نظرة الله الى الحياة
ان الله هو الخالق الذي تدين له كل الكائنات الحية بوجودها. وهذا ما ذكرته المخلوقات الروحانية في السماء عندما خاطبت الله قائلة: «انت . . . خلقتَ كل الاشياء، وهي بمشيئتك وُجدت وخُلقت». (رؤيا 4:11) فالحياة هي حقا هبة من الله. و لكي نتمتع بحياتنا ونستفيد منها كاملا، يجب اولا ان نتعلّم شرائع الله ونطيعها.
اظهار الاحترام للحياة
يريد الله ان نحترم حياتنا وحياة الآخرين على حدّ سواء. فاعطى الله شعب اسرائيل شرائع تساعدهم على خدمته بطريقة مَرْضيّة. وتدعى هذه الشرائع احيانا «الشريعة الموسوية» لأن موسى هو الذي نقلها الى الاسرائيليين. وفي احدى هذه الشرائع، امر الله الاسرائيليين قائلا: «لا تقتل». (تثنية 5:17) وهكذا ادرك الاسرائيليون ان حياة الانسان لها قيمة في نظر الله وأن الانسان يجب ألّا يستخف بحياة اخيه الانسان.
وما هي نظرة الله الى حياة الجنين؟ ذكرت الشريعة الموسوية ان التسبب بموت طفل وهو لا يزال في رحم امه خطية، مما يظهر ان حياة الجنين قيّمة في نظر الله. (خروج 21:22، 23؛ مزمور 127:3) ونتبيّن من ذلك ان الاجهاض امر لا يسمح به الله.
يشمل احترام الحياة امتلاك الموقف الصائب من اخينا الانسان. فالكتاب المقدس يقول: «كل من يبغض اخاه فهو قاتل انسان، وأنتم تعرفون انه ما من قاتل انسان له حياة ابدية باقية فيه». (1 يوحنا 3:15) لذلك، اذا اردنا الحصول على الحياة الابدية، يلزم ان نستأصل من قلوبنا كل مشاعر البغض لأخينا الانسان. لذلك من الضروري ان نتعلم ان نحب واحدنا الآخر.
وما القول في احترام حياتنا الخاصة؟ يحب الناس عموما الحياة، غير ان البعض يخاطرون بحياتهم بغية الحصول على لحظات من المتعة. على سبيل المثال، يستعمل كثيرون التبغ او يدخنون النرجيلة او يتعاطون المخدِّرات. وهذه اشياء تضرّ الجسم وغالبا ما تؤدي الى الموت. لذلك، فإن مَن يعتاد هذه الاشياء لا تكون الحياة مقدسة في نظره. فضلا عن ذلك، يعتبر الله هذه العادات نجسة. (روما 6:19؛ 12:1؛ 2 كورنثوس 7:1) وإن كنا نرغب في خدمة الله بطريقة مَرْضيّة، فعلينا ان نترك هذه العادات.
ان احترامنا للحياة يملي علينا ان نراعي دائما معايير الامان والسلامة. فيجب ألّا نكون مهمِلين او نخاطر بحياتنا بغية الحصول على لحظات من المتعة والاثارة. كما ينبغي ان نتجنب القيادة بتهوُّر وجميع انواع الرياضات الخطرة او العنيفة. (مزمور 11:5) ذكرت الشريعة التي اعطاها الله للإسرائيليين قديما: «اذا بنيت بيتا جديدا، فاصنع حائطا لسطحك، لئلا تجعل ذنب سفك الدم على بيتك اذا سقط عنه ساقط». (تثنية 22:8) وانسجاما مع هذا المبدإ، يجب ان تراعي جميع معايير الامان في منزلك. مثلا، ينبغي ان تكون الادراج في حالة جيدة لكيلا يتعثر احدهم ويتعرض لإصابات خطيرة. او اذا كنت تملك سيارة، فمن الضروري ان تحرص على ان تكون آمنة. لا تدع سيارتك او اي امر في منزلك يشكِّل خطرا على حياتك وحياة الآخرين.
وماذا عن حياة الحيوان؟ هي ايضا مقدسة في نظر خالقنا. فقد سمح الله بقتل الحيوانات للحصول على الطعام او الثياب او لحماية الناس من خطرها. (تكوين 3:21؛ 9:3؛ خروج 21:28) ولكن من الخطإ معاملة الحيوانات بقسوة او قتلها للمتعة فقط. فهذا دليل على الازدراء الفاضح بقدسية الحياة.
احترام قدسية الدم
بعد ان قتل قايين اخاه هابيل، قال له الله: «ها دم اخيك يصرخ اليَّ من الارض». (تكوين 4:10) وعندما تكلم الله عن دم هابيل، كان يقصد حياته. فقد سلب قايين اخاه هابيل حياته، لذلك كان لا بدّ ان يواجه العقاب. وكان دم هابيل، او حياته، يصرخ الى الله مطالبا بالعدالة، اذا جاز التعبير. هذه الصلة بين الحياة والدم ظهرت مرة اخرى بعد الطوفان في ايام نوح. فقبل الطوفان، لم يكن البشر يأكلون سوى الخضر، الحبوب، الفاكهة، وغيرها من الثمار. ولكن بعد الطوفان، قال الله لنوح وأبنائه: «كل الحيوانات الدابة الحية تكون لكم طعاما. وكالنبت الاخضر اعطيكم الكل». لكنّ الله وضع شرطا وجب الالتزام به: «ان لحما بنفسه [او حياته] - بدمه - لا تأكلوه». (تكوين 1:29؛ 9:3، 4) من الواضح، اذًا، ان هنالك صلة وثيقة بين حياة المخلوق ودمه في نظر الله.
