نعم هما أمران يتميّز بهما المسيحيّ الحقيقيّ:
نقرأ في رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل فيلبي: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ."( 2: 6-8). فربّنا يسوع المسيح لم يحسب مساواته لله اختلاساً، ولم يدّع أنّه بمساواته لله، سينتصر على الكفّار، ويقطع رؤوسهم، ويستلم زمام الحكم، ويتسلّط على رقاب الناس، فتارة يدعوهم بالقوّة والإرهاب، وتارة بالترغيب.
بل "أخلى ذاته"، انظر إلى هذه العبارة، إخلاء الذات، يعني التجرّد من كلّ شيء، حتّى من ذاته الإلهيّة، لقد خلع عن ذاته، من أجلنا ومن أجل أن يقول لنا إنّه يحبّنا، تخلّى عن كلّ ما هو إطراء وتبجيل، مع أنّ هذا المدح والتمجيد والتسبيح، لا يليق إلّا له. أمّا هو فقد "أخلى ذاته"، وأخذ صورة عبد، صائراً في شبه البشر. الله الكلمة، صار جسداً وسكن فيما بيننا. لقد افتقر لأجلنا، تجرّد عن كلّ شيء، من أجلنا. هذا هو التجرّد وصار طائعاً حتّى الموت، وهو في تلك الحالة، إذ إنّه أطاع إلى أقصى درجات الطاعة، ولقد علم أنّ طاعته ستودي به إلى الموت، ولم يتراجع.
من هذا المقطع يمكنني أن أستنتج هذين الأمرين اللذين يجعلانني مسيحيّاً:
1. التواضع، الذي فيه يتخلّى الإنسان عن كبريائه، ويتنازل عن حقوقه، متجرّداً عنها طوعيّاً، حتّى ولو كانت حقوقاً شرعيّة له. فالسيّد المسيح تجرّد عن كلّ شيء، وهو الذي لم يملك في هذه الأرض ولا حتّى حجراً يسند إليه رأسه، هو الذي ولد في مغارة، وهو الذي مات على خشبة الصليب عارياً. ولكنّه قام من بين الأموات في اليوم الثالث، لأنّ الله قد وهبه اسماً يفوق كلّ الأسماء، حتّى تجثو لاسمه كلّ ركبة ممّا في السماوات وعلى الأرض، وتحت الأرض.
2. المحبّة، فالمحبّة التي أحبّنا إيّاها السيّد المسيح، له المجد، لم تكن من أجل مصلحة له، بل كانت محبّة صادقة، خالية من كلّ استفادة، بل كانت أكثر من ذلك، إنّها تضحية. وليس من أجل أنّنا نحن جيّدون، بل أحبّنا ونحن بعد خطأة. لقد أحبّنا حبّاً ليس أعظم منه على الإطلاق، إذ قد بذل نفسه عن أحبائه.
بالمحبّة والتواضع فقط يمكننا أن ننشر رسالة المسيح للعالم أجمع. لقد عاش الرسل القدّيسون هذه الفضيلة فضيلة المحبّة، ونقلوها إلى الرومانيّين، ولم يستعملوا السيف، ولا التهديد ولا الوعيد، ولم ينادوا بشعارات كما نفعل نحن اليوم، بل نزلوا إلى معترك الحياة. ودفعوا حياتهم ثمناً من أجل أن يفهم العالم محبّة الله لنا.
