هناك أدلة كثيرة جدا لا تحصى تدل على وجود الله, وخاصة الأدلة العلمية.
1 - وجود الكون:
من المسلّم به أنّ كلّ معلول لا بدّ له من علّة سابقة وكافيةلإحداثه. فالكون أو العالم غير أزليّ، ولا هو كوّن نفسه. لذلك فهو معلول، أي لهعلّة خارجيّة عنه، كافية لإحداثه. وهذا بالطبع يستلزم الاعتراف بأنّ للعلّة وجوداًحقيقيّاً دائماً. فاللاشيء لا يمكنه أن يوجد شيئاً. والأدلّة على عدم أزليّة الكونمتعدّدة نكتفي بذكر اثنتَين منها:
1 - إنّ العالم على هيئته الحاضرة متغيّر باستمرار. وكلّ متغيّرمُحدَث، أي أنّ لديه بداية.
2 - إنّ الانقلابات الجيولوجيّة التي توالت على العالم وأحدثت فيهتغييرات عظيمة وكثيرة تبيّن أنّه غير أزليّ. أمّا القول بأنّ الكون واجب الوجودفمخالف لحكم العقل السليم، لأنّ العالم مركّب من عناصر عديدة. وكلّ مركّب معلول أيحادث، وشهادة الاكتشافات الطبيعيّة الجديدة تبيّن أنّ العالم صنعته يد واحدة، لأنما فيه من المخلوقات مركّب ومنظّم بقوّة عقل واحد، ممّا يؤكّد كلّ التأكيد وجودخالق عظيم هو علّة العلل.
هناك بعض أقوال علماء الجيولوجيا والطبيعة التي تبرهن أنّ الأرضالتي نعيش عليها محدَثة:
1 - إنّ كلّ أنواع الحيوانات والنباتات المعروفة الآن حديثة العهدبالنسبة لمدّة وجود العالم.
2 - إنّ الموادّ الخالية من الحياة لا يمكن أن تولّد حياةً في نفسهاولا في غيرها. وإنّما الحياة وحدها تحدث الحياة. وفي تعبير آخر أنّه لا حيّ إلاّ منحيّ.
3 - لم يتبرهن بعد الفحص الكافي أنّ نوعاً من المخلوقات الحيّة استحال إلى آخر. فيلزم من هذا المبدأ أنّ لكلّ حيوان ونبات بداءة. وكلّ ما له بداءةفهو مخلوق، والمخلوق لا بدّ له من خالق.
2 - علامات القصد فيالكون:
هذا الدليل من أصدق الأدلّة على وجود الله. وصورته الإجماليّة، هيأنّ التنظيم يستلزم بالضرورة وجود منظّم نظّمه. والكون منتظم جدّاً لأنّ فيه يظهرحُسْن الترتيب والتركيب والقصد في كلّ شيء. ممّا يدلّ على وجود كائن عاقل قد نظّمه. وهذا الكائن هو الله.
الواقع أنّ علامات القصد في الكون تدلّ حتماً على وجود قاصد عاقلجدّاً، قادر أن يصنع كلّ شيء. ولذلك يجب التسليم بوجود خالق عاقل.
وقد تبيّن أنّ علامات القصد ظاهرة في الكون على حالات مختلفة،كالترتيب الدقيق في أنواع المخلوقات، وأجزاء كلّ شيء وفقاً لنواميس طبيعيّة محكمةومرتبطة معاً، وارتقاء أحوال الخلائق بالتدرّج في سلّم النظام وموافقة البنيةالآليّة لإتمام وظائفها ونموّها وتقدّمها، وموافقتها عند اكتمالها للغاية المقصودةمن خلقها، وموافقة كلّ ما سبق لغايات أدبيّة في ذهن الخالق، الذي يستخدم خلائقهلتمجيد اسمه ولتربية مخلوقاته العاقلة الناطقة في الأدبيّات والروحيّات. فلولاالقاصد الحكيم وتنظيمه العالم لعمّ التشويش الخليقة كلّها.
وعلامات القصد تظهر في أمور كثيرة منها:
1 - علامات القصد في أعضاء الجسد:فليس عند البشر من المصنوعات مايستحقّ أن يُقابَل بأعضاء جسد الإنسان في الكمال والدقّة والإتقان. فالعين مثلاًأكمل من جميع آلات النظر التي صُنعت، في مطابقتها لقوانين الضوء، لأنّ فيها عصباًمنتشراً في شبكتها يشعر بالنور والألوان. ويدخل النور العين من الحدقة، وهذه تضيقإذا كثر وتتّسع إذا قلّ. وفعلها هذا ضروريّ لتعديل البصر وهو يعمل آليّاً دون خضوعللإرادة. مجرّد دخول النور من ثقب ما لا يكفي لرسم صور المرئيّات رسماً واضحاً، بللا بدّ من مروره في بلّورة محدّبة لكي تنكسر أشعّته وتتجمّع في بؤرة. وهذان الشرطانمتوفّران في العين.
ثمّ لو كان باطن العين أبيض، لانعكست أشعّة النور، وتشوّش البصر. فدفعاً لذلك، بُطِّنت العين ببطانة سوداء.
وفي العين فضلاً عن ذلك عضلات مخصوصة تحكمها لنظر ما هو قريب وما هوبعيد، بسرعة مدهشة. كلّ هذا يظهر حكمة الله الفائقة في إعداد الوسائط لنوال الغايةالمقصودة على منوالٍ يفوق كلّ ما في أعمال البشر.
وكذلك الأذن، آلة عجيبة في كمالها. ففيها عصب السمع من الباطن، وآلةمموّجة اسمها الصماخ. هذه تحمل الموجات الهوائيّة إلى غشاء رقيق يُسمّى الطبلة. وهذا الغشاء يهتّز بتموّج الهواء. وداخلها عظيمات دقاق تنقل التموّجات إلى العصبالسمعيّ، فينقلها هذا إلى عقدة السمع في الدماغ. ومن المعلوم أنّ معظم معاملاتالناس تتمّ بواسطة هذه الآلة العجيبة، التي يتوقّف عليها السمع وتعلّم النطق.
ولو أخذنا أعضاء جسد الإنسان واحداً فواحداً، لوجدنا أنّها رُكِّبتبصورة عجيبة، بالغة الدقّة والكمال للقيام بوظائفها، ممّا يدلّ على حكمة الخالقالعظيم وقدرته في صنع الأشياء.
2 - علامات القصد عند الطفل حين ولادته:فحياة الإنسان تتوقّف علىالأوكسجين الذي يتنفّسه، وبحسب ذلك، يولد الطفل مجهّزاً بآلة التنفّس مع أنّه لميكن في حاجة إليها قبل ولادته. وهي في غاية الدقّة والإتقان، لتنقية الدم قبلتوزيعه في كلّ أعضاء الجسم. وأيضاً قبل الولادة لا يحتاج الجنين إلى طعام ولكنّهحين يولد يصير محتاجاً إليه، ولذلك صنع الخالق جهاز الهضم، بأجزائه الكاملة. وكذلكقبل ولادته، لا يحتاج الطفل إلى أعضاء للمشي والعمل. ولكنّ الخالق كوّنها له قبل أنيولد، وفقاً لحاجته بعد الولادة، وهي مكوّنة من عظام ومفاصل متنوّعة، لكي تتحرّكتمشّياً مع حاجته في المستقبل. ممّا يدلّ على حكمة هذا الخالق العظيم.
3 - التناسب في أعضاء الجسد:في كلّ حيوان تتناسب الأعضاء مع أحوالهالخاصّة به، فأجهزة السمع والبصر والهضم والتنفّس والحركة مرتّبة ترتيباً دقيقاًتمكّنه من القيام بوظيفتها على أحسن وجه. و نرى في خصائصها من الاختلاف ما يوافقالاحتياج الخاصّ لكلّ جنس أو نوع من الحيوان. فالبرّيّ منها مجهّز بأجهزة توافقالسكنى في البرّيّة. وكذلك المائيّ والهوائيّ.
و يستطيع العالم المدقّق بواسطة بعض الخصائص أن يعرف من عظم واحدجنس الحيوان ونوعه. فالطيور التي تخوض المياه وتتغذّى بالأسماك مجهّزة بأعناقوسيقان طويلة جدّاً، لتمسك فريستها من تحت الماء، والطيور التي تسبح على وجهالمياه، مجهّزة بأصابع ملتحمة لها شكل المجذاف، والتي تطير في الأجواء مجهّزةبأجنحة طويلة وعظام فارغة لتصبح خفيفة الوزن بالنسبة لأحجامها. والتي تعيش علىالأشجار، لها مخالب ومناقير حادّة ولسان طويل للوصول إلى طعامها من قلب الأشجار،وغير ذلك من الخصائص التي جهّزها بها الخالق الحكيم.
ولعلّ أعجب الخصائص ما وُجد عند الحرباء، فهذا الحيوان الصغير تنتشرعلى جسمه غدد تتأثّر بألوان الوسط المحيط به، فيتغيّر لون جلد الحرباء تبعاً لذلكالوسط. فحينما تقف على فرع شجرة أخضر يتغيّر لونها إلى الأخضر. وحينما تصل إلى زهرةزاهية اللون تتّخذ لون الزهرة، وإذا وجدت بين الأحجار تتّخذ لون الأحجار. وهيتستخدم هذه الميزة للتمويه دفاعاً عن نفسها إذ يتوهم عدوّها أنّها فرع من الشجرة أوزهرة من الأزهار أو حجر بين الأحجار. فكلّ هذه الخصائص عند هذه الحيوانات مكوّنةوفقاً لحاجتها. وهي تؤكّد حكمة الله صانعها.
