ما أعجب أن يتكلم المخلوق عن خالقه, ربما يشعر الانسان بصغره وضآلته عندما يتحدث عن الله العظيم, وكم كان أبونا ابراهيم الخليل صادقا حينما إستهل حديثه مع الله قائلا :
"إني قد شرعت أكلِّم المولىَ وأنا تراب ورماد" (تكوين 18 : 27)
إنها آية بديعة أن يجعل الله للإنسان المخلوق عقلا وفكرا وإرادة ليتحدث ويتناقش ويدرس, وتبلغ هذه الآية ذروتها عندما يحاول الإنسان بعقله المحدود أن يتكلم عن الله خالقه.
بلا شك لا يمكن لنا أن ندرك كل ما يتعلق بالله من خلال عقولنا الواهنة المحدودة, ولكن دعونا نتحدث من خلال ما وصل إلينا من الحياة ومن المنطق ومن الكتاب المقدس عن طبيعة الله.
بلا شك لا يمكن لنا أن ندرك كل ما يتعلق بالله من خلال عقولنا الواهنة المحدودة, ولكن دعونا نتحدث من خلال ما وصل إلينا من الحياة ومن المنطق ومن الكتاب المقدس عن طبيعة الله.
1. طبيعة الله.
من المتفق عليه أن الله روح, ولا نقصد أنه روح محدودة كروح الإنسان – حاشا - بل نعني أن طبيعته طبيعة روحانية منزهة عن المادة المحدودة, وجوده أزلي لا بداية له, وأبدي لا نهاية له.
إن جميع الأديان تجمع على أن لله صفات سامية تمثل كل ما هو صالح وخيّر وعادل, والطبيعة نفسها تعلمنا أن خالق الجمال هو أصل الجمال وخالق الخير هو منبعه, وضميرنا الإنساني الذي يستريح للخير ويشمئز من الشر هو إنعكاس باهت جدا لله الذي يهمس في ضمائرنا بالفضيلة, وفي هذا يقول القديس يعقوب في رسالته:
إن جميع الأديان تجمع على أن لله صفات سامية تمثل كل ما هو صالح وخيّر وعادل, والطبيعة نفسها تعلمنا أن خالق الجمال هو أصل الجمال وخالق الخير هو منبعه, وضميرنا الإنساني الذي يستريح للخير ويشمئز من الشر هو إنعكاس باهت جدا لله الذي يهمس في ضمائرنا بالفضيلة, وفي هذا يقول القديس يعقوب في رسالته:
"لا تضلوا يا اخوتي الأحباء؛ كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (رسالة يعقوب 1 :16 -17)
طبيعة الله لا تتغير ولا يعتريها التطور أو التدهور- حاشا - كما يحدث لطبيعتنا المحدودة, وهذا الثبات مستمد من كمال الله المطلق, فالتغير السلبي أو الإيجابي إنما هو سمة من سمات الضعف والمحدودية, ولذلك يؤكد القديس يعقوب أيضا عن الله:
"الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (رسالة يعقوب 1 : 17)
"الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (رسالة يعقوب 1 : 17)
2. نبذة مختَصَرة عن صفات الله.
صفات الله كثيرة ومتنوعة, ومن حكمة الله أنه ترك أمثلة كثيرة عن شخصه وعن صفاته في الطبيعة الأرضية, ونحن في عمق إجتهادنا نسوق أمثلة باهتة لنقرب الصورة لعقولنا الضعيفة وفهمنا القاصر.
الطبيعة البديعة تحمل بصمات الخالق العظيم وتعلن حضوره.