نعم هكذا هو العالم، الذي نحن نعيش فيه. عالم متناقض، يطلب الحرّيّة، ولكنّه يستعبد الآخرين. يطلب العدالة ولكنّه يمارس الظلم. يطلب الرفاهيّة ولكنّه يسهم في إفقار الشعوب. لا بدّ من وجود أشخاص يضحّون بحقوقهم، ليستطيعوا أن يوصلوا إلى هذا العالم، محبّة الله المجّانية. وحدها هذه الطريقة هي التي نجحت. لذلك فلقد استعملها السيّد المسيح، ومارسها رسله القدّيسون فيما بعد، بنعمة خاصّة منه. ولقد استعمل معلمنا الإلهيّ، أساليب عديدة، ليوصلها إلينا. فالأمثال المقدّسة، التي تكلّم فيها عن التجرّد، وعن محبّة العالم، والمال، والشهوة، والسلطة، عندما روى لنا الإنجيل المقدّس مثل الكنز متى 13: 44؛ ومثل اللؤلؤة متى 13: 45، ومثل العمال متى 20: 1-16، ومثل الرجل الغنيّ الجاهل لوقا 12: 16-21... وسواها من الأمثال. هذه الأمثال توضح لنا مدى أهمّيّة هذه الطريقة، مزاولة المحبّة والتواضع، في إيصال رسالة المسيح إلى الجميع.
ونحن اليوم في هذا الشرق، لا بدّ لنا من أن نعيش هذا التواضع، وهذه المحبّة. وهما وحدهما فقط كفيلان بأن تهتدي جميع هذه الشعوب إلى المسيح، وخلاصه، والتمتّع بلقائه. ويمكننا قراءة هذه الأمثال لنتعلّم كيف أنّ الله قد تجسّد وأحبّنا وبذل نفسه عنّا.
لَمّا رُفِعْتَ على الصليب، أيّها الرؤوف، محوت صكّ الخطيئة، خطيئة آدم القديمة، وخلّصْتَنا من الضلالة؛ وبموتِكَ أمَتَّ الموت، وأقمْتَ الأموات من القبور. وامّحَى تأثير سُمِّ الحيّة الذي أوقع حواء. فيا أيّها النور الأزليّ، أضئ أذهاننا، لنعرف تعاليمك الإنجيليّة، وافتح عيون عقولنا، لنفهمها حقّ الفهم، ولا تحرمنا يا ربّ هذه النعمة، نعمة محبّتك، واللقاء بك.
نقرأ في رسالة القدّيس بولس الرسول إلى أهل فيلبي: "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ."( 2: 6-8). فربّنا يسوع المسيح لم يحسب مساواته لله اختلاساً، ولم يدّع أنّه بمساواته لله، سينتصر على الكفّار، ويقطع رؤوسهم، ويستلم زمام الحكم، ويتسلّط على رقاب الناس، فتارة يدعوهم بالقوّة والإرهاب، وتارة بالترغيب.
بل "أخلى ذاته"، انظر إلى هذه العبارة، إخلاء الذات، يعني التجرّد من كلّ شيء، حتّى من ذاته الإلهيّة، لقد خلع عن ذاته، من أجلنا ومن أجل أن يقول لنا إنّه يحبّنا، تخلّى عن كلّ ما هو إطراء وتبجيل، مع أنّ هذا المدح والتمجيد والتسبيح، لا يليق إلّا له. أمّا هو فقد "أخلى ذاته"، وأخذ صورة عبد، صائراً في شبه البشر. الله الكلمة، صار جسداً وسكن فيما بيننا. لقد افتقر لأجلنا، تجرّد عن كلّ شيء، من أجلنا. هذا هو التجرّد وصار طائعاً حتّى الموت، وهو في تلك الحالة، إذ إنّه أطاع إلى أقصى درجات الطاعة، ولقد علم أنّ طاعته ستودي به إلى الموت، ولم يتراجع.
من هذا المقطع يمكنني أن أستنتج هذين الأمرين اللذين يجعلانني مسيحيّاً:
1. التواضع، الذي فيه يتخلّى الإنسان عن كبريائه، ويتنازل عن حقوقه، متجرّداً عنها طوعيّاً، حتّى ولو كانت حقوقاً شرعيّة له. فالسيّد المسيح تجرّد عن كلّ شيء، وهو الذي لم يملك في هذه الأرض ولا حتّى حجراً يسند إليه رأسه، هو الذي ولد في مغارة، وهو الذي مات على خشبة الصليب عارياً. ولكنّه قام من بين الأموات في اليوم الثالث، لأنّ الله قد وهبه اسماً يفوق كلّ الأسماء، حتّى تجثو لاسمه كلّ ركبة ممّا في السماوات وعلى الأرض، وتحت الأرض.
