رؤيا يوحنا اللاهوتى
مقدمة : مع أن الغالبية من المؤمنين لا تدرس سفر الرؤيا بحجة أنه سفر غامض ، وبرغم البركة المدونة فيه " طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ، ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب ( رؤ 1 : 2 ) ... مع هذا كله يبقى سفر الرؤيا سفرا أساسيا فى إيماننا ، وفى تعزية نفوسنا أثناء رحلتنا من الأرض إلى السماء ....
إن هذا السفر النبوى ، يشرح لنا بطريقة شفرية معالم طريق الكنيسة وبالتالى طريق المؤمن ، وهو يوضح أن فى مسيرته المباركة من الأرض إلى السماء هناك مصادمات كثيرة ، واضطهادات وقوى مختلفة ، ستحاول النيل من كنيسة المسيح ، لكن هيهات لأن وعده أثبت من الجبل : " إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها " .. وما هذا السفر الخالد إلا شرح لهذه الآية وتأكيد لهذا الوعد ، لكن .. لماذا قصد الوحى الإلهى أن يكون سفر الرؤيا بهذا الأسلوب الشفرى الغامض ، وما المعنى الكامن وراء هذه الصور المختلفة التى يقدمها ؟ ... هذا موضوع دراستنا بمشيئة الله
أقسام السفر
ينقسم سفر الرؤيا إذن إلى سبعة أقسام ، كل قسم منه عبارة عن رؤيا كاملة ، وكما نرى فالرؤيا الأولى هى " الكنيسة على الأرض " والأخيرة هى " الكنيسة فى السماء " وما بنها رؤى تشرح رحلة الكنيسة من الأرض إلى السماء خلال صراعات متعاقبة مع قوى الشر ، والكنيسة تنتصر دائما بقوة فاديها .
الرؤى السبع :
الأولى : الكنيسة على الأرض : ( ص 1 – 3 ) .
الثانية : الأختام السبعة : ( ص 4 – 7 ) .
الثالثة : الأبواق السبعة : ( ص 8 – 11 ) .
الرابعة : المرأة والتنين والوحشان : ( ص 12 – 14 ) .
الخامسة : الجامات السبعة : ( ص 15 – 16 ) .
السادسة : سقوط بابل والملك الألفى : ( ص 17 – 20 ) .
السابعة : الكنيسة فى المجد : ( ص 21 – 22 ) .
الرؤيا الأولى
الكنيسة على الأرض
الأصحاحات 1 – 3
1- المسيح المجيد
2- رسائل لأربعة كنائس .
3- رسائل لثلاثة كنائس .
فكرة عامــــــــــــــة :
هذه الرؤيا تخص الثلاثة إصحاحات الأولى ، وفيها يرى الرسول يوحنا وهو يوجه من السماء رسائل إلى " الكنيسة على الأرض " ،
ومع أن الرسول قد حدد أسماء الكنائس وأماكنها إلا أن الشراح رأوا فيها ثلاثة اتجهات للتفسير :
( 1 ) التفسير المحلى : أى أن الرسول كتب إلى هذه الكنائس بذاتها فى عصرها فى أماكنها .
( 2 ) التفسير العام : يرى أن رقم " 7 " هو عدد الكمال ، والمقصود بالكنائس السبعة إذن الكنيسة فى كل العصور وفى كل الأماكن .
( 3 ) التفسير المرحلى : يرى أن هذه الكنائس السبع تمثل سبعة مراحل أو عصور فى تاريخ الكنيسة المسيحية ، ويجرى هذا التصور على النحو التالى :
1- كنيسة أفسس : تمثل عصر الرسل .
2- كنيسة سميرنا : تمثل عصر الشهداء .
3- كنيسة برغامس : تمثل عصر المجامع .
4- كنيسة ثياترا : تمثل عصر المظهرية فى العصور الوسطى .
5- كنيسة ساردس : تمثل عصر الأصلاح فى أوربا .
6- كنيسة فيلادلفيا : تمثل عصر التقارب المسكونى الحالى .
7- كنيسة لاودكيا : تمثل عصر الأرتداد آخر الأيام .
لا شك أن الثلاثة اتجاهات فى التفسير يمكن الأخذ بهم ، ولا شك أننا نستطيع أن نأخذ منها دروسا للكنيسة العامة .
الأصحاح الأول
المسيح المجيد
أعتاد يوحنا – أثناء حياة الرب فى الجسد على الأرض – أن يتكىء على صدره الحنون ولكنه سنراه فى هذا الأصحاح فى وضع مهيب ومجيد لدرجة أنه سقط عند رجليه كميت ، أليس لهذا السبب قال الرب لتلاميذه ، أبى أعظم منى ! أى أن المجد السماوى الذى للأقانيم أعظم بما لا يقاس بصورة تواضع الأبن وهو آخذ صورة عبد ، وفى الهيئة كإنسان .
وينقسم الأصحاح إلى :
1- الأفتتاحية : ( من عدد 1 – 3 ) .
2- الراسل والمرسل إليهم : ( من عدد 4 – 8 ) .
3- التكليف الإلهى ليوحنا : ( من عدد 9 – 11 )
4- المسيح المجيد وسط المنائر : ( من عدد 12 – 20 ) .
أولا : الأفتتاحية : ( 1 – 3 ) .
فى هذه الأفتتاحية يتحدث الرسول عن أن هذا السفر هو اعلان أى يكشف القناع أو يزيح الستار ، فهو سفر الأسرار يكشفها الله لعبده يوحنا ولنا بالتالى .
ثانيا : الراسل والمرسل إليهم : ( 4 – 8 ) .
الراسل : هو يوحنا بن زبدى كما أسلفنا .
المرسل إليهم : أساقفة الكنائس السبعة فى آسيا الصغرى معقل المسيحية فى ذلك الوقت ، حيث أفسس مكان استقرار الرسول الوحيد الباقى من تلاميذ المسيح طوال الربع الأخير من القرن الأول الميلادى .
سلام من الروح القدوس :
- من الكائن والذى كان والذى يأتى : أى من الآب ، لأنه الكائن بذاته واجب الوجود ، وأصل كل الموجودات .
- ومن السبعة الأرواح : الأرجح أنها إشارة إلى الروح القدس الكامل ( رقم سبعة ) ذلك لأن أسم السيد المسيح سيرد بعد ذلك فى التحية ، ومن غير المعقول أن يرد قبله أسم الملائكة ، أما القول بأن المسيح " وضع قليلا عن الملائكة " فمردود عليه بأن ذلك كان خلال تجسده على الأرض ، أما الآن فهو فى المجد ، ويستحيل أن يأتى أسمه بعد أسم رؤساء الملائكة .
- ومن يسوع المسيح : وهنا يدعوه " الشاهد الأمين " لأنه هو الذى كان فى حضن الأب ثم خبرنا بكل شىء ، " البكر من الأموات " لأنه باكورة الراقدين ، أول من قام بنفسه ، قام ولن يموت ، وقام ليقيمنا معه كبكر بين أخوة كثيرين دخل إلى السماء " كسابق لأجلنا " ( عب 6 : 20 ) .
" جعلنا ملوكا وكهنـــة " :
ملوكا : أى اعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الأنسان العتيق وعبوديته المرة ، فصرنا ملوك ذواتنا بنعمة المسيح .
كهنة : لأننا فى الأصل كهنة هذا الكون ، نرفعه إلى الله فى تسبيح وشكر ، ولما سقطنا كنا فى حاجة إلى فاد يعيدنا إلى هذه الصفة . فنقدم إلى الله من على مذابح قلوبنا ذبائح الحمد والتسبيح ( مز 116 : 17 ، عب 13 : 15 ) ، ( مز 141 : 2 ) " عجول شفاهنا " ( هو 14 : 2 ) ، " ثمرة شفاة معترفة بأسمه " ( عب 13 : 15 ) مع ذبيحة القلب المنكسر ( مز 51 : 3 ) .
وهذا لا يلغى وجود الكهنوت الخاص ، أى وكلاء الأسرار الإلهية .
" هوذا يأتى مع السحاب " : نحن ننظره ، وكان آباؤنا أثناء الأضطهاد – بل قد تطرفوا فى انتظار الرب ظانين أن " ملكوت الله عتيد أن يظهر فى الحال " ( لو 19 : 11 ) ، واحتاجوا إلى رسالتى تسالونيكى لتصحيح هذا المفهوم الناقص ، " وستنظره كل عين " فمجىء السيد المسيح سيكون ظاهرا للعيان ، " والذين طعنوه " ... هنا أمران هامان :
الأول : هذه العبارة تؤكد أن يوحنا كاتب الأنجيل هو يوحنا كاتب الرؤى فهو الوحيد الذى حدثنا عن طعن السيد المسيح .
الثانى : وأن قيامة الأشرار ستكون مع قيامة الأبرار ، بدليل أن طاعنى السيد سيرونه فى مجيئه الثانى وهذا ما يدحض قول البعض أن الكنيسة ستخطف أولا ، ثم تأتى الضيقة ، ثم الملك الألفى ، ثم قيامة الأشرار ... إنها قيامة واحدة تحدث يوم مجىء المسيح الثانى .
" وينوح عليه جميع قبائل الأرض " تعبيرا عن رعبتهم من الدينونة العتيدة ومن المسيح المجيد الذى رفضوه ، " أنا هو الألف والياء " السيد يعلن عن نفسه فى مجده الأبدى ، أنه أصل وختام كل شىء ، فكل شىء محتوى فى اتساعه اللامحدود .
ثالثا : التكليف الإلهى ليوحنا ( 9 – 11 ) :
هنا يتحدث الرسول عن نفسه ( كأخ ) وهو نفس الأتضاع الذى ورثته الكنيسة عنه حين يدعو الأسقف الأغنسطس أخا أثناء سيامته " وشريك الضيقة " فهو يعانى نفس ىلآم الأضطهاد مثل أبنائه فى أفسس وغيرها ، وكلمة " الضيقة " فى الأصول اليونانية تعنى " الطحن أو السحق " تطحن القمح ليصير دقيقا نافعا .
وهو شريك أيضا فى ملكوت يسوع " فهذا رجاؤنا الذى لا يخيب ولا يختفى عن أعيننا ولهذا نصبر " . فالصبر مستحيل دون رؤية واضحة وعربون محسوس .
كما يوضح مكان إرسال الرسالة وهو بطمس وهو هناك لأجل كلمة الله ولكنه لا يحس أنه فى المنفى بل " فى الروح " .... كان ذلك فى يوم الرب ، أى يوم الأحد مشتاقا للقاء أبنائه لتعزيتهم فمنحه الرب هذه الرؤيا لتعزية الأجيال كلها .
" سمعت ورائى صوتا عظيما كصوت بوق " ، من ورائه رمزا لجلال التدبيرات الإلهية ووضوحها وحسمها .
وبدأ الرب يتكلم .. " أنا هو الألف والياء .. الأول والآخر .. والذى تراه أكتب فى كتاب وارسل إلى السبع الكنائس التى فى آسيا .. أفسس ، سميرنا ، برغامس ، ثياترا ، ساردس ، فيلادلفيا ، لاودكية " .
تكليف إلهى من فم الأبن الكلمة ، إلى يوحنا الحبيب ، ليوصل التوجيهات الإلهية إلى الكنائس المحلية ، وإلى الكنيسة العامة من خلالها ، بل إلى عصور متتالية سنكتشفها كلما أمعنا الفحص فى الرسائل الموجهة .
رابعا : المسيح المجيد وسط المنائر : ( 12 – 20 ) .
مشهد مجيد رآه يوحنا حين التفت لينظر " شبه أبن إنسان " فيسوع الآن فى جسد القيامة الروحانى يحمل ملامح الأنسان لكن فى مجد أخاذ .. يتمشى وسط " سبع منارات " رمز الكنائس السبع .. ويمسك بيده اليمنى " السبعة كواكب " أى أساقفة الكنائس السبع .
أما منظر الرب فهو مهيب ومجيد " متسربل بثوب إلى الرجلين " علامة الوقار والجلال والمهابة ، " ومتمنطق عند ثدييه بمنطقة من ذهب " وهى غير منطقة الحقوين التى ترمز إلى الأستعداد للعمل ، فمنطقة الصدر كانت للقضاة ، وهى من ذهب رمز البر .. إذن فالرب هو القاضى البار .
· "ورأسه وشعره أبيضان " علامة أزلية فهو قديم الأيام ( دا 7 : 9 ) .
· " عيناه كلهيب نار " فهو فاحص القلوب والكلى .
· " رجلاه شبه النحاس " رمز الصلابة والرسوخ والثبات .
· " صوته كصوت مياة كثيرة " إشارة إلى رهبة أنذاراته وجلال مقاصده المعلنة .
· " وفى يده اليمنى سبعة كواكب " أشارة إلى السبعة أساقفة فهم فى يمينه ، يسندهم بقوته ، ويسيطر عليهم بلاهوته .
· " وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه " أشارة إلى كلمة الله الحية الفعالة والأمضى من كل سيف ذى حدين ( عب 4 : 12 ) فهو يبتر المبادىء الشريرة وينخس القلب العتيق ويدين كل الرافضين والمستهترين .
· " ووجهه كالشمس " فهو " أبرع جمالا من بنى البشر " ( مز 4 : 2 ) وهو " شمس البر والشفاء فى أجنحتها " ( ملا 4 : 2 ) ، والشمس تحمل معنى الطهارة لأن النار تطهر وتعطى الأنارة لأن المسيح يدخلنا إلى الملكوت ، ومعنى الحياة فلا حياة بدون الشمس ، والدفء كالمسيح يدفئنا بروحه من برودة هذا الدهر .
وأمام هذا المشهد المهيب سقط يوحنا عند رجلى الرب كميت .. لكن الرب وإن عاد إلى مجده الأسنى إلا أنه لم يفقد حبه وحنانه .. لقد انحنى على يوحنا ، ولمسه بيده اليمنى الحافظة للكون وطمأنه قائلا : " لا تخف فأنا ما زلت فاديك المحب ...
" انا هو الأول والآخر " فهذه حقيقتى اللاهوتية ........
" أنا الحى وكنت ميتا " فهذه حقيقتى الفدائية .........
" وها أنا حى إلى الأبدين " فهذه حقيقتى الأبدية ........
" ولى مفاتيح الهاوية والموت " فأنا الإله الديان الأزلى .
ثم كلفه الرب بأن " أكتب ما رأيت " ( مشهد المسيح المجيد ) ....
" وما هو كائن " ( مشهد الكنائس على الأرض ) .......
" وما هو عتيد أن يكون بعد هذا " أى مشاهد المستقبل بروح النبوة ....
لا تخف إذن فالكنائس فى السماء " ذهبية " رمز البر ، والأساقفة فى يمين المخلص المقتدرة ، ويسوع نفسه فى وسطها يسند ويوجه ويحمى .
فلنسمع الآن ما يقوله الروح للكنائس .
الأصحاح الثانى
رسائل إلى أربعة كنائس
أتجاهات التفسير : رجاء مراجعة مقدمة تفسير الأصحاح الأول .
اولا : كنيسة أفسس : ( 2 : 1 – 7 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان على الأرجح القديس تيموثاوس والكلام موجه إلى الكنيسة كلها وليس فقط إلى تيموثاوس الذى وصفه بولس بأنه " العامل معى " ( رو 16 : 21 ) و " الأمين فى الرب " ( 1 كو 4 : 17 ) ، " والأبن الصريح فى الأيمان " ( 1 تى 1 : 2 ) ، و " انسان الله " ( 2 تى 3 : 10 ) .
وكثيرا ما يكون حديث الرب للأب الراعى لكى يسمعه الأولاد فيصححوا مسارهم الخاطىء .
1- كما ذكرنا تشير الأفتتاحية إلى ضابط الكل ، الممسك السبعة كواكب ( الأساقفة ) والماشى وسط السبع منائر ( الكنائس ) .
2- وصف الحالة :
+ أعمال مقدسة وتعب وصبر فى الخدمة .
+ رفض للشر والأشرار .
+ اختبار لمدعى الرسولية والخدمة وكشف لهم .
+ بغضة أعمال النقولاويين اتباع نيقولاوس الذى يرى الشراح أنه كان يدعو إلى " الزواج على الشيوع " .
+ برودة بدأت تدب فى المحبة الأولى ، فمع أن العصر الرسولى انتشرت فيه المسيحية فى كل العالم إلا أنه لم يسلم من بعض الهراطقة مثل دعاة الردة إلى اليهودية ، ودعاة الخلاص بالمعرفة العقلانية أى الغنوسيين ودعاة النسك المنحرف وقمع الجسد ، ودعاة " عبادة الملائكة " وهكذا .
3- الرســـــالة :
" اذكر من أين سقطت وتب " فهناك نقطة نزل من عندها المنحنى ، يجب أن تدرس أين هى ؟ وما السبب فى فى بدء الأنحدار هذا ؟ وحين نكتشف أصل الداء يسهل العلاج ، أما إذا عرف الأنسان سر الأنحدار ولم يهتم بإصلاح حاله والعودة إلى محبته الأولى وتكريسه الأول فإن الله يهدده بأنه سيزحزح منارته من مكانها وبالفعل أين المسيحية الآن فى تركيا ؟ لقد انتهت منذ فترة طويلة وإلى يوم لا يعلمه إلا الله .
4- الوعد :
من يغلب سيأكل من شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله حيث يسوع الماشى وسط المناير السبعة .
ثانيا : كنيسة سميرنا ( 2 : 8 – 11 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان هو القديس " بوليكاربوس " ( أى كثير الثمار " أسقف أزمير – وهو الذى استشهد حرقا بالنار سنة 169 م ، ويعتبر تلميذا مباشرا للرسول يوحنا ، وخادما ناريا ممتلئا محبة ، لما ثار الأضطهاد أصر تلاميذه على تهريبه ليرعاهم ويشددهم فرأى الوسادة تحترق تحته فى رؤيا فعرف أن الله يدعوه للأستشهاد حرقا بالنار ، وهكذا سلم نفسه للجند ورفض كل إغراءات الحاكم ، كما رفض أن يربطوه فى العمود الخشبى وسط كومة من الحطب وصلى وأحرقوه ، لكن النار كانت كشراع من حوله فلم يمسه سوء ، ولما أندهش الناس طعنه جندى بحربة استنزفت دماءه الغزيرة الطاهرة بقوة ثم انطفأت النار .
وصف عناصر الرسالة :
1- الأفتتاحية : من الأول والآخر ، الميت القائم حيا .... هذا تشجيع للمؤمنين على الموت حبا فى المسيح بكر الراقدين .
2- وصف الحالة :
+ لا نسمع كلمة تأنيب واحدة ، فهى كنيسة الشهداء ، كنيسة الحب الباذل حتى الموت .
+ أعمال مقدسة .
+ ضيقة كالطحن .
+ فقر مادى وغنى إيمان .
+ تجديف اليهود يحتملونه فى صبر .
+ الآم قادمة فى حلقات عشر حسب عدد أباطرة الرومان القساة من نيرون إلى دقلديانوس .
+ سجن ، بإيحاء من الشيطان .
3- الرسالة : " كن أمينـــــا إلى الموت " أى إلى حد الأستشهاد ، " فسأعطيك إكليل الحياة " فليس المهم حياة هذا الدهر بل الدهر الآتى .
4- الوعد : " من يغلب لا يؤذيه الموت الثانى " .. لأن الشهيد يموت الموت الأول الجسدى ، ولكنه لا يموت الموت الثانى الأبدى ، وهذا هو الأخطر .
ثالثا : كنيسة برغامس : ( 2 : 12 – 17 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان يدعى على الأرجح " كاربوس " وهذا خليفة أنتيباس الأمين الذى كرز بأسم المسيح بأمانة فى رغامس الممتلئة من فعل الشيطان حيث دعيت " كرسى الشيطان " وإذ انتصر أنتيباس على الشيطان فى مواقع كثيرة كالكرازة والطرد من أجساد البشر هيج عليه الوثنيين فطرحوه فى إناء نحاس ، وأشعلوا النار تحته ليعذبوه حتى مات .
عناصر الرسالة :
(1) الأفتتاحية : من الذى له " السيف الماضى ذو الحدين " أى سيف الكلمة ، فهذه الكنيسة بها انحرافات كثيرة وتحتاج إلى سيف الكلمة .
(2) وصف الحالة :
+ أعمال مقدسة فى مكان نجس يسكنه الشيطان .
+ تمسك بأسم المسيح وعدم انكار للحق الإلهى رغم ضغوط العدو .
+ تقديم شهداء مثل أنتيباس الأمين .
+ البعض يعيشون حسب تعاليم بلعام الذى نصح بالاق أن يلقى معثرة أمام بنى إسرائيل ليتخلى عنهم الرب وهى أن يأكلوا مما ذبح للأوثان وأن يزنوا ( انظر سفر عدد 24 ، 25 ، 31 ، 2 بط 3 : 15 ) .
+ والبعض الآخر يتمسكون بتعليم نيقولاوس عن الزواج الجماعى .
(3) الرسالة : من يغلب سيأكل من المن المخفى ( المسيح فى السماء المن الحقيقى ) ويأخذ حصاة بيضاء ( كانت تعطى الظافرين كميدالية أو نيشان ) ويعطى إسما جديدا علامة أنه من خليقة جديدة ، من أولاد الله المرتبطين به
رابعا : كنيسة ثياترا : ( 2 : 18 – 29 ) .
كان أسقف هذه الكنيسة فى رأى البعض هو ايريناوس تلميذ بوليكاربوس الذى كان بدوره تلميذا ليوحنا الحبيب وكان ايرياوس غيورا فى محبته وخدمته ، ولكن الرسالة موجهة إلى الكنيسة ، أو إلى عصر الشكلية أو المظهرية الذى أتى فيما بعد .
عناصر الرسالة :
(1) الأفتتاحية : من الذى عيناه كلهيب نار " أى الفاحص القلوب والكلى ، لا يخفى عليه شىء " وصاحب " رجلى نحاس نقى " رمز الثبات والصلابة على مر الدهور والأجيال ، هى تبيد وهو يبقى .
(2) وصف الحالة : هذه أطول رسالة وفيها يتحدث الرسول عن :
+ أعمال وتعب وخدمة حتى أن الأعمال الأخيرة أكثر من الأولى .... أى أن هناك نمو فى الغيرة .
+ لكن فى هذا لا يمنع التوبيخ من أجل " أيزابل " التى تغوى المؤمنين أن يأكلوا مما ذبح للأوثان وبزنوا ... فمن هى إيزابل هذه :
- البعض يقول أنها " كاهنة وثنية " توهم الناس أنها تتنبأ وتعرف المستقبل وهذا خطأ لأن إيزابل هذه ستقوم من داخل الكنيسة .
- والبعض يرى أنها " ليديا " بائعة الأرجوان وقد عادت بنفوذ كبير لثروتها ، وانحرفت وأبعدت الكثيرين . لكن هذا تجن بلا مبرر ولا سند على ليديا المباركة .
- الرأى الأرجح أنها رمز لقوة تنشر الشر ( أكل ما ذبح للأوثان والزنا ) .. إنها رمز للتعاليم الفاسدة .....
- ورغم مرور الزمان على هذه البدع لم يتب تابعوها ، لذلك فالله يوجه إليها إنذار بأن تتوب وإلا طرحهم فى الضيقة والموت والدينونة العتيدة .
(3) الرسالة : أنها مجرد الحفاظ على التعليم السليم ورفض هذه التعاليم والمسالك الخاطئة .
(4) الوعد : من يغلب سيأخذ " سلطانا على الأمم " أى سينتصر على كافة نزعات الشر ، وسيرعى الأمم " بقضيب من حديد " أى سيخدم ويفصل كلمة الحق باستقامة كل شىء ويميز الأمور المتخالفة .
الأصحاح الثالث
رسائل إلى ثلاث كنائس
خامسا : كنيسة ساردس ( 3 : 1 – 6 ) .
فى أيام يوحنا الرائى كانت ساردس مدينة غنية ولكنها منحلة .. ونحن لا نعرف من هو أسقف تلك الكنيسة ولكننا كما ذكرنا نستطيع أن نأخذ من الرسالة الموجهة إليه التعاليم النافعة لحياتنا أبد الدهر ، كما أنها ربما تشير إلى عصر أنتشت فيه الكنيسة الكاثوليكية بخمر المجد الأرضى واتجهت نحو صكوك الغفران ومحاكم التفتيش ، مما أحدث ثورة إصلاحية من داخلها ومن خارجها ، ولكن غيبة العودة الجادة إلى جذور الكنيسة المتأصلة فى أرثوذكسية الشرق أحدثت انقسامات وحروب وطوائف جديدة ؟
ولهذا يدعو الرب الكنيسة " ساردس " أى بقية الحياة التى فيها والمحتاجة إلى نفخة وإضرام ...
عناصر الرسالة
1- الأفتتاحية : من الذى له السبعة أرواح الله " أى من الله والروح القدس الكامل ، والسبعة كواكب " أى الله ضابط الرعاة والأساقفة .
2- وصف الحالة :
+ الأعمال الشكلية تعطى إحساس الحيوية ومظهرها دون حياة حقيقية فى الجوهر .
+ هناك أسماء قليلة حافظت على الأيمان والحياة الحقة ، وهؤلاء يستحقون أن يمشوا مع الرب فى ثياب بيضاء إشارة إلى نقاوتهم ونصرتهم .
3- الرسالة :
+ أن يسهر ويراقب نفسه وحالة الخدمة بالكنيسة .
+ أن يشدد ما بقى، حتى لا يموت ، وذلك بأن يضرم فيه نار الروح القدس .
+ أن يدرس ما عنده من بركات إيمانية وتعاليم مقدسة ويحافظ عليها ويسلك بموجبها ، وإلا فسوف يسقط تحت دينونة فجائية لأن يوم الرب قادم ولكن كلص .
4- الوعد :
+ من يغلب " سيلبس ثيابا بيضاء " أى ثياب البر الإلهى الذى يتشح به المؤمنون فى المجد ، " ولن أمحو أسمه من سفر الحياة " أى سيكون له نصيب مع المفديين ، " وسأعترف بأسمه أمام أبى وأمام ملائكته " أى سأعطيه مجدا أبديا فى حضرة الله والملائكة القديسين .
سادســــا : كنيسة فيلادلفيا : ( 3 : 7 – 13 ) .
تقع فيلادلفيا فى آسيا الصغرى ، ومع أنها سقطت فى يد الأتراك فى القرن الرابع عشر إلا أنها تضم بعض المسيحيين يرعاهم أسقفها ، والكلمة فيلادلفيا معناها " محبة الأخوة " مما يجعلها تشير – فيما يبدو – إلى عصر العمل المسكونى الذى يسود العالم اليوم ويجعل الكنائس تتقارب فى حب تمهيدا لوحدة فى الأيمان نرجو أن يسمح بها الرب تنفيذا لكلمته " يكون الجميع واحدا " ( يو 17 : 21 ) .
عناصر الرسالة :
1- الأفتتاحية : من " القدوس " وهى صفة ينفرد بها الله وحده ، حتى صارت أسما من أسمائه المباركة يمكن أن يكون الأنسان قديسا أو مقدسا لكن الله وحده هو " القدوس " أى كلى القداسة ، القداسة بطريقة مطلقة ، جوهر القداسة بل ما هو أسمى من ذلك مما يسمو عن إدراكنا .
" الحق " فهو الصدق كله ، وهو النور ومنه تكون الأستنارة وهو المرشد ومنه يكون سواء السبيل .
" الذى له مفتاح داود " أى ضابط لكل شىء عبر التاريخ والأماكن يفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح ، إنه كلى القدرة ، وبغيره ليس سوى العدم واللاوجود .
2- وصف الحالة :
+ باب مفتوح للكرازة وقوة يسيرة ومساندة إلهية ، وذلك لأنه حفظ كلام الرب ولم ينكر أسمه .
+ الله يحبه ويقدر ظروفه وسيجعل أجناد الشياطين ودعاة التهود يأتون ويسجدون عند رجليه .
+ لقد صبر من أجل الرب ، والرب لن يتخلى عنه فى ساعة التجربة أى فى أيام حل الشيطان ، فى الأيام الأخيرة أيام الأرتداد .
+ ويدعوه أن يتمسك بما عنده من جهاد وصبر وإيمان وتعليم وحسن حتى لا يفشل ويأخذ أحد إكليله .
الوعــــــد :
" من يغلب سأجعله عمودا فى هيكل إلهى أى سيصير كارزا جبارا تعتمد عليه الكنيسة " ، " ولا يعود يخرج إلى خارج " أى سيكون فى عمق قلب الله وبيت الرب " واكتب عليه أسم إلهى " علامة ملكية الرب له ، " واسم مدينة إلهى أورشليم " علامة ميراثه الأبدى ، " وإسمى الجديد " علامة بنوته الأبدية لله فصار يحمل أسم الله باستمرار .
سابعا : كنيسة لاودكيــــة : ( 3 : 14 – 22 ) .
هى المدينة التى أسسها أنطيوخس السورى ( 250 م ) ودعاها بأسم زوجته وكانت هذه المدينة على الطريق التى تصل آسيا ببعضها ، لذلك أشتهرت بالتجارة والغنى المادى والأنحلال الخلقى ، كما كانت مركزا لصنع الثياب والطب وكحل العيون ، وكانت تحوى جالية يهودية ضخمة .
أما أسقفها فغير معروف وإن كان البعض يرى أنه أبن القديس فليمون الذى أرسل له بولس رسالة .
عناصر الرسالة
1- الأفتتاحية : هذا يقوله " الأمين " وهى كلمة عبرية معناها " الحق " أنا هو الطريق والحق والحياة " ( يو 14 : 9 ) . " الشاهد الأمين " أى الكائن فى حضن الآب والعارف لأعماق الأمور ، والأمين الصادق فى كلامه وإرشاداته " بداءة خليقة الله " أى " أصل ومبدىء الخليقة " أى أنه الخالق الذى خلق كل شىء المنفصل عن كل الخليقة .
2- وصف الحالة :
+ أعمال هذا الأسقف غير معروف ليست حارة ولا باردة لكنها فاترة يؤدى العمل بفتور وبلا حرية .
+ ولذلك فالله مزمع أن يتقيأه من فمه .
+ ولكن لماذا لا يقبل الله الفتور بدلا من البرودة ؟ لأن الفتور يعطى صاحبه إحساسا بالأكتفاء فلا يفكر
فى التوبة أو النمو .
+ ثم يستعير الرب ما تتسم به المدينة ليصف به حالة الكنيسة والأسقف فهى مدينة غنى وهو يحس بالغنى الزائف بينما هو فى الواقع فقير ، والأسقف يحس بأنه فطين ومبصر لكنه للأسف أعمى ، كذلك فالمدينة كانت مركزا لصنع الثياب ، لكنه فى الحقيقة كان عريانا من ثوب النعمة .
3- الرسالة : يقدم له الرب نصيحة مثلثة :
أن يشترى من نعمته ذهبا مصفى بالنار أى أن يقتنى النعمة الغنية .
وثيابا بيضاء أى ثياب النقاوة والبر .
وكحلا لعينيه أى استنارة إلهيــــة .
4- الوعــــــد :
" من يغلب ، يجلس معى فى عرشى " يا للمجد ! أن نجلس مع الله فى عرشه الخاص !! ليس مجرد أن نحيا معه فى بيته الأبدى ، بل أن نجلس معه فى عرشه الخاص !! ويشبهنا بالسيد المسيح نفسه الذى غلب وجلس فى يمين العظمــــة .
خاتمــــة : " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " مما يوضح أن هذه الرسالة هى لكل الناس فى كل العصور . فليعطنا الرب أن نكون سامعين عاملين بالكلمة ( يع 1 : 22 ) .
الأصحاح الرابــع
مشهد سمـــائـــى
نظر يوحنا وإذا " باب مفتوح فى السماء " علامة بدء استطلاع ما كان مخفى عن البشر ، ولذلك يدعى يوحنا فى الكتب الكنسية القديمة " صاحب الجليان " أى صاحب اجلاء الأمر الغامض وكشف المقاصد المستورة ، ولهذا نسهر فى سبت النور لنتطلع نحو السماء المفتوحة التى فيها نرى يسوع فى المجد الأسنى ، جسده كان فى القبر متحدا بلاهوته المجيد ، وإذا ما انفتحت السماء تقبلت الدعاء ، أو سكبت الروح ، أو شهدت للأبن .
" والصوت الأول الذى سمعته كبوق يتكلم معى " كثيرا ما يبدو صوت الله مهيبا ومخيفا ومع أنه الآن يحمل إلينا رسالة الحنان والفداء ، ولعلنا نذكر صوت الأب وهو يشهد للأبن " مجدت وأمجد أيضا " ( يو 12 : 28 ) وكيف أن الناس تصوروا الصوت رعدا ، وكذلك حينما سمع رفقاء بولس الصوت دون أن يميزوا الكلمات ( قارن أع 9 : 7 مع أع 22 : 9 ) .
" اصعد إلى هنا " أى بالروح ، فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا ، هنا كشف المستقبل للكنيسة كنهاية لصراعها مع الشر ، فماذا رأى يوحنا ؟ رأى لوحة رائعة نتمنى أن تسجلها يد فنان ملهم .
· " العرش " رمز الملك .
· " وعلى العرش جالسا " رمز الحكم والأستقرار .
· " منظره شبه اليشب والعقيق " اليشب أبيض والعقيق أحمر رمز النقاوة والفداء ، فالملك السمائى قدوس وفاد .
· " وقوس قزح حول العرش شبه الزمرد " يدركنا بالميثاق الذى قطعه الله مع البشر بعد الطوفان ، كان يرى قوس قزح فيرحم الأنسان ، ملكنا إذن رحيم ( القدوس ، الفادى ، الرحوم ) .
· " وحول العرش أربعة وعشرون عرشا " إنها عروش عليها يملك القديسون حسب وعد الرب " من يغلب يجلس معى فى عرشى " ( رؤ 3 : 21 ) ورقم 24 ضعف رقم 12 وهو يرمز إلى الديانة المنظمة : الأسباط الأثنى عشر ثم التلاميذ الأثنى عشر . إنهم إشارة إلى كنيستى العهدين القديم والجديد .
· كلمة " شيخ " فى الأصل اليونانى " بروسفيتيروس " ومنها كلمة " برسفيا " أى شفاعة ، أنهم إذن كهنة أو قسوس وهما نفس الكلمة المترجمة " قسوس " فى ( أع 20 : 7 ) .
· " جالسين " فى استقرار .
· " متسربلين بثياب يسض " فى نقاوة ووقار .
· " وعلى رؤوسهم أكاليل ذهب " رمز البر الإلهى الذى اتشحوا به ، والمجد الإلهى الذى حصلوا عليه .
· " من العرش يخرج بروق ورعود وأصوات " .... البروق تشير إلى مواعيد الله فالبرق يسبق المطر ، والرعود رمز الأنذارات الإلهية حيث يكون الصوت مخيفا ، والأصوات رمز توجيهات الله فى كلمته الحية .
· " أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هى سبعة أرواح الله " رمز نار الروح القدس ، الذى يطهر ويقود ويدين .
· " وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور " رمز المعمودية التى بدونها لا نقترب إلى عرش الله ولا نتحد به " من آمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) ، و " من لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " ( يو 3 : 5 ) .
· " فى وسط العرش وحوله أربعة حيوانات مملوءة عيونا من قدام ومن وراء " هذه كائنات غير متجسدة ممتلئة حكمة وأبصار سواء من قدام ، أى ترى المستقبل ، أو من وراء أى ترى الماضى ، وهو بالترتيب : شبه أسد – شبه عجل – شبه انسان – شبه نسر طائر .
وهنا يجتهد المفسرون فى آراء مختلفة مثل :
1- إنها تشير إلى صفات الله وكمالاته ، فالأسد رمز القوة ، والثور رمز الخدمة ، والأنسان رمز الحكمة ، والسر رمز التعالى والسمو .
2- أو تشير إلى أنواع الخليقة إلى أنواع الخليقة : فالأسد رمز الحيوانات المفترسة ، والثور رمز الحيوانات الأليفة ، والأنسان رمز مملكة البشر ، والنسر رمز الطيور والكل يمجد الله الخالق .
3- لكن الأرجح أنها اشارة إلى البشيرين الأربعة متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، الذين حملوا بشارة الرب إلى كل المسكونة .
وكثرت التفسيرات ، وكلها تفسيرات جميلة ومقبولة تشير فى جوهرها إلى لا محدودية السيد المسيح ، إذ يستحيل أن يحده عقل بشرى أو تشبيه مهما كان ، انه الإله العالى الساكن فى نور لا يدنى منه ، أو قل هو الضباب المقدس الذى يحجب رؤية من يدخل إليه ، أو هو الشمس المحرقة التى ترفض اقتحام العين لها .
وهذه الكائنات لكل منها " ستة أجنحة " رمز خفة الحركة ، وسرعة الأنتشار مملوءة عيونا رمز البصيرة والحكمة الروحانية ، وهى تصلى باستمرار " قدوس قدوس قدوس " اسم لله وصفة ينفرد بها تعالى ، يكررونها ثلاث مرات إشارة للثالوث وتأكيدا للمعنى " الإله القادر " لأن بيده الكل " الذى كان " فى الماضى والكائن " فى الحاضر " والذى يأتى فى المستقبل فهو فوق الزمان ، أزلى أبدى سرمدى .
ومع الترنيم العذب المهيب يخر الكل سجودا ، ويطرح القسوس أكاليلهم تحت قدمى المسيح ، فهو الوحيد المستحق ذاتيا للمجد ، أما هؤلاء ونحن فأكاليلنا مكتسبة منه ، دفع هو ثمنها من دمه ووهبها لنا مجانا ، فهى منه وإليه ، وهو الخالق " أنت خلقت كل الأشياء وهو الحافظ " وهى بإرادتك كائنة .. له المجد .
الأصحاح الخامس
الخروف والسفر المختوم
هنا يتحدث الرائى عن " السفر المختوم " الذى رآه على يمين الجالس على العرش وكان السفر مكتوبا " من داخل ومن وراء " أى مليئا بالأسرار والأعلانات ، والأختام التى بها السفر كانت " سبعة " ورقم 7 هو رقم الكمال فهى إما تعنى كمال الغموض عنا ، أو كمال تاريخ الكنيسة وعصورها ، أو كمال مقاصد الله التى يعلنها لنا فيه .
ثم رأى " ملاكا قويا ينادى بصوت عظيم " علامة أن الخطب جلل " من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه ؟ وسؤال فيه تحدى ! فلم يستطع أحد فى السماء ( الملائكة ) ولا على الأرض ( البشر ) ولا تحت الأرض ( الشياطين ) ( خرو 20 : 1 – 4 ، 14 : 15 ) أن يفتح السفر ولا حتى أن ينظر إليه .
وبدأ يوحنا يبكى من أجل هذا الموقف العصيب ! إلا أن واحدا من القسوس طمأنه قائلا : " لا تبك هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة " .
الأسد لأنه الملك ابن الملك ، وحسب النبوات التى أشارت إليه بقولها : " يهوذا جرو أسد " ( تك 49 : 9 ) .. وهو من سبط يهوذا حسب الجسد وتحقيقا للنبوات ، ولكنه " أصل داود " أى خالقه وموجده وإن كان ابنه بالجسد لكنه إلهه باللاهوت .