مبارك هو الله الذي ترك لنا أمثلة في الحياة تسحبنا نحو الإيمان بشخصه وفهم طبيعته الخيرة من نحونا, وهذا أمر حتمي أن تكون الطبيعة شاهدة لخالقها حتى يدرك الإنسان أن وراء الخليقة البديعة خالق عظيم, وهذه الأمثلة تحمل بصمات القدير الذي خلقها من العدم, الكتاب المقدس يقول في هذا الصدد:
"(الله) الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم, مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد, وهو يفعل خيرا؛ يعطينا من السماء أمطارا وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاما وسرورا" (أعمال الرسل 14 :16 -17)
كثير من الشعوب ضلت وتاهت وعبدت الطبيعة والحيوان والحجر, ولكن ليس لهم عذر في ضلالهم فالله ظاهر في كل صغيرة وكبيرة حولهم ولكنهم لفرط شقاوتم لم يدركوه, وفي هذا يقول القديس بولس الرسول:
"لأن أموره (الله) غير المنظورة ترىَ منذ خلق العالم مُدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر, لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي, و بينما هم يزعمون أنهم حكماء (يقصد فلاسفة الوثنية) صاروا جهلاء, وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات, لذلك أسلمهم الله أيضا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم, الذين استبدلوا حق الله بالكذب وإتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد آمين, لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان" (رسالة روميه 1: 20 -26)
فالنور مثلا يرمز لله, وفي الحقيقة فإنه فلسفيا يشار للخير بالنور وللشر بالظلام, أو للخير باللون الأبيض وللشر باللون الأسود, وعلميا يقولون أن الضوء الأبيض يتكون من 7 ألوان, ورقم 7 معروف عنه إنه رقم الكمال, ودعونا نفترض أن الضوء الأبيض النقي هو رمز لله, وألوان الطيف تشير إلى تنوع صفات الله وكمالها. فكم نجد أن هذا المثال متقن قد وضعه الله آية للفاهمين والباحثين المدققين!.
الضوء الأبيض يرمز لله النور الحق, وطيفه ذي السبعة ألوان يشير إلى كمال صفات الله.
- تكامل صفات الله.
ويجب أن يعلم كل إنسان أن صفات الله تتكامل ولا تتعارض. فإذا قلنا أن الله رحوم فرحمته لا تتجاوز عدله في القصاص من الخطأ, وعدل الله لا يكتسح رحمته على الخليقة, إن عدل الله رحيم ورحمته عادلة, وصفات الله لها سمة الكمال المطلق, فهو أصل كل خير وكل صلاح وكل حب في حياتنا.
فمثلا قد يستلزم عدل الله الحكم على الإنسان الخاطئ بالهلاك, وساعتها تتدخل رحمته لتمهل الخاطئ فرصة للتوبة والندم, وقد يستغل الخاطئ هذه الفرصة ليغير من سلوكه, وساعتها يسر الله بخلاص هذا الإنسان.
وبالكلام عن عدل الله ورحمته؛ تحضرني هنا قصة فللك نوح , فبعدما أغرق الله العالم الآثم بالطوفان ولم يتبق من البشرية غير نوح وأسرته؛ أعطى الله للبشر ميثاق وعهد بعدم إغراق العالم بالطوفان مرة أخرى, وكانت علامة الميثاق هي قوس قزح, ليطمئن قلب الإنسان كلما رآه, فهو علامة وعهد من الله لشفقته على خليقته وتعهده بعدم إهلاك العالم بطوفان عام مرة أخرى.
فمثلا قد يستلزم عدل الله الحكم على الإنسان الخاطئ بالهلاك, وساعتها تتدخل رحمته لتمهل الخاطئ فرصة للتوبة والندم, وقد يستغل الخاطئ هذه الفرصة ليغير من سلوكه, وساعتها يسر الله بخلاص هذا الإنسان.
وبالكلام عن عدل الله ورحمته؛ تحضرني هنا قصة فللك نوح , فبعدما أغرق الله العالم الآثم بالطوفان ولم يتبق من البشرية غير نوح وأسرته؛ أعطى الله للبشر ميثاق وعهد بعدم إغراق العالم بالطوفان مرة أخرى, وكانت علامة الميثاق هي قوس قزح, ليطمئن قلب الإنسان كلما رآه, فهو علامة وعهد من الله لشفقته على خليقته وتعهده بعدم إهلاك العالم بطوفان عام مرة أخرى.
"وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض" (تكوين 9 :13)
- بين التجبر والإتضاع.
الله جبار وقادر, ولكنه في عمق جبروته لا يتجبر على خليقته الضعيفة, فالله الجبار هو أيضا متواضع وخيّر, لا يتعامل مع الخليقة بتجبر لئلا تفنى من فرط قوته, بل يحنو على خليقته ويسوسها بالحب, حتي الخليقة غير العاقلة أنزل عليها قبسا من غنى مجد حنانه, فنرى الحيوانات تحنو على صغارها وترعاهم وتوفر لهم كل متطلبات الحياه من طعام وخبرة وقدوة, وكأننا بهذه الخليقة الضعيفة تبشر بأن وراء وجودها خالق حكيم مملوء من كل شفقة وحنان.
