أصدر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في تشرين الأول من عام 2002، رسالة بابوية رسولية بعنوان "روزاريوم فيرجينت ماريه ؛ سبحة العذراء مريم"، ومما قال فيها:
إن السبحة تطورت منذ الألف الثاني تدريجياً بوحي من نفحة من الروح القدس، وهي صلاة أحبّها العديد من القديسين. ففي بساطها وعمقها بقيت أيضاً في بداية هذا الألف الثالث صلاة غنية بمعانيها الروحية، وموجَّهة لتحمل ثمار القداسة عبر روح الله، آخذةً بوسعها أن تصرخ عالياً بالمسيح كي تقدم للعالم ربّاً ومخلّصاً، والقائل:"أنا هو الطريق والحق والحياة".
وهناك تلتقي مثاليات التاريخ والحضارة. فالمسبحة بإمكانيتها المريمية صلاة، لا بل صلاة القلب المسيحاني، لأن الصلاة _ كما يقول الكاريدنال مارتيني _ بُعدٌ أساسي في حياة الإنسان المسيحي. وبخبرة الصلاة نصل إلى حرية إبراهيم في التعامل مع الله والمثول وجهاً لوجه أمام الله.
إذن، فالمسبحة الوردية ممارَسة تقوية، تقوم بأن نعطي ذاتنا للمسيح على يد مريم. فهي الطريق التي تقودنا إلى داخلنا حيث نشعر برغبة جامحة في الوحدة الداخلية. وكما تقول جورجيت بلاكيير:"إذا كان هناك من صلاة تقودنا بها إلى مريم وإلى تأمل ابنها بإستمرار، فهي دون شكّ صلاة الوردية المقدسة".
فتلاوة المسبحة ممارسة تقوية تساعدنا مريم من خلالها على تأمل عمل الله للبشر، وما يفعله لهم عبر قصة حياتها الشخصية المقدسة، ومن الخبرة الشخية، لأن الخبرة في صلاة الوردية تركّز بعناصرها الثابتة على عمق الرسالة الإنجيلية الكاملة. ففي الرسالة الإنجيلية نجد صلاة مريم، ونرى نشيدها الأبدي مجسَّداً في عمل التجسد الذي بدأه حشاها البتول، وبواسطتها يدخل الشعب المسيحي إلى مدرسة مريم لتقوده إلى طريق التأمل بجمال وجه المسيح، واختبار عمق حبّه الإلهي، إذ المسبحة هي الصلاة الوحيدة الممكنة، إذ تقول الراهبة هنركتيا الفييري:"كم هي كبيرة نعمة صلاة السبحة، فهي سلاح قوي لإستعماله في جميع الأوقات"، لذا عمل الباباوات على نشر هذه الصلاة والتمسك بها.
ففي سنة 1883، أصدر قداسة البابا لاون الثالث عشر منشوراً يحثّ المسيحيين على صلاة المسبحة طلباً لمعونة العذراء من المحن والشدائد التي كانت تجتازها الكنيسة وقتئذٍ. كما أكّد البابا بيوس الثاني عشر أن الوردية هي خلاصة الإنجيل كله، فإنها تستمدّ من الإنجيل تعابير الأسرار، وهي تضمّ تاريخ الخلاص كله، وتعكس مراحل الخلاص من تجسد الكلمة إلى الصلب والصعود والعَنصرة حتى الإنتقال، فهي تجسُّد، كما يقول مار بولس:"إنه تجسد آخذاً صورة عبد" (فيلبي 6:2-11).
2) أما البابا يوحنا بولس الثاني فيقول: إن السبحة تضعنا بشراكة أوسع وحيّة مع يسوع من خلال قلب أمّه مريم. ففي الوقت عينه في قلبنا نجد في السبحة ذاتها حياتنا الشخصية وعائلتنا ووطننا والكنيسة والإنسانية، ونرى أيضاً أحداثنا الشخصية وأحداث القريب العائش معنا، وبنوع خاص أولئك القريبين من قلبنا، فهي تعطي الحياة البشرية وقعاً جديداً وإيقاعاً ملائماً.
نعم، إن باباوات القرن العشرين أعطوا صلاة السبحة إهتماماً كبيراً من حيث دعوة الله، جاعلين من السبحة أداة لزرع السلام في القلوب وفي العالم، لأنها تشكّل السلام بحدّ ذاته كونها تدعو نعمة الله إلى ظهور الخير والثمار والتضامن في الحياة الشخصية والجماعية، فهي تساعدنا على خدمة السلام، كما هي صلاة العائلة والجماعات المسيحية لأنها إنغماس في أسرار المسيح _ في التجسد والآلام والفصح _ إذ تقدّم مريم مثالاً أكمل للعوائل لتقبل أقوال المسيح وأعماله الخلاصية، لأن العائلة التي تصلّي متحدة تظلّ متحدة.
