من الصدام إلى الحوار
بقلم سيادة المطران غريغوار حداد
www.gregoirehaddad.com
مقدمة لغوية
1- الصدام في القاموس
"الصدام (أصلاً ومادّيًا) هو ارتطام الشيء بآخر، وهو (معنويًّا ومجازيًّا) خلاف، أو نـزاع، أو مشادّة، أو مشاحنة، أو قتال عنيف" (المنجد).
وهو يمكن أن ينشأ:
- -مادّيًا: بين قطارين، أو سيّارتين، أو جسمين متحرِّكَين، أكانا حيّين (إنسانين أو حيوانَين)، أو كانا جامدين (كوكبين أو كرتين).
- معنويًّا: بين عدّة جهات:
بين أفراد
- ولدَين؛ أخوَين،
- زوجَين؛ صديقَين؛ صديقتَين،
- شريكَين في عمل؛ في مشروع،
- رفيقَين في مدرسة، في جمعيّة…
- أسرتَين؛ قبيلَتين؛ عشيرَتين،
- قريتَين؛ منطقتَين؛ بلدَين؛ جبهتَين،
- جمعيّتَين؛ حزبَين،
- طائفتَين؛ مذهبَين…
- رأيَين؛ عِلمَين؛ فلسفتَين؛ أيدولوجيَّتَين،
- ثقافتَين؛ حضارتَين؛ تيّارَين،
- دينَين؛ إيمانَين.
من تحديد "الصدام" في القاموس، ومن الأمثلة عن الصدامات المختلفة، يمكن الاستنتاج:
- أنّ "الصدام" ظاهرة واسعة الانتشار،
- أنّها ترافق الإنسان في شتّى أطواره، من الطفولة إلى الشيخوخة، في المنـزل والعمل والمجتمع،
- وأنّها ترافقه خاصّة على الصعيد الفكري، أكان دينيًّا، أو مدنيًّا.
- وأنّ هذه الظاهرة تبدو ملازمة لطبيعة الإنسان الفرد، والجماعة، والمجتمع،
- أي أنّها سُنّة من سُنن الطبيعة الماديّة والبشريّة. تنبّه لها الفلاسفة، بل الشعراء أنفسهم، الذين يهيمون عادة في الرومانسيّات والجماليّات. وقد عَلِق في الذهن من أشعارهم:
"والظّلم من شيم النفوس فإن تجده ذا عفةٍ، فلعلةٍ لا يظلم"
"ليت هندًا أنجزتنا ما تعدْ…
واستبــدّت مــرّة ً واحدةً إنّما العاجز من لا يستبدّْ"
- لهذا فالموقف الموضوعي العلمي هو عدم التعجّب من الصدامات المتنوّعة، في عالم الحيوان، الذي تمرُّ عراكاته على الشاشة الصغيرة في عدّة محطّات؛ وفي عالم الإنسان. وهنا يقول الشاعر:
"تعجبــين مـن سَقَمـي صحّتي هي العجبُ"
- والأمثلة في الآداب القديمة كثيرة بهذا الشأن، منها ما أذكره من الأدب اللاتيني: Homo homini lupus أي: الإنسان ذئب للإنسان.
- وأخيرًا يمكن الاستنتاج أنّ الذين اختاروا كلمة "صدام" لموضوع المؤتمر السّادس هذا "كلمة سَواء"، وُفِّقوا في اختيارها بدلاً من كلمة "صراع" أو حتّى "تصادم" لأنّ فيهما إشارة لا إلى الطبيعة، بل إلى تدخّل الإنسان بإرادته الواعية أو برغبته غير الواعية.
2- الحوار في القاموس والقرآن
• في المنجد: "الحوار هو تبادل الحديث والمجادلة والكلام".
• في القرآن الكريم:
* "فقال لصاحبه وهو يحاوره: أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفرًا" (الكهف 34).
* "قال لصاحبه وهو يحاوره: أكفرتَ بالذي خلقك من تراب" (الكهف 37).
* "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها، وتشتكي إلى الله، والله يسمع تحاوركما. إنّ الله سميع بصير" (المجادلة 1).
• تمييز مقترح:
فإذا أردنا أن نميّز لغويًّا بين الصيغتَين: "حاور يحاور حوارًا"، و"تحاورا يتحاوران تحاورًا"، أمكن القول، مع بعض الإيجاز:
- إنّ "الحوار" عمليّة ذات اتّجاه واحد، أي الكلام مع آخر بدون انتظار جواب منه. لذلك يمكن الوصول فيه إلى ما يُسمّى "حوار طرشان".
- بينما "التحاور" هو عمليّة مشتركة بين اثنين أو أكثر، كلٌّ يُصغي –أو يحاول أن يُصغي- لما يقوله الآخر، ويجيبه على ما يقوله، (أو أقلّه يجيب على ما فهم منه، إذ أنّ الكلام يمكن أن يصبح سبب سوء فهم وسوء تفاهم)، وينتظر جوابًا على جوابه، حتّى الوصول إلى نتيجة مشتركة:
• إمّا الاتّفاق على جميع المقولات،
• أو الاتّفاق على بعض منها، والاتّفاق على الاختلاف في مقولات أخرى،
• أو القبول المشترك بعدم الاتّفاق على أيّ مقولة، وبالوقت ذاته القبول بالاختلاف بينها من دون عدائيّة، أو اتّهام بالجهل، أو بالكفر. وبما أنّ كلمة "حوار" هي التي انطلق استعمالها ، من الصعب استبدالها بكلمة "التحاور".