حتي الخليقة غير العاقلة أنزل عليها قبسا من غنى مجد حنانه..
التكبر ليس من صفات الله - بحسب تعاليم الكتاب المقدس- بل إن الكبرياء من أبرز صفات إبليس, حقا نؤمن أن الله أكبر من كل كبير, وأعظم من كل عظيم, ولكن الخليقة تحتاج إلى طيبة وتواضع الله الذي يملك في ذاته كل مقومات العظمة والملك ومع ذلك فهو-لفرط إتضاعه- قد خلق العالم وترك خليقته المنظورة تتحدث نيابه عنه وتبشر بأن وراء وجودها خالق عظيم, لم يستعرض ذاته بالظهور المباشر بل ترك أعماله تتكلم عن وجوده. القديس يعقوب السروجي (من قديسي القرن الخامس الميلادي) يقول عن الله :
التكبر ليس من صفات الله - بحسب تعاليم الكتاب المقدس- بل إن الكبرياء من أبرز صفات إبليس, حقا نؤمن أن الله أكبر من كل كبير, وأعظم من كل عظيم, ولكن الخليقة تحتاج إلى طيبة وتواضع الله الذي يملك في ذاته كل مقومات العظمة والملك ومع ذلك فهو-لفرط إتضاعه- قد خلق العالم وترك خليقته المنظورة تتحدث نيابه عنه وتبشر بأن وراء وجودها خالق عظيم, لم يستعرض ذاته بالظهور المباشر بل ترك أعماله تتكلم عن وجوده. القديس يعقوب السروجي (من قديسي القرن الخامس الميلادي) يقول عن الله :
" يختفي الله في القلب لأنه متواضع ورحيم..
لا يطلب الإنسان عنوة ولا يسعي وراءه بالقهر..
يؤدب لكي يشفي لا لكي ينتقم..
هو القدوس الجوّاد الذي يستحي من الخليقة..
ولا يظهر أمامها عظمته لئلا تتبدد.. "
لا يطلب الإنسان عنوة ولا يسعي وراءه بالقهر..
يؤدب لكي يشفي لا لكي ينتقم..
هو القدوس الجوّاد الذي يستحي من الخليقة..
ولا يظهر أمامها عظمته لئلا تتبدد.. "
حنان الأم وصورة باهتة منعكسة من حنان الله وحبه للبشرية..
- الحب.
الحب من أبرز صفات الله تبارك اسمه, طبيعة الله مفعمه بالحب, والدليل واضح من الطبيعة حولنا, فالعالم في حالته المثالية يعد مملكة متسعة غنية بالخيرات مكرسة لراحة الخليقة العاقلة وغير العاقلة, مساحات شاسعة من الغابات المملوءة من جميع أشكال الحياه, بحار ومحيطات بها ألوان من المخلوقات البديعة, أنهار ومنابع عذبة تغذي الحيوانات والنباتات, أمطار تجدد المياه وتعيد توزيعها, نور الشمس الطاهر المُطَهِّر الذي تستحيل الحياه بدونه, هواء نقي لازم لتنفس الكائنات ودوام حياتها.
نور الشمس الطاهر المطهّر الذي تستحيل الحياه بدونه..