وانتظر يوحنا الأسد فإذ به يرى حملا وديعا " قائما كأنه مذبوح " هو حمل لأنه الطهر كله ، والوداعة كلها والذبيح الأعظم ... وهو القائم لأنه منتصر على الموت وهو " كأنه مذبوح " أى أنه يحمل سمات جراح الصليب وإن كان قد انتصر عليها بحياته ، " وله سبعة قرون " - رمز القوة الكاملة - " وسبع أعين " رمز الأبصار الكامل كإله يفحص القلوب والكلى بروحه العامل فى البشر .
أتى الحمل وأخذ السفر من الجالس على العرش ، وحينئذ خرت الأربعة حيوانات والأربعة والعشرون قسيسا أمامه ، وبدأوا جميعا يمسكون قيثاراتهم السمائية ويترنمون بترنيمة جديدة للحمل فيها يشكرونه من أجل عمله المجيد ، بينما تتصاعد رائحة البخور الزكية من جامات القسوس تحمل صلوات القديسين ، فالبخور دائما هو رمز الصلاة من أجل تصاعده إلى أعلى ، ومن أجل رائحته الزكية ، والمجامر رمز سر التجسد إذ فى بطنها ( بطن العذراء ) يتحد الجمر بالنار ( اتحاد اللاهوت بالناسوت ) ولا ننسى دليل الشفاعة هنا ، فهذى صلوات القديسين يرفعها كهنة السماء عن الخليقة كلها .
ماذا قالوا ؟ " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه " ، وكيف استحق هذا هل بقوة السيف ؟ لا ، بل بوداعة البذل : " ذبحت واشتريتنا لله بدمك " .. فالفداء هو سر الرفعة ، والبذل هو سر المجد .. أن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلا تطول أيامه ( أشعياء 53 ) .
وهنا نلمح اتساع المسيحية لتشمل " كل قبيلة ولسان وشعب وأمة " بل ارتفاع المسيحية إذ تجعلنا كهنة نقدم ذبائح الحمد على هيكل حياتنا ، وهكذا سنملك على الأرض أى سنحس بعربون الملكوت الأبدى فى داخلنا ، كما نختبر بقوة عمل النعمة التى تجعلنا نسيطر على انفسنا وعلى الشيطان والعالم .
ومرة ثانية يسمع يوحنا ترنيم السمائيين : الملائكة والأربعة حيوانات والأربعة وعشرون قسيسا ، وهم يقولون : " مستحق هو الخروف المذبوح " مع أن الرب قد قام إلا أنه يمارس عمل الفداء عنا ، ويحمل سمات الصليب إلى الأبد " أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة " .
وعندما صاحت جوقة السمائيين هكذا ، ترددت فى جنبات الأرض صيحة مشابهة " للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد " إنها تسبحة البسخة التى نرددها بلا كلل طوال أسبوع الآلام تمجيدا للمصلوب .
ولا يكتفى سكان السماء بالترنيم ، لكنهم يقرنونه بسجدات متواترة صارت سمة لكنيستنا التى لا تكف عن السجود فى صلواتها العامة ، أو فى الصلوات الفردية المقرونة بالميطانيات .
الأصحاح السادس
أولا : الفرس الأبيض : " فنظرت وإذا فرس أبيض ، والجالس عليه معه قوس ، وقد أعطى إكليلا ، وخرج غالبا ولكى يغلب " رؤيا 6 : 1 ، 2
يرمز إلى العصر الرسولى ، الذى خرج فيه الرب غالبا ، ولكى يغلب فلقد قهر الموت ، وفتح الفردوس ودخل القلوب ، وغزا الأمبراطورية الوثنية بنور الحب الإلهى فانهارت ساجدة عند قدميه .. لهذا فالفرس أبيض ، رمز السلام والنقاوة فالمسيحية لم تستخدم القوة الجسدية فى تبشيرها أما القوس فهو رمز الجهاد بالكلمة وتوجيهها هنا وهناك لتسبى النفوس ، ونجاح المسيحية فى الأنتشار ، أما الغلبة المستمرة فهى تأكيد من الرب ، أن النور سوف ينتصر دائما على فلول الظلمة .
الفرس الأحمر : ( رؤيا 6 : 3 ، 4 )
" ....... فخرج فرس آخر أحمر ، والجالس عليه أعطى أن ينزع السلام من الأرض ، وأن يقتل بعضهم بعضا ، وأعطى سيفا عظيما " .
إن انتشار المسيحية وانتصارها لم يكن بلا ثمن لأن عصر الشهداء قد حمل إلى المجد ألوفا وربوات ، لهذا فالفرس هنا أحمر رمز الدماء القانية التى سالت فى كل البقاع شهادة حب للمسيح ، أما الجالس على الفرس هذه المرة فهو عدو الخير الذى أراد أن يفنى المسيحية فأفنته .. والذى تصور أن سيفه العظيم سيخيف المؤمنين ولكنهم ما خافوه حتى الأطفال منهم .
الفرس الأسود : ( رؤيا 6 : 5 ، 6 )
" ........ فنظرت وإذا فرس أسود ، والجالس عليه معه ميزان فى يده ، وسمعت صوتا فى وسط الأربعة الحيوانات قائلا : " ثمنية قمح بدينار ، وثلاث ثمانى شعير بدينار ، وأما الزيت والخمر فلا تضرهما " .
انتهى الأضطهاد الخارجى وجاء الأضطهاد الداخلى جاء عصر البدع والهرطقات عصر الظلمة ( الفرس الأسود ) والغريب أن الجالس عليه معه ميزان فى يده ( أى أنه يدعى العدل والحق وهما منه براء ) إنه المبتدع آريوس أو نسطور أو مقدونيوس أو أوطاخى وكلهم كانوا من علماء الدين ، لكن مع كبرياء مرة أهلكتهم جميعا .
وهكذا صارت " ثمنية القمح بدينار " أى قدح القمح صار غاليا ، وثلث ثمانى الشعير بدينار ، أى كل ما للأكل أضحى عزيزا غاليا ..... كانت كلمة الله عزيزة ، وكاد الضلال أن يشيع فى وسط الكنيسة ... لكن شكرا لله : " أما الزيت والخمر فلا تضرهما " الزيت رمز النعمة والخمر رمز الروح القدس أى أن التعليم الإلهى السليم ، تعليم نعمة المسيح وعمل الروح القدس لن يصاب بأذى " فالله ساهر فى كلمته وهو يجريها " .
الفرس الأخضر : ( رؤيا 6 : 7 ، 8 )
" ولما فتح الختم الرابع ، سمعت صوت الحيوان الرابع قائلا : " هلم وانظر " ! فنظرت وإذا فرس أخضر ، والجالس عليه أسمه الموت ، والهاوية تتبعه ، وأعطيا سلطانا على ربع الأرض أن يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض " .
هذا الفرس يرمز إلى بدعة خطيرة تخمل اللون الأخضر ، والعلم الأخضر ، علامة الحياة بينما هى فى الواقع تحمل الموت لكل تابعيها ، أتباع هذه البدعة يتظاهرون بالتدين بينما هم ينكرون قوة الأيمان ، لذلك فالجالس عليه أسمه الموت والهاوية تتبعه لتبتلع كل أتباعه ومع أن هذه البدعة ستنتشر فى مساحة واسعة ( ربع الأرض )
ومع أنها ستستخدم السيف ( الحرب والجوع ) أى الظلمة الروحية ( والموت أو الأضطهاد ) ووحوش الأرض أى ( الأسلوب الوحشى القاسى ) ، بل أن الوحوش فى تعاملها مع بعضها تكون أكثر رأفة من قساوة هؤلاء ، إلا أن هذا لن يلغى نصرة الحق الإلهى .
الختم الخامس : نفوس الشهداء تحت المذبح ( رؤيا 6 : 9 – 11 ) .
" ولما فتح الختم الخامس ، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ، ومن أجل الشهادة التى كانت عندهم ، وصرخوا بصوت عظيم قائلين " حتى متى أيها السيد القدوس والحق ، لا تقضى وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض ؟ " فأعطوا كل واحد ثيابا بيضاء ، وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم ، وإخوتهم أيضا ، العتيدون أن يقتلوا مثلهم " .
هنا عصر أنين السماء من أجل حالة الأرض ، الشهداء يئنون من أجل الأضطهاد القائم فى الأرض ويطلبون سرعة إدانة الظالمين القساة ، لكن الرب يأمر بإعطائهم ثيابا بيضاء رمز الراحة والنقاوة ، ويقول لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم فى الشهادة ، وهنا نلاحظ :
1- أن الأرواح البارة فى الفردوس يمكن أن تقلق وتحتاج إلى راحة وتعزية ، لهذا نصلى نحن من أجل المنتقلين لأن مستوى راحتهم يتغير فى الفردوس .
2- ألم يكونوا فى ثياب بيضاء ... فما هذه ؟ إنها تأكيد لحاجتهم إلى مساندة سكان السماء فى توسلاتهم وتعزياتهم .. إنها الشركة !!
3- هناك استشهاد وشهداء زمانا يسيرا بسبب استحسان الله حتى يكمل عدد صاحبى هذه الأكاليل المباركة .
الختم السادس : الزلزلة العظيمة ( رؤيا 6 : 12 – 17 ) .
" ونظرت لما فتح الختم السادس ، وإذا زلزلة عظيمة حدثت ، والشمس صارت سوداء كمسح من شعر ، والقمر صار كالدم ، ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة ، ............. " .
وفيه نرى زلزلة عظيمة أى أن كل معطيات العالم قد اهتزت حتى النخاع والشمس صارت " سوداء كمسح " أى لا نور ولا تعليم حسن ، والقمر صار كالدم أى أن هناك اختناق روحى عام ، والنجوم تساقطت أى القادة سقطوا ، والسماء انفلقت أى انفصلت عنا ، والجبال والجزر تزحزحت ، أى أن عظماء الأرض تهالكوا والكل يطلب من الصخور أن تسقط عليه ومن الجبال أن تغطيه من وجه الجالس على العرش ، هذه أحداث الأيام الأخيرة : ارتداد روحى وانحلال للخليقة المنظورة ، وصراخ غير المستعدين لمجىء الرب ... لقد جاء يوم غضب الخروف ومن يستطيع الوقوف ؟ إن زمان الرحمة قد انتهى ، وبدأ زمان العدل أو بالأحرى أن فرصة قبول التوبة قد انتهت ، لأن العدل كان يأخذ حقه من دم المسيح المسفوك ، أما الآن فقد انتهى زمان التوبة وعلى كل نفس أن تواجه مصيرها المحتوم .
نصرة السمائيين
أولا : كنيسة العهد القديم ( رؤيا 7 : 1 – 8 )
يرى يوحنا الرائى ملاكا قادما من المشرق ، ومعه ختم الله الحى ( من شمس البر ) ونادى على الملائكة الأربعة الذين أمروا أن يفسدوا الأرض والبحر والنبات بألا يفعلوا ذلك قبل أن يتم ختم عبيد الله على جباههم ، والختم رمز الملكية ، والجبهة رمز الفكر والأرادة . وسمع يوحنا عدد المختومين أنهم 144000 يذكر الكتاب فيها بعد أنهم بتوليون لم يتنجسوا مع النساء ، ولا شك أنهم لا يشيرون إلى بتولية الجسد ، فنحن لا نعتبر الزواج نجاسة بل نعتبره سرا كنسيا فيه نشترك مع الخالق فى خلقه ، ونتحد إلى واحد بروحه ، ونسلك طريق خلاصنا الذى اختاره الله لغالبيتنا .
ولا شك أيضا أنهم ليسوا اطفال بيت لحم ، فهذا مجرد اجتهاد ، فمن غير المعقول أن تحوى قرية صغيرة كبيت لحم هذا العدد الضخم من الأطفال تحت سنتين .
إنهم رمز للبتولية القلبية ، وعدم التدنس بالعالم والفساد المستشرى فيه ، ورقم 12 رمز العبادة المنظمة ، ورقم 1000 رمز الكثرة أى أنه رقم رمزى يشير إلى كل المفديين ، كالمختومين على جباههم ، أى المتمتعين بعمل الروح القدس ( أف 1 : 13 ، 4 : 30 ، 2 كو 1 : 22 ) ، ونلاحظ أنه اختار الأسباط التالية :
" يهوذا – رأوبين – جاد – أشير – نفتالى – منسى – شمعون – لاوى – يساكر – زبولون – يوسف – بنيامين " .
وهنا نورد هذه الملاحظات :
1- أورد يهوذا قبل رأوبين لأن منه جاء المسيح ، حسب الجسد .
2- حذف اسم دان لأنهم عبدوا الأوثان ( قض 18 : 20 ) .
3- ولكى يكمل رقم 12 رمز العبادة المنتظمة يورد أسم منسى رغم أنه جاء ضمن يوسف ، لكن كلمة يوسف معناها " يزيد " أى أنه يستحق أن يكون أكثر من سبط .
ثانيا : كنيسة العهد الجديد : ( رؤيا 7 : 9 – 17 )
ثم رأى يوحنا جمعا كثيرا لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة ..
إنها كنيسة العهد الجديد حيث فيض النعمة وعطية البر تخلص كل العالم من كل جنس وشعب ، وليست كعطية العهد القديم المحددة برقم وجنس معين ، وطبعا لم يستطع يوحنا ولا غيره أن يحصى العدد ، لكن الله حتما يعرفه بالتحديد : " لا تخف لأنى فديتك ، دعوتك بأسمك أنت لى " ( أش 43 : 1 ) .
سمات المنتصرون :
1- واقفون : رمز النصرة والثبات .
2- أمام العرش : رمز المجد والتواجد فى حضرة الله .
3- متسربلين بثياب بيض : رمز النقاوة والوقار .
4- فى أيديهم سعف النخل : رمز النصرة والسلام والفرح .
5- يصرخون بصوت عظيم : رمز الترنيم البهيج وتسبيح الله " الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف " .
وهنا استجاب سكان السماء لترنيم البشر الظافرين ، فسبحوا معهم للجالس على العرش فى سجود خاشع فى البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة ( فى العقل ) والقوة ( الثابتة ) لإلهنا إلى أبد الأبدين آمين .
" هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض ، من هم ؟ ومن أين أتوا ؟
فأجابه يوحنا باتضاع ولهفة : " ياسيد أنت تعلم " فقال له : " هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة " ( الأرض وما فيها من لعنة وتعب واضطهاد وطحن ) وقد غسلوا ثيابهم وبيضوها ( بتكرار واهتمام ) فى دم المسيح الفادى . وهم لذلك أمام عرش الله يخدمونه نهارا وليلا ، أى باستمرار حيث لا ليل هناك ، والرب يحل فوقهم ( أى يظلل عليهم بحنانه ومجده ) يشبعهم ( فقد استراحوا إلى الأبد من الجوع إلى المطلق الذى يقض مضجع الجنس البشرى فلا يشبعه سوى الله ) ، ويحميهم من شمس التجارب وحرها ، ويرعاهم ويرويهم من ماء الحياة الأبدية ، ويمسح دموعهم فى تعزية سماوية تنسيهم كل أوجاع الأرض .
+ + +
رؤيا الأبواق السبعة : فكرة عامة
وهى تعبر عن صورة أخرى من صور الصراع بين الكنيسة وقوى الشر فى العالم أثناء رحلتها من الأرض إلى السماء . وفى الواقع نجد أن هناك أكثر من قوة صارعت ضد المسيحية منذ نشأتها : اليهودية ثم الوثنية ثم الهرطقات ثم اتحاد الدين والسياسة ثم البذخ المادى ثم ديانات فلسفات ضد المسيحية كالشيوعية والوجودية والعبث .
هذه كلها صراعات مستمرة ، كانت تخرج المسيحية منتصرة بقوة المسيح .
وهنا فى رؤيا الأبواق نجد أن الختم السابع قادنا إلى سكوت فى السماء ، ثم ملاك يبخر ، ثم أبواق سبعة مما يؤكد أن هذه الرؤى تتوالى وتتوازى معا فهى تصف رحلة الكنيسة من الأرض إلى السماء ، لهذا تتداخل ( الختم السابع يقود إلى الأبواق السبعة ) ، وتتوالى متتابعة لتعبر عن أدوار الصراع المختلفة .
أما الأبواق فتحمل إلينا رسالة " الأنذارات " التى يقدمها الله للبشر لكى يتوبوا عن شرورهم ، فالبوق الأول : برد ونار ، والثانى : جبل يسقط فى البحر فيحيله دما ، والثالث : كوكب يسقط على الأنهار فتصير مرة ، والرابع : يضرب الشمس والقمر والنجوم حتى الثلث . والخامس : كوكب يسقط من السماء ويفتح بئر الهاوية فيخرج منها جراد غريب يؤذى الناس ، والسادس : حرب ضروس يهلك فيها كثيرون .
وفى الأصحاح العاشر نرى ملاكا فى يده سفر صغير ، ثم رعودا تتكلم ، ولكن الرسول لا يسجل حديثها ، وأخيرا يأكل الرسول السفر فيجده حلوا فى فمه ومرا فى جوفه .
وفى الأصحاح الحادى عشر يتم قياس هيكل الله ويتنبأ الشاهدان الأمينان ، ولكن الوحش يقتلهما ، ثم يقيمهما الله من جديد ، وتحدث زلزلة مرعبة ومهلكة .
وأخيرا يبوق الملاك السابع : قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه وتنتصر المسيحية بقوة المسيح له المجد .
الأصحاح الثامن : الأبواق الأربعة الأولى
البوق الأول : برد ونار ودم ( 8 : 6، 7 )
" البرد والنار " إعلانان للغضب الإلهى كما حدث مع المصريين قبل خروج بنى إسرائيل ( خروج 9 : 24 ) .
" والدم " رمز النقمة من الأشرار .
وفى يوئيل ( 2 : 20 ) نجد العناصر الثلاثة معا فى اليوم الأخير ، إعلانا عن غضب السماء : " الدم والنار وأعمدة الدخان " .
ونلاحظ أن الأشجار لم يحش سوى ثلثها ، علامة أن يد الله تضرب فى رحمة ولا تهلك كل شىء بل تعطى فرصة للتوبة . كما أن احتراق النباتات دليل نقص الغذاء والجوع ، والبعض يرى أن الأشجار تشير إلى المؤمنين وأن ثلثهم يرتد أما العشب الأخضر فيشير إلى المسيحيين الأسميين وهم يهلكون .
البوق الثانى : " جبل ملقى فى البحر " ( 8 : 8 ، 9 )
وفيه نجد أن جبلا عظيما متقدا بالنار قد ألقى إلى البحر فصار ثلث البحر دما .. ومات ثلث الخلائق التى فى البحر وأهلك ثلث السفن .
وهذه كناية عن قائد حربى يثير حربا فى بحر هذا العالم ذى المياة المالحة فتشتبك دول كثيرة ( ثلث البحر يصير دما ) ويموت ثلث الخلائق ( أى تكون هناك ضحايا كثيرة فى الأرواح ) ويهلك ثلث السفن ( أى يصعب الأتصال بين البلاد وتقل التجارة ويتعب الناس ) .
إن التأمل فيما فعله النازى فى الحرب العالمية ، وما حدث من تداعيات وحروب ودمار يجعلنا نحس أن الحرب هى إنذار من الله لكى نتوب ، يثيرها بشر أشرار ، لكن الله يخرج منها بركة روحية لأولاده إذ يتوبون ويستعدون للحياة الأبدية .
البوق الثالث : " كوكب يسقط فى الأنهار " ( 8 : 10 – 11 )
هنا تتغير الصورة ، فالكوكب ساقط من السماء ، وهو لا يسقط على البحر بل على الأنهار .
الكوكب الساقط من السماء رمز إلى سقوط الهراطقة ، وهم من أكثر قادة الكنيسة علما ولكن الكبرياء أسقطتهم كما أسقطت الشيطان من قبلهم .
والأنهار هى الكنيسة ، مياهها عذبة بعكس مياة البحر المالحة .
واسم الكوكب " الأفسنتين " وهو نبات غاية فى المرارة تضر وإن كانت لا تقتل . ولا شك أن هذا الكوكب الساقط سيحدث مرارة فى العالم وفى الكنيسة وسيجعل الكثيرين ينحرفون عن التعليم الصحيح . إن الطائفية التى نعانى منها الآن ، هى بالحقيقة سبب مرارة نرجو أن تزول .
البوق الرابع : " ضرب ثلث الشمس والقمر والنجوم " ( 8 : 12 ، 13 ) .
إن سقوط هذه الكواكب السمائية ، أى انحراف رجال الدين فكريا أو روحيا يجعل الظلمة تسود ، سواء من جهة الفكر والعقيدة أو السلوك اليومى ، لهذا كم يجب أن نتحفظ فى سلوكنا وتعليمنا كأولاد للمسيح ، وكأبناء للكنيسة حتى لا يخبو النور وتزداد العثرة ويتماحك الخطاة ؟ ! ويختتم هذا البوق ملاك يطير فجأة فى وسط السماء بصورة مرعبة ويصرخ قائلا : ويل ويل ويل للساكنين على الأرض من أجل بقية أصوات أبواق الثلاثة ملائكة المزمعين أن يبوقوا ، وهذا بعنى أن الأبواق الباقية رهيبة ، يجب أن ننتبه إليها ونعرف مكنوناتها .
الأصحاح التاسع ( البوقان الخامس والسادس )
البوق الخامس : الكوكب النازل والهاوية والجراد( 9 : 1-12 )
وفيه نرى ملاكا ساقطا ( أى نازلا ) من السماء ومعه مفتاح بئر الهاوية هو إذن ملاك لا شيطان ، فالشيطان محبوس فى الهاوية ، وذاك قادم من السماء ومعه المفتاح والهاوية مفتاحها فى يد المسيح " لى مفاتيح الهاوية والموت " ( 1 : 18 ) وهى فى تصور انسان العهد القديم حفرة بلا قرار ، فيها أعداء الرب ( عا 9 : 3 ، أش 51 : 9 ، مز 74 : 13 ) ، كسجن ( أش 24 : 21 ، 22 ) ، وقد عبر عنها أحد كتاب اليهود أنها سجن الملائكة الأشرار ، وبالطبع كلها تعبيرات معنوية لا حسية .
وفتح الملاك " بئر الهاوية " إشارة إلى فك الشيطان من سجنه بسماح من الله فى الأيام الأخيرة ، فصعد " دخان كثير " حتى أن الشمس أظلمت إذ حجب نورها وهذه إشارة إلى البدع والضلالات التى سيطلقها الشيطان فى الأيام الأخيرة حتى أن نور الكلمة يحجب عن كثيرين .
ومن الدخان خرج جراد كثير فى جيوش زاحفة ، رمزا للأرواح النجسة والأفكار والمبادىء المضلة التى ستملأ الأرض فى تلك الأيام ، ولذلك فهذا الجراد لن يضر المختومين على جباههم ( العامل فيهم ختم الميرون وقوة الروح القدس ) سواء كانوا مبتدئين ( عشب الأرض ) أو متوسطين ( نبات أخضر ) أو متقدمين ( أشجار ) .. الضرر سيكون بالناس الأشرار البعيدين عن عمل النعمة .
وسيقف الضرر اللاحق بهم عند حد التعذيب لا الموت .. ولعل ما تعانيه البشرية الآن من عذابات كثيرة كالحروب والقلاقل ونقص الغذاء والأنفجار السكانى وانتشار الالحاد والبدع والأنحلال الخلقى والخوف والقلق والملل .. كل هذا يجعل الحياة قطعة من العذاب بالنسبة لمن لم يختبروا المسيح ، ولهذا فهم يروا أن هذا الوجود " لا فائدة منه " وأن هذه الحياة لا تستحق سوى الأنتحار ( سارتر والبير كامى ) .
ويشكل الجراد شبه خيل مهيأة للحرب إشارة إلى الحروب التى سيشنها عدو الخير على البشر سواء حسية أو فكرية أو اقتصادية .ز إنها الخيل المتوثب القوى الذى يفتك بكل ما يقع تحت رجليه .
" وعلى رؤوسها أكاليل ذهب " .. أى أنها تخدع الناس بإغراءاتها وتوهمهم بالنصرة ( الأكاليل ) وبالغنى ( الذهب ) ولكن شكرا لله إنها " شبه " ذهب .
" ووجوهها كوجوه الناس " أى أن الشيطان يستخدم الأنسان فى إيذاء أخيه فى البشرية .
" لها شعر كالنساء وأسنانها كالأسود " أى أن هذه الحروب الشيطانية ستعطى انطباع الحنان والعطف على الأنسان بينما هى فى الواقع مفترسة كالأسد " لها دروع من حديد ، وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجرى إلى قتال " الحديد رمز الصلابة ، لأن الشيطان صلب المراس فى قتاله ، وصوت الأجنحة المرعب رمز الرهبة والخوف .
" لها أذناب شبه العقارب " أى تسكب الألم وسموم الموت فى الأنسان .
" وسلطانها خمسة أشهر " رمز ال 150 يوما التى كانت للطوفان ، إنها عقاب مؤقت يعقبه حنان إلهى !
" ملكها أبدون .. أبوليون " هو ملاك الهاوية ، أى رئيس هذه الطغمة : الشيطان وابدون = الهلاك ، ابوليون = المهلك ( انظر حاشية الكتاب المقدس ) ، الكلمة الأولى عبرانية أما الثانية فيونانية .
البوق السادس : " ملائكة الفرات والحرب الرهيبة " ( 9 : 13 – 21 )
ثم جاء البوق السادس ، والويل الثانى ، وفيه نرى مذبح الذهب الذى أمام الله ، وهو مذبح البخور ، وقرون المذبح علامة القوة حتى أن الناس كانوا يتمسكون بها لجوءا إليها من الخطر المحدق ، وهى أربعة قرون رمز هيمنة الله على أربعة أنحاء المسكونة .
جاء الصوت من أربعة قرون المذبح ، أى من الله كلى القدرة ، أن يفك الملاك السادس الأربعة ملائكة المقيدين عند الفرات ، وذلك لأنهم كانوا فى هذا الوضع إلى وقت محدد من الله يهلك فيه ثلث الناس لعل الباقى يتوب ، ولكن لماذا الفرات ؟ إنه تذكرا لبابل المهلكة التى سبت بنى إسرائيل إليها فى ذل وعار ...
ولماذا يهلك الثلث ؟ لأنهم يرفضون التوبة رغم إنذارات الأبواق الخمسة الماضية ، إنها محاولات من الله لتحريك ضمائر البشر للتوبة وهذا أفضل لهم ، ولكن ... الأنسان كثيرا ما يتمسك بفكره المنحرف ويرفض يوم خلاصه !!
" وعدد الجيوش 200 مليون " : وهو رقم ضخم إما لأنه يشير إلى حرب روحية ، وأجناد شيطانية ، أو أنه يشير إلى حرب عالمية تضم دولا كثيرة .
لقد انخرط الناس فى خطايا كثيرة وخطيرة عبر عنها الرائى فى الآية 21 القتل ( المادى والمعنوى ) والسحر ( الذين يلجأون للشيطان دون الله ) والزنا ( بكل أنواعه الحسية والمادية والفكرية ) والسرقة ( التى يتصور فيها الأنسان أن الله لا يراه ) ... لهذا كثرت الحروب وزادت روح العداوة وانهمك الكل فى صراعات دموية وغير دموية بسماح من الله ، لعل البشرية تفيق من غفلتها وتتعرف على احتياجاتها العميقة فتتوب ، ولكن الفرصة قد فاتتهم .. وها هم يرفضون التوبة .
" والفرسان دروعهم نارية وأسمانجونية وكبريتية " وكلها تعطى إيحاء بالعنف والقسوة والدموية
" ورؤوس الخيل كالأسود " فى شراستها وافتراسها ، ومن أفواهها يخرج نار ودخان وكبريت ، نفس الأحساس بالعنف والهلاك المحرق .
" أذنابها شبه الحيات " أى تستخدم أساليب ملتوية فتدعى العلم والثقافة والفلسفة بينما هى ضلالات وجهالات مهلكة .
" وأما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات .. فلم يتوبوا " إنه العناد الأنسانى حين يرفض صوت الروح القدس والأنذارات الإلهية التى تكررت فى الأبواق المختلفة .
البوق الأول : إنذار بالجوع ، والثانى : بالموت ، والثالث : بالضلال ، والرابع : بالأرتداد ، والخامس : بالغواية الشيطانية ، والسادس : بالحروب المادية والمعنوية المدمرة ، .. لكن البقية لا تتوب .. فهى لا تعبد الله بل الشيطان ، وهى تسجد لأصنام من ذهب وفضة ونحاس وحجر وخشب ، .. أى تتعبد للمادة كالشيوعية أو للذات الأنسانية كالوجودية .. إنه الإلحاد المعاصر .
الأصحاح العاشر
الرعود والسفر الصغير
فى هذا الأصحاح تتوقف الأحداث عند البوق السادس ، ونرى " ملاكا آخر قويا " وكلمة ملاك معناها رسول ، فالملائكة رسل من الله لتنفيذ مشيئاته المقدسة ومقاصده الإلهية ، ومع أن هذا الملاك قوى إلا أنه متسربل بسحابة ، والسحابة دائما رمز التسامى ، ، كما أن هذا الملاك " على رأس قوس قزح " ومعروف أنه رمز الميثاق بين الله والناس بعد الطوفان ، إذن فهى ملاك المقاصد الإلهية التى ستتم حتما ( قوى ) ، وفيها كل الخير ( سحابة ) وفيها فيض الرحمة ( قوس قزح ) ، ووجه هذا الملاك " كالشمس " فهو يحيا فى حضرة القدير وعليه ينعكس نوره الإلهى .
ورجلاه " كعمودى نار " علامة الثبات ونفاذ الأرادة وطهارة المسلك ، " ومعه فى يده سفر صغير مفتوح " هذا يختلف تماما عن ذاك السفر العتيد الذى اهتزت له السماء والأرض ، والذى كان عن يمين الجالس على العرش ، والذى كان مختوما باحكام والذى لم يجرؤ أحد من الكائنات أن يفتحه ولا حتى أن ينظر إليه ، هذا " السفر الصغير " هو رسالة ، وهو فى يد الملاك وهو " مفتوح " .
ماذا فعل الملاك ؟
" وضع رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض ، والكل تحت موطىء قدميه ، وهو ينادى بصوت عظيم لتلتفت الأرض كلها إلى مقاصد الله العظيم " .
الرعود السبعة ؟
وعندئذ : " تكلمت الرعود السبعة بأصواتها " وفهم يوحنا كل ما قالته ، وأراد أن يسجل كلماتها ، لكنه سمع صوتا من السماء يقول : " اختم على ما تكلمت به الرعود السبعة ولا تكتبه " وهنا توقف يوحنا عن الكتابة وكتم السر لنفسه حسب أمر الله ، فهناك أمور كثيرة غامضة ، وجوابها عند الله ، أحيانا يكشف الرب لأولاده الأخصاء الأسرار وينهاهم عن البوح بها ، الطاعة هنا واجبة واختفاء بعض مقاصد الله وتدبيراته فى الكون أمر مفروغ منه لأن الكتاب يقول : " السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا " ( تث 29 : 29 ) " يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه ، ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الأستقصاء " ( رو 11 : 23 ) .
لذلك فلا ينبغى أن نتوهم إمكانية أن نسير غور المقاصد الإلهية إلا فى الحدود التى أعلنت لنا من خلال الوحى ، ويكفينا أن نثق أن الله محب وعادل معا ، ولن تنقص محبته فى لحظة واحدة ، ولن يتخلى عنا لحظة واحدة .. أما كيف ؟ فهذا سر !!
وما أكثر الأسرار فى الكون ، فإن كنا حتى الآن لم نستطع أن نستوعب العمليات الكيميائية التى تحدث فى الخلية الصغيرة ، وإن كنا حتى الآن لم ندرك سر الحياة وكيف نشأت ؟ فكم بالحرى الأسرار التى رأى الله أن يخفيها عنا لخيرنا ؟ إنه الإله القادر والأب الحنون فى نفس الوقت ، فلهذا نسلم حياتنا له " ولا نرتأى فوق ما ينبغى " .
الملاك يقسم بالله :
ورفع الملاك يده إلى السماء " وأقسم بالحى إلى الأبد الآبدين " ... كيف ذلك أن الأمر فى يد الله ، وحين يأمره الله بأن يقسم به فقد أخذ السماح ويجب أن ينفذ .
" لا يكون زمان بعد " ... هنا النهاية فقد أوشكت صورة الصراع هذه أن تنتهى وسوف تنتهى بنصرة الكنيسة .
" ومع البوق السابع يتم أيضا سر الله كما بشر عبيده الأنبياء " ... هذا تأكيد أن البوق السابع سينهى الصراع لصالح الكنيسة ، تحقيقا لوعد الرب .
السفر الصغير :
وإذا بالصوت الذى نهاه عن تسجيل كلمات الرعود السبعة يقول ليوحنا : " اذهب خذ السفر الصغير المفتوح فى يد الملاك الواقف على البحر وعلى الأرض " ، فذهب يوحنا فى طاعة جميلة وأخذ السفر من يد الملاك الذى قال له : " خذه كله ، فسيجعل جوفك مرا ، ولكنه فى فمك يكون حلوا كالعسل " ... ما أجمل صدق الله ! انه ينبه إلى المرارة التى سيحسها فى باطنه قبل أن يغريه بالحلاوة التى سيحسها أولا فى فمه انه خادم رب الجنود الذى لم يخدعنا بل قال : " فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 ) .
وبالفعل أخذ يوحنا السفر وأكله فكان فى فمه حلوا كالعسل ، وفى جوفه مرا ، انه طريق المسيح الذى تختلط فيه حلاوة الشركة معه مع الآم الصليب الذى نحمله خلفه ، وهى مقاصد الله التى تشبه بضع الجراح فيها الألم والحلاوة ، الألم للبنيان والحلاوة للتشجيع .
وقال له الملاك : " يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين " أى انك ستكرز وتعلن للناس كلامى ، وهذه مهمة مؤلمة فيها يكسب الأنسان رضى الله ، وغضب الكثيرين .
الأصحاح الحادى عشر
الشاهد والبوق السابع
هذا اصحاح اختلف فيه الشراح كثيرا ، وسبب الأختلاف هو محاولة الحسم وهذا مستحيل !! إن النبوات فيها غموض إلهى خاص ، وكثير منها يكون له تحقيقان أحدهما قريب والآخر بعيد كنبوة " من مصر دعوت ابنى " ( هو 11 : 1 ) ، ( مت 2 : 15 ) ، التى تنطبق على خروج بنى اسرائيل من أرض مصر ، وعلى عودة الرب من مصر إلى أرض فلسطين ، لهذا فالحسم فى هذا الموضوع غير جائز ، نحن فى الأيام الأخيرة حتما لأننا بين البوقين السادس والسابع ، فماذا هناك ؟
قياس الهيكل
أعطيت ليوحنا قصبة ، وقال له الملاك : " قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه أما الدار فاطرحها لأن الأمم سيدوسون المدينة المقدسة 42 شهرا " ..
ما معنى القياس هنا ؟ معناه الحيازة أو الأمتلاك أو القبول ، فهو سيقيس الهيكل والمذبح والساجدين فيه ، أى أنه سيحدد من هم المقبولين لدى الله أبناء الكنيسة .
أما الدار الخارجية وكانت تسمى " دار الأمم" فقال له " اطرحها " إشارة إلى أن الأمم ستدوس المدينة المقدسة ( ولم يحدد أنها أورشليم ، لذلك يمكن أن تكون رمزا للكنيسة أيام الدجال 42 شهرا ، هذا الدرس معناه النصرة المؤقتة فى الصراع بين الكنيسة والشر ، ورقم 42 شهرا = ثلاثة ونصف سنة أى نصف رقم 7 عدد الكمال ، إذن فهو يرمز إلى ( موضع الناقص أو المؤقت ) هى إذن نصرة مؤقتة آخر الأيام من الشر على الكنيسة .
وهنا يظهر " شاهدان يتنبآن " .... ومدة نبوتهما 260 يوما = 42 شهرا = 5 و 3 سنة = الوضع المؤقت ....
ما سمات الشاهدين ؟
" يلبسان المسوح " رمز الأنسحاق والدعوة للتوبة وهما " زيتونتان " رمز السلام والحياة " ومنارتان " رمز الحكمة وارشاد التابعين ، وهما " قائمتان أمام الرب " رمز المركز السامى وإشارة إلى مصدر إرسالهما . وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما : نار الكلمة والأحكام الإلهية .. بل " لا بد أن يقتل " أى أن يهلك نتيجة عدم طاعة الرب " وهما يغلقان السماء ، ويحولان المياة إلى دم ويضربا الأرض بكل ضربة " علامة السلطان الواسع الممنوح لهما من الله فى السماء والأرض والبحر .
من هما الشاهدان ؟
تختلف الآراء ، فهناك من يقول هما موسى وإيليا ؟ ( لأن موسى هو الذى حول البحر إلى دم ، وإيليا هو الذى أغلق السماء وأحرق الجنود ) ، وهناك من يقول بل هما أخنوخ وايليا لأنهما صعدا أحياء ، وسيعودا للشهادة والأستشهاد ، وهناك من يرى أنهما رمز للكارزين " أثنان خير من واحد " ( جا 4 : 9 ) أى أنه ستكون هناك كرازة فى آخر الأيام .
موتهما وقيامتهما :
يصنع الوحش الصاعد من الهاوية فى البوق الخامس حربا مع هذين الشاهدين ويقتلهما بسماح من الله ، ويتصور أنه انتصر عليهما نهائيا ، فيطرح جثتاهما على شارع المدينة العظيمة " التى تدعو روحيا سدوم ومصر حيث صلب ربنا " ... وواضح أن الكلام هنا شفرى والمدينة العظيمة هنا هى كلمة " مملكة الشر فى العالم " سواء كانت قلعة الوثنية أو اليهودية أو الألحاد ..... الخ .
وقد اشار إليها بسدوم حيث الشر والدينونة الإلهية ، وبمصر حيث استعبد بنو إسرائيل لدى فرعون ، واعتبر هذا كله بمثابة صلب للمسيح " لأنه فى كل ضيقهم تضايق ، وملاك حضرته خلصهم " ( أش 63 : 9 ) .
ويشمت سكان الأرض والأشرار ، ويرسلون الهدايا لبعضهم البعض لأن الشاهدان كانا قد عذباهم بكلمات التوبيخ الإلهى .
حتى متى بقيت الجثتان فى العراء ؟! ثلاثة أيام ونصف .. نفس الرقم الذى يشير إلى النقصان " والوضع المؤقت " ... إن هزيمة الحق هى هزيمة مؤقتة تأتى بعدها النصرة الأكيدة ، بل هى هزيمة لهدف سام فى مقاصد الله .
وبعد هذه الفترة المؤقتة التى سيعود فيها الشيطان بعد أن يحل من سجنه ، يدخل روح حياة فى الشاهدين ، فيقفا على أرجلهما ، ويقع خوف عظيم على كل الناظرين ثم يسمع الكل صوتا عظيما من السماء يقول لهما : " اصعدا إلى ههنا " ... فصعدا إلى السماء فى السحابة والكل يبصرون المشهد المجيد المخيف .
