سلام المسيح مع الجميع
وفي هذا الموضوع سندرس صفات اللَّه، كما اعلنها في الكتاب المقدس
ومن اهم صفاته تعالى
هي أن اللَّه روح يو 4: 24
غير محدود اي 37: 231 مل 8: 272 اخ 2: 6 الخ
سرمدي أزلي أبدي مز 90: 2تث 32: 39 ش 48: 12 الخ
غير متغير يع 1: 17عب 13: 8
عالم بكل شيء مز 7: 9مز 139: 2 الخ
ذو مشيئة ش 55: 8اش 55: 9مز 40: 8عب 10: 9لو 11: 2
قادر تك 48: 32 كو 6: 18رؤ 1: 8 الخ
قدوس لا 22: 2مز 33: 21مز 105: 3حز 36: 21 الخ
عادل تث 32: 4تث 4: 8مز 7: 11مز 11: 7صف 3: 5
صالح مز 25: 8مز 100: 5مز 135: 3مز 145: 9ار 33: 11
حق اش 30: 19يو 17: 31 يو 5: 20اش 65: 16 الخ
ذو سلطان مز 145: 13اي 25: 2مز 103: 22مت 28: 18 الخ
* لا يقدر مخلوق أن يعرِّف اللَّه كما هو، وإنما يمكننا أن نعرِّفه بما يميزه عن كل من سواه، كقولنا اللَّه روح غير محدود وكامل، منه وبه وله كل الأشياء. اللَّه روحٌ غير محدود في ذاته ومن ذاته، في وجوده ومجده وغبطته وكماله، كافٍ للكل، سرمدي (دائم) غير متغير وغير مُدرَك، حاضر في كل مكان، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، حكيم قدوس عادل رحيم رؤوف بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء. وهو غير متغير في وجوده وحكمته وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه.
(1) بأن نسبوا إليه كل فضيلة ظاهرة في أعماله، لأنه علة العلل.
(2) واعتقدوا أنه لا يدركه شيء من خلائقه بسبب نقصها وضعفها.
(3) ونسبوا إليه كل الفضائل المختصة بكائنٍ في غاية الكمال. وقسم بعضهم صفات اللَّه قسمين، وعبَّروا عنهما بالصفات الإيجابية، والسلبية. فالإيجابية ما نُسب إليه من الفضائل، كالقوة والمعرفة والقداسة والعدل والصلاح والحق. والسلبية ما بُنيت على نفي ما لا يليق بشأن اللَّه، كنفي أنه مركب من أجزاء، وأنه حادث أو متحيِّز (أي محدود في الزمان والمكان). وذلك بمعنى أنه جوهر بسيط أزلي سرمدي (غير محدود في الزمان) ومالئ الكون (غير محدود في المكان).
وقسم غيرهم صفات اللَّه باعتبار نوعها: إلى ذاتية وأخلاقية. فمن الصفات الذاتية أزليته وعلمه ومشيئته وقوته وعدم محدوديته، ومن الصفات الأخلاقية العدل والرحمة والقداسة والحق. وأما هذا التمييز (وإن كان صحيحاً في ذاته) فهو غير واضح باستعمال كلمتي «ذاتية وأخلاقية» لأن صفاته الأخلاقية هي ذاتية أيضاً. وقسم غيرهم صفات اللَّه إلى مشتركة وغير مشتركة. فالمشتركة هي ما وُجد مثلها في الطبيعة البشرية (وإن كانت محدودة فيها) مثل القوة والمعرفة والمشيئة والحق والصلاح. وغير المشتركة هي ما لا يوجد مثلها في البشر مطلقاً، كأزليته وعدم محدوديته وعدم تغيّره.
وقسمها غيرهم لحقيقيَّة، وهي ما اختصَّت بالجوهر الإلهي بلا تعلُّق بما هو خارجٌ عنه، ونسبية وهي ما تعلقت بما خرج عن الجوهر الإلهي. فالحقيقة تشتمل على ما يختص بروحانيته، كحياته وذاتيته، وعلى ما يتعلق بعدم محدوديته كوجوده بلا علة، وكوحدانيته وعدم تغيُّره، وعلى ما يتعلق بكماله المطلق كحقه ومحبته وقداسته. والنسبية تشتمل على ما يتعلق بالزمان والمكان، كسرمديته (أزليته وأبديته) وعدم تحيزه بمكان أو زمان، وعلى ما يتعلق بالخلق كالوجود في كل مكان والعلم بكل شيء، وعلى ما يتعلق بعلاقته بالأخلاقيات وبمعاملته الخلائق العاقلة كحقه وأمانته ورحمته وصلاحه وعدله وقداسته بالنظر لذلك التعلُّق.
أولاً- اللَّه روح
ثانياً- إنه غير محدود، سرمدي، غير متغير:
(1) في وجوده. (2) في حكمته أو علمه. (3) في قدرته وقداسته وعدله وصلاحه وحقه. فكل هذه الصفات الإلهية يجمعها اسم الجلالة العظيم.
اللَّه روح
8- بأي معنى استعمل العبرانيون واليونانيون كلمة «روح» وما هو أصل معناها عندهم؟
* من المبادئ الأصلية في تفسير الكتب، مقدسة كانت أو غير مقدسة، نسبة المعنى البسيط المفهوم في عصر مؤلفيها إلى ما فيها من الكلمات. فلنعرف معنى قول المسيح «إن اللَّه روح» يجب أن نعرف معنى كلمة روح عند العبرانيين واليونانيين، وهي أصلاً الريح الهابَّة، خاصة نسمة الحياة، ثم قوة غير منظورة، ثم نفس الإنسان. ويستلزم القول «إن اللَّه روح» أن كل ما هو جوهري للروح مما نعرفه بالشعور يجوز نسبته إلى اللَّه.
(1) إن النفس جوهر ذو وجود حقيقي وثبوت وقدرة. وإدراك النفس وميولها أدلة على وجود جوهر يفتكر ويريد. والقول بإمكان حدوث أفعال كهذه بلا أصـل يُحدثها كالقول بإمكان حركة بلا متحرك وهو خطأ.
(2) يشهد الشعور بأن للنفس وجوداً مستقلاً متميزاً عن سائر الموجودات.
(3) يشهد الشعور أيضاً أن للنفس قوى مثل قوة التأمل والحس والمشيئة، فكما نتيقن أننا نفتكر ونحس ونشاء، وأن لنا قوى كهذه، نتيقن أيضاً أن هذه القوى هي صفات جوهرية لكل روح.
(4) يحقق الشعور لنا بساطة تكوين النفس، فهي ليست مركبة من أجزاء مختلفة، بل هي جوهر بسيط لا يتجزأ.
(5) يشهد الشعور أن النفس ذات، لأن الشيء الذي يفتكر ويشعر ويقصد هو ذات.
(6) يشهد أيضاً بنسبة النفس للشريعة الأخلاقية.
(7) يشهد بأن للروح قوة الشعور بذاتها.
(1) سلبياً: أن اللَّه ليس مادة، ولا يجوز أن يُنسب إليه شيء من صفات المادة كالتحيُّز والتجزئة والتركيب والثقل والهيئة. وكذلك استحالة رؤية اللَّه أو لمسه أو معرفته بإحدى الحواس الجسدية. وأنه لا يقع تحت الشروط المختصة بوجود المواد. وأنه لا يجوز أن ننسب إليه أعضاء جسدية أو شهوات. فإذا نسبها إليه الوحي فإنما ينسبها إليه لتقريب معنىً معيَّن للبشر.
(2) إيجابياً: أن اللَّه كائن عاقل أخلاقي مختار مريد، أي ذو مشيئة، وأن له كل الصفات الذاتية.
(2) إنه جوهر بسيط غير مركب من أجزاء مختلفة، ولا يقبل التقسيم، ولا يُضاف إليه شيء، لأن غير المحدود يستحيل أن يُزاد عليه، وكذلك لا ينقص منه لأن واجب الكمال لا ينقصه شيء.
(3) إنه كائن أخلاقي، لأن من شأن كل كائن ذي عقل ومشيئة أن يكون تحت قانون الأخلاق، وهو قانون لنفسه في كل ما يختص بالشريعة الأخلاقية.
(2) كل ما نعرفه من شأن اللَّه، لأن طبيعته وصفاته المعلنة لنا تستلزم روحانيته من حيث أنه خالق العالم، عاقل مريد، وغير ذلك مما لا يمكن التسليم به إلا بناءً على أنه روح. ومن ذلك أيضاً كماله الذي يوجب أنه روح، لأنه لو كان مادة لكان غير كامل. وهكذا يقال في عدم محدوديته وتصرفاته وأعماله. وليس في الخليقة ما يدل على أنه مادة، على أن فيه كثيراً مما يدل على أنه روح.
اللَّه غير محدود
* معناه أنه غير محدود في ذاته وفضائله. وعدم محدوديته في ذاته يدل على وجوده في كل مكان في وقت واحد دائماً، ليس لأن روحه صار أرواحاً عديدة لأنه دائماً واحد، ولا لأن روحه متسع أو متمدد في كل مكان كالهواء الممتد على وجه كل الأرض، لأن روح اللَّه ليس مركباً أو مؤلفاً من أجزاء يمكن امتدادها. بل المعنى أن كل اللاهوت في جوهره الواحد غير قابل للانقسام، حاضر في كل مكان في كل دقيقة منذ الأزل وإلى الأبد. وإذا اعترض أن ذلك فوق العقل البشري، قلنا: نعم، وسببه أن العقل البشري المحدود عاجز عن إدراك اللَّه غير المحدود. أما عدم محدودية اللَّه في فضائله فيدل على أن فضائله كاملة لا يعتريها النقص أبداً.