والحب هو حركة ديناميكية يلزم لها أن تخرج من دائرة الذات حتي تتحقق غايتها. والخروج من الذات هو عملية بذل وتضحية من أجل سعادة الآخر. ولذلك فبعض الحاذقين في الفهم فسروا كلمة (حب) كاختصار لجملة (حياه باذلة), والسيد المسيح له المجد تعمق بنا إلى أسمى معني للمحبة فقال:
"ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (إنجيل يوحنا 15 : 13)
بل لقد أبحر بالبشرية متجاوزا كل أعراف الحب في موعظته الشهيرة على الجبل فقال:
"سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم, لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات, فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين, ويُمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على اخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (إنجيل متى 5 :43-48)
"أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم احسنوا إلى مبغضيكم... " (إنجيل متى 5 :44)
ويضيف على ذلك القديس يوحنا الحبيب قائلا:
"من قال أنه في النور وهو يُبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة, من يحب أخاه يثبت في النور وليس فيه عثرة, وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه" (رسالة يوحنا الأولى 2 : 9- 11)
"بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس, كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لا يحب أخاه" (رسالة يوحنا الأولى 3 : 10)
"كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس, وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" (رسالة يوحنا الأولى 3 : 15)
"من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 8)
"الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 16)
"إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب, لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 20)
"بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس, كل من لا يفعل البر فليس من الله وكذا من لا يحب أخاه" (رسالة يوحنا الأولى 3 : 10)
"كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس, وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه" (رسالة يوحنا الأولى 3 : 15)
"من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 8)
"الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 16)
"إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب, لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره" (رسالة يوحنا الأولى 4 : 20)
- البر والقداسة.
طبيعة الله كلية القداسة والبر, ولا يقبل أبدا أي نوع من الخطأ أو التعدي, لقد قلنا أن النور يرمز لطبيعة الله النقية, والظلام يرمز للشر والخطية؛ فكما أن النور لا يختلط بالظلام أبدا بل يطرده ويطهر مكانه, هكذا طبيعة الله لا تقبل الخطية بكل أشكالها مهما كانت بسيطة.
الكتاب المقدس يقرر حقائق هامة جدا عن قداسة الله في الآيات التالية:
الكتاب المقدس يقرر حقائق هامة جدا عن قداسة الله في الآيات التالية:
"اتبعوا السلام مع الجميع, والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عبرانيين 12 : 14)
"إني أنا الرب إلهكم, فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لاويين 11 : 44)
"تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لاويين 11 : 45)
"وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب" (لاويين 20 : 26)
"كلم كل جماعة بني إسرائيل وقل لهم: تكونون قديسين لأني قدوس الرب إلهكم" (لاويين 19 : 2)
"فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا الرب إلهكم" (لاويين 20 : 7)
"إني أنا الرب إلهكم, فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لاويين 11 : 44)
"تكونون قديسين لأني أنا قدوس" (لاويين 11 : 45)
"وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب" (لاويين 20 : 26)
"كلم كل جماعة بني إسرائيل وقل لهم: تكونون قديسين لأني قدوس الرب إلهكم" (لاويين 19 : 2)
"فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا الرب إلهكم" (لاويين 20 : 7)
إن قداسة الله كما هو واضح من النصوص المقدسة هي مجال روحي لا يسمح بإقتراب أي نوع من أنواع الخطية.
عندما خلق الله الحياة الأرضية والمخلوقات والبشر نظر إلى عمل يديه واستحسنه, كما يقول الكتاب في سفر التكوين:
عندما خلق الله الحياة الأرضية والمخلوقات والبشر نظر إلى عمل يديه واستحسنه, كما يقول الكتاب في سفر التكوين:
"ورأى الله كُل ما عمله فإذا هو حسن جدا" (سفر التكوين 1 : 31)
ولا ريب أن استحسان الله لعمل يديه راجع لدقة وتكامل ونقاوة عملية الخلق, ومن دراستنا لسفر التكوين الذي كتبه موسى النبي بالوحي الإلهي؛ نُدرك أن العالم الذي خُلق ساعتها يختلف عن عالمنا الآن كثيرا, فقد كان أبوينا الأولين (قبل السقوط) في حالة من البر والقداسة, لم يكن هناك أدني وجود للخطية أو التعدي أو الأفكار الشريرة, لم يكن هناك أمراضا أو أوبئة أو مجاعات, لم تكن الطبيعة الحيوانية بهذه الشراسة والإفتراس والعداوة مع الإنسان, بل كانت الحيوانات المفترسة تهاب الإنسان إذ قد شَعَرَتْ بفطرتها أن هذا الكائن له سلطان معطى من الخالق, ولهذا استطاع أبانا آدم ـ بسلطان ومعرفة ـ أن يُسمّي جميع الحيوانات التى خُلقت, كما يقول سفر التكوين:
"وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء, فاحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها, وكل ما دعا به أدم ذات نفس حية فهو اسمها, فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية" (سفر التكوين 2 : 19-20)
وأعطى للإنسان السلطان على كل الخليقة كممثل لله على الأرض:
"فخلق الله الإنسان على صورته, على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: إثمروا وإكثروا وإملأوا الأرض وإخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (سفر التكوين 1 : 27-28)
كانت الخليقة تحيا في حالة من السلام والوئام والتكامل والحب والبر والقداسة بما يتناسب مع منظومة من إبداع الله القدوس. ولكن العصيان الذي وقع فيه الإنسان حدث بحسد من الشيطان كما يقول سليمان الحكيم في سفر الحكمة:
"فإن الله خلق الانسان خالدا وصنعه على صُورة ذاته, لكن بحسد إبليس دَخَلَ الموت إلى العالم" (سفر الحكمة 2 : 23-24)
لم يستطع الشيطان كُلّي الظلمة أن يرى تبني الله للإنسان, حَسَدَ الإنسان على سعادته ومتعته في عالم من صنع الله المحب.