• مجالات التحاور
والتحاور يمكن أن يجري في أي موضوع كان:
- في المسائل الفكريّة، النظريّة، أو العمليّة التّطبيقيّة،
- في المسائل النفسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة،
- في المسائل الحياتيّة والمعيشيّة (كالتي كانت تتحاور مع النبيّ في زوجها)،
- في المسائل الدينيّة، والإيمانيّة،
- في الثّقافات والحضارات.
الحضارة كلمة غامضة، أي لا مضمون واضحًا لها. لذلك حُدّدت بطرق متنوّعة. فلو كانت واضحة لكان لها تحديد واحد.
لن أدخل في سرد هذه التحديدات، وقد يكون البعض منكم قد مرّ بها للمرّة العشرين، بل أكتفي ببعض الملاحظات العمليّة.
كثيرون يقولون اليوم:
- كل بلاد لها حضارتها، حتّى المعتبرة بدائيّة. وإن صنّفها الكثيرون غير "حضاريّة" أو غير "متحضّرة".
- هناك حضارة كانت تجتاح العالم… أو تحاول اجتياح العالم، تُسمّى "الحضارة الغربيّة".
- هناك الآن "العولمة الثّقافيّة" التي تهدّد باقي الثّقافات، وتطمح في أن تصبح الحضارة الشاملة للعالم.
- وإزاءها تتصاعد اليوم هيآت ومنتديات لمحاربة العولمة الثّقافيّة والاقتصاديّة، بدأت في "سياتل" (Seattle الولايات المتّحدة)، ثمّ في (فرنسا) وبعدها في "دافوس" (Davos سويسرا)، و"جنوا" (Genova إيطاليا).
وتتهيّأ الآن في لبنان ضدّ مؤتمر "التجارة العالميّة" (OCI)، الذي سيُعقد في "قطر" بعد أيام، واسم هذه المقاومة "المنتدى العالمي حول منظّمة التجارة العالميّة "،
- وأهداف هذه المحاربة منها اقتصاديّة لمنع الإمبرياليّة الاقتصاديّة من ابتلاع المؤسّسات الصغرى والمتوسّطة بل والكبرى، لحساب "المؤسّسات العابرة القارّات" (Transnationales)،
- ومنها ثقافيّة تمنع تلاشي الثّقافات والحضارات الكبرى والصّغرى لحساب ثقافة واحدة هي الإنكليزيّة وحضارة واحدة هي الأمريكيّة.
- وهناك تمييز آخر لا بدّ منه هو بين الحضارة والتّراث. يمكن القول إنّ "التّراث" هو الباقي من حضارة كانت حيّة ناشطة في ماضٍ بعيد أو حديث.
- فالحضارتان اليونانيّة والرومانيّة اندثرتا، ولكنّهما أبقتا في العالم أثرًا كبيرًا، من خلال تراث يوناني-روماني، لا يزال هامًّا جدًّا، من أهمّ المراجع التي يرجع إليها الفكر الإنسانيّ.
- بينما هناك حضارات اختفت من الوجود لأنّها لم تترك تراثًا في الحجر أو الرسم، أو الكتابة.
* فماذا عن الحضارة العربيّة؟
- هي تراث يحاول أن يُصبح حضارة من جديد.
- تراث غنيّ جدًّا، قد يكون أغنى تراث في العالم: تراث كان حضارة على صعيد ديني، وأدبي، وشعري، تكوّن في القرون الهجريّة الثّلاثة الأولى،
- تراث يحاول أن يُصبح من جديد حضارة في وجه، بل في مواجهة الحضارة الغربيّة أو العولمة الزّاحفة على العالم، كأنّها "محدلة" تُسوّي جميع ثقافات وحضارات العالم،
- تراث فكريّ فنّي عالمي - لكي لا أقول عَلمَاني فأُتّهم بالدّعاية "لأبرشيّتي" التي عدتُ أنشط فيها من خلال "تيّار المجتمع المدني" (لا دعاية، بل سيرة وانفتحت!)، تراث أخذ يهتزّ ويترنّح منذ 11 أيلول في نيويورك وواشنطن.
- تراث عربي، تارة يتماهى مع التّراث الإسلامي، وطورًا يتمايز عنه من خلال تنظيمات سياسيّة نشأت في القرن العشرين.
- تراث عربيّ يُحاول بعض العلماء المسيحيّين أن يصفه "مسيحيًّا عربيًّا" فينفض عنه غبار السنين والمكتبات، مساهمة في فكّ الارتباط التاريخيّ والدينيّ بين الإسلام والعروبة، من خلال نشر كتب فلسفيّة وعلميّة ولاهوتيّة من القرون الهجريّة الأولى، تُعدّ بالمئات، صدر منها نحو عشرين كتابًا، بينما مئات بل ألوف مخطوطات لا تزال تنتظر الانبعاث من النسيان.