ومع هذا المشهد تحدث زلزلة رهيبة تهدم عشر المدينة التى رفضت أن تعطى ربنا حقه فى العشور ، ومات سبعة الآف نفس ، عكس السبعة الآف ركبة التى لم تنحن لبعل أيام إيليا ... ( وينقلب الوضع ) وهلك الأشرار ، وتزكى الأبرار ! ! .
وهكذا صار الباقون فى رعب عظيم ومجدوا إله السماء .
البوق السابع : الكنيسة فى المجد ( 11 : 15 – 19 )
هذا رجاء الكنيسة التى نجاهد على أساسه ، فمع أن الصراع شديد لكن النصر أكيد ، وها هى ممالك العالم تصير للرب ولمسيحه ، فيملك إلى الأبد ، وها الأربعة وعشرون قسيسا يسجدون أمام الفادى يشكرونه لأنه " أخذ قدرته وملك " وبدأ يدين الجميع يعطى كل واحد حسب أعماله فيهلك من كانوا يهلكون فى الأرض ويعطى الأجرة السمائية لعبيده الأنبياء والقديسون والخائفين اسمه ضغارا وكبارا .
وأخيرا ينفتح هيكل فى السماء ويظهر تابوت العهد وتحدث بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبر عظيم .. أى أن الله الآن ينفذ عهده مع البشرية وينفذ كل ما أرسله إليهم من وعود أو إنذارات على كل انسان أن يتحمل مسئوليته ! .
الأصحاح الثانى عشر
المرأة والتنين
أولا : " المرأة " ( 12 : 1 ، 2 )
امرأة عظيمة متسربلة بالشمس ، والقمر تحت رجليها ، وعلى رأسها اكليل من أثنى عشر كوكبا ، وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد " .....
هناك أكثر من اتجاه لتفسير هذه المرأة :
1- إنها الكنيسة اليهودية القديمة التى ولدت لنا السيد المسيح له المجد وهى مستمرة فى كنيسة العهد الجديد .
2- أو هى العذراء مريم ، لكنه رأى ضعيف ، حيث أن الصراع سيستمر بين المرأة والتنين مدى الأيام .
3- أو هى كنيسة العهد الجديد التى بدأت بالسيدة العذراء وميلادها للمسيح وصراع الشيطان معه ومعها ثم استمرت فى ميلاد الكثيرين من أبناء المسيح والمشابهين لصورته ، والمصارعين للعدو إلى مدى الدهر ، وهذا هو الرأى الأرجح .
" متسربلة بالشمس " شمس البر ، الرب يسوع الذى يضفى مجده على كنيسته ، " والقمر تحت رجليها " ، وهو رمز المادية المظلمة فى ذاتها وتأخذ ضوءها انعكاسا ... وكنيسة المسيح تحتقر أمجاد الأرض ولا ترضى بغير المجد السماوى .
" اثنى عشر كوكبا " هم تلاميذ المسيح الذين أضاءوا جبين الكنيسة ونشروا نورها بين العالمين
" متوجعة لتلد " فليست ولادة البنين الروحيين من جرن المعمودية وسر التوبة والأعتراف إلا مخاض مؤلم يحياه رجال الكنيسة فى طغمات الكهنوت المختلفة .
ثانيا : " التنين " : ( 12 : 3 ، 4 ) .
إنه العدو الشيطان الذى ينتظر ليحطم صورة السيد المسيح فى أولاده الكثيرين والتنين دائما رمز الشر لأنه لا خير فيه وهو " عظيم " رمز جبروته فى الأيذاء ، كما أنه " أحمر " رمز النار والدموية ، فهو قاس لا يعرف الرحمة ، له " سبعة رؤوس ذات تيجان " أى أنه ينشر شروره فى كل مكان ، لأن سبعة هى عدد الكمال ، والرؤوس رمز التفكير والتدبير والنفوذ ، أما " العشرة قرون " فترمز إلى حلقات الأضطهاد العشر التى حاولت بها الوثنية سحق المسيحية دون جدوى ، ولا شك أنها ترمز لكل ما تلاها من قوى متشابهة وذنبه يجر ثلث نجوم السماء ، فطرحها إلى الأرض إشارة إلى الطغمة التابعة للشيطان ، والتى أسقطها معه بكبريائه على الله .
هذا التنين يذكرنا بما جاء فى الكتاب عن الرب :
" أنت شققت البحر بقوتك ، كسرت رؤوس التنانين على المياة " ( مز 74 : 13 ) أو نداء أشعياء للرب : " استيقظى ألبسى قوة يا ذراع الرب .. ألست أنت القاطعة رهب ، الطاعنة التنين " ( أش 51 : 9 ) ، أو قوله : " هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر ، التمساح الكبير " ( خر 29 : 3 ) فى إشارة واضحة لمساندة الرب لشعبه فى القديم أمام استعباد فرعون له .
التنين إذن استعارة واضحة عن الشيطان الذى سيظل يقاوم الكنيسة حتى تسحقه أخيرا بقوة الرب .
رؤيا
الأصحاح الثانى عشر
الصراع بين المرأة والتنين ( 12 : 5 ، 6 )
ولدت المرأة " إبنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد " وهذه إشارة واضحة إلى السيد المسيح وفى يده عصا الرعاية والأشفاق والحب ، ولكن فى يده أيضا " عصا حديدية " رمز العدل والقوة والأقتدار .
ونكرر هنا أن الصراع الذى حدث بين التنين هيرودس والعذراء مريم وابنها الحبيب يتكرر الآن وباستمرار بين الشيطان وأبناء الكنيسة .
لكن " الولد" اختطف إلى عرش الله ، إشارة إلى انتهاء الصراع لصالح الكنيسة ، أما المرأة (الكنيسة ) ، فقد هربت إلى " موضع معد " أى إلى مكان أمان وراحة فى حضن الله حتى وهى بعد " فى البرية " أى فى غربة هذا العالم . أما المدة التى ستقضيها المرأة فى البرية فهى 1260 يوما أى تساوى 42 شهرا أى تساوى ثلاث سنوات ونصف أى نصف عدد الكمال ، إشارة إلى " الوضع المؤقت غير الدائم " فالكنيسة ستحيا فى دائرة الصراع هذه ولكن ليس على الدوام ، إنه وضع مؤقت والنصرة ستأتى فى النهاية .
صراع فى السماء ( 12 : 7 – 12 )
هنا نلاحظ أن الخيط قد انقطع ، والحديث عن المرأة قد توقف ، لنتطلع نحو السماء ، ونعرف شيئا عن صراع دار فيها منذ القديم . وكأن الرسول يقول إن الصراع الذى بيننا وبين الشيطان قديم حتى قبل خلقتنا ، وأن الشيطان قاوم الله ، وقاوم الملائكة ، وها هو يحاول اضهاد المرأة ( أى الكنيسة ) إن صراع الشيطان ليس قاصرا إذن – على العالم المادى أو البشرى – بل هو صراع روحى قديم مكانه السماء .
" حدثت حرب فى السماء : ميخائيل وملائكته ، حاربوا التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك فى السماء "
قال الشيطان فى قلبه : " أصير مثل العلى " ( أش 14 : 14 ) كانت طهارته ونوره مستمدان من الله ، فتصور إمكانية أن ينير بذاته . الله عصمته ذاتية ، أما الشيطان فإنارته كانت مستمدة من الله قبل السقوط .
لماذا لا تقبل توبة الشيطان ؟
لما حاول الأستقلال عن الله ، ، وارتفع فى قلبه فى استغناء عن القدير ومحاولته للتساوى معه انقطع تيار النور من حياته ، فأصبح مظلما كله . ومن هنا جاءت إستحالة توبته ، إنه مسئول عن سقوطه مسئولية كاملة بعكس الأنسان الذى شارك هو فى إسقاطه ، كما أنه فقد كل الضوء الذى كان يغمر حياته فلم يعد هناك أدنى بصيص يقوده إلى التوبة .
فإذا درسنا رسالة يهوذا سنجد أنموذجا لهذه الصراعات ، كيف كان الشيطان يجاهد مع رئيس الملائكة ميخائيل بخصوص جسد موسى النبى ( محاولا كشفه ليسقط اليهود فى عبادته ) ، اما ميخائيل فرفض الأفصاح عن مكان الجسد ورفض أيضا أن ينتهر الشيطان بقوته الذاتية قائلا : " لينتهرك الرب " ( يهوذا 9 ) .
وقوله : " لم يوجد مكانهم فى السماء " إشارة إلى فقدان الشيطان وطغمته لمكانتهم المقدسة فى الأعالى ، وأصبح دورهم الوحيد هو الشكاية ضد أولاد الله ( أيوب 1 : 9 ) .
هذه أسماء العدو : هو " تنين " لقسوته ، و " حية " لدهائه ، و " ابليس " لشره .. لقد سقط حين أخطأ ، ولكنه استمر يضايق الناس ويضغط عليهم للسقوط فاسقط آدم ثم قايين ثم الجنس البشرى كله ، بل توقح حتى بدأ يضايق الملائكة ورسل السماء لولا مساندة رئيس الملائكة ميخائيل مثلما حدث أيام دانيال النبى ( انظر دا 10 : 13 ) ، وأخيرا قبض على أرواح الأبرار والأشرار فى الجحيم ، هذا كله كان قبل الصليب ، لكن شكرا لله ، لأنه على الصليب حدثت معركة فاصلة ، لما حاول الشيطان أن يتعامل مع نفس المسيح الناسوتية كأى نفس أخرى من أنفس الأبرار ، وحاول أن يقبض عليها فى الجحيم ، ولم يكن يدرى أن لاهوته ما زال متحدا بنفسه الأنسانية فى الجحيم ، كما أنه متحد بجسده فى القبر ، وارتعب العدو ، وشعر أن الرب جاء إليه بنفسه ليسحقه فى عقر داره ، وسحقه بالفعل ، وأخذ الأنفس البارة معه فى الفردوس بسرعة ، وفى نفس اليوم " اليوم تكون معى فى الفردوس " ( لو 23 : 43 ) ، انتهت معركتنا مع الشيطان بهزيمة ساحقة أذاقها له رب المجد ، بقداسته المطلقة أثناء حياته على الأرض ، ثم بموته المحيى الذى أتمه على الصليب .
حقا لقد وعد الرب ، ووعده صادق ، إذ قال قبل الصليب: " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( يو 10 : 18 ) .
والشيطان الآن – حسب كلام الرب – قد سقط وحسب مواعيد الرب مسحوق تحت أقدام القديسين : " وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أقدامكم سريعا " ( رو 16 : 20 ) ، لهذا فخطايا البشر الآن إما جهل بالمسيح الذى ظفر بالعدو ، أو تسليم إرادى للعدو ، إنه يعرض ولا يفرض ، يعرض الخطية أمامنا ، ولكنه لا يفرضها علينا .
أما فى الأيام الأخيرة فنعرف من سفر الرؤيا أن الشيطان سيأخذ فرصة أخيرة من الأنطلاق والحركة ، ويحدث ارتداد وتعب لدى الناس ، ولكن الوضع القائم ( كل من يرتبط بالرب ينتصر عليه ) .
وهكذا اصبح من الممكن الآن أن يخلص الأنسان من مضايقات الشيطان إذ يسمع الصوت الإلهى : " وسمعت صوتا عظيما قائلا فى السماء : " الآن ، صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه ، لأنه قد طرح المشتكى على أخوتنا ، الذى يشتكى عليهم أمام إلهنا نهارا وليلا " .
ولكن كيف غلبوه ؟
" وهم غلبوه بدم الخروف ، وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت " ( 12 : 11 ) .
مقومات النصرة على الشيطان ( 12 )
1- دم المسيح : الذى يغفر باستمرار ، ويطهر من كل خطية ، ويقدس الكيان كله لله ، راجع الآيات التالية : " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عب 9 : 32 ) ، " دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " ( 1 يو 1 : 7 ) .
2- كلمة الشهادة : أى تحديد معالم الشخصية بأن يكون الأنسان مسيحيا قلبا وقالبا ، يحيا للمسيح ويشهد له فى كل مواقف الحياة .
3- الأستعداد للموت : أى التطلع الأبدى الأبقى ، وعدم التعبد للأرض والزمن .
وهكذا رددت السماوات صيحة الراحة والفرح :
" افرحى أيتها السموات والساكنون فيها " لأن العدو قد طرد منها ، أما الأرض فهى ما تزال تعانى من مضايقاته خصوصا فى الأيام الأخيرة ، " ويل لساكنى الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم ، وبه غضب عظيم ، عالما أن له زمانا قليلا " ..
الزمان القليل هو هذا العمر ، إذا قيس بجوار الأبدية الممتدة ، وهو الأيام الأخيرة التى ستشتد فيها وطأة العدو ، لكن النصر أكيد .
النصر الأكيد ( 11 : 13 – 17 )
نعود إلى قصة المرأة والتنين بعد هذه الفقرة الأعتراضية والضرورية لشرح وضع الشيطان فى مراحله المختلفة . ( رأى التنين أنه طرح إلى الأرض ، فاضطهد المرأة التى ولدت الأبن الذكر ) .. هكذا واقع الكنيسة : عدوها يضطهدها .
" فأعطيت جناحى النسر العظيم لكى تطير إلى البرية إلى موضعها ، حيث نعال زمانا وزمانين ونصف زمان من وجه الحية " .. النسر العظيم إشارة للمعونة الإلهية التى تسند الكنيسة فى جهادها ، فهى سامية وقوية وساهرة كالنسر ، وهكذا تستطيع الكنيسة أن تقاوم هذا الأضطهاد السافر " ويتجدد مثل النسر شبابك " ( مز 103 : 5 ) والبرية هى العالم المجدب من كل حياة حقيقية أو شبع حقيقى أو ارتواء .. لكن الله سيعول الكنيسة ثلاثة أزمنة ونصف رمز الوضع المؤقت كما ذكرنا . وكأن الرسول يطمئن أبناؤه ما أنتم فيه من اضطهادات وضع مؤقت .
" فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تحمل بالنهر " .. وهذه إشارة واضحة لمحاولات الشيطان أن يغرق الكنيسة فى اغراءات التعاليم والشهوات التى تبدو عذبة كالنهر ، لكنها مرة كالأفسنتين وقاتلة كالسم .
لكن شكرا لله إذ : " أعانت الأرض المرأة وفتحت فمها وابتلعت النهر " ... فالناس تستطيع بسهولة إذا ما أخلصت للحق أن تتبين الغث من السمين ، والصدق من الباطل .
" فغضب التنين على المرأة " .. واستمر " يصنع حربا مع باقى نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح " .. أى أن الجهاد مستمر من جيل إلى جيل ، وأن صور الصراع ستتعاقب بين الكنيسة وقوى الشر .. لكن " أبواب الجحيم لن تقوى عليها " ( مت 16 : 18 ) .
الأصحاح الثالث عشر
الوحشان
فى الأصحاح الثانى عشر كنا مع المرأة ( الكنيسة ) والتنين ( الشيطان ) ، ورأينا الصراع الذى دار بينهما ، وكيف أنه صراع قديم بدأ فى السماء وما زال مستمرا على الأرض ، ولكن النصر أكيد .
أما فى الأصحاح الثالث عشر فسوف نلتقى بوحشين ، أحدهما يخرج من البحر ، والآخر من الأرض .
1- الوحش البحرى : ( 13 : 1 – 10 )
وقف الرسول على رمل البحر " فرأى " وحشا طالعا من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون عليها تيجان واسم تجديف .
يرى البعض أن رمل البحر إشارة إلى الأيام الأخيرة حيث يكثر الأرتداد وعدم الرسوخ الروحى ، أما البحر فاشارة إلى العالم الذى يشبه البحر فى ملوحته وعدم إروائه لتابعيه ، ونلاحظ هنا أن الرؤوس ( رمز الفطنة الشريرة ) والقرون ( رمز القوة والقسوة ) والتيجان ( رمز السيطرة والنفوذ ) هى نفس العدد الذى كان فى التنين ، وكأن الوحش هو التنين بعينه ، لأنه بالفعل قد " أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانا عظيما " . فنظر الوحش شبه النمر ، وقوائمه كالدب ، وفمه كالأسد وكلها حيوانات مفترسة وشريرة بالنسبة للأنسان .
ومع أن البعض يحاول أن يفسر الوحش بأنه الأمبراطورية الرومانية التى اضطهدت المسيحية فى بدء نشأتها ، والبعض الآخر يتصور أنها البابوية الكاثوليكية التى تطرفت نحو السلطة الدنيوية فى العصور الوسطى ، والبعض الآخر يحسبها بالأرقام ويتصور أنها النازية أو غيرها من القوى التى تضطهد أسم المسيح وتجدف عليه ، إلا أن التفسير الأوسع والأشمل الذى نرى أنه يضم كل هذه التفسيرات هو أن الوحش يشير إلى كل القوى البشرية التى تعمل بسلطات الشيطان ضد الكنيسة .
ويميل بعض المفسرين إلى اعتبار السبعة رؤوس هى سبعة جبال روما ، أو انها السبعة ممالك : خمسة انتهت ، وسادسة باقية الآن هى روما الوثنية ، وسابعة لم تأت بعد هى ما بعد سقوط الوثنية .
كما يميل البعض إلى اعتبار العشرة تيجان إشارة إلى عشرة ملوك يتوارثون عرش الأمبراطورية الوثنية .
كذلك كان يرى البعض أن الرأس المذبوح للموت ولكن جرحه قد شفى يشير إلى نيرون ، حيث سادت شائعة أنه لم يمت حقا بل عاد إلى الحياة .
لكننا نرى أن التفسير الروحى الشامل هو أسهل وأوسع التفسيرات . الوحش هو كل قوة بشرية ضد المسيح .. وعدده " عدد انسان " ( 666 ) حيث ( 6 ) هو الرقم الذى يشير إلى الأنسان الذى خلق فى اليوم السادس ، وهو ناقص لم يصل إلى رقم الكمال ( 7 ) .
وها نحن نرى الأشرار " وقد سجدوا للتنين ، والوحش " قائلين : " من مثل الوحش " وهو يقابل اسم ميخائيل ( من مثل الله : .. مى – كا – إيل ) .
لقد استمر الوحش يتكلم " بعظائم وتجاديف " ، ولكن إلى مدة مؤقتة ( 42 شهرا ) ، وذلك بسماح من الله ليكون المزكون ظاهرين ، وهذه الفترة هى فترة تواجدنا فى الأرض ، أو هى فترة دوس الأمم لأورشليم ( 11 : 2 ) ، أو فترة نبوة الشاهدين فى آخر الأيام ( 11 : 3 ) أو فترة هروب المرأة إلى البرية ( 2 : 6 ) ... وكلها إشارة إلى الأوضاع المؤقتة سواء كانت ضيقة الأيام الأخيرة أو ضيقة الأرض عموما .
ويستمر الوحش فى التجديف على : " اسم الله " وعلى " مسكنه " أى الكنيسة ، وعلى " سكان السماء " أى الملائكة والأرواح البارة .
وقوله : " أعطى أن يصنع حربا مع القديسين ، ويغلبهم " ، إشارة بالأكثر إلى الأيام الأخيرة التى ستضعف فيها الحياة الروحية .
" وسيسجد له جميع الساكنين على الأرض " من غير أولاد الله طبعا بدليل قوله : " الذين ليست أسماؤهم مكتوبة .. فى سفر حياة الخروف " .
ثم نستمع إلى تحذير هام : " من له أذنان فليسمع " أى لا تضعفوا يا أولاد الله أمام ضغوط العدو ، بل اصيروا على ضغطاته ( هنا صبر القديسين ) وأمنوا بالنصرة النهائية ( وإيمانهم ) .
2- الوحش الأرضى : ( 13 : 11 – 18 ) .
هنا وحش يطلع من الأرض ، أى أنه ليس من السماء ، وهو على الأرجح إنسان ، لأنه يقول فى النهاية : ( هنا الحكمة ، من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان ) . وعدده ( 666 ) ..
وكما ذكرنا نكرر أن ( 6 ) رمز الأنسان .. كذلك نرى هنا أن عمل الوحش الثانى هو بين البشر .. أما الفرق بينه وبين الوحش الأول فيتلخص فيما يلى :
1- أنه يخرج من الأرض .
2- أنه " يشبه الخروف " ، ولكنه ليس خروفا .. مجرد تشابه بين قرنيه وقرنى الخروف .
3- أنه يصنع معجزات وعجائب تمجيدا للوحش الأول إذ يجعل صورته تتكلم .
ويرى غالبية الشراح أن هذا الوحش رمز للمسيح الدجال الذى يظهر فى شكل المسيح ويصنع عجائب بقوة الشيطان ، ويسيطر على الناس قائلا : من لا يسجد لصورة الوحش ، ويضع سمة لعبيده على يدهم اليمنى ( إشارة للعمل ) وعلى جبهتهم ( إشارة للتفكير والأرادة ) ويمنع المعاملات عمن يرفضون هذه السمة .
هل هى الشيوعية التى ترفض الأيمان المسيحى ، وتضع من يذهبون إلى الكنيسة فى القائمة السوداء ، وتطردهم من الحزب فيعيشون فى تعب شديد ؟ .
أم إنها قوى أخرى موجودة أو آتية ؟
أو أنها- حسب تفكيرنا الشامل - كل ذلك معا ؟
الوحش الثانى إذن " يتكلم كتنين " ويسكب روح الضلال على الأرض ، ويصنع المعجزات بالسحر ، ويضطهد من لا يخضع له .. إنه " ضد المسيح " لكن المسيح سينتصر .
الأصحاح الرابع عشر
النصرة وترانيم السماء
كما لاحظنا .. تنتهى كل رؤيا من رؤى الصراع بالنصرة النهائية وها هى النصرة تبدو واضحة فى هذا الأصحاح ، فماذا نرى فيه ؟
1- الخروف والبتوليون ( 14 : 1 – 5 )
هنا يرى يوحنا " خروفا واقفا على جبل صهيون " ، إشارة إلى السيد المسيح الذى كثيرا ما وقف على الجبل ليعظ أو ليصعد إلى السماء ، فهو " الكلمة " . و " الشفيع " والآن نراه فى المجد مع 144000 لهم اسم أبيه مكتوبا على جباههم أى أنهم جمع كثير ، حيث رقم ( 12 ) يشير إلى العبادة المنظمة ، ورقم ( 1000 ) يشير إلى الكثرة ، أما اسم الله على جباههم فإشارة إلى أنهم وضعوا إيمانهم بالمسيح نصب أعينهم .
وجاء صوت " كرعد عظيم " إشارة للوضوح والقوة والحسم .. أن كل شىء قد أنتهى ..
وبدأت تتعالى أصوات القيثارات ، تعزف لحن ترنيمة جديدة لا يعرفها سوى هؤلاء الغالبون ، " الذين اشتروا من الأرض " لأنهم تساموا فوقها ، ولم " يتنجسوا مع النساء " أى رفضوا الخطيئة ، وليس المقصود هنا إطلاقا بتولية الجسد فقط بل بتولية الروح أيضا ، وهذه ممكنة بالنسبة للجميع بنعمة المسيح ، إنهم " يتبعون الخروف حيثما ذهب " .. يطيعونه ، ويعتبرونه نصيبهم النهائى ، وقد اشتروا من بين الناس " ... فهم بشر لكن المسيح اشتراهم بدمه ، وهم " باكورة لله وللخروف " أى أنهم أبناء الله المؤمنون به وبفدائه لنا . " وفى أفواههم لم يوجد غش " فهم يعيشون فى أمانة كاملة ، " وبلا عيب " قدام عرشه المقدس .
2- الملائكة الثلاثة ( 14 : 6 – 13 )
ثم رأى يوحنا ثلاثة ملائكة :
الأول : يحمل بشارة أبدية لمن على الأرض ، ويطلب منهم أن يخافوا الله ويعطوه مجدا ، لأنه قد جاءت ساعة الدينونة ، فأسجدوا للخالق ولا تسجدوا لمخلوقاته .
الثانى : صرخ قائلا : " سقطت سقطت ( تأكيد ) بابل العظيمة " هى روما الوثنية وهى كل قوة تقف ضد الكنيسة " لأنها سقت الأمم من خمر غضب زناها " وهنا خطية مركبة : " الخمر " علامة الخلاعة والأنحراف ، و " الغضب " علامة الكبرياء ، و " الزنى " علامة البعد عن الله ( جسديا أو فكريا ) .
والثالث : يقول بصوت عظيم " إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده ، فهو أيضا سيشرب من خمر غضب الله " ... إنه إنذار نهائى لتابعى الوحش والشيطان ، تعبير عن صورة الغضب الإلهى المصبوب صرفا فى كأس غضبه ، فهو سيعذبهم " بنار وكبريت أمام الملائكة وأمام الخروف " وهذا العذاب ليس لفترة محدودة بل إلى أبد الآبدين .. بلا راحة .
ويختم الرسول إنذاره " هنا صبر القديسين ، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع " .. إشارة إلى ضرورة احتمال الآلام والأضطهادات من أجل المسيح فى طاعة كاملة لوصاياه ، وإيمان قلبى بشخصه .
ثم يختم الرسول صفحة الأنذارات هذه بصوت سماوى يقول : " طوبى للأموات " لكن ليس كل الأموات بل " الذين يموتون فى الرب " وليس من قديم الزمن حيث كانت أنفس الأبرار تنزل إلى الجحيم ، بل " من الآن " بعد أن انفتح الفردوس بالصليب . " يقول الروح " أى الله وليس يوحنا : يستريحون من اتعابهم " فالموت يريحنا من أتعاب الجهادات المختلفة " وأعمالهم تتبعهم " لأن المجازاة بحسبها .
3- المنجل والمعصرة : ( 14 : 14 – 20 )
" سحابة بيضاء .. عليها جالس شبه ابن إنسان " نحن فى الأيام الأخيرة " هوذا يأتى على السحاب " ( رؤ 1 : 7 ) والسحاب رمز التسامى والمجد والنقاوة والخير " على رأسه إكليل من ذهب " علامة الملك بالبر ، وفى يده منجل حاد علامة بدء الحصاد والدينونة .
وصرخ الملاك من الهيكل : " أرسل منجلك واحصد ، لأنه قد جاءت الساعة للحصاد " .. إنها النهاية المفزعة للأشرار ، والمشتهاة بالنسبة لأولاد الله . " فألقى الجالس على السحابة منجله إلى الأرض فحصد الأرض " .. إشارة إلى الملائكة الذين يأمرهم الله بأن يخرجوا إلى أنحاء الأرض فيجمعوا مختاريه مميزين الخراف من الجداء ( انظر متى 25 : 32 ) .
ثم يخرج ملاك من الهيكل ، معه منجل حاد ، خرج آخر من المذبح له سلطان على النار ، وصرخ الثانى مخاطبا الأول : " أرسل منجلك الحاد اقطف عناقيد كرم الأرض لأن عنبها قد نضج " .. ففعل ذلك ، والقى العنب فى معصرة غضب الله العظيمة " فخرج منها دم حتى إلى لجم الخيل " مسافة 1600 غلوة وهذه إشارات مخيفة تحذرنا جميعا أن يوم غضب الله سيكون رهيبا ، وأن الأشرار الهالكين سيكونون كثيرين حتى أن دمائهم ارتفعت حتى إلى لجم الخيل ، وانتشرت حتى إلى 1600 غلوة ( الغلوة تساوى 200 متر تقريبا ) مسافة أكثر من 300 كيلومتر ، إنها إشارة خطيرة تنبهنا لكى نتوب قبل هذا اليوم الرهيب ، ورقم 1600 هو 4× 4 مضاعفا بالمائة رمز الجهات الأربع وكل البشر ، فالجميع مدعوون للتوبة .
الأصحاح الخامس عشر
الملائكة يتهيأون
ينقسم هذا الأصحاح إلى الأقسام الآتية :
1- الملائكة ومعهم الجامات ، والغالبون يترنمون ( 15 : 1 – 4 )
2- الملائكة وقد خرجوا بجاماتهم لصبها ( 15 : 5 – 28 )
أولا : الملائكة ومعهم الجامات والغالبون يترنمون : ( 15 : 1 – 4 )
هذه آية أخرى أو صورة أخرى ، " عظيمة وعجيبة " لأنها صادرة عن السماء فى علوها ، " سبعة ملائكة " والملاك رسول من الله ، والسبعة عدد الكمال إشارة إلى اكتمال غضب الله ، واكتمال دينونة الأشرار ، واكتمال نصرة الأبرار ، وعن " سبع ضربات أخيرة " إشارة إلى الأيام الأخيرة ، إلى ضربات الدينونة ، وليس فقط إنذارات الأبواق .
" ورأيت كبحر من زجاج مختلط بنار " ، انه بحر المعمودية ونار الروح القدس ، فالماء والروح هما طريق الغلبة على الوحش ، والوصول إلى الأمجاد .
" والغالبين على الوحش ، وصورته ، وعدد اسمه " أى الذين انتصروا على الشيطان بحيله المختلفة وأذنابه البشرية الشريرة وفهموا أنها 666 أى قوى بشرية ضعيفة وزائلة .
" واقفون على البحر الزجاجى " فى نصرة وبهجة ، " معهم قيثارات الله " أى الفرح السماوى الثابت الرصين ، " وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله " وترنيمة " الخروف " ... أى ترانيم الأنتصار التى سبح بها الشعب بعد عبوره البحر الأحمر ، وترانيم الخلاص التى عاشها أولاد الله بعد نصرة الحمل المذبوح على الموت .
" قائلين عظيمة وعجيبة هى أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شىء عادلة وحق هى طرقك يا ملك القديسين لأنه القدوس الذى قدسهم .
" من لا يخاف يارب ويمجد اسمك ، لأنك وحدك قدوس ، لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت "... إن نصرة الله أكيدة وعلى الجميع أن يعيشوا فى مخافته ، وفى طاعة أحكامه ، وفى عبادة خاشعة لشخصه .
ثانيا : الملائكة وقد خرجوا بجاماتهم لصبها : ( 15 : 5 – 8 )
ثم نظر يوحنا وإذا " بهيكل خيمة الشهادة وقد انفتح " ... هنا يعيد إلى الأذهان قصة الهيكل القديم ، وكان قد تهدم ويؤكد أنه كان مثالا للسماويات وظلالها ، وقدس الأقداس وما فيه : تابوت العهد الذى كان يحوى لوحى الشريعة ( كلمة الحياة ) وقسط المن ( خبز الحياة ) وعصا هارون التى أفرخت ( سر الحياة فى المسيح ) .
" وخرجت السبع ملائكة ومعهم السبع ضربات " . لقد اكتملت مقاصد الله ، واكتمل غضبه ، وها هم على وشك التنفيذ .
" وهم متسربلون بكتان نقى وبهى ، ومتمنطقون عند صدورهم بمناطق من ذهب " .. هذه صورة القاضى فى ذلك الزمان ، المنطقة الذهبية على صدره : الذهب رمز البر والحق ، والصدر مكان القلب ، أى أنه سيحكم ببر وضمير نقى . أما الكتان الذى يسربلهم فكان إشارة إلى وقارهم ونقاوتهم رغم صعوبة ما سوف يفعلونه ، فأحكام الله كلها كمال وعدل . وهو فى الحقيقة لا يحكم على الأشرار بل أنهم هم الذين يحكمون على أنفسهم ، إذ يرفضون إعلانات " الأختام " وانذارات " الأبواق " وهكذا يستحقون ضربات " الجامات " .
ثم أعطى واحد من الحيوانات الأربعة سبع جامات ذهبية " مملوءة من غضب الله " . وليس هذا بغريب ، فالذهب رمز البر ، يشكل هنا وعاء الغضب ، فهو غضب عادل " وتغلب إذا حوكمت " . ! – " وامتلأ الهيكل دخانا من مجد الله ومن قدرته " .. فهى الأيام الأخيرة ، التى فيها يعلن الله عن مجده الديان بعد أن أعلن لنا عن حبه الفادى .
" ولم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبع ملائكة " .. أى أن الشفاعة قد انتقلت ، والرحمة قد استوفت زمانها وجاء وقت الحساب .
الأصحاح السادس عشر
الجامات السبعة
إذا اعتبرنا الأختام السبعة بمثابة " إعلانات " والأبواق السبعة " إنذارات " فالجامات السبعة يمكن أن تعتبر بمثابة " أحكام إدانة " ..
" سمعت صوتا عظيما من الهيكل " فنحن أمام أمر إلهى أخيرا ، قائلا للسبعة ملائكة : " امضوا واسكبوا جامات غضب الله على الأرض " .. فنحن أمام " أحكام نهائية " تحدث فى الأيام الأخيرة .
1- الجام الأول :
سكبه على الأرض أحدث دمامل خبيثة ورديئة أصابت الساجدين للوحش .. لأن تبعية الأنسان للشيطان تصيبه بضربات إلهية حتى فى جسده ، فهناك ارتباط وثيق بين الروح والجسد ، وبين النفس والجسد ، ونحن نذكر ضربة البرص فى العهد القديم ، والأمراض الناتجة عن الأنحرافات حاليا كالزهرى بمراحله المختلفة ، قرحة صغيرة ثم طفح جلدى ثم شلل مع جنون .
2- الجام الثانى :
سكبه على البحر فصار الماء دما ، وماتت الأنفس الحية التى فى البحر ، ربما يعنى معارك حربية تسيل فيها الدماء فى البحار ، أو مجرد تذكير بضربات الرب للمصريين فى العهد القديم بسبب عنادهم .
3- الجام الثالث :
سكبه على الأنهار الينابيع ( الماء العذب ) فصارت دما هى أيضا .. إشارة إلى العطش المميت ، سواء إلى الماء أو إلى كلمة الله .. ونلاحظ هنا أن الملاك يقول لله : عادل أنت .. لأنك حكمت هكذا ، فالجامات إذن هى أحكام إلهيــة ضد الأشرار ، الذين سفكوا دماء القديسين ، فسقاهم الرب دما لا ماء .
4- الجام الرابع :
سكبه الملاك على الشمس ، فصارت تحرق الناس بنار ، ورغم ذلك لم يتوبوا بل جدفوا .. ومعروف أن هناك زاوية ميل دقيقة فى محور الأرض على الشمس وهى سبب حدوث الفصول ، ولو زاد الأنحراف تحرق الشمس الأرض ، وسواء كان هذا الكلام حرفيا أو معنويا ( نار التجارب ) ، لكنها " أحكام " نتيجة غضب الله وعناد الأنسان ، وسوف يستمر العناد والتجديف حتى بعد هذا الجام الرهيب .
5- الجام الخامس :
سكبه الملاك على عرش الوحش ، فأصيبت مملكته بظلام دامس ، حتى أن الناس كانوا يعضون ألسنتهم من الوجع .. ورغم ذلك استمروا فى التجديف ، ورفضوا التوبة . والظلام إشارة إلى ذبول مملكة الوحش وانطفاء مجده ، وإشارة إلى طبيعة هذه المملكة المضلة ، أما عن الألسنة فإشارة إلى الألم الشديد والغيظ ، ورغم ذلك لم يتوبوا .
6- الجام السادس :
سكبه الملاك على نهر الفرات فجف ماؤه . لكى يعد طريق ملوك المشرق ، وجفاف النهر علامة أنهيار بابل رمز الشر التى أسرت أولاد الله فى القديم ، أما ملوك الشرق القادمون فإشارة إلى حروب رهيبة تحدث آخر الأيام ، بين الشرق والغرب .
ثم رأى يوحنا ثلاثة أرواح نجسة ستة ضفادع خرج من فم ثلاثة قوى هى التنين ( أى الشيطان ) والوحش ( أى الدجال ) والنبى الكذاب ( أى خدام الدجال ) .. إنها أرواح شريرة تخرج هنا وهناك داعية الجميع إلى القتال ويأتى الدمار على الجميع فى موقعة " هرمجدون " التى كانت ساحة حرب عبرانية شهيرة فى العهد القديم .. ويرى البعض أن أرض فلسطين ستكون ساحة لهذه المعارك الضارية ، بسبب قوله : " الذى يدعى بالعبرانية " ... إن كنا نرى أن الرسول يستخدم دائما أسلوب الشفرة الذى لا يفهمه سوى المرسل إليهم ، فهو يعيد إلى أذهانهم صورة هذه الساحة الحربية ليتحدث عن حرب الأيام الأخيرة .
ونلاحظ أن هناك جملة اعتراضية وردت فى هذا الجام هى : " ها أنا آتى كلص طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشى عريانا " ... وهذا انذار وتنبيه لأولاد الله لكى يسهروا ويحيوا فى يقظة روحية استعدادا لأيام الشر ، حتى لا يفقدوا ثوب البر كما فقده آدم فى القديم .
7- الجام السابع
سكبه الملاك السابع على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا : " قد تم ( أى أن مقاصد الله قد وصلت إلى نهايتها ) فحدثت أصوات وبروق ورعود وزلزلة عظيمة .. إيذانا بانتهاء كل شىء وانحلال الأرض وما عليها ، فصارت المدينة العظيمة مقسمة إلى ثلاثة أقسام وهى على الأرجح أورشليم ، التى ستتصارع فيها ثلاثة قوى كل قوة تستولى على قسم منها .. " ومدن الأرض سقطت ، وبابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها كأس خمر سخط غضبه " ، أى أن الله حكم على قوى الشر بالدمار وغضب عليها نهائيا ، والجزر والجبال هربت .. أى أن الدول والعظماء قد انتهوا .. وبرد عظيم وثقيل نزل على الناس من السماء فجدفوا ... تذكير بضربة البرد فى القديم وكم كانت مؤلمة ، إشارة إلى انسكاب الغضب الإلهى على البشر فى الأيام الأخيرة .
وهكذا ينتهى العالم الشرير ، أما أولاد الله فهم محفوظون فى يمينه ، فقد رأيناهم فى مطلع الأصحاح السابق وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله ، وترنيمة الخروف قائلين : " عظيمة وعجيبة هى أعمالك يا ملك القديسين من لا يخافك يارب .. لأن أحكامك قد أظهرت " ( رؤ 15 : 3 ، 4 ) .
الأصحاح السابع عشر
صورة بابل الزانية
مقدمة : اجتهد الشراح فى تفسير " بالبل الزانية " هذه ، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى ، فالبعض رأى فى السبعة جبال أنها روما الوثنية ، التى كانت مبنية على سبعة جبال أضطهدت المسيحيين فى عصر الرسول يوحنا ، وأن السبعة رؤوس هم الملوك الذين أسسوا روما وهم : أغسطس – طيباريوس – كاليجولا – كالوديوس – نيرون – فاسباسيان – بنطس ، وأن الثامن هو دومتيان مضطهد يوحنا الحبيب .
أما البعض الآخر فرأى فى بابل العظيمة أنها روما الكاثوليكية متخذا من انحرافات العصور الوسطى ذرية لتفسيره .
لكننا نرى أن التفسير الشامل الروحى الذى نرتاح إليه يتسع ليشمل كل قوى الشر التى تقف ضد المسيح وأولاده مهما كان صورها ، وأن الرسول استخدم بابل كمجرد استعارة من التاريخ القديم ، حيث أذلت بابل بنى إسرائيل وسبتهم إلى أرضها سبعين سنة .
جاء واحد من ملائكة الجامات السبعة وقال ليوحنا : " هلم فأريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياة الكثيرة " .