سقوط البشرية في العصيان ـ في شخص أبوينا الأولين ـ غَرَّبَ الخليقة عن طبيعة الله القدوس, والأرض أيضا أصابتها اللعنة, حيث يقول الله لآدم بعد السقوط :
سقوط البشرية في العصيان ـ في شخص أبوينا الأولين ـ غَرَّبَ الخليقة عن طبيعة الله القدوس, والأرض أيضا أصابتها اللعنة, حيث يقول الله لآدم بعد السقوط :
"وقال (الله) لآدم: لأنك سَمِعْتَ لقول إمرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاََ لا تأكل منها؛ ملعونة الأرض بسببك, بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك, وشوكا وحسكا تُنبت لك, وتأكل عشب الحقل, بعرق وجهك تأكل خبزا, حتى تعود إلى الأرض التي أُخِذتَ منها, لأنك تراب وإلى تراب تعود" (سفر التكوين 3 : 17-19)
يتضح من كل ما سبق أن طبيعة الله خيرة وقدوسة وبارة بشكل مطلق, وأي نوع من التشويش أو الشر أو الظلم هو من صنع الشيطان, ودخل إلى العالم بعصيان الإنسان, فأصبح العالم كما نرى: ظلم, كراهية, قتل, حروب, أوبئة, تعب, صراع, مجاعات, حسد... إلخ. ولذلك يقول سليمان الحكيم في سفر الجامعة:
"انظر. هذا وجدت فقط, أن الله صنع الإنسان مستقيما, أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة" (سفر الجامعة 7 :29)
- النظام.
لا شك أن الله هو أصل ومصدر كل نظام وترتيب في الكون, ولا إختلاف على أن النظام هو أمر خيّر ومريح, ويصنف إلى جانب الأمور الراقية والسامية في حياتنا, وعلى العكس فإن التشويش والعشوائية من السمات السيئة والغير محبوبة, وعند تأملنا المُدَقِق لعملية الخلق ولبعض الإكتشافات العلمية نلاحظ عدة نقاط جديرة بالذِكر:
-خَلَقَ الله العالم في ستة أيام غير شمسية , في الوقت الذي كان قادرا على القيام بعملية الخلق كاملة في زمن أقل من طرفة عين, ولكنه لتواضعه أعطانا مثالا للتريث والترتيب والتأني في أعمالنا.
-خَلقْ العالم تم بترتيب منطقي وبمراعاة كاملة لأولويات ومتطلبات الحياة, فتم خلق السماء والأرض أولا, ثم النور, ثم الغلاف الجوي, ثم تحديد اليابسة وخلق النباتات, ثم تنظيم عمل الأفلاك والكواكب والنجوم, ثم الطيور والأسماك, ثم الحيوانات والإنسان, من ملاحظتنا لما سبق نرى أن الله قبل خلق النبات أوجَدَ النور والماء والهواء والتربة اللازمين لحياته وبقائه, وقبل خلق الحيوان والإنسان أوجَدَ الماء والضوء والهواء والنبات اللازمين لحياتهم وغذائهم
-وضع الله قانون التكاثر حيث ينتج من بزر النبات نباتا مثله, ومن تكاثر الحيوان حيوانا مثله, ومن تكاثر الإنسان إنسانا مثله مشابه له في الصفات والسلوك وقادر على إكتساب المهارات الأساسية لحياته من والديه.