فنجيب: إن الروح غير المحدود لا يلزم أن يعم كل الموجودات، لأن المادة لا تمنع ولا تحدِّد وجود الروح. ومن خواص الروح غير المحدود أنه لا يمنع وجود أرواح أخرى ولا وجود المواد، كما أن الصلاح غير المحدود لا يمنع وجود صلاح سواه، وكذلك القوة غير المحدودة. بل يمكن وجود روح غير محدود قي فضائله وفي ذاته مع وجود أرواح أخرى عديدة سواه، كما يمكن لعدة أشخاص أن يفتكروا أو يتأملوا أو يقصدوا أو يشعروا في مكان واحد في زمان واحد. ولابد من وجود اللَّه معهم روحياً، ولذلك نقول إن وجود اللَّه في مكان لا يمنع وجود كائنات أخرى روحية في ذلك المكان، لأن ما يصدق على الأصنام في هذا الشأن لا يصدق على الأرواح، لأن صفة الروح غير صفة المادة، بدليل أن لجئوناً من الشياطين سكنوا في إنسان واحد في وقت واحد. ويمتنع أن يُقال في شأن الروح غير المحدود إنه في مكان بمعنى أنه كالمتحيز بالنسبة إلى الحيز، فهو رب المكان ومنزَّه ومستقل عنه، ولا علاقة له به، لأنه قبل أن خلق المتحيزات لم يكن من داعٍ لوجود ما نسميه حيزأ أو مكاناً أو فضاءً. والخلاصة إن المكان أمر اعتباري، وإن اللَّه في كل مكان بلا حصر ولا إحاطة.
وما يشهد به الكتاب المقدس من جهة وجود اللَّه في كل مكان يصـدقه العقل البشري أيضاً، وهو نتيجة طبيعية لكمال صفات اللَّه.
اللَّه سرمدي (أزلي أبدي)
فنرى من هذه العبارات وأمثالها أن اللَّه بدون بداية ولا نهاية، كائن الآن وكان منذ الأزل ويكون إلى الأبد. والماضي والحاضر والمستقبل دائماً أمامه. ويتفق العقل والكتاب المقدس في ذلك، لأن العقل يحكم بوجوب علة العلل، ومتى وصل إليه التزم بالتسليم أنه واجب الوجود، وأن العلة التي ليس لها علة ينبغي أن تكون أزلية، لأن العلة الأصلية من الوجه الواحد ليست معلولة من علة غيرها، ومن الوجه الآخر غير قابلة للملاشاة، لأن ما ليس له بداية ليس له نهاية.
اللَّه غير متغيِّر
وأما الأدلة العقلية فهي أن اللَّه مستقل بنفسه، فكما أنه غير معلول بل هو علَّة كل المخلوقات، لا يغيره أحد، بل هو يغير الكل. وهو غير محدود في علمه وحكمته وبره وصلاحه وقوته، لأن غير المحدود لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فهو لا يقبل التغير. وهو غير محدود زماناً ومكاناً، سرمدي، ولذلك لا يطرأ التغيير على جوهره.
28- كيف توفق بين عدم تغير اللَّه وأعماله العظيمة التي عملها، مثل خلق العالم وتجسد المسيح؟
* لا يدل خَلْق العالم على تغير في جوهر اللَّه أو في مقاصـده، لأنه قصد منذ الأزل أن يقوم بعمل الخلق، وفي الوقت المعين تمم قصده. وفي خلقه العالم لم يأخذ شيئاً من ذاته بل خلقه من لا شيء، بمجرد أمره. والتجسد أيضاً يوافق قصد اللَّه منذ الأزل. ولا شك أن جوهر الابن الإلهي لم يتغير في الاتحاد بالطبيعة الإنسانية، بل دخل في علاقة جديدة بجنسنا البشري. وكل تغير في المسيح في حياته على الأرض كان خاصاً بناسوته فقط.
وما سبق أن درسناه من عدم محدودية اللَّه، وسرمديته (لا بداية له ولا نهاية) وعدم تغيُّره يصدق على طبيعة اللَّه كما يصدق على مقاصده وصفاته، فهو في ذاته وكل كمالاته بلا حد ولا تغير منذ الأزل وإلى الأبد.
اللَّه عالِمٌ بكل شيء
والرد على ذلك: أنه يجب علينا أن نتبع تعليم الكتاب المقدس في كل ما نعتقده من جهة طبيعة اللَّه، لا أهواءنا وتصوراتنا الفلسفية. ويعلمنا الكتاب أن اللَّه يعلم التفصيلات والكليات «ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا» (عب4: 13). «الظلمة أيضاً لا تظلم لديك، والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور» (مز 139: 12 وانظر أيضاً مز 94: 9 و139: 1، 2 و147: 5 وأم 15: 3، 11 وحز 11: 5 وأع 15: 18 ومت 10: 30). وتبيِّن هذه الآيات أن علم اللَّه يشمل كل شيء، وأن العلم أيضاً ذاتي فيه، وهو لا يحتاج إلى نظرٍ واكتساب، وأنه غير متغير أي لا يزيد ولا ينقص، وأنه يعلم كل الأشياء كما هي.
وعلم اللَّه غير المحدود ينتج من أنه صاحب الكمال المطلق، فإن الكامل لا يخفى عنه شيء، ولا يمكن أن يزيد علماً، وإلا لم يكن كاملاً قبل ذلك. ولا يمكن أن ينقص علماً وإلا فلا يكون كاملاً بعد ذلك. وينتج أيضاً علم اللَّه غير المحدود من حضوره في كل مكان، لأن من يملأ السماوات والأرض، ويرى كل الحوادث. ولولا وجود اللَّه في كل مكان وعلمه بكل شيء لكانت صلواتنا وعبادتنا له بلا قيمة، فإننا نصلي لإلهٍ نثق أنه يعلم أحوالنا وحاجتنا ويسمع تضرعاتنا، وأنه يدين العالم أخيراً بالعدل. ولو لم يكن علم اللَّه شاملاً لامتنع ذلك عليه.
(1) علمه ذاتي، لا مُكتسب ولا محصَّلٌ بالبحث والتفتيش.
(2) علمه مستقل لا يتوقف على المخلوقات ولا على أعمالها، لأن اللَّه يعلم منذ الأزل كل ما سيحدث.
(3) علمه يشمل كل الأمور في وقت واحد، فهو لم يعلم كل الحوادث والأشياء على التتابع، بل كانت جميعها في ذهنه منذ الأزل، سواء كانت نسبة بعضها إلى بعض نسبة التتابع أو نسبة العلة إلى المعلول.
(4) علمه كلي يحيط بصفات الأشياء وجوهرها، فلا يقتصر على الأشياء الخارجية من الصفات والظواهر كعلم الإنسان.
(5) علمه غير محدود وغير مقيد، فهو يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، ويرى كل شي، معاً، خلافاً للإنسان الذي يعرف الحاضر معرفة غير كاملة، ويعرف الماضي معرفة أقل، ولا يعرف المستقبل مطلقاً.
(1) علم اللَّه ذاته أنه السرمدي، وذو الصفات الكاملة غير المحدودة.
(2) علمه الشامل بكل ما يمكن أن يحدث، سواء حدث أم لم يحدث أم لن يحدث، فعلمه ليس محدوداً بما صار أو سيصير فعلاً، بل يشمل كل ما يمكن أن يصير.
(3) علمه السابق منذ الأزل بكل ما يحدث بالفعل.
(1) أقوال الكتاب المقدس (قارن 1صم 23: 11، 12 وإش 46: 9، 10 وأع 2: 23 و15: 18).
(2) النبوات التي توقف إتمامها على حوادث أخرى وقد تمت بالفعل (مر 14: 30).
(3) كمال اللَّه وعدم محدوديته في صفاته يستلزمان أن معرفته تشمل كل الحوادث وأسبابها.
وقد أنكر البعض علم اللَّه السابق، وهم السوسينيون وقسم من الأرمنيين (انظر ما قيل فيهما فصـل 7 س 10، 11) بحجة أن علم اللَّه السابق يناقض اختيار الإنسان الأخلاقي. ولكن مبدأهم هذا خاطئ لإمكان حدوث أمر سبق القضاء به، مع بقاء فاعله مخيَّراً، بدليل قداسة أفعال المسيح وهو فاعل مخيّر، وقداسة القديسين في السماء مع أنهم فعلةٌ مخيَّرون (مز 139: 2 وإش 41: 21-23 و44: 28 ومت 11: 21 وأع 2: 32).
(1) لما كان علم اللَّه السابق لكل ما يحدث مؤكداً، وكذلك حرية اختيار الإنسان الكاملة، وجب أن نسلم بهما، حتى لو عجزنا عن التوفيق بينهما.
(2) التأكيد السابق في علم اللَّه من جهة أفعال الفاعل الحر لا ينزع ضرورة حريته، ما لم يكن مضطراً أن يفعل على خلاف إرادته، وذلك للفرق بين الاضطرار والاختيار.
(3) علم اللَّه السابق لأعمال الناس الاختيارية من خواص اللاهوت، وهو إما نتيجة معرفة كل الأسباب أو المحركات التي تنشئها مع اختيار العامل، وإما أنه علم بديهي في اللَّه يفوق اختيار البشر. والخلاصة أنه مهما كان التوضيح صعباً، فلا بد من سبق معرفة اللَّه لأعمال البشر المخيرين، فليس عند اللَّه أمر مُبهم أو خفي وغير محقق لسبب من الأسباب. وعلمه لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم بعضه على بعض. وبهذا يميز سابق العلم، فعلمه واحدٌ أبداً، لأن كل الأشياء معلومة لديه معاً تمام العلم منذ الأزل وإلى الأبد.
اللَّه ذو مشيئة
وتتميز أيضاً مشيئة اللَّه السرية (التي هي مقاصده المكتومة عنده) عن مشيئته المعلَنة (التي هي أوامره وما أظهره من مقاصده لخلائقه).