ونلاحظ فى الأصحاح السابق أن بابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها " كأس خمر سخط غضبه " ( رؤ 16 : 19 ) ، أما الآن فقد صدر حكم الدينونة ، والملاك يطلع يوحنا على صورة بابل الزانية قبل تدميرها .. فماذا سيرى ؟ لقد دعاها الملاك " عظيمة " من فرط قوة تأثيرها الشرير على الناس ، و " الزانية " لأنها تنحرف بالناس بعيدا عن الله ، " والجالسة على مياة كثيرة " رمز الشعوب الكثيرة الخاضعة لسلطانها الشرير وغوايتها المدمرة " زنى معها ملوك الأرض " إشارة للبذخ والغنى المادى وكيف يقود الناس أحيانا للبعد عن الله ، " وسكر سكان الأرض من خمر زناها " فالخطية كالخمر ينتشىء بها الأنسان للحظات ثم يكتشف أنها دمرت حياته .
كانت هذه هى الدعوة والآن إلى المنظر :
" رأيت إمرأة جالسة على وحش قرمزى " .. المرأة هى بابل قوى الشر المتعاقبة ضد أولاد الله ، " جالسة " تتوهم الأستقرار ودوام المجد الأرضى " على وحش قرمزى " رمز الدجال الذى يعطيه الشيطان كل قوته الدموية لأنه " قتال منذ البدء " ( يو 1 : 44 ) . وقد رآها يوحنا فى " برية " أى مقفرة خاليا مما يشبع الأنسان أو يرويه ، حيث الشيطان يسكن ، ورأى الوحش " مملوءا أسماء تجديف " لأنه ضد المسيح " له سبع رؤوس " رقم 7 هو الكمال أى كمال الذكاء الشرير و " عشرة قرون " أى كمال القوة الشريرة والقسوة ، وكانت المرأة " متسربلة بارجوان وقرمز ومتحلية بالذهب والحجارة الكريمة ولؤلؤ رمز المجد الأرضى الخداع ، ومعها " كأس من ذهب " رمز الماء المالح الذى تسقى منه تابعيها ، فهو مملوء " رجاسات ونجاسات زناها " .. و " على جبهتها ( كعادة الزانيات فى القديم ) اسم مكتوب : " سر " ، فهو سر حقا ، ليس المقصود به بابل الحرفية ، بل قوى الشر التى تقف ضد أولاد الله .. " بابل العظيمة أم الزوانى ورجاسات الأرض " .. أى ينبوع الخطايا التى تنفث شرورا فى كل مكان ، ورأى يوحنا أن المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع فقد كان أباطرة الوثنيين وكل من تلاهم من مضطهدى الكنيسة يترنحون طربا بحسب كثرة من قتلوا من المؤمنين .
ولما رأى يوحنا ذلك المنظر تعجب بشدة ... وكأنه يقول : لماذا كل هذا ؟ ولماذا تسكت يا رب ؟
وأحس الملاك بمشاعر يوحنا وبدأت هنا مرحلة الشرح :
" لماذا تعجبت ؟ أنا أقول لك سر المرأة والوحش الحامل لها برؤوسه السبعة وقرونه العشرة " – " والوحش كان وليس الآن ، وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضى إلى الهلاك " .. وواضح أن الحديث هنا عن الشيطان ، ولا فرق بين التنين والوحش ، أو بين الشيطان والمسيح الدجال فهو تجسيد له . لقد " كان " للوحش سلطانا عظيما قبل الصليب ، لكن الرب سحقه بالفداء وأسقطه ولم يعد له سلطان على البشر كم كان قبلا ، لهذا فهو " ليس الآن " أى أنه حاليا مقيد ولا يتحرك دون سماح من الله ولا سلطان له على البشر . لكنه " عتيد أن يصعد من الهاوية " أى أنه سيحل من سجنه فى الأيام الأخيرة .. تمهيدا لهلاكه النهائى .
وهذه الحقيقة " كان وليس الآن مع أنه كائن " ستثير دهشة الناس الغير مدونين فى سفر الحياة ، لأنهم لم يعرفوا ماذا فعله المسيح على الصليب ، وكيف قيد الشيطان وأزال سلطانه " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 ) وكيف أنه ما زال حيا رغم فقده هذا السلطان .
ثم يقول الملاك : " هنا الذهن الذى له حكمة ، أى فكروا بالروح لتفهموا أن السبعة رؤوس هى سبعة جبال عليها المرأة جالسة " ، والحديث عن روما الوثنية التى كانت القوة الشريرة المواجهة للكنيسة أيام يوحنا ، والتى تشير إلى كل ما يتلوها من قوى ، وأنها إشارة إلى " سبعة ملوك : خمسة سقطوا وواحد موجود والآخر لم يأت بعد ومتى أتى ينبغى أن يأتى قليلا " ، وهذه إشارة إلى الممالك الخمسة التى سبقت مملكة روما الوثنية وهى :
1- مصر الفرعونية : التى أذلت بنى اسرائيل أيام موسى النبى .
2- أشور : التى سبت مملكة إسرائيل الشمالية سنة 721 ق . م .
3- بابل : التى أسرت مملكة يهوذا الجنوبية سنة 587 ق . م .
4- فارس : التى هزمت بابل وأعادتهم إلى أوطانهم ، بعد أن قرأ كورش الفارسى نبوة عن نصرته بالأسم ، كتبها أشعياء النبى قبل ذلك بثلاثة قرون .
5- اليونان : وانطيوخس أبيفانوس الذى دنس الهيكل وذبح هليه خنزيرة .
ثم جاءت مملكة روما الوثنية ( المملكة السادسة ) أما السابعة فلم تأت بعد وستمكث قليلا .. أى ما تلا ذلك من ممالك لم تتخذ صورة الأمبراطوريات العالمية ويرى الشراح أن رقم عشرة دائما يعنى التفتيت بعد الوحدة ( كما كان فى نبوة دانيال ) حين صارت المملكة الأخيرة عشرة ممالك متغيرة وضعيفة ، لهذا يرى البعض أن العشرة ملوك المذكرين هنا هم عشرة ممالك ستتحارب فى الأيام الأخيرة .
أما الوحش فقد دعاه الملاك ثامنا لأنه سيكون القوة المسيطرة بعد الكل خصوصا أيام فك قيوده أن يهلكهم الله بالتمام .
إن الملوك العشرة سيملكون مع الوحش ويتحالفون مع الشر ، " ويحاربون الخروف " .. لكن شكرا لله ، لأن الخروف سيغلبهم لسبب بسيط أنه " رب الأرباب وملك الملوك " .. أى أن التاريخ كله يخدم مقاصده الإلهية ، وهو الخالق هذه القوى جميعا ، ولا يسمح لها بأن تسير إلا فى اتجاه خطته النهائية .
أما أولاد ملك الملوك فهم " مدعوون " ( بكلمة انجيله ) و " مختارون " ( بتجاوبهم مع عمل نعمته ) و " مؤمنون " ( واثقون من أبوته وقدرته ونصرته ) .
ثم قال له الملاك : " المياة التى رأيت الزانية جالسة عليها هى شعوب وجموع وأمم وألسنة " والمياة الكثيرة كانت دائما – فى العهد القديم – رمز الشعوب " والعشرة قرون " سيبغضون الزانية أى أنهم سيمزقون الأمبراطورية بحروبهم " ويجعلونها خربة وعريانة ويأكلون لحمها ويحرقونها بالنار " إشارة إلى أن طريق الشر عار ودمار مهما بدت الخطية لذيذة فى البداية .
ثم ينسب الملاك هذه النهاية المفزعة إلى الله الذى " وضع فى قلوبهم أن يصنعوا رأيه ، وأن يصنعوا رأيا واحدا ويعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله " ... وهذه إشارة واضحة إلى يد الله العاملة فى الكون ، والتى يستحيل أن تخرج الأحداث من قبضتها المحكمة ، التى توجه كل شىء نحو نهاية محتومة فى مقاصد الله ، وأخيرا يجمل يوحنا المشهد فى عبارة واحدة : " والمرأة التى رأيت هى المدينة العظيمة التى لها ملك على ملوك الأرض " ، إشارة إلى قوى الشر وكيف أنها أرضية زائلة .
الأصحاح الثامن عشر
دينونة بابل الزانية
فى هذا الأصحاح تتم دينونة بابل فعلا بعد أن رأى يوحنا صورتها فى الأصحاح السابق
" بعد هذا رأيت ملاكا آخر نازلا من السماء له سلطان عظيم " ... فلا شك أن السماء مصدر كل السلطات على الأرض " واستنارت الأرض من بهائه " ... فمقاصد الله كلها نور وبهاء وخير ، حتى لو كانت دمار الشر والأشرار ، فهذا تطهير للكون . " وصرخ بشدة بصوت عظيم " .. إشارة إلى رعب الدينونة القادمة ، وتأكيدا للحسم الإلهى .. فماذا قال الملاك ؟ قال : " سقطت سقطت ( للتأكيد ) بابل العظيمة وصارت مسكنا للشياطين ومحرصا لكل روح نجس ومحرسا لكل طائر نجس وممقوت " لقد انتهى كل شىء وصدر الحكم على قوى الشر المنحرفة بالدمار ، فهى نجسة بطبيعتها ولا تأوى إلا كل ما هو نجس وممقوت .
ولماذا صدر هذا الحكم ؟ لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم ، وملوك الأرض زنوا معها ، وتجار الأرض " استغنوا من وفرة نعيمها " . الزنى والخمر وحب المال ، ثلاثة مدمرة سواء أخذناها بمفهومها الحسى الضيق أو المعنى الواسع .
نداء لأولاد الله وحيثيات الحكم :
ثم سمع يوحنا صوتا آخر من السماء قائلا : " اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى خطاياهم ، ولئلا تأخذوا من ضرباتهم " . وهذه دعوة إلى أولاد الله فى كل جيل أن يخرجوا بقلوبهم من مجالات الخطية ، حتى لا ينساقوا إليها ، فيحكم عليهم . لأن خطاياهم لحقت السماء تعبيرا عن كثافتها وبشاعتها ، وتذكر الله آثامها " .. ولا يعنى هذا أن الله كان قد نسى ذلك ثم تذكره ، حاشا ، بل المقصود أنه قد جاءت ساعة الدينونة الرهيبة لهذه الآثام " جازاها كما هى أيضا جازتكم وضاعفوا لها ضعفا نظير أعمالها " ... هذا أمر لقوى الخير والدينونة الإلهية للأنتقام من بابل الزانية و " فى الكأس التى مزجت امزجوا لها ضعفا " .. أى أنها ستدفع ضريبة اللذة المحرمة التى عاشتها " . " بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت ، بقدر ذلك أعطوها عذابا وحزنا . لأنها تقول فى قلبها أنا جالسة ملكة ولست أرملة ولن أرى حزنا .. هذا هو الوهم الخداع الذى يعيشه كل خاطىء يرفض التوبة ، ويطفىء صحوة الضمير ، يظن أنه " جالس " ( مستقر ) وأنه "ملك " ( فى مجد أرضى ) و " لست أرملة " ( أى فى عرس وفرح ) " ولن أرى حزنا " ( اطمئنان مزيف بخصوص فرحة الخطية الزائلة ) .
منطوق الحكم :
" من أجل ذلك " .. كانت تلك حيثيات الحكم " فى يوم واحد ستأتى ضرباتها : موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذى يدينها قوى " .... هذا هو منطوق الحكم .. فالرب يمهل ولا يهمل .. وبالفعل سقطت روما الوثنية وتحولت إلى المسيحية كمثال هام على نصرة المسيح .
رثاء الملوك لها :
" وسيبكى وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها ، واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها قائلين : ويل ، ويل ، المدينة العظيمة بابل ، المدينة القوية ، لأنه فى ساعة واحدة جاءت دينونتك ؟ .
ويبكى التجار لكساد بضائعهم المختلفة : الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأوانى الخشبية والنحاسية والحديدية ، والقرفة والبخور والخمر ، والبذور المختلفة ، والحيوانات ، حتى أجساد الناس كانوا يبيعونها ، ووقف التجار من بعيد يتحسرون على حريقها ودمارها ، وألقوا التراب على رؤوسهم فقد ذهب كل ما كان لهم من غنى ومجد أرضى ، بسبب تجارتهم المحرمة .
فرح القديسين بذلك :
وبينما ملوك الأرض وتجارها يتحسرون لدمار بابل الزانية ، تفرح السماء والرسل والقديسون والأنبياء وكل أولاد الله ، لأن الرب أدان الشر والأشرار .
وانتهى كل شىء :
وعبر الملاك عن ذلك بأن ألقى حجرا عظيما فى البحر قائلا : " هكذا بدفع سترمى بابل العظيمة ، ولن توجد فيما بعد " . ولن يسمع فيها صوت قيثارة ولا غناء ، ولن توجد فيها صناعة ولا حياة ( طحن الغلال بالرحى ) وسينطفىء سراجها إلى الأبد ، لا زواج ولا عرس ، ولا تجارة ، بل موت ودمار ، ولماذا كل هذا ؟ لأنه " بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض " .. إشارة إلى أنها كانت نبعا لكافة الشرور والأضطهادات .
الأصحاح التاسع عشر
عشاء عرس الخروف
هنا نجد صورة عكسية لما فات ، فهناك كان دمار الشر والأشرار أما هنا فنرى فرحة البر والأبرار ....
" جمع كثير فى السماء قائلا : هللويا " أى هللوا ليهوه الرب .. " الخلاص والمجد .. إلهنا .. أحكامه حق وعادلة قد دان الزانية العظيمة التى أفسدت الأرض بزناها ، وانتقم لدم عبيده من يدها ....
ثم نسمع المرد : هللويا . ( ودخانها يصعد إلى أبد الأبدين ) والمرد دائما : هللويا ، وسكان السماء يسجدون قائلين : هللويا . مع دعوة للجميع أن يسبحوا لله ، فإذا بصوت كصوت جمع كثير وكصوت مياة كثيرة تستجيب لهذا النداء وتقول كصوت رعود شديدة : هللويا ، فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شىء لنفرح ونتهلل ونعطه المجد ، لأن عرس الخروف قد جاء ، وامرأته هيأت نفسها وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا لأن البز هو تبررات القديسين .
والكلام هنا عن قدرة السيد المسيح كعريس للكنيسة ، وعن نصرته الأبدية ، أما الكنيسة " العروس " فهى هنا تلبس ملابس بهية ، هى تبررات القديسين أى البر المعطى لهم باستحقاقات دم المسيح ، والبر الذى يكتسبونه بعمل النعمة فيهم إذ يجاهدون معها فى أمانة .
عشاء عرس الخروف
وقال الملاك ليوحنا أكتب : " طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف .. هذه أقوال الله الصادقة " .. نعم مبارك من يحضر هذا العرس ، ومباركة النفس التى تجهز نفسها لهذا اليوم ، وأراد يوحنا أن يسجد عند رجلى الملاك ، فقال له الملاك : " أنظر لا تفعل ، أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع .. اسجد لله فإن شهادة يسوع روح النبوة " .. هنا نرى فهم الملاك لوضعه كعبد الله ، يرفض تقبل السجود ، يقصر السجود على الله وحده ، وواضح أنه يرفض سجود العبادة لأن الوصية تقول : " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ( مت 4 : 10 )
ثم يقول الملاك أن " شهادة يسوع هى روح النبوة " فأنبياء العهد القديم كانوا يشهدون ليسوع ، وأنبياء العهد الجديد ليس لديهم إلا هذا الهدف : الشهادة للرب .
كلمة الله
ثم رأى يوحنا السماء مفتوحة ، وإذا فرس أبيض " رمز الســـلام والنقاء " والجالس عليه يدعى " أمينا صادقا " وبالعدل يحكم ويحارب .
ثم يصف لنا صورة السيد المسيح فى المجد فيقول :
1- " عيناه كلهيب نار " إذ يفحص حتى أستار الظلام .
2- " على رأسه تيجان كثيرة " فهو ملك الكون كله ، ملك السماء والأرض والبر والفداء والكمالات الإلهية المختلفة .
3- " له اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو " .. فمن المستحيل أن ندرك الله فى ذاته وفى جوهره .. إنه " الضباب المقدس " .
4- " متسربلون بثوب " علامة الوقار .
5- " مغموس بدم " إشارة للفداء .
6- " ويدعى اسمه كلمة الله " .. اللوغوس أى الحكمة الإلهية الكامنة فى أعماق الجوهر الإلهى .
الأجناد التابعون :
ورأى يوحنا أجناد سمائيين يتبعون الفارس الإلهى ، وكلهم يركبون خيولا بيضاء ، ويلبسون بزا أبيض ونقيا .. وهذا كله رمز النصرة والسلام والنقاوة .
السيف الماضى :
ومن فم الرب يخرج " سيف ماضى " هو سيف الكلمة التى بها سيدين العالم ويرعى الأمم بعصا من حديد " وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شىء " أى أنه الديان العادل . وعلى ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب " ملك الملوك ورب الأرباب " .
دعوة للطيور :
صرخ ملاك واقف فى الشمس قائلا لجميع الطيور أن تجتمع إلى عشاء الإله العظيم ، وذلك لكى تأكل لحوم ملوك وقواد وأقوياء وخيل .. لحوم الكل : حرا وعبدا ، صغيرا وكبيرا .. إنه الأنحلال العظيم حين يحترق كل شىء وتنحل العناصر محترقة بضجيج ، وتبدأ الدينونة النهائية .
معركة خاسرة :
وفى اللحظات الأخيرة ، حاول الوحش وملوك الأرض وأجنادهم أن يصنعوا حربا مع الفارس الإلهى المهيب ومع جنوده ، لكنهم خسروا الحرب طبعا ، وقبض على الوحش والنبى الكذاب الذى يسبقه بالآيات .. وطرحا فى بحيرة النار المتقدة بكبريت ، والباقون قتلوا بالسيف الخارج من فم الفارس ( أى إدانتهم كلمته المقدسة ) .
وهكذا شبعت الطيور من لحمهم .
سلام .. سلام للبعيد وللقريب قال الرب
الأصحاح العشرون
الملك الألفى والأيام الأخيرة
انتهى الوحش ، والنبى الكذاب ، انتهت قوى الشر والضلال ، وباقى " التنين " الشيطان الذى كان يحرك كل هذا فما مصيره ؟ هذا الأصحاح يحدد لنا مصير الشيطان .
خلاصة الأصحاح :
1- أن ملاكا نزل من السماء ، وقبض على الشيطان ، وطرحه فى الهاوية حنى تتم الألف سنة ، وبعدها لا بد أن يحل زمانا يسيرا .
2- أنه خلال الألف سنة جلس أولاد الله على عروش ، سواء كانوا من الشهداء أو القديسين ، الذين قاموا القيامة الأولى ( التوبة ) ولذلك لن يؤذيهم الموت الثانى ( الأبدى ) بل أنهم سيعيشون مع المسيح كملوك وكهنة ، يتمتعون بعربون مجده الروحى هنا ، قبل المجد الأبدى هناك .
3- ثم إذ تنتهى هذه الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ، يخرج ليضل الأمم ، ويجمع جوج وماجوج والكل للحرب ، وإذ يحارب هؤلاء معسكر القديسين تنزل نار من السماء وتأكلهم .
4- ثم يطرح الشيطان فى بحيرة النار والكبريت ، حيث الوحش والنبى الكذاب ويعذبون إلى الأبد .
5- ويجلس الرب على عرشه الأبيض العظيم فى يوم الدينونة الرهيب ، ويدين الأبرار والأشرار ، فيذهب أولئك إلى حياة أبدية ، وهؤلاء إلى عذاب أبدى ، وهذا هو الموت الثانى .
1- الرأى الحرفى :
يتمسك البعض برأى حرفى يقول أن الأبرار سيملكون مع المسيح على الأرض ألف سنة حرفية فى ملك مادى .
وهذا الرأى ليس جديدا ، ففى بداية المسيحية ، وكان غالبية الأعضاء من اليهود تصوروا نفس الأمر ، كما ورد فى كتابات بابياس ويوستينوس وايريانوس ، لقد نظروا إلى مجدهم المندثر ، وتمنوا كبشر عودة هذا المجد الأرضى ، فمنذ سنوات دمر الهيكل تماما وأحرقت أورشليم ، وهلك الشعب فى صورة مريرة تتميما لإنذارات ونبوات السيد المسيح ، وهكذا تمنوا هذا التفسير الحرفى كنوع من التعويض .
لكن الكنيسة المسيحية انبرت لهذا الفكر بعد أن هدأت نيران الأضطهاد ، فوجدنا العلامة أوريجانوس والبابا ديونسيوس ، ثم القديس اغسطينوس ، يدحضون هذا الفكر الحرفى ويصرون على اعتباره نوعا من التفسير الخاطىء لسفر الرؤيا ، الذى يجب أن يؤخذ بطريقة رمزية لا حرفية فهذه طبيعته ، وهذه ظروفه إذ كان الرسول مضطهدا فى بطمس ويرسل إلى مضطهدين فى آسيا الصغرى .
والدليل على ضرورة التفسير الرمزى مما ورد فى هذا الأصحاح فقط :
1- أن الملاك قيد الشيطان بسلسلة عظيمة ، والشيطان كائن روحى لا يمكن تقييده بسلسلة مادية ( 2 : 1 ) والهاوية للأرواح وليس لها مفتاح مادى .
2- الحديث عن " هروب الأرض والسماء من وجه الله " له معنى روحى لا حرفى ( 20 : 11 ) .
3- طرحت الموت والهاوية : فى بحيرة النار والكبريت تأكيد لعدم حرفية التفسير وضرورة الألتزام بالتفسير الرمزى ( 20 : 14 ) .
تعقيدات التفسير الحرفى :
يؤمن الحرفيون بتفسير غاية فى التعقيد فعقيدتهم هذه تشمل ما يلى :
1- أن السيد المسيح سيأتى ثانية لأختطاف الكنيسة ، وذلك بطريقة خفية غير ظاهرة ( قيامة المؤمنين ) .
2- وبعد ذلك إذ نخطف على السحاب تحل الضيقة العظيمة على الأرض ( 7 سنوات ) فيها يؤمن البعض ثم يموتون .
3- يأتى المسيح بطريقة ظاهرة ( الكشف ) وهنا تقوم تلك النفوس التى آمنت وماتت فى الضيقة .
4- يبدأ الملك الألفى .. ويرى البعض أن هناك من سيموتون خلاله ( ويحتاجون قيامة ) .. كما يرى البعض الآخر أن كثيرين سيخادعون المسيح ويتظاهرون بالأيمان به بينما هم أشرار وسيرتدون عند حل الشيطان .
5- يحل الشيطان ، ويحدث الأرتداد ، وتحدث حرب رهيبة على معسكر القديسين وتنزل نار من السماء تأكلهم ، ثم تأتى قيامة الأشرار ودينونتهم الأبدية .
6- فهناك إذن أكثر من مجىء ثان ( أحدهما خفى والآخر ظاهر ) وأكثر من قيامة للأجساد ( للمؤمنين ، ثم لمن يموتون فى الضيقة ، ثم لمن يموتون فى الملك الألفى – إن كانوا يموتون – ثم للأشرار ) .
إنه تفسير معقد فيه نتنازل عن وضوح بقية أجزاء الكتاب ، لنتقيد بغموض سفر الرؤيا بينما العكس هو المطلوب .
3- الرأى الروحى :
رأى بسيط ، لا يتمسك بمملكة أرضية ، ولا بتعويض مادى ، ولا بمجد دنيوى فيأخذ هذا خمسة مدن وذاك عشرة مدن .... بل يرى أن السيد المسيح على الصليب أسقط الشيطان بدليل قراره :
· " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 ) .
· " الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا " ( يو 12 : 31 ) .
· " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو 16 : 11 ) .
ومن بعد صار الشيطان مقيدا ، أى محددا فى ممارسة الأغراءات والضغوط على البشر ، فهو يعرض دون أن يفرض ، وحتى دون أن يكون له أدنى سلطان علينا ما لم نعطه نحن هذا السلطان .
هذا هو الملك الألفى ، ففيه نمارس حياة الملكوت ، إذ جعلنا " ملوكا " نملك دواتنا وقال لنا : " ها ملكوت الله داخلكم " ( لو 17 : 21 ) " وكل مجد إبنة الملك من داخل " ( مز 45 : 13 ) وهو ألف سنة بمعنى طول المدة لا تحديدها " فيوم عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد " ( 2 بط 3 : 8 ) .
أما ما يستند إليه أصحاب الرأى الحرفى فى العهد القديم فهذه كلها تفسر بطريقة روحية إشارة لقدرة النعمة على انتزاع الطبع الشرير من الأنسان فيسكن وديعا مع الأشرار ، وإشارة إلى بساطة المسيحية وانتصارها على حكمة هذا الدهر .
وما ورد فى أشعياء 65 .. إشارة للخلاص القادم بالمسيح ، الذى يريح النفس ويخلصها من شرورها ، وما ورد فى زكريا 14 .. إنما هو أسلوب مجازى فالحرب يمكن أن تكون حسية أو روحية ، والجبل الذى ينشق ..... الخ أشرة إلى سخاء الروح ، وينابيع النعمة الإلهية ...
وكلام السيد المسيح واضح جدا : " مملكتى ليست من هذا العالم " ( يو 18 : 36 ) .
النصوص الواضحة فى الأنجيل :
من غير المنطقى أن نفسر الواضح بالغامض ، بل أن العكس هو الصحيح يجب أن نفسر هذا الأصحاح الغامض مستفيدين من النصوص الواضحة التى وردت فى العهد الجديد فى نفس الصدد ، وأمامنا الأصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى ، وفيه نتأكد أن حساب الأبرار والأشرار سيتم فى نفس الوقت ، وليس على مرتين كما يقول الحرفيون ، فالرب سيأتى فى المجىء الثانى فى مجده مع جميع الملائكة القديسين ، ويجلس على كرسى مجده ، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض ، ثم يقول للذين عن يمينه : " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ، ويقول للذين عن يساره : " أذهبوا عنى ياملاعين إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته " .. " فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى ، والأبرار إلى حياة أبدية " ( متى 25 : 31 – 46 ) .
وحين نرجع إلى انجيل يوحنا نقرأ كلمات الرب نفسه : " تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة " ( يو 5 : 28 ، 29 ) .
من هذه النصوص يتضح أن المجىء الثانى واحد ، وأن القيامة الثانية واحدة ، وأن الموت الثانى واحد ، ليس هناك مجىء خفى ومجىء ظاهر ، وليس هناك قيامة أبرار ثم قيامة أشرار منفصلتين .
تفسير بقية الأصحاح العشرون
ينقسم هذا الجزء من الأصحاح إلى ثلاثة أقسام :
1- تقييد الشيطان ( 1 – 6 ) .
2- حل الشيطان ( 7 – 10 ) .
3- الدينونة النهائية ( 11 – 15 ) .
أولا : تقييد الشيطان :
رأى يوحنا ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية ، وسلسلة عظيمة على يده ، ومعروف أن المسيح قال عن نفسه : " لى مفاتيح الهاوية والموت " ( 1 : 8 ) ، فهو الذى أعطى السلطان لهذا الملاك ، وتقييد الشيطان بالطبع ليس ماديا أو حسيا ، لأن الشيطان روح ولكنه مجرد تحديد لحريته فى العمل والضعط على بنى البشر .
فقبض الملاك على الشيطان وقيده ألف سنة ، أى فترة زمنية طويلة حتى تتم مقاصد الله فى التاريخ ، وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه " أى قيد حريته وختم عليها " .... " لكى لا يضل الأمم فى ما بعد حتى تتم الألف سنة " أنها الفترة من الصليب حتى الأيام الأخيرة ، التى فيها " لأبد أن يحل زمانا يسيرا " .
والتحتيم هنا لتزكية المؤمن وليس لأعطاء الشيطان فرصة أخيرة للتوبة كما يرى البعض ، فالشيطان حين سقط أظلم كله ولم يعد أمامه أدنى أمل فى الأضاءة أو التوبة ، إذ أنه تكبر وسيبقى كذلك حتى النهاية ، لقد حبسته كبرياؤه فى قوقعة لا خلاص منها .
" ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما " لأن أولاد الله سيتمتعون بسلطان وملكوت روحى داخلى ... وسواء كانوا أحياء أم أموات ، شهداء أم قديسون ممن لم يسجدوا للوحش ، فالجميع فى حضن المسيح ، يملكون خلال هذه الفترة إما فى الفردوس أو على الأرض .
" أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة " والحديث هنا عن موتى الخطيئة ، موتى الروح ، الذين لا يتمتعون بهذه المعيشة الهانئة خلال فترة ملكوت العهد الجديد ، وذلك لأنهم لم يقوموا القيامة الأولى ، أى القيامة من قبر الخطيئة ، كما يقول الكتاب " استيقظ أيها النائم ، وقم من الأموات فيضىء لك المسيح " ( أف 5 : 14 ) أو قوله : " تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون " ( يو 5 : 25 ) .
ثانيا : حل الشيطان : ( 20 : 7 – 10 ) .
" متى تمت الألف سنة " أى فى الأيام الأخيرة التى فى ذهن الله وقصده " يحل الشيطان من سجنه " وهكذا يزداد الأثم " فتبرد محبة الكثيرين " ( مت 24 : 12 ) وهذه هى الأيام التى حدثنا عنها الرسول بولس فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس حين قال : " ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الأيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين ، فى رياء أقوال كاذبة ، موسومة ضمائرهم " . ( 1 تى 4 : 1 ، 2 ) .
انها الأيام التى يظهر فيها الدجال ومعه النبى الكذاب ، يصنع الأيات المزيفة ، ويظهر الشاهدان للكرازة والمقاومة ، ويموتان بيد الدجال ، ثم يقومان ، ثم تسكب جامات الغضب الإلهى الأخير .
يخرج الشيطان من سجنه ليضل الأمم " جوج وماجوج " وهاتان الكلمتان وردتا فى سفر حزقيال ( ص 38 ) وفيه تحدث عن جوج وأرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال ، والبعض يرى أنها أجزاء من أراضى روسيا أو الصين أو سيبريا .
ويجمع الشيطان هذه الأمم للحرب ، وأحاطوا بمعسكر القديسين ، والحديث هنا ليس عن أورشليم الحرفية بالضرورة ، بل عن كل أولاد الله فى انحاء الأرض ، فهم " المدينة المحبوبة " ولذلك فالله سينزل نارا من السماء تأكل الأعداء وتنقذ أولاده .
وهنا يطرح الشيطان فى بحيرة النار والكبريت ليشارك الوحش ( الدجال ) والنبى الكذاب ( مساعده فى صنع المعجزات الكاذبة ) فى مصيرهما المحتوم ، والعذاب هنا إلى أبد الأبدين ، فهذا حكم نهائى يختلف عن التقييد المؤقت السابق .
ثالثا : الدينونة النهائية : ( 20 : 11 – 15 )
نرى هنا عرشا أبيض عظيما " يختلف عن العروش السابقة كلها ، فى أنه عظيم ( رمز كرامة الله غير المحدودة ) وأبيض ( رمز قداسته المطلقة ) وعلى العرش جالس " هربت الأرض والسماء من وجهه " ( علامة هيبته المطلقة ) " فلم يوجد لهما موضع " ( علامة انتهاء الحياة المادية ، والأرض وما عليها ، والسماء الأولى بأفلاكها ونجومها ) .
ونرى الأموات " صغارا وكبارا " أى جميع الأنفس وقد وقفت أمام الله ، لتسمع حكمة الأخير حسب ما هو مدون فى سفر الحياة ، فالمسيح هو الديان بشهادة جميع الأديان : " الآب لا يدين أحدا ، بل قد أعطى كل الدينونة للأبن " ( يو 5 : 22 ) . " هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2 تى 4 : 1 ) .
" ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم " .. والمقصود بهم الأشرار الذين ماتوا فى الخطية " وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيها ، ودينوا كل واحد بحسب أعماله " .. فأيا كانت أسباب الموت ، فالجميع سيقفون أمام الله للدينونة
" وطرح الموت والهاوية فى بحيرة النار " لم يعد هناك موت جسدى ، ولا هاوية للنفوس الشريرة ، فقد جاءت ساعة الدينونة النهائية ، هذا هو" الموت الثانى " أى الموت الأبدى فى جهنم .
" وكل من لم يوجد مكتوبا فى سفر الحياة طرح فى بحيرة النار " .. فالعبرة بأن يجد الأنسان اسمه فى سفر الحياة فى ذلك اليوم الهام والحاسم .
وهكذا أنتهى الشيطان ، والموت والهاوية ، وحلت دينونة الأشرار ومكافأة الأبرار ، فلنستعد !
الرؤيا السابعة
الكنيسة فى السماء
الأصحاحات 21 ( المدينة السماوية ) ، 22 ( ملاحظات ختامية ) .
فكرة عامة :
نأتى الآن إلى ختام هذا السفر النفيس فقد انتهى الصراع فى صوره المتعاقبة ودوراته المتعاقبة ، انتهت الأختام بإعلاناتها ، والأبواق بإنذراتها ، والجامات بأحكامها ، وانتهى الصراع بين المرأة والتنين والوحش والنبى الكذاب ، وسقطت بابل المدينة الزانية التى اضطهدت القديسين ، ودخل الجميع إلى الراحة الكاملة بعد أن طرح الشيطان إلى عذاب أبدى ، فما هى صورة العالم الجديد ؟ صورة أورشليم السماوية التى تصبو إليها أرواحنا ؟ هذه هى الرؤيا الأخيرة وقد استقرت " الكنيسة فى السماء " .
والأرض الأولى مضتا ، والبحر لا يوجد فيما بعد .. نعم ، فلقد احترقت الأرض بمصنوعاتها وتساقطت الأفلاك فى اليوم العظيم ( 2 بط 3 : 8-10 ) ، ونحن الآن على مشارف عالم جديد أبعاده ليست كأبعاد الأصحاح الحادى والعشرون
المدينة السماوية
ينقسم هذا الأصحاح إلى قسمين :
1- أورشليم الجديدة ( 21 : 1 – 8 ) .
2- أوصافها المبهجة : ( 21 : 9 – 27 ) .
أولا : أورشليم الجديدة :
رأى يوحنا " سماء جديدة وأرضا جديدة " ، لأن السماء الأولى أرضنا الحسية ، وملامحه ليست كملامحها ، نحن فى عالم الروح ، وفى " ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على بال إنسان ( 1 كو 2 : 9 ) ، البحر أيضا قد مضى وهو رمز للعالم بمياهه المالحة ، فنحن الآن فى عالم النقاء والأرتواء الكامل ، عالم السلام والصفاء العجيب .
ثم رأى يوحنا أورشليم الجديدة نازلة من السماء ، من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها " فأورشليم الجديدة هى الكنيسة المفدية جماعة المؤمنين ، الذين تمتعوا بالسلام الإلهى ( أورشليم – مدينة السلام ) ، ولا ننسى أن الكنيسة دائما منظورة ( على الأرض ) وغير منظورة ( فى الفردوس ) ، وهما جسد واحد ، جسد المسيح الذى يمتد عبر الزمان والمكان ، لهذا رآها يوحنا نازلة من السماء لأن أساسها ورأسها فى السماء " أما سيرتنا نحن فهى فى السماوات " ( فى 3 : 30 ) ، وأما الزينة فهى الفضائل وثمار الروح القدس ، التى تتحلى بها النفوس التى تقدست للمسيح ، " وقدمت نفسها له كعذراء عفيفة " ( 2 كو 11 : 2 ) ، ولعل سفر النشيد كان يؤكد ذات المعنى حين يقول العريس السماوى لعروسه الكنيسة : " قومى يا حبيبتى يا جميلتى وتعالى " فترد النفوس : " حبيبى لى ، وأنا له " ( نش 2 : 13 ، 16 ) ، " أختى العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم " ( نش 4 : 12 ) .
ثم سمع يوحنا صوتا عظيما من السماء قائلا :
" هوذا مسكن الله مع الناس ، وهو سيسكن معهم ، وهم يكونون له شعبا ، والله نفسه يكون إلها لهم " .
وتعبير " مسكن " علامة الأستقرار النهائى فى حضن الله ، مع ارتباط دائم بينهما فهو إلههم وهم شعبه الخاص ، فماذا تراه سيفعل معهم ؟
1- عزاء كامل : فالله سيمسح دموعهم ، وسينسيهم الآم الأضطهاد سواء القادم من البشر أو الشيطان .
2- حياة أبدية : فقد مضى الموت بغير رجعة .
3- فرح خالد : فلا يكون حزن هناك ولا صراخ ، ولا وجع فى مدينة القديسين السمائية .
4- عالم جديد : فالله سيصنع كل شىء جديدا ، ليس كالعالم الأول ، عالم الخطيئة والأنين والجهاد ، ولكنه عالم جديد يسود فيه الفرح والراحة والنقاء .. نعم ، هذه الأقوال صادقة وأمينة " فهى أقوال الله الصادق الأمين " .
" قد تم .. " فشكرا لله أن فترة الجهاد قد أنقضت بسلام حتى وصلنا إلى مشارف الأبدية وعيدها الذى لا ينتهى .. " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " .. فيسوع هو محرك التاريخ ، ولا شىء يجوز من وراء ظهره بل كل شىء قد جاز عبر مشيئته المقدسة .. " أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا " .. فيسوع هو سر الأرتواء والشبع الأنسانى حيث نجد فى النفس البشرية عطشا غير محدود ، وجوعا لا متناه ، ويستحيل أن يرتوى الأنسان أو يشبع من أمور هذا العالم مهما كانت خيرة أو شريرة : لا الخطيئة ولا المال ولا العلم ، ولا المراكز ولا المعرفة تشبع الأنسان ، ولن يشبع الأنسان إلا بالمسيح الماء الحى ، وشكرا لله ، إنه يعطينا هذا الشبع مجانا لسببين :
1- يستحيل أن يقدر هذا الخبز بثمن !
2- يسوع قد دفع الثمن مسبقا بفدائه العظيم لنا .
وعلى الجانب الآخر صورة محزنة للهالكين : " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت ، التى هو الموت الثانى " ..
إن البحيرة ليست معدة أصلا للأنسان للشيطان وجنوده ، فالرب سيقول لأهل اليسار : " أذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته " ( مت 25 : 41 ) ، وأما الملكوت فهو معد للبشرية ، بدليل قوله للأبرار : " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) .
ثانيا : أوصاف أورشليم المبهجة ( 21 : 9 – 27 ) .
قالها الملاك ليوحنا : " هلم فأريك العروس إمرأة الخروف " .... هذه دعوة تقابل تلك التى تلقاها يوحنا ليرى نهاية الزانية العظيمة ، دعوة مبهجة ليرى أورشليم السماوية .
وذهب الملاك بيوحنا بالروح إلى " جبل عظيم " فنحن هنا فى سمو وكرامة ومجد ، والمدينة " نازلة من السماء من عند الله " فالرب هو معطيها وسر قوتها وبركتها .
" لها مجد الله " ، إنه مفاض من التقدير " الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير " ( يع 1 : 5 ) ، ولمعانها شبه أكرم حجر ، كحجر يشب بلورى " واليشب الأبيض يشير إلى النقاء والطهر .