4 - الإعداد السابق:ولعلّه أقوى الأدلّة على تدبير الخالق، وعالمنامليء بالشواهد على ذلك. خذ مثلاً إعداد الطعام للمواليد قبل ولادتها، ففي ذواتالثديّ تكبر الأثداء قبل الولادة ويعدّ فيها الحليب، حتّى متى دخل المولود العالم،يجد طعاماً على غاية الملائمة لتغذيته. أمّا في الحيوانات التي تبيض فجرثومة الجنينمحاطة بالمحّ والبياض، فيتغذّى بهما وينمو إلى أن يبلغ التكوين الكافي. وحينئذٍيخرج من البيضة مجهّزاً بكلّ ما يلزمه من الأعضاء للسعي والحصول على طعامه، وقد كانهذا التدبير من الله وليس من أمّه.
5 - موافقة العناصر لحاجات المخلوقات الحيّة:نرى علامات القصد فيتركيب عالم الجماد بصورة موافقة لحفظ حياة النبات والحيوان، فإنّ هاتين المملكتَينلا تستطيعان أن تعيشا بدون نور وهواء وحرارة. فمن أبدع لهما النور والحرارة والماءوالهواء ونشرها في كلّ العالم؟ مَن أوجد الشمس مصدر النور والحرارة؟ ومن جهّزالهواء بعناصره على نسبة ثابتة موافقة لحفظ الحياة وأحاط أرضنا به؟ ومن جعل الماءيتحوّل إلى بخار ثمّ يتجمّع في السحب ويُساق بالرياح ويهطل مطراً لإرواء وجه الأرض،إلاّ ذلك الإله الحكيم القدير؟
3 - نظام الكون:
أورد العالِم ا. كرسي موريسون، رئيس أكاديميّة العلوم في نيويورك،طائفة من الأدلّة العلميّة تؤيّد الإيمان بوجود الله، منها:
1 - تدور الأرض حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ولو أنّها دارتبسرعة ماية ميل في الساعة، لأصبح الليل والنهار عشرة أضعاف ممّا هما عليه. وتبعاًلذلك تحرق الحرارة النباتات في النهار، أو يقتل الجليد الكائنات الحيّة في الليل.
2 - تبلغ درجة حرارة سطح الشمس 12 ألف درجة بمقياس فهرنهايت، و الأرضقائمة في الوضع المناسب بالنسبة لهذه الحرارة، بحيث لو هبطت حرارة الشمس إلى النصفلتجمدنا. وعلى العكس لو تضاعفت لكنّا احترقنا.
3 - إنّ انحراف كرويّة الارض بمقدار 23 درجة أوجد لنا الفصولالأربعة. ولو لم تكن منحرفة هكذا لتحرّكت أبخرة المحيطات شمالاً وجنوباً وقذفتنابكمّيّات لا تُقدَّر من الجليد.
4 - لو أنّ القمر على بعد خمسين ألف ميل فقط لتعرّضنا للغرق مرّتَينكلّ يوم ولتفتّتت الجبال.
5 - لو أنّ قشرة الأرض أكثر سماكة ممّا هي بعشرة أقدام لانعدمالأوكسجين، وتبعاً لذلك تنعدم الحياة.
6 - لو أنّ المحيطات أعمق ممّا هي الآن بأقدام قليلة لامتُصّ ثانيأوكسيد الكربون والأوكسجين، وماتت الحياة النباتيّة.
7 - لو أنّ الجوّ المحيط بالأرض أقلّ سمكاً ممّا هو لتعرّضت الأرضللحرائق بسبب النيازك التي ترتطم بسطحها كلّ يوم.
وينهي العالم الكبير ملاحظاته بالقول إنّ هذه الحقائق والكثيرة منأمثالها تقنعني بأنّ الكوكب الذي نعيش عليه لم يأتِ بمحض المصادفة بل هو من صنع إلهحكيم، قادر على كلّ شيء.
4 - شهادة بلوغ وسائلالحياة أغراضها:
إنّ في وسائل الحياة لبلوغ أغراضها دليل واضح على حكمة شاملة عندموجدها. فمع أنّه لا يستطيع أحد أن يحلّلها، لأن لا وزن لها ولا قياس، فهي تمتلكالقوّة على تحطيم الصخر وقهر الماء والهواء، وتسود على العناصر وتحلّلها أو تركّبهاكما تشاء.
وكذلك الحياة هي المثال البارع الذي يصوغ الكائنات الحيّة، والفنّانالمبدع الذي يرسم كلّ ورقة في كلّ شجرة ويلوّن كلّ زهرة، وهي الموسيقيُّ الذوّاقالذي يعلّم الطير شدوها العذب الجميل، ويعلّم الحشرات أن تنادي بعضها بعضاًبالإيقاع البديع المفهوم في ما بينها، وهي الكيمائيّ الماهر الذي يعطي الأثماروالتوابل مذاقها المستساغ، ويعطّر الورود بالشذى الطيّب، الذي ينعش النفس ويحوّلحامض الكربونيك إلى سكّر.
وهناك حقيقة ذكرها العلماء وهي أنّ نقطة البروتوبلازم، المادّةالحيّة التي تتكوّن منها جميع الكائنات الحيّة، والتي هي شفّافة متخثّرة لا تُرىبالعين المجرّدة، والتي تأخذ نشاطها من الشمس، تحمل في طيّاتها جرثومة الحياة. ولهاالقدرة على توزيع الحياة على الكائنات الحيّة كبيرها وصغيرها. وهي بقوّتها هذه أعظممن الحيوانات والنباتات حتّى من البشر أنفسهم، لأنّ كلّ حياة تنبثق منها. فالطبيعةأعجز من أن توجِد الحياة كما يدّعي البعض. وكذلك الصخور البركانيّة والمياه العذبةلا يمكن أن توجدها الطبيعة. فمن هو الذي أوجدها إذاً؟ إنّه ذلك الخالق العظيم ذوالعقل العجيب الذي كلّ شيء بحكمة صنع!
5 - شهادة غرائزالحيوانات:
إنّ حكمة الحيوان تتحدّث بصورة لا تجادَل عن الخالق الصالح، الذيزوّد هذه المخلوقات العجماء بالغرائز اللازمة لحياتها. خذ السلمون مثلاً، فهذاالحيوان المائيّ الصغير الذي يقضي أعواماً في البحار، يعود في آخر الأمر إلى المكانالذي وُلد فيه عند روافد الأنهار. فمن الذي أرجعه إلى مهده الأوّل؟ بل ما الذييجعله يجاهد في سبيل الرجوع إلى ذلك المكان؟ إنّها الغريزة التي جهّزه الله بها!
وكذلك طير البارتروج حينما تكتشف أنّ عدوّاً يريد أن يداهم صغارهاتسقط أمامه إلى الأرض ثمّ تطير قليلاً على ارتفاع منخفض وتسقط ثانية متظاهرة بأنّهاكسيرة الجناح، فإذا ما اقترب منها العدوّ تعيد الكرّة مبتعدة عن منطقة صغارها. أليست هذه غريزة تدلّ على حكمة الخالق الوهاب؟
ولعلّ أدقّ الألغاز وأصعبها عند الحنكليس، فهذه المخلوقات تخرج عنداكتمال نموّها من الأنهار والبحار لتتجمّع عند نقطة معيّنة عميقة بالقرب من برمودا،حيث تلد صغارها وتموت. والعجيب في أمرها أنّ أولادها التي وُلدت هناك ترحل كلّمجموعة منها إلى المكان الذي جاء منه آباؤها. وهذه الحيوانات وأمثالها التي تفعلبدافع الغريزة أموراً يعجز عقلنا عن تحليلها، ألا توجّه أفكارنا إلى الخالق العظيمالذي زوّدها بالغريزة اللازمة لحياتها ولحفظ جنسها؟!
6 - شهادة عقل الإنسان:
لقد زوّد الله الإنسان بعقل من دون سائر المخلوقات الحيّة، والثابتأنّه لم يوجد مخلوق حيّ غير الإنسان يستطيع أن يعدّ من واحد إلى عشرة، لذلك يجب أننشكر الله لأنّه منحنا العقل، الذي بواسطته ندرك الأشياء ونحلّلها، وبه نستطيعأيضاً أن نفكّر بأنّ لنا إلهاً كلّيّ الحكمة والقدرة.
و من البديهيّ أنّ قدرة عقل الإنسان على تصوّر ما هو غير منظورلدليل على وجود الله، لأنّ تصوّر الله ينبعث في الإنسان عن طريق مَلَكة إلهيّةكامنة فيه، لا يشاطره فيها مخلوق آخر على الأرض. وبما أنّ التصوّر عند الإنسان،يصبح في سموّه حقيقة روحيّة في البشر، صار ميسوراً للإنسان أن يرى من الكون وما فيهأنّ الله موجود وأنّه مالئ الوجود لكلّ زمان ومكان، وأنّه أقرب الكلّ إلى قلوبنا. هذه الحقيقة تكشّفت يوماً لداود الملك فسبّح الله قائلاً :"اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُبِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍيُذِيعُ كَلَاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً" (مزمور 19:1،2).
6 - شهادة الوجدان:
من المسلّم به أنّ الإنسان ينفرد عن سائر المخلوقات الحيّة بوجودالوجدان في نفسه، فهذا الشعور الكامن في أعماق الإنسان كان وما زال يتحدّث عن وجودالله. ومهما اختلف الناس في أحوالهم المعيشيّة والاجتماعيّة والفكريّة، فممّا لاشكّ فيه أنّ وجدانهم الدينيّ ملازم لهم ولا يمكن أن يزول. وقد قال أحدهم: قد تجدبلداً بدون عملات وبدون مدارس وبدون مسارح وبدون فنادق، ولكنّك لن تجد بلداً بدونهيكل للعبادة. هذه الحقيقة تذكّرنا بقول سليمان الحكيم »قَدْ رَأَيْتُ الشُّغْلَالَّذِي أَعْطَاهُ اللّهُ بَنِي الْبَشَرِ لِيَشْتَغِلُوا بِهِ. صَنَعَ الْكُلَّحَسَناً فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضاً جَعَلَ الْأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِيبِلَاهَا لَا يُدْرِكُ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللّهُ مِنَالْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ« (جامعة 3:10 ، 11).