وقال البعض إن مقاصد اللَّه مقيدة أيضاً، فإنه يقصد خلاص الإنسان إذا آمن. ولذلك يتوقف قصده على إيمان الشخص، وقد ترك اللَّه إيمان الإنسان بلا قضاء. ولكن هذا القول لا يليق بشأن اللَّه، لأنه يجعل إتمام مقاصده الإلهية متوقفاً على أفعال الناس التي لم يتحقق حدوثها! وسيأتي الكلام على هذا في البحث عن قضاء اللَّه (فصل 16). ويكفي أن يقال إن كلمة «مشيئة» تُستعمل في الكتاب المقدس بمعنيين: (أ) ما يريده اللَّه (ب) ما يقصده. فمتى قيل إن اللَّه يشاء أن كل الناس يخلصون، فليس المعنى أنه قضى بخلاص الجميع، بل أنه يرغب في ذلك. فلأنه شفوق يشاء خلاص الجميع، ولأنه عادل لا يشاء خلاص غير التائب.
اللَّه قادر
فنجيب: لاشك أن اللَّه قادر على ما هو مستحيل على قدرة البشر أو الملائكة، ولكن لا يلزم عن ذلك أنه يقدر على عمل ما هو مستحيل له، فلا بد أن نأخذ ذات اللَّه في الاعتبار، فلا يحد القوة الإلهية شيء، ولكنه لا يفعل ما يخالف طبيعته الصالحة، ولا يحد صلاحه غير المحدود شيء، لكنه لا يقدر أن يفعل الحرام. فالذي ينسب للَّه القدرة على عمل الشر يهينه ولا يرفع شأنه. وقولنا إن قدرة اللَّه غير محدودة لأنه يقدر أن يفعل كل ما يشاء لا يستلزم أنه يشاء عمل الشر، أو أن مشيئته تخالف طبيعته الأخلاقية. ولا يحط من شأن قدرته إذا كانت محدودة بالكمال الأخلاقي.
اللَّه قدوس
وقد تُطلق القداسة على مجده الأخلاقي كما هو ظاهر في جميع صفاته الكاملة (مز 22: 3 و98: 1 وإش 6: 3 ورؤ 4: 8).
وبناءً على ذلك نقول إن المقصود بقداسة اللَّه كمالاته الأخلاقية وطهارته وخلوه التام من كل نقص أخلاقي. «ليس قدوس مثل الرب» (1صم 2:2) أي ليس أحد طاهراً بالتمام وغير محدود في كماله الأخلاقي إلا اللَّه. وكثيراً ما سُمي اللَّه «قدوساً» ووُصف بالقداسة، فقيل «علّوا الرب إلهنا واسجدوا في جبل قدسه، لأن الرب إلهنا قدوس» (مز 99: 9). «من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك وحدك قدوس» (رؤ 15: 4). وقداسة اللَّه غير المحدودة هي الصفة التي يُبنى عليها إكرامه بنوع يفوق ما يُبنى ذلك الإكرام على قدرته وعلمه، حتى أن كلمة «قدوس» تُستعمل أحياناً بمعنى صاحب الكرامة. والملائكة الذين يهتفون نهاراً وليلاً قائلين: «قدوس قدوس قدوس رب الجنود» يعبِّرون بذلك عن إحساسات كل خلائق اللَّه العاقلة غير الساقطة، وينظرون إلى كمال طهارته. وهو نار آكلة لأنه قدوس، ولما تأمل النبي في قداسته قال: «ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود» (إش 6: 5).
يتبع
وفي هذا الموضوع سندرس صفات اللَّه، كما اعلنها في الكتاب المقدس
ومن اهم صفاته تعالى
هي أن اللَّه روح يو 4: 24
غير محدود اي 37: 231 مل 8: 272 اخ 2: 6 الخ
سرمدي أزلي أبدي مز 90: 2تث 32: 39 ش 48: 12 الخ
غير متغير يع 1: 17عب 13: 8
عالم بكل شيء مز 7: 9مز 139: 2 الخ
ذو مشيئة ش 55: 8اش 55: 9مز 40: 8عب 10: 9لو 11: 2
قادر تك 48: 32 كو 6: 18رؤ 1: 8 الخ
قدوس لا 22: 2مز 33: 21مز 105: 3حز 36: 21 الخ
عادل تث 32: 4تث 4: 8مز 7: 11مز 11: 7صف 3: 5
صالح مز 25: 8مز 100: 5مز 135: 3مز 145: 9ار 33: 11
حق اش 30: 19يو 17: 31 يو 5: 20اش 65: 16 الخ
ذو سلطان مز 145: 13اي 25: 2مز 103: 22مت 28: 18 الخ
1 - من هو اللَّه؟
* لا يقدر مخلوق أن يعرِّف اللَّه كما هو، وإنما يمكننا أن نعرِّفه بما يميزه عن كل من سواه، كقولنا اللَّه روح غير محدود وكامل، منه وبه وله كل الأشياء. اللَّه روحٌ غير محدود في ذاته ومن ذاته، في وجوده ومجده وغبطته وكماله، كافٍ للكل، سرمدي (دائم) غير متغير وغير مُدرَك، حاضر في كل مكان، قادر على كل شيء، عالم بكل شيء، حكيم قدوس عادل رحيم رؤوف بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء. وهو غير متغير في وجوده وحكمته وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه.
2- كيف يتكلم الكتاب في اللَّه؟
* يتكلم كثيراً في اللَّه باستعمال كنايات وتشبيهات واستعارات مأخوذة من لغة البشر في ما يخص طبيعة الإنسان وأعماله كقوله: «وجه اللَّه» و«عين اللَّه» كما ينسب إلى اللَّه الندامة والحزن والغيرة وما أشبهها.3- بأي معنى ننسب الوجود إلى اللَّه؟
* عندما نقول إن اللَّه أكمل الكائنات ننسب إليه الوجود الحقيقي تمييزاً عن الوهمي، وعن اعتباره بمنزلة قوة مجردة عن الذات. ونحن ندرك وجودنا بالمشاعر، التي نتبادلها مع الآخرين ولا تراها عيوننا، ولكننا نحس بوجودها، ويمكننا أن نعبِّر عنها أو نخفيها، وهذا يعني علم النفس بذاتها وأفعالها، فننسب إلى ذواتنا أفكاراً وأشواقاً ومقاصد، وهذا يُلزمنا أن نتأكد من وجود جوهر تصدر عنه هذه الأفكار والأشواق، فيعلم الإنسان وجوده لأنه يفتكر ويحس لامتناع الإدراك بلا مُدرِك، كامتناع الحركة بدون متحرِّك. واللَّه واجب الوجود، وهو سرمدي غير متغير، مركز فضائل الرحمة، ومصدر الأفعال الإلهية. غير أن بسط الكلام في هذا الجوهر متعذر لعدم إدراكنا الجوهر مجرداً عن صفاته. وفي شرح الجوهر الإلهي نصل إلى أقصى ما ندركه بقولنا إنه روح، فإذاً هو منزَّه عن كل ما تتصف به المادة. وهو في ذاته وفي صفاته غير محدود، سرمدي غير متغير. ووجود جوهر إلهي غير محدود سرمدي غير متغير يستلزم أنه كان قبل وجود العالم، وأن لجوهر اللاهوت وجوداً غير متعلق بوجود المخلوقات.4- ماذا يُراد بقولنا صفات اللَّه؟
* للجوهر الإلهي غير المحدود السرمدي غير المتغير صفات خاصة به مُعلَنة في الطبيعة والكتاب المقدس. ومعرفته بدون تلك الصفات والفضائل الإلهية مستحيل، لأنها ضرورية لطبيعة اللاهوت، فبدونها لا يكون «اللَّه». وهذه الصفات لا يمكن انفصالها عن جوهر اللاهوت، وهي ظاهرة في الكتاب المقدس وفي أعمال اللَّه وعنايته، خاصة في عمل الفداء. فإذا قلنا «معرفة اللَّه» نعني أن جوهر اللاهوت عارف بكل أمرٍ، وإذا قلنا «محبة اللَّه» نعني أن جوهر اللاهوت محب. فصفات اللَّه هي أزلية سرمدية غير متغيرة كاللَّه ذاته.5- ما هي المحاذير في بيان العلاقة بين صفات اللَّه وجوهره؟
* يجب أن نحذر من إظهار العلاقة بين صفات اللَّه وجوهره وبين علاقة صفاته بعضها ببعض من خطأين: هما التعبير عن اللَّه كأنه مركب من أجزاء مختلفة، وجَعْل كل الصفات صفة واحدة.6- كيف نعرف صفات اللاهوت، وكيف تُقسَّم صفاته؟
* قسم البعض صفات اللَّه إلى ثلاثة أقسام ترجع إلى الطريق التي حصـلوا بها على تلك المعرفة: (1) بأن نسبوا إليه كل فضيلة ظاهرة في أعماله، لأنه علة العلل.
(2) واعتقدوا أنه لا يدركه شيء من خلائقه بسبب نقصها وضعفها.
(3) ونسبوا إليه كل الفضائل المختصة بكائنٍ في غاية الكمال. وقسم بعضهم صفات اللَّه قسمين، وعبَّروا عنهما بالصفات الإيجابية، والسلبية. فالإيجابية ما نُسب إليه من الفضائل، كالقوة والمعرفة والقداسة والعدل والصلاح والحق. والسلبية ما بُنيت على نفي ما لا يليق بشأن اللَّه، كنفي أنه مركب من أجزاء، وأنه حادث أو متحيِّز (أي محدود في الزمان والمكان). وذلك بمعنى أنه جوهر بسيط أزلي سرمدي (غير محدود في الزمان) ومالئ الكون (غير محدود في المكان).