" وكان لها سور عظيم عال " .. رمز الحماية والجلال زإثنا عشر عليها ملائكة وأسماء الأسباط .. فالأبواب كثيرة تعبر عن رحابة صدر الله ، والأثنى عشر رمز الديانة المنظمة فهى مفتوحة لمؤمنى العهدين ، هنا نجد الأثنى عشر سبطا وبعد قليل نجد الأثنى عشر رسولا ، والملائكة يحرسون الأبواب ، دون أن يمنعوا الدخول كملاك جنة عدن ، والأبواب موزعة على الجهات الأربع ، علامة أن الله يفتح حضنه لكل الشعوب والأمم ، وهى ثلاثة فى كل جهة ، رمز الثالوث سر خلاص الأنسان : الأب الذى خلقه ، والأبن الذى فداه ، والروح الى قدسه .
وللسور أثنا عشر أساسا عليها أسماء لرسل الخروف الأثنى عشر : " فهم أساس نشر المسيحية فى كل العالم ، بكلمتهم وكرازتهم صار الخلاص للأرض وعلى المؤمنين أن يتمسكوا بتعاليمهم لا يحيدون عنها ، كما يقول الكتاب : " مبنيين على أساس الرسل ، والأنبياء ، ويسوع نفسه حجر الزاوية " ( أف 2 : 20 ) . وهكذا عاش آباؤنا يواظبون على " تعليم الرسل " ( أع 2 : 42 ) ، وكان الرسول بولس ينبه على ذلك حتى لا يدخل إلى المؤمنين تعليم غريب ولو عن طريق ملاك " إن بشرناكم من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما ( محروما ) " ( غل 1 : 8 ) .
" ثم قاس الملاك المدينة وسورها وأبوابها بقصبة من ذهب " .. والذهب دائما رمز النقاء والبر ، فمعنى ذلك أن سكان هذه المدينة قد قيسوا بمقاييس البر فوجدوا مستحقين دم المسيح .
وكانت المدينة " مربعة " تساوى الأضلاع علامة تساوى الفرح لدى الجميع ، حتى وإن تميز أحدهم عن الآخر فهو لا يحس بذلك ، إن حدة إبصاره أقوى وهو يرى تفاصيل أدق ، لكن الثانى يرى من الجمال ما تسمح به عيناه ويبتهج مثله تماما ، لكل كأسه والكؤوس كلها مليئة ، ولكل سعته الروحية والقلوب كلها شبعانة ..
وكان الطول 12000 غلوة ، علامة الأتساع الذى يضم الكثيرين ، إشارة أخرى لرحابة صدر الله ( الغلوة حوالى 200 مترا ) .
" السور من يشب " وهو حجر كريم أبيض رمز النقاء ، والبعض يرى أنه أخضر رمز دوام الحياة ، " والمدينة تبقى " فهى البر " شبه زجاج نقى " رمز الشفافية الروحية التى يحيون فيها .
والأساسات نفسها مزينة بحجارة كريمة :
1- اليشب الأخضر : رمز دوام الحيوية .
2- الياقوت الأزرق : رمز شفافية السماء .
3- العقيق الأبيض : رمز النقاء .
4- الزمرد الذبابى : أخضر كاليشب .
5- الجزع العقيقى : أحمر رمز الفداء .
6- العقيق الأحمر : فكل من فيها مفدى بالدم .
7- الزبرجد : من أنقى أنواع الذهب رمز الكمال .
8- الزمرد السلقى : كالبحر الهادىء رمز الصفاء .
9- الياقوت الأصفر : رمز الصبر لأن النار تزيده لمعانا .
10-العقيق الأخضر : تأكيد للحيوية .
11-الأسمانجونى : ويمتاز بالصلابة رمز الخلود .
12-الجشمت : ويمتاز بالجاذبية رمز جاذبية المسيح .
والأبواب عبارة عن " أثنى عشر لؤلؤة " والسوق " ذهب كزجاج شفاف " كلها تعبيرات عن المجد والبهاء والنقاء والسمو .. وطبعا السوق ليس للبيع والشراء ولكنه تعبير عن الرحابة والشركة والأتحاد بين المؤمنين .
" لا هيكل هناك " فالمسيح هيكلها وذبيحتها الدائمة " ولا شمس ولا قمر هناك " فالمسيح هو شمس البر والنور الأبدى ، وهو ينيرها بمجده الأسنى .
بل أن " الشعوب المخلصين تمشى بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها " .. فنور الكنيسة يقود الجميع إلى الخلاص ، ومهما كانت أمجادهم الأرضية فهم يطرحونها عند أقدام الرب ، مفضلين المجد السماوى عليها .
" أبوابها لن تغلق نهارا لأن ليلا لا يكون هناك " بل أبواب مفتوحة والكل " يدخل ويخرج ويجد مرعى " ( يو 10 : 9 ) .
الأصحاح الثانى والعشرون
ملاحظات ختامية
أولا : نهر الحياة وشجرة الحياة ( 22 : 1- 5 )
" وأرانى نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور خارجا من عرش الله والخروف " ... وواضح أن الكلام هنا رمزى بحت .. وهو إشارة إلى المعمودية طريقنا إلى الله وعطية الله لنا .
فى وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة ، تصنع أثنى عشر ثمرة ، وتعطى كل شهر ثمرها ، وورق الشجرة لشفاء الأمم ، والشجرة رمز للسيد المسيح ، والثمرات الأثنى عشر إشارة إلى الشبع الدائم لكل تابعى الرب ( 12 رمز العبادة المنتظمة ) وهى مثمرة طول العام ، علامة سخاء النعمة بلا مواسم ، ولا موانع ، أما الورق الذى لشفاء الأمم ، فإشارة لعمل المسيح مع أولاده القادمين من أرض الأتعاب والآلام والأمراض .
" ولا تكون لعنة فيما بعد ، عرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه " فلقد غسل دم المسيح الأرض التى لعنت قبلا بسبب سقطة آدم .. والآن صارت البشرية فى حضرة القدوس تخدمه ، وتشبع من دسم نعمته الأبدية ، فى تسبيح وترتيل دائم .
" وهم ينظرون وجهه " أى " سنراه كما هو " ( 1 يو 3 : 2 ) وسنراه " وجها لوجه " ( 1 كو 13 : 12 ) ، " واسمه على جباههم " علامة الملكية والتخصيص ، فليس فى ذهنخم سوى المسيح والملكوت .
" ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم ، وهم سيملكون إلى ابد الآبدين " ... تأكيدا جديدا للنور الإلهى ، الذى سنعيش فيه ، وللملك المعد لنا لنتمتع به إلى الأبد .
ثانيا : الأقوال صادقة وأمينة : ( 22 : 6 – 7 )
وهنا تأتى الملاحظة الثانية فى الأصحاح إذ يؤكد الملاك ليوحنا أن " هذه الأقوال صادقة وأمينة " .. وأن الرب الإله هو الذى قصد أن يعلنها لأولاده ، من خلال هذه الرؤيا ليعرفوا مقاصده ويتشددوا فى ضيقاتهم ، فهو " آت سريعا " لا ينس ولا يتركنا نجرب فوق ما نستطيع أن نحتما ، " وطوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب " ... أى طوبى لمن يؤمن بما هو مكتوب فيها ويستعد لكفاح الأيام ونصرة الرب ، لهذا تقرأ لنا الكنيسة هذا السفر فى ليلة سبت النور ، لنرى العالم الآخر الذى ذهب إليه الرب فى تلك الليلة ليفتح الفردوس ويحرر المسبيين ، وكذلك لكى نضع أورشليم السمائية نصب أعيننا لتكون ميراثنا .
ثالثا : يوحنا يتكلم مع الملاك : ( 22 : 8 – 9 )
وبدأ يوحنا يتكلم معه فيقول : " وأنا يوحنا الذى كان ينظر ويسمع هذا " وكيف أنه حاول مرة أخرى أن يسجد للملاك فنهاه عن ذلك قائلا : أنا عبد معك ، ومع أخوتك الأنبياء ، الذين يحفظون أقوال هذا الكتاب ، " اسجد للـــه " ..
ثم يقول له الملاك : " لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب " ... أى افتح هذا الكتاب للجميع لأن تمام مقاصد الله آت سريعا ، وبالفعل بدأت الأحداث تتحرك من ختم إلى ختم ، ومن بوق إلى بوق .
وبدأ الملاك يهدد قائلا : " من يظلم فليظلم بعد ، ومن هو نجس فليتنجس بعد ، ومن هو بار فليتبرر بعد ، ومن هو مقدس فليتقدس بعد " ... أى ليمشى كل فى الطريق الذى يروق له ، لكن الله سيجازى كل واحد حسب أعماله .
رابعا : الرب يتكلم ( 22 : 10 – 16 )
وفى نهاية السفر بدأ الرب يتكلم : " ها أنا آتى سريعا ، وأجرتى معى ، لأجازى كل واحد كما يكون عمله " فالأيمان النظرى لا يكفى لأن الشياطين يؤمنون ويقشعرون ، المهم أن نترجم إيماننا إلى أعمال مقدسة بعمل الله فينا وبنا .
" أنا الألف والياء ، البداية والنهاية ، الأول والآخر " ... فالمسيح كما ذكرنا هو محور التاريخ كله ، " وطوبى للذين يصنعون وصاياه " لأنهم سيأكلون من شجرة الحياة ، ويدخلون من الأبواب إلى المدينة ، أما فى الخارج فيبقى " الكلاب " أى من عاشوا فى النجاسة وأضطهدوا أولاد الله ، والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان " وكل من يحب ويصنع كذبا " أى كل من يحب الكذب ويصنعه .
" أنا يسوع أرسلت ملاكى لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس ، أنا أصل وذرية داود ، كوكب الصبح المنير " .. فالرب يسوع هو الذى كلف يوحنا بهذه الرسالة ، وهو خالق داود النبى ، وقد جاء منه حسب الجسد .
خامسا : الكنيسة تتكلم : ( 22 : 17 )
" الروح والعروسان يقولان تعال ، ومن يسمع فليقل تعال ، ومن يعطش فليأت ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا " .
هنا كرازة الكنيسة بالروح القدس ، فهى تدعو الجميع إلى الرأى الإلهى وتطلب منهم أن يدعوا بعضهم بعضا ليمتلىء البيت من المفديين المرتوين من ماء الحياة مجانا لأن الرب دفع ثمنه قبلا .
سادسا : تحذير واشتياق : ( 22 : 18 – 21 )
فمن يزيد على أقوال هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فيه ، ومن يحذف منها يحذف الله أسمه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة .
ثم يقول يوحنا : " الشاهد بهذا " نعم أنا آتى سريعا " أى حقا لقد سمعت من فمه هذا الوعد المبارك ، إذن آمين تعال أيها الرب يسوع " .. فليس لنا أفضل من هذا أن يأتى الرب وإذ يجدنا مستعدين يأخذنا إليه .
ويختم يوحنا سفره النفيس بالتحية المسيحية المعهودة : " نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين " .. فنعمته هى سندنا الوحيد فى غربة هذا الدهر وسبيلنا الأكيد إلى حياة أبدية ..
"أمين تعـــــال أيهـــــــا الــــــــرب يســــــــــوع "
================================================== ========
تم في 19-9-2006
Hunter: الأخ
الله محبة
مقدمة : مع أن الغالبية من المؤمنين لا تدرس سفر الرؤيا بحجة أنه سفر غامض ، وبرغم البركة المدونة فيه " طوبى للذى يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ، ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب ( رؤ 1 : 2 ) ... مع هذا كله يبقى سفر الرؤيا سفرا أساسيا فى إيماننا ، وفى تعزية نفوسنا أثناء رحلتنا من الأرض إلى السماء ....
إن هذا السفر النبوى ، يشرح لنا بطريقة شفرية معالم طريق الكنيسة وبالتالى طريق المؤمن ، وهو يوضح أن فى مسيرته المباركة من الأرض إلى السماء هناك مصادمات كثيرة ، واضطهادات وقوى مختلفة ، ستحاول النيل من كنيسة المسيح ، لكن هيهات لأن وعده أثبت من الجبل : " إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها " .. وما هذا السفر الخالد إلا شرح لهذه الآية وتأكيد لهذا الوعد ، لكن .. لماذا قصد الوحى الإلهى أن يكون سفر الرؤيا بهذا الأسلوب الشفرى الغامض ، وما المعنى الكامن وراء هذه الصور المختلفة التى يقدمها ؟ ... هذا موضوع دراستنا بمشيئة الله
أقسام السفر
ينقسم سفر الرؤيا إذن إلى سبعة أقسام ، كل قسم منه عبارة عن رؤيا كاملة ، وكما نرى فالرؤيا الأولى هى " الكنيسة على الأرض " والأخيرة هى " الكنيسة فى السماء " وما بنها رؤى تشرح رحلة الكنيسة من الأرض إلى السماء خلال صراعات متعاقبة مع قوى الشر ، والكنيسة تنتصر دائما بقوة فاديها .
الرؤى السبع :
الأولى : الكنيسة على الأرض : ( ص 1 – 3 ) .
الثانية : الأختام السبعة : ( ص 4 – 7 ) .
الثالثة : الأبواق السبعة : ( ص 8 – 11 ) .
الرابعة : المرأة والتنين والوحشان : ( ص 12 – 14 ) .
الخامسة : الجامات السبعة : ( ص 15 – 16 ) .
السادسة : سقوط بابل والملك الألفى : ( ص 17 – 20 ) .
السابعة : الكنيسة فى المجد : ( ص 21 – 22 ) .
الرؤيا الأولى
الكنيسة على الأرض
الأصحاحات 1 – 3
1- المسيح المجيد
2- رسائل لأربعة كنائس .
3- رسائل لثلاثة كنائس .
فكرة عامــــــــــــــة :
هذه الرؤيا تخص الثلاثة إصحاحات الأولى ، وفيها يرى الرسول يوحنا وهو يوجه من السماء رسائل إلى " الكنيسة على الأرض " ،
ومع أن الرسول قد حدد أسماء الكنائس وأماكنها إلا أن الشراح رأوا فيها ثلاثة اتجهات للتفسير :
( 1 ) التفسير المحلى : أى أن الرسول كتب إلى هذه الكنائس بذاتها فى عصرها فى أماكنها .
( 2 ) التفسير العام : يرى أن رقم " 7 " هو عدد الكمال ، والمقصود بالكنائس السبعة إذن الكنيسة فى كل العصور وفى كل الأماكن .
( 3 ) التفسير المرحلى : يرى أن هذه الكنائس السبع تمثل سبعة مراحل أو عصور فى تاريخ الكنيسة المسيحية ، ويجرى هذا التصور على النحو التالى :
1- كنيسة أفسس : تمثل عصر الرسل .
2- كنيسة سميرنا : تمثل عصر الشهداء .
3- كنيسة برغامس : تمثل عصر المجامع .
4- كنيسة ثياترا : تمثل عصر المظهرية فى العصور الوسطى .
5- كنيسة ساردس : تمثل عصر الأصلاح فى أوربا .
6- كنيسة فيلادلفيا : تمثل عصر التقارب المسكونى الحالى .
7- كنيسة لاودكيا : تمثل عصر الأرتداد آخر الأيام .
لا شك أن الثلاثة اتجاهات فى التفسير يمكن الأخذ بهم ، ولا شك أننا نستطيع أن نأخذ منها دروسا للكنيسة العامة .
الأصحاح الأول
المسيح المجيد
أعتاد يوحنا – أثناء حياة الرب فى الجسد على الأرض – أن يتكىء على صدره الحنون ولكنه سنراه فى هذا الأصحاح فى وضع مهيب ومجيد لدرجة أنه سقط عند رجليه كميت ، أليس لهذا السبب قال الرب لتلاميذه ، أبى أعظم منى ! أى أن المجد السماوى الذى للأقانيم أعظم بما لا يقاس بصورة تواضع الأبن وهو آخذ صورة عبد ، وفى الهيئة كإنسان .
وينقسم الأصحاح إلى :
1- الأفتتاحية : ( من عدد 1 – 3 ) .
2- الراسل والمرسل إليهم : ( من عدد 4 – 8 ) .
3- التكليف الإلهى ليوحنا : ( من عدد 9 – 11 )
4- المسيح المجيد وسط المنائر : ( من عدد 12 – 20 ) .
أولا : الأفتتاحية : ( 1 – 3 ) .
فى هذه الأفتتاحية يتحدث الرسول عن أن هذا السفر هو اعلان أى يكشف القناع أو يزيح الستار ، فهو سفر الأسرار يكشفها الله لعبده يوحنا ولنا بالتالى .
ثانيا : الراسل والمرسل إليهم : ( 4 – 8 ) .
الراسل : هو يوحنا بن زبدى كما أسلفنا .
المرسل إليهم : أساقفة الكنائس السبعة فى آسيا الصغرى معقل المسيحية فى ذلك الوقت ، حيث أفسس مكان استقرار الرسول الوحيد الباقى من تلاميذ المسيح طوال الربع الأخير من القرن الأول الميلادى .
سلام من الروح القدوس :
- من الكائن والذى كان والذى يأتى : أى من الآب ، لأنه الكائن بذاته واجب الوجود ، وأصل كل الموجودات .
- ومن السبعة الأرواح : الأرجح أنها إشارة إلى الروح القدس الكامل ( رقم سبعة ) ذلك لأن أسم السيد المسيح سيرد بعد ذلك فى التحية ، ومن غير المعقول أن يرد قبله أسم الملائكة ، أما القول بأن المسيح " وضع قليلا عن الملائكة " فمردود عليه بأن ذلك كان خلال تجسده على الأرض ، أما الآن فهو فى المجد ، ويستحيل أن يأتى أسمه بعد أسم رؤساء الملائكة .
- ومن يسوع المسيح : وهنا يدعوه " الشاهد الأمين " لأنه هو الذى كان فى حضن الأب ثم خبرنا بكل شىء ، " البكر من الأموات " لأنه باكورة الراقدين ، أول من قام بنفسه ، قام ولن يموت ، وقام ليقيمنا معه كبكر بين أخوة كثيرين دخل إلى السماء " كسابق لأجلنا " ( عب 6 : 20 ) .
" جعلنا ملوكا وكهنـــة " :
ملوكا : أى اعطانا طبيعة جديدة متحررة من حتميات الأنسان العتيق وعبوديته المرة ، فصرنا ملوك ذواتنا بنعمة المسيح .
كهنة : لأننا فى الأصل كهنة هذا الكون ، نرفعه إلى الله فى تسبيح وشكر ، ولما سقطنا كنا فى حاجة إلى فاد يعيدنا إلى هذه الصفة . فنقدم إلى الله من على مذابح قلوبنا ذبائح الحمد والتسبيح ( مز 116 : 17 ، عب 13 : 15 ) ، ( مز 141 : 2 ) " عجول شفاهنا " ( هو 14 : 2 ) ، " ثمرة شفاة معترفة بأسمه " ( عب 13 : 15 ) مع ذبيحة القلب المنكسر ( مز 51 : 3 ) .
وهذا لا يلغى وجود الكهنوت الخاص ، أى وكلاء الأسرار الإلهية .
" هوذا يأتى مع السحاب " : نحن ننظره ، وكان آباؤنا أثناء الأضطهاد – بل قد تطرفوا فى انتظار الرب ظانين أن " ملكوت الله عتيد أن يظهر فى الحال " ( لو 19 : 11 ) ، واحتاجوا إلى رسالتى تسالونيكى لتصحيح هذا المفهوم الناقص ، " وستنظره كل عين " فمجىء السيد المسيح سيكون ظاهرا للعيان ، " والذين طعنوه " ... هنا أمران هامان :
الأول : هذه العبارة تؤكد أن يوحنا كاتب الأنجيل هو يوحنا كاتب الرؤى فهو الوحيد الذى حدثنا عن طعن السيد المسيح .
الثانى : وأن قيامة الأشرار ستكون مع قيامة الأبرار ، بدليل أن طاعنى السيد سيرونه فى مجيئه الثانى وهذا ما يدحض قول البعض أن الكنيسة ستخطف أولا ، ثم تأتى الضيقة ، ثم الملك الألفى ، ثم قيامة الأشرار ... إنها قيامة واحدة تحدث يوم مجىء المسيح الثانى .
" وينوح عليه جميع قبائل الأرض " تعبيرا عن رعبتهم من الدينونة العتيدة ومن المسيح المجيد الذى رفضوه ، " أنا هو الألف والياء " السيد يعلن عن نفسه فى مجده الأبدى ، أنه أصل وختام كل شىء ، فكل شىء محتوى فى اتساعه اللامحدود .
ثالثا : التكليف الإلهى ليوحنا ( 9 – 11 ) :
هنا يتحدث الرسول عن نفسه ( كأخ ) وهو نفس الأتضاع الذى ورثته الكنيسة عنه حين يدعو الأسقف الأغنسطس أخا أثناء سيامته " وشريك الضيقة " فهو يعانى نفس ىلآم الأضطهاد مثل أبنائه فى أفسس وغيرها ، وكلمة " الضيقة " فى الأصول اليونانية تعنى " الطحن أو السحق " تطحن القمح ليصير دقيقا نافعا .
وهو شريك أيضا فى ملكوت يسوع " فهذا رجاؤنا الذى لا يخيب ولا يختفى عن أعيننا ولهذا نصبر " . فالصبر مستحيل دون رؤية واضحة وعربون محسوس .
كما يوضح مكان إرسال الرسالة وهو بطمس وهو هناك لأجل كلمة الله ولكنه لا يحس أنه فى المنفى بل " فى الروح " .... كان ذلك فى يوم الرب ، أى يوم الأحد مشتاقا للقاء أبنائه لتعزيتهم فمنحه الرب هذه الرؤيا لتعزية الأجيال كلها .
" سمعت ورائى صوتا عظيما كصوت بوق " ، من ورائه رمزا لجلال التدبيرات الإلهية ووضوحها وحسمها .
وبدأ الرب يتكلم .. " أنا هو الألف والياء .. الأول والآخر .. والذى تراه أكتب فى كتاب وارسل إلى السبع الكنائس التى فى آسيا .. أفسس ، سميرنا ، برغامس ، ثياترا ، ساردس ، فيلادلفيا ، لاودكية " .
تكليف إلهى من فم الأبن الكلمة ، إلى يوحنا الحبيب ، ليوصل التوجيهات الإلهية إلى الكنائس المحلية ، وإلى الكنيسة العامة من خلالها ، بل إلى عصور متتالية سنكتشفها كلما أمعنا الفحص فى الرسائل الموجهة .
رابعا : المسيح المجيد وسط المنائر : ( 12 – 20 ) .
مشهد مجيد رآه يوحنا حين التفت لينظر " شبه أبن إنسان " فيسوع الآن فى جسد القيامة الروحانى يحمل ملامح الأنسان لكن فى مجد أخاذ .. يتمشى وسط " سبع منارات " رمز الكنائس السبع .. ويمسك بيده اليمنى " السبعة كواكب " أى أساقفة الكنائس السبع .
أما منظر الرب فهو مهيب ومجيد " متسربل بثوب إلى الرجلين " علامة الوقار والجلال والمهابة ، " ومتمنطق عند ثدييه بمنطقة من ذهب " وهى غير منطقة الحقوين التى ترمز إلى الأستعداد للعمل ، فمنطقة الصدر كانت للقضاة ، وهى من ذهب رمز البر .. إذن فالرب هو القاضى البار .
· "ورأسه وشعره أبيضان " علامة أزلية فهو قديم الأيام ( دا 7 : 9 ) .
· " عيناه كلهيب نار " فهو فاحص القلوب والكلى .
· " رجلاه شبه النحاس " رمز الصلابة والرسوخ والثبات .
· " صوته كصوت مياة كثيرة " إشارة إلى رهبة أنذاراته وجلال مقاصده المعلنة .
· " وفى يده اليمنى سبعة كواكب " أشارة إلى السبعة أساقفة فهم فى يمينه ، يسندهم بقوته ، ويسيطر عليهم بلاهوته .
· " وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه " أشارة إلى كلمة الله الحية الفعالة والأمضى من كل سيف ذى حدين ( عب 4 : 12 ) فهو يبتر المبادىء الشريرة وينخس القلب العتيق ويدين كل الرافضين والمستهترين .
· " ووجهه كالشمس " فهو " أبرع جمالا من بنى البشر " ( مز 4 : 2 ) وهو " شمس البر والشفاء فى أجنحتها " ( ملا 4 : 2 ) ، والشمس تحمل معنى الطهارة لأن النار تطهر وتعطى الأنارة لأن المسيح يدخلنا إلى الملكوت ، ومعنى الحياة فلا حياة بدون الشمس ، والدفء كالمسيح يدفئنا بروحه من برودة هذا الدهر .
وأمام هذا المشهد المهيب سقط يوحنا عند رجلى الرب كميت .. لكن الرب وإن عاد إلى مجده الأسنى إلا أنه لم يفقد حبه وحنانه .. لقد انحنى على يوحنا ، ولمسه بيده اليمنى الحافظة للكون وطمأنه قائلا : " لا تخف فأنا ما زلت فاديك المحب ...
" انا هو الأول والآخر " فهذه حقيقتى اللاهوتية ........
" أنا الحى وكنت ميتا " فهذه حقيقتى الفدائية .........
" وها أنا حى إلى الأبدين " فهذه حقيقتى الأبدية ........
" ولى مفاتيح الهاوية والموت " فأنا الإله الديان الأزلى .
ثم كلفه الرب بأن " أكتب ما رأيت " ( مشهد المسيح المجيد ) ....
" وما هو كائن " ( مشهد الكنائس على الأرض ) .......
" وما هو عتيد أن يكون بعد هذا " أى مشاهد المستقبل بروح النبوة ....
لا تخف إذن فالكنائس فى السماء " ذهبية " رمز البر ، والأساقفة فى يمين المخلص المقتدرة ، ويسوع نفسه فى وسطها يسند ويوجه ويحمى .
فلنسمع الآن ما يقوله الروح للكنائس .
الأصحاح الثانى
رسائل إلى أربعة كنائس
أتجاهات التفسير : رجاء مراجعة مقدمة تفسير الأصحاح الأول .
اولا : كنيسة أفسس : ( 2 : 1 – 7 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان على الأرجح القديس تيموثاوس والكلام موجه إلى الكنيسة كلها وليس فقط إلى تيموثاوس الذى وصفه بولس بأنه " العامل معى " ( رو 16 : 21 ) و " الأمين فى الرب " ( 1 كو 4 : 17 ) ، " والأبن الصريح فى الأيمان " ( 1 تى 1 : 2 ) ، و " انسان الله " ( 2 تى 3 : 10 ) .
وكثيرا ما يكون حديث الرب للأب الراعى لكى يسمعه الأولاد فيصححوا مسارهم الخاطىء .
1- كما ذكرنا تشير الأفتتاحية إلى ضابط الكل ، الممسك السبعة كواكب ( الأساقفة ) والماشى وسط السبع منائر ( الكنائس ) .
2- وصف الحالة :
+ أعمال مقدسة وتعب وصبر فى الخدمة .
+ رفض للشر والأشرار .
+ اختبار لمدعى الرسولية والخدمة وكشف لهم .
+ بغضة أعمال النقولاويين اتباع نيقولاوس الذى يرى الشراح أنه كان يدعو إلى " الزواج على الشيوع " .
+ برودة بدأت تدب فى المحبة الأولى ، فمع أن العصر الرسولى انتشرت فيه المسيحية فى كل العالم إلا أنه لم يسلم من بعض الهراطقة مثل دعاة الردة إلى اليهودية ، ودعاة الخلاص بالمعرفة العقلانية أى الغنوسيين ودعاة النسك المنحرف وقمع الجسد ، ودعاة " عبادة الملائكة " وهكذا .
3- الرســـــالة :
" اذكر من أين سقطت وتب " فهناك نقطة نزل من عندها المنحنى ، يجب أن تدرس أين هى ؟ وما السبب فى فى بدء الأنحدار هذا ؟ وحين نكتشف أصل الداء يسهل العلاج ، أما إذا عرف الأنسان سر الأنحدار ولم يهتم بإصلاح حاله والعودة إلى محبته الأولى وتكريسه الأول فإن الله يهدده بأنه سيزحزح منارته من مكانها وبالفعل أين المسيحية الآن فى تركيا ؟ لقد انتهت منذ فترة طويلة وإلى يوم لا يعلمه إلا الله .
4- الوعد :
من يغلب سيأكل من شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله حيث يسوع الماشى وسط المناير السبعة .
ثانيا : كنيسة سميرنا ( 2 : 8 – 11 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان هو القديس " بوليكاربوس " ( أى كثير الثمار " أسقف أزمير – وهو الذى استشهد حرقا بالنار سنة 169 م ، ويعتبر تلميذا مباشرا للرسول يوحنا ، وخادما ناريا ممتلئا محبة ، لما ثار الأضطهاد أصر تلاميذه على تهريبه ليرعاهم ويشددهم فرأى الوسادة تحترق تحته فى رؤيا فعرف أن الله يدعوه للأستشهاد حرقا بالنار ، وهكذا سلم نفسه للجند ورفض كل إغراءات الحاكم ، كما رفض أن يربطوه فى العمود الخشبى وسط كومة من الحطب وصلى وأحرقوه ، لكن النار كانت كشراع من حوله فلم يمسه سوء ، ولما أندهش الناس طعنه جندى بحربة استنزفت دماءه الغزيرة الطاهرة بقوة ثم انطفأت النار .
وصف عناصر الرسالة :
1- الأفتتاحية : من الأول والآخر ، الميت القائم حيا .... هذا تشجيع للمؤمنين على الموت حبا فى المسيح بكر الراقدين .
2- وصف الحالة :
+ لا نسمع كلمة تأنيب واحدة ، فهى كنيسة الشهداء ، كنيسة الحب الباذل حتى الموت .
+ أعمال مقدسة .
+ ضيقة كالطحن .
+ فقر مادى وغنى إيمان .
+ تجديف اليهود يحتملونه فى صبر .
+ الآم قادمة فى حلقات عشر حسب عدد أباطرة الرومان القساة من نيرون إلى دقلديانوس .
+ سجن ، بإيحاء من الشيطان .
3- الرسالة : " كن أمينـــــا إلى الموت " أى إلى حد الأستشهاد ، " فسأعطيك إكليل الحياة " فليس المهم حياة هذا الدهر بل الدهر الآتى .
4- الوعد : " من يغلب لا يؤذيه الموت الثانى " .. لأن الشهيد يموت الموت الأول الجسدى ، ولكنه لا يموت الموت الثانى الأبدى ، وهذا هو الأخطر .
ثالثا : كنيسة برغامس : ( 2 : 12 – 17 ) .
أسقف هذه الكنيسة كان يدعى على الأرجح " كاربوس " وهذا خليفة أنتيباس الأمين الذى كرز بأسم المسيح بأمانة فى رغامس الممتلئة من فعل الشيطان حيث دعيت " كرسى الشيطان " وإذ انتصر أنتيباس على الشيطان فى مواقع كثيرة كالكرازة والطرد من أجساد البشر هيج عليه الوثنيين فطرحوه فى إناء نحاس ، وأشعلوا النار تحته ليعذبوه حتى مات .
عناصر الرسالة :
(1) الأفتتاحية : من الذى له " السيف الماضى ذو الحدين " أى سيف الكلمة ، فهذه الكنيسة بها انحرافات كثيرة وتحتاج إلى سيف الكلمة .
(2) وصف الحالة :
+ أعمال مقدسة فى مكان نجس يسكنه الشيطان .
+ تمسك بأسم المسيح وعدم انكار للحق الإلهى رغم ضغوط العدو .
+ تقديم شهداء مثل أنتيباس الأمين .
+ البعض يعيشون حسب تعاليم بلعام الذى نصح بالاق أن يلقى معثرة أمام بنى إسرائيل ليتخلى عنهم الرب وهى أن يأكلوا مما ذبح للأوثان وأن يزنوا ( انظر سفر عدد 24 ، 25 ، 31 ، 2 بط 3 : 15 ) .
+ والبعض الآخر يتمسكون بتعليم نيقولاوس عن الزواج الجماعى .
(3) الرسالة : من يغلب سيأكل من المن المخفى ( المسيح فى السماء المن الحقيقى ) ويأخذ حصاة بيضاء ( كانت تعطى الظافرين كميدالية أو نيشان ) ويعطى إسما جديدا علامة أنه من خليقة جديدة ، من أولاد الله المرتبطين به
رابعا : كنيسة ثياترا : ( 2 : 18 – 29 ) .
كان أسقف هذه الكنيسة فى رأى البعض هو ايريناوس تلميذ بوليكاربوس الذى كان بدوره تلميذا ليوحنا الحبيب وكان ايرياوس غيورا فى محبته وخدمته ، ولكن الرسالة موجهة إلى الكنيسة ، أو إلى عصر الشكلية أو المظهرية الذى أتى فيما بعد .
عناصر الرسالة :
(1) الأفتتاحية : من الذى عيناه كلهيب نار " أى الفاحص القلوب والكلى ، لا يخفى عليه شىء " وصاحب " رجلى نحاس نقى " رمز الثبات والصلابة على مر الدهور والأجيال ، هى تبيد وهو يبقى .
(2) وصف الحالة : هذه أطول رسالة وفيها يتحدث الرسول عن :
+ أعمال وتعب وخدمة حتى أن الأعمال الأخيرة أكثر من الأولى .... أى أن هناك نمو فى الغيرة .
+ لكن فى هذا لا يمنع التوبيخ من أجل " أيزابل " التى تغوى المؤمنين أن يأكلوا مما ذبح للأوثان وبزنوا ... فمن هى إيزابل هذه :
- البعض يقول أنها " كاهنة وثنية " توهم الناس أنها تتنبأ وتعرف المستقبل وهذا خطأ لأن إيزابل هذه ستقوم من داخل الكنيسة .
- والبعض يرى أنها " ليديا " بائعة الأرجوان وقد عادت بنفوذ كبير لثروتها ، وانحرفت وأبعدت الكثيرين . لكن هذا تجن بلا مبرر ولا سند على ليديا المباركة .
- الرأى الأرجح أنها رمز لقوة تنشر الشر ( أكل ما ذبح للأوثان والزنا ) .. إنها رمز للتعاليم الفاسدة .....
- ورغم مرور الزمان على هذه البدع لم يتب تابعوها ، لذلك فالله يوجه إليها إنذار بأن تتوب وإلا طرحهم فى الضيقة والموت والدينونة العتيدة .
(3) الرسالة : أنها مجرد الحفاظ على التعليم السليم ورفض هذه التعاليم والمسالك الخاطئة .
(4) الوعد : من يغلب سيأخذ " سلطانا على الأمم " أى سينتصر على كافة نزعات الشر ، وسيرعى الأمم " بقضيب من حديد " أى سيخدم ويفصل كلمة الحق باستقامة كل شىء ويميز الأمور المتخالفة .
الأصحاح الثالث
رسائل إلى ثلاث كنائس
خامسا : كنيسة ساردس ( 3 : 1 – 6 ) .
فى أيام يوحنا الرائى كانت ساردس مدينة غنية ولكنها منحلة .. ونحن لا نعرف من هو أسقف تلك الكنيسة ولكننا كما ذكرنا نستطيع أن نأخذ من الرسالة الموجهة إليه التعاليم النافعة لحياتنا أبد الدهر ، كما أنها ربما تشير إلى عصر أنتشت فيه الكنيسة الكاثوليكية بخمر المجد الأرضى واتجهت نحو صكوك الغفران ومحاكم التفتيش ، مما أحدث ثورة إصلاحية من داخلها ومن خارجها ، ولكن غيبة العودة الجادة إلى جذور الكنيسة المتأصلة فى أرثوذكسية الشرق أحدثت انقسامات وحروب وطوائف جديدة ؟
ولهذا يدعو الرب الكنيسة " ساردس " أى بقية الحياة التى فيها والمحتاجة إلى نفخة وإضرام ...
عناصر الرسالة
1- الأفتتاحية : من الذى له السبعة أرواح الله " أى من الله والروح القدس الكامل ، والسبعة كواكب " أى الله ضابط الرعاة والأساقفة .
2- وصف الحالة :
+ الأعمال الشكلية تعطى إحساس الحيوية ومظهرها دون حياة حقيقية فى الجوهر .
+ هناك أسماء قليلة حافظت على الأيمان والحياة الحقة ، وهؤلاء يستحقون أن يمشوا مع الرب فى ثياب بيضاء إشارة إلى نقاوتهم ونصرتهم .
3- الرسالة :
+ أن يسهر ويراقب نفسه وحالة الخدمة بالكنيسة .
+ أن يشدد ما بقى، حتى لا يموت ، وذلك بأن يضرم فيه نار الروح القدس .
+ أن يدرس ما عنده من بركات إيمانية وتعاليم مقدسة ويحافظ عليها ويسلك بموجبها ، وإلا فسوف يسقط تحت دينونة فجائية لأن يوم الرب قادم ولكن كلص .
4- الوعد :
+ من يغلب " سيلبس ثيابا بيضاء " أى ثياب البر الإلهى الذى يتشح به المؤمنون فى المجد ، " ولن أمحو أسمه من سفر الحياة " أى سيكون له نصيب مع المفديين ، " وسأعترف بأسمه أمام أبى وأمام ملائكته " أى سأعطيه مجدا أبديا فى حضرة الله والملائكة القديسين .
سادســــا : كنيسة فيلادلفيا : ( 3 : 7 – 13 ) .
تقع فيلادلفيا فى آسيا الصغرى ، ومع أنها سقطت فى يد الأتراك فى القرن الرابع عشر إلا أنها تضم بعض المسيحيين يرعاهم أسقفها ، والكلمة فيلادلفيا معناها " محبة الأخوة " مما يجعلها تشير – فيما يبدو – إلى عصر العمل المسكونى الذى يسود العالم اليوم ويجعل الكنائس تتقارب فى حب تمهيدا لوحدة فى الأيمان نرجو أن يسمح بها الرب تنفيذا لكلمته " يكون الجميع واحدا " ( يو 17 : 21 ) .
عناصر الرسالة :
1- الأفتتاحية : من " القدوس " وهى صفة ينفرد بها الله وحده ، حتى صارت أسما من أسمائه المباركة يمكن أن يكون الأنسان قديسا أو مقدسا لكن الله وحده هو " القدوس " أى كلى القداسة ، القداسة بطريقة مطلقة ، جوهر القداسة بل ما هو أسمى من ذلك مما يسمو عن إدراكنا .
" الحق " فهو الصدق كله ، وهو النور ومنه تكون الأستنارة وهو المرشد ومنه يكون سواء السبيل .
" الذى له مفتاح داود " أى ضابط لكل شىء عبر التاريخ والأماكن يفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح ، إنه كلى القدرة ، وبغيره ليس سوى العدم واللاوجود .
2- وصف الحالة :
+ باب مفتوح للكرازة وقوة يسيرة ومساندة إلهية ، وذلك لأنه حفظ كلام الرب ولم ينكر أسمه .
+ الله يحبه ويقدر ظروفه وسيجعل أجناد الشياطين ودعاة التهود يأتون ويسجدون عند رجليه .
+ لقد صبر من أجل الرب ، والرب لن يتخلى عنه فى ساعة التجربة أى فى أيام حل الشيطان ، فى الأيام الأخيرة أيام الأرتداد .
+ ويدعوه أن يتمسك بما عنده من جهاد وصبر وإيمان وتعليم وحسن حتى لا يفشل ويأخذ أحد إكليله .