7 - شهادة الضمير:
الضمير مستقلّ في حكمه، بحيث لا يخضع للعقل والإرادة. فإذا كانمستقيماً لا يرى الحرام حلالاً ولا الحلال حراماً، ولو أنّه حاول ذلك. مثله كالعقلالذي لا يقدر أن يرى الأسود أبيض ولو حاول ذلك. ويلزم عن حكم الضمير وجود شريعةأدبيّة، سلطانها من فوق، وتحكم بما هو واجب علينا.
وممّا لا ريب فيه أنّ وجود الضمير والشريعة الأدبيّة يشعرنا بأنّنامسؤولون عن حالنا وأعمالنا، لا لأنفسنا ولا للبشر فقط، بل أيضاً لكائن عظيم هو مصدرالشريعة ومنشئ الضمير فينا. هذا الكائن العظيم يسرّ بالصلاح ويكره الشرّ ويجازي كلّواحد حسب استحقاقه. فيلزم ممّا تقدّم وجود مَن نحن مفتقرون إليه ومسؤولون له وهوالله.
8 - شهادة اقتصاديّاتالطبيعة:
تلزمنا اقتصاديّات الطبيعة أن ندرك أنّ الحكمة الإلهيّة سبقت فرأتوأعدّت كلّ شيء في الطبيعة بتدبير حكيم. مثلاً أشجار الصبّير التي زُرعت فيأستراليا لتحصين المزارع. فلمّا كانت أستراليا خالية يومئذٍ من الحشرات المضادّةلهذا النوع من الشجر أخذ يتكاثر بكيفيّة مذهلة، حتّى مساحات شاسعة من الحقولوالمزارع. وإذ فشلت كلّ الوسائل للحدّ من انتشاره السريع، لم يجد العلماء بدّاً منالإتيان بالحشرات التي تعيش على الصبّير، وأطلقوها عليه. عندئذٍ توقّف عن اجتياحالأراضي وقُضى نهائيّاً على خطره. ومن هنا نرى أنّ هذا التعادل بين القوّةوالمقاومة في عالم النبات لا يمكن أن يوجدها سوى خالق مدبّر هو الله.
9- شهادة الاختبارالشخصيّ:
هذا هو أصدق دليل على وجود الله، فنحن لا نستطيع أن ننكر هذهالشهادة التي تصدر من أعماق القلب. وكما قال ذلك الشابّ الذي وُلد أعمى، حين شفاهيسوع :"أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالْآنَ أُبْصِرُ"(إنجيل يوحنا 9: 25).هكذا يقول كلّ إنسان وجد الله وعرفه كحقيقة قويّة دافعة في اختباره الذاتيّ.
والتاريخ حمل إلينا شهادة الكثيرين في كلّ جيل وعصر ممّن عاشوا معالله واختبروا اختبارات حيّة قويّة ملموسة، لا يمكن أن توصف بأنّها تخيّلات أوأضغاث أحلام. وإذا كان من الحماقة أن ينكر أحد شهادة المختبرين في شؤون الحياةلأنّه لم يختبرها شخصيّاً، فكم بالحريّ تكون الحماقة أشدّ إن أهملنا شهادة الملايينالذين عاشوا قبلنا أو يعيشون معنا والذين يشهدون كلّ يوم عن عجائب أجراها اللهمعهم، وكانت سبباً في تغيير مجرى حياتهم، وذلك نتيجة لإيمانهم وثقتهم في الله.
كان العالِم الشهير فراداي لا يؤمن بشيء قبل درسه وفحصه بدقّة. ولكنحين سُئل وهو على فراش الموت إن كان يؤمن بالله والأبديّة والخلود، أجاب وقد تألّقتعلى وجهه ابتسامة مشرقة (لستُ نائماً على وسادة تخمينات). وفراداي ليس إلاّ واحداًمن أعلام الفكر الذين آمنوا بالله واختبروا عنايته وعاشوا معه ورقدوا في حضنمحبّته.
10 - شهادة التاريخ:
قال كرمويلليس التاريخ إلاّ ظهور الله في قيام وسقوط الممالك).الواقع أنّه لو أحسن الناس قراءة التاريخ وتأمّلوا في أحداثه لأدركوا أنّ اللهفيها. وأنّ الشرّ قد يكسب معاركه الأولى إلاّ أنّه يخسر الحرب في النهاية.
حين تنظر ببصيرة المدقّق إلى الحضارات الغابرة والمدنيّات السالفةوالأمم الماضية وهي ترتفع حيناً وتنخفض حيناً آخر، لا بدّ أن تهتف مع دانيال النبيّ:"لِيَكُنِ اسْمُ اللّهِ مُبَارَكاً مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّ لَهُالْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الْأَوْقَاتَ وَالْأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكاً وَيُنَصِّبُ مُلُوكاً. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً،وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْماً." (دانيال 2: 20 ، 21).
أجل! إنّ كلّ من يلاحظ تاريخ الجنس البشريّ يرى فيه ما يدعو إلىالاعتقاد بوجود كائن عظيم ذي سلطان مطلق، يدير كلّ شؤون البشر وأعمالهم على مايوافق مشيئته ويؤول إلى إتمام مقاصده الفائقة، وذلك لما يُرى فيه من حوادث وعِبَرواختراعات وانقلابات أدّت أخيراً إلى تقدّم البشر وارتقائهم، من جيل إلى جيل في كلمعارج المعيشة والتمدّن والمعرفة والبنيان الدينيّ.. ألا ترى في ذلك دليلاً قاطعاًعلى وجود مرشد حكيم، يهدي البشر إلى سبل البرّ والفلاح بوسائط خاصّة سبقفعيّنها؟
11 - شهادة العقل:
آمن جمهور من أهل العلم والفلسفة الأفاضل الذين نبغوا في هذا العصروما قبله من العصور الخالية، بوجود الله من خلال الأدلّة التي وردت آنفاً. صحيح أنّهذه الأدلّة ليست من الموادّ التي يمكن أن توزن بموازين البشر أو أن تُفحصبالامتحانات المادّيّة المنظورة، بل هي أدلّة معقولة جدّاً، لأنّها بُنيت على حقائقظاهرة لعين الإنسان وعقله، نظير ما هو مدرك بالحواسّ الخمس. فإنّ العقل السليم متىنظر إلى الكون وميّز ما فيه من علامات النظام والقصد التي لا تُحصى، يحكم طبعاًبوجود علّة له، وأنّ تلك العلّة عاقلة وحكيمة وقادرة على إيجاد ما يُرى فيه منالغرائب والبدائع. لأنّ نسبة الكون وكلّ غرائبه وما فيه من كائنات حيّة إلى الطبيعةبدون خالق، مخالف للعقل السليم، ولشهادة الطبيعة نفسها التي يصرخ لسان حالها بأنّهامصنوعة لا صانعة. وَأنّ ما حوته من العناصر والحياة وغرائب التركيب والنظام وخواصّالنموّ والتقدّم التدريجيّ إنّما هو صادر عن قوّة خارجيّة ومستقلّة عنها. ولا ريبفي أنّ هذه الأدلّة تجد قبولاً عند كلّ المؤمنين، وأنّ كلّ واحد منهم متيقّن ومقتنعومتمتّع بما له من الأدلّة اليقينيّة على وجود الله. أوّلاً من الكون وما فيه منعلامات القصد والقدرة والحكمة. وثانياً من بنية الإنسان الأدبيّة والروحيّة ومنشهادة الضمير. وثالثاً من الكتاب المقدّس وإعلان اللاهوت في شخص يسوع المسيحالمتجسّد.
12 - شهادة العلماء:
لقد جاء على الناس حين من الدهر ظنّ فيه البعض أنّ تقدّم العلموالاكتشاف سيكسر شوكة الإيمان، وبالتالي سيهزّ الإيمان بوجود الله. ولكنّ رياح العلمالصحيح جرت بما لا تشتهي سفن الإلحاد، فالعلم النزيه أتى بتأييدات وشهادات جديدة فيصالح الإيمان "المسلّم مرّة للقدّيسين". وإليك طائفة من أقوال العلماء التي تؤيّدالإيمان:
1 - قال الدكتور كارل يونج، وهو أعظم الأطبّاء النفسيّين في كتابه(الرجل العصريّ يبحث عن روح): (استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص منمختلف شعوب العالم المتحضّرة، وعالجْتُ مئات المرضى، فلم أجد مشكلة من مشكلات أولئكالذين بلغوا منتصف العمر إلاّ وكان سببها ضياع الإيمان والخروج على تعاليم الدين. ويصحّ القول بأنّ كلّ واحد من هؤلاء المرضى وقع فريسة المرض لأنّه حُرم سكينة النفسالتي يوفّرها الإيمان بالله. ولم يبرأ واحد منهم إلاّ حين استعاد إيمانه واستعانبوصايا الله ونواهيه على مواجهة الحياة).
2 - قال العالم ديل كارنيجي، مدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانيّةفي كتابه (دع القلق وابدأ الحياة):
( الإيمان بالله يمدّني بالثقة والأمل والشجاعة،ويُقصي عنّي المخاوف والاكتئاب والقلق ويزّودني بأهداف وغايات في الحياة، ويفسحأمامي آفاق السعادة، ويعينني على إنشاء واحة خصبة وسط صحراء حياتي(.