وقسم غيرهم صفات اللَّه باعتبار نوعها: إلى ذاتية وأخلاقية. فمن الصفات الذاتية أزليته وعلمه ومشيئته وقوته وعدم محدوديته، ومن الصفات الأخلاقية العدل والرحمة والقداسة والحق. وأما هذا التمييز (وإن كان صحيحاً في ذاته) فهو غير واضح باستعمال كلمتي «ذاتية وأخلاقية» لأن صفاته الأخلاقية هي ذاتية أيضاً. وقسم غيرهم صفات اللَّه إلى مشتركة وغير مشتركة. فالمشتركة هي ما وُجد مثلها في الطبيعة البشرية (وإن كانت محدودة فيها) مثل القوة والمعرفة والمشيئة والحق والصلاح. وغير المشتركة هي ما لا يوجد مثلها في البشر مطلقاً، كأزليته وعدم محدوديته وعدم تغيّره.
وقسمها غيرهم لحقيقيَّة، وهي ما اختصَّت بالجوهر الإلهي بلا تعلُّق بما هو خارجٌ عنه، ونسبية وهي ما تعلقت بما خرج عن الجوهر الإلهي. فالحقيقة تشتمل على ما يختص بروحانيته، كحياته وذاتيته، وعلى ما يتعلق بعدم محدوديته كوجوده بلا علة، وكوحدانيته وعدم تغيُّره، وعلى ما يتعلق بكماله المطلق كحقه ومحبته وقداسته. والنسبية تشتمل على ما يتعلق بالزمان والمكان، كسرمديته (أزليته وأبديته) وعدم تحيزه بمكان أو زمان، وعلى ما يتعلق بالخلق كالوجود في كل مكان والعلم بكل شيء، وعلى ما يتعلق بعلاقته بالأخلاقيات وبمعاملته الخلائق العاقلة كحقه وأمانته ورحمته وصلاحه وعدله وقداسته بالنظر لذلك التعلُّق.
7- ما هو التقسيم الذي اخترناه في هذا الكتاب؟
* اخترنا أن نتبع التقسيم الذي يتضمن:أولاً- اللَّه روح
ثانياً- إنه غير محدود، سرمدي، غير متغير:
(1) في وجوده. (2) في حكمته أو علمه. (3) في قدرته وقداسته وعدله وصلاحه وحقه. فكل هذه الصفات الإلهية يجمعها اسم الجلالة العظيم.
اللَّه روح
8- بأي معنى استعمل العبرانيون واليونانيون كلمة «روح» وما هو أصل معناها عندهم؟
* من المبادئ الأصلية في تفسير الكتب، مقدسة كانت أو غير مقدسة، نسبة المعنى البسيط المفهوم في عصر مؤلفيها إلى ما فيها من الكلمات. فلنعرف معنى قول المسيح «إن اللَّه روح» يجب أن نعرف معنى كلمة روح عند العبرانيين واليونانيين، وهي أصلاً الريح الهابَّة، خاصة نسمة الحياة، ثم قوة غير منظورة، ثم نفس الإنسان. ويستلزم القول «إن اللَّه روح» أن كل ما هو جوهري للروح مما نعرفه بالشعور يجوز نسبته إلى اللَّه.
9- ما هي القضايا التي يعلمنا إياها الشعور من جهة أرواحنا أي أنفسنا؟
* نتعلم عن الشعور من حقيقة أنفسنا وقواها ما يأتي:(1) إن النفس جوهر ذو وجود حقيقي وثبوت وقدرة. وإدراك النفس وميولها أدلة على وجود جوهر يفتكر ويريد. والقول بإمكان حدوث أفعال كهذه بلا أصـل يُحدثها كالقول بإمكان حركة بلا متحرك وهو خطأ.
(2) يشهد الشعور بأن للنفس وجوداً مستقلاً متميزاً عن سائر الموجودات.
(3) يشهد الشعور أيضاً أن للنفس قوى مثل قوة التأمل والحس والمشيئة، فكما نتيقن أننا نفتكر ونحس ونشاء، وأن لنا قوى كهذه، نتيقن أيضاً أن هذه القوى هي صفات جوهرية لكل روح.
(4) يحقق الشعور لنا بساطة تكوين النفس، فهي ليست مركبة من أجزاء مختلفة، بل هي جوهر بسيط لا يتجزأ.
(5) يشهد الشعور أن النفس ذات، لأن الشيء الذي يفتكر ويشعر ويقصد هو ذات.
(6) يشهد أيضاً بنسبة النفس للشريعة الأخلاقية.
(7) يشهد بأن للروح قوة الشعور بذاتها.
10- ماذا يتبين من كل ما تقدم؟
* يتضمن القول إن «اللَّه روح» معنى مفيداً لأنه يعلمنا:(1) سلبياً: أن اللَّه ليس مادة، ولا يجوز أن يُنسب إليه شيء من صفات المادة كالتحيُّز والتجزئة والتركيب والثقل والهيئة. وكذلك استحالة رؤية اللَّه أو لمسه أو معرفته بإحدى الحواس الجسدية. وأنه لا يقع تحت الشروط المختصة بوجود المواد. وأنه لا يجوز أن ننسب إليه أعضاء جسدية أو شهوات. فإذا نسبها إليه الوحي فإنما ينسبها إليه لتقريب معنىً معيَّن للبشر.
(2) إيجابياً: أن اللَّه كائن عاقل أخلاقي مختار مريد، أي ذو مشيئة، وأن له كل الصفات الذاتية.
11- ماذا نتعلم من روحانية اللَّه؟
* (1) إن اللَّه ذات، يشعر بوجوده، وله عقل ومشيئة.(2) إنه جوهر بسيط غير مركب من أجزاء مختلفة، ولا يقبل التقسيم، ولا يُضاف إليه شيء، لأن غير المحدود يستحيل أن يُزاد عليه، وكذلك لا ينقص منه لأن واجب الكمال لا ينقصه شيء.
(3) إنه كائن أخلاقي، لأن من شأن كل كائن ذي عقل ومشيئة أن يكون تحت قانون الأخلاق، وهو قانون لنفسه في كل ما يختص بالشريعة الأخلاقية.
12- لماذا لا يجوز القول إن اللَّه مثل البشر، مؤلَّف من الروح والمادة معاً؟
* لأنه لو كان هذا صحيحاً يكون اللَّه من الكائنات المركبة. والمركب لا يكون أزلياً ولا غير متغير بل محدوداً (لاستحالة وجود المادة في كل مكان في وقت واحد) ومُدرَكاً بالحواس. والحق أنه لا يقدر أحد أن يرى جوهر اللَّه ولا يلمسه ولا يسمعه بالحواس.13- ما هي الأدلة على روحانية اللَّه؟
* (1) من الكتاب المقدس الذي ينسب إلى اللَّه صفات الروح المذكورة آنفاً، وعلى ذلك بُني تقديم العبادة والصلاة والدعاء إليه والثقة به بأنه الحافظ والمنعم والفادي. فنرى في الكتاب دائماً ما يدل على أن اللَّه ذات لأنه تكلم مع آدم ونوح، وعقد عهداً مع إبراهيم، وخاطب موسى كما يخاطب الإنسان صاحبه. وفي تعبيره عن ذاته استعمل الضمائر، فقال «أنا الرب». وعلمنا المسيح في الصلاة الربانية أن نستعمل ألفاظاً تدل على وجود صفات الروح في اللَّه. وفي أماكن مختلفة في الكتاب سُمي جوهر اللاهوت روحاً (يو 4: 24). وعلمنا الكتاب أن جوهر اللاهوت فوق إدراك الحواس الجسدية (كو 1: 15 و1تي 1: 17 وعب 11: 27). ومن العبارات التي تدل على روحانيته ما جاء في تث 4: 15-18 ومز 139: 7 ويو 4: 24 و2كو 3: 17).(2) كل ما نعرفه من شأن اللَّه، لأن طبيعته وصفاته المعلنة لنا تستلزم روحانيته من حيث أنه خالق العالم، عاقل مريد، وغير ذلك مما لا يمكن التسليم به إلا بناءً على أنه روح. ومن ذلك أيضاً كماله الذي يوجب أنه روح، لأنه لو كان مادة لكان غير كامل. وهكذا يقال في عدم محدوديته وتصرفاته وأعماله. وليس في الخليقة ما يدل على أنه مادة، على أن فيه كثيراً مما يدل على أنه روح.
اللَّه غير محدود
14- ما معنى قولنا «اللَّه غير محدود»؟
* معناه أنه غير محدود في ذاته وفضائله. وعدم محدوديته في ذاته يدل على وجوده في كل مكان في وقت واحد دائماً، ليس لأن روحه صار أرواحاً عديدة لأنه دائماً واحد، ولا لأن روحه متسع أو متمدد في كل مكان كالهواء الممتد على وجه كل الأرض، لأن روح اللَّه ليس مركباً أو مؤلفاً من أجزاء يمكن امتدادها. بل المعنى أن كل اللاهوت في جوهره الواحد غير قابل للانقسام، حاضر في كل مكان في كل دقيقة منذ الأزل وإلى الأبد. وإذا اعترض أن ذلك فوق العقل البشري، قلنا: نعم، وسببه أن العقل البشري المحدود عاجز عن إدراك اللَّه غير المحدود. أما عدم محدودية اللَّه في فضائله فيدل على أن فضائله كاملة لا يعتريها النقص أبداً.
