هذه المرة أيضاً أعطى المسيح برهاناً واضحاً على أنه ليس مولود عصره، ولا ثمر الجنس البشري المجرد، لأن أفكاره مستقلةٌ تماماً عن الآراء السائدة بين قومه وفي زمانه، بل مضادة لها على خط مستقيم. وها هو ينفي كفاءة الأصل اليهودي حُجَّةً للقبول عند اللّه.
ثم أرسل المسيح جوابه للقائد أن يدخل بيته، قائلاً: »كما آمنتَ ليكن لك«. فبرأ غلامه في تلك الساعة. ورجع المرسَلون إلى البيت فوجدوا العبد المريض قد صحّ. فرح المسيح عندما رأى في هذا الجندي الروماني باكورة الوثنيين الذين سوف يؤمنون به بعد أن رفضْتهُ أمته الخاصة - وليس أنها رفضته فقط زمان ظهوره في أراضيها، بل لا تزال مُصِرَّة إلى الآن!
هل تشعر بعدم استحقاقك للحصول على غفران اللّه؟ طوبى لك. هذا بداية الطريق للحصول على الغفران. اُطلب الغفران من اللّه، على أساس ما فعله المسيح لأجلك على الصليب. ولتكن مؤمناً بسلطان المسيح الكامل على الغفران والشفاء
»فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الْأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لِأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُلٍ جَاهِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الْأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيماً!« (متى 7:24-27).
أقدم لكم تشبيهاً مفيداً جداً، لأن الذي يعرف مشيئة اللّه ويعملها يشبه الشخص الذي يضع أساس بيته على الصخرة. والذي يعرف ولا يعمل يشبه الذي يبني بيته على أساس رملي بجانب مجرى ماء، فما دام الجو صافياً والرياح ساكنة، يظهر أن الذي بنى على الرمل هو الحكيم، لأنه استراح من متاعب الحفر ونفقاته، فيهنّئ نفسه ويهنّئه الآخرون. ولكن صفاء الجو وسكون الريح لا يدومان إلى الأبد، فمتى جاء النوء يظهر جلياً من كان الحكيم الذي سَلِم بناؤه. الذي يعرف ولا يعمل يتلذذ حالياً بملذات الدنيا، ويجتنب المصاعب في سبيل البر، لكن متى هبّت رياح الدِّين، ونزل مطر الغضب الإِلهي، وجاءت أنهار عذاب الضمير، وحدث سيل إرسال الخطاة إلى مكانهم في الهلاك »وصدم« هذا الشخص، يسقط حالاً، ويكون خرابه عظيماً. بينما الأول لا يسقط ولا يتزعزع لأنه مؤسس على صخر.
»فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الْأَقْوَالَ بُهِتَتِ الْجُمُوعُ مِنْ تَعْلِيمِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَالْكَتَبَةِ« (متى 7:28 ، 29).
كل من يتأمل بدِقة وإخلاص في نظام الملكوت الروحي هذا، وفي قوة المطاليب الإلهية من الإنسان، ييأس من استطاعته أن يطيع هذه الوصايا. هذا اليأس هو الخطوة الأولى في الخلاص، لأنه يُبعد الإِنسان عن الاتكال الباطل على الخلاص بالأعمال، ويقوده إلى المخلّص الوحيد الذي جعل الإِيمان الحي الحقيقي به شرط الخلاص الكافي والوحيد.
شفاء خادم قائد المئة
»وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ كَفْرَنَاحُومَ، جَاءَ إِلَيْهِ قَائِدُ مِئَةٍ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: »يَا سَيِّدُ، غُلَامِي مَطْرُوحٌ فِي الْبَيْتِ مَفْلُوجاً مُتَعَذِّباً جِدّاً«. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: »أَنَا آتِي وَأَشْفِيهِ«. فَأَجَابَ قَائِدُ الْمِئَةِ: »يَا سَيِّدُ، لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي، لكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَقَطْ فَيَبْرَأَ غُلَامِي. لِأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلِآخَرَ: اِيتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا فَيَفْعَلُ«. فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ تَعَجَّبَ، وَقَالَ لِلَّذِينَ يَتْبَعُونَ: »اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَمْ أَجِدْ وَلَا فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هذَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الْأَسْنَانِ«. ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ: »اذْهَبْ، وَكَمَا آمَنْتَ لِيَكُنْ لَكَ«. فَبَرَأَ غُلَامُهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ« (متى 8:5-13).