ونعلم اليوم كم هي القوى التي تعمل من أجل إنحلال العائلة. وقد تكون إذن السبحة الوردية علاجاً إيجابياً للتأمل بوجه المسيح عبر المدرسة المريمية المقدسة التي تدخل صميم حياتنا اليومية. فهي دعوة شاملة إلى كل الجماعات المؤمنة من أجل صلاتها اليومية، وهذه المبادرة تحثّ الجماعات الكنسية والرعايا أن يقبلوها بمحبة وحماس، إذ السبحة تدخل إلى لبّ الحياة المسيحية لتعطيها مجالاً روحياً جديداً، وتربية في التأمل الشخصي، وتنشئة شعب الله من العائلة البيتية إلى العائلة الإنسانية بالتبشير الجديد في الألف الجديد.
فالإلتزام في الصلاة في إطار العائلة _ نواة المجتمع _ وإنطلاقة السبحة في العائلة المسيحية في إطار راعوية واسعة للعائلة، تساعد على تخطّي تلك الأزمات التاريخية والمعاصرة. فمريم تدعو كل فرد من العائلة إلى أن ينظر إليها في كل العصور لتكون الأمّ التي، بحضورها وسماع صوتها، تطلب من شعب الله المحافظة على هذا النوع من الصلاة والتأمل، وبالخصوص حضورها في الظهورات التي حدثت في لورد وفاتيما، حيث لشعب الله حياةً جديدةً ورجاءً جديداً بالمسيح.
إذن فالسبحة الوردية هي السبيل الوحيد للتأمل مع مريم، وبالضبط كما هو الحال في مشهد التجلّي، حيث يُخبرنا الإنجيل عن وجه المسيح الساطع كالشمس. فالتركيز على وجه المسيح معرفة بسرّ طريق الإنسانية العادي والمؤمن لغاية البلوغ إلى قطف النسيم الإلهي الذي كشفه القائم الممجَّد على يمين الآب 00 هذا هو عمل كل تلميذ للمسيح وكل واحد منا، أن نتأمل في هذا الوجه الإلهي، وقبول سر الحياة الثالوثية في اختبار حب الآب الجديد، والتمتّع في فرح الروح القدس، لتتحقق فينا كلمة الله إذ ينعكس مجد الرب كالمرآة، ونتحول إلى الصورة ذاتها، كما يقول بولس الرسول:"حسب عمل الروح القدس". ومريم العذراء هي المثال الأعلى الذي لا يُسبَر غوره. فوجه المسيح تابع لها بطريقة خاصة، وقد وُضِعَ في حشاها، وأخذ منها الشبه الإنساني الداعي غلأى الحياة الروحية للحَمَل.
فمريم، بواسطة السبحة الوردية والتأمل فيها، تقودنا إلى السماء، كما بواسطتها يمكننا الحصول من الرب على النعمة الكبيرة لتغيير القلوب وتغيير النفوس، والمحبة، والنعمة الإلهية، والقداسة، والإنتصار على جميع الصعوبات التي يريد إبليس فرضها على الإنسانية.
من هنا يجب أن نخصص الوقت الضروري لتلاوة الوردية يومياً، إذ بتولاتها تُصنَع العجائب في العالم كما في الحياة. ومن خلال الوردية تدعونا مريم إلى الإستسلام الكلي لذراعيها، وإلى تسليم أنفسنا لفعلها وعمل الروح، ومَن يملك الروح يملك كل شيء. وفي هذا الصدد يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني _ والذي نشاهده يذهب إلى الغداة أو يتنزه في حدائق الفاتيكان والسبحة في يده _ إنه قام بخبرة هذه الصلاة، وبالتالي يريد أن يشدّد كي تعود السبحة الوردية لتكون عامل شركة داخل العائلات، لكونها صلاته المفضلة _ حسب قوله _ في بساطتها وعمقها. وهو الذي وضعها نصب عينيه، ومنذ السنة الأولى لحبريته.
وبسبب النِعَم الكثيرة التي تلقّاها قداسته خلال سنوات حياته من العذراء القديسة بواسطة صلاة السبحة، كانت رسالته الأبوية إلى أبناء الكنيسة الجامعة بمناسبة بدء السنة الخامسة والعشرين لخدمته كخليفة بطرس، من تشرين الأول 2002 وحتى تشرين الأول عام 2003.