15- ما هو اعتراض البعض على عدم محدودية اللَّه، وما هو الرد عليهم؟
* قالوا إن الجسم غير المحدود ينبغي أن يعم كل ما سواه من الأجسام، وإن المكان غير المحدود يجب أن يعم كل الأماكن، وإن الزمان غير المحدود ينبغي أن يتضمن كل الأزمنة. وهكذا الكائن غير المحدود ينبغي أن يعم ويتضمن في نفسه كل الكائنات، سواء وُجدت أم كانت مما يحتمل وجوده. ولذلك أنكروا عدم محدودية اللَّه.فنجيب: إن الروح غير المحدود لا يلزم أن يعم كل الموجودات، لأن المادة لا تمنع ولا تحدِّد وجود الروح. ومن خواص الروح غير المحدود أنه لا يمنع وجود أرواح أخرى ولا وجود المواد، كما أن الصلاح غير المحدود لا يمنع وجود صلاح سواه، وكذلك القوة غير المحدودة. بل يمكن وجود روح غير محدود قي فضائله وفي ذاته مع وجود أرواح أخرى عديدة سواه، كما يمكن لعدة أشخاص أن يفتكروا أو يتأملوا أو يقصدوا أو يشعروا في مكان واحد في زمان واحد. ولابد من وجود اللَّه معهم روحياً، ولذلك نقول إن وجود اللَّه في مكان لا يمنع وجود كائنات أخرى روحية في ذلك المكان، لأن ما يصدق على الأصنام في هذا الشأن لا يصدق على الأرواح، لأن صفة الروح غير صفة المادة، بدليل أن لجئوناً من الشياطين سكنوا في إنسان واحد في وقت واحد. ويمتنع أن يُقال في شأن الروح غير المحدود إنه في مكان بمعنى أنه كالمتحيز بالنسبة إلى الحيز، فهو رب المكان ومنزَّه ومستقل عنه، ولا علاقة له به، لأنه قبل أن خلق المتحيزات لم يكن من داعٍ لوجود ما نسميه حيزأ أو مكاناً أو فضاءً. والخلاصة إن المكان أمر اعتباري، وإن اللَّه في كل مكان بلا حصر ولا إحاطة.
16- كيف تُقسم عدم محدودية اللَّه باعتبار المكان عند اللاهوتيين؟
* تُقسم إلى وجوده في كل ما نسميه مكاناً، ووجوده في كل خلائقه. فالأول يشير إلى علاقته بالمكان المطلق غير المحدود. والثاني يشير لعلاقته بخلائقه العاقلة. فالوجود في كل مكان ينسب إليه بالنظر لطبيعته الإلهية، والوجود مع كل خلائقه يُنسب إليه باعتبار علاقته بالمخلوقات العاقلة، لأنه موجود مع كل خلائقه في كل زمان ومكان بجوهره التام لا بمجرد صفاته فقط كعلمه وقوته، وإلا كان جوهره محدوداً. فتعليم البعض أن اللَّه موجود بجوهره في السماء فقط، وفي بقية الأماكن بمجرد صفاته يناقض كمال اللاهوت والتعليم الإلهي.17- ما معنى حضور اللَّه الخاص وحضوره العام، أي أنه في كل مكان في وقتٍ واحد، وفي كل الأوقات؟
* يراد بحضور اللَّه الخاص حضوره جوهراً وعلماً، إما بإظهار ذاته إظهاراً خاصاً لأحد خلائقه العاقلة، أو بإجراء قوته في أعمال خاصة. والمقصود بحضوره العام (أي أنه في كل مكان في وقتٍ واحد وفي كل الأوقات) هو أن الجوهر الإلهي موجود دائماً أبداً في كل ما نسميه مكاناً. أما من جهة حضوره باعتبار إظهار ذاته إظهاراً خاصاً، أو إجراء قوته بعمل خاص، فذلك يختلف زماناً ومكاناً، لأنه يُظهِر قوة عجيبة في زمانٍ ومكانٍ لا يُظهرها في غيرهما. وهو بهذا المعنى يحضر في كنيسته دون العالم، ويحضر في مكان معلوم لعقاب الشياطين والأشرار بأسلوب يختلف عن حضوره في السماء حيث يُظهر محبته ومجده. فإن قيل إن الكتاب المقدس يتكلم عن اللَّه كأنه حاضر في أماكن دون غيرها مثل الهيكل، أو قلب المؤمن، قلنا إن هذا لا يناقض وجوده في كل مكان دائماً باعتبار جوهره، لأن الكتاب يقصد حضوره الخاص في أماكن مختلفة ليُجري قوته وعمله ومجده لا بمجرد جوهره.18- كيف يختلف حضور اللَّه في كل مكان عن حضور المواد والأرواح؟
* حضور المواد يعني أنها تشمل مقداراً محدوداً من الفراغ، وحضور الأرواح المخلوقة يعني أنها توجد في وقت مفروض في محل معلوم ولا تكون في غيره ولا تشغله، كالمادة. وحضور اللَّه في كل مكان يعني حضوره العام في الكون حتى لا يوجد مكان لا يكون فيه في كل زمان بجوهره غير المتجزئ. ولا نعني بذلك أن يمتد أو يتسع ليملأ كل مكان، بل أنه يملأ كل مكان بدون تغيير في جوهره، لأن قبول الامتداد يلزم عنه قبول التجزيء، والقول إن جزءاً من اللَّه في مكان وجزءاً آخر في مكان آخر باطلٌ لا يصح في اللَّه الذي يملأ الكون بوجوده.19- ما هي الأدلة التي تثبت أن اللَّه موجود في كل مكان؟
* الدليل العظيم لهذا هو عبارات الكتاب المقدس التي تبين وجوده في كل مكان، فهو «الذي يملأ الكل في الكل» (أف1: 23). واللَّه يسأل «ألعلي إلهٌ من قريب، يقول الرب، ولست إلهاً من بعيد؟ إذا اختبأ إنسان في أماكن مستترة، أفما أراه أنا يقول الرب؟ أَمَا أملأ أنا السماوات والأرض يقول الرب!» (إر 23: 23، 24). ويقول المرنم «أين أذهب من روحك، ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدتُ إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشتُ في الهاوية فها أنت. إن أخذتُ جناحي الصبح وسكنتُ في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني» (مز 139: 8-12 انظر 1مل 8: 27 وإش 66: 1).وما يشهد به الكتاب المقدس من جهة وجود اللَّه في كل مكان يصـدقه العقل البشري أيضاً، وهو نتيجة طبيعية لكمال صفات اللَّه.
20- ما هي خلاصة تعليم الكتاب في اللَّه وعلاقته بالمخلوقات؟
* خلاصة تعليمه أن اللَّه روح غير منظور، ساكن في نور لا يقدر أحد أن يدنو منه، كلي الجلال والمجد، خالق كل الأشياء وحافظها ومعتنٍ بها. وبحضوره في كل مكان يحيي وينظم ويؤثر في نمو أصغر النبات كما في قيادة نجوم السماء في دورانها، داعياً كلها بأسماء. وفعله ظاهر أيضاً في نفس الإنسان إذ يهبها عقلاً ويعمل فيها لتريد وتعمل، لأن قلب الإنسان في يديه كجداول مياه حيثما شاء يُميله (أم21: 1). وهو يرتب الأمور ويدبرها بعنايته لإتمام مقاصده الحكيمة، وهو يحيط بنا دائماً ونحن محفوظون به.اللَّه سرمدي (أزلي أبدي)
21- ما هو الزمان، وما هي علاقته بالأزلية والأبدية؟
* الزمان هو الدوام الذي نقيسه بتوالي الحوادث. والحادثة المشهورة المعينة لذلك هي دوران الأرض اليومي. ويُقسم الزمان باعتبار نظرنا إليه كماضٍ وحاضر ومستقبل. وهو أمرٌ اعتباري أو نسبي، أي عبارة عن النسبة بين الحوادث المتصلة المتوالية باعتبار تواليها. وهو مختص بالمخلوق دون الخالق، ونسبته إلى الأزلية والأبدية هي كنسبة شيء محدود لشيء غير محدود. فالزمان جزء من المدة غير المحدودة، محدود ببدايته وبنهايته، ويتميز عن الأزلية والأبدية بتتابع الحوادث فيه، ونحن نميز مروره من ذلك التتابع. على أن حياة اللَّه لا علاقة لها بالزمان، فمن خواص الزمان التوالي واللَّه منزه عنه. إلا أنه يتنازل لتمييز التتابع الزمني في ما يتعلق بحياة المخلوقات.22- ما هو المقصود بسرمدية اللَّه؟
* المقصود بها أن اللَّه دائم غير محدود بزمان، كما هو غير محدود بمكان. ولا يُقاس دوامه بتوالي الحوادث، لأنه سرمدي، ليس له بداية ولا نهاية. وهو لا ينظر للزمان إلا بالنسبة لخلائقه. وهو منزه عن الزمان تنزُّهه عن المكان. وهو في كل زمان كما هو في كل مكان، ولا فرق عنده بين الماضي والحاضر والمستقبل، فكل الأزمنة بالنسبة إليه كالحاضر بالنسبة لنا. ولكنه يعلم الزمان كأمر مختص بالخليقة المحدودة التي لا بد فيها من توالي الحوادث.23- ما هي نصوص الكتاب المقدس عن سرمدية اللَّه؟
* منها قول المرنم «مِن قَبل أن تُولد الجبالُ أو أبدأتَ الأرض والمسكونة، منذ الأزل إلى الأبد أنت اللَّه.. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمسٍ بعد ما عبر، وكهزيعٍ من الليل» (مز 90: 2، 4). وقوله «من قِدَمٍ أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى، وكلها كثوب تبلى. كرداءٍ تغيرهن فتتغير. وأنت هو، وسنوك لن تنتهي» (مز102: 25-27). وقد سُمي اللَّه في الكتاب المقدس «الإله الأزلي السرمدي، الذي له وحده عدم الموت» (إش 57: 15 و44: 6 و2بط 3: 8 وعب 13: 8 ورؤ 1: 4).فنرى من هذه العبارات وأمثالها أن اللَّه بدون بداية ولا نهاية، كائن الآن وكان منذ الأزل ويكون إلى الأبد. والماضي والحاضر والمستقبل دائماً أمامه. ويتفق العقل والكتاب المقدس في ذلك، لأن العقل يحكم بوجوب علة العلل، ومتى وصل إليه التزم بالتسليم أنه واجب الوجود، وأن العلة التي ليس لها علة ينبغي أن تكون أزلية، لأن العلة الأصلية من الوجه الواحد ليست معلولة من علة غيرها، ومن الوجه الآخر غير قابلة للملاشاة، لأن ما ليس له بداية ليس له نهاية.