-وضع الله قانون التسلسل الغذائي حيث يتغذي النبات من التربة والماء والضوء, ويتغذى الحيوان على النبات والماء, وعند موت الحيوان يرجع إلى التربة في هيئة غذاء عضوي للنبات مرة أخرى وتستمر الدورة.
-عناصر الطبيعة المادية كالماء والهواء والمعادن وافرة جدا ولكنها محدودة, وعند إستعمالها تتم دورتها في الطبيعة وتعود مرة أخرى.
-الشمس مصدر الطاقة الرئيسي والوحيد للحياة, وهي مصدر دائم بدوام رغبة الخالق في إستمرار الحياة.
-الإنسان هو المخلوق الوحيد الناطق العاقل في الكون والذي له السيادة على الخليقة.
- الذرة هي وحدة بناء المادة وتتكون من نواة تدور حولها الإلكترونات في مدارات. والمجموعة الشمسية هي أكبر وحدة بنائية للكون وهي عبارة عن نجم تدور حوله الكواكب في مدارات, وبذلك تكون أكبر وحدة بنائية للكون مماثلة في الفكرة والتكوين النموذجي مع أصغر وحدة بنائية للمادة, وكأن القدير يضع بصمته في المادة المخلوقة كآية ودليل على وجوده.
-خَلَقَ الله العالم في ستة أيام غير شمسية , في الوقت الذي كان قادرا على القيام بعملية الخلق كاملة في زمن أقل من طرفة عين, ولكنه لتواضعه أعطانا مثالا للتريث والترتيب والتأني في أعمالنا.
-خَلقْ العالم تم بترتيب منطقي وبمراعاة كاملة لأولويات ومتطلبات الحياة, فتم خلق السماء والأرض أولا, ثم النور, ثم الغلاف الجوي, ثم تحديد اليابسة وخلق النباتات, ثم تنظيم عمل الأفلاك والكواكب والنجوم, ثم الطيور والأسماك, ثم الحيوانات والإنسان, من ملاحظتنا لما سبق نرى أن الله قبل خلق النبات أوجَدَ النور والماء والهواء والتربة اللازمين لحياته وبقائه, وقبل خلق الحيوان والإنسان أوجَدَ الماء والضوء والهواء والنبات اللازمين لحياتهم وغذائهم
-وضع الله قانون التكاثر حيث ينتج من بزر النبات نباتا مثله, ومن تكاثر الحيوان حيوانا مثله, ومن تكاثر الإنسان إنسانا مثله مشابه له في الصفات والسلوك وقادر على إكتساب المهارات الأساسية لحياته من والديه.
-وضع الله قانون التسلسل الغذائي حيث يتغذي النبات من التربة والماء والضوء, ويتغذى الحيوان على النبات والماء, وعند موت الحيوان يرجع إلى التربة في هيئة غذاء عضوي للنبات مرة أخرى وتستمر الدورة.
-عناصر الطبيعة المادية كالماء والهواء والمعادن وافرة جدا ولكنها محدودة, وعند إستعمالها تتم دورتها في الطبيعة وتعود مرة أخرى.
-الشمس مصدر الطاقة الرئيسي والوحيد للحياة, وهي مصدر دائم بدوام رغبة الخالق في إستمرار الحياة.
-الإنسان هو المخلوق الوحيد الناطق العاقل في الكون والذي له السيادة على الخليقة.
- الذرة هي وحدة بناء المادة وتتكون من نواة تدور حولها الإلكترونات في مدارات. والمجموعة الشمسية هي أكبر وحدة بنائية للكون وهي عبارة عن نجم تدور حوله الكواكب في مدارات, وبذلك تكون أكبر وحدة بنائية للكون مماثلة في الفكرة والتكوين النموذجي مع أصغر وحدة بنائية للمادة, وكأن القدير يضع بصمته في المادة المخلوقة كآية ودليل على وجوده.
خلية واحدة من أي كائن حي تحمل في داخل نواتها ما يسمي بالحمض النووي الريبوزي )Deoxyribonucleic acid - DNA), وهو عبارة عن شريط كيميائي بة شفرة أو ترتيب معين لمجموعة من القواعد النيتروجينية يمثل الشفرة المكونة لجميع تفاصيل وصفات وخصائص الكائن الحي المأخوذة منه.