3 - قال الطبيب النفسانيّ المشهور الدكتور هنري لنك في كتابه (العودةإلى الإيمان):
(وضعت جمعيّة مساعدة العمّال في نيويورك 200 ألف دولاراً تحت تصرّفيلمراقبة الدراسات الإحصائيّة المستخلصة لعشرة آلاف نفس ممّن أجري عليهم 73226اختباراً نفسيّاً. وسجّلتُ تقريراً شخصيّاً شاملاً لكلّ فرد منهم. وفي هذا الوقتبالذات بدأ إدراكي للعقيدة الدينيّة بالنسبة لحياة الإنسان، ووجدت من نفسياستعداداً لمضاهاة تجاربي السابقة على مرضاي بالنتائج الباهرة التي أتت بها تلكالاختبارات العظيمة التي تولّيت الاشراف عليها. وقد استخلصنا من هذه الاختباراتنتيجة هامّة، هي أنّ كلّ من يؤمن بالله يتمتّع بشخصيّة أقوى وأفضل ممّن لا يؤمنبالله ولا يزاول أيّة عبادة. وأنا مثلاً أؤمن بصدق رواية مولد الربّ يسوع، ولكن ليستصديقي هذا نتيجةً لمقارنة عقيدتي بغيرها من العقائد، ولكنّه إيمان خالص جاء فيأعقاب اهتدائي إلى المزايا الصحيحة في ديني، الذي سبق أن نبذته لمّا كنت عاجزاً عناكتشاف ما فيه من الخير).
4 - قال الدكتور النفسيّ العلاّمة ا. بريل:
( أحدث العلوم، وهو الطبّالنفسيّ، يبشّر بمبادئ الدين. أطبّاء النفس يدركون أنّ الإيمان بالله والصلاةكفيلان بأن يقهرا القلق والمخاوف والتوتّر العصبيّ، وبأن يشفيا أكثر من نِصفالأمراض التي نشكو منها. وقد تأكّد لديّ أنّ المؤمن حقّاً لا يعاني قطّ مرضاًنفسيّاً).
5 - قال الفيلسوف فرانسيس بيكون:
(قليل من الفلسفة يجنح بالعقل إلىالإلحاد، ولكنّ التعمّق في الفلسفة خليق بأن يعود بالمرء إلى الإيمان بالله).
6 - قال الدكتور شارل مالك في كتابه (لماذا أؤمن بيسوع المسيح؟):
(فيالعهد القديم، الله يخلق ويختار ويعدّ ويرشد ويجرّب ويمتحن، وبالتدريج يعلن عن نفسهوإرادته. وإذ تصغي إصغاءً تامّاً لهذا الإعلان، يتّضح لك مع الزمن أنّ ما يعلن عنهمن ذات وإرادة هو بالفعل موجود كما هو معلن عنه. هذه الطبيعة الموجودة الثابتةالأكيدة هي الله الخالق).
7 - سُئل العالِم الفلكيّ الشهير لابلاس :
(لماذا لم يذكر الله فيأبحاثه الفلكيّة؟ فأجاب : (لأنّني لم أجد حاجة إلى ذلك، لأنّ الله خلف كلّ بحثتناولته أو أيّ رأي أبديته. الله خلف كلّ ظاهرة في الكون والطبيعة والحياة).
8 - قال جونثان إدوردس الذي حُسب أعظم عقل بعد أرسطو:
(لقد بدا جلالالله البارع في كلّ شيء: في الشمس والقمر والنجوم وفي الطبيعة كلّها. لقد خلقهاليُظهر بواسطتها بعض أمجاده وعظمته. فحين نتأمّل في الروض النضير وفي النسيمالعليل، نرى إحساناته الحلوة وجوده الرقيق. وحين نرى الزهرة الفوّاحة، أو الزنبقةالعطرة، نرى محبّته وطهارته ونقاوته. وماذا أقول عن الأفنان الخضراء التي هي انبثاقفرحه العظيم؟! وعن الأنهار البلّوريّة المتدفّقة التي هي وقع أقدامه؟! وهل الشروقالورديّ، والشمس اللامعة، والغروب الذهبيّ وقوس قزح، إلا ظلال آتية من مجده؟).
9 - قال عمّانوئيل كنْت:
(من غير الممكن أن نتأمّل في صنع هذا العالمدون أن نرى يد الله الطاهرة البارزة في كمال تناسقه. و حين يفكّر العقل ويؤخذ بمافيه من روعة وجمال لا يملك إلا أن يشعر بالسخط على الجهالة التي جَسُرت أن تنسب كلّما في الكون إلى محض المصادفة، لأنّ روائع هذا الكون هي وليدة حكمة سامية عجيبةوضعت فكرته.
نعم، إنّ هذا الانسجام المتبادل بين الكائنات يدلّ على وجود خالق ذيحكمة فائقة استمدّت الطبيعة وجودها وتناسقها منه، وليس ثمّة ما يدعو إلى الظنّ أنّنشاط الطبيعة لا يتّفق مع وجود إله قادر على كلّ شيء. )
10 - قال اللورد كالفن الذي يُعدّ من أبرع علماء زمنه :
(إنّ العالمليؤكّد جازماً وجود الخالق، لأنّنا لا نحيا ونوجد بالمادّة الميّتة بل بالقوّةالخالقة التي توجّه حياتنا والتي يفرض العلم علينا قبولها كموضوع لإيماننا. ولا ريبفي أنّنا نستطيع أن نعرف الله عن طريق أعماله. والعلم يلزمنا أن نؤمن بيقين بوجودقوّة خالقة موجِّهة).
11 - عرف الأدميرال بيرد معنى ربط النفس بالقوّ ة العظمى المهيمنة علىالكون. ومعرفته تلك هي التي مكّنته من الخروج من المحنة القاسية التي خاضها والتيروى أحداثها في كتابه (وحيد).
لقد قضى خمسة أشهر في كوخ مطمور بالثلج في المنطقة المتجمّدةالجنوبيّة. كان العون الذي ينشده على بعد 123 ميلاً من مكانه. ولن يتسنّى لأحد أنيصل إليه قبل مضيّ أشهر عديدة. كانت العواصف الثلجيّة الهوجاء تزأر في الخارج،والظلام يضرب حول المكان نطاقاً موحشاً. وقد شعر بأنّه يتسمّم تدريجيّاً بغاز أوّلأوكسيد الكربون المتصاعد من موقده. فحاول إصلاح الموقد وجهاز التهوية ولكنّه لميستطع. وأصابه من الوهن ما أعجزه عن الحركة وتناول الطعام. وطالما استشعر بأنّه لنيأتي عليه اليوم التالي إلاّ وهو في عداد الأموات. ولكن ما الذي أنقذ حياته؟ يخبرناهو نفسه أنّه في غمرة اليأس الذي غزا قلبه، تناول مذكّراته، وحاول أن يدوّن فلسفتهفي الحياة. فكتب :
(ليس الجنس البشريّ وحيداً في هذا الكون). وكان وهو يكتب تلكالعبارة يفكّر في النجوم المنتشرة في السماء، وفي الكواكب والأَجْرام الدوّارة فيأفلاكها بدقّة ونظام، وفي الشمس التي لا تحرم شبراً من الأرض من نورها ودفئها،والتي لن تلبث أن تشرق على تلك البقعة النائية الموحشة في أقصى جنوب الأرض. وذلكالأحساس بأنّه ليس وحيداً أنقذ حياته. وإلهه الذي لن يشكّ مطلقاً بعنايته أرسلأشعّة شمسه عليه على تلك البقعة، ممّا أتاح لفرقة الإنقاذ الوصول إليه قبل فواتالأوان.
12 - سُئل العالم وليم جيمس:
( لماذا يجب الإيمان بالله والاعتماد عليهوطلب الأمان والسلام والأطمئنان؟)، فقال إنّ أمواج المحيط الصاخبة المتقلّبة لاتعكّر قطّ هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه. وكذلك المرء إذا عمّق إيمانه باللهخليق بألاّ تعكّر طمأنينته التقلّبات السطحيّة الموقّتة. فالرجل المؤمن حقّاً،عصِيٌ على القلق، محتفظ دائماً باتّزانه، مستعدّ دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي بهظروف الأيّام. فلماذا لا نتّجه إلى الله إذا استشعرنا القلق؟ ولماذا لا نؤمن باللهونحن في أشدّ الحاجة إلى هذا الإيمان؟ ولماذا لا نربط أنفسنا بالقوّة العظمىالمهيمنة على هذا الكون؟).
وخلاصة القول في وجود الله، هي أنّنا نجد أنفسنا في كون عظيمجدّاً، نحن جزء منه. وعقولنا تسأل دائماً: ما هو مصدر هذا الكون؟ وما هو القصد منه؟وكيف يُحفَظ؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين نمضي؟ ولا يمكن الجواب على هذه الأسئلة بدونالتسليم بوجود كائن سرمديّ قادر على كلّ شيء، علّة العلل، واجب الوجود، عاقل، حكيم،ذو إرادة وصفات أدبيّة، وإنّنا لنجد الأجوبة فعلاً في قول الكتاب المقدّس:
"فِيالْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَكَانَتِ الْأَرْضُ خَرِبَةًوَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللّهِ يَرِفُّ عَلَىوَجْهِ الْمِيَاهِ"(تكوبن 1:1 و2).