3) إن الله حقق مدى الأجيال أصدق المعاني كي يفتح الطريق للإنسان الخاطئ، وعيش الله في حياتنا بموقف ثابت بالحب، والإلتفاف إلى نعمة المسيح من خلال حياته وموته وقيامته. فعلى المسيحي أن يشترك مع الجميع بالصلاة والدخول إلى غرفته للصلاة إلى الآب السماوي. وهكذا صلاة الوردية، فهي صلاة متواصلة وتأمل أكيد في الدخول يف سر حياة الفادي، والعمل من خلال الثقة الإلهية.
ماذا بعد؟ 00 من المؤكد، ومن خبرة رجال الكنيسة، أن العذراء بتلاوة ورديتها تقودنا إلى اسلماء، وبواسطتها يمكننا الحصول من الرب على النعمة الكبيرة لتغيير القلوب وتغيير النفوس، والقداسة، والإنتصار على جميع الصعوبات التي تواجهنا، إذ يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "أمّ الفادي": في المرحلة الراهنة في مسيرتها، تسعى الكنيسة إلى إستعادة وحدة المؤمنين بالمسيح، وتعلن أنها وُضِعَت في وسط ملء المسيح هذا بالذات. فالتدبير الخلاصي كله يتجه صوبها بوصفها أمّ المسيح، والكنيسة في مسيرتها تكمل مسيرة مريم، إذ بمريم يبدأ خلاص العالم، وبمريم ينبغي أن يتمّ، هكذا يقول القديس دي مونفور. فالله يريد إذن من هذه الأزمنة الأخيرة أن يوحي بمريم، وأن يكشف عن مريم تحفة ما صنعت يداه 00 وصلاة الوردية هو هذا الكشف السماوي عن رسالة المسيح الخلاصية عبر الأسرار المقدسة.
4) أخيراً، لقد مُسحنا باسم المسيح، فأصبحنا مسيحيين كالعذراء مريم التي أعطت البشرية ليسوع، ونحن أيضاً نعطي طبيعتنا البشرية ليسوع فيستعملنا. نتعجب أحياناً من قوة تأثير بعض الأشخاص الآخرين أكثر من غيرهم، كونهم أكثر إتحاداً بالمسيح كالعذراء مريم الكلية القداسة والطواعية في مخطط المسيح الخلاصي، وهذا ما يجعلنا سعداء على مثال مريم. نوجّه نظرنا عمودياً نحو إرادة الله، وأفقياً لتنسجم إرادتنا مع إرادته، فلم تضع مريم العذراء إرادتها عكس مشيئة الآب، بل أصبحت لنا دعوة ملحّة، ومثالاً حيّاً من أجل هدم حائط العداوة بين الناس، والغوص مجدَّداً في التأمل بسرّ مَن أصبح خلاصنا، وبهذا نعمل على إكتشاف الطبيعة الحقيقية للسبحة الوردية، فهي تساعدنا على البقاء برفقة المسيح ومعرفته بشكل أفضل، وإستيعاب تعاليمه. ومَن تراه أفضل من مريم لساعدنا في مسيرة العقل والقلب؟ 00 وطوبى للعائلات اللواتي يصلّين سبحة الوردية بعد يوم عملٍ طويل، فزمننا بحاجة إلى مسيحية تتميّز عن فن الصلاة. ففي الثقافة المعاصرة، ورغم التناقضات الملموسة، هناك حاجة جديدة إلى الروحانية المسلوبة أيضاً كي تصبح جماعاتنا المسيحية وعوائلنا مدارس صلاة حقيقية. وكما تطور تقليد التأمل المسيحي في الغرب ليُصبح صلاة القلب التأملية وصلاة يسوع التي زُرِعَت في إنسان الشرق المسيحي، هكذا صلاة السبحة خُصِّصت للسلام والعائلة في كافة الحالات التاريخية المعروفة. فهي دعوة ملحّة من الإنسان لله معطي السلام.
فهل ستسجّل إسمكَ في مدرسة العذراء وتتخرّج وبيدكَ الشهادة _ سبحة الوردية _ فتصلّي، وتتأمل، وتكون رسول البشارة الإنجيلية في الألف الجديد، وتُعلن للناس أن حب مريم هو حبّ يسوع، وأن صلاة مسبحة الوردية علامة الحب ليسوع بمريم أمّهم؟ 00 إذن مبروك تخرجكَ وشهادتكَ.