الوعــــــد :
" من يغلب سأجعله عمودا فى هيكل إلهى أى سيصير كارزا جبارا تعتمد عليه الكنيسة " ، " ولا يعود يخرج إلى خارج " أى سيكون فى عمق قلب الله وبيت الرب " واكتب عليه أسم إلهى " علامة ملكية الرب له ، " واسم مدينة إلهى أورشليم " علامة ميراثه الأبدى ، " وإسمى الجديد " علامة بنوته الأبدية لله فصار يحمل أسم الله باستمرار .
سابعا : كنيسة لاودكيــــة : ( 3 : 14 – 22 ) .
هى المدينة التى أسسها أنطيوخس السورى ( 250 م ) ودعاها بأسم زوجته وكانت هذه المدينة على الطريق التى تصل آسيا ببعضها ، لذلك أشتهرت بالتجارة والغنى المادى والأنحلال الخلقى ، كما كانت مركزا لصنع الثياب والطب وكحل العيون ، وكانت تحوى جالية يهودية ضخمة .
أما أسقفها فغير معروف وإن كان البعض يرى أنه أبن القديس فليمون الذى أرسل له بولس رسالة .
عناصر الرسالة
1- الأفتتاحية : هذا يقوله " الأمين " وهى كلمة عبرية معناها " الحق " أنا هو الطريق والحق والحياة " ( يو 14 : 9 ) . " الشاهد الأمين " أى الكائن فى حضن الآب والعارف لأعماق الأمور ، والأمين الصادق فى كلامه وإرشاداته " بداءة خليقة الله " أى " أصل ومبدىء الخليقة " أى أنه الخالق الذى خلق كل شىء المنفصل عن كل الخليقة .
2- وصف الحالة :
+ أعمال هذا الأسقف غير معروف ليست حارة ولا باردة لكنها فاترة يؤدى العمل بفتور وبلا حرية .
+ ولذلك فالله مزمع أن يتقيأه من فمه .
+ ولكن لماذا لا يقبل الله الفتور بدلا من البرودة ؟ لأن الفتور يعطى صاحبه إحساسا بالأكتفاء فلا يفكر
فى التوبة أو النمو .
+ ثم يستعير الرب ما تتسم به المدينة ليصف به حالة الكنيسة والأسقف فهى مدينة غنى وهو يحس بالغنى الزائف بينما هو فى الواقع فقير ، والأسقف يحس بأنه فطين ومبصر لكنه للأسف أعمى ، كذلك فالمدينة كانت مركزا لصنع الثياب ، لكنه فى الحقيقة كان عريانا من ثوب النعمة .
3- الرسالة : يقدم له الرب نصيحة مثلثة :
أن يشترى من نعمته ذهبا مصفى بالنار أى أن يقتنى النعمة الغنية .
وثيابا بيضاء أى ثياب النقاوة والبر .
وكحلا لعينيه أى استنارة إلهيــــة .
4- الوعــــــد :
" من يغلب ، يجلس معى فى عرشى " يا للمجد ! أن نجلس مع الله فى عرشه الخاص !! ليس مجرد أن نحيا معه فى بيته الأبدى ، بل أن نجلس معه فى عرشه الخاص !! ويشبهنا بالسيد المسيح نفسه الذى غلب وجلس فى يمين العظمــــة .
خاتمــــة : " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " مما يوضح أن هذه الرسالة هى لكل الناس فى كل العصور . فليعطنا الرب أن نكون سامعين عاملين بالكلمة ( يع 1 : 22 ) .
الأصحاح الرابــع
مشهد سمـــائـــى
نظر يوحنا وإذا " باب مفتوح فى السماء " علامة بدء استطلاع ما كان مخفى عن البشر ، ولذلك يدعى يوحنا فى الكتب الكنسية القديمة " صاحب الجليان " أى صاحب اجلاء الأمر الغامض وكشف المقاصد المستورة ، ولهذا نسهر فى سبت النور لنتطلع نحو السماء المفتوحة التى فيها نرى يسوع فى المجد الأسنى ، جسده كان فى القبر متحدا بلاهوته المجيد ، وإذا ما انفتحت السماء تقبلت الدعاء ، أو سكبت الروح ، أو شهدت للأبن .
" والصوت الأول الذى سمعته كبوق يتكلم معى " كثيرا ما يبدو صوت الله مهيبا ومخيفا ومع أنه الآن يحمل إلينا رسالة الحنان والفداء ، ولعلنا نذكر صوت الأب وهو يشهد للأبن " مجدت وأمجد أيضا " ( يو 12 : 28 ) وكيف أن الناس تصوروا الصوت رعدا ، وكذلك حينما سمع رفقاء بولس الصوت دون أن يميزوا الكلمات ( قارن أع 9 : 7 مع أع 22 : 9 ) .
" اصعد إلى هنا " أى بالروح ، فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا ، هنا كشف المستقبل للكنيسة كنهاية لصراعها مع الشر ، فماذا رأى يوحنا ؟ رأى لوحة رائعة نتمنى أن تسجلها يد فنان ملهم .
· " العرش " رمز الملك .
· " وعلى العرش جالسا " رمز الحكم والأستقرار .
· " منظره شبه اليشب والعقيق " اليشب أبيض والعقيق أحمر رمز النقاوة والفداء ، فالملك السمائى قدوس وفاد .
· " وقوس قزح حول العرش شبه الزمرد " يدركنا بالميثاق الذى قطعه الله مع البشر بعد الطوفان ، كان يرى قوس قزح فيرحم الأنسان ، ملكنا إذن رحيم ( القدوس ، الفادى ، الرحوم ) .
· " وحول العرش أربعة وعشرون عرشا " إنها عروش عليها يملك القديسون حسب وعد الرب " من يغلب يجلس معى فى عرشى " ( رؤ 3 : 21 ) ورقم 24 ضعف رقم 12 وهو يرمز إلى الديانة المنظمة : الأسباط الأثنى عشر ثم التلاميذ الأثنى عشر . إنهم إشارة إلى كنيستى العهدين القديم والجديد .
· كلمة " شيخ " فى الأصل اليونانى " بروسفيتيروس " ومنها كلمة " برسفيا " أى شفاعة ، أنهم إذن كهنة أو قسوس وهما نفس الكلمة المترجمة " قسوس " فى ( أع 20 : 7 ) .
· " جالسين " فى استقرار .
· " متسربلين بثياب يسض " فى نقاوة ووقار .
· " وعلى رؤوسهم أكاليل ذهب " رمز البر الإلهى الذى اتشحوا به ، والمجد الإلهى الذى حصلوا عليه .
· " من العرش يخرج بروق ورعود وأصوات " .... البروق تشير إلى مواعيد الله فالبرق يسبق المطر ، والرعود رمز الأنذارات الإلهية حيث يكون الصوت مخيفا ، والأصوات رمز توجيهات الله فى كلمته الحية .
· " أمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هى سبعة أرواح الله " رمز نار الروح القدس ، الذى يطهر ويقود ويدين .
· " وقدام العرش بحر زجاج شبه البلور " رمز المعمودية التى بدونها لا نقترب إلى عرش الله ولا نتحد به " من آمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) ، و " من لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " ( يو 3 : 5 ) .
· " فى وسط العرش وحوله أربعة حيوانات مملوءة عيونا من قدام ومن وراء " هذه كائنات غير متجسدة ممتلئة حكمة وأبصار سواء من قدام ، أى ترى المستقبل ، أو من وراء أى ترى الماضى ، وهو بالترتيب : شبه أسد – شبه عجل – شبه انسان – شبه نسر طائر .
وهنا يجتهد المفسرون فى آراء مختلفة مثل :
1- إنها تشير إلى صفات الله وكمالاته ، فالأسد رمز القوة ، والثور رمز الخدمة ، والأنسان رمز الحكمة ، والسر رمز التعالى والسمو .
2- أو تشير إلى أنواع الخليقة إلى أنواع الخليقة : فالأسد رمز الحيوانات المفترسة ، والثور رمز الحيوانات الأليفة ، والأنسان رمز مملكة البشر ، والنسر رمز الطيور والكل يمجد الله الخالق .
3- لكن الأرجح أنها اشارة إلى البشيرين الأربعة متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، الذين حملوا بشارة الرب إلى كل المسكونة .
وكثرت التفسيرات ، وكلها تفسيرات جميلة ومقبولة تشير فى جوهرها إلى لا محدودية السيد المسيح ، إذ يستحيل أن يحده عقل بشرى أو تشبيه مهما كان ، انه الإله العالى الساكن فى نور لا يدنى منه ، أو قل هو الضباب المقدس الذى يحجب رؤية من يدخل إليه ، أو هو الشمس المحرقة التى ترفض اقتحام العين لها .
وهذه الكائنات لكل منها " ستة أجنحة " رمز خفة الحركة ، وسرعة الأنتشار مملوءة عيونا رمز البصيرة والحكمة الروحانية ، وهى تصلى باستمرار " قدوس قدوس قدوس " اسم لله وصفة ينفرد بها تعالى ، يكررونها ثلاث مرات إشارة للثالوث وتأكيدا للمعنى " الإله القادر " لأن بيده الكل " الذى كان " فى الماضى والكائن " فى الحاضر " والذى يأتى فى المستقبل فهو فوق الزمان ، أزلى أبدى سرمدى .
ومع الترنيم العذب المهيب يخر الكل سجودا ، ويطرح القسوس أكاليلهم تحت قدمى المسيح ، فهو الوحيد المستحق ذاتيا للمجد ، أما هؤلاء ونحن فأكاليلنا مكتسبة منه ، دفع هو ثمنها من دمه ووهبها لنا مجانا ، فهى منه وإليه ، وهو الخالق " أنت خلقت كل الأشياء وهو الحافظ " وهى بإرادتك كائنة .. له المجد .
الأصحاح الخامس
الخروف والسفر المختوم
هنا يتحدث الرائى عن " السفر المختوم " الذى رآه على يمين الجالس على العرش وكان السفر مكتوبا " من داخل ومن وراء " أى مليئا بالأسرار والأعلانات ، والأختام التى بها السفر كانت " سبعة " ورقم 7 هو رقم الكمال فهى إما تعنى كمال الغموض عنا ، أو كمال تاريخ الكنيسة وعصورها ، أو كمال مقاصد الله التى يعلنها لنا فيه .
ثم رأى " ملاكا قويا ينادى بصوت عظيم " علامة أن الخطب جلل " من هو مستحق أن يفتح السفر ويفك ختومه ؟ وسؤال فيه تحدى ! فلم يستطع أحد فى السماء ( الملائكة ) ولا على الأرض ( البشر ) ولا تحت الأرض ( الشياطين ) ( خرو 20 : 1 – 4 ، 14 : 15 ) أن يفتح السفر ولا حتى أن ينظر إليه .
وبدأ يوحنا يبكى من أجل هذا الموقف العصيب ! إلا أن واحدا من القسوس طمأنه قائلا : " لا تبك هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة " .
الأسد لأنه الملك ابن الملك ، وحسب النبوات التى أشارت إليه بقولها : " يهوذا جرو أسد " ( تك 49 : 9 ) .. وهو من سبط يهوذا حسب الجسد وتحقيقا للنبوات ، ولكنه " أصل داود " أى خالقه وموجده وإن كان ابنه بالجسد لكنه إلهه باللاهوت .
وانتظر يوحنا الأسد فإذ به يرى حملا وديعا " قائما كأنه مذبوح " هو حمل لأنه الطهر كله ، والوداعة كلها والذبيح الأعظم ... وهو القائم لأنه منتصر على الموت وهو " كأنه مذبوح " أى أنه يحمل سمات جراح الصليب وإن كان قد انتصر عليها بحياته ، " وله سبعة قرون " - رمز القوة الكاملة - " وسبع أعين " رمز الأبصار الكامل كإله يفحص القلوب والكلى بروحه العامل فى البشر .
أتى الحمل وأخذ السفر من الجالس على العرش ، وحينئذ خرت الأربعة حيوانات والأربعة والعشرون قسيسا أمامه ، وبدأوا جميعا يمسكون قيثاراتهم السمائية ويترنمون بترنيمة جديدة للحمل فيها يشكرونه من أجل عمله المجيد ، بينما تتصاعد رائحة البخور الزكية من جامات القسوس تحمل صلوات القديسين ، فالبخور دائما هو رمز الصلاة من أجل تصاعده إلى أعلى ، ومن أجل رائحته الزكية ، والمجامر رمز سر التجسد إذ فى بطنها ( بطن العذراء ) يتحد الجمر بالنار ( اتحاد اللاهوت بالناسوت ) ولا ننسى دليل الشفاعة هنا ، فهذى صلوات القديسين يرفعها كهنة السماء عن الخليقة كلها .
ماذا قالوا ؟ " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه " ، وكيف استحق هذا هل بقوة السيف ؟ لا ، بل بوداعة البذل : " ذبحت واشتريتنا لله بدمك " .. فالفداء هو سر الرفعة ، والبذل هو سر المجد .. أن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلا تطول أيامه ( أشعياء 53 ) .
وهنا نلمح اتساع المسيحية لتشمل " كل قبيلة ولسان وشعب وأمة " بل ارتفاع المسيحية إذ تجعلنا كهنة نقدم ذبائح الحمد على هيكل حياتنا ، وهكذا سنملك على الأرض أى سنحس بعربون الملكوت الأبدى فى داخلنا ، كما نختبر بقوة عمل النعمة التى تجعلنا نسيطر على انفسنا وعلى الشيطان والعالم .
ومرة ثانية يسمع يوحنا ترنيم السمائيين : الملائكة والأربعة حيوانات والأربعة وعشرون قسيسا ، وهم يقولون : " مستحق هو الخروف المذبوح " مع أن الرب قد قام إلا أنه يمارس عمل الفداء عنا ، ويحمل سمات الصليب إلى الأبد " أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة " .
وعندما صاحت جوقة السمائيين هكذا ، ترددت فى جنبات الأرض صيحة مشابهة " للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد " إنها تسبحة البسخة التى نرددها بلا كلل طوال أسبوع الآلام تمجيدا للمصلوب .
ولا يكتفى سكان السماء بالترنيم ، لكنهم يقرنونه بسجدات متواترة صارت سمة لكنيستنا التى لا تكف عن السجود فى صلواتها العامة ، أو فى الصلوات الفردية المقرونة بالميطانيات .
الأصحاح السادس
أولا : الفرس الأبيض : " فنظرت وإذا فرس أبيض ، والجالس عليه معه قوس ، وقد أعطى إكليلا ، وخرج غالبا ولكى يغلب " رؤيا 6 : 1 ، 2
يرمز إلى العصر الرسولى ، الذى خرج فيه الرب غالبا ، ولكى يغلب فلقد قهر الموت ، وفتح الفردوس ودخل القلوب ، وغزا الأمبراطورية الوثنية بنور الحب الإلهى فانهارت ساجدة عند قدميه .. لهذا فالفرس أبيض ، رمز السلام والنقاوة فالمسيحية لم تستخدم القوة الجسدية فى تبشيرها أما القوس فهو رمز الجهاد بالكلمة وتوجيهها هنا وهناك لتسبى النفوس ، ونجاح المسيحية فى الأنتشار ، أما الغلبة المستمرة فهى تأكيد من الرب ، أن النور سوف ينتصر دائما على فلول الظلمة .
الفرس الأحمر : ( رؤيا 6 : 3 ، 4 )
" ....... فخرج فرس آخر أحمر ، والجالس عليه أعطى أن ينزع السلام من الأرض ، وأن يقتل بعضهم بعضا ، وأعطى سيفا عظيما " .
إن انتشار المسيحية وانتصارها لم يكن بلا ثمن لأن عصر الشهداء قد حمل إلى المجد ألوفا وربوات ، لهذا فالفرس هنا أحمر رمز الدماء القانية التى سالت فى كل البقاع شهادة حب للمسيح ، أما الجالس على الفرس هذه المرة فهو عدو الخير الذى أراد أن يفنى المسيحية فأفنته .. والذى تصور أن سيفه العظيم سيخيف المؤمنين ولكنهم ما خافوه حتى الأطفال منهم .
الفرس الأسود : ( رؤيا 6 : 5 ، 6 )
" ........ فنظرت وإذا فرس أسود ، والجالس عليه معه ميزان فى يده ، وسمعت صوتا فى وسط الأربعة الحيوانات قائلا : " ثمنية قمح بدينار ، وثلاث ثمانى شعير بدينار ، وأما الزيت والخمر فلا تضرهما " .
انتهى الأضطهاد الخارجى وجاء الأضطهاد الداخلى جاء عصر البدع والهرطقات عصر الظلمة ( الفرس الأسود ) والغريب أن الجالس عليه معه ميزان فى يده ( أى أنه يدعى العدل والحق وهما منه براء ) إنه المبتدع آريوس أو نسطور أو مقدونيوس أو أوطاخى وكلهم كانوا من علماء الدين ، لكن مع كبرياء مرة أهلكتهم جميعا .
وهكذا صارت " ثمنية القمح بدينار " أى قدح القمح صار غاليا ، وثلث ثمانى الشعير بدينار ، أى كل ما للأكل أضحى عزيزا غاليا ..... كانت كلمة الله عزيزة ، وكاد الضلال أن يشيع فى وسط الكنيسة ... لكن شكرا لله : " أما الزيت والخمر فلا تضرهما " الزيت رمز النعمة والخمر رمز الروح القدس أى أن التعليم الإلهى السليم ، تعليم نعمة المسيح وعمل الروح القدس لن يصاب بأذى " فالله ساهر فى كلمته وهو يجريها " .
الفرس الأخضر : ( رؤيا 6 : 7 ، 8 )
" ولما فتح الختم الرابع ، سمعت صوت الحيوان الرابع قائلا : " هلم وانظر " ! فنظرت وإذا فرس أخضر ، والجالس عليه أسمه الموت ، والهاوية تتبعه ، وأعطيا سلطانا على ربع الأرض أن يقتلا بالسيف والجوع والموت وبوحوش الأرض " .
هذا الفرس يرمز إلى بدعة خطيرة تخمل اللون الأخضر ، والعلم الأخضر ، علامة الحياة بينما هى فى الواقع تحمل الموت لكل تابعيها ، أتباع هذه البدعة يتظاهرون بالتدين بينما هم ينكرون قوة الأيمان ، لذلك فالجالس عليه أسمه الموت والهاوية تتبعه لتبتلع كل أتباعه ومع أن هذه البدعة ستنتشر فى مساحة واسعة ( ربع الأرض )
ومع أنها ستستخدم السيف ( الحرب والجوع ) أى الظلمة الروحية ( والموت أو الأضطهاد ) ووحوش الأرض أى ( الأسلوب الوحشى القاسى ) ، بل أن الوحوش فى تعاملها مع بعضها تكون أكثر رأفة من قساوة هؤلاء ، إلا أن هذا لن يلغى نصرة الحق الإلهى .
الختم الخامس : نفوس الشهداء تحت المذبح ( رؤيا 6 : 9 – 11 ) .
" ولما فتح الختم الخامس ، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ، ومن أجل الشهادة التى كانت عندهم ، وصرخوا بصوت عظيم قائلين " حتى متى أيها السيد القدوس والحق ، لا تقضى وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض ؟ " فأعطوا كل واحد ثيابا بيضاء ، وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم ، وإخوتهم أيضا ، العتيدون أن يقتلوا مثلهم " .
هنا عصر أنين السماء من أجل حالة الأرض ، الشهداء يئنون من أجل الأضطهاد القائم فى الأرض ويطلبون سرعة إدانة الظالمين القساة ، لكن الرب يأمر بإعطائهم ثيابا بيضاء رمز الراحة والنقاوة ، ويقول لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم فى الشهادة ، وهنا نلاحظ :
1- أن الأرواح البارة فى الفردوس يمكن أن تقلق وتحتاج إلى راحة وتعزية ، لهذا نصلى نحن من أجل المنتقلين لأن مستوى راحتهم يتغير فى الفردوس .
2- ألم يكونوا فى ثياب بيضاء ... فما هذه ؟ إنها تأكيد لحاجتهم إلى مساندة سكان السماء فى توسلاتهم وتعزياتهم .. إنها الشركة !!
3- هناك استشهاد وشهداء زمانا يسيرا بسبب استحسان الله حتى يكمل عدد صاحبى هذه الأكاليل المباركة .
الختم السادس : الزلزلة العظيمة ( رؤيا 6 : 12 – 17 ) .
" ونظرت لما فتح الختم السادس ، وإذا زلزلة عظيمة حدثت ، والشمس صارت سوداء كمسح من شعر ، والقمر صار كالدم ، ونجوم السماء سقطت إلى الأرض كما تطرح شجرة التين سقاطها إذا هزتها ريح عظيمة ، ............. " .
وفيه نرى زلزلة عظيمة أى أن كل معطيات العالم قد اهتزت حتى النخاع والشمس صارت " سوداء كمسح " أى لا نور ولا تعليم حسن ، والقمر صار كالدم أى أن هناك اختناق روحى عام ، والنجوم تساقطت أى القادة سقطوا ، والسماء انفلقت أى انفصلت عنا ، والجبال والجزر تزحزحت ، أى أن عظماء الأرض تهالكوا والكل يطلب من الصخور أن تسقط عليه ومن الجبال أن تغطيه من وجه الجالس على العرش ، هذه أحداث الأيام الأخيرة : ارتداد روحى وانحلال للخليقة المنظورة ، وصراخ غير المستعدين لمجىء الرب ... لقد جاء يوم غضب الخروف ومن يستطيع الوقوف ؟ إن زمان الرحمة قد انتهى ، وبدأ زمان العدل أو بالأحرى أن فرصة قبول التوبة قد انتهت ، لأن العدل كان يأخذ حقه من دم المسيح المسفوك ، أما الآن فقد انتهى زمان التوبة وعلى كل نفس أن تواجه مصيرها المحتوم .
نصرة السمائيين
أولا : كنيسة العهد القديم ( رؤيا 7 : 1 – 8 )
يرى يوحنا الرائى ملاكا قادما من المشرق ، ومعه ختم الله الحى ( من شمس البر ) ونادى على الملائكة الأربعة الذين أمروا أن يفسدوا الأرض والبحر والنبات بألا يفعلوا ذلك قبل أن يتم ختم عبيد الله على جباههم ، والختم رمز الملكية ، والجبهة رمز الفكر والأرادة . وسمع يوحنا عدد المختومين أنهم 144000 يذكر الكتاب فيها بعد أنهم بتوليون لم يتنجسوا مع النساء ، ولا شك أنهم لا يشيرون إلى بتولية الجسد ، فنحن لا نعتبر الزواج نجاسة بل نعتبره سرا كنسيا فيه نشترك مع الخالق فى خلقه ، ونتحد إلى واحد بروحه ، ونسلك طريق خلاصنا الذى اختاره الله لغالبيتنا .
ولا شك أيضا أنهم ليسوا اطفال بيت لحم ، فهذا مجرد اجتهاد ، فمن غير المعقول أن تحوى قرية صغيرة كبيت لحم هذا العدد الضخم من الأطفال تحت سنتين .
إنهم رمز للبتولية القلبية ، وعدم التدنس بالعالم والفساد المستشرى فيه ، ورقم 12 رمز العبادة المنظمة ، ورقم 1000 رمز الكثرة أى أنه رقم رمزى يشير إلى كل المفديين ، كالمختومين على جباههم ، أى المتمتعين بعمل الروح القدس ( أف 1 : 13 ، 4 : 30 ، 2 كو 1 : 22 ) ، ونلاحظ أنه اختار الأسباط التالية :
" يهوذا – رأوبين – جاد – أشير – نفتالى – منسى – شمعون – لاوى – يساكر – زبولون – يوسف – بنيامين " .
وهنا نورد هذه الملاحظات :
1- أورد يهوذا قبل رأوبين لأن منه جاء المسيح ، حسب الجسد .
2- حذف اسم دان لأنهم عبدوا الأوثان ( قض 18 : 20 ) .
3- ولكى يكمل رقم 12 رمز العبادة المنتظمة يورد أسم منسى رغم أنه جاء ضمن يوسف ، لكن كلمة يوسف معناها " يزيد " أى أنه يستحق أن يكون أكثر من سبط .
ثانيا : كنيسة العهد الجديد : ( رؤيا 7 : 9 – 17 )
ثم رأى يوحنا جمعا كثيرا لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة ..
إنها كنيسة العهد الجديد حيث فيض النعمة وعطية البر تخلص كل العالم من كل جنس وشعب ، وليست كعطية العهد القديم المحددة برقم وجنس معين ، وطبعا لم يستطع يوحنا ولا غيره أن يحصى العدد ، لكن الله حتما يعرفه بالتحديد : " لا تخف لأنى فديتك ، دعوتك بأسمك أنت لى " ( أش 43 : 1 ) .
سمات المنتصرون :
1- واقفون : رمز النصرة والثبات .
2- أمام العرش : رمز المجد والتواجد فى حضرة الله .
3- متسربلين بثياب بيض : رمز النقاوة والوقار .
4- فى أيديهم سعف النخل : رمز النصرة والسلام والفرح .
5- يصرخون بصوت عظيم : رمز الترنيم البهيج وتسبيح الله " الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف " .
وهنا استجاب سكان السماء لترنيم البشر الظافرين ، فسبحوا معهم للجالس على العرش فى سجود خاشع فى البركة والمجد والحكمة والشكر والكرامة والقدرة ( فى العقل ) والقوة ( الثابتة ) لإلهنا إلى أبد الأبدين آمين .
" هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض ، من هم ؟ ومن أين أتوا ؟
فأجابه يوحنا باتضاع ولهفة : " ياسيد أنت تعلم " فقال له : " هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة " ( الأرض وما فيها من لعنة وتعب واضطهاد وطحن ) وقد غسلوا ثيابهم وبيضوها ( بتكرار واهتمام ) فى دم المسيح الفادى . وهم لذلك أمام عرش الله يخدمونه نهارا وليلا ، أى باستمرار حيث لا ليل هناك ، والرب يحل فوقهم ( أى يظلل عليهم بحنانه ومجده ) يشبعهم ( فقد استراحوا إلى الأبد من الجوع إلى المطلق الذى يقض مضجع الجنس البشرى فلا يشبعه سوى الله ) ، ويحميهم من شمس التجارب وحرها ، ويرعاهم ويرويهم من ماء الحياة الأبدية ، ويمسح دموعهم فى تعزية سماوية تنسيهم كل أوجاع الأرض .
+ + +
رؤيا الأبواق السبعة : فكرة عامة
وهى تعبر عن صورة أخرى من صور الصراع بين الكنيسة وقوى الشر فى العالم أثناء رحلتها من الأرض إلى السماء . وفى الواقع نجد أن هناك أكثر من قوة صارعت ضد المسيحية منذ نشأتها : اليهودية ثم الوثنية ثم الهرطقات ثم اتحاد الدين والسياسة ثم البذخ المادى ثم ديانات فلسفات ضد المسيحية كالشيوعية والوجودية والعبث .
هذه كلها صراعات مستمرة ، كانت تخرج المسيحية منتصرة بقوة المسيح .
وهنا فى رؤيا الأبواق نجد أن الختم السابع قادنا إلى سكوت فى السماء ، ثم ملاك يبخر ، ثم أبواق سبعة مما يؤكد أن هذه الرؤى تتوالى وتتوازى معا فهى تصف رحلة الكنيسة من الأرض إلى السماء ، لهذا تتداخل ( الختم السابع يقود إلى الأبواق السبعة ) ، وتتوالى متتابعة لتعبر عن أدوار الصراع المختلفة .
أما الأبواق فتحمل إلينا رسالة " الأنذارات " التى يقدمها الله للبشر لكى يتوبوا عن شرورهم ، فالبوق الأول : برد ونار ، والثانى : جبل يسقط فى البحر فيحيله دما ، والثالث : كوكب يسقط على الأنهار فتصير مرة ، والرابع : يضرب الشمس والقمر والنجوم حتى الثلث . والخامس : كوكب يسقط من السماء ويفتح بئر الهاوية فيخرج منها جراد غريب يؤذى الناس ، والسادس : حرب ضروس يهلك فيها كثيرون .
وفى الأصحاح العاشر نرى ملاكا فى يده سفر صغير ، ثم رعودا تتكلم ، ولكن الرسول لا يسجل حديثها ، وأخيرا يأكل الرسول السفر فيجده حلوا فى فمه ومرا فى جوفه .
وفى الأصحاح الحادى عشر يتم قياس هيكل الله ويتنبأ الشاهدان الأمينان ، ولكن الوحش يقتلهما ، ثم يقيمهما الله من جديد ، وتحدث زلزلة مرعبة ومهلكة .
وأخيرا يبوق الملاك السابع : قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه وتنتصر المسيحية بقوة المسيح له المجد .
الأصحاح الثامن : الأبواق الأربعة الأولى
البوق الأول : برد ونار ودم ( 8 : 6، 7 )
" البرد والنار " إعلانان للغضب الإلهى كما حدث مع المصريين قبل خروج بنى إسرائيل ( خروج 9 : 24 ) .
" والدم " رمز النقمة من الأشرار .
وفى يوئيل ( 2 : 20 ) نجد العناصر الثلاثة معا فى اليوم الأخير ، إعلانا عن غضب السماء : " الدم والنار وأعمدة الدخان " .
ونلاحظ أن الأشجار لم يحش سوى ثلثها ، علامة أن يد الله تضرب فى رحمة ولا تهلك كل شىء بل تعطى فرصة للتوبة . كما أن احتراق النباتات دليل نقص الغذاء والجوع ، والبعض يرى أن الأشجار تشير إلى المؤمنين وأن ثلثهم يرتد أما العشب الأخضر فيشير إلى المسيحيين الأسميين وهم يهلكون .
البوق الثانى : " جبل ملقى فى البحر " ( 8 : 8 ، 9 )
وفيه نجد أن جبلا عظيما متقدا بالنار قد ألقى إلى البحر فصار ثلث البحر دما .. ومات ثلث الخلائق التى فى البحر وأهلك ثلث السفن .
وهذه كناية عن قائد حربى يثير حربا فى بحر هذا العالم ذى المياة المالحة فتشتبك دول كثيرة ( ثلث البحر يصير دما ) ويموت ثلث الخلائق ( أى تكون هناك ضحايا كثيرة فى الأرواح ) ويهلك ثلث السفن ( أى يصعب الأتصال بين البلاد وتقل التجارة ويتعب الناس ) .
إن التأمل فيما فعله النازى فى الحرب العالمية ، وما حدث من تداعيات وحروب ودمار يجعلنا نحس أن الحرب هى إنذار من الله لكى نتوب ، يثيرها بشر أشرار ، لكن الله يخرج منها بركة روحية لأولاده إذ يتوبون ويستعدون للحياة الأبدية .
البوق الثالث : " كوكب يسقط فى الأنهار " ( 8 : 10 – 11 )
هنا تتغير الصورة ، فالكوكب ساقط من السماء ، وهو لا يسقط على البحر بل على الأنهار .
الكوكب الساقط من السماء رمز إلى سقوط الهراطقة ، وهم من أكثر قادة الكنيسة علما ولكن الكبرياء أسقطتهم كما أسقطت الشيطان من قبلهم .
والأنهار هى الكنيسة ، مياهها عذبة بعكس مياة البحر المالحة .
واسم الكوكب " الأفسنتين " وهو نبات غاية فى المرارة تضر وإن كانت لا تقتل . ولا شك أن هذا الكوكب الساقط سيحدث مرارة فى العالم وفى الكنيسة وسيجعل الكثيرين ينحرفون عن التعليم الصحيح . إن الطائفية التى نعانى منها الآن ، هى بالحقيقة سبب مرارة نرجو أن تزول .
البوق الرابع : " ضرب ثلث الشمس والقمر والنجوم " ( 8 : 12 ، 13 ) .
إن سقوط هذه الكواكب السمائية ، أى انحراف رجال الدين فكريا أو روحيا يجعل الظلمة تسود ، سواء من جهة الفكر والعقيدة أو السلوك اليومى ، لهذا كم يجب أن نتحفظ فى سلوكنا وتعليمنا كأولاد للمسيح ، وكأبناء للكنيسة حتى لا يخبو النور وتزداد العثرة ويتماحك الخطاة ؟ ! ويختتم هذا البوق ملاك يطير فجأة فى وسط السماء بصورة مرعبة ويصرخ قائلا : ويل ويل ويل للساكنين على الأرض من أجل بقية أصوات أبواق الثلاثة ملائكة المزمعين أن يبوقوا ، وهذا بعنى أن الأبواق الباقية رهيبة ، يجب أن ننتبه إليها ونعرف مكنوناتها .
الأصحاح التاسع ( البوقان الخامس والسادس )
البوق الخامس : الكوكب النازل والهاوية والجراد( 9 : 1-12 )
وفيه نرى ملاكا ساقطا ( أى نازلا ) من السماء ومعه مفتاح بئر الهاوية هو إذن ملاك لا شيطان ، فالشيطان محبوس فى الهاوية ، وذاك قادم من السماء ومعه المفتاح والهاوية مفتاحها فى يد المسيح " لى مفاتيح الهاوية والموت " ( 1 : 18 ) وهى فى تصور انسان العهد القديم حفرة بلا قرار ، فيها أعداء الرب ( عا 9 : 3 ، أش 51 : 9 ، مز 74 : 13 ) ، كسجن ( أش 24 : 21 ، 22 ) ، وقد عبر عنها أحد كتاب اليهود أنها سجن الملائكة الأشرار ، وبالطبع كلها تعبيرات معنوية لا حسية .
وفتح الملاك " بئر الهاوية " إشارة إلى فك الشيطان من سجنه بسماح من الله فى الأيام الأخيرة ، فصعد " دخان كثير " حتى أن الشمس أظلمت إذ حجب نورها وهذه إشارة إلى البدع والضلالات التى سيطلقها الشيطان فى الأيام الأخيرة حتى أن نور الكلمة يحجب عن كثيرين .
ومن الدخان خرج جراد كثير فى جيوش زاحفة ، رمزا للأرواح النجسة والأفكار والمبادىء المضلة التى ستملأ الأرض فى تلك الأيام ، ولذلك فهذا الجراد لن يضر المختومين على جباههم ( العامل فيهم ختم الميرون وقوة الروح القدس ) سواء كانوا مبتدئين ( عشب الأرض ) أو متوسطين ( نبات أخضر ) أو متقدمين ( أشجار ) .. الضرر سيكون بالناس الأشرار البعيدين عن عمل النعمة .
وسيقف الضرر اللاحق بهم عند حد التعذيب لا الموت .. ولعل ما تعانيه البشرية الآن من عذابات كثيرة كالحروب والقلاقل ونقص الغذاء والأنفجار السكانى وانتشار الالحاد والبدع والأنحلال الخلقى والخوف والقلق والملل .. كل هذا يجعل الحياة قطعة من العذاب بالنسبة لمن لم يختبروا المسيح ، ولهذا فهم يروا أن هذا الوجود " لا فائدة منه " وأن هذه الحياة لا تستحق سوى الأنتحار ( سارتر والبير كامى ) .
ويشكل الجراد شبه خيل مهيأة للحرب إشارة إلى الحروب التى سيشنها عدو الخير على البشر سواء حسية أو فكرية أو اقتصادية .ز إنها الخيل المتوثب القوى الذى يفتك بكل ما يقع تحت رجليه .
" وعلى رؤوسها أكاليل ذهب " .. أى أنها تخدع الناس بإغراءاتها وتوهمهم بالنصرة ( الأكاليل ) وبالغنى ( الذهب ) ولكن شكرا لله إنها " شبه " ذهب .
" ووجوهها كوجوه الناس " أى أن الشيطان يستخدم الأنسان فى إيذاء أخيه فى البشرية .
" لها شعر كالنساء وأسنانها كالأسود " أى أن هذه الحروب الشيطانية ستعطى انطباع الحنان والعطف على الأنسان بينما هى فى الواقع مفترسة كالأسد " لها دروع من حديد ، وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرة تجرى إلى قتال " الحديد رمز الصلابة ، لأن الشيطان صلب المراس فى قتاله ، وصوت الأجنحة المرعب رمز الرهبة والخوف .
" لها أذناب شبه العقارب " أى تسكب الألم وسموم الموت فى الأنسان .
" وسلطانها خمسة أشهر " رمز ال 150 يوما التى كانت للطوفان ، إنها عقاب مؤقت يعقبه حنان إلهى !
" ملكها أبدون .. أبوليون " هو ملاك الهاوية ، أى رئيس هذه الطغمة : الشيطان وابدون = الهلاك ، ابوليون = المهلك ( انظر حاشية الكتاب المقدس ) ، الكلمة الأولى عبرانية أما الثانية فيونانية .
البوق السادس : " ملائكة الفرات والحرب الرهيبة " ( 9 : 13 – 21 )
ثم جاء البوق السادس ، والويل الثانى ، وفيه نرى مذبح الذهب الذى أمام الله ، وهو مذبح البخور ، وقرون المذبح علامة القوة حتى أن الناس كانوا يتمسكون بها لجوءا إليها من الخطر المحدق ، وهى أربعة قرون رمز هيمنة الله على أربعة أنحاء المسكونة .
جاء الصوت من أربعة قرون المذبح ، أى من الله كلى القدرة ، أن يفك الملاك السادس الأربعة ملائكة المقيدين عند الفرات ، وذلك لأنهم كانوا فى هذا الوضع إلى وقت محدد من الله يهلك فيه ثلث الناس لعل الباقى يتوب ، ولكن لماذا الفرات ؟ إنه تذكرا لبابل المهلكة التى سبت بنى إسرائيل إليها فى ذل وعار ...
ولماذا يهلك الثلث ؟ لأنهم يرفضون التوبة رغم إنذارات الأبواق الخمسة الماضية ، إنها محاولات من الله لتحريك ضمائر البشر للتوبة وهذا أفضل لهم ، ولكن ... الأنسان كثيرا ما يتمسك بفكره المنحرف ويرفض يوم خلاصه !!
" وعدد الجيوش 200 مليون " : وهو رقم ضخم إما لأنه يشير إلى حرب روحية ، وأجناد شيطانية ، أو أنه يشير إلى حرب عالمية تضم دولا كثيرة .
لقد انخرط الناس فى خطايا كثيرة وخطيرة عبر عنها الرائى فى الآية 21 القتل ( المادى والمعنوى ) والسحر ( الذين يلجأون للشيطان دون الله ) والزنا ( بكل أنواعه الحسية والمادية والفكرية ) والسرقة ( التى يتصور فيها الأنسان أن الله لا يراه ) ... لهذا كثرت الحروب وزادت روح العداوة وانهمك الكل فى صراعات دموية وغير دموية بسماح من الله ، لعل البشرية تفيق من غفلتها وتتعرف على احتياجاتها العميقة فتتوب ، ولكن الفرصة قد فاتتهم .. وها هم يرفضون التوبة .
" والفرسان دروعهم نارية وأسمانجونية وكبريتية " وكلها تعطى إيحاء بالعنف والقسوة والدموية
" ورؤوس الخيل كالأسود " فى شراستها وافتراسها ، ومن أفواهها يخرج نار ودخان وكبريت ، نفس الأحساس بالعنف والهلاك المحرق .