- يحاول "العالم العربي" أن يُحيي الحضارة العربيّة… ولكنّه لم ينجح حتّى الآن، وقد يكون غير مطلوب وغير ممكن إحياء هذا التّراث، بل المطلوب إحداث حضارة عربيّة حديثة، مرتبطة بالتّراث، ولكن غير مجمّدة فيه.
- هناك "دول عربية مستقّلة" متباينة ثقافيًّا وحضاريًّا رافضة الإنقسام وقابلة بالأمر الواقع . من الضروري أن يتمّ التّفاعل بينها في الهيآت العالمية التي أُنشئت وستُنشأ, لتصل إلى إحياء الحضارة بدلاً من التّغنّي بالتّراث.
* الحضارات والأديان
ما هي العلاقة بين الحضارات والأديان؟
الجواب يتطلّب أكثر من خمس دقائق من محاضرة ثلث ساعة! أكتفي ببعض ما يتردّد كأنّه من البديهيّات أو المسلّمات، في عناوين مقتضبة:
هناك علاقة وثيقة بين كل دين والحضارة التي تواكبه، وطرحان أساسيّان:
- طرح أوّل: "تعدّد الأديان من تعدّد الثّقافات" (من محاضرة بولس الخوري في تمّوز 2001) يقول فيها: "الله يبقى هو هو، لا يتغيّر في جوهره، في حين أنّ الأنظومات الدينيّة مصيرها الثّقافات. فمتى طرأ تبدل في الثّقافة، ومتى تبيّن أنّ هناك حاجة لتصويب الطريق الدينيّة، كي يتمكّن المؤمنون من السير عليها بأمان نحو الله، صار من الواجب مراجعة الأنظومة الدينيّة وتصويبها، من دون المساس بجوهر الدين".
- طرح ثان: بينما الطرح الآخر هو نقيض الأوّل، ويمكن اختصاره بالقول التالي: الحضارات هي وليدة الديانات.
هنا نلتقي بما يقوله مسؤولو الديانات عن الموضوع، وبما يقوله التاريخ، لا سيّما في ديانتي أغلبيّة اللبنانيّين.
*الحضارة المسيحية
لمسألة الحضارة في المسيحية بعض التعقيدات.:
هناك الآيتان المعروفتان اللتان يستشهد بهما دائمًا:
*" أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (متى 17:22),
*" مملكتي ليست من هذا العالم". (يوحنا 36:18).
وقد فَهِمَ اللاهوتيين, ولا سيما بعض المتصوفين, أن المسيحية لا تهتم بأمور هذا العالم, وانتشر تيار بل تيارات متنوعة في التاريخ المسيحي, خاصةً بين الرهبان, تدعو إلى اعتزال العالم.
ويردد الكثيرون من مسيحيين وغير مسيحيين أن المسيحية ليست دينًا ودنيا, بل دينًا وروحانية تهتم بالحياة الأبوية فقط.
ولكن المسيح لم يطلب من تلاميذه الإعتزال عن العالم, بل أن يحترزوا من الغرق في شؤون العالم وفي الشر المنتشر فيه.
فقد صلّى عشية موته –إذ إن المسيحية تؤمن أن المسيح مات وقام ورفعه الله إليه- صلى قائلاً:
*" لست أنا بعد في العالم. أما هم (التلاميذ) فإنهم في العالم...
لا أطلب أن تخرجهم من العالم, بل أن تحفظهم من الشر.
إنهم ليسوا من هذا العالم, كما إني أنا لست من العالم.
قد سهم في الحق. إن كلمتك هي الحق.
كما أرسلتني إلى العالم, أنا أيضًا أرسلتهم إلى العالم..." (يوحنا 11:17و15و18)
والمطلوب من تلاميذه في هذا العالم الذي أرسلهم إليه هو,
- " لا أن يعلنوا بشارته للخليقة كلها فقط" ( مرقس 15:16)
- " بل أن يكونوا لهم شهودًا في أورشليم, وفي جميع اليهودية والسامرة, وإلى أقاصي الأرض" (أعمال الرسل 8:1)
بل المطلوب ما سيدانون بشأنه في يوم الدين, أعمال الرحمة التي تسمى الآن الخدمات الإجتماعية:
• " إطعام الجائع, وإرواء العطشان
• وإيواء الغريب, وكساء العريان
• وعيادة المريض, وزيارة السجين" (متى 34:25و36)
بل المطلوب أيضًا منهم متابعة الرسالة التي قال أنه بدأ يتممها, عندما أعلن بيانه بأول خطبة في مجمع بلدته "الناصرة":
*" فدفع إليه سفر أشعيا النبي. فلما نشر السفر وقع على الموضع المكتوب فيه:
" روح الرب علي لأنه مَسَحتي لأُبشر المساكين,
وأرسلني لأنادي لللمأسورين بالإنعتاق, وللعميان بالبصر,
وأطلق المرهقين أحرارًا,
وأعلن سنة نعمة للرب" (لوقا 2:4و4)
المسيحية هي – ككل ديانة- كما يقال: "دين ودنيا", والأفضل القول:" إيمان بالله والتزام بالإنسان".