24- كيف تبرهن أن الماضي والمستقبل هما حاضر عند اللَّه؟
* يصعب على العقل البشري أن يدرك كيف أن الماضي والحاضر والمستقبل أمام اللَّه كوقت واحد. فإن كان الكلام في ذلك من جهة الحوادث كان المعنى أن أوائلها وأواخرها وأسبابها ونتائجها حاضرة أمامه معاً. فكما أن الإنسان الذي ينظر من طائرة يرى قافلة كبيرة من أولها لآخرها في لحظة واحدة، مع أن غيره وهو يسير على الأرض لا يرى إلا ما يمر عليه منها، ويحسب بعضها قد مضى عنه وبعضها صار أمامه، وبعضها سوف يمر عليه.. هكذا يرى اللَّه كل شيء من فوق، فيرى سلسلة الحوادث الزمنية جميعها حاضرة أمامه معاً. وما يراه البشر في كل أيام حياتهم يراه اللَّه في سمو علمه بلا زمان. فإذا سأل سائل: هل تتوالى أفكار اللَّه؟ أجبنا: وإن ظهرت لنا نتائج أفكار اللَّه متتابعة تتابعاً زمنياً، إلا أننا لا ننسب إليها ذلك. لكن يجوز أن نقول إن اللَّه عالم بالحوادث مع تواليها بعضها ببعض (مز 90: 4 و2بط 3: 8).اللَّه غير متغيِّر
25- ما معنى أن اللَّه لا يتغير؟
* يقترن عدم تغير اللَّه بأنه غير محدود وأنه سرمدي، حتى أن نفس الكلام الذي يستعمله الكتاب المقدس لتثبيت عدم محدوديته وتثبيت سرمديته يبرهن أيضاً عدم تغيُّره. والمقصود بعدم تغير اللَّه أنه منزه عن كل تغيير وكل إمكان تغيير، لأنه غير محدود ومستقل وواجب الوجود، ولا شيء خارج عنه يقدر أن يؤثر فيه. كذلك لا شيء داخله يميل إلى التغير. وهو غير قابل للتغيير في جوهره وفي صفاته، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يكون علمه في وقت ما أكثر أو أقل مما هو في وقت آخر، ولا يكون أكثر قوة أو حكمة أو قداسة أو عدلاً أو رحمة، ولا أقل مما هو. وكذلك هو غير متغير في مقاصده لأن حكمته غير محدودة، فهو لا يخطئ في آرائه السابقة العلم حتى يحتاج أن يصححها بعد ذلك (يع 1: 17). وبما أن قوته غير محدودة لا يمكن أن يمنعه مانع عن إتمام مقاصده.26- ما هي الأدلة على عدم تغير اللَّه؟
* عندنا أدلة كتابية وأدلة عقلية، فالكتابية تقول «ليس عنده تغيير ولا ظل دوران» (يع 1: 17). وقوله «ليس اللَّه إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول لا ويفعل، أو يتكلم ولا يفي؟» (عد 23: 19). وقوله «لأني أنا الرب لا أتغير» (ملا3: 6). «أما مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت. أفكار قلبه إلى دور فدور» (مز 33: 11). وقوله «في قلب الإنسان أفكار كثيرة، لكن مشورة الرب هي تثبت» (أم 19: 21). وقوله «قد حلف رب الجنود قائلاً: إنه كما قصدتُ يصير، وكما نويتُ يثبت» (إش 14: 24). وقوله «اذكروا الأوَّليات منذ القديم لأني أنا اللَّه وليس آخر. الإله وليس مثلي. مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يُفعل، قائلاً: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي» (إش 46: 9، 10).وأما الأدلة العقلية فهي أن اللَّه مستقل بنفسه، فكما أنه غير معلول بل هو علَّة كل المخلوقات، لا يغيره أحد، بل هو يغير الكل. وهو غير محدود في علمه وحكمته وبره وصلاحه وقوته، لأن غير المحدود لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فهو لا يقبل التغير. وهو غير محدود زماناً ومكاناً، سرمدي، ولذلك لا يطرأ التغيير على جوهره.
27- كيف نفسر آيات الكتاب المقدس التي تنسب الندامة للَّه؟
* نفسرها كما نفسر الآيات التي تقول إنه يركب على أجنحة الرياح، وإنه ينزل من السماء ويسير في الأرض. ففي كل هذه التعبيرات يتنازل اللَّه ليكلّم البشر بلغة تناسب عقولهم، فيستخدم الكناية والمجاز.28- كيف توفق بين عدم تغير اللَّه وأعماله العظيمة التي عملها، مثل خلق العالم وتجسد المسيح؟
* لا يدل خَلْق العالم على تغير في جوهر اللَّه أو في مقاصـده، لأنه قصد منذ الأزل أن يقوم بعمل الخلق، وفي الوقت المعين تمم قصده. وفي خلقه العالم لم يأخذ شيئاً من ذاته بل خلقه من لا شيء، بمجرد أمره. والتجسد أيضاً يوافق قصد اللَّه منذ الأزل. ولا شك أن جوهر الابن الإلهي لم يتغير في الاتحاد بالطبيعة الإنسانية، بل دخل في علاقة جديدة بجنسنا البشري. وكل تغير في المسيح في حياته على الأرض كان خاصاً بناسوته فقط.
وما سبق أن درسناه من عدم محدودية اللَّه، وسرمديته (لا بداية له ولا نهاية) وعدم تغيُّره يصدق على طبيعة اللَّه كما يصدق على مقاصده وصفاته، فهو في ذاته وكل كمالاته بلا حد ولا تغير منذ الأزل وإلى الأبد.
اللَّه عالِمٌ بكل شيء
29- ما هو العلم في علاقته بعقل الإنسان؟
* العلم هو حصول العقل على الحقائق. ويستلزم العلم وجود العقل الذي يدرك والحقيقة التي يدركها. وعلم الإنسان إما ضروري أو اكتسابي. فحواسنا تعلمنا بما يعرض عليها من الأجسام الخارجة عنها، ويعرف عقلنا الحقائق العقلية ويميزها، وتعلمنا طبيعتنا الأخلاقية أن نميز الحلال من الحرام، ويقدِّرنا الذوق العقلي على تمييز الجميل من القبيح. ويجيئنا أكثر علمنا من الخارج بالتعليم والاختبار والمقارنة وغيرهما.30- هل أنكر أحدٌ علم اللَّه، وما هو الرد عليه؟
* توهَّم البعض أن اللَّه بسبب عظيم سموه وارتفاع شأنه لا يعلم أمور العالم بالتفصيل، وأنه لا يمكن للعقل (ولو كان غير محدود) أن يدرك كل تغيرات الكون الواسع. وخُدع بعض الفلاسفة فأنكروا إمكان علم اللَّه، لأن ذلك لا يوافق فلسفتهم.والرد على ذلك: أنه يجب علينا أن نتبع تعليم الكتاب المقدس في كل ما نعتقده من جهة طبيعة اللَّه، لا أهواءنا وتصوراتنا الفلسفية. ويعلمنا الكتاب أن اللَّه يعلم التفصيلات والكليات «ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا» (عب4: 13). «الظلمة أيضاً لا تظلم لديك، والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور» (مز 139: 12 وانظر أيضاً مز 94: 9 و139: 1، 2 و147: 5 وأم 15: 3، 11 وحز 11: 5 وأع 15: 18 ومت 10: 30). وتبيِّن هذه الآيات أن علم اللَّه يشمل كل شيء، وأن العلم أيضاً ذاتي فيه، وهو لا يحتاج إلى نظرٍ واكتساب، وأنه غير متغير أي لا يزيد ولا ينقص، وأنه يعلم كل الأشياء كما هي.
وعلم اللَّه غير المحدود ينتج من أنه صاحب الكمال المطلق، فإن الكامل لا يخفى عنه شيء، ولا يمكن أن يزيد علماً، وإلا لم يكن كاملاً قبل ذلك. ولا يمكن أن ينقص علماً وإلا فلا يكون كاملاً بعد ذلك. وينتج أيضاً علم اللَّه غير المحدود من حضوره في كل مكان، لأن من يملأ السماوات والأرض، ويرى كل الحوادث. ولولا وجود اللَّه في كل مكان وعلمه بكل شيء لكانت صلواتنا وعبادتنا له بلا قيمة، فإننا نصلي لإلهٍ نثق أنه يعلم أحوالنا وحاجتنا ويسمع تضرعاتنا، وأنه يدين العالم أخيراً بالعدل. ولو لم يكن علم اللَّه شاملاً لامتنع ذلك عليه.
31- بماذا يمتاز علم اللَّه عن علم الإنسان؟
* يمتاز من وجوه كثيرة، نذكر منها خمسة:(1) علمه ذاتي، لا مُكتسب ولا محصَّلٌ بالبحث والتفتيش.
(2) علمه مستقل لا يتوقف على المخلوقات ولا على أعمالها، لأن اللَّه يعلم منذ الأزل كل ما سيحدث.
(3) علمه يشمل كل الأمور في وقت واحد، فهو لم يعلم كل الحوادث والأشياء على التتابع، بل كانت جميعها في ذهنه منذ الأزل، سواء كانت نسبة بعضها إلى بعض نسبة التتابع أو نسبة العلة إلى المعلول.