-التزاوج في الكائنات الحية في معظم حالاته يتم فية المزج بين صفات الذكر والأنثى الموجودة في الشريط الوراثي (DNA) لكل منهما بشكل إنتقائي خاضع لقواعد علم الوراثة, لينتج عن التزاوج مخلوق من نفس الجنس, يجمع في صفاته الذاتية بين خليط من صفات الأب والأم, وبذلك يكون منتميا لهما مع إختلافه عنهما, مما يحافظ على الإنتماء الأسري من جهة, والتنوع الثري في صفات المخلوقات من جهة أخري, بحيث تخرج للطبيعة أفرادا جديدة من حيث الصفات مما يساهم في تجديد وتنوع الحياة.
-التزاوج في الكائنات الحية في معظم حالاته يتم فية المزج بين صفات الذكر والأنثى الموجودة في الشريط الوراثي (DNA) لكل منهما بشكل إنتقائي خاضع لقواعد علم الوراثة, لينتج عن التزاوج مخلوق من نفس الجنس, يجمع في صفاته الذاتية بين خليط من صفات الأب والأم, وبذلك يكون منتميا لهما مع إختلافه عنهما, مما يحافظ على الإنتماء الأسري من جهة, والتنوع الثري في صفات المخلوقات من جهة أخري, بحيث تخرج للطبيعة أفرادا جديدة من حيث الصفات مما يساهم في تجديد وتنوع الحياة.
الحمض النووي الريبوزيDeoxyribonucleic acid - DNA
-تحدث للمخلوقات طفرات في الصفات الوراثية تبعا للبيئة والظروف المعيشية التي تمر بها, ينتج عنها نوعا من التكيف مع الظروف غير الملائمة للمعيشة, فنجد أن الطيور مثلا تكون عظامها خفيفة الوزن ولديها ريش طويل مما يساعدها على الطيران, ونجد الحيوانات التي تحيا في بيئات باردة جدا تتميز بشعر غزير مما يكسبها الدفء, والحيوانات الجبلية لديها حوافر قوية تساعدها على العيش في الأراضي الصخرية, والجمل لديه خُف مفلطح يساعده في السير على الرمال الناعمة... إلخ.
هذه الملاحظات السريعة تعطينا إنطباعا أكيدا بأن الله تبارك اسمه قد صنع كل شيء وفق نظام وترتيب ولم يصنع شيئا عبثا أو بدون فائدة. وأن عملية الخلق كنموذج ملموس لعمل الله هي عملية في غاية الدقة والنظام لدرجة الإعجاز. ومن تأملنا فيها نستشف شيئا ما عن "أسلوب" الله في العمل الذي يتميز بالنظام والمنطق والدقة والحكمة والمراعاة. ولذلك يقول الكتاب المقدس:
"لأن الله ليس إله تشويش, بل إله سلام" (كورنثوس الأولى 14 : 33)
3. قدرة الله
قدرة الله مطلقة أيضا, فهو كخالق للكل قادر على كل شئ في كل مكان وزمان. من أبرز الألقاب التي تصف قدرة الله لقب (ضابط الكل), وباليونانية يقال (ὁ Παντοκρἀτωρ), هذا اللفظ (ينطق: بانطوكراطور) لم يرد صراحة بين دفتي الكتاب المقدس بل وضعته الكنيسة الجامعةفي مطلع قانون الإيمان النيقاوي الذي سَنّه مجمع نيقية سنة (325م) بحضور 318 أسقف أرثوذكسي من كل أنحاء العالم
ما أعظم أعمالك يا رب, كلها بحكمة صٌنِعت, ملآنة الأرض من غناك (مزمور 104 : 24)
تحدث الكثير من الأنبياء عن قدرة الله فمثلا قال عنه أيوب الصديق بعد أن اختبر قدرته :
"قد علمت أنك تستطيع كل شيء ولا يعسر عليك أمر" (أيوب 42 : 2)
وقال إرميا النبي مأخوذا ومنبهرا من قدرة الله :
"آه أيها السيد الرب ها أنك قد صنعت السماوات والأرض بقوتك العظيمة وبذراعك الممدودة لا يعسر عليك شيء" (إرميا 32 : 17)
ويقول أيضا:
"من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر" (مراثي إرميا 3 : 37)
داود النبي في المزمور 104 يتأمل أعمال الله العجيبة فيعترف قائلا:
"ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صُنعت, ملآنة الأرض من غِناك" (مزمور 104 : 24)
الله هو سيد الطبيعة الذي يقف خارج حدود الزمان يراقب بحنان خليقته المحبوبه..!