قال السيد المسيح إنه جاء ليقدم الخدمة للناس، لا ليُخدَم. وهو الوحيد الذي لم يخطئ فعلُه قولَه مطلقاً. قال فيه سامعوه إنه تكلم كمن له سلطان، وفوق السلطان يتبعه فعل السلطان. لم ينتهِ وعظه إلا وتجددت معجزاته. دخل مدينة كفر ناحوم ترافقه جموع كثيرة، فاستقبله وفد من قادة اليهود من أصحاب الوظائف الدينية يطلبون إليه باجتهاد، بالنيابة عن الحاكم العسكري الروماني أن يشفي عبده المريض بالشلل معذباً جداً ومشرفاً على الموت، وهو عزيز عنده. سمّاه »غلامه« وهي كلمة تُستعمل في اليونانية عن الابن أيضاً. من كلامه واهتمامه بعبده عرفنا مزايا هذا الجندي الشريف، لأن في ذلك كان العبد محتقراً مُهاناً إلى أقصى درجة عند أغلب الأسياد .
ظن هذا القائد الروماني أن المعلم اليهودي سينقاد إلى طلب رؤساء ملَّته في المدينة، فاستنجد بهم، وبذلك ظهر أن علاقة هؤلاء مع المسيح كانت لا تزال حسنة، بخلاف الأمر مع زملائهم في اليهودية. فوافق الرؤساء على طلب هذا القائد، بناءً على حُسْن علاقاتهم معه أيضاً. فتمكن من ملازمة غلامه في أشد ساعات الخطر. لما حضر وفد الرؤساء أمام المسيح قالوا إن القائد بنى لنا المجمع ويحبُّ أمّتنا، ويستحق أن يُفعل له هذا. ولا نلوم هذا القائد الوثني على ظنه بأنه يحتاج إلى شفعاء لدى المسيح ليحقق آماله، فلم يكن يعلم أن المسيح يعرفه أفضل من هؤلاء الشفعاء به، ولم يكن يعلم أن محبة هؤلاء له ليست إلا جزءاً لا يُذكر من محبة المسيح له. ولذلك لم يعلم أن تدخُّل هؤلاء الشفعاء كان فضولاً. وفي يومنا هذا ليس من ملاك أو قديس إنْ كان على الأرض أو في السماء أعْرَف بنا أو أقرب إلينا أو أحنّ علينا، من المسيح ذاته لكي يصلح شفيعاً بدلاً من المسيح، أو لكي يعينه في الشفاعة بنا. ومنزلة السيد المسيح عند الآب السماوي، الذي عيّنه شفيعاً وحيداً وكافياً، لا تترك مجالاً لغيره ليجلس بجانبه أو يشاركه في الشفاعة، فإن شفاعة المسيح مبنيَّة على أساس ما انفرد به عن سائر الناس أو الملائكة في عمله الكفاري، كما يقول الإِنجيل: »لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ: الْإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ« (1تيموثاوس 2:5).