(4) علمه كلي يحيط بصفات الأشياء وجوهرها، فلا يقتصر على الأشياء الخارجية من الصفات والظواهر كعلم الإنسان.
(5) علمه غير محدود وغير مقيد، فهو يعلم الماضي والحاضر والمستقبل، ويرى كل شي، معاً، خلافاً للإنسان الذي يعرف الحاضر معرفة غير كاملة، ويعرف الماضي معرفة أقل، ولا يعرف المستقبل مطلقاً.
32- كم عدد أقسام مواضيع علم اللَّه؟
* ثلاثة أقسام:(1) علم اللَّه ذاته أنه السرمدي، وذو الصفات الكاملة غير المحدودة.
(2) علمه الشامل بكل ما يمكن أن يحدث، سواء حدث أم لم يحدث أم لن يحدث، فعلمه ليس محدوداً بما صار أو سيصير فعلاً، بل يشمل كل ما يمكن أن يصير.
(3) علمه السابق منذ الأزل بكل ما يحدث بالفعل.
33- ما هو رأي اللاهوتيين في علم اللَّه الشامل؟
* عبَّر اللاهوتيون عن هذا القسم بالعلم العقلي المحض، أي أنه قائم في العقل الإلهي قياماً مطلقاً، ناشئاً عن شعور اللَّه الكامل بقوته غير المحدودة.34- ما هو رأي اللاهوتيين في علم اللَّه السابق؟
* عبر اللاهوتيون عن هذا القسم بالعلم البصري، أي أنه يقوم بأن اللَّه يبصر كل ما حدث أو سيحدث بالفعل بتدبيره أو بسماح منه. وأصل هذا علم اللَّه الكامل بجميع مقاصده. وسمي أيضاً «بديهياً» تمييزاً له عن المكتسب، و«دفعياً» تمييزاً له عن التدريجي، و«واضحاً» تمييزاً له عن المبهم، و«حقيقياً» أي وفق الواقع تمييزاً له عن الوهم والظن، و«أزلياً» تمييزاً له عن الحادث، و«أبدياً» تمييزاً له عن المتناهي.35- برهن أن علم اللَّه يعمُّ ما يتوقف حدوثه على حدوث أمور أخرى في المستقبل، أو على أسبابٍ خفية عنا.
* من هذا النوع ما يتوقف حدوثه على أسباب مستقلة عن إرادة البشر، ومنه ما يتوقف على فعل الإرادة البشرية. واللَّه يعلم كليهما قبل الحدوث لأن كل الأسباب معلومة عنده بدليل ما يأتي:(1) أقوال الكتاب المقدس (قارن 1صم 23: 11، 12 وإش 46: 9، 10 وأع 2: 23 و15: 18).
(2) النبوات التي توقف إتمامها على حوادث أخرى وقد تمت بالفعل (مر 14: 30).
(3) كمال اللَّه وعدم محدوديته في صفاته يستلزمان أن معرفته تشمل كل الحوادث وأسبابها.
36- هل يعلم اللَّه أعمال الناس الاختيارية بالعلم السابق؟
* نعم. ويؤكد لنا الكتاب المقدس أن اللَّه يعلمها قبل حدوثها. فإن معرفة الأمور المستقبلة في أعمال الناس الاختيارية تستلزم أن اللَّه يعلمها، لأنه لو لم يعلم ما يفعله ذوو الاختيار لكان علمه محدوداً، يزيد علماً على الدوام. وهذا باطل! ولكانت سياسته للعالم غير ثابتة لأنها تتوقف على أفعال الناس التي لا يعلمها هو. وهذا محال أيضاً! فاللَّه يعلم مقدَّماً أفعال خلائقه الاختيارية.وقد أنكر البعض علم اللَّه السابق، وهم السوسينيون وقسم من الأرمنيين (انظر ما قيل فيهما فصـل 7 س 10، 11) بحجة أن علم اللَّه السابق يناقض اختيار الإنسان الأخلاقي. ولكن مبدأهم هذا خاطئ لإمكان حدوث أمر سبق القضاء به، مع بقاء فاعله مخيَّراً، بدليل قداسة أفعال المسيح وهو فاعل مخيّر، وقداسة القديسين في السماء مع أنهم فعلةٌ مخيَّرون (مز 139: 2 وإش 41: 21-23 و44: 28 ومت 11: 21 وأع 2: 32).
37- كيف نوفِّق بين علم اللَّه السابق المؤكد لكل ما يحدث واختيار البشر؟
* في هذا صـعوبة، وعند اللاهوتيين آراء مختلفة لإزالتها، فأنكر بعضهم أن الإنسان مخيَّر، وقال غيرهم إن اللَّه استحسن أن يفرغ نفسه من معرفة أعمال خلائقه الاختيارية برضاه. والفريقان مخطئان. والذي نراه في هذه المسألة هو:(1) لما كان علم اللَّه السابق لكل ما يحدث مؤكداً، وكذلك حرية اختيار الإنسان الكاملة، وجب أن نسلم بهما، حتى لو عجزنا عن التوفيق بينهما.
(2) التأكيد السابق في علم اللَّه من جهة أفعال الفاعل الحر لا ينزع ضرورة حريته، ما لم يكن مضطراً أن يفعل على خلاف إرادته، وذلك للفرق بين الاضطرار والاختيار.
(3) علم اللَّه السابق لأعمال الناس الاختيارية من خواص اللاهوت، وهو إما نتيجة معرفة كل الأسباب أو المحركات التي تنشئها مع اختيار العامل، وإما أنه علم بديهي في اللَّه يفوق اختيار البشر. والخلاصة أنه مهما كان التوضيح صعباً، فلا بد من سبق معرفة اللَّه لأعمال البشر المخيرين، فليس عند اللَّه أمر مُبهم أو خفي وغير محقق لسبب من الأسباب. وعلمه لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم بعضه على بعض. وبهذا يميز سابق العلم، فعلمه واحدٌ أبداً، لأن كل الأشياء معلومة لديه معاً تمام العلم منذ الأزل وإلى الأبد.
38- ما هي العلاقة بين حكمة اللَّه وعلمه؟
* للحكمة علاقة قوية بالعلم، وهي تظهر باختيار الأهداف الصالحة، وإعداد الوسائل المناسبة لبلوغ تلك الأهداف. فالعلم هو إدراك حقائق الأمور وعلاقاتها المتنوعة. والحكمة هي استخدام العلم أحسن استخدام لأغراض حسنة. وفي كل أعمال اللَّه تظهر علامات الأغراض الحسنة، فهي براهين حكمته التي تُظهر صلاح الوسائط التي يستخدمها لإتمام الخير الأعظم لخليقته وإعلان مجده. وحكمة اللَّه سرمدية غير محدودة. وفي تاريخ العالم وأعمال الخليقة (خاصة عمل الفداء والعناية) براهين كثيرة واضحة عليها. ويبرهن الكتاب المقدس حكمة اللَّه بتسميته «الإله الحكيم وحده» (1تي 1: 17). و«الإله الحكيم الوحيد» (آية 25). ويقول المرنم «ما أعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صنعتَ. ملآنة الأرض من غناك» (مز 104: 24). وقال الرسول بولس عندما تأمل عمل الفداء «يا لعمق غنى اللَّه وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص، وطرقه عن الاستقصاء» (رو11: 23).اللَّه ذو مشيئة
39- ما المقصود بمشيئة اللَّه؟
* مشيئة اللَّه هي القوة التي بها يختار ما يفعله. ويبيِّن الكتاب المقدس أن قضاء اللَّه ومقاصـده ومشورته وأوامره كلها صادرة عن مشيئته. والمشيئة صفة جوهرية لكل كائن روحي، وشرط ضروري لوجود الشخصية. فإذا أنكرنا مشيئة اللَّه أَهَنّا شأنه، لأننا بذلك نجعله أدنى من خلائقه. وهذه المشيئة حرة، لأن كل أعمال اللَّه من الخلق والعناية وإتمام المواعيد ليست اضطرارية بل اختيارية، ناشئة عن مشيئته.40- بماذا تتميز مشيئة اللَّه في قضائه عن مشيئته في أوامره؟
* قضاء اللَّه هو ما يشاء أن يعمله وما يقصد أن يجريه في المستقبل، وأوامره هي ما يشاء أن تعمله خلائقه العاقلة. ولا تناقض بين هذين الأمرين، لأن اللَّه لا يقضي أن يفعل شيئاً أو يُلزم خلائقه بفعله وهو قد نهاهم عنه. ولكنه قضى بأن لا يجبرهم أن يمتنعوا عن ارتكاب ما نهاهم عن فعله، وهو لا يمنع الناس عن فعل الخطية مع أنه نهى عنها، لأنه أعطى البشر حرية الإرادة.وتتميز أيضاً مشيئة اللَّه السرية (التي هي مقاصده المكتومة عنده) عن مشيئته المعلَنة (التي هي أوامره وما أظهره من مقاصده لخلائقه).