إن السبحة تطورت منذ الألف الثاني تدريجياً بوحي من نفحة من الروح القدس، وهي صلاة أحبّها العديد من القديسين. ففي بساطها وعمقها بقيت أيضاً في بداية هذا الألف الثالث صلاة غنية بمعانيها الروحية، وموجَّهة لتحمل ثمار القداسة عبر روح الله، آخذةً بوسعها أن تصرخ عالياً بالمسيح كي تقدم للعالم ربّاً ومخلّصاً، والقائل:"أنا هو الطريق والحق والحياة".
وهناك تلتقي مثاليات التاريخ والحضارة. فالمسبحة بإمكانيتها المريمية صلاة، لا بل صلاة القلب المسيحاني، لأن الصلاة _ كما يقول الكاريدنال مارتيني _ بُعدٌ أساسي في حياة الإنسان المسيحي. وبخبرة الصلاة نصل إلى حرية إبراهيم في التعامل مع الله والمثول وجهاً لوجه أمام الله.
إذن، فالمسبحة الوردية ممارَسة تقوية، تقوم بأن نعطي ذاتنا للمسيح على يد مريم. فهي الطريق التي تقودنا إلى داخلنا حيث نشعر برغبة جامحة في الوحدة الداخلية. وكما تقول جورجيت بلاكيير:"إذا كان هناك من صلاة تقودنا بها إلى مريم وإلى تأمل ابنها بإستمرار، فهي دون شكّ صلاة الوردية المقدسة".
فتلاوة المسبحة ممارسة تقوية تساعدنا مريم من خلالها على تأمل عمل الله للبشر، وما يفعله لهم عبر قصة حياتها الشخصية المقدسة، ومن الخبرة الشخية، لأن الخبرة في صلاة الوردية تركّز بعناصرها الثابتة على عمق الرسالة الإنجيلية الكاملة. ففي الرسالة الإنجيلية نجد صلاة مريم، ونرى نشيدها الأبدي مجسَّداً في عمل التجسد الذي بدأه حشاها البتول، وبواسطتها يدخل الشعب المسيحي إلى مدرسة مريم لتقوده إلى طريق التأمل بجمال وجه المسيح، واختبار عمق حبّه الإلهي، إذ المسبحة هي الصلاة الوحيدة الممكنة، إذ تقول الراهبة هنركتيا الفييري:"كم هي كبيرة نعمة صلاة السبحة، فهي سلاح قوي لإستعماله في جميع الأوقات"، لذا عمل الباباوات على نشر هذه الصلاة والتمسك بها.
ففي سنة 1883، أصدر قداسة البابا لاون الثالث عشر منشوراً يحثّ المسيحيين على صلاة المسبحة طلباً لمعونة العذراء من المحن والشدائد التي كانت تجتازها الكنيسة وقتئذٍ. كما أكّد البابا بيوس الثاني عشر أن الوردية هي خلاصة الإنجيل كله، فإنها تستمدّ من الإنجيل تعابير الأسرار، وهي تضمّ تاريخ الخلاص كله، وتعكس مراحل الخلاص من تجسد الكلمة إلى الصلب والصعود والعَنصرة حتى الإنتقال، فهي تجسُّد، كما يقول مار بولس:"إنه تجسد آخذاً صورة عبد" (فيلبي 6:2-11).
2) أما البابا يوحنا بولس الثاني فيقول: إن السبحة تضعنا بشراكة أوسع وحيّة مع يسوع من خلال قلب أمّه مريم. ففي الوقت عينه في قلبنا نجد في السبحة ذاتها حياتنا الشخصية وعائلتنا ووطننا والكنيسة والإنسانية، ونرى أيضاً أحداثنا الشخصية وأحداث القريب العائش معنا، وبنوع خاص أولئك القريبين من قلبنا، فهي تعطي الحياة البشرية وقعاً جديداً وإيقاعاً ملائماً.
نعم، إن باباوات القرن العشرين أعطوا صلاة السبحة إهتماماً كبيراً من حيث دعوة الله، جاعلين من السبحة أداة لزرع السلام في القلوب وفي العالم، لأنها تشكّل السلام بحدّ ذاته كونها تدعو نعمة الله إلى ظهور الخير والثمار والتضامن في الحياة الشخصية والجماعية، فهي تساعدنا على خدمة السلام، كما هي صلاة العائلة والجماعات المسيحية لأنها إنغماس في أسرار المسيح _ في التجسد والآلام والفصح _ إذ تقدّم مريم مثالاً أكمل للعوائل لتقبل أقوال المسيح وأعماله الخلاصية، لأن العائلة التي تصلّي متحدة تظلّ متحدة.
