الفصل السادس: لماذا يظل الناس مخدوعين هكذا؟
عشتُ كصبي فيبريطانيا. وكانت قاذفات القنابل الألمانية تطير فوق منطقتنا في طريقها إلى أهدافهافي منطقة شمال إنجلترا الصناعية. ولقد تعلمنا أنا وأصدقائي أن نميّز بين أزيز قاذفةقنابل العدو وزئير طائراتنا المحاربة. وعندما كنا نرى الأضواء الكاشفة تنير طائرةالعدو في السماء كنا نصل إلى قمة الإثارة، لأننا كنا نعرف أن قاذفة العدو ستسقطنتيجة إصابتها من مدفع أرضي أو من طلقة من طائرة »دوج فايت« محلِّقة في الجو. ومعسقوط طائرة للعدو كان هناك دائماً احتمال أن بعض طياريها قد يهبطون بالمظلاتالجوية. وأرادت السلطات البريطانية أن تصعِّب عليهم الهروب، حتى لا يعودوا فيقاذفات أخرى محمَّلة بالقنابل، فنزعت كل علامات الطرق عند التقاطعات، حتى لم تبقَأية علامة أو لافتة. ومع ذلك فقد علمنا نحن الصبيان أن خارج المدينة، في »غابات ووتن« مازالت هناك علامة طريق صغيرة باقية على تقاطع غير مهم، فأدرناها لتشير نحو الاتجاهالخطأ، ونحن نحسب أننا بعملنا هذا نساعد المجهود الحربي. كنا مثل السلطات، نريد أننحيِّر هؤلاء الضيوف الذين لا نرحب بهم على شواطئنا.
بالطبع لو أن شخصاً أمسك بخريطة، لَمَا سبَّب له غياب علامات الطريقأية مشكلة. حتى عملنا الصبياني بتدوير علامة الطريق ما كان يمكن أن يحيِّر العدو،إلا إذا اختار العدو أن يتجاهل المعلومات على خريطته.
ولقد حذّرنا الله من أن الشيطان سيحاول أن يخدع كل من يبحث عنه،وذلك بتزييف الحقائق. وكل من يتجاهل حقيقة أن وجود هذا الكون العجيب يشير إلى اللهخالقه، ستصيبه الحيرة »وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُواجُهَلَاءَ... وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللّهَ فِيمَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللّهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ« (رومية 1:22 و28). والعقل المرفوض هو المخدوع الذي يعبد الأعمال المخلوقة دون الخالق. أما صاحب »الذهنالمقبول« فيعبد خالقه. فإن رفضت أن تؤمن أن الله خلق الكون، يُسلِمك إلى ذهنمرفوض، فتظن الظنون الخاطئة حول خلق الكون! ويحذِّر الله الذين يرفضون كلمته منأنهم يسيرون في طريق ضلال يقود إلى الخراب. وكل الذين لا يحبون كلمة الله ينزلقونفي مخاطر »لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. وَلِأَجْلِ هذَا سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ اللّهُ عَمَلَ الضَّلَالِ، حَتَّىيُصَدِّقُوا الْكَذِبَ« (2تسالونيكي 2:10 و11). وكل من يتجاهل الحق أو يرفضه يتبعالزيف باختياره.
أتذكر جيداً محاولتي أن أجد طريقي للبيت خلال ضباب لندن الكثيف،عندما كان مجرد وصولي إلى حدّ الطريق يتطلب كل معونة ممكنة. وكان ضوء مصباحيالكشاف لا يكشف لي أكثر من مسافة ذراع واحد! ويحذرنا الله من الضباب الفكري الذييحجب عنا الرؤية الصحيحة، وبالأسف فإن هذا ما سيصاحب نهاية نظامنا الحاضر على كوكبالأرض، لأن الناس سيرفضون حق كلمة الله. لقد سأل التلاميذ المسيح: »مَا هِيَعَلَامَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟« (متى 24:3). فأجاب: »سَيَقُومُمُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةًوَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضاً« (متى 24:24).
وربما تقول: »لستُ مخدوعاً«. وربما تفتخر بأنك تستطيع أن تميزالمخلِّص المزيف والنبي الكذاب بسهولة. لكن ما لم تكن تحب الحق، فإنك ستنخدع دون أنتكون واعياً لذلك.