وهناك قصة قد وردت في العهد القديم إستخدم فيها الله عناصر كثيرة من الطبيعة ليحقق مقصد معين, وهي قصة يونان النبي المذكورة في سفر يونان, ففي بداية هروب النبي من أمام وجه الله نجد أن الله قد أمر الرياح بأن تثور, حتى إضطر البحارة إلى إلقاء يونان من السفينة ليهدأ البحر, وكيف أمر الله حوتا عظيما بأن يبتلع النبي بدون أن يأذيه, وكيف أعد الله شجرة يقطين لتظلل علي النبي بعد خروجه من بطن الحوت, ثم أمر الله الدود بضرب الشجرة حتي يبست ليعطي عظة للنبي!
وهنا نرى سلطان الله المطلق على الطبيعة (هياج البحر), وعلى الحيوان (الحوت العظيم), وعلى مملكة النبات (اليقطينة), وعلى الحشرات (الدود). حقا يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر.
وهناك قصة قد وردت في العهد القديم إستخدم فيها الله عناصر كثيرة من الطبيعة ليحقق مقصد معين, وهي قصة يونان النبي المذكورة في سفر يونان, ففي بداية هروب النبي من أمام وجه الله نجد أن الله قد أمر الرياح بأن تثور, حتى إضطر البحارة إلى إلقاء يونان من السفينة ليهدأ البحر, وكيف أمر الله حوتا عظيما بأن يبتلع النبي بدون أن يأذيه, وكيف أعد الله شجرة يقطين لتظلل علي النبي بعد خروجه من بطن الحوت, ثم أمر الله الدود بضرب الشجرة حتي يبست ليعطي عظة للنبي!
وهنا نرى سلطان الله المطلق على الطبيعة (هياج البحر), وعلى الحيوان (الحوت العظيم), وعلى مملكة النبات (اليقطينة), وعلى الحشرات (الدود). حقا يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر.
4. خاتمة.
حدث في إحدى أيام القرن الرابع الميلادي أنه كان هناك انسانا يسير على شاطئ البحر متأملا في الحياة والموت وبقية الأمور العويصة الفهم, وفي غمرة إعياءه الذهني وعلى مرمى بصره رأى طفلا صغيرا يحمل إناءا مملوءا من ماء البحر ويفرغه في حفرة صغيرة على الشاطئ الرملي, ويعاود الكَرّة عدة مرات بلا ملل, فوجه حديثه نحو الطفل متسائلا: لماذا تنقل كل هذه المياه في الحفرة؟ فرد الطفل في ثقة بريئة: أريد أن أفرغ ماء البحر كله في حفرتي! كان هذا الشخص المتأمل المتسائل هو القديس أوغسطينوس أسقف هيبو, وكان هذا درساََ إلاهِيّاََ موبخا للإنسان الذي يظن أنه يستطيع أن يدرك كل مكنونات حكمة الله الشاسعة داخل عقله المحدود! ولذلك يعلن القديس بولس الرسول قائلا:
"يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص, وطرقه عن الإستقصاء" (روميه 11 : 33)
ولذلك أقر أنني بكلمات قليلة وبأوصاف ركيكة وتعبرات وباهتة قد حاولت التحدث عن الله تبارك اسمه من منظور مسيحي, هذا الذي يقف أمامه الشاروبيم والسيرافيم في خجل وإستحياء. ولكن من عمق محبته الغامرة وحنانه الفائق؛ أعطانا نحن الممتلئين من كل ضعف أن نتحدث عنه, ونشبع منه, ونتطلع إلى نوره البهي, وننهل من فيض غنى صفاته غير المحدودة. له كل المجد والغنى والكرامة والشكر من الآن وإلى أبد الآبدين آمين.
Comment