كنت على شاطىء البحيرة عندما رأيت يسوع, ربي ومعلمي, لأول مرة.
كان أخي اندراوس معي , وكنا نلقي شبكتنا في المياه.
وكانت الأمواج طاغية وهائجة ولذلك لم نمسك إلا القليل من السمك , وكان الحزن يملأ قلبينا.
فوقف يسوع بقربنا فجأة كأنه تكوّن في تلك اللحظة لأننا لم نره يدنو منا .
ثم دعانا كلاً باسمه وقال: إذغ تبعتماني فإني اقودكما إلى مدخل في الشاطىء حافل بالأسماك .
وإذ نظرت إلى وجهه سقطت الشبكة من يدي ّ, لأن نوراً أشرق في أعماقي فعرفته.
فتكلم أخي اندراوس وقال: نحن نعرف جميع مداخل هذه الشواطىء ونعرف أيضاً ان الأسماك في مثل هذا اليوم الكثير الريح تنشد أعماقاً لاتصل إليها شباكنا.
فأجاب يسوع وقال : اتبعاني إذن إلى شواطىء البحر الأعظم فأجعلكما صيادي الناس. ولن تكون شباككما فارغة.
فتركنا سفينتنا وشباكنا وتبعناه.
أما أنا فقد تبعته مسوقاً بقوة غير منظورة كانت تسير معه جنباً إلى جنب .
كنت أمشي إلى جانبه منقطع النفس والعجب آخذ مني كل مأخذ, وكان أخي اندراوس وراءنا متحيراً منذهلاً.
وفيما نحن نمشي على الرمال تشجعت وقلت له :يا سيد ,انا واخي سنتبعك ,وحيث سرت فنحن نسير معك , ولكن إذا حسن لديك أن تذهب معنا إلى منزلنا في هذه الليلة فإننا نتبارك بزيارتك .
إن بيتنا ليس كبيراً وسقفنا ليس عالياً , وستأكل طعاماً حقيراً فيه, بيد أنك إذا دخلت إلى كوخنا فإنه يصير قصراً في عقيدتنا, وإذا كسرت الخبز مهنا فإن امراء الأرض يحسدوننا على جلوسنا في حضرتك.
فقال لي : نعم سأكون ضيفكم في هذه الليلة.
فطار قلبي فرحاً من جوابه, وهكذا سرنا وراءه صامتين حتى وصلنا إلى البيت.
وعندما وقفنا على عتبة الباب قال يسوع:سلام لهذا البيت والساكنين فيه.
ثم دخل ونحن نتبعه.
وهناك رحبت به زوجتي وحماتي وابنتي وخررن ساجدات أمامه, وقبلن اطراف أكمامه.
كنّ متحيرات كيف انه وهو المختار الحبيب يأتي ليكون ضيفنا, لأنهن كن رأينه من قبل في نهر الأردن عندما أعلنه يوحنا للشعب.
وفي الحال شرعت زوجتي وحماتي في تهيئة العشاء.
أما اخي اندراوس فكان حيياً بطبيعته, ولكن ايمانه بيسوع كان أعمق من ايماني.
واما ابنتي التي كانت آنئذ في الثانية عشر من العمر فإنها وقفت إلى جانبه وامسكت طرف ثوبه خوفاً منها ان يتركنا ويسير في الليل ثاتية, فكانت متعلقة به كأنها خروف ضال وجد راعيه.
وعندما أعد العشاء جلسنا إلى المائدة فكسر الخبز وسكب الخمر وألتفت إلينا وقال: أيها الأصدقاء باركوني الآن وشاركوني في هذا الطعام كما أن الآب قد باركنا بإعطائه لنا.
قال هذه الكلمات قبل أن يتناول كسرة واحدة , لأنه أراد أن يحافظ على العادة القديمة:إن الضيف المحترم يصير رب المنزل.
وإذ جلسنا معه حول المائدة شعرنا في أعماقنا بأننا جالسون إلى وليمة الملك العظيم.
وكانت ابنتي يترونيلة, الصغيرة الساذجة, تتأمل وجهه وتتبع بنظراتها حركات يديه, وكانت سحابة من الدموع تغشي عينيها.
وعندما ترك المائدة تبعناه وجلسنا حواليه تحت مظلة الدوالي.
كان يخاطبنا ونحن نصغي إليه وقلوبنا تخفق في اعماقنا كالعصافير.
فقد تكلم عن المجيء الثاني للانسان, وعن فتح أبواب السماء, وعن الملائكة النازلين لحمل السلام والمسرة لجميع الناس, وعن الملائكة الصاعدين لحمل تشوقات الناس للرب الإله.
في تلك الدقيقة نظر إلى عيني وحدق إلى أعماق قلبي وقال: قد أخترتك انت واخاك , فيجب أن تذهبا معي ,قد اشتغلتما وتعبتما وها أنا اريحكما, احملا نيري وتعلما مني, لأن قلبي ممتلىء بالسلام, وستجد فيه نفسكما موطنها وكمال حاجاتها.