يَظهر احترامنا لقدسية الدم بامتناعنا عن تناوله. فقد امر الله في الشريعة التي اعطاها للإسرائيليين: «كل انسان . . . يصطاد صيدا من الوحش او الطير الذي يؤكل، يسفك دمه ويغطيه بالتراب. . . . قلت لبني اسرائيل: ‹لا تأكلوا دم جسد ما›». (لاويين 17:13، 14) تُظهر هذه الكلمات ان الوصية التي أُعطيت في البداية لنوح قبل نحو 800 سنة والتي تحرّم اكل دم الحيوان كانت لا تزال سارية المفعول. فوجهة نظر الله واضحة تماما: يمكن ان يأكل خدامه لحم الحيوان، ولكن يجب ان يمتنعوا عن تناول دمه. فكان عليهم سفك الدم على الارض، معيدين بالتالي حياة المخلوق الى الله.
أُعطيت وصية مماثلة للمسيحيين. ففي القرن الاول، اجتمع الرسل وبعض الشيوخ البارزين من اتباع يسوع ليقرروا اية وصايا يجب اطاعتها في الجماعات المسيحية كافة. وقد توصلوا الى ما يلي: «استحسن الروح القدس ونحن ألّا نزيد عليكم عبئا اكثر، غير هذه الاشياء التي لا بد منها، ان تمتنعوا على الدوام عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق [حيوان لم يُسفك دمه] والعهارة». (اعمال 15:28، 29؛ 21:25) اذًا، علينا نحن ايضا ‹ان نمتنع عن الدم›، وامتناعنا عن الدم في نظر الله مهم اهمية تجنب الصنمية والفساد الادبي الجنسي.
ولكن هل تشمل وصية الامتناع عن الدم اجراءات نقل الدم المعتمدة طبيا اليوم؟ نعم بالتأكيد! تأمل في الإيضاح التالي: لنفرض ان الطبيب منعك عن المشروبات الكحولية. فهل يعني ذلك انك لا تستطيع شرب الكحول ولكن يمكنك حقنه في عروقك؟ طبعا لا! وعلى نحو مماثل، يتطلب الامتناع عن الدم عدم ادخاله الى جسمنا البتة. فوصية الامتناع عن الدم تشمل ايضا ألّا نسمح بنقل الدم الينا كجزء من الاجراءات المعتمدة طبيا.
وما القول اذا تعرض المسيحي لإصابة خطيرة او كان بحاجة الى عملية جراحية كبيرة؟ ماذا اذا جزم الطبيب ان المسيحي سيموت إن لم يُنقل إليه دم؟ طبعا، لا يرغب اي مسيحي في الموت. لذلك يقبل اي علاجات بديلة لا يُساء فيها استعمال الدم بغية المحافظة على الحياة التي وهبه اياها الله. فيمكن للمسيحي ان يلجأ الى هذا النوع من العناية الطبية ويقبل عددا من بدائل نقل الدم.
وهل يخالف المسيحي شريعة الله ليطيل حياته اياما قليلة في هذه الدنيا؟ قال يسوع: «مَن اراد ان يخلّص نفسه [او حياته] يخسرها، اما مَن خسر نفسه في سبيلي فيجدها». (متى 16:25) طبعا، نحن لا نريد ان نموت. ولكن اذا حاولنا ان نخلّص حياتنا بمخالفة شريعة الله، نعرض انفسنا لخطر خسارة الحياة الابدية. لذلك من الحكمة ان نتكل على شريعة الله التي هي دائما على صواب، واثقين تماما ان معطي الحياة سيتذكرنا اذا متنا لأي سبب من الاسباب، ويعيد الينا هبة الحياة الثمينة بواسطة القيامة. - يوحنا 5:28، 29.
الاستعمال اللائق الوحيد للدم
أبرزت الشريعة الموسوية استعمالا لائقا وحيدا للدم. فكان احد مطالب العبادة التي فرضها الله على الاسرائيليين القدماء ما يلي: «نفس [او حياة] الجسد هي في الدم، وأنا جعلته لكم على المذبح للتكفير عن نفوسكم، فإن الدم يكفر». (لاويين 17:11) وهكذا عندما كان الاسرائيليون يخطئون في الماضي، كان بإمكانهم نيل الغفران بتقديم حيوان ذبيحة وبجعل شيء من دمه على المذبح الذي كان في خيمة الاجتماع، وصار لاحقا في الهيكل. اذًا، لم يسمح الله باستعمال الدم إلّا في الذبائح.
ليس المسيحيون الحقيقيون تحت الشريعة الموسوية، لذلك لا يقدمون ذبائح حيوانية ولا يضعون دم الحيوانات على المذبح. لكنّ استعمال الدم على المذبح في اسرائيل القديمة رمَز الى الذبيحة القيّمة التي قدمها ابن الله يسوع المسيح. فضحّى يسوع بحياته البشرية من اجلنا مقدِّما دمه المسفوك فداء لنا. فوضع بالتالي الاساس لمغفرة خطايانا وفتح امامنا الطريق لننال الحياة الابدية. (متى 20:28؛ يوحنا 3:16) ألا توافق ان استعمال الدم بهذه الطريقة المميزة كان فائق الاهمية؟ (1 بطرس 1:18، 19) فنحن لن ننال الخلاص ما لم نمارس الايمان بدم يسوع المسفوك.