منقول كاملاً عن الأخوة الأعزاء من موقع المسيح2022
http://www.almaseeh2020.com/
1 - وجود الكون:
من المسلّم به أنّ كلّ معلول لا بدّ له من علّة سابقة وكافيةلإحداثه. فالكون أو العالم غير أزليّ، ولا هو كوّن نفسه. لذلك فهو معلول، أي لهعلّة خارجيّة عنه، كافية لإحداثه. وهذا بالطبع يستلزم الاعتراف بأنّ للعلّة وجوداًحقيقيّاً دائماً. فاللاشيء لا يمكنه أن يوجد شيئاً. والأدلّة على عدم أزليّة الكونمتعدّدة نكتفي بذكر اثنتَين منها:
1 - إنّ العالم على هيئته الحاضرة متغيّر باستمرار. وكلّ متغيّرمُحدَث، أي أنّ لديه بداية.
2 - إنّ الانقلابات الجيولوجيّة التي توالت على العالم وأحدثت فيهتغييرات عظيمة وكثيرة تبيّن أنّه غير أزليّ. أمّا القول بأنّ الكون واجب الوجودفمخالف لحكم العقل السليم، لأنّ العالم مركّب من عناصر عديدة. وكلّ مركّب معلول أيحادث، وشهادة الاكتشافات الطبيعيّة الجديدة تبيّن أنّ العالم صنعته يد واحدة، لأنما فيه من المخلوقات مركّب ومنظّم بقوّة عقل واحد، ممّا يؤكّد كلّ التأكيد وجودخالق عظيم هو علّة العلل.
هناك بعض أقوال علماء الجيولوجيا والطبيعة التي تبرهن أنّ الأرضالتي نعيش عليها محدَثة:
1 - إنّ كلّ أنواع الحيوانات والنباتات المعروفة الآن حديثة العهدبالنسبة لمدّة وجود العالم.
2 - إنّ الموادّ الخالية من الحياة لا يمكن أن تولّد حياةً في نفسهاولا في غيرها. وإنّما الحياة وحدها تحدث الحياة. وفي تعبير آخر أنّه لا حيّ إلاّ منحيّ.
3 - لم يتبرهن بعد الفحص الكافي أنّ نوعاً من المخلوقات الحيّة استحال إلى آخر. فيلزم من هذا المبدأ أنّ لكلّ حيوان ونبات بداءة. وكلّ ما له بداءةفهو مخلوق، والمخلوق لا بدّ له من خالق.
2 - علامات القصد فيالكون:
هذا الدليل من أصدق الأدلّة على وجود الله. وصورته الإجماليّة، هيأنّ التنظيم يستلزم بالضرورة وجود منظّم نظّمه. والكون منتظم جدّاً لأنّ فيه يظهرحُسْن الترتيب والتركيب والقصد في كلّ شيء. ممّا يدلّ على وجود كائن عاقل قد نظّمه. وهذا الكائن هو الله.
الواقع أنّ علامات القصد في الكون تدلّ حتماً على وجود قاصد عاقلجدّاً، قادر أن يصنع كلّ شيء. ولذلك يجب التسليم بوجود خالق عاقل.
وقد تبيّن أنّ علامات القصد ظاهرة في الكون على حالات مختلفة،كالترتيب الدقيق في أنواع المخلوقات، وأجزاء كلّ شيء وفقاً لنواميس طبيعيّة محكمةومرتبطة معاً، وارتقاء أحوال الخلائق بالتدرّج في سلّم النظام وموافقة البنيةالآليّة لإتمام وظائفها ونموّها وتقدّمها، وموافقتها عند اكتمالها للغاية المقصودةمن خلقها، وموافقة كلّ ما سبق لغايات أدبيّة في ذهن الخالق، الذي يستخدم خلائقهلتمجيد اسمه ولتربية مخلوقاته العاقلة الناطقة في الأدبيّات والروحيّات. فلولاالقاصد الحكيم وتنظيمه العالم لعمّ التشويش الخليقة كلّها.
وعلامات القصد تظهر في أمور كثيرة منها:
1 - علامات القصد في أعضاء الجسد:فليس عند البشر من المصنوعات مايستحقّ أن يُقابَل بأعضاء جسد الإنسان في الكمال والدقّة والإتقان. فالعين مثلاًأكمل من جميع آلات النظر التي صُنعت، في مطابقتها لقوانين الضوء، لأنّ فيها عصباًمنتشراً في شبكتها يشعر بالنور والألوان. ويدخل النور العين من الحدقة، وهذه تضيقإذا كثر وتتّسع إذا قلّ. وفعلها هذا ضروريّ لتعديل البصر وهو يعمل آليّاً دون خضوعللإرادة. مجرّد دخول النور من ثقب ما لا يكفي لرسم صور المرئيّات رسماً واضحاً، بللا بدّ من مروره في بلّورة محدّبة لكي تنكسر أشعّته وتتجمّع في بؤرة. وهذان الشرطانمتوفّران في العين.
ثمّ لو كان باطن العين أبيض، لانعكست أشعّة النور، وتشوّش البصر. فدفعاً لذلك، بُطِّنت العين ببطانة سوداء.
وفي العين فضلاً عن ذلك عضلات مخصوصة تحكمها لنظر ما هو قريب وما هوبعيد، بسرعة مدهشة. كلّ هذا يظهر حكمة الله الفائقة في إعداد الوسائط لنوال الغايةالمقصودة على منوالٍ يفوق كلّ ما في أعمال البشر.
وكذلك الأذن، آلة عجيبة في كمالها. ففيها عصب السمع من الباطن، وآلةمموّجة اسمها الصماخ. هذه تحمل الموجات الهوائيّة إلى غشاء رقيق يُسمّى الطبلة. وهذا الغشاء يهتّز بتموّج الهواء. وداخلها عظيمات دقاق تنقل التموّجات إلى العصبالسمعيّ، فينقلها هذا إلى عقدة السمع في الدماغ. ومن المعلوم أنّ معظم معاملاتالناس تتمّ بواسطة هذه الآلة العجيبة، التي يتوقّف عليها السمع وتعلّم النطق.
ولو أخذنا أعضاء جسد الإنسان واحداً فواحداً، لوجدنا أنّها رُكِّبتبصورة عجيبة، بالغة الدقّة والكمال للقيام بوظائفها، ممّا يدلّ على حكمة الخالقالعظيم وقدرته في صنع الأشياء.
2 - علامات القصد عند الطفل حين ولادته:فحياة الإنسان تتوقّف علىالأوكسجين الذي يتنفّسه، وبحسب ذلك، يولد الطفل مجهّزاً بآلة التنفّس مع أنّه لميكن في حاجة إليها قبل ولادته. وهي في غاية الدقّة والإتقان، لتنقية الدم قبلتوزيعه في كلّ أعضاء الجسم. وأيضاً قبل الولادة لا يحتاج الجنين إلى طعام ولكنّهحين يولد يصير محتاجاً إليه، ولذلك صنع الخالق جهاز الهضم، بأجزائه الكاملة. وكذلكقبل ولادته، لا يحتاج الطفل إلى أعضاء للمشي والعمل. ولكنّ الخالق كوّنها له قبل أنيولد، وفقاً لحاجته بعد الولادة، وهي مكوّنة من عظام ومفاصل متنوّعة، لكي تتحرّكتمشّياً مع حاجته في المستقبل. ممّا يدلّ على حكمة هذا الخالق العظيم.
3 - التناسب في أعضاء الجسد:في كلّ حيوان تتناسب الأعضاء مع أحوالهالخاصّة به، فأجهزة السمع والبصر والهضم والتنفّس والحركة مرتّبة ترتيباً دقيقاًتمكّنه من القيام بوظيفتها على أحسن وجه. و نرى في خصائصها من الاختلاف ما يوافقالاحتياج الخاصّ لكلّ جنس أو نوع من الحيوان. فالبرّيّ منها مجهّز بأجهزة توافقالسكنى في البرّيّة. وكذلك المائيّ والهوائيّ.
و يستطيع العالم المدقّق بواسطة بعض الخصائص أن يعرف من عظم واحدجنس الحيوان ونوعه. فالطيور التي تخوض المياه وتتغذّى بالأسماك مجهّزة بأعناقوسيقان طويلة جدّاً، لتمسك فريستها من تحت الماء، والطيور التي تسبح على وجهالمياه، مجهّزة بأصابع ملتحمة لها شكل المجذاف، والتي تطير في الأجواء مجهّزةبأجنحة طويلة وعظام فارغة لتصبح خفيفة الوزن بالنسبة لأحجامها. والتي تعيش علىالأشجار، لها مخالب ومناقير حادّة ولسان طويل للوصول إلى طعامها من قلب الأشجار،وغير ذلك من الخصائص التي جهّزها بها الخالق الحكيم.
ولعلّ أعجب الخصائص ما وُجد عند الحرباء، فهذا الحيوان الصغير تنتشرعلى جسمه غدد تتأثّر بألوان الوسط المحيط به، فيتغيّر لون جلد الحرباء تبعاً لذلكالوسط. فحينما تقف على فرع شجرة أخضر يتغيّر لونها إلى الأخضر. وحينما تصل إلى زهرةزاهية اللون تتّخذ لون الزهرة، وإذا وجدت بين الأحجار تتّخذ لون الأحجار. وهيتستخدم هذه الميزة للتمويه دفاعاً عن نفسها إذ يتوهم عدوّها أنّها فرع من الشجرة أوزهرة من الأزهار أو حجر بين الأحجار. فكلّ هذه الخصائص عند هذه الحيوانات مكوّنةوفقاً لحاجتها. وهي تؤكّد حكمة الله صانعها.