2. المحبّة، فالمحبّة التي أحبّنا إيّاها السيّد المسيح، له المجد، لم تكن من أجل مصلحة له، بل كانت محبّة صادقة، خالية من كلّ استفادة، بل كانت أكثر من ذلك، إنّها تضحية. وليس من أجل أنّنا نحن جيّدون، بل أحبّنا ونحن بعد خطأة. لقد أحبّنا حبّاً ليس أعظم منه على الإطلاق، إذ قد بذل نفسه عن أحبائه.
بالمحبّة والتواضع فقط يمكننا أن ننشر رسالة المسيح للعالم أجمع. لقد عاش الرسل القدّيسون هذه الفضيلة فضيلة المحبّة، ونقلوها إلى الرومانيّين، ولم يستعملوا السيف، ولا التهديد ولا الوعيد، ولم ينادوا بشعارات كما نفعل نحن اليوم، بل نزلوا إلى معترك الحياة. ودفعوا حياتهم ثمناً من أجل أن يفهم العالم محبّة الله لنا.
نعم هكذا هو العالم، الذي نحن نعيش فيه. عالم متناقض، يطلب الحرّيّة، ولكنّه يستعبد الآخرين. يطلب العدالة ولكنّه يمارس الظلم. يطلب الرفاهيّة ولكنّه يسهم في إفقار الشعوب. لا بدّ من وجود أشخاص يضحّون بحقوقهم، ليستطيعوا أن يوصلوا إلى هذا العالم، محبّة الله المجّانية. وحدها هذه الطريقة هي التي نجحت. لذلك فلقد استعملها السيّد المسيح، ومارسها رسله القدّيسون فيما بعد، بنعمة خاصّة منه. ولقد استعمل معلمنا الإلهيّ، أساليب عديدة، ليوصلها إلينا. فالأمثال المقدّسة، التي تكلّم فيها عن التجرّد، وعن محبّة العالم، والمال، والشهوة، والسلطة، عندما روى لنا الإنجيل المقدّس مثل الكنز متى 13: 44؛ ومثل اللؤلؤة متى 13: 45، ومثل العمال متى 20: 1-16، ومثل الرجل الغنيّ الجاهل لوقا 12: 16-21... وسواها من الأمثال. هذه الأمثال توضح لنا مدى أهمّيّة هذه الطريقة، مزاولة المحبّة والتواضع، في إيصال رسالة المسيح إلى الجميع.
ونحن اليوم في هذا الشرق، لا بدّ لنا من أن نعيش هذا التواضع، وهذه المحبّة. وهما وحدهما فقط كفيلان بأن تهتدي جميع هذه الشعوب إلى المسيح، وخلاصه، والتمتّع بلقائه. ويمكننا قراءة هذه الأمثال لنتعلّم كيف أنّ الله قد تجسّد وأحبّنا وبذل نفسه عنّا.
لَمّا رُفِعْتَ على الصليب، أيّها الرؤوف، محوت صكّ الخطيئة، خطيئة آدم القديمة، وخلّصْتَنا من الضلالة؛ وبموتِكَ أمَتَّ الموت، وأقمْتَ الأموات من القبور. وامّحَى تأثير سُمِّ الحيّة الذي أوقع حواء. فيا أيّها النور الأزليّ، أضئ أذهاننا، لنعرف تعاليمك الإنجيليّة، وافتح عيون عقولنا، لنفهمها حقّ الفهم، ولا تحرمنا يا ربّ هذه النعمة، نعمة محبّتك، واللقاء بك.
Comment