الذين يستشفعون ملائكة أو قديسين لا ينتبهون إلى أن ما في أقدس القديسين وأعظمهم، من اللطف والإِشفاق وحب الإِنسانية والعطف على البؤساء، ليس إلا قطرة فقط مما في المسيح من هذه العواطف الشريفة. فهم كالذين يطلبون أن يستضيئوا شمعة في رابعة النهار. إنهم لا ينتبهون إلى أن ليس قديس من القديسين قد أعطي برهاناً لحبه إياهم أو سؤاله عنهم، بينما المسيح قد جاء من السماء وتأنَّس وعلَّم وخدم وتألم واحتمل ومات وقام وصعد إلى السماء وجلس عن يمين اللّه ليشفع في المؤمنين. وكل ذلك حباً لهم. إنهم كالولد الذي في الشدائد والمخاطر يحيد عن أمٍ جمعتْ في شخصها كل الكمالات، واحتملت في تربيته أعظم المشقات، ليتمسك بخادمة البيت بدلاً عنها. ويجوز لنا أن نستشهد برفْض المسيح لتداخُل والدته وقت عرس قانا الجليل شاهداً مؤثراً لهذه الحقيقة المتعلّقة باستشفاع القديسين في أمور الدين. وبذلك علَّم المسيح الناس في كل الأجيال أن لا محل ولا حاجة إلى هذا الاستشفاع.
كان المرضى يُحمَلون اعتيادياً إلى محل وجود المسيح. أما في هذا الحادث فقد وافق المسيح الناس على عادتهم في تمييز كبار القوم، فرضي أن يعامل هذا القائد معاملة ممتازة، ولا سيما لأنه أجنبي، وتوجه إلى بيت المريض. ولما عرف قائد المئة أن المسيح آتٍ، كلَّف بعض أصدقائه ليلاقوه ويظهروا له احتراماته القلبية وإيمانه بمقدرته، وأن ينوبوا عنه بالقول: »يا سيد لا تتعب، لأني لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي. لذلك لم أحسب ذاتي أهلاً أن آتي إليك. لكن قُلْ كلمة فقط فيبرأ غلامي«. وقوله بتواضع وإخلاص: »لستُ أحسب نفسي أهلاً« هو أفضل برهان لأهليّته، لأن الشعور بعدم الاستحقاق الذاتي هو المقدمة الضرورية لكل من يطلب معونة المسيح وخلاصه.
يظهر أن هذا الرجل ظن أن المسيح يفعل معه كما فعل مع مواطنه خادم الملك منذ نحو سنة ونصف، فيشفي غلامه عن بُعْد، بكلمة. وكان مؤمناً أن للمسيح ذات السلطة على الطبيعة والأمراض التي له هو على أنفار الجند والخدم الذين تحت أمره، والتي لرؤسائه عليه أيضاً، فاستعار هذا التشبيه الجميل الدال على حُسْن تقييمه للموقف. فتعجب المسيح من عظمة الإِيمان والحكمة والتواضع واللياقة في هذا الوثني، والتفت إلى الجمع الذي يتبعه وقال: »الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا«. ولم يبال بما قد يُحدثه هذا من استياء في سامعيه من اليهود. ثم صرح بأن القبول عند اللّه لا يتوقف على الأصل. قال: »أقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيُطرحون خارجاً إلى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان« .
في هذه المرة أيضاً أعطى المسيح برهاناً واضحاً على أنه ليس مولود عصره، ولا ثمر الجنس البشري المجرد، لأن أفكاره مستقلةٌ تماماً عن الآراء السائدة بين قومه وفي زمانه، بل مضادة لها على خط مستقيم. وها هو ينفي كفاءة الأصل اليهودي حُجَّةً للقبول عند اللّه.
ثم أرسل المسيح جوابه للقائد أن يدخل بيته، قائلاً: »كما آمنتَ ليكن لك«. فبرأ غلامه في تلك الساعة. ورجع المرسَلون إلى البيت فوجدوا العبد المريض قد صحّ. فرح المسيح عندما رأى في هذا الجندي الروماني باكورة الوثنيين الذين سوف يؤمنون به بعد أن رفضْتهُ أمته الخاصة - وليس أنها رفضته فقط زمان ظهوره في أراضيها، بل لا تزال مُصِرَّة إلى الآن!
هل تشعر بعدم استحقاقك للحصول على غفران اللّه؟ طوبى لك. هذا بداية الطريق للحصول على الغفران. اُطلب الغفران من اللّه، على أساس ما فعله المسيح لأجلك على الصليب. ولتكن مؤمناً بسلطان المسيح الكامل على الغفران والشفاء
Comment