ونعلم اليوم كم هي القوى التي تعمل من أجل إنحلال العائلة. وقد تكون إذن السبحة الوردية علاجاً إيجابياً للتأمل بوجه المسيح عبر المدرسة المريمية المقدسة التي تدخل صميم حياتنا اليومية. فهي دعوة شاملة إلى كل الجماعات المؤمنة من أجل صلاتها اليومية، وهذه المبادرة تحثّ الجماعات الكنسية والرعايا أن يقبلوها بمحبة وحماس، إذ السبحة تدخل إلى لبّ الحياة المسيحية لتعطيها مجالاً روحياً جديداً، وتربية في التأمل الشخصي، وتنشئة شعب الله من العائلة البيتية إلى العائلة الإنسانية بالتبشير الجديد في الألف الجديد.
فالإلتزام في الصلاة في إطار العائلة _ نواة المجتمع _ وإنطلاقة السبحة في العائلة المسيحية في إطار راعوية واسعة للعائلة، تساعد على تخطّي تلك الأزمات التاريخية والمعاصرة. فمريم تدعو كل فرد من العائلة إلى أن ينظر إليها في كل العصور لتكون الأمّ التي، بحضورها وسماع صوتها، تطلب من شعب الله المحافظة على هذا النوع من الصلاة والتأمل، وبالخصوص حضورها في الظهورات التي حدثت في لورد وفاتيما، حيث لشعب الله حياةً جديدةً ورجاءً جديداً بالمسيح.
إذن فالسبحة الوردية هي السبيل الوحيد للتأمل مع مريم، وبالضبط كما هو الحال في مشهد التجلّي، حيث يُخبرنا الإنجيل عن وجه المسيح الساطع كالشمس. فالتركيز على وجه المسيح معرفة بسرّ طريق الإنسانية العادي والمؤمن لغاية البلوغ إلى قطف النسيم الإلهي الذي كشفه القائم الممجَّد على يمين الآب 00 هذا هو عمل كل تلميذ للمسيح وكل واحد منا، أن نتأمل في هذا الوجه الإلهي، وقبول سر الحياة الثالوثية في اختبار حب الآب الجديد، والتمتّع في فرح الروح القدس، لتتحقق فينا كلمة الله إذ ينعكس مجد الرب كالمرآة، ونتحول إلى الصورة ذاتها، كما يقول بولس الرسول:"حسب عمل الروح القدس". ومريم العذراء هي المثال الأعلى الذي لا يُسبَر غوره. فوجه المسيح تابع لها بطريقة خاصة، وقد وُضِعَ في حشاها، وأخذ منها الشبه الإنساني الداعي غلأى الحياة الروحية للحَمَل.
فمريم، بواسطة السبحة الوردية والتأمل فيها، تقودنا إلى السماء، كما بواسطتها يمكننا الحصول من الرب على النعمة الكبيرة لتغيير القلوب وتغيير النفوس، والمحبة، والنعمة الإلهية، والقداسة، والإنتصار على جميع الصعوبات التي يريد إبليس فرضها على الإنسانية.
من هنا يجب أن نخصص الوقت الضروري لتلاوة الوردية يومياً، إذ بتولاتها تُصنَع العجائب في العالم كما في الحياة. ومن خلال الوردية تدعونا مريم إلى الإستسلام الكلي لذراعيها، وإلى تسليم أنفسنا لفعلها وعمل الروح، ومَن يملك الروح يملك كل شيء. وفي هذا الصدد يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني _ والذي نشاهده يذهب إلى الغداة أو يتنزه في حدائق الفاتيكان والسبحة في يده _ إنه قام بخبرة هذه الصلاة، وبالتالي يريد أن يشدّد كي تعود السبحة الوردية لتكون عامل شركة داخل العائلات، لكونها صلاته المفضلة _ حسب قوله _ في بساطتها وعمقها. وهو الذي وضعها نصب عينيه، ومنذ السنة الأولى لحبريته.
وبسبب النِعَم الكثيرة التي تلقّاها قداسته خلال سنوات حياته من العذراء القديسة بواسطة صلاة السبحة، كانت رسالته الأبوية إلى أبناء الكنيسة الجامعة بمناسبة بدء السنة الخامسة والعشرين لخدمته كخليفة بطرس، من تشرين الأول 2002 وحتى تشرين الأول عام 2003.