ولكنها ليست "دنيا ودولة"
لذلك ليست لها "حضارة" منبثقة من توجيهات المسيح.
لقد نشأت عبر التاريخ حضارات كثيرة, سُميت "مسيحية", ففي المسيحية كل شيء نسبيّ ما عدا الله, الآب, والإبن والروح, هو الإله الواحد, المطلق الواحد,
- فعندما تدعي "حضارة" أو "دولة" أو مؤسسة, بل كنيسة, أنها تمثل المسيح وحدها, تقع في بدعة, في "هرطقة", إن لم تكن عقيدة فأقله "تنظيمية", لأنها جميعها نسبية,
- وقد نشأت خلافات وصراعات عبر التاريخ, وانقسمت الكنيسة الواحدة إلى كنائس متصارعة بل متحاربة دمويًّا, باسم المسيح وبعض العقائد المتناقضة, بينما الإختلاف كان على صعيد الثقافات والحضارات, اليونانية والرومانية والسريانية. لذلك في أيامنا, وقد اندثرت هذه الحضارات, وبقي التراث الثقافي والطقسي من كل منها, تبين أن الخلافات لم تكن على صعيد العقيدة, وأخذت الكنائس تسعى في "الحركة المسكونية" للإتحاد الفدرالي, إن لم يكن للوحدة الكاملة.
- كما إن المسيحية في أيامنا أخذت تطلق على بعض القيم والتيارات التي تؤمن بها, وتشترك في إيمانها هذا مع باقي الديانات, تطلق عليها إسم حضارات, فنسمع ونقرأ مثلاً عن:
• حضارة المحبة, بدلاً من البغض والتنافس
• حضارة السلام, بدلاً من الحرب والعدائية والعنف
• حضارة الحياة, بدلاً من حصارة الموت (لا سيما في ما يخص الإجهاض "والموت الرحيم"...)
* الحضارة الإسلامية
في الإسلام الذي يشدد على كونه "دينًا ودولةً, لا دينًا ودنيا فقط, نشأت حضارات إسلامية, لا حضارة واحدة. ولا تزال تنشأ الآن.
فالحضارة التي أحدثها الرسول العربي, وتابع مسيرتها الخلفاء الراشدون, غير التي أقامها أهل البيت, والأمويون, وغير التي انبثقت مع العباسيين, ثم الفاطميين والمماليك والعثمانيين وغيرهم...
وحضارة الأندلس الشرقية-الغربية تميزت عن باقي الحضارات الإسلامية. ولا يزال قلوب الكثيرين تحن إلى تلك الحضارة الغابرة كأنها أجمل نموزج للحضارات الإسلامية.
ولكن جميع تلك الحضارات أصبحت ماضية, أصبحت "تراثات", تراثات غنية جدًا, متباينة بعض الأحيان, ومتكاملة أحيانًا أخرى
وحاليًا هناك حضارات إسلامية متعددة, يكاد يصح القول إنها بعد الدول التي تعلن أنها إسلامية, وللإقتناع من هذا التعدد يكفي أن نذكر بعض النمازج, فالتباين واضح:
- بين الحضارة الشرقية والغربية,
- وبين الحضارة العربية والحضارات الإسلامية غير العربية,
- وبين الحضارة المسماة "سنِّية" والحضارة المسماة "شيعية",
- وبين "الشيعية الإثنتي عشرية" "والإسماعلية" و"العلوية"...
- وبين الحضارات التي لا تزال تريد التماهي مع حضارة فجر الإسلام وتلك التي تريد أن تواكب العصر,
- وبين الحضارات التي تعلن أن دستور الدولة هو الشريعة الإسلامية ومصدرها الله بدون تسرّب أي قانون بشري والحضارات التي نشأت ولا تزال تنشأ من تلاقح الشريعة الإلهية مع القوانين الوضعية.
- وبين الحضارة المسماة "أصولية", المتشددة, والحضارات المنفتحة, والمتسامحة, القابلة بالتعددية الدينية,
ب- صدام الإسلام مع الديانات المنتشرة
وجاء النبيّ العربيّ ورسالته والقرآن والإسلام، مع آيات تدعو المؤمنين الجدد إلى الالتـزام بالبشارة والإنذار للناس كافّة:
"يا أيها النبيّ، إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله، وسراجًا منيرًا" .
"وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلاً كبيرًا" (الأحزاب 46-47).
"إنّ الدين عند الله الإسلام" (آل عمران 19).
"وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله" (الانفال 39).
"ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب، حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون" (التوبة 33).
"ومن يتبع غير الإسلام دينًا، فلن يُقبل منه" (آل عمران 85).
"اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينًا" (المائدة 3).
انطلاقًا من الاقتناع بالدين الجديد،
ومن متطلّبات دعوة الناس ليعتنقوه، لأنّه "دين الحقّ"، ولأنّ الله لا يقبل أيّ دين آخر، وأنّ على هذا الدين أن ينتصر على باقي الأديان، و"يكون الدين كله لله"، أخذ الأنصار، والمهاجرون، والتّابعون، وجميع المؤمنين يبشّرون، ويحاولون أن يهدوا جميع من أمكنهم إلى هذا "الصراط المستقيم".