هناك نوعان من الناس يقاومون الحق عندما يقرأون الكتاب المقدس،أحدهما هو الذي يفتخر بفكره ويبدو مكتفياً بذاته. والآخر هو الذي يعصى اللهأخلاقياً. أما كل من يريد أن يفعل مشيئة الله، فقد وعده المسيح بقوله: »إِنْ شَاءَأَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ« (يوحنا 7:17). فإن كنتفعلاً تريد أن تفعل مشيئة الله فلتطمئن أنه من خلال الكتاب المقدس سيعلّمك الله مايجب أن تقبله وما يجب أن ترفضه من تعاليم ومن تصرفات. ويجب أن نحترس من المعلّمينالكذَبة الذين لا يعلّمون كلمة الله الصادقة، ويخدعون الناس ليصدّقوا الكذبويمارسوا الخطأ!
وفي جيلنا هذا ظهر بعض وكلاء الشيطان الذين يقودون الناس إلى تعاليمالضلال عن الله، فهم ينكرون الله الآب والله الابن والله الروح القدس. الثلاثة فيواحد والواحد في ثلاثة. ويستشهدون بآيات من الكتاب المقدس معزولة عن سياق النصالكتابي، ليضللوا المستمع. ويمكن بسهولة أن نكتشف الكذب من الضلال عندما نسأل: »منهو المسيح؟« فإذا أتتك الإجابة أنه الله الذي ظهر في الجسد، وأنه مات مصلوباًليخلِّصنا من خطايانا، ثم قام في اليوم الثالث من الأموات، وصعد للسماء، وهو آتٍثانية ليدين الأحياء والأموات، وهو الطريق والحق والحياة، ولا يأتي أحدٌ إلى الآبإلا به (يوحنا 14:6) يكون صاحب الإجابة من عند الله. أما إذا أتتك إجابة غير قاطعةعن من هو المسيح، فإن صاحبها ليس من عند الله.
واليوم نرى نمواً خطيراً في الديانات الكبرى التي تنكر الله كمايعلنه الكتاب المقدس، وهناك مجموعات هندوسية مختلفة تجذب الناس في شكل تأمليتيهاني، أو في أحد أشكال الشعوذات مثل اليوجا وتعذيب الجسد. هذه تتعبَّد لآلهةمخلوقة، ولكنها لا تعبد إله الخليقة!
وهناك من ينكرون ألوهية المسيح وصليبه، ويرفضون التثليث والفداء،محاولين أن يحققوا هدفاً كبيراً، هو نشر معتقداتهم، الأمر الذي كان يبدو حتى وقتقريب أنه مستحيل! هؤلاء ينكرون البشارة المفرحة: »لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّهُالْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْيُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ« (يوحنا 3:16).
وليست الخديعة الروحية شيئاً جديداً على العالم الديني، فهناك منينادون بفلسفة إنسانية تعلن أن الإنسان هو مركز الكون، وأن الهدف الأعلى للمجتمع هوتطوُّر الإنسان، وشعارهم: »انغمِس فيما تحبه لنفسك« وهو الشعار المعروف في عالمالدعاية والإعلان. وهذه ليست بالفلسفة الجديدة كما يظن البعض، فقد قال الوحي: »عَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ« (رومية 1:25). ويسأل الله أصحاب الفلسفاتالإنسانية: »أَيْنَ كُنْتَ حِينَ أَسَّسْتُ الْأَرْضَ؟ أَخْبِرْ إِنْ كَانَعِنْدَكَ فَهْمٌ« (أيوب 38:4). لكنها القصة القديمة عندما قال الشيطان لأبويناالأوَّلين، مفترضاً أن المستحيل ممكن: »تَكُونَانِ كَاللّهِ« (تكوين 3:5). وحتىيومنا هذا يكمل الشيطان خداعه للبشر من خلال تعاليم الإنسانية العالمية الخادعة.
وربما تكون شاباً عصرياً لا يهمُّك الموقف السياسي أو الديني. فبالنسبة لك الساسة هم محل شك، والدين كلام فارغ! وربما تفضِّل أن تلحق برفقائكلتفتشوا عن مكان آخر لتحقيق الذات، حيث الموسيقى الصاخبة التي تسحب الإنسان منوجوده الذي لا قيمة له إلى عالم من العنف المزيَّف، حيث يشجع الشباب أنفسهم علىتدمير الذات وتدمير أنفسهم. ولاشك أنك تعرف الكلمة التي تسمعها وترقص لها، فهي مزيجشيطاني من الجنس والتلذُّذ بتعذيب الآخرين. هناك يحطم الشباب أنفسهم ويحطمون بعضهمالبعض.
