بقلم: قداسة البابا شنوده الثالث
نود أن نحدثكم اليوم عن الفراغ العاطفي وأنواعه, ومن الذين يقاسون هذا الفراغ؟ ولماذا؟ وكيف يتخلص البعض من الفراغ العاطفي, بطرق سليمة أو خاطئة؟
هناك نوعان من الفراغ: أحدهما حالة انسان يشعر أن له قلبا كبيرا, ولا يجد من يملأ قلبه, فيشعر بفراغ, ويريد أن يوزع محبته, ولا يعرف إلي من؟ وهذا النوع يمكن أن ينحرف, إذ ركز عواطفه في شخصية معينة وأحبها بطريقة خاطئة. ولكن هذا القلب الكبير قد يريحه أن يوزع عواطفه في المجال الاجتماعي مثلا, كإدخال السعادة إلي قلوب اليتامي والأطفال, والمعوزين والفقراء, والمعاقين والمرضي, والعمل الجاد في حل مشاكل الغير.
والنوع الثاني من الشاعرين بالفراغ العاطفي هم الآن يشعرون أنهم في حاجة إلي من يحبهم ويحنو عليهم, ولا يجدونه! وقد يبدأ هذا بوضوح في سن الطفولة. والفراغ العاطفي عند الأطفال, ونتائجه, هو موضوع طويل سنحاول أن نطرقه! تبدأ المشكلة عند الأطفال في عدم إشباع عواطفهم من جهة والديهم أو من جهة أقاربهم أو إخوتهم أو أصحابهم. ويحدث ذلك أحيانا في حالة ابن وحيد, ليس له أخ أو أخت. ولهذا فأنا أقول دائما إنه لا يصح أن الأسرة تكتفي بانجاب ابن واحد, فالأصلح أن يوجد اثنان علي الأقل, يلي كل منهما الآخر, يلعبان معا, يتحدثان معا, يضحكان معا, بل حتي يختلفان ويصطلحان, ويتقاسمان معا بعقلية الأطفال. وفي كل ذلك اشباع عاطفي لكل منهما في جو الصداقة والمودة, بالإضافة إلي ماينالونه من الوالدين.
والنوع الثاني من الشاعرين بالفراغ العاطفي هم الآن يشعرون أنهم في حاجة إلي من يحبهم ويحنو عليهم, ولا يجدونه! وقد يبدأ هذا بوضوح في سن الطفولة. والفراغ العاطفي عند الأطفال, ونتائجه, هو موضوع طويل سنحاول أن نطرقه! تبدأ المشكلة عند الأطفال في عدم إشباع عواطفهم من جهة والديهم أو من جهة أقاربهم أو إخوتهم أو أصحابهم. ويحدث ذلك أحيانا في حالة ابن وحيد, ليس له أخ أو أخت. ولهذا فأنا أقول دائما إنه لا يصح أن الأسرة تكتفي بانجاب ابن واحد, فالأصلح أن يوجد اثنان علي الأقل, يلي كل منهما الآخر, يلعبان معا, يتحدثان معا, يضحكان معا, بل حتي يختلفان ويصطلحان, ويتقاسمان معا بعقلية الأطفال. وفي كل ذلك اشباع عاطفي لكل منهما في جو الصداقة والمودة, بالإضافة إلي ماينالونه من الوالدين.
غير أن الأطفال قد لا يجدون ما يحتاجونه من شبع عاطفي من الوالدين, فالعاطفة التي من الأبوة والأمومة لها طابع خاص ومذاق خاص, وقد يحرم الطفل من هذه العاطفة بسبب إهمال الوالدين أو مشغوليتهما: فالأب مشغول طوال النهار, وليس لديه وقت لأطفاله! وحينما يرجع إلي بيته يكون في حاجة إلي راحة, ولا يتفرغ لتدليل الأطفال حتي إن طلبوا ذلك! كما أن الأم العاملة, إن رجعت إلي بيتها, قد تنشغل بأمور البيت, أو تكون مرهقة, وليس لديها وقت ولا أعصاب للأطفال!
وأحيانا حينما يكبر الطفل بعض الشئ, تظن الأسرة أنه لم يعد محتاجا إلي الحنان, فتهمله من جهة الاشباع العاطفي. وإن طلب ذلك, تظن أن ذلك لون من( الدلع)! بينما هو محتاج إلي العاطفة مهما كبر.. وإن لم يجدها عند والديه سيلتمسها من الخارج, ولا ندري كيف تكون!
وفي بعض الحالات, قد تعتمد الأم العاملة علي الدادات أو المربيات, في العناية بطفلها الصغير. ولكن هؤلاء الغريبات لا يمكن أن يقدمن للطفل العاطفة الطبيعية التي للأم!
وقد يقاسي بعض الأطفال من الفراغ العاطفي بسب عدم عدل الوالدين في معاملة أبنائهم. فقد يوجد تمييز بين معاملة الولد والبنت. وتشعر البنت بفراغ عاطفي أو بغيرة نتيجة لذلك. أو يوجد تمايز آخر من الوالدين في معاملتهما لكل من الابن الكبير أو الابن الصغير, أو في الحنو الذي يقدم للابن الجميل ويحرم منه الذي هو أقل جمالا, وهناك أنواع أخري في تمييز المعاملة بين الابناء, يشعر بها الأقل بفراغ عاطفي. بينما المساواة هي الوضع السليم.