لذلك كان لا بدّ من صدام الإسلام مع معتنقي الديانات الأخرى، لا سيّما المسيحيّة واليهوديّة.
* شهادة التاريخ
• صدامية الإسلام
فإذا استعرضنا التاريخ، وجدنا أنّ إمكانات الانتقال من الحوار إلى الصدام، بل البدء بالصدام بدون أيّ حوار كان لها النصيب الأوفر من مراحل التاريخ. يكفي أن نذكر بعض العناوين، بدون ضرورة الشرح لأنّ الذاكرة التاريخيّة ملبّدة بهذه الذكريات الأليمة:
- فهناك "الفتوحات" الإسلاميّة،
التي يعتبرها المسلمون امتدادًا طبيعيًّا لدعوة الرسول العربيّ الشاملة: "وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين" (الأنبياء 107). لا للمسلمين فقط.
- بينما يعتبرها المسيحيّون اجتياحات للمجتمعات المسيحيّة، أكان ذلك:
- بالسيف، بالغزوات، بدءًا بالتي جهّزها الرسول: غزوة "مؤته"، وغزوة "تبوك" ضدّ البيـزنطيّين، أو بإخضاع رؤساء قبائل مسيحيّة في "أيلا"، و"جربا"، و"أذرع"، و"جراش"، بدون حرب،
- أو من خلال معاهدات، كما حدث مع نصارى "نجران".
- وهناك الأسلمة التوسّعيّة من الخليج إلى المحيط، كما يقال اليوم،
وعندما نتنبّه إلى تأثير "الإنترنت" (في اختصار ثورة المعلوماتيّة) على الذين وصلتهم "التّراثات" القديمة، ويحاولون أن يتماهوا مع "حضارات"، نكتشف كم في مقولات الصدام والصراع والحوار من ضبابيّة.
• صدامية المسيحية
أما المسيحية فكانت صدامية تجاه الإسلام في عدة حقبات وعدة بلدان, لا يزال الإسلام يختزنها في الذاكرة الجماعية, لا سيما:
- تحرير الأندلس,
- الصليبية, في القرون الوسطى,
- الإستعمار في القرون الأخيرة,
- الإستشراق الناقد والعدائي.
• إستنتاج أولي
لذلك، إذا رجعنا إلى عنوان حديثنا، يمكن القول: إنّ هناك تمايزًا بين:
- الدين المسيحي والدين الإسلامي القائمين.
- الحضارة بل الحضارات المسيحيّة والإسلاميّة الآخذة بالنموّ والتّفاعل.
- التّراث المسيحي والتّراث الإسلامي الحاليَّين،
- وإنّ هناك إمكانيّة حوار بينها،
- وإنّ هناك إمكانيّة صدام بين هذه على كل مستوى،
- وإنّ هناك إمكانيّة انتقال من الحوار إلى الصدام،
- وإمكانيّة الانتقال من الصدام إلى الحوار.
أ- من الصدام إلى الحوار
• عود على بدء
- وإنّ هذه الظاهرة تبدو ملازمة لطبيعة الإنسان، الفرد والجماعة والمجتمع، المدني والديني.
- وإنّ الموقف الموضوعي العلمي هو عدم التعجّب من الصدامات المتنوّعة،
- وإنّ التّحاور هو عمليّة مشتركة بين اثنين أو أكثر للإصغاء المتبادل، وتجاوز سوء التفاهم، والوصول بها:
• إمّا إلى الاتّفاق على جميع المقولات، على "الجوامع" أو الثّوابت،
• أو الاتّفاق على بعض منها، والاتّفاق على الاختلاف في مقولات أخرى،
• أو القبول المشترك بعدم الاتّفاق من دون عدائيّة أو اتّهام بالجهل، أو بالكفر،
وسنطبّق ذلك على العلاقة بين الإسلام والمسيحيّة على صعيد الديانيتين والحضارات المنبثقة عنهما.
كانت بعض الجماعات "النصرانيّة" تقطن الجزيرة العربيّة وتخومها، منها تابعة للروم ومنها للفرس.
وكانت "المسيحيّة المشرقيّة" قد عمّت بلاد الشام وفينيقيا وبلاد ما بين النهرين وما كان يُسمّى بآسيا وكبادوكيا، أي تركيّا الحاليّة، وقبرص واليونان وبلاد فارس (إيران الحاليّة).
وكانت "المسيحيّة الغربيّة" قد امتدّت على أغلبيّة أراضي أوروبّا وأفريقيا الشماليّة.
وكانت جزر وثنيّة لا تزال حيّة وفاعلة في هذه المناطق، بل مؤثّرة على العقيدة المسيحيّة.
وكانت الكنائس المشرقيّة والغربيّة تلتئم مرّة أو أكثر كل سنة، في "سينودس" (أو مجمع) لتدرس بعض المقولات اللاهوتيّة، لإقرار ما هو وفق الصراط المستقيم (الأرثوذكسيّة) وما هو خارج عنه، أي ما يُعتبر بدعة (هرطقة)، ولأجل:
- الاتّفاق على التّعبير السليم الأرثوذكسي.