" أذنابها شبه الحيات " أى تستخدم أساليب ملتوية فتدعى العلم والثقافة والفلسفة بينما هى ضلالات وجهالات مهلكة .
" وأما بقية الناس الذين لم يقتلوا بهذه الضربات .. فلم يتوبوا " إنه العناد الأنسانى حين يرفض صوت الروح القدس والأنذارات الإلهية التى تكررت فى الأبواق المختلفة .
البوق الأول : إنذار بالجوع ، والثانى : بالموت ، والثالث : بالضلال ، والرابع : بالأرتداد ، والخامس : بالغواية الشيطانية ، والسادس : بالحروب المادية والمعنوية المدمرة ، .. لكن البقية لا تتوب .. فهى لا تعبد الله بل الشيطان ، وهى تسجد لأصنام من ذهب وفضة ونحاس وحجر وخشب ، .. أى تتعبد للمادة كالشيوعية أو للذات الأنسانية كالوجودية .. إنه الإلحاد المعاصر .
الأصحاح العاشر
الرعود والسفر الصغير
فى هذا الأصحاح تتوقف الأحداث عند البوق السادس ، ونرى " ملاكا آخر قويا " وكلمة ملاك معناها رسول ، فالملائكة رسل من الله لتنفيذ مشيئاته المقدسة ومقاصده الإلهية ، ومع أن هذا الملاك قوى إلا أنه متسربل بسحابة ، والسحابة دائما رمز التسامى ، ، كما أن هذا الملاك " على رأس قوس قزح " ومعروف أنه رمز الميثاق بين الله والناس بعد الطوفان ، إذن فهى ملاك المقاصد الإلهية التى ستتم حتما ( قوى ) ، وفيها كل الخير ( سحابة ) وفيها فيض الرحمة ( قوس قزح ) ، ووجه هذا الملاك " كالشمس " فهو يحيا فى حضرة القدير وعليه ينعكس نوره الإلهى .
ورجلاه " كعمودى نار " علامة الثبات ونفاذ الأرادة وطهارة المسلك ، " ومعه فى يده سفر صغير مفتوح " هذا يختلف تماما عن ذاك السفر العتيد الذى اهتزت له السماء والأرض ، والذى كان عن يمين الجالس على العرش ، والذى كان مختوما باحكام والذى لم يجرؤ أحد من الكائنات أن يفتحه ولا حتى أن ينظر إليه ، هذا " السفر الصغير " هو رسالة ، وهو فى يد الملاك وهو " مفتوح " .
ماذا فعل الملاك ؟
" وضع رجله اليمنى على البحر واليسرى على الأرض ، والكل تحت موطىء قدميه ، وهو ينادى بصوت عظيم لتلتفت الأرض كلها إلى مقاصد الله العظيم " .
الرعود السبعة ؟
وعندئذ : " تكلمت الرعود السبعة بأصواتها " وفهم يوحنا كل ما قالته ، وأراد أن يسجل كلماتها ، لكنه سمع صوتا من السماء يقول : " اختم على ما تكلمت به الرعود السبعة ولا تكتبه " وهنا توقف يوحنا عن الكتابة وكتم السر لنفسه حسب أمر الله ، فهناك أمور كثيرة غامضة ، وجوابها عند الله ، أحيانا يكشف الرب لأولاده الأخصاء الأسرار وينهاهم عن البوح بها ، الطاعة هنا واجبة واختفاء بعض مقاصد الله وتدبيراته فى الكون أمر مفروغ منه لأن الكتاب يقول : " السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا " ( تث 29 : 29 ) " يالعمق غنى الله وحكمته وعلمه ، ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الأستقصاء " ( رو 11 : 23 ) .
لذلك فلا ينبغى أن نتوهم إمكانية أن نسير غور المقاصد الإلهية إلا فى الحدود التى أعلنت لنا من خلال الوحى ، ويكفينا أن نثق أن الله محب وعادل معا ، ولن تنقص محبته فى لحظة واحدة ، ولن يتخلى عنا لحظة واحدة .. أما كيف ؟ فهذا سر !!
وما أكثر الأسرار فى الكون ، فإن كنا حتى الآن لم نستطع أن نستوعب العمليات الكيميائية التى تحدث فى الخلية الصغيرة ، وإن كنا حتى الآن لم ندرك سر الحياة وكيف نشأت ؟ فكم بالحرى الأسرار التى رأى الله أن يخفيها عنا لخيرنا ؟ إنه الإله القادر والأب الحنون فى نفس الوقت ، فلهذا نسلم حياتنا له " ولا نرتأى فوق ما ينبغى " .
الملاك يقسم بالله :
ورفع الملاك يده إلى السماء " وأقسم بالحى إلى الأبد الآبدين " ... كيف ذلك أن الأمر فى يد الله ، وحين يأمره الله بأن يقسم به فقد أخذ السماح ويجب أن ينفذ .
" لا يكون زمان بعد " ... هنا النهاية فقد أوشكت صورة الصراع هذه أن تنتهى وسوف تنتهى بنصرة الكنيسة .
" ومع البوق السابع يتم أيضا سر الله كما بشر عبيده الأنبياء " ... هذا تأكيد أن البوق السابع سينهى الصراع لصالح الكنيسة ، تحقيقا لوعد الرب .
السفر الصغير :
وإذا بالصوت الذى نهاه عن تسجيل كلمات الرعود السبعة يقول ليوحنا : " اذهب خذ السفر الصغير المفتوح فى يد الملاك الواقف على البحر وعلى الأرض " ، فذهب يوحنا فى طاعة جميلة وأخذ السفر من يد الملاك الذى قال له : " خذه كله ، فسيجعل جوفك مرا ، ولكنه فى فمك يكون حلوا كالعسل " ... ما أجمل صدق الله ! انه ينبه إلى المرارة التى سيحسها فى باطنه قبل أن يغريه بالحلاوة التى سيحسها أولا فى فمه انه خادم رب الجنود الذى لم يخدعنا بل قال : " فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " ( يو 16 : 33 ) .
وبالفعل أخذ يوحنا السفر وأكله فكان فى فمه حلوا كالعسل ، وفى جوفه مرا ، انه طريق المسيح الذى تختلط فيه حلاوة الشركة معه مع الآم الصليب الذى نحمله خلفه ، وهى مقاصد الله التى تشبه بضع الجراح فيها الألم والحلاوة ، الألم للبنيان والحلاوة للتشجيع .
وقال له الملاك : " يجب أن تتنبأ أيضا على شعوب وأمم وألسنة وملوك كثيرين " أى انك ستكرز وتعلن للناس كلامى ، وهذه مهمة مؤلمة فيها يكسب الأنسان رضى الله ، وغضب الكثيرين .
الأصحاح الحادى عشر
الشاهد والبوق السابع
هذا اصحاح اختلف فيه الشراح كثيرا ، وسبب الأختلاف هو محاولة الحسم وهذا مستحيل !! إن النبوات فيها غموض إلهى خاص ، وكثير منها يكون له تحقيقان أحدهما قريب والآخر بعيد كنبوة " من مصر دعوت ابنى " ( هو 11 : 1 ) ، ( مت 2 : 15 ) ، التى تنطبق على خروج بنى اسرائيل من أرض مصر ، وعلى عودة الرب من مصر إلى أرض فلسطين ، لهذا فالحسم فى هذا الموضوع غير جائز ، نحن فى الأيام الأخيرة حتما لأننا بين البوقين السادس والسابع ، فماذا هناك ؟
قياس الهيكل
أعطيت ليوحنا قصبة ، وقال له الملاك : " قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه أما الدار فاطرحها لأن الأمم سيدوسون المدينة المقدسة 42 شهرا " ..
ما معنى القياس هنا ؟ معناه الحيازة أو الأمتلاك أو القبول ، فهو سيقيس الهيكل والمذبح والساجدين فيه ، أى أنه سيحدد من هم المقبولين لدى الله أبناء الكنيسة .
أما الدار الخارجية وكانت تسمى " دار الأمم" فقال له " اطرحها " إشارة إلى أن الأمم ستدوس المدينة المقدسة ( ولم يحدد أنها أورشليم ، لذلك يمكن أن تكون رمزا للكنيسة أيام الدجال 42 شهرا ، هذا الدرس معناه النصرة المؤقتة فى الصراع بين الكنيسة والشر ، ورقم 42 شهرا = ثلاثة ونصف سنة أى نصف رقم 7 عدد الكمال ، إذن فهو يرمز إلى ( موضع الناقص أو المؤقت ) هى إذن نصرة مؤقتة آخر الأيام من الشر على الكنيسة .
وهنا يظهر " شاهدان يتنبآن " .... ومدة نبوتهما 260 يوما = 42 شهرا = 5 و 3 سنة = الوضع المؤقت ....
ما سمات الشاهدين ؟
" يلبسان المسوح " رمز الأنسحاق والدعوة للتوبة وهما " زيتونتان " رمز السلام والحياة " ومنارتان " رمز الحكمة وارشاد التابعين ، وهما " قائمتان أمام الرب " رمز المركز السامى وإشارة إلى مصدر إرسالهما . وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما تخرج نار من فمهما وتأكل أعداءهما : نار الكلمة والأحكام الإلهية .. بل " لا بد أن يقتل " أى أن يهلك نتيجة عدم طاعة الرب " وهما يغلقان السماء ، ويحولان المياة إلى دم ويضربا الأرض بكل ضربة " علامة السلطان الواسع الممنوح لهما من الله فى السماء والأرض والبحر .
من هما الشاهدان ؟
تختلف الآراء ، فهناك من يقول هما موسى وإيليا ؟ ( لأن موسى هو الذى حول البحر إلى دم ، وإيليا هو الذى أغلق السماء وأحرق الجنود ) ، وهناك من يقول بل هما أخنوخ وايليا لأنهما صعدا أحياء ، وسيعودا للشهادة والأستشهاد ، وهناك من يرى أنهما رمز للكارزين " أثنان خير من واحد " ( جا 4 : 9 ) أى أنه ستكون هناك كرازة فى آخر الأيام .
موتهما وقيامتهما :
يصنع الوحش الصاعد من الهاوية فى البوق الخامس حربا مع هذين الشاهدين ويقتلهما بسماح من الله ، ويتصور أنه انتصر عليهما نهائيا ، فيطرح جثتاهما على شارع المدينة العظيمة " التى تدعو روحيا سدوم ومصر حيث صلب ربنا " ... وواضح أن الكلام هنا شفرى والمدينة العظيمة هنا هى كلمة " مملكة الشر فى العالم " سواء كانت قلعة الوثنية أو اليهودية أو الألحاد ..... الخ .
وقد اشار إليها بسدوم حيث الشر والدينونة الإلهية ، وبمصر حيث استعبد بنو إسرائيل لدى فرعون ، واعتبر هذا كله بمثابة صلب للمسيح " لأنه فى كل ضيقهم تضايق ، وملاك حضرته خلصهم " ( أش 63 : 9 ) .
ويشمت سكان الأرض والأشرار ، ويرسلون الهدايا لبعضهم البعض لأن الشاهدان كانا قد عذباهم بكلمات التوبيخ الإلهى .
حتى متى بقيت الجثتان فى العراء ؟! ثلاثة أيام ونصف .. نفس الرقم الذى يشير إلى النقصان " والوضع المؤقت " ... إن هزيمة الحق هى هزيمة مؤقتة تأتى بعدها النصرة الأكيدة ، بل هى هزيمة لهدف سام فى مقاصد الله .
وبعد هذه الفترة المؤقتة التى سيعود فيها الشيطان بعد أن يحل من سجنه ، يدخل روح حياة فى الشاهدين ، فيقفا على أرجلهما ، ويقع خوف عظيم على كل الناظرين ثم يسمع الكل صوتا عظيما من السماء يقول لهما : " اصعدا إلى ههنا " ... فصعدا إلى السماء فى السحابة والكل يبصرون المشهد المجيد المخيف .
ومع هذا المشهد تحدث زلزلة رهيبة تهدم عشر المدينة التى رفضت أن تعطى ربنا حقه فى العشور ، ومات سبعة الآف نفس ، عكس السبعة الآف ركبة التى لم تنحن لبعل أيام إيليا ... ( وينقلب الوضع ) وهلك الأشرار ، وتزكى الأبرار ! ! .
وهكذا صار الباقون فى رعب عظيم ومجدوا إله السماء .
البوق السابع : الكنيسة فى المجد ( 11 : 15 – 19 )
هذا رجاء الكنيسة التى نجاهد على أساسه ، فمع أن الصراع شديد لكن النصر أكيد ، وها هى ممالك العالم تصير للرب ولمسيحه ، فيملك إلى الأبد ، وها الأربعة وعشرون قسيسا يسجدون أمام الفادى يشكرونه لأنه " أخذ قدرته وملك " وبدأ يدين الجميع يعطى كل واحد حسب أعماله فيهلك من كانوا يهلكون فى الأرض ويعطى الأجرة السمائية لعبيده الأنبياء والقديسون والخائفين اسمه ضغارا وكبارا .
وأخيرا ينفتح هيكل فى السماء ويظهر تابوت العهد وتحدث بروق وأصوات ورعود وزلزلة وبر عظيم .. أى أن الله الآن ينفذ عهده مع البشرية وينفذ كل ما أرسله إليهم من وعود أو إنذارات على كل انسان أن يتحمل مسئوليته ! .
الأصحاح الثانى عشر
المرأة والتنين
أولا : " المرأة " ( 12 : 1 ، 2 )
امرأة عظيمة متسربلة بالشمس ، والقمر تحت رجليها ، وعلى رأسها اكليل من أثنى عشر كوكبا ، وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد " .....
هناك أكثر من اتجاه لتفسير هذه المرأة :
1- إنها الكنيسة اليهودية القديمة التى ولدت لنا السيد المسيح له المجد وهى مستمرة فى كنيسة العهد الجديد .
2- أو هى العذراء مريم ، لكنه رأى ضعيف ، حيث أن الصراع سيستمر بين المرأة والتنين مدى الأيام .
3- أو هى كنيسة العهد الجديد التى بدأت بالسيدة العذراء وميلادها للمسيح وصراع الشيطان معه ومعها ثم استمرت فى ميلاد الكثيرين من أبناء المسيح والمشابهين لصورته ، والمصارعين للعدو إلى مدى الدهر ، وهذا هو الرأى الأرجح .
" متسربلة بالشمس " شمس البر ، الرب يسوع الذى يضفى مجده على كنيسته ، " والقمر تحت رجليها " ، وهو رمز المادية المظلمة فى ذاتها وتأخذ ضوءها انعكاسا ... وكنيسة المسيح تحتقر أمجاد الأرض ولا ترضى بغير المجد السماوى .
" اثنى عشر كوكبا " هم تلاميذ المسيح الذين أضاءوا جبين الكنيسة ونشروا نورها بين العالمين
" متوجعة لتلد " فليست ولادة البنين الروحيين من جرن المعمودية وسر التوبة والأعتراف إلا مخاض مؤلم يحياه رجال الكنيسة فى طغمات الكهنوت المختلفة .
ثانيا : " التنين " : ( 12 : 3 ، 4 ) .
إنه العدو الشيطان الذى ينتظر ليحطم صورة السيد المسيح فى أولاده الكثيرين والتنين دائما رمز الشر لأنه لا خير فيه وهو " عظيم " رمز جبروته فى الأيذاء ، كما أنه " أحمر " رمز النار والدموية ، فهو قاس لا يعرف الرحمة ، له " سبعة رؤوس ذات تيجان " أى أنه ينشر شروره فى كل مكان ، لأن سبعة هى عدد الكمال ، والرؤوس رمز التفكير والتدبير والنفوذ ، أما " العشرة قرون " فترمز إلى حلقات الأضطهاد العشر التى حاولت بها الوثنية سحق المسيحية دون جدوى ، ولا شك أنها ترمز لكل ما تلاها من قوى متشابهة وذنبه يجر ثلث نجوم السماء ، فطرحها إلى الأرض إشارة إلى الطغمة التابعة للشيطان ، والتى أسقطها معه بكبريائه على الله .
هذا التنين يذكرنا بما جاء فى الكتاب عن الرب :
" أنت شققت البحر بقوتك ، كسرت رؤوس التنانين على المياة " ( مز 74 : 13 ) أو نداء أشعياء للرب : " استيقظى ألبسى قوة يا ذراع الرب .. ألست أنت القاطعة رهب ، الطاعنة التنين " ( أش 51 : 9 ) ، أو قوله : " هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر ، التمساح الكبير " ( خر 29 : 3 ) فى إشارة واضحة لمساندة الرب لشعبه فى القديم أمام استعباد فرعون له .
التنين إذن استعارة واضحة عن الشيطان الذى سيظل يقاوم الكنيسة حتى تسحقه أخيرا بقوة الرب .
رؤيا
الأصحاح الثانى عشر
الصراع بين المرأة والتنين ( 12 : 5 ، 6 )
ولدت المرأة " إبنا ذكرا عتيدا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد " وهذه إشارة واضحة إلى السيد المسيح وفى يده عصا الرعاية والأشفاق والحب ، ولكن فى يده أيضا " عصا حديدية " رمز العدل والقوة والأقتدار .
ونكرر هنا أن الصراع الذى حدث بين التنين هيرودس والعذراء مريم وابنها الحبيب يتكرر الآن وباستمرار بين الشيطان وأبناء الكنيسة .
لكن " الولد" اختطف إلى عرش الله ، إشارة إلى انتهاء الصراع لصالح الكنيسة ، أما المرأة (الكنيسة ) ، فقد هربت إلى " موضع معد " أى إلى مكان أمان وراحة فى حضن الله حتى وهى بعد " فى البرية " أى فى غربة هذا العالم . أما المدة التى ستقضيها المرأة فى البرية فهى 1260 يوما أى تساوى 42 شهرا أى تساوى ثلاث سنوات ونصف أى نصف عدد الكمال ، إشارة إلى " الوضع المؤقت غير الدائم " فالكنيسة ستحيا فى دائرة الصراع هذه ولكن ليس على الدوام ، إنه وضع مؤقت والنصرة ستأتى فى النهاية .
صراع فى السماء ( 12 : 7 – 12 )
هنا نلاحظ أن الخيط قد انقطع ، والحديث عن المرأة قد توقف ، لنتطلع نحو السماء ، ونعرف شيئا عن صراع دار فيها منذ القديم . وكأن الرسول يقول إن الصراع الذى بيننا وبين الشيطان قديم حتى قبل خلقتنا ، وأن الشيطان قاوم الله ، وقاوم الملائكة ، وها هو يحاول اضهاد المرأة ( أى الكنيسة ) إن صراع الشيطان ليس قاصرا إذن – على العالم المادى أو البشرى – بل هو صراع روحى قديم مكانه السماء .
" حدثت حرب فى السماء : ميخائيل وملائكته ، حاربوا التنين وملائكته ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك فى السماء "
قال الشيطان فى قلبه : " أصير مثل العلى " ( أش 14 : 14 ) كانت طهارته ونوره مستمدان من الله ، فتصور إمكانية أن ينير بذاته . الله عصمته ذاتية ، أما الشيطان فإنارته كانت مستمدة من الله قبل السقوط .
لماذا لا تقبل توبة الشيطان ؟
لما حاول الأستقلال عن الله ، ، وارتفع فى قلبه فى استغناء عن القدير ومحاولته للتساوى معه انقطع تيار النور من حياته ، فأصبح مظلما كله . ومن هنا جاءت إستحالة توبته ، إنه مسئول عن سقوطه مسئولية كاملة بعكس الأنسان الذى شارك هو فى إسقاطه ، كما أنه فقد كل الضوء الذى كان يغمر حياته فلم يعد هناك أدنى بصيص يقوده إلى التوبة .
فإذا درسنا رسالة يهوذا سنجد أنموذجا لهذه الصراعات ، كيف كان الشيطان يجاهد مع رئيس الملائكة ميخائيل بخصوص جسد موسى النبى ( محاولا كشفه ليسقط اليهود فى عبادته ) ، اما ميخائيل فرفض الأفصاح عن مكان الجسد ورفض أيضا أن ينتهر الشيطان بقوته الذاتية قائلا : " لينتهرك الرب " ( يهوذا 9 ) .
وقوله : " لم يوجد مكانهم فى السماء " إشارة إلى فقدان الشيطان وطغمته لمكانتهم المقدسة فى الأعالى ، وأصبح دورهم الوحيد هو الشكاية ضد أولاد الله ( أيوب 1 : 9 ) .
هذه أسماء العدو : هو " تنين " لقسوته ، و " حية " لدهائه ، و " ابليس " لشره .. لقد سقط حين أخطأ ، ولكنه استمر يضايق الناس ويضغط عليهم للسقوط فاسقط آدم ثم قايين ثم الجنس البشرى كله ، بل توقح حتى بدأ يضايق الملائكة ورسل السماء لولا مساندة رئيس الملائكة ميخائيل مثلما حدث أيام دانيال النبى ( انظر دا 10 : 13 ) ، وأخيرا قبض على أرواح الأبرار والأشرار فى الجحيم ، هذا كله كان قبل الصليب ، لكن شكرا لله ، لأنه على الصليب حدثت معركة فاصلة ، لما حاول الشيطان أن يتعامل مع نفس المسيح الناسوتية كأى نفس أخرى من أنفس الأبرار ، وحاول أن يقبض عليها فى الجحيم ، ولم يكن يدرى أن لاهوته ما زال متحدا بنفسه الأنسانية فى الجحيم ، كما أنه متحد بجسده فى القبر ، وارتعب العدو ، وشعر أن الرب جاء إليه بنفسه ليسحقه فى عقر داره ، وسحقه بالفعل ، وأخذ الأنفس البارة معه فى الفردوس بسرعة ، وفى نفس اليوم " اليوم تكون معى فى الفردوس " ( لو 23 : 43 ) ، انتهت معركتنا مع الشيطان بهزيمة ساحقة أذاقها له رب المجد ، بقداسته المطلقة أثناء حياته على الأرض ، ثم بموته المحيى الذى أتمه على الصليب .
حقا لقد وعد الرب ، ووعده صادق ، إذ قال قبل الصليب: " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( يو 10 : 18 ) .
والشيطان الآن – حسب كلام الرب – قد سقط وحسب مواعيد الرب مسحوق تحت أقدام القديسين : " وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أقدامكم سريعا " ( رو 16 : 20 ) ، لهذا فخطايا البشر الآن إما جهل بالمسيح الذى ظفر بالعدو ، أو تسليم إرادى للعدو ، إنه يعرض ولا يفرض ، يعرض الخطية أمامنا ، ولكنه لا يفرضها علينا .
أما فى الأيام الأخيرة فنعرف من سفر الرؤيا أن الشيطان سيأخذ فرصة أخيرة من الأنطلاق والحركة ، ويحدث ارتداد وتعب لدى الناس ، ولكن الوضع القائم ( كل من يرتبط بالرب ينتصر عليه ) .
وهكذا اصبح من الممكن الآن أن يخلص الأنسان من مضايقات الشيطان إذ يسمع الصوت الإلهى : " وسمعت صوتا عظيما قائلا فى السماء : " الآن ، صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه ، لأنه قد طرح المشتكى على أخوتنا ، الذى يشتكى عليهم أمام إلهنا نهارا وليلا " .
ولكن كيف غلبوه ؟
" وهم غلبوه بدم الخروف ، وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت " ( 12 : 11 ) .
مقومات النصرة على الشيطان ( 12 )
1- دم المسيح : الذى يغفر باستمرار ، ويطهر من كل خطية ، ويقدس الكيان كله لله ، راجع الآيات التالية : " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عب 9 : 32 ) ، " دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " ( 1 يو 1 : 7 ) .
2- كلمة الشهادة : أى تحديد معالم الشخصية بأن يكون الأنسان مسيحيا قلبا وقالبا ، يحيا للمسيح ويشهد له فى كل مواقف الحياة .
3- الأستعداد للموت : أى التطلع الأبدى الأبقى ، وعدم التعبد للأرض والزمن .
وهكذا رددت السماوات صيحة الراحة والفرح :
" افرحى أيتها السموات والساكنون فيها " لأن العدو قد طرد منها ، أما الأرض فهى ما تزال تعانى من مضايقاته خصوصا فى الأيام الأخيرة ، " ويل لساكنى الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم ، وبه غضب عظيم ، عالما أن له زمانا قليلا " ..
الزمان القليل هو هذا العمر ، إذا قيس بجوار الأبدية الممتدة ، وهو الأيام الأخيرة التى ستشتد فيها وطأة العدو ، لكن النصر أكيد .
النصر الأكيد ( 11 : 13 – 17 )
نعود إلى قصة المرأة والتنين بعد هذه الفقرة الأعتراضية والضرورية لشرح وضع الشيطان فى مراحله المختلفة . ( رأى التنين أنه طرح إلى الأرض ، فاضطهد المرأة التى ولدت الأبن الذكر ) .. هكذا واقع الكنيسة : عدوها يضطهدها .
" فأعطيت جناحى النسر العظيم لكى تطير إلى البرية إلى موضعها ، حيث نعال زمانا وزمانين ونصف زمان من وجه الحية " .. النسر العظيم إشارة للمعونة الإلهية التى تسند الكنيسة فى جهادها ، فهى سامية وقوية وساهرة كالنسر ، وهكذا تستطيع الكنيسة أن تقاوم هذا الأضطهاد السافر " ويتجدد مثل النسر شبابك " ( مز 103 : 5 ) والبرية هى العالم المجدب من كل حياة حقيقية أو شبع حقيقى أو ارتواء .. لكن الله سيعول الكنيسة ثلاثة أزمنة ونصف رمز الوضع المؤقت كما ذكرنا . وكأن الرسول يطمئن أبناؤه ما أنتم فيه من اضطهادات وضع مؤقت .
" فألقت الحية من فمها وراء المرأة ماء كنهر لتجعلها تحمل بالنهر " .. وهذه إشارة واضحة لمحاولات الشيطان أن يغرق الكنيسة فى اغراءات التعاليم والشهوات التى تبدو عذبة كالنهر ، لكنها مرة كالأفسنتين وقاتلة كالسم .
لكن شكرا لله إذ : " أعانت الأرض المرأة وفتحت فمها وابتلعت النهر " ... فالناس تستطيع بسهولة إذا ما أخلصت للحق أن تتبين الغث من السمين ، والصدق من الباطل .
" فغضب التنين على المرأة " .. واستمر " يصنع حربا مع باقى نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح " .. أى أن الجهاد مستمر من جيل إلى جيل ، وأن صور الصراع ستتعاقب بين الكنيسة وقوى الشر .. لكن " أبواب الجحيم لن تقوى عليها " ( مت 16 : 18 ) .
الأصحاح الثالث عشر
الوحشان
فى الأصحاح الثانى عشر كنا مع المرأة ( الكنيسة ) والتنين ( الشيطان ) ، ورأينا الصراع الذى دار بينهما ، وكيف أنه صراع قديم بدأ فى السماء وما زال مستمرا على الأرض ، ولكن النصر أكيد .
أما فى الأصحاح الثالث عشر فسوف نلتقى بوحشين ، أحدهما يخرج من البحر ، والآخر من الأرض .
1- الوحش البحرى : ( 13 : 1 – 10 )
وقف الرسول على رمل البحر " فرأى " وحشا طالعا من البحر له سبعة رؤوس وعشرة قرون عليها تيجان واسم تجديف .
يرى البعض أن رمل البحر إشارة إلى الأيام الأخيرة حيث يكثر الأرتداد وعدم الرسوخ الروحى ، أما البحر فاشارة إلى العالم الذى يشبه البحر فى ملوحته وعدم إروائه لتابعيه ، ونلاحظ هنا أن الرؤوس ( رمز الفطنة الشريرة ) والقرون ( رمز القوة والقسوة ) والتيجان ( رمز السيطرة والنفوذ ) هى نفس العدد الذى كان فى التنين ، وكأن الوحش هو التنين بعينه ، لأنه بالفعل قد " أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطانا عظيما " . فنظر الوحش شبه النمر ، وقوائمه كالدب ، وفمه كالأسد وكلها حيوانات مفترسة وشريرة بالنسبة للأنسان .
ومع أن البعض يحاول أن يفسر الوحش بأنه الأمبراطورية الرومانية التى اضطهدت المسيحية فى بدء نشأتها ، والبعض الآخر يتصور أنها البابوية الكاثوليكية التى تطرفت نحو السلطة الدنيوية فى العصور الوسطى ، والبعض الآخر يحسبها بالأرقام ويتصور أنها النازية أو غيرها من القوى التى تضطهد أسم المسيح وتجدف عليه ، إلا أن التفسير الأوسع والأشمل الذى نرى أنه يضم كل هذه التفسيرات هو أن الوحش يشير إلى كل القوى البشرية التى تعمل بسلطات الشيطان ضد الكنيسة .
ويميل بعض المفسرين إلى اعتبار السبعة رؤوس هى سبعة جبال روما ، أو انها السبعة ممالك : خمسة انتهت ، وسادسة باقية الآن هى روما الوثنية ، وسابعة لم تأت بعد هى ما بعد سقوط الوثنية .
كما يميل البعض إلى اعتبار العشرة تيجان إشارة إلى عشرة ملوك يتوارثون عرش الأمبراطورية الوثنية .
كذلك كان يرى البعض أن الرأس المذبوح للموت ولكن جرحه قد شفى يشير إلى نيرون ، حيث سادت شائعة أنه لم يمت حقا بل عاد إلى الحياة .
لكننا نرى أن التفسير الروحى الشامل هو أسهل وأوسع التفسيرات . الوحش هو كل قوة بشرية ضد المسيح .. وعدده " عدد انسان " ( 666 ) حيث ( 6 ) هو الرقم الذى يشير إلى الأنسان الذى خلق فى اليوم السادس ، وهو ناقص لم يصل إلى رقم الكمال ( 7 ) .
وها نحن نرى الأشرار " وقد سجدوا للتنين ، والوحش " قائلين : " من مثل الوحش " وهو يقابل اسم ميخائيل ( من مثل الله : .. مى – كا – إيل ) .
لقد استمر الوحش يتكلم " بعظائم وتجاديف " ، ولكن إلى مدة مؤقتة ( 42 شهرا ) ، وذلك بسماح من الله ليكون المزكون ظاهرين ، وهذه الفترة هى فترة تواجدنا فى الأرض ، أو هى فترة دوس الأمم لأورشليم ( 11 : 2 ) ، أو فترة نبوة الشاهدين فى آخر الأيام ( 11 : 3 ) أو فترة هروب المرأة إلى البرية ( 2 : 6 ) ... وكلها إشارة إلى الأوضاع المؤقتة سواء كانت ضيقة الأيام الأخيرة أو ضيقة الأرض عموما .
ويستمر الوحش فى التجديف على : " اسم الله " وعلى " مسكنه " أى الكنيسة ، وعلى " سكان السماء " أى الملائكة والأرواح البارة .
وقوله : " أعطى أن يصنع حربا مع القديسين ، ويغلبهم " ، إشارة بالأكثر إلى الأيام الأخيرة التى ستضعف فيها الحياة الروحية .
" وسيسجد له جميع الساكنين على الأرض " من غير أولاد الله طبعا بدليل قوله : " الذين ليست أسماؤهم مكتوبة .. فى سفر حياة الخروف " .
ثم نستمع إلى تحذير هام : " من له أذنان فليسمع " أى لا تضعفوا يا أولاد الله أمام ضغوط العدو ، بل اصيروا على ضغطاته ( هنا صبر القديسين ) وأمنوا بالنصرة النهائية ( وإيمانهم ) .
2- الوحش الأرضى : ( 13 : 11 – 18 ) .
هنا وحش يطلع من الأرض ، أى أنه ليس من السماء ، وهو على الأرجح إنسان ، لأنه يقول فى النهاية : ( هنا الحكمة ، من له فهم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان ) . وعدده ( 666 ) ..
وكما ذكرنا نكرر أن ( 6 ) رمز الأنسان .. كذلك نرى هنا أن عمل الوحش الثانى هو بين البشر .. أما الفرق بينه وبين الوحش الأول فيتلخص فيما يلى :
1- أنه يخرج من الأرض .
2- أنه " يشبه الخروف " ، ولكنه ليس خروفا .. مجرد تشابه بين قرنيه وقرنى الخروف .
3- أنه يصنع معجزات وعجائب تمجيدا للوحش الأول إذ يجعل صورته تتكلم .
ويرى غالبية الشراح أن هذا الوحش رمز للمسيح الدجال الذى يظهر فى شكل المسيح ويصنع عجائب بقوة الشيطان ، ويسيطر على الناس قائلا : من لا يسجد لصورة الوحش ، ويضع سمة لعبيده على يدهم اليمنى ( إشارة للعمل ) وعلى جبهتهم ( إشارة للتفكير والأرادة ) ويمنع المعاملات عمن يرفضون هذه السمة .
هل هى الشيوعية التى ترفض الأيمان المسيحى ، وتضع من يذهبون إلى الكنيسة فى القائمة السوداء ، وتطردهم من الحزب فيعيشون فى تعب شديد ؟ .
أم إنها قوى أخرى موجودة أو آتية ؟
أو أنها- حسب تفكيرنا الشامل - كل ذلك معا ؟
الوحش الثانى إذن " يتكلم كتنين " ويسكب روح الضلال على الأرض ، ويصنع المعجزات بالسحر ، ويضطهد من لا يخضع له .. إنه " ضد المسيح " لكن المسيح سينتصر .
الأصحاح الرابع عشر
النصرة وترانيم السماء
كما لاحظنا .. تنتهى كل رؤيا من رؤى الصراع بالنصرة النهائية وها هى النصرة تبدو واضحة فى هذا الأصحاح ، فماذا نرى فيه ؟
1- الخروف والبتوليون ( 14 : 1 – 5 )
هنا يرى يوحنا " خروفا واقفا على جبل صهيون " ، إشارة إلى السيد المسيح الذى كثيرا ما وقف على الجبل ليعظ أو ليصعد إلى السماء ، فهو " الكلمة " . و " الشفيع " والآن نراه فى المجد مع 144000 لهم اسم أبيه مكتوبا على جباههم أى أنهم جمع كثير ، حيث رقم ( 12 ) يشير إلى العبادة المنظمة ، ورقم ( 1000 ) يشير إلى الكثرة ، أما اسم الله على جباههم فإشارة إلى أنهم وضعوا إيمانهم بالمسيح نصب أعينهم .
وجاء صوت " كرعد عظيم " إشارة للوضوح والقوة والحسم .. أن كل شىء قد أنتهى ..
وبدأت تتعالى أصوات القيثارات ، تعزف لحن ترنيمة جديدة لا يعرفها سوى هؤلاء الغالبون ، " الذين اشتروا من الأرض " لأنهم تساموا فوقها ، ولم " يتنجسوا مع النساء " أى رفضوا الخطيئة ، وليس المقصود هنا إطلاقا بتولية الجسد فقط بل بتولية الروح أيضا ، وهذه ممكنة بالنسبة للجميع بنعمة المسيح ، إنهم " يتبعون الخروف حيثما ذهب " .. يطيعونه ، ويعتبرونه نصيبهم النهائى ، وقد اشتروا من بين الناس " ... فهم بشر لكن المسيح اشتراهم بدمه ، وهم " باكورة لله وللخروف " أى أنهم أبناء الله المؤمنون به وبفدائه لنا . " وفى أفواههم لم يوجد غش " فهم يعيشون فى أمانة كاملة ، " وبلا عيب " قدام عرشه المقدس .
2- الملائكة الثلاثة ( 14 : 6 – 13 )
ثم رأى يوحنا ثلاثة ملائكة :
الأول : يحمل بشارة أبدية لمن على الأرض ، ويطلب منهم أن يخافوا الله ويعطوه مجدا ، لأنه قد جاءت ساعة الدينونة ، فأسجدوا للخالق ولا تسجدوا لمخلوقاته .
الثانى : صرخ قائلا : " سقطت سقطت ( تأكيد ) بابل العظيمة " هى روما الوثنية وهى كل قوة تقف ضد الكنيسة " لأنها سقت الأمم من خمر غضب زناها " وهنا خطية مركبة : " الخمر " علامة الخلاعة والأنحراف ، و " الغضب " علامة الكبرياء ، و " الزنى " علامة البعد عن الله ( جسديا أو فكريا ) .
والثالث : يقول بصوت عظيم " إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده ، فهو أيضا سيشرب من خمر غضب الله " ... إنه إنذار نهائى لتابعى الوحش والشيطان ، تعبير عن صورة الغضب الإلهى المصبوب صرفا فى كأس غضبه ، فهو سيعذبهم " بنار وكبريت أمام الملائكة وأمام الخروف " وهذا العذاب ليس لفترة محدودة بل إلى أبد الآبدين .. بلا راحة .
ويختم الرسول إنذاره " هنا صبر القديسين ، هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع " .. إشارة إلى ضرورة احتمال الآلام والأضطهادات من أجل المسيح فى طاعة كاملة لوصاياه ، وإيمان قلبى بشخصه .
ثم يختم الرسول صفحة الأنذارات هذه بصوت سماوى يقول : " طوبى للأموات " لكن ليس كل الأموات بل " الذين يموتون فى الرب " وليس من قديم الزمن حيث كانت أنفس الأبرار تنزل إلى الجحيم ، بل " من الآن " بعد أن انفتح الفردوس بالصليب . " يقول الروح " أى الله وليس يوحنا : يستريحون من اتعابهم " فالموت يريحنا من أتعاب الجهادات المختلفة " وأعمالهم تتبعهم " لأن المجازاة بحسبها .
3- المنجل والمعصرة : ( 14 : 14 – 20 )
" سحابة بيضاء .. عليها جالس شبه ابن إنسان " نحن فى الأيام الأخيرة " هوذا يأتى على السحاب " ( رؤ 1 : 7 ) والسحاب رمز التسامى والمجد والنقاوة والخير " على رأسه إكليل من ذهب " علامة الملك بالبر ، وفى يده منجل حاد علامة بدء الحصاد والدينونة .
وصرخ الملاك من الهيكل : " أرسل منجلك واحصد ، لأنه قد جاءت الساعة للحصاد " .. إنها النهاية المفزعة للأشرار ، والمشتهاة بالنسبة لأولاد الله . " فألقى الجالس على السحابة منجله إلى الأرض فحصد الأرض " .. إشارة إلى الملائكة الذين يأمرهم الله بأن يخرجوا إلى أنحاء الأرض فيجمعوا مختاريه مميزين الخراف من الجداء ( انظر متى 25 : 32 ) .
ثم يخرج ملاك من الهيكل ، معه منجل حاد ، خرج آخر من المذبح له سلطان على النار ، وصرخ الثانى مخاطبا الأول : " أرسل منجلك الحاد اقطف عناقيد كرم الأرض لأن عنبها قد نضج " .. ففعل ذلك ، والقى العنب فى معصرة غضب الله العظيمة " فخرج منها دم حتى إلى لجم الخيل " مسافة 1600 غلوة وهذه إشارات مخيفة تحذرنا جميعا أن يوم غضب الله سيكون رهيبا ، وأن الأشرار الهالكين سيكونون كثيرين حتى أن دمائهم ارتفعت حتى إلى لجم الخيل ، وانتشرت حتى إلى 1600 غلوة ( الغلوة تساوى 200 متر تقريبا ) مسافة أكثر من 300 كيلومتر ، إنها إشارة خطيرة تنبهنا لكى نتوب قبل هذا اليوم الرهيب ، ورقم 1600 هو 4× 4 مضاعفا بالمائة رمز الجهات الأربع وكل البشر ، فالجميع مدعوون للتوبة .