4 - الإعداد السابق:ولعلّه أقوى الأدلّة على تدبير الخالق، وعالمنامليء بالشواهد على ذلك. خذ مثلاً إعداد الطعام للمواليد قبل ولادتها، ففي ذواتالثديّ تكبر الأثداء قبل الولادة ويعدّ فيها الحليب، حتّى متى دخل المولود العالم،يجد طعاماً على غاية الملائمة لتغذيته. أمّا في الحيوانات التي تبيض فجرثومة الجنينمحاطة بالمحّ والبياض، فيتغذّى بهما وينمو إلى أن يبلغ التكوين الكافي. وحينئذٍيخرج من البيضة مجهّزاً بكلّ ما يلزمه من الأعضاء للسعي والحصول على طعامه، وقد كانهذا التدبير من الله وليس من أمّه.
5 - موافقة العناصر لحاجات المخلوقات الحيّة:نرى علامات القصد فيتركيب عالم الجماد بصورة موافقة لحفظ حياة النبات والحيوان، فإنّ هاتين المملكتَينلا تستطيعان أن تعيشا بدون نور وهواء وحرارة. فمن أبدع لهما النور والحرارة والماءوالهواء ونشرها في كلّ العالم؟ مَن أوجد الشمس مصدر النور والحرارة؟ ومن جهّزالهواء بعناصره على نسبة ثابتة موافقة لحفظ الحياة وأحاط أرضنا به؟ ومن جعل الماءيتحوّل إلى بخار ثمّ يتجمّع في السحب ويُساق بالرياح ويهطل مطراً لإرواء وجه الأرض،إلاّ ذلك الإله الحكيم القدير؟
3 - نظام الكون:
أورد العالِم ا. كرسي موريسون، رئيس أكاديميّة العلوم في نيويورك،طائفة من الأدلّة العلميّة تؤيّد الإيمان بوجود الله، منها:
1 - تدور الأرض حول محورها بسرعة ألف ميل في الساعة ولو أنّها دارتبسرعة ماية ميل في الساعة، لأصبح الليل والنهار عشرة أضعاف ممّا هما عليه. وتبعاًلذلك تحرق الحرارة النباتات في النهار، أو يقتل الجليد الكائنات الحيّة في الليل.
2 - تبلغ درجة حرارة سطح الشمس 12 ألف درجة بمقياس فهرنهايت، و الأرضقائمة في الوضع المناسب بالنسبة لهذه الحرارة، بحيث لو هبطت حرارة الشمس إلى النصفلتجمدنا. وعلى العكس لو تضاعفت لكنّا احترقنا.
3 - إنّ انحراف كرويّة الارض بمقدار 23 درجة أوجد لنا الفصولالأربعة. ولو لم تكن منحرفة هكذا لتحرّكت أبخرة المحيطات شمالاً وجنوباً وقذفتنابكمّيّات لا تُقدَّر من الجليد.
4 - لو أنّ القمر على بعد خمسين ألف ميل فقط لتعرّضنا للغرق مرّتَينكلّ يوم ولتفتّتت الجبال.
5 - لو أنّ قشرة الأرض أكثر سماكة ممّا هي بعشرة أقدام لانعدمالأوكسجين، وتبعاً لذلك تنعدم الحياة.
6 - لو أنّ المحيطات أعمق ممّا هي الآن بأقدام قليلة لامتُصّ ثانيأوكسيد الكربون والأوكسجين، وماتت الحياة النباتيّة.
7 - لو أنّ الجوّ المحيط بالأرض أقلّ سمكاً ممّا هو لتعرّضت الأرضللحرائق بسبب النيازك التي ترتطم بسطحها كلّ يوم.
وينهي العالم الكبير ملاحظاته بالقول إنّ هذه الحقائق والكثيرة منأمثالها تقنعني بأنّ الكوكب الذي نعيش عليه لم يأتِ بمحض المصادفة بل هو من صنع إلهحكيم، قادر على كلّ شيء.
4 - شهادة بلوغ وسائلالحياة أغراضها:
إنّ في وسائل الحياة لبلوغ أغراضها دليل واضح على حكمة شاملة عندموجدها. فمع أنّه لا يستطيع أحد أن يحلّلها، لأن لا وزن لها ولا قياس، فهي تمتلكالقوّة على تحطيم الصخر وقهر الماء والهواء، وتسود على العناصر وتحلّلها أو تركّبهاكما تشاء.
وكذلك الحياة هي المثال البارع الذي يصوغ الكائنات الحيّة، والفنّانالمبدع الذي يرسم كلّ ورقة في كلّ شجرة ويلوّن كلّ زهرة، وهي الموسيقيُّ الذوّاقالذي يعلّم الطير شدوها العذب الجميل، ويعلّم الحشرات أن تنادي بعضها بعضاًبالإيقاع البديع المفهوم في ما بينها، وهي الكيمائيّ الماهر الذي يعطي الأثماروالتوابل مذاقها المستساغ، ويعطّر الورود بالشذى الطيّب، الذي ينعش النفس ويحوّلحامض الكربونيك إلى سكّر.
وهناك حقيقة ذكرها العلماء وهي أنّ نقطة البروتوبلازم، المادّةالحيّة التي تتكوّن منها جميع الكائنات الحيّة، والتي هي شفّافة متخثّرة لا تُرىبالعين المجرّدة، والتي تأخذ نشاطها من الشمس، تحمل في طيّاتها جرثومة الحياة. ولهاالقدرة على توزيع الحياة على الكائنات الحيّة كبيرها وصغيرها. وهي بقوّتها هذه أعظممن الحيوانات والنباتات حتّى من البشر أنفسهم، لأنّ كلّ حياة تنبثق منها. فالطبيعةأعجز من أن توجِد الحياة كما يدّعي البعض. وكذلك الصخور البركانيّة والمياه العذبةلا يمكن أن توجدها الطبيعة. فمن هو الذي أوجدها إذاً؟ إنّه ذلك الخالق العظيم ذوالعقل العجيب الذي كلّ شيء بحكمة صنع!
5 - شهادة غرائزالحيوانات:
إنّ حكمة الحيوان تتحدّث بصورة لا تجادَل عن الخالق الصالح، الذيزوّد هذه المخلوقات العجماء بالغرائز اللازمة لحياتها. خذ السلمون مثلاً، فهذاالحيوان المائيّ الصغير الذي يقضي أعواماً في البحار، يعود في آخر الأمر إلى المكانالذي وُلد فيه عند روافد الأنهار. فمن الذي أرجعه إلى مهده الأوّل؟ بل ما الذييجعله يجاهد في سبيل الرجوع إلى ذلك المكان؟ إنّها الغريزة التي جهّزه الله بها!
وكذلك طير البارتروج حينما تكتشف أنّ عدوّاً يريد أن يداهم صغارهاتسقط أمامه إلى الأرض ثمّ تطير قليلاً على ارتفاع منخفض وتسقط ثانية متظاهرة بأنّهاكسيرة الجناح، فإذا ما اقترب منها العدوّ تعيد الكرّة مبتعدة عن منطقة صغارها. أليست هذه غريزة تدلّ على حكمة الخالق الوهاب؟
ولعلّ أدقّ الألغاز وأصعبها عند الحنكليس، فهذه المخلوقات تخرج عنداكتمال نموّها من الأنهار والبحار لتتجمّع عند نقطة معيّنة عميقة بالقرب من برمودا،حيث تلد صغارها وتموت. والعجيب في أمرها أنّ أولادها التي وُلدت هناك ترحل كلّمجموعة منها إلى المكان الذي جاء منه آباؤها. وهذه الحيوانات وأمثالها التي تفعلبدافع الغريزة أموراً يعجز عقلنا عن تحليلها، ألا توجّه أفكارنا إلى الخالق العظيمالذي زوّدها بالغريزة اللازمة لحياتها ولحفظ جنسها؟!
6 - شهادة عقل الإنسان:
لقد زوّد الله الإنسان بعقل من دون سائر المخلوقات الحيّة، والثابتأنّه لم يوجد مخلوق حيّ غير الإنسان يستطيع أن يعدّ من واحد إلى عشرة، لذلك يجب أننشكر الله لأنّه منحنا العقل، الذي بواسطته ندرك الأشياء ونحلّلها، وبه نستطيعأيضاً أن نفكّر بأنّ لنا إلهاً كلّيّ الحكمة والقدرة.
و من البديهيّ أنّ قدرة عقل الإنسان على تصوّر ما هو غير منظورلدليل على وجود الله، لأنّ تصوّر الله ينبعث في الإنسان عن طريق مَلَكة إلهيّةكامنة فيه، لا يشاطره فيها مخلوق آخر على الأرض. وبما أنّ التصوّر عند الإنسان،يصبح في سموّه حقيقة روحيّة في البشر، صار ميسوراً للإنسان أن يرى من الكون وما فيهأنّ الله موجود وأنّه مالئ الوجود لكلّ زمان ومكان، وأنّه أقرب الكلّ إلى قلوبنا. هذه الحقيقة تكشّفت يوماً لداود الملك فسبّح الله قائلاً :"اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُبِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍيُذِيعُ كَلَاماً، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْماً" (مزمور 19:1،2).
6 - شهادة الوجدان:
من المسلّم به أنّ الإنسان ينفرد عن سائر المخلوقات الحيّة بوجودالوجدان في نفسه، فهذا الشعور الكامن في أعماق الإنسان كان وما زال يتحدّث عن وجودالله. ومهما اختلف الناس في أحوالهم المعيشيّة والاجتماعيّة والفكريّة، فممّا لاشكّ فيه أنّ وجدانهم الدينيّ ملازم لهم ولا يمكن أن يزول. وقد قال أحدهم: قد تجدبلداً بدون عملات وبدون مدارس وبدون مسارح وبدون فنادق، ولكنّك لن تجد بلداً بدونهيكل للعبادة. هذه الحقيقة تذكّرنا بقول سليمان الحكيم »قَدْ رَأَيْتُ الشُّغْلَالَّذِي أَعْطَاهُ اللّهُ بَنِي الْبَشَرِ لِيَشْتَغِلُوا بِهِ. صَنَعَ الْكُلَّحَسَناً فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضاً جَعَلَ الْأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِيبِلَاهَا لَا يُدْرِكُ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللّهُ مِنَالْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ« (جامعة 3:10 ، 11).