- والحكم على من لا يقبل بهذا التّعبير، بل يتبنّى غيره،
• إمّا بالحرم، أي بالإخراج من "الشركة الكنسيّة"،
• أو بنفي أصحابه خارج مسؤوليّتهم الكنسيّة.
وكانت لا تزال مع الجماعات الوثنيّة جماعات يهوديّة، منها في الجزيرة العربيّة، ومنها في بلدان الانتشار اليهودي المتعدّدة. فقد ذكر بعضها سفر "أعمال الرسل" في فصله الثّاني، يوم العنصرة أي حلول الروح القدس بصوت ريح شديدة على التلاميذ وأخذهم بالتكلّم بلغات مختلفة. يقول هذا السفر:
"وكان يهود رجال أتقياء من كل أمّة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلمّا صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيّروا لأنّ كل واحد كان يسمعهم يتكلّمون بلغته. فبهت الجميع وتعجّبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلّمين جليليّين. فكيف نسمع نحن كل واحد منّا لغته التي ولد فيها. فرتيّون وماديّون وعيلاميّون والساكنون ما بين النهرين واليهوديّة وكبدوكية وبنتس وآسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء، كريتيون وعرب نسمعهم يتكلّمون بألسنتنا بعظائم الله" (أعمال الرسل 2: 5-11).
• هل يمكن الحوار بين المسيحية والإسلام؟
المسيحية والإسلام لا يزالان في حروب متنوعة: دينية, سياسية, واقتصادية.
المسيحية والإسلام كل منهما يقدم دينه على أنه لجميع الشعوب والأزمان.
- وبما أن تعابيرهما, المعتبرة منزلة, أو موحاة, أو معصومة عن الخطأ, قد جاءت في زمان محدد لشعب محدد, لكي يكون مضمونها مفهومًا,
- وبما أن الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية قد تغيرت,
- وبما أن التعابير التي جاءت بها كتبهما قد أصبحت بحاجة إلى تفسير لكي يفهمها أهل عصرنا, بسبب تطورها عبر الأزمان المتعاقبة,
- وبما ان علماء ومجتهدين ولاهوتيين وكتابًا لا حصر لهم قاموا بهذه التفاسير, واختلفوا في كثير من الأحيان في التأكيد على المعنى الصحيح لها, حتى أن هناك قولاً مأثوراً يتردد في الإسلام: "إن اختلاف الأئمة رحمة"
لكل ذلك كان لا بد من تجاوز هذه الحروب الدينية والسياسية والإقتصادية الماضية, بالرغم من الغنى الذي قد يكون كبيراً في مجلداتها التي لا حصر لها.
ومن جهة أخرى يتطور العالم خارجاً عن المسيحية والإسلام واليهودية وجميع الأديان الأخرى, كأنها أصبحت كميات مهملة, على هامش التاريخ, ولا حاجة لزماننا أن يرجع إلى الغنى الذي قد يكون كامناً فيها, ولم يبق لعالم اليوم المعلمن واللاأدري, إن لم يكن الملحد تماماً, واللامبالي بالدين والإيمان, أي رغبة في الإستماع إلى ما قد تقوله الأديان.
فإذا كان بعض المؤمنين بالله ومطلقيته وضروريته وحاجة الإنسان والإنسانية إليه, لا يزالون مقتنعين بأن العالم ذاهب إلى الهلاك والعدم والإنتحار المعنوي إن لم يكن الفعلي, من المحتم عليهم أن يجدوا معاً السبيل للوصول إلى من لا يزال لهم آذان للسماع لغير اهتماماتهم الزمنية.
• الإيمان المشترك
نحن المسيحيين والمسلمين نؤمن منذ نشأة ديانتنا:
- أن الله واحد أحد, لا إله إلا هو.
- أن ليس له شركاء يقاسمونه الألوهية.
- أن ليس أرباب من دون الله يحق لهم السجود والعبادة.
- أن الله لم يكن قط له صاحبة, ولم يتخذ منها ولداً.
- أن الله لم يلد ولم يولد بالمعنى البشري المعطى لهذين التعبيرين.
- أنه لم يكن له كفؤاً أحد.
- أنه ليس كمثله شيء, ليس كمثله كائن, أكان في الجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان أو الأرواح.
- إنه المطلق, الغني في ذاته غنىً مطلقاً, لا ينقصه أي بُعد من أبعاد الكيان.
- أن غناه الذاتي لا يمكن أن يدركه أحد, إلاّ إذ شاء أن يوحي إلى إنسان رسول أو نبي جانباً من هذا الغنى.
- وأن الوحي بهذا الجانب من الغنى هو دائماً من أجل خير الإنسان والإنسانية, وليس عبثاً ولهواً ولعباً.
- وأن التعبير عن أي جانب من كيان الله وغناه لا يستطيع أن يكون وافياً, وأن يوصل عقل الإنسان أو إيمانه إلى الله وكنهه الحقيقي, إذ لا يقدر أن يكوّن خبرة داخلية كخبرة الله لذاته.