وأحيانا حينما يكبر الطفل بعض الشئ, تظن الأسرة أنه لم يعد محتاجا إلي الحنان, فتهمله من جهة الاشباع العاطفي. وإن طلب ذلك, تظن أن ذلك لون من( الدلع)! بينما هو محتاج إلي العاطفة مهما كبر.. وإن لم يجدها عند والديه سيلتمسها من الخارج, ولا ندري كيف تكون!
وفي بعض الحالات, قد تعتمد الأم العاملة علي الدادات أو المربيات, في العناية بطفلها الصغير. ولكن هؤلاء الغريبات لا يمكن أن يقدمن للطفل العاطفة الطبيعية التي للأم!
وقد يقاسي بعض الأطفال من الفراغ العاطفي بسب عدم عدل الوالدين في معاملة أبنائهم. فقد يوجد تمييز بين معاملة الولد والبنت. وتشعر البنت بفراغ عاطفي أو بغيرة نتيجة لذلك. أو يوجد تمايز آخر من الوالدين في معاملتهما لكل من الابن الكبير أو الابن الصغير, أو في الحنو الذي يقدم للابن الجميل ويحرم منه الذي هو أقل جمالا, وهناك أنواع أخري في تمييز المعاملة بين الابناء, يشعر بها الأقل بفراغ عاطفي. بينما المساواة هي الوضع السليم.
كذلك مما يتعب بعض الأطفال عاطفيا, أنهم قد يعيشون في بيت بعيد عن الحب, أو له أسلوب خاص في التربية! مثال ذلك ابنة لها أب حازم جدا أو شديد في معاملته, كثير التوبيخ, كثير العقاب, لا تجد فيه إطلاقا حنان الأبوة. فربما هذه الابنة ـ وهي في هذا الفراغ العاطفي ـ تجد من يقدم لها الحب, ولو بطريقة خاطئة, فتقبل ذلك, وترتاح إليه, لأنها في حاجة إلي قلب, أي قلب, تجد فيه حبا وحنانا.
لذلك نحن ننصح الآباء والأمهات بأن يقدموا لأبنائهم وبناتهم كل حب وحنان, ويعاملون حينما يكبرون بروح المودة والصداقة, فهذا يحميهم من الانحراف, كما ننصح الأبناء والبنات ـ إن احتاجوا إلي إشباع عاطفي ـ بأن يستوفوا مايريدون بطريقة سليمة, بغير خطأ أو انحراف, في صداقة طاهرة.
كذلك ننصح باستمرار العاطفة بين المتزوجين, لأن الزواج قد يبدأ بمحبة قوية, ثم بمرور الوقت قد يحدث فتور في ذلك الحب. ونتيجة لسوء التعامل, يبدأ كل طرف منهما أن يشعر بفراغ عاطفي, قد ينتهي بالانفصال أو بقضايا الطلاق! والزوجان الحكيمان يزدادان حبا يوما بعد يوم, ولا فراغ في محبتها.
هذا كله, يجعلنا نتحدث أيضا عن الفراغ العاطفي عند الكبار, في حالة المترملين مثلا. فالأرملة وقد فقدت زوجها شريك حياتها, قد تشعر بفراغ عاطفي, ربما تحاول أن تملأه بمحبة أبنائها, ولكن قد يحدث أن الأبناء يتزوجون ويفترقون في مساكنهم, أو يهاجر البعض منهم, ويزداد الفراغ.
وهكذا نشأت بيوت للمسنين والمسنات, حيث لم يعد لهؤلاء من الأقارب من يهتم به. فأصبحت هذه البيوت تقوم بالرعاية اللازمة لكبار السن, ليس فقط من جهة العناية المادية بهم, بل من جهة الاشباع العاطفي أيضا. ونحن نلاحظ أن أي كلمة طيبة أو كلمة مديح أو حب تقال لهؤلاء المسنين, تترك في نفوسهم أثرا عميقا يفرحون به, إذ إنه قد مضي عليهم زمن طويل لم يسمعوا فيه مثل تلك الكلمات.
الفراغ العاطفي قد يشعر به أيضا, أصحاب المناصب الكبيرة الذين أحيلوا إلي المعاش, ولم تعهد إليهم بمسئولية أخري, وفقدوا ما كانوا يسمعونه قبلا من عبارات التوقير والتبجيل والاحترام, وما كان لهم من التجاء الكثيرين إليهم! هؤلاء كل عبارة مديح يسمعونها وهم خارج المنصب, تقدم لهم إشباعا عاطفيا, إذ لم ينس الناس ماضيهم.
نلاحظ أن الذين يشعرون بفراغ عاطفي, إما أن يملأوه بطريقة روحية سليمة بمحبة
الله والناس, وبالخدمة الاجتماعية أو البعض يعوضون ذلك بالانحراف الجسدي, باللهو, أو بالمخدرات. والبعض يشبعون أنفسهم بالدراسة والمعرفة, أو بكتابة البحوث أو مذكراتهم. والبعض يلجأون إلي ملء الفراغ بأنواع كثيرة من الأنشطة التي تستهويهم. ويجدون في تلك الأنشطة إشباعا لعواطفهم.
Comment