وعندما قال هذا وقفت أنا وأخي اندراوس أمامه وقلت له: يامعلم سنتبعك إلى أقاصي الأرض , ولو كان حملنا ثقيلاً كالجبال فإننا سنحمله في طريقنا إلى السماء , ونقبل كل هذا برضى وقناعة.
ثم قال له أخي اندراوس: يا معلم نود أن نكون خيوطاً بين يديك ونولك , فلك إذا شئت أن تحول منا قماشاً , لأننا نعلم أننا نكون في ثوب الكلي الرفعة.
فرفعت زوجتي رأسها وقالت والدموع تملأ وجنتيها من شدة الفرح: مبارك أنت الآتي باسم الرب! طوبى للبطن الذي حملك والثدي الذي أرضعك.
كانت ابنتي جالسة عند قدميه تضمهما إلى صدرها.
أما حماتي التي كانت جالسة إلى عتبة الباب فإنها لم تقل كلمة قط, ولكنها كانت تبكي بهدوء حتى امتلأ وشاحها من الدموع.
فمشى يسوع إليها ورفع رأسها وحدق إلى عينيها وقال: أنت أم جميع هؤلاء الأصحاب, إنك تبكين الآن من الفرح . ولذلك سأحفظ دموعك في ذاكرتي.
حينئذ طلع البدر الجميل علينا فنظر غليه يسوع هنيهة وقال لنا: قد تأخرنا في سمرنا, فاذهبوا إلى فراشكم وليرافق الرب راحتكم , أما انا فأظل في هذه المظلة حتى الفجر. قد ألقيت شبكتي في هذا اليوم فاصطدت رجلين, وأنا راض عن صيدي . فأستودعكم الآن وأرجو لكم ليلة سعيدة.
فقالت له حماتي: قد أعددنا لك فراشاً في المنزل فأتوسل إليك أن تدخل وتستريح.
فأجابها قائلاً: إنني حقاً أريد الراحة , ولكن ليس تحت السقوف , فاسمحوا لي أن أنام الليلة تحت مظلة الدوالي والنجوم.
فأسرعت وأخرجت الفراش والوسادة واللحاف, فنظر إليها مبتسماً وقال : ها أنا أتكىء على فراش قد أعد مرتين!
حينئذ تركناه ودخلنا إلى البيت , وكانت ابنتي آخر من تركه ودخل, وكانت عيناها تنظران إليه حتى أغلقت الباب.
هكذا عرفت ربي ومعلمي لأول مرة.
ومع أنه مرّ على هذا أعوام عديدة فإنني أذكره كأنما حدث لي في هذا اليوم.
يسوع ابن الإنسان
جبران خليل جبران
كان أخي اندراوس معي , وكنا نلقي شبكتنا في المياه.
وكانت الأمواج طاغية وهائجة ولذلك لم نمسك إلا القليل من السمك , وكان الحزن يملأ قلبينا.
فوقف يسوع بقربنا فجأة كأنه تكوّن في تلك اللحظة لأننا لم نره يدنو منا .
ثم دعانا كلاً باسمه وقال: إذغ تبعتماني فإني اقودكما إلى مدخل في الشاطىء حافل بالأسماك .
وإذ نظرت إلى وجهه سقطت الشبكة من يدي ّ, لأن نوراً أشرق في أعماقي فعرفته.
فتكلم أخي اندراوس وقال: نحن نعرف جميع مداخل هذه الشواطىء ونعرف أيضاً ان الأسماك في مثل هذا اليوم الكثير الريح تنشد أعماقاً لاتصل إليها شباكنا.
فأجاب يسوع وقال : اتبعاني إذن إلى شواطىء البحر الأعظم فأجعلكما صيادي الناس. ولن تكون شباككما فارغة.
فتركنا سفينتنا وشباكنا وتبعناه.
أما أنا فقد تبعته مسوقاً بقوة غير منظورة كانت تسير معه جنباً إلى جنب .
كنت أمشي إلى جانبه منقطع النفس والعجب آخذ مني كل مأخذ, وكان أخي اندراوس وراءنا متحيراً منذهلاً.
وفيما نحن نمشي على الرمال تشجعت وقلت له :يا سيد ,انا واخي سنتبعك ,وحيث سرت فنحن نسير معك , ولكن إذا حسن لديك أن تذهب معنا إلى منزلنا في هذه الليلة فإننا نتبارك بزيارتك .
إن بيتنا ليس كبيراً وسقفنا ليس عالياً , وستأكل طعاماً حقيراً فيه, بيد أنك إذا دخلت إلى كوخنا فإنه يصير قصراً في عقيدتنا, وإذا كسرت الخبز مهنا فإن امراء الأرض يحسدوننا على جلوسنا في حضرتك.
فقال لي : نعم سأكون ضيفكم في هذه الليلة.
فطار قلبي فرحاً من جوابه, وهكذا سرنا وراءه صامتين حتى وصلنا إلى البيت.
وعندما وقفنا على عتبة الباب قال يسوع:سلام لهذا البيت والساكنين فيه.
ثم دخل ونحن نتبعه.