7 - شهادة الضمير:
الضمير مستقلّ في حكمه، بحيث لا يخضع للعقل والإرادة. فإذا كانمستقيماً لا يرى الحرام حلالاً ولا الحلال حراماً، ولو أنّه حاول ذلك. مثله كالعقلالذي لا يقدر أن يرى الأسود أبيض ولو حاول ذلك. ويلزم عن حكم الضمير وجود شريعةأدبيّة، سلطانها من فوق، وتحكم بما هو واجب علينا.
وممّا لا ريب فيه أنّ وجود الضمير والشريعة الأدبيّة يشعرنا بأنّنامسؤولون عن حالنا وأعمالنا، لا لأنفسنا ولا للبشر فقط، بل أيضاً لكائن عظيم هو مصدرالشريعة ومنشئ الضمير فينا. هذا الكائن العظيم يسرّ بالصلاح ويكره الشرّ ويجازي كلّواحد حسب استحقاقه. فيلزم ممّا تقدّم وجود مَن نحن مفتقرون إليه ومسؤولون له وهوالله.
8 - شهادة اقتصاديّاتالطبيعة:
تلزمنا اقتصاديّات الطبيعة أن ندرك أنّ الحكمة الإلهيّة سبقت فرأتوأعدّت كلّ شيء في الطبيعة بتدبير حكيم. مثلاً أشجار الصبّير التي زُرعت فيأستراليا لتحصين المزارع. فلمّا كانت أستراليا خالية يومئذٍ من الحشرات المضادّةلهذا النوع من الشجر أخذ يتكاثر بكيفيّة مذهلة، حتّى مساحات شاسعة من الحقولوالمزارع. وإذ فشلت كلّ الوسائل للحدّ من انتشاره السريع، لم يجد العلماء بدّاً منالإتيان بالحشرات التي تعيش على الصبّير، وأطلقوها عليه. عندئذٍ توقّف عن اجتياحالأراضي وقُضى نهائيّاً على خطره. ومن هنا نرى أنّ هذا التعادل بين القوّةوالمقاومة في عالم النبات لا يمكن أن يوجدها سوى خالق مدبّر هو الله.
9- شهادة الاختبارالشخصيّ:
هذا هو أصدق دليل على وجود الله، فنحن لا نستطيع أن ننكر هذهالشهادة التي تصدر من أعماق القلب. وكما قال ذلك الشابّ الذي وُلد أعمى، حين شفاهيسوع :"أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالْآنَ أُبْصِرُ"(إنجيل يوحنا 9: 25).هكذا يقول كلّ إنسان وجد الله وعرفه كحقيقة قويّة دافعة في اختباره الذاتيّ.
والتاريخ حمل إلينا شهادة الكثيرين في كلّ جيل وعصر ممّن عاشوا معالله واختبروا اختبارات حيّة قويّة ملموسة، لا يمكن أن توصف بأنّها تخيّلات أوأضغاث أحلام. وإذا كان من الحماقة أن ينكر أحد شهادة المختبرين في شؤون الحياةلأنّه لم يختبرها شخصيّاً، فكم بالحريّ تكون الحماقة أشدّ إن أهملنا شهادة الملايينالذين عاشوا قبلنا أو يعيشون معنا والذين يشهدون كلّ يوم عن عجائب أجراها اللهمعهم، وكانت سبباً في تغيير مجرى حياتهم، وذلك نتيجة لإيمانهم وثقتهم في الله.
كان العالِم الشهير فراداي لا يؤمن بشيء قبل درسه وفحصه بدقّة. ولكنحين سُئل وهو على فراش الموت إن كان يؤمن بالله والأبديّة والخلود، أجاب وقد تألّقتعلى وجهه ابتسامة مشرقة (لستُ نائماً على وسادة تخمينات). وفراداي ليس إلاّ واحداًمن أعلام الفكر الذين آمنوا بالله واختبروا عنايته وعاشوا معه ورقدوا في حضنمحبّته.
10 - شهادة التاريخ:
قال كرمويلليس التاريخ إلاّ ظهور الله في قيام وسقوط الممالك).الواقع أنّه لو أحسن الناس قراءة التاريخ وتأمّلوا في أحداثه لأدركوا أنّ اللهفيها. وأنّ الشرّ قد يكسب معاركه الأولى إلاّ أنّه يخسر الحرب في النهاية.
حين تنظر ببصيرة المدقّق إلى الحضارات الغابرة والمدنيّات السالفةوالأمم الماضية وهي ترتفع حيناً وتنخفض حيناً آخر، لا بدّ أن تهتف مع دانيال النبيّ:"لِيَكُنِ اسْمُ اللّهِ مُبَارَكاً مِنَ الْأَزَلِ وَإِلَى الْأَبَدِ، لِأَنَّ لَهُالْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الْأَوْقَاتَ وَالْأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكاً وَيُنَصِّبُ مُلُوكاً. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً،وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْماً." (دانيال 2: 20 ، 21).
أجل! إنّ كلّ من يلاحظ تاريخ الجنس البشريّ يرى فيه ما يدعو إلىالاعتقاد بوجود كائن عظيم ذي سلطان مطلق، يدير كلّ شؤون البشر وأعمالهم على مايوافق مشيئته ويؤول إلى إتمام مقاصده الفائقة، وذلك لما يُرى فيه من حوادث وعِبَرواختراعات وانقلابات أدّت أخيراً إلى تقدّم البشر وارتقائهم، من جيل إلى جيل في كلمعارج المعيشة والتمدّن والمعرفة والبنيان الدينيّ.. ألا ترى في ذلك دليلاً قاطعاًعلى وجود مرشد حكيم، يهدي البشر إلى سبل البرّ والفلاح بوسائط خاصّة سبقفعيّنها؟
11 - شهادة العقل:
آمن جمهور من أهل العلم والفلسفة الأفاضل الذين نبغوا في هذا العصروما قبله من العصور الخالية، بوجود الله من خلال الأدلّة التي وردت آنفاً. صحيح أنّهذه الأدلّة ليست من الموادّ التي يمكن أن توزن بموازين البشر أو أن تُفحصبالامتحانات المادّيّة المنظورة، بل هي أدلّة معقولة جدّاً، لأنّها بُنيت على حقائقظاهرة لعين الإنسان وعقله، نظير ما هو مدرك بالحواسّ الخمس. فإنّ العقل السليم متىنظر إلى الكون وميّز ما فيه من علامات النظام والقصد التي لا تُحصى، يحكم طبعاًبوجود علّة له، وأنّ تلك العلّة عاقلة وحكيمة وقادرة على إيجاد ما يُرى فيه منالغرائب والبدائع. لأنّ نسبة الكون وكلّ غرائبه وما فيه من كائنات حيّة إلى الطبيعةبدون خالق، مخالف للعقل السليم، ولشهادة الطبيعة نفسها التي يصرخ لسان حالها بأنّهامصنوعة لا صانعة. وَأنّ ما حوته من العناصر والحياة وغرائب التركيب والنظام وخواصّالنموّ والتقدّم التدريجيّ إنّما هو صادر عن قوّة خارجيّة ومستقلّة عنها. ولا ريبفي أنّ هذه الأدلّة تجد قبولاً عند كلّ المؤمنين، وأنّ كلّ واحد منهم متيقّن ومقتنعومتمتّع بما له من الأدلّة اليقينيّة على وجود الله. أوّلاً من الكون وما فيه منعلامات القصد والقدرة والحكمة. وثانياً من بنية الإنسان الأدبيّة والروحيّة ومنشهادة الضمير. وثالثاً من الكتاب المقدّس وإعلان اللاهوت في شخص يسوع المسيحالمتجسّد.
12 - شهادة العلماء:
لقد جاء على الناس حين من الدهر ظنّ فيه البعض أنّ تقدّم العلموالاكتشاف سيكسر شوكة الإيمان، وبالتالي سيهزّ الإيمان بوجود الله. ولكنّ رياح العلمالصحيح جرت بما لا تشتهي سفن الإلحاد، فالعلم النزيه أتى بتأييدات وشهادات جديدة فيصالح الإيمان "المسلّم مرّة للقدّيسين". وإليك طائفة من أقوال العلماء التي تؤيّدالإيمان:
1 - قال الدكتور كارل يونج، وهو أعظم الأطبّاء النفسيّين في كتابه(الرجل العصريّ يبحث عن روح): (استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص منمختلف شعوب العالم المتحضّرة، وعالجْتُ مئات المرضى، فلم أجد مشكلة من مشكلات أولئكالذين بلغوا منتصف العمر إلاّ وكان سببها ضياع الإيمان والخروج على تعاليم الدين. ويصحّ القول بأنّ كلّ واحد من هؤلاء المرضى وقع فريسة المرض لأنّه حُرم سكينة النفسالتي يوفّرها الإيمان بالله. ولم يبرأ واحد منهم إلاّ حين استعاد إيمانه واستعانبوصايا الله ونواهيه على مواجهة الحياة).
2 - قال العالم ديل كارنيجي، مدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانيّةفي كتابه (دع القلق وابدأ الحياة):
( الإيمان بالله يمدّني بالثقة والأمل والشجاعة،ويُقصي عنّي المخاوف والاكتئاب والقلق ويزّودني بأهداف وغايات في الحياة، ويفسحأمامي آفاق السعادة، ويعينني على إنشاء واحة خصبة وسط صحراء حياتي(.