41- بأي معنى يجوز التمييز بين مشيئة اللَّه المطلقة ومشيئته المقيَّدة؟
* لا يليق هذا التمييز من جهة قصد اللَّه، لأنه مطلق، بل من جهة حوادث داخلة ضمن دائرة مقاصده، لأن من الحوادث ما هو مقيَّد (أي يتوقَّف حدوثه على حدوث شيء آخر). ولكن قصد اللَّه يشمل كليهما، وهو مطلق لا يتغير. مثلاً: الإنسان يحصد إذا زرع، ويخلُص إذا آمن. فالحصاد يتوقف على الزرع، والخلاص يتوقف على الإيمان. وأما قصد اللَّه فمطلق ويشمل الزرع والإيمان، وما ينشأ عنهما.وقال البعض إن مقاصد اللَّه مقيدة أيضاً، فإنه يقصد خلاص الإنسان إذا آمن. ولذلك يتوقف قصده على إيمان الشخص، وقد ترك اللَّه إيمان الإنسان بلا قضاء. ولكن هذا القول لا يليق بشأن اللَّه، لأنه يجعل إتمام مقاصده الإلهية متوقفاً على أفعال الناس التي لم يتحقق حدوثها! وسيأتي الكلام على هذا في البحث عن قضاء اللَّه (فصل 16). ويكفي أن يقال إن كلمة «مشيئة» تُستعمل في الكتاب المقدس بمعنيين: (أ) ما يريده اللَّه (ب) ما يقصده. فمتى قيل إن اللَّه يشاء أن كل الناس يخلصون، فليس المعنى أنه قضى بخلاص الجميع، بل أنه يرغب في ذلك. فلأنه شفوق يشاء خلاص الجميع، ولأنه عادل لا يشاء خلاص غير التائب.
42- هل مشيئة اللَّه هي سبب التمييز بين الحلال والحرام، أم أن لهما سبب غير مشيئته؟
* لابد من تمييز أزلي بين الحلال والحرام لا نبنيه على أمر أو نهي من اللَّه، بل على طبيعته. ولما كان الإنسان عاجزاً من ذاته أن يميز بين الحلال والحرام دائماً تمييزاً صحيحاً، أعلن اللَّه له قانوناً بذلك. ويكفينا أن اللَّه يأمرنا بشيء لنكون مكلَّفين بعمله أو ينهانا عن شيء لنجتنبه. وفي كل الأمور تلزمنا مشيئته، وهي التي تقضي لنا بالحلال والحرام، سواء كانت هكذا في ذاتها أو لأن اللَّه يأمرنا بها. وهذه المشيئة هي إظهار ما في اللَّه من الكمال الأخلاقي غير المحدود. فإذاً مشيئة اللَّه الكاملة هي قانون التمييز بين الحلال والحرام للبشر وأصل واجباتهم. (انظر سبب التكليف الأخلاقي فصل 28 س 8، 9 وفصل 44 س 1، 2).اللَّه قادر
43- كيف نعرف القوة، وما هي حدود قوة الإنسان؟
* نعرف القوة من شعورنا بأننا نقدر أن نفعل بعض الأفعال. وتنحصر قوة الإنسان في دائرة ضيقة، فهو يقدر أن يغير مجرى تفكيره ويوجِّهه إلى موضوع خاص، ويقدر أن يحرك بعض أعضاء جسده، وهذا حد قوته الذاتية. ومن هذا المقدار الصغير من القوة صدرت كل العلوم البشرية والاختراعات المتنوعة. غير أن هذه القدرة ليست خاضعة لمجرد مشيئة الإنسان وحدها، لأنها لن تؤلف كتاباً ولن تبني بيتاً، فالإنسان يحتاج إلى استخدام وسائط، مثل المواد الطبيعية.44- كيف نتوصل من الشعور بقوتنا المحدودة لمعرفة قوة اللَّه غير المحدودة؟
* يكتشف الإنسان أن هناك الكثير الذي يحد قوته، فيتجه عقله إلى قوة اللَّه غير المحدودة، فنحن نقدر على قليل، واللَّه يقدر على كل ما يشاء. ونحن نفتقر لاستعمال وسائط في إتمام غاياتنا إلا في بعض الأمور الجزئية، واللَّه غني عنها. وهو يشاء، فيصير كما يشاء. قال «ليكن نور» فكان النور، وبمجرد مشيئته خلق مواد الكون الأصلية من لا شيء. وطوعاً لمشيئة المسيح سكنت الرياح وصار هدوء عظيم، وبمشيئته وحدها شفى المرضى وفتح أعين العميان وأقام الموتى.45- ما أهم آيات الكتاب التي تنسب إلى اللَّه القوة غير المحدودة؟
* قوله «أنا الإله القدير» (تك 17: 1). وقال إرميا «إنك صنعت السماوات والأرض بقوتك العظيمة وبذراعك الممدودة. لا يعسر عليك شيء» (إر 32: 17). وقال المسيح «عند اللَّه كل شيء مستطاع» (مت 19: 26). وقال المرنم «إن إلهنا في السماء. كل ما شاء صـنع» (مز 115: 3). «كل ما شاء الرب صنع في السماوات وفي الأرض، في البحار وفي كل اللجج» (مز 135: 6). واللَّه في الكتاب المقدس على الدوام موضوع تسبيحاتنا ومركز ثقتنا لأنه يملك ويفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض.46- هل يلزم عن عدم محدودية قوة اللَّه أنه يقدر أن يفعل المستحيل؟
* فسر بعض الفلاسفة القوة المطلقة بأنها قوة لا تُحد مطلقاً حتى بالمستحيلات، وأنها غير خاضعة للعقل ولا للشرائع الأخلاقية. وبحسب هذا التعليم يقدر اللَّه أن يعمل المستحيلات والرذائل، حتى أنهم قالوا إنه يقدر أن يعدم حياته.فنجيب: لاشك أن اللَّه قادر على ما هو مستحيل على قدرة البشر أو الملائكة، ولكن لا يلزم عن ذلك أنه يقدر على عمل ما هو مستحيل له، فلا بد أن نأخذ ذات اللَّه في الاعتبار، فلا يحد القوة الإلهية شيء، ولكنه لا يفعل ما يخالف طبيعته الصالحة، ولا يحد صلاحه غير المحدود شيء، لكنه لا يقدر أن يفعل الحرام. فالذي ينسب للَّه القدرة على عمل الشر يهينه ولا يرفع شأنه. وقولنا إن قدرة اللَّه غير محدودة لأنه يقدر أن يفعل كل ما يشاء لا يستلزم أنه يشاء عمل الشر، أو أن مشيئته تخالف طبيعته الأخلاقية. ولا يحط من شأن قدرته إذا كانت محدودة بالكمال الأخلاقي.
47- ماذا يقصد بعض اللاهوتيين بالقوة المطلقة؟
* سمى بعض اللاهوتيين القوة التي يظهرها اللَّه في عمله «أعمالاً بدون وسائط مطلقة» تمييزاً لها عن القوة الظاهرة في استعماله الوسائط. ونسبوا إلى القوة المطلقة الخليقة والعجائب والوحي وتجديد القلب، ونسبوا إلى غير المطلقة أفعال العناية الإلهية. وهذا التمييز بالمعنى المذكور صحيح.48- هل تدبر قوة اللَّه أعمال البشر الاختيارية؟
* يعلمنا الكتاب المقدس أن سلطان اللَّه يَجري على الفاعل المختار، وأنه قادر على سياسة أعمال الإنسان وإرشاده كما يشاء بدون معارضة لاختياره (دا 4: 35 وأم 21: 1 ومز 76: 10 وفي 2: 13 ورو 9: 19 وأف 1: 11). ويتبين ذلك أيضاً من النبوات، لأنه لو لم يكن اللَّه قادراً على إجراء ما يلزم لإتمامها، والإنسان مخيَّر، لما نطق بها (انظر تاريخ فرعون خر 4: 21 و6: 1 وتاريخ يوسف تك 37-41 وتاريخ ملك أشور إش 10: 5-7 وتاريخ كورش إش 45: 1 وتاريخ يهوذا أع 2: 23). وللبشر شيء من تلك القوة، لأنهم يقدرون أن يقنعوا غيرهم ويرشدوهم دون معارضة لاختيارهم. فكم بالحري يقدر اللَّه على ذلك!اللَّه قدوس
49- ما معنى القداسة في الكتاب المقدس، وما معنى قداسة اللَّه؟
* إذا كان الموصوف بالقداسة مكاناً أو زماناً أو إرادة أو شيئاً آخر من المواد كالزيت واللحم والمذبح، كان المقصود بها تخصيص ذلك الموصوف لخدمة اللَّه وإفرازه لتلك الخدمة. وإذا كان الموصوف بالقداسة خلائق عاقلة كالكهنة والأنبياء وشعب اللَّه دلت على الإفراز والتخصيص، ودلَّت أيضاً بالضرورة على الكمال الأخلاقي فيهم، لأنهم عاقلون. وإذا وُصف اللَّه بالقداسة كان المقصود طهارته الأخلاقية الروحية وخلوّه التام من كل ما ينافي القداسة في الفكر والفعل.وقد تُطلق القداسة على مجده الأخلاقي كما هو ظاهر في جميع صفاته الكاملة (مز 22: 3 و98: 1 وإش 6: 3 ورؤ 4: 8).
وبناءً على ذلك نقول إن المقصود بقداسة اللَّه كمالاته الأخلاقية وطهارته وخلوه التام من كل نقص أخلاقي. «ليس قدوس مثل الرب» (1صم 2:2) أي ليس أحد طاهراً بالتمام وغير محدود في كماله الأخلاقي إلا اللَّه. وكثيراً ما سُمي اللَّه «قدوساً» ووُصف بالقداسة، فقيل «علّوا الرب إلهنا واسجدوا في جبل قدسه، لأن الرب إلهنا قدوس» (مز 99: 9). «من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك وحدك قدوس» (رؤ 15: 4). وقداسة اللَّه غير المحدودة هي الصفة التي يُبنى عليها إكرامه بنوع يفوق ما يُبنى ذلك الإكرام على قدرته وعلمه، حتى أن كلمة «قدوس» تُستعمل أحياناً بمعنى صاحب الكرامة. والملائكة الذين يهتفون نهاراً وليلاً قائلين: «قدوس قدوس قدوس رب الجنود» يعبِّرون بذلك عن إحساسات كل خلائق اللَّه العاقلة غير الساقطة، وينظرون إلى كمال طهارته. وهو نار آكلة لأنه قدوس، ولما تأمل النبي في قداسته قال: «ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود» (إش 6: 5).
يتبع
Comment