لقد تبع الملايين علامات خاطئة، والآن وهم عند النهاية صار الوقتمتأخراً جداً على تغييرهم. وقد رأيت في مدينة لوس أنجلس ثلاجة أموات فيها 600 جثةلشباب مجهولي الهُويَّة، يبقون في الثلاجة ثلاثة شهور لعل أحداً يتعرَّف عليهم،وسيُدفن معظمهم في مقابر الفقراء المجهولين. ومعظم هؤلاء ضحايا المخدرات التيحاولوا بها أن يهربوا من بؤسهم ومتاعبهم، فتبعوا النصائح الخاطئة. يا ليتهم سمعواوالتفتوا إلى كلمات المسيح الذي قال: »أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌوَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ« (يوحنا 10:10).
وبالإضافة إلى كل هذه الفوضى تأتي ظاهرة الاهتمام المتزايد ب »الفنون السوداء« وأعمال السحر والشعوذة التي انتشرت كما كانت منتشرة في العصورالمظلمة، مع أننا اليوم نعيش في ما نسميه »عصر التنوُّر العلمي«. وهناك أعدادمتزايدة من عبدة الشيطان الذين يجتمعون ليحتفلوا ب »القدَّاس الأسود« ويمارسونعبادة الأجداد المأخوذة من أفريقيا. وكل هذه بالطبع نتيجة فضول روحي سطحي، يتحوَّلأصحابها عن نور الله إلى ظلمة السحر والشعوذة ليحصلوا على نوع من الاكتفاء الروحيالمزيف والفارغ. ولقد حذَّرنا المسيح من الأنبياء الكذبة والآيات والعجائب المزيفةالتي يمكن أن يقوموا بها ليجرُّوا الناس إلى الخديعة العظيمة في نهاية الأيام. لقدأخبرنا الله أنه سيظهر معلّم في الخداع، تتَّفق أعماله الشريرة مع عمل الشيطان بكلقوة، وبآيات وعجائب كاذبة فيخدع هؤلاء الهالكين (2تسالونيكي 2:9 و10).
وبسبب الاهتمام المتزايد بهذه التعاليم المنحرفة والأعمالالشيطانية، زادت أعداد الأمم والحكومات فاقدي الأمل. ولا زال الشيطان يستخدم لافتاتإرشادية كثيرة مضللة، لا تشير أيٌّ منها للمسيح المخلِّص الوحيد للجنس البشري.
غير أن رسالة الله هي رسالة الأمل والاطمئنان والحياة السعيدة فيالمسيح. وكلما قرأت الكتاب المقدس في بحثك عن الله فإن الروح القدس دائماً سيشير لكإلى المسيح الذي قال: »أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ« وليس سواهيقدر أن يقول: »لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي« (يوحنا 14:6).
لقد حذّرك الله من علامات الطريق الخادعة، ويعطيك هذا الوعد: »لِأَنِّي عَرَفْتُ الْأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُالرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلَامٍ لَا شَرٍّ، لِأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ« (إرميا 29:11-14).
وقفة للتفكير
من قراءة رومية 1:22و28 ما هو العقل الذي يعبد المخلوق دون الخالق؟
في بحثك عن الله، ماهو المفتاح الذي يحل كل المشاكل العقلية المتبقِّية؟ (اقرأ يوحنا 7:17).
هل مشكلتك في فكرك؟ أو هل هي في إرادتك؟
هل أعطاك الله علامةإرشادية واضحة تقودك إلى شخصه؟ (اقرأ يوحنا 8:12).
»منذ عدة سنوات سأل صبي في مدرسة الأحد معلِّمه: هل يحب اللهالأولاد الأشقياء؟ فأجاب المعلِّم: كلا بالتأكيد! ويا لهذه الإجابة من تجديف علىالله! فلو أن الله لا يحب الأولاد الأشقياء لما أحبَّني. قال شكسبير: لا تكونالمحبة محبةً إن تغيَّرت عندما تسنح لها الفرصة للتغيير« (ج كامبلمورجان).
منقول
Comment