3 - قال الطبيب النفسانيّ المشهور الدكتور هنري لنك في كتابه (العودةإلى الإيمان):
(وضعت جمعيّة مساعدة العمّال في نيويورك 200 ألف دولاراً تحت تصرّفيلمراقبة الدراسات الإحصائيّة المستخلصة لعشرة آلاف نفس ممّن أجري عليهم 73226اختباراً نفسيّاً. وسجّلتُ تقريراً شخصيّاً شاملاً لكلّ فرد منهم. وفي هذا الوقتبالذات بدأ إدراكي للعقيدة الدينيّة بالنسبة لحياة الإنسان، ووجدت من نفسياستعداداً لمضاهاة تجاربي السابقة على مرضاي بالنتائج الباهرة التي أتت بها تلكالاختبارات العظيمة التي تولّيت الاشراف عليها. وقد استخلصنا من هذه الاختباراتنتيجة هامّة، هي أنّ كلّ من يؤمن بالله يتمتّع بشخصيّة أقوى وأفضل ممّن لا يؤمنبالله ولا يزاول أيّة عبادة. وأنا مثلاً أؤمن بصدق رواية مولد الربّ يسوع، ولكن ليستصديقي هذا نتيجةً لمقارنة عقيدتي بغيرها من العقائد، ولكنّه إيمان خالص جاء فيأعقاب اهتدائي إلى المزايا الصحيحة في ديني، الذي سبق أن نبذته لمّا كنت عاجزاً عناكتشاف ما فيه من الخير).
4 - قال الدكتور النفسيّ العلاّمة ا. بريل:
( أحدث العلوم، وهو الطبّالنفسيّ، يبشّر بمبادئ الدين. أطبّاء النفس يدركون أنّ الإيمان بالله والصلاةكفيلان بأن يقهرا القلق والمخاوف والتوتّر العصبيّ، وبأن يشفيا أكثر من نِصفالأمراض التي نشكو منها. وقد تأكّد لديّ أنّ المؤمن حقّاً لا يعاني قطّ مرضاًنفسيّاً).
5 - قال الفيلسوف فرانسيس بيكون:
(قليل من الفلسفة يجنح بالعقل إلىالإلحاد، ولكنّ التعمّق في الفلسفة خليق بأن يعود بالمرء إلى الإيمان بالله).
6 - قال الدكتور شارل مالك في كتابه (لماذا أؤمن بيسوع المسيح؟):
(فيالعهد القديم، الله يخلق ويختار ويعدّ ويرشد ويجرّب ويمتحن، وبالتدريج يعلن عن نفسهوإرادته. وإذ تصغي إصغاءً تامّاً لهذا الإعلان، يتّضح لك مع الزمن أنّ ما يعلن عنهمن ذات وإرادة هو بالفعل موجود كما هو معلن عنه. هذه الطبيعة الموجودة الثابتةالأكيدة هي الله الخالق).
7 - سُئل العالِم الفلكيّ الشهير لابلاس :
(لماذا لم يذكر الله فيأبحاثه الفلكيّة؟ فأجاب : (لأنّني لم أجد حاجة إلى ذلك، لأنّ الله خلف كلّ بحثتناولته أو أيّ رأي أبديته. الله خلف كلّ ظاهرة في الكون والطبيعة والحياة).
8 - قال جونثان إدوردس الذي حُسب أعظم عقل بعد أرسطو:
(لقد بدا جلالالله البارع في كلّ شيء: في الشمس والقمر والنجوم وفي الطبيعة كلّها. لقد خلقهاليُظهر بواسطتها بعض أمجاده وعظمته. فحين نتأمّل في الروض النضير وفي النسيمالعليل، نرى إحساناته الحلوة وجوده الرقيق. وحين نرى الزهرة الفوّاحة، أو الزنبقةالعطرة، نرى محبّته وطهارته ونقاوته. وماذا أقول عن الأفنان الخضراء التي هي انبثاقفرحه العظيم؟! وعن الأنهار البلّوريّة المتدفّقة التي هي وقع أقدامه؟! وهل الشروقالورديّ، والشمس اللامعة، والغروب الذهبيّ وقوس قزح، إلا ظلال آتية من مجده؟).
9 - قال عمّانوئيل كنْت:
(من غير الممكن أن نتأمّل في صنع هذا العالمدون أن نرى يد الله الطاهرة البارزة في كمال تناسقه. و حين يفكّر العقل ويؤخذ بمافيه من روعة وجمال لا يملك إلا أن يشعر بالسخط على الجهالة التي جَسُرت أن تنسب كلّما في الكون إلى محض المصادفة، لأنّ روائع هذا الكون هي وليدة حكمة سامية عجيبةوضعت فكرته.
نعم، إنّ هذا الانسجام المتبادل بين الكائنات يدلّ على وجود خالق ذيحكمة فائقة استمدّت الطبيعة وجودها وتناسقها منه، وليس ثمّة ما يدعو إلى الظنّ أنّنشاط الطبيعة لا يتّفق مع وجود إله قادر على كلّ شيء. )
10 - قال اللورد كالفن الذي يُعدّ من أبرع علماء زمنه :
(إنّ العالمليؤكّد جازماً وجود الخالق، لأنّنا لا نحيا ونوجد بالمادّة الميّتة بل بالقوّةالخالقة التي توجّه حياتنا والتي يفرض العلم علينا قبولها كموضوع لإيماننا. ولا ريبفي أنّنا نستطيع أن نعرف الله عن طريق أعماله. والعلم يلزمنا أن نؤمن بيقين بوجودقوّة خالقة موجِّهة).
11 - عرف الأدميرال بيرد معنى ربط النفس بالقوّ ة العظمى المهيمنة علىالكون. ومعرفته تلك هي التي مكّنته من الخروج من المحنة القاسية التي خاضها والتيروى أحداثها في كتابه (وحيد).
لقد قضى خمسة أشهر في كوخ مطمور بالثلج في المنطقة المتجمّدةالجنوبيّة. كان العون الذي ينشده على بعد 123 ميلاً من مكانه. ولن يتسنّى لأحد أنيصل إليه قبل مضيّ أشهر عديدة. كانت العواصف الثلجيّة الهوجاء تزأر في الخارج،والظلام يضرب حول المكان نطاقاً موحشاً. وقد شعر بأنّه يتسمّم تدريجيّاً بغاز أوّلأوكسيد الكربون المتصاعد من موقده. فحاول إصلاح الموقد وجهاز التهوية ولكنّه لميستطع. وأصابه من الوهن ما أعجزه عن الحركة وتناول الطعام. وطالما استشعر بأنّه لنيأتي عليه اليوم التالي إلاّ وهو في عداد الأموات. ولكن ما الذي أنقذ حياته؟ يخبرناهو نفسه أنّه في غمرة اليأس الذي غزا قلبه، تناول مذكّراته، وحاول أن يدوّن فلسفتهفي الحياة. فكتب :
(ليس الجنس البشريّ وحيداً في هذا الكون). وكان وهو يكتب تلكالعبارة يفكّر في النجوم المنتشرة في السماء، وفي الكواكب والأَجْرام الدوّارة فيأفلاكها بدقّة ونظام، وفي الشمس التي لا تحرم شبراً من الأرض من نورها ودفئها،والتي لن تلبث أن تشرق على تلك البقعة النائية الموحشة في أقصى جنوب الأرض. وذلكالأحساس بأنّه ليس وحيداً أنقذ حياته. وإلهه الذي لن يشكّ مطلقاً بعنايته أرسلأشعّة شمسه عليه على تلك البقعة، ممّا أتاح لفرقة الإنقاذ الوصول إليه قبل فواتالأوان.
12 - سُئل العالم وليم جيمس:
( لماذا يجب الإيمان بالله والاعتماد عليهوطلب الأمان والسلام والأطمئنان؟)، فقال إنّ أمواج المحيط الصاخبة المتقلّبة لاتعكّر قطّ هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه. وكذلك المرء إذا عمّق إيمانه باللهخليق بألاّ تعكّر طمأنينته التقلّبات السطحيّة الموقّتة. فالرجل المؤمن حقّاً،عصِيٌ على القلق، محتفظ دائماً باتّزانه، مستعدّ دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي بهظروف الأيّام. فلماذا لا نتّجه إلى الله إذا استشعرنا القلق؟ ولماذا لا نؤمن باللهونحن في أشدّ الحاجة إلى هذا الإيمان؟ ولماذا لا نربط أنفسنا بالقوّة العظمىالمهيمنة على هذا الكون؟).
وخلاصة القول في وجود الله، هي أنّنا نجد أنفسنا في كون عظيمجدّاً، نحن جزء منه. وعقولنا تسأل دائماً: ما هو مصدر هذا الكون؟ وما هو القصد منه؟وكيف يُحفَظ؟ ومن أين أتينا؟ وإلى أين نمضي؟ ولا يمكن الجواب على هذه الأسئلة بدونالتسليم بوجود كائن سرمديّ قادر على كلّ شيء، علّة العلل، واجب الوجود، عاقل، حكيم،ذو إرادة وصفات أدبيّة، وإنّنا لنجد الأجوبة فعلاً في قول الكتاب المقدّس:
"فِيالْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَكَانَتِ الْأَرْضُ خَرِبَةًوَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللّهِ يَرِفُّ عَلَىوَجْهِ الْمِيَاهِ"(تكوبن 1:1 و2).
منقول كاملاً عن الأخوة الأعزاء من موقع المسيح2022
http://www.almaseeh2020.com/
Comment