لذلك جميع الرسل والأنبياء الذين كلمهم الله أو أوحى إليهم أو أنزل عليهم كلماته ليس لديهم التعبير المطلق عن الله, بل التعابير النسبية.
ولذلك جميع مناقشاتنا وصراعاتنا في كنه الله وجوهره وغناه هي دائماً دون الحقيقة المطلقة.
ولذلك أيضاً يجب الكفّ عن كل حوار هدفه الوصول إلى تعبير واحد فريد مطلق معصوم عن الغلط, يكفر كل تعبير آخر.
هل يعني ذلك أن التعابير اللاهوتية عن كنه الله, بالرغم من نسبيتها, هي بلا فائدة, يجب طرحها جانباً؟
كلا, بلا شك.
فالله ليس في علاقة عبيثة مع الإنسان. وكل كلمة عهد بها إلى رسول لإبلاغها هي موضوع إيمان وتأمل وتعمق, تحثّ كل مؤمن بها ليستثمرها وفق ما يريد الله له من أجل نموه الروحي.
فالمطلوب من هذا المؤمن لا أن يحارب بهذه الكلمة غير المؤمنين بل أن يتحاور بشأنها مع المؤمنين بها.
والمطلوب ثانياً أن يعلنوها, أن يشهدوا بما شاهدوه في تأملهم وحوارهم الداخلي, شهادةً سلامية, لا هجومية ولا دفاعية.
فالمسيحيون مسؤولون عن كلمات الإنجيل وباقي الكتب المقدسة التي يؤمنون بها, يتعمقون بها ويعيشون بموجبها, والمسلمون مسؤولون عن كلمات القرآن, يتعمقون بها ويعيشون بموجبها.
والمطلوب من المسيحيين والمسلمين أن يُنهوا في ما بينهم جميع الحروب الدموية والكلامية, وأن يكتفوا بالحياة والشهادة لما اقتنعوا به وأخذوا يعيشون بموجبه.
• التناقضات الكبرى على صعيد العقائد
بين المسيحية والإسلام هناك بعض العقائد والمبادئ الأخلاقية المشتركة, ولكن بينهما تناقضات كبرى يبدو من المستحيل تجاوزها. هذا بعضٌ منها:
• في المسيحية:
الله واحد لا اثنان ولا ثلاثة. إنما غناه الجوهري بجعل التعبير عنه بثلاثة لا انقسام بينها ولا اندماج, هم الآب والإبن والروح القدس.
• في الإسلام:
الله واحد, لا إله إلا هو, لا تبرير للغوص في جوهره إذ ليس كمثله شيء, ومن المستحيل القول عن ثلاثة في إله واحد.
• في المسيحية:
يسوع, أو عيسى, ابن مريم العذراء هو ابن الآب, إله من إله, اتحدت فيه الطبيعة الإلهية والطبيعية البشرية في شخص واحد أحد لا انقسام فيه ولا اندماج. عاش وتألم ومات وقام من الموت وصعد إلى الآب في وحدة لا انفصام فيها أبدياً, يسجد له كما يسجد لله.
• في الإسلام:
القول عن عيسى بن مريم إنه إله مساوٍ لله الواحد الأحد هو شرك لا يمكن شرحه ولا تبريره. هو رسول, نبي كباقي الرسل والأنبياء. لم يمت, ولم يقتله اليهود, ولكن الله "توفاه" بلا موت ورفعه إليه. يكرَّم كالأنبياء ولا يجوز السجود له.
لذلك من الضروري عدم الغوص في تقريب التعابير العقيدية للوصول إلى تعبير مشترك.
ولكن من الضروري أيضاً انفتاح العقل والقلب والإيمان لأجل قبول تعابير الآخر كما هي, لا كما نفسرها من وجهة نظرنا.
* مجالات تحاور ممكنة وضرورية
إذا كان التحاور العقيدي مستحيلاً وغير مرغوب فيه:
- لأنه مستحيل,
- ولأنه قد يسبب خلافات وصراعات وأزمات وحروباً دموية, كما حدث في التاريخ, إلاّّ أن هناك مجالات أخرى ممكنة, ولأنها ممكنة أصبحت ضرورية لجميع المؤمنين بالله, أو بالإنسان, أو بالله والإنسان معاً. من هذه المجالات:
- التحاور الروحي
- التحاور الأخلاقي
- التحاور الإجتماعي
- التحاور الوطني
- التحاور الإقتصادي...
مع العلم أن منطلقات التحاور قد تكون مختلفة بين المؤمنين المسيحيين والمسلمين, وغير المؤمنين, اللاأدريين والملحدين. فهناك قيم ومبادئ وأهداف مشتركة كثيرة يمكن أن يلتقي عليها الجميع.
* الإلتباسات القاتلة
أخذ التحاور والحوار ينتشر في العالم:
- بين المسيحيين, الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت في ما يسمّى "الحركة المسكونية",
- بين المسلمين من السنة والشيعة وباقي المذاهب, من الذين تخطوا الخلافات القومية,
- وبين المسيحيين والمسلمين, في ما أخذوا يسمونه "الحوار الإسلامي المسيحي".
ولكن لا يزال هناك تيارات متشنجة في جميع الديانات.