3) إن الله حقق مدى الأجيال أصدق المعاني كي يفتح الطريق للإنسان الخاطئ، وعيش الله في حياتنا بموقف ثابت بالحب، والإلتفاف إلى نعمة المسيح من خلال حياته وموته وقيامته. فعلى المسيحي أن يشترك مع الجميع بالصلاة والدخول إلى غرفته للصلاة إلى الآب السماوي. وهكذا صلاة الوردية، فهي صلاة متواصلة وتأمل أكيد في الدخول يف سر حياة الفادي، والعمل من خلال الثقة الإلهية.
ماذا بعد؟ 00 من المؤكد، ومن خبرة رجال الكنيسة، أن العذراء بتلاوة ورديتها تقودنا إلى اسلماء، وبواسطتها يمكننا الحصول من الرب على النعمة الكبيرة لتغيير القلوب وتغيير النفوس، والقداسة، والإنتصار على جميع الصعوبات التي تواجهنا، إذ يقول البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة "أمّ الفادي": في المرحلة الراهنة في مسيرتها، تسعى الكنيسة إلى إستعادة وحدة المؤمنين بالمسيح، وتعلن أنها وُضِعَت في وسط ملء المسيح هذا بالذات. فالتدبير الخلاصي كله يتجه صوبها بوصفها أمّ المسيح، والكنيسة في مسيرتها تكمل مسيرة مريم، إذ بمريم يبدأ خلاص العالم، وبمريم ينبغي أن يتمّ، هكذا يقول القديس دي مونفور. فالله يريد إذن من هذه الأزمنة الأخيرة أن يوحي بمريم، وأن يكشف عن مريم تحفة ما صنعت يداه 00 وصلاة الوردية هو هذا الكشف السماوي عن رسالة المسيح الخلاصية عبر الأسرار المقدسة.
4) أخيراً، لقد مُسحنا باسم المسيح، فأصبحنا مسيحيين كالعذراء مريم التي أعطت البشرية ليسوع، ونحن أيضاً نعطي طبيعتنا البشرية ليسوع فيستعملنا. نتعجب أحياناً من قوة تأثير بعض الأشخاص الآخرين أكثر من غيرهم، كونهم أكثر إتحاداً بالمسيح كالعذراء مريم الكلية القداسة والطواعية في مخطط المسيح الخلاصي، وهذا ما يجعلنا سعداء على مثال مريم. نوجّه نظرنا عمودياً نحو إرادة الله، وأفقياً لتنسجم إرادتنا مع إرادته، فلم تضع مريم العذراء إرادتها عكس مشيئة الآب، بل أصبحت لنا دعوة ملحّة، ومثالاً حيّاً من أجل هدم حائط العداوة بين الناس، والغوص مجدَّداً في التأمل بسرّ مَن أصبح خلاصنا، وبهذا نعمل على إكتشاف الطبيعة الحقيقية للسبحة الوردية، فهي تساعدنا على البقاء برفقة المسيح ومعرفته بشكل أفضل، وإستيعاب تعاليمه. ومَن تراه أفضل من مريم لساعدنا في مسيرة العقل والقلب؟ 00 وطوبى للعائلات اللواتي يصلّين سبحة الوردية بعد يوم عملٍ طويل، فزمننا بحاجة إلى مسيحية تتميّز عن فن الصلاة. ففي الثقافة المعاصرة، ورغم التناقضات الملموسة، هناك حاجة جديدة إلى الروحانية المسلوبة أيضاً كي تصبح جماعاتنا المسيحية وعوائلنا مدارس صلاة حقيقية. وكما تطور تقليد التأمل المسيحي في الغرب ليُصبح صلاة القلب التأملية وصلاة يسوع التي زُرِعَت في إنسان الشرق المسيحي، هكذا صلاة السبحة خُصِّصت للسلام والعائلة في كافة الحالات التاريخية المعروفة. فهي دعوة ملحّة من الإنسان لله معطي السلام.
فهل ستسجّل إسمكَ في مدرسة العذراء وتتخرّج وبيدكَ الشهادة _ سبحة الوردية _ فتصلّي، وتتأمل، وتكون رسول البشارة الإنجيلية في الألف الجديد، وتُعلن للناس أن حب مريم هو حبّ يسوع، وأن صلاة مسبحة الوردية علامة الحب ليسوع بمريم أمّهم؟ 00 إذن مبروك تخرجكَ وشهادتكَ.
Comment