وهناك رحبت به زوجتي وحماتي وابنتي وخررن ساجدات أمامه, وقبلن اطراف أكمامه.
كنّ متحيرات كيف انه وهو المختار الحبيب يأتي ليكون ضيفنا, لأنهن كن رأينه من قبل في نهر الأردن عندما أعلنه يوحنا للشعب.
وفي الحال شرعت زوجتي وحماتي في تهيئة العشاء.
أما اخي اندراوس فكان حيياً بطبيعته, ولكن ايمانه بيسوع كان أعمق من ايماني.
واما ابنتي التي كانت آنئذ في الثانية عشر من العمر فإنها وقفت إلى جانبه وامسكت طرف ثوبه خوفاً منها ان يتركنا ويسير في الليل ثاتية, فكانت متعلقة به كأنها خروف ضال وجد راعيه.
وعندما أعد العشاء جلسنا إلى المائدة فكسر الخبز وسكب الخمر وألتفت إلينا وقال: أيها الأصدقاء باركوني الآن وشاركوني في هذا الطعام كما أن الآب قد باركنا بإعطائه لنا.
قال هذه الكلمات قبل أن يتناول كسرة واحدة , لأنه أراد أن يحافظ على العادة القديمة:إن الضيف المحترم يصير رب المنزل.
وإذ جلسنا معه حول المائدة شعرنا في أعماقنا بأننا جالسون إلى وليمة الملك العظيم.
وكانت ابنتي يترونيلة, الصغيرة الساذجة, تتأمل وجهه وتتبع بنظراتها حركات يديه, وكانت سحابة من الدموع تغشي عينيها.
وعندما ترك المائدة تبعناه وجلسنا حواليه تحت مظلة الدوالي.
كان يخاطبنا ونحن نصغي إليه وقلوبنا تخفق في اعماقنا كالعصافير.
فقد تكلم عن المجيء الثاني للانسان, وعن فتح أبواب السماء, وعن الملائكة النازلين لحمل السلام والمسرة لجميع الناس, وعن الملائكة الصاعدين لحمل تشوقات الناس للرب الإله.
في تلك الدقيقة نظر إلى عيني وحدق إلى أعماق قلبي وقال: قد أخترتك انت واخاك , فيجب أن تذهبا معي ,قد اشتغلتما وتعبتما وها أنا اريحكما, احملا نيري وتعلما مني, لأن قلبي ممتلىء بالسلام, وستجد فيه نفسكما موطنها وكمال حاجاتها.
وعندما قال هذا وقفت أنا وأخي اندراوس أمامه وقلت له: يامعلم سنتبعك إلى أقاصي الأرض , ولو كان حملنا ثقيلاً كالجبال فإننا سنحمله في طريقنا إلى السماء , ونقبل كل هذا برضى وقناعة.
ثم قال له أخي اندراوس: يا معلم نود أن نكون خيوطاً بين يديك ونولك , فلك إذا شئت أن تحول منا قماشاً , لأننا نعلم أننا نكون في ثوب الكلي الرفعة.
فرفعت زوجتي رأسها وقالت والدموع تملأ وجنتيها من شدة الفرح: مبارك أنت الآتي باسم الرب! طوبى للبطن الذي حملك والثدي الذي أرضعك.
كانت ابنتي جالسة عند قدميه تضمهما إلى صدرها.
أما حماتي التي كانت جالسة إلى عتبة الباب فإنها لم تقل كلمة قط, ولكنها كانت تبكي بهدوء حتى امتلأ وشاحها من الدموع.
فمشى يسوع إليها ورفع رأسها وحدق إلى عينيها وقال: أنت أم جميع هؤلاء الأصحاب, إنك تبكين الآن من الفرح . ولذلك سأحفظ دموعك في ذاكرتي.
حينئذ طلع البدر الجميل علينا فنظر غليه يسوع هنيهة وقال لنا: قد تأخرنا في سمرنا, فاذهبوا إلى فراشكم وليرافق الرب راحتكم , أما انا فأظل في هذه المظلة حتى الفجر. قد ألقيت شبكتي في هذا اليوم فاصطدت رجلين, وأنا راض عن صيدي . فأستودعكم الآن وأرجو لكم ليلة سعيدة.
فقالت له حماتي: قد أعددنا لك فراشاً في المنزل فأتوسل إليك أن تدخل وتستريح.
فأجابها قائلاً: إنني حقاً أريد الراحة , ولكن ليس تحت السقوف , فاسمحوا لي أن أنام الليلة تحت مظلة الدوالي والنجوم.
فأسرعت وأخرجت الفراش والوسادة واللحاف, فنظر إليها مبتسماً وقال : ها أنا أتكىء على فراش قد أعد مرتين!
حينئذ تركناه ودخلنا إلى البيت , وكانت ابنتي آخر من تركه ودخل, وكانت عيناها تنظران إليه حتى أغلقت الباب.
هكذا عرفت ربي ومعلمي لأول مرة.
ومع أنه مرّ على هذا أعوام عديدة فإنني أذكره كأنما حدث لي في هذا اليوم.
يسوع ابن الإنسان
جبران خليل جبران
Comment