ولا تزال المعارك الدموية والكلامية على أشدها في الكثير من البلدان, يكفي أن نتذكر:
• إرلندا الشمالية
• والجزائر
• وأفغانستان
• والشيشان
• وكوسوفو...
ولا تزال خاصة إلتباسات كثيرة تجعل المعارك غير واضحة المعالم, تختلط فيها الأسباب والأبعاد اللاهوتية, والقيمية, والسياسية والإقتصادية.
• بوش
عندما يتكلم "بوش الإبن" عن "الصليبية"يخطئ على عدة مستويات:
- تاريخياً: الصليبية لم تكن تمثل "الحضارة المسيحية", بل انحرافاً, حتى إذا كان الباباوات قد باركوها.
• ليس من أراضٍ مقدسة في فكر المسيح وهدفه, لكي يتجند المسيحيون لتحريرها:
فقد قال للسامرية:
*" صدقيني أيتها المرأة, إنها تأتي الساعة تعبدون فيها الآب لا في هذا الجبل (كاريزيم الخاص بالسامريين) ولا في أورشليم (بحسب اليهود والأرثوذكس)...
فالعابدون الحقيقيون يعبدون الآب بالروح والحق... لأن الله روح, والذين يعبدونه بالروح والحق ينبغي أن يعبدوه". (يوحنا 21:4و24)
ولأن المسيحيين الغربيين حاربوا المسيحيين الشرقيين البيزنطيين وقتّلوا منهم وهدموا كنائسهم, ولا يزال هؤلاء يذكرون بمرارة مرور أولئك "البرابرة".
- سوسيولوجياً, الرئيس الأميركي لا يمثل "المسيحية" لكي يعتبر أن هناك معركة ناشئة بين المسيحية والإسلام.
• ولا يختصر "الغرب" ليتكلم باسم الغرب, ويقود "صليبية علمانية", أي معركة أو حملة شاملة ضد الإسلام, معتبراً الإسلام "العدو الأخضر", بعد أن تلاش "العدو الأحمر" أي الإتحاد السوفياتي.
• بن لادن
وعندما يصبح "بن لادن" الناطق العالمي باسم الإسلام, أكان ذلك بإرادته, أم بإرادة الذين وراءه أو فوقه, أو بسبب وسائل الإعلام الغبية أو المتذاكية, التي تظن أنها قادرة أن تحلل كل حدث, وأن ترى خفاياه...
عندما يصبح "بن لادن" المسلم المؤمن الصوفي العرفاني, العالم بمصلحة الأمة الإسلامية أكثر من جميع الأئمة في بلاده وباقي البلدان الإسلامية, العربية وغير العربية,
عندما تتجند الصحافة العالمية, ومن أهمها تلفزيون الجزيرة لأجل إظهاره كفرد في مجابهة الدولة العظمى في عالم اليوم,
عندئذ تصبح الإلتباسات عديدة جداًّ,
- بين الإيمان والدين الإسلامي.
* جوامع مشتركة مقترحة
سنة 1976,نظمت الجماهيرية الليبية مع الفاتيكان ندوة حوار إسلامي, إشترك فيها 600 ممثل عن دول وهيآت دينية. وتأزم الحوار بين ستة محاضرين مسيحيين ومسلمين وطلبت الكلام, وكانت لي مداخلة أنهي فيها كلمتي:
- أقترح أن تخرج الندوة ببعض التوصيات أو المقررات أقله على صعيد التحاور الديني والتحاور المجتمعي اللذين دارت مواضيع الندوة حولها.
فعلى صعيد التحاور الديني أقترح أن يتفق المشتركون على صيغة إيمانية كحد أدنى من اللقاء الأكيد بين الجانبين يمكن الإضافة إليها في المستقبل كل قاسم مشترك أو بالأحرى كل "جامع" مشترك جديد.
واقتراحي المتواضع هو هذه الشهادات المشتركة:
- نشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له ولا كمثله شيء,
- نشهد أن الله أكبر, أكبر من كل ما سواه, لا سيما الأصنام والآلهة التي يخترعها عالم اليوم.
- نشهد أن الإنسان صورة الله, خليقة الله الكبرى, وخليقة الله على الأرض, والغاية التي من أجلها خلق الكون وسخر كل ما فيه, بل من أجله كانت الأنبياء والرسل, وأن كل إيمان بالله لا يصبح إيماناً بالإنسان والتزاماً بقضاياه هو إيمان ناقص.
- نشهد أن المسيح, عيسى ابن مريم, كلمة الله ورسول منه إلى الإنسانية جمعاء.
- نشهد ان محمداً رسول الله ونبي من الله للإنسانية جمعاء.
أما على صعيد التحاور المجتمعي فأقترح أن تتخذ الندوة مواقف واضحة بالنسبة للقضايا الهامة لا سيما:
- القضية الفلسطينية
- قضية تحرر الشعوب
- قضية السلام ومعركة التسلح النووي
- قضية الإقليات العنصرية أو الدينية وضرورة إعطائها جميع الحقوق الإنسانية التي لباقي المواطنين
- قضية المساواة الحقيقية
- قضية قيمة الإنسان المطلقة.