الأصحاح الخامس عشر
الملائكة يتهيأون
ينقسم هذا الأصحاح إلى الأقسام الآتية :
1- الملائكة ومعهم الجامات ، والغالبون يترنمون ( 15 : 1 – 4 )
2- الملائكة وقد خرجوا بجاماتهم لصبها ( 15 : 5 – 28 )
أولا : الملائكة ومعهم الجامات والغالبون يترنمون : ( 15 : 1 – 4 )
هذه آية أخرى أو صورة أخرى ، " عظيمة وعجيبة " لأنها صادرة عن السماء فى علوها ، " سبعة ملائكة " والملاك رسول من الله ، والسبعة عدد الكمال إشارة إلى اكتمال غضب الله ، واكتمال دينونة الأشرار ، واكتمال نصرة الأبرار ، وعن " سبع ضربات أخيرة " إشارة إلى الأيام الأخيرة ، إلى ضربات الدينونة ، وليس فقط إنذارات الأبواق .
" ورأيت كبحر من زجاج مختلط بنار " ، انه بحر المعمودية ونار الروح القدس ، فالماء والروح هما طريق الغلبة على الوحش ، والوصول إلى الأمجاد .
" والغالبين على الوحش ، وصورته ، وعدد اسمه " أى الذين انتصروا على الشيطان بحيله المختلفة وأذنابه البشرية الشريرة وفهموا أنها 666 أى قوى بشرية ضعيفة وزائلة .
" واقفون على البحر الزجاجى " فى نصرة وبهجة ، " معهم قيثارات الله " أى الفرح السماوى الثابت الرصين ، " وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله " وترنيمة " الخروف " ... أى ترانيم الأنتصار التى سبح بها الشعب بعد عبوره البحر الأحمر ، وترانيم الخلاص التى عاشها أولاد الله بعد نصرة الحمل المذبوح على الموت .
" قائلين عظيمة وعجيبة هى أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شىء عادلة وحق هى طرقك يا ملك القديسين لأنه القدوس الذى قدسهم .
" من لا يخاف يارب ويمجد اسمك ، لأنك وحدك قدوس ، لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت "... إن نصرة الله أكيدة وعلى الجميع أن يعيشوا فى مخافته ، وفى طاعة أحكامه ، وفى عبادة خاشعة لشخصه .
ثانيا : الملائكة وقد خرجوا بجاماتهم لصبها : ( 15 : 5 – 8 )
ثم نظر يوحنا وإذا " بهيكل خيمة الشهادة وقد انفتح " ... هنا يعيد إلى الأذهان قصة الهيكل القديم ، وكان قد تهدم ويؤكد أنه كان مثالا للسماويات وظلالها ، وقدس الأقداس وما فيه : تابوت العهد الذى كان يحوى لوحى الشريعة ( كلمة الحياة ) وقسط المن ( خبز الحياة ) وعصا هارون التى أفرخت ( سر الحياة فى المسيح ) .
" وخرجت السبع ملائكة ومعهم السبع ضربات " . لقد اكتملت مقاصد الله ، واكتمل غضبه ، وها هم على وشك التنفيذ .
" وهم متسربلون بكتان نقى وبهى ، ومتمنطقون عند صدورهم بمناطق من ذهب " .. هذه صورة القاضى فى ذلك الزمان ، المنطقة الذهبية على صدره : الذهب رمز البر والحق ، والصدر مكان القلب ، أى أنه سيحكم ببر وضمير نقى . أما الكتان الذى يسربلهم فكان إشارة إلى وقارهم ونقاوتهم رغم صعوبة ما سوف يفعلونه ، فأحكام الله كلها كمال وعدل . وهو فى الحقيقة لا يحكم على الأشرار بل أنهم هم الذين يحكمون على أنفسهم ، إذ يرفضون إعلانات " الأختام " وانذارات " الأبواق " وهكذا يستحقون ضربات " الجامات " .
ثم أعطى واحد من الحيوانات الأربعة سبع جامات ذهبية " مملوءة من غضب الله " . وليس هذا بغريب ، فالذهب رمز البر ، يشكل هنا وعاء الغضب ، فهو غضب عادل " وتغلب إذا حوكمت " . ! – " وامتلأ الهيكل دخانا من مجد الله ومن قدرته " .. فهى الأيام الأخيرة ، التى فيها يعلن الله عن مجده الديان بعد أن أعلن لنا عن حبه الفادى .
" ولم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبع ملائكة " .. أى أن الشفاعة قد انتقلت ، والرحمة قد استوفت زمانها وجاء وقت الحساب .
الأصحاح السادس عشر
الجامات السبعة
إذا اعتبرنا الأختام السبعة بمثابة " إعلانات " والأبواق السبعة " إنذارات " فالجامات السبعة يمكن أن تعتبر بمثابة " أحكام إدانة " ..
" سمعت صوتا عظيما من الهيكل " فنحن أمام أمر إلهى أخيرا ، قائلا للسبعة ملائكة : " امضوا واسكبوا جامات غضب الله على الأرض " .. فنحن أمام " أحكام نهائية " تحدث فى الأيام الأخيرة .
1- الجام الأول :
سكبه على الأرض أحدث دمامل خبيثة ورديئة أصابت الساجدين للوحش .. لأن تبعية الأنسان للشيطان تصيبه بضربات إلهية حتى فى جسده ، فهناك ارتباط وثيق بين الروح والجسد ، وبين النفس والجسد ، ونحن نذكر ضربة البرص فى العهد القديم ، والأمراض الناتجة عن الأنحرافات حاليا كالزهرى بمراحله المختلفة ، قرحة صغيرة ثم طفح جلدى ثم شلل مع جنون .
2- الجام الثانى :
سكبه على البحر فصار الماء دما ، وماتت الأنفس الحية التى فى البحر ، ربما يعنى معارك حربية تسيل فيها الدماء فى البحار ، أو مجرد تذكير بضربات الرب للمصريين فى العهد القديم بسبب عنادهم .
3- الجام الثالث :
سكبه على الأنهار الينابيع ( الماء العذب ) فصارت دما هى أيضا .. إشارة إلى العطش المميت ، سواء إلى الماء أو إلى كلمة الله .. ونلاحظ هنا أن الملاك يقول لله : عادل أنت .. لأنك حكمت هكذا ، فالجامات إذن هى أحكام إلهيــة ضد الأشرار ، الذين سفكوا دماء القديسين ، فسقاهم الرب دما لا ماء .
4- الجام الرابع :
سكبه الملاك على الشمس ، فصارت تحرق الناس بنار ، ورغم ذلك لم يتوبوا بل جدفوا .. ومعروف أن هناك زاوية ميل دقيقة فى محور الأرض على الشمس وهى سبب حدوث الفصول ، ولو زاد الأنحراف تحرق الشمس الأرض ، وسواء كان هذا الكلام حرفيا أو معنويا ( نار التجارب ) ، لكنها " أحكام " نتيجة غضب الله وعناد الأنسان ، وسوف يستمر العناد والتجديف حتى بعد هذا الجام الرهيب .
5- الجام الخامس :
سكبه الملاك على عرش الوحش ، فأصيبت مملكته بظلام دامس ، حتى أن الناس كانوا يعضون ألسنتهم من الوجع .. ورغم ذلك استمروا فى التجديف ، ورفضوا التوبة . والظلام إشارة إلى ذبول مملكة الوحش وانطفاء مجده ، وإشارة إلى طبيعة هذه المملكة المضلة ، أما عن الألسنة فإشارة إلى الألم الشديد والغيظ ، ورغم ذلك لم يتوبوا .
6- الجام السادس :
سكبه الملاك على نهر الفرات فجف ماؤه . لكى يعد طريق ملوك المشرق ، وجفاف النهر علامة أنهيار بابل رمز الشر التى أسرت أولاد الله فى القديم ، أما ملوك الشرق القادمون فإشارة إلى حروب رهيبة تحدث آخر الأيام ، بين الشرق والغرب .
ثم رأى يوحنا ثلاثة أرواح نجسة ستة ضفادع خرج من فم ثلاثة قوى هى التنين ( أى الشيطان ) والوحش ( أى الدجال ) والنبى الكذاب ( أى خدام الدجال ) .. إنها أرواح شريرة تخرج هنا وهناك داعية الجميع إلى القتال ويأتى الدمار على الجميع فى موقعة " هرمجدون " التى كانت ساحة حرب عبرانية شهيرة فى العهد القديم .. ويرى البعض أن أرض فلسطين ستكون ساحة لهذه المعارك الضارية ، بسبب قوله : " الذى يدعى بالعبرانية " ... إن كنا نرى أن الرسول يستخدم دائما أسلوب الشفرة الذى لا يفهمه سوى المرسل إليهم ، فهو يعيد إلى أذهانهم صورة هذه الساحة الحربية ليتحدث عن حرب الأيام الأخيرة .
ونلاحظ أن هناك جملة اعتراضية وردت فى هذا الجام هى : " ها أنا آتى كلص طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشى عريانا " ... وهذا انذار وتنبيه لأولاد الله لكى يسهروا ويحيوا فى يقظة روحية استعدادا لأيام الشر ، حتى لا يفقدوا ثوب البر كما فقده آدم فى القديم .
7- الجام السابع
سكبه الملاك السابع على الهواء فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلا : " قد تم ( أى أن مقاصد الله قد وصلت إلى نهايتها ) فحدثت أصوات وبروق ورعود وزلزلة عظيمة .. إيذانا بانتهاء كل شىء وانحلال الأرض وما عليها ، فصارت المدينة العظيمة مقسمة إلى ثلاثة أقسام وهى على الأرجح أورشليم ، التى ستتصارع فيها ثلاثة قوى كل قوة تستولى على قسم منها .. " ومدن الأرض سقطت ، وبابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها كأس خمر سخط غضبه " ، أى أن الله حكم على قوى الشر بالدمار وغضب عليها نهائيا ، والجزر والجبال هربت .. أى أن الدول والعظماء قد انتهوا .. وبرد عظيم وثقيل نزل على الناس من السماء فجدفوا ... تذكير بضربة البرد فى القديم وكم كانت مؤلمة ، إشارة إلى انسكاب الغضب الإلهى على البشر فى الأيام الأخيرة .
وهكذا ينتهى العالم الشرير ، أما أولاد الله فهم محفوظون فى يمينه ، فقد رأيناهم فى مطلع الأصحاح السابق وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله ، وترنيمة الخروف قائلين : " عظيمة وعجيبة هى أعمالك يا ملك القديسين من لا يخافك يارب .. لأن أحكامك قد أظهرت " ( رؤ 15 : 3 ، 4 ) .
الأصحاح السابع عشر
صورة بابل الزانية
مقدمة : اجتهد الشراح فى تفسير " بالبل الزانية " هذه ، وذهبوا فى ذلك مذاهب شتى ، فالبعض رأى فى السبعة جبال أنها روما الوثنية ، التى كانت مبنية على سبعة جبال أضطهدت المسيحيين فى عصر الرسول يوحنا ، وأن السبعة رؤوس هم الملوك الذين أسسوا روما وهم : أغسطس – طيباريوس – كاليجولا – كالوديوس – نيرون – فاسباسيان – بنطس ، وأن الثامن هو دومتيان مضطهد يوحنا الحبيب .
أما البعض الآخر فرأى فى بابل العظيمة أنها روما الكاثوليكية متخذا من انحرافات العصور الوسطى ذرية لتفسيره .
لكننا نرى أن التفسير الشامل الروحى الذى نرتاح إليه يتسع ليشمل كل قوى الشر التى تقف ضد المسيح وأولاده مهما كان صورها ، وأن الرسول استخدم بابل كمجرد استعارة من التاريخ القديم ، حيث أذلت بابل بنى إسرائيل وسبتهم إلى أرضها سبعين سنة .
جاء واحد من ملائكة الجامات السبعة وقال ليوحنا : " هلم فأريك دينونة الزانية العظيمة الجالسة على المياة الكثيرة " .
ونلاحظ فى الأصحاح السابق أن بابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها " كأس خمر سخط غضبه " ( رؤ 16 : 19 ) ، أما الآن فقد صدر حكم الدينونة ، والملاك يطلع يوحنا على صورة بابل الزانية قبل تدميرها .. فماذا سيرى ؟ لقد دعاها الملاك " عظيمة " من فرط قوة تأثيرها الشرير على الناس ، و " الزانية " لأنها تنحرف بالناس بعيدا عن الله ، " والجالسة على مياة كثيرة " رمز الشعوب الكثيرة الخاضعة لسلطانها الشرير وغوايتها المدمرة " زنى معها ملوك الأرض " إشارة للبذخ والغنى المادى وكيف يقود الناس أحيانا للبعد عن الله ، " وسكر سكان الأرض من خمر زناها " فالخطية كالخمر ينتشىء بها الأنسان للحظات ثم يكتشف أنها دمرت حياته .
كانت هذه هى الدعوة والآن إلى المنظر :
" رأيت إمرأة جالسة على وحش قرمزى " .. المرأة هى بابل قوى الشر المتعاقبة ضد أولاد الله ، " جالسة " تتوهم الأستقرار ودوام المجد الأرضى " على وحش قرمزى " رمز الدجال الذى يعطيه الشيطان كل قوته الدموية لأنه " قتال منذ البدء " ( يو 1 : 44 ) . وقد رآها يوحنا فى " برية " أى مقفرة خاليا مما يشبع الأنسان أو يرويه ، حيث الشيطان يسكن ، ورأى الوحش " مملوءا أسماء تجديف " لأنه ضد المسيح " له سبع رؤوس " رقم 7 هو الكمال أى كمال الذكاء الشرير و " عشرة قرون " أى كمال القوة الشريرة والقسوة ، وكانت المرأة " متسربلة بارجوان وقرمز ومتحلية بالذهب والحجارة الكريمة ولؤلؤ رمز المجد الأرضى الخداع ، ومعها " كأس من ذهب " رمز الماء المالح الذى تسقى منه تابعيها ، فهو مملوء " رجاسات ونجاسات زناها " .. و " على جبهتها ( كعادة الزانيات فى القديم ) اسم مكتوب : " سر " ، فهو سر حقا ، ليس المقصود به بابل الحرفية ، بل قوى الشر التى تقف ضد أولاد الله .. " بابل العظيمة أم الزوانى ورجاسات الأرض " .. أى ينبوع الخطايا التى تنفث شرورا فى كل مكان ، ورأى يوحنا أن المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع فقد كان أباطرة الوثنيين وكل من تلاهم من مضطهدى الكنيسة يترنحون طربا بحسب كثرة من قتلوا من المؤمنين .
ولما رأى يوحنا ذلك المنظر تعجب بشدة ... وكأنه يقول : لماذا كل هذا ؟ ولماذا تسكت يا رب ؟
وأحس الملاك بمشاعر يوحنا وبدأت هنا مرحلة الشرح :
" لماذا تعجبت ؟ أنا أقول لك سر المرأة والوحش الحامل لها برؤوسه السبعة وقرونه العشرة " – " والوحش كان وليس الآن ، وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضى إلى الهلاك " .. وواضح أن الحديث هنا عن الشيطان ، ولا فرق بين التنين والوحش ، أو بين الشيطان والمسيح الدجال فهو تجسيد له . لقد " كان " للوحش سلطانا عظيما قبل الصليب ، لكن الرب سحقه بالفداء وأسقطه ولم يعد له سلطان على البشر كم كان قبلا ، لهذا فهو " ليس الآن " أى أنه حاليا مقيد ولا يتحرك دون سماح من الله ولا سلطان له على البشر . لكنه " عتيد أن يصعد من الهاوية " أى أنه سيحل من سجنه فى الأيام الأخيرة .. تمهيدا لهلاكه النهائى .
وهذه الحقيقة " كان وليس الآن مع أنه كائن " ستثير دهشة الناس الغير مدونين فى سفر الحياة ، لأنهم لم يعرفوا ماذا فعله المسيح على الصليب ، وكيف قيد الشيطان وأزال سلطانه " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 ) وكيف أنه ما زال حيا رغم فقده هذا السلطان .
ثم يقول الملاك : " هنا الذهن الذى له حكمة ، أى فكروا بالروح لتفهموا أن السبعة رؤوس هى سبعة جبال عليها المرأة جالسة " ، والحديث عن روما الوثنية التى كانت القوة الشريرة المواجهة للكنيسة أيام يوحنا ، والتى تشير إلى كل ما يتلوها من قوى ، وأنها إشارة إلى " سبعة ملوك : خمسة سقطوا وواحد موجود والآخر لم يأت بعد ومتى أتى ينبغى أن يأتى قليلا " ، وهذه إشارة إلى الممالك الخمسة التى سبقت مملكة روما الوثنية وهى :
1- مصر الفرعونية : التى أذلت بنى اسرائيل أيام موسى النبى .
2- أشور : التى سبت مملكة إسرائيل الشمالية سنة 721 ق . م .
3- بابل : التى أسرت مملكة يهوذا الجنوبية سنة 587 ق . م .
4- فارس : التى هزمت بابل وأعادتهم إلى أوطانهم ، بعد أن قرأ كورش الفارسى نبوة عن نصرته بالأسم ، كتبها أشعياء النبى قبل ذلك بثلاثة قرون .
5- اليونان : وانطيوخس أبيفانوس الذى دنس الهيكل وذبح هليه خنزيرة .
ثم جاءت مملكة روما الوثنية ( المملكة السادسة ) أما السابعة فلم تأت بعد وستمكث قليلا .. أى ما تلا ذلك من ممالك لم تتخذ صورة الأمبراطوريات العالمية ويرى الشراح أن رقم عشرة دائما يعنى التفتيت بعد الوحدة ( كما كان فى نبوة دانيال ) حين صارت المملكة الأخيرة عشرة ممالك متغيرة وضعيفة ، لهذا يرى البعض أن العشرة ملوك المذكرين هنا هم عشرة ممالك ستتحارب فى الأيام الأخيرة .
أما الوحش فقد دعاه الملاك ثامنا لأنه سيكون القوة المسيطرة بعد الكل خصوصا أيام فك قيوده أن يهلكهم الله بالتمام .
إن الملوك العشرة سيملكون مع الوحش ويتحالفون مع الشر ، " ويحاربون الخروف " .. لكن شكرا لله ، لأن الخروف سيغلبهم لسبب بسيط أنه " رب الأرباب وملك الملوك " .. أى أن التاريخ كله يخدم مقاصده الإلهية ، وهو الخالق هذه القوى جميعا ، ولا يسمح لها بأن تسير إلا فى اتجاه خطته النهائية .
أما أولاد ملك الملوك فهم " مدعوون " ( بكلمة انجيله ) و " مختارون " ( بتجاوبهم مع عمل نعمته ) و " مؤمنون " ( واثقون من أبوته وقدرته ونصرته ) .
ثم قال له الملاك : " المياة التى رأيت الزانية جالسة عليها هى شعوب وجموع وأمم وألسنة " والمياة الكثيرة كانت دائما – فى العهد القديم – رمز الشعوب " والعشرة قرون " سيبغضون الزانية أى أنهم سيمزقون الأمبراطورية بحروبهم " ويجعلونها خربة وعريانة ويأكلون لحمها ويحرقونها بالنار " إشارة إلى أن طريق الشر عار ودمار مهما بدت الخطية لذيذة فى البداية .
ثم ينسب الملاك هذه النهاية المفزعة إلى الله الذى " وضع فى قلوبهم أن يصنعوا رأيه ، وأن يصنعوا رأيا واحدا ويعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله " ... وهذه إشارة واضحة إلى يد الله العاملة فى الكون ، والتى يستحيل أن تخرج الأحداث من قبضتها المحكمة ، التى توجه كل شىء نحو نهاية محتومة فى مقاصد الله ، وأخيرا يجمل يوحنا المشهد فى عبارة واحدة : " والمرأة التى رأيت هى المدينة العظيمة التى لها ملك على ملوك الأرض " ، إشارة إلى قوى الشر وكيف أنها أرضية زائلة .
الأصحاح الثامن عشر
دينونة بابل الزانية
فى هذا الأصحاح تتم دينونة بابل فعلا بعد أن رأى يوحنا صورتها فى الأصحاح السابق
" بعد هذا رأيت ملاكا آخر نازلا من السماء له سلطان عظيم " ... فلا شك أن السماء مصدر كل السلطات على الأرض " واستنارت الأرض من بهائه " ... فمقاصد الله كلها نور وبهاء وخير ، حتى لو كانت دمار الشر والأشرار ، فهذا تطهير للكون . " وصرخ بشدة بصوت عظيم " .. إشارة إلى رعب الدينونة القادمة ، وتأكيدا للحسم الإلهى .. فماذا قال الملاك ؟ قال : " سقطت سقطت ( للتأكيد ) بابل العظيمة وصارت مسكنا للشياطين ومحرصا لكل روح نجس ومحرسا لكل طائر نجس وممقوت " لقد انتهى كل شىء وصدر الحكم على قوى الشر المنحرفة بالدمار ، فهى نجسة بطبيعتها ولا تأوى إلا كل ما هو نجس وممقوت .
ولماذا صدر هذا الحكم ؟ لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم ، وملوك الأرض زنوا معها ، وتجار الأرض " استغنوا من وفرة نعيمها " . الزنى والخمر وحب المال ، ثلاثة مدمرة سواء أخذناها بمفهومها الحسى الضيق أو المعنى الواسع .
نداء لأولاد الله وحيثيات الحكم :
ثم سمع يوحنا صوتا آخر من السماء قائلا : " اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى خطاياهم ، ولئلا تأخذوا من ضرباتهم " . وهذه دعوة إلى أولاد الله فى كل جيل أن يخرجوا بقلوبهم من مجالات الخطية ، حتى لا ينساقوا إليها ، فيحكم عليهم . لأن خطاياهم لحقت السماء تعبيرا عن كثافتها وبشاعتها ، وتذكر الله آثامها " .. ولا يعنى هذا أن الله كان قد نسى ذلك ثم تذكره ، حاشا ، بل المقصود أنه قد جاءت ساعة الدينونة الرهيبة لهذه الآثام " جازاها كما هى أيضا جازتكم وضاعفوا لها ضعفا نظير أعمالها " ... هذا أمر لقوى الخير والدينونة الإلهية للأنتقام من بابل الزانية و " فى الكأس التى مزجت امزجوا لها ضعفا " .. أى أنها ستدفع ضريبة اللذة المحرمة التى عاشتها " . " بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت ، بقدر ذلك أعطوها عذابا وحزنا . لأنها تقول فى قلبها أنا جالسة ملكة ولست أرملة ولن أرى حزنا .. هذا هو الوهم الخداع الذى يعيشه كل خاطىء يرفض التوبة ، ويطفىء صحوة الضمير ، يظن أنه " جالس " ( مستقر ) وأنه "ملك " ( فى مجد أرضى ) و " لست أرملة " ( أى فى عرس وفرح ) " ولن أرى حزنا " ( اطمئنان مزيف بخصوص فرحة الخطية الزائلة ) .
منطوق الحكم :
" من أجل ذلك " .. كانت تلك حيثيات الحكم " فى يوم واحد ستأتى ضرباتها : موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذى يدينها قوى " .... هذا هو منطوق الحكم .. فالرب يمهل ولا يهمل .. وبالفعل سقطت روما الوثنية وتحولت إلى المسيحية كمثال هام على نصرة المسيح .
رثاء الملوك لها :
" وسيبكى وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها ، واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها قائلين : ويل ، ويل ، المدينة العظيمة بابل ، المدينة القوية ، لأنه فى ساعة واحدة جاءت دينونتك ؟ .
ويبكى التجار لكساد بضائعهم المختلفة : الذهب والفضة والحجارة الكريمة والأوانى الخشبية والنحاسية والحديدية ، والقرفة والبخور والخمر ، والبذور المختلفة ، والحيوانات ، حتى أجساد الناس كانوا يبيعونها ، ووقف التجار من بعيد يتحسرون على حريقها ودمارها ، وألقوا التراب على رؤوسهم فقد ذهب كل ما كان لهم من غنى ومجد أرضى ، بسبب تجارتهم المحرمة .
فرح القديسين بذلك :
وبينما ملوك الأرض وتجارها يتحسرون لدمار بابل الزانية ، تفرح السماء والرسل والقديسون والأنبياء وكل أولاد الله ، لأن الرب أدان الشر والأشرار .
وانتهى كل شىء :
وعبر الملاك عن ذلك بأن ألقى حجرا عظيما فى البحر قائلا : " هكذا بدفع سترمى بابل العظيمة ، ولن توجد فيما بعد " . ولن يسمع فيها صوت قيثارة ولا غناء ، ولن توجد فيها صناعة ولا حياة ( طحن الغلال بالرحى ) وسينطفىء سراجها إلى الأبد ، لا زواج ولا عرس ، ولا تجارة ، بل موت ودمار ، ولماذا كل هذا ؟ لأنه " بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض " .. إشارة إلى أنها كانت نبعا لكافة الشرور والأضطهادات .
الأصحاح التاسع عشر
عشاء عرس الخروف
هنا نجد صورة عكسية لما فات ، فهناك كان دمار الشر والأشرار أما هنا فنرى فرحة البر والأبرار ....
" جمع كثير فى السماء قائلا : هللويا " أى هللوا ليهوه الرب .. " الخلاص والمجد .. إلهنا .. أحكامه حق وعادلة قد دان الزانية العظيمة التى أفسدت الأرض بزناها ، وانتقم لدم عبيده من يدها ....
ثم نسمع المرد : هللويا . ( ودخانها يصعد إلى أبد الأبدين ) والمرد دائما : هللويا ، وسكان السماء يسجدون قائلين : هللويا . مع دعوة للجميع أن يسبحوا لله ، فإذا بصوت كصوت جمع كثير وكصوت مياة كثيرة تستجيب لهذا النداء وتقول كصوت رعود شديدة : هللويا ، فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شىء لنفرح ونتهلل ونعطه المجد ، لأن عرس الخروف قد جاء ، وامرأته هيأت نفسها وأعطيت أن تلبس بزا نقيا بهيا لأن البز هو تبررات القديسين .
والكلام هنا عن قدرة السيد المسيح كعريس للكنيسة ، وعن نصرته الأبدية ، أما الكنيسة " العروس " فهى هنا تلبس ملابس بهية ، هى تبررات القديسين أى البر المعطى لهم باستحقاقات دم المسيح ، والبر الذى يكتسبونه بعمل النعمة فيهم إذ يجاهدون معها فى أمانة .
عشاء عرس الخروف
وقال الملاك ليوحنا أكتب : " طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف .. هذه أقوال الله الصادقة " .. نعم مبارك من يحضر هذا العرس ، ومباركة النفس التى تجهز نفسها لهذا اليوم ، وأراد يوحنا أن يسجد عند رجلى الملاك ، فقال له الملاك : " أنظر لا تفعل ، أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع .. اسجد لله فإن شهادة يسوع روح النبوة " .. هنا نرى فهم الملاك لوضعه كعبد الله ، يرفض تقبل السجود ، يقصر السجود على الله وحده ، وواضح أنه يرفض سجود العبادة لأن الوصية تقول : " للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد " ( مت 4 : 10 )
ثم يقول الملاك أن " شهادة يسوع هى روح النبوة " فأنبياء العهد القديم كانوا يشهدون ليسوع ، وأنبياء العهد الجديد ليس لديهم إلا هذا الهدف : الشهادة للرب .
كلمة الله
ثم رأى يوحنا السماء مفتوحة ، وإذا فرس أبيض " رمز الســـلام والنقاء " والجالس عليه يدعى " أمينا صادقا " وبالعدل يحكم ويحارب .
ثم يصف لنا صورة السيد المسيح فى المجد فيقول :
1- " عيناه كلهيب نار " إذ يفحص حتى أستار الظلام .
2- " على رأسه تيجان كثيرة " فهو ملك الكون كله ، ملك السماء والأرض والبر والفداء والكمالات الإلهية المختلفة .
3- " له اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو " .. فمن المستحيل أن ندرك الله فى ذاته وفى جوهره .. إنه " الضباب المقدس " .
4- " متسربلون بثوب " علامة الوقار .
5- " مغموس بدم " إشارة للفداء .
6- " ويدعى اسمه كلمة الله " .. اللوغوس أى الحكمة الإلهية الكامنة فى أعماق الجوهر الإلهى .
الأجناد التابعون :
ورأى يوحنا أجناد سمائيين يتبعون الفارس الإلهى ، وكلهم يركبون خيولا بيضاء ، ويلبسون بزا أبيض ونقيا .. وهذا كله رمز النصرة والسلام والنقاوة .
السيف الماضى :
ومن فم الرب يخرج " سيف ماضى " هو سيف الكلمة التى بها سيدين العالم ويرعى الأمم بعصا من حديد " وهو يدوس معصرة خمر سخط وغضب الله القادر على كل شىء " أى أنه الديان العادل . وعلى ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب " ملك الملوك ورب الأرباب " .
دعوة للطيور :
صرخ ملاك واقف فى الشمس قائلا لجميع الطيور أن تجتمع إلى عشاء الإله العظيم ، وذلك لكى تأكل لحوم ملوك وقواد وأقوياء وخيل .. لحوم الكل : حرا وعبدا ، صغيرا وكبيرا .. إنه الأنحلال العظيم حين يحترق كل شىء وتنحل العناصر محترقة بضجيج ، وتبدأ الدينونة النهائية .
معركة خاسرة :
وفى اللحظات الأخيرة ، حاول الوحش وملوك الأرض وأجنادهم أن يصنعوا حربا مع الفارس الإلهى المهيب ومع جنوده ، لكنهم خسروا الحرب طبعا ، وقبض على الوحش والنبى الكذاب الذى يسبقه بالآيات .. وطرحا فى بحيرة النار المتقدة بكبريت ، والباقون قتلوا بالسيف الخارج من فم الفارس ( أى إدانتهم كلمته المقدسة ) .
وهكذا شبعت الطيور من لحمهم .
سلام .. سلام للبعيد وللقريب قال الرب
الأصحاح العشرون
الملك الألفى والأيام الأخيرة
انتهى الوحش ، والنبى الكذاب ، انتهت قوى الشر والضلال ، وباقى " التنين " الشيطان الذى كان يحرك كل هذا فما مصيره ؟ هذا الأصحاح يحدد لنا مصير الشيطان .
خلاصة الأصحاح :
1- أن ملاكا نزل من السماء ، وقبض على الشيطان ، وطرحه فى الهاوية حنى تتم الألف سنة ، وبعدها لا بد أن يحل زمانا يسيرا .
2- أنه خلال الألف سنة جلس أولاد الله على عروش ، سواء كانوا من الشهداء أو القديسين ، الذين قاموا القيامة الأولى ( التوبة ) ولذلك لن يؤذيهم الموت الثانى ( الأبدى ) بل أنهم سيعيشون مع المسيح كملوك وكهنة ، يتمتعون بعربون مجده الروحى هنا ، قبل المجد الأبدى هناك .
3- ثم إذ تنتهى هذه الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ، يخرج ليضل الأمم ، ويجمع جوج وماجوج والكل للحرب ، وإذ يحارب هؤلاء معسكر القديسين تنزل نار من السماء وتأكلهم .
4- ثم يطرح الشيطان فى بحيرة النار والكبريت ، حيث الوحش والنبى الكذاب ويعذبون إلى الأبد .
5- ويجلس الرب على عرشه الأبيض العظيم فى يوم الدينونة الرهيب ، ويدين الأبرار والأشرار ، فيذهب أولئك إلى حياة أبدية ، وهؤلاء إلى عذاب أبدى ، وهذا هو الموت الثانى .
1- الرأى الحرفى :
يتمسك البعض برأى حرفى يقول أن الأبرار سيملكون مع المسيح على الأرض ألف سنة حرفية فى ملك مادى .
وهذا الرأى ليس جديدا ، ففى بداية المسيحية ، وكان غالبية الأعضاء من اليهود تصوروا نفس الأمر ، كما ورد فى كتابات بابياس ويوستينوس وايريانوس ، لقد نظروا إلى مجدهم المندثر ، وتمنوا كبشر عودة هذا المجد الأرضى ، فمنذ سنوات دمر الهيكل تماما وأحرقت أورشليم ، وهلك الشعب فى صورة مريرة تتميما لإنذارات ونبوات السيد المسيح ، وهكذا تمنوا هذا التفسير الحرفى كنوع من التعويض .
لكن الكنيسة المسيحية انبرت لهذا الفكر بعد أن هدأت نيران الأضطهاد ، فوجدنا العلامة أوريجانوس والبابا ديونسيوس ، ثم القديس اغسطينوس ، يدحضون هذا الفكر الحرفى ويصرون على اعتباره نوعا من التفسير الخاطىء لسفر الرؤيا ، الذى يجب أن يؤخذ بطريقة رمزية لا حرفية فهذه طبيعته ، وهذه ظروفه إذ كان الرسول مضطهدا فى بطمس ويرسل إلى مضطهدين فى آسيا الصغرى .
والدليل على ضرورة التفسير الرمزى مما ورد فى هذا الأصحاح فقط :
1- أن الملاك قيد الشيطان بسلسلة عظيمة ، والشيطان كائن روحى لا يمكن تقييده بسلسلة مادية ( 2 : 1 ) والهاوية للأرواح وليس لها مفتاح مادى .
2- الحديث عن " هروب الأرض والسماء من وجه الله " له معنى روحى لا حرفى ( 20 : 11 ) .
3- طرحت الموت والهاوية : فى بحيرة النار والكبريت تأكيد لعدم حرفية التفسير وضرورة الألتزام بالتفسير الرمزى ( 20 : 14 ) .
تعقيدات التفسير الحرفى :
يؤمن الحرفيون بتفسير غاية فى التعقيد فعقيدتهم هذه تشمل ما يلى :
1- أن السيد المسيح سيأتى ثانية لأختطاف الكنيسة ، وذلك بطريقة خفية غير ظاهرة ( قيامة المؤمنين ) .
2- وبعد ذلك إذ نخطف على السحاب تحل الضيقة العظيمة على الأرض ( 7 سنوات ) فيها يؤمن البعض ثم يموتون .
3- يأتى المسيح بطريقة ظاهرة ( الكشف ) وهنا تقوم تلك النفوس التى آمنت وماتت فى الضيقة .
4- يبدأ الملك الألفى .. ويرى البعض أن هناك من سيموتون خلاله ( ويحتاجون قيامة ) .. كما يرى البعض الآخر أن كثيرين سيخادعون المسيح ويتظاهرون بالأيمان به بينما هم أشرار وسيرتدون عند حل الشيطان .
5- يحل الشيطان ، ويحدث الأرتداد ، وتحدث حرب رهيبة على معسكر القديسين وتنزل نار من السماء تأكلهم ، ثم تأتى قيامة الأشرار ودينونتهم الأبدية .
6- فهناك إذن أكثر من مجىء ثان ( أحدهما خفى والآخر ظاهر ) وأكثر من قيامة للأجساد ( للمؤمنين ، ثم لمن يموتون فى الضيقة ، ثم لمن يموتون فى الملك الألفى – إن كانوا يموتون – ثم للأشرار ) .
إنه تفسير معقد فيه نتنازل عن وضوح بقية أجزاء الكتاب ، لنتقيد بغموض سفر الرؤيا بينما العكس هو المطلوب .
3- الرأى الروحى :
رأى بسيط ، لا يتمسك بمملكة أرضية ، ولا بتعويض مادى ، ولا بمجد دنيوى فيأخذ هذا خمسة مدن وذاك عشرة مدن .... بل يرى أن السيد المسيح على الصليب أسقط الشيطان بدليل قراره :
· " رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 ) .
· " الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا " ( يو 12 : 31 ) .
· " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو 16 : 11 ) .
ومن بعد صار الشيطان مقيدا ، أى محددا فى ممارسة الأغراءات والضغوط على البشر ، فهو يعرض دون أن يفرض ، وحتى دون أن يكون له أدنى سلطان علينا ما لم نعطه نحن هذا السلطان .
هذا هو الملك الألفى ، ففيه نمارس حياة الملكوت ، إذ جعلنا " ملوكا " نملك دواتنا وقال لنا : " ها ملكوت الله داخلكم " ( لو 17 : 21 ) " وكل مجد إبنة الملك من داخل " ( مز 45 : 13 ) وهو ألف سنة بمعنى طول المدة لا تحديدها " فيوم عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد " ( 2 بط 3 : 8 ) .
أما ما يستند إليه أصحاب الرأى الحرفى فى العهد القديم فهذه كلها تفسر بطريقة روحية إشارة لقدرة النعمة على انتزاع الطبع الشرير من الأنسان فيسكن وديعا مع الأشرار ، وإشارة إلى بساطة المسيحية وانتصارها على حكمة هذا الدهر .
وما ورد فى أشعياء 65 .. إشارة للخلاص القادم بالمسيح ، الذى يريح النفس ويخلصها من شرورها ، وما ورد فى زكريا 14 .. إنما هو أسلوب مجازى فالحرب يمكن أن تكون حسية أو روحية ، والجبل الذى ينشق ..... الخ أشرة إلى سخاء الروح ، وينابيع النعمة الإلهية ...
وكلام السيد المسيح واضح جدا : " مملكتى ليست من هذا العالم " ( يو 18 : 36 ) .
النصوص الواضحة فى الأنجيل :
من غير المنطقى أن نفسر الواضح بالغامض ، بل أن العكس هو الصحيح يجب أن نفسر هذا الأصحاح الغامض مستفيدين من النصوص الواضحة التى وردت فى العهد الجديد فى نفس الصدد ، وأمامنا الأصحاح الخامس والعشرين من انجيل متى ، وفيه نتأكد أن حساب الأبرار والأشرار سيتم فى نفس الوقت ، وليس على مرتين كما يقول الحرفيون ، فالرب سيأتى فى المجىء الثانى فى مجده مع جميع الملائكة القديسين ، ويجلس على كرسى مجده ، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض ، ثم يقول للذين عن يمينه : " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ، ويقول للذين عن يساره : " أذهبوا عنى ياملاعين إلى النار الأبدية المعدة لأبليس وملائكته " .. " فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى ، والأبرار إلى حياة أبدية " ( متى 25 : 31 – 46 ) .
وحين نرجع إلى انجيل يوحنا نقرأ كلمات الرب نفسه : " تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة " ( يو 5 : 28 ، 29 ) .
من هذه النصوص يتضح أن المجىء الثانى واحد ، وأن القيامة الثانية واحدة ، وأن الموت الثانى واحد ، ليس هناك مجىء خفى ومجىء ظاهر ، وليس هناك قيامة أبرار ثم قيامة أشرار منفصلتين .
تفسير بقية الأصحاح العشرون
ينقسم هذا الجزء من الأصحاح إلى ثلاثة أقسام :
1- تقييد الشيطان ( 1 – 6 ) .
2- حل الشيطان ( 7 – 10 ) .
3- الدينونة النهائية ( 11 – 15 ) .
أولا : تقييد الشيطان :
رأى يوحنا ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية ، وسلسلة عظيمة على يده ، ومعروف أن المسيح قال عن نفسه : " لى مفاتيح الهاوية والموت " ( 1 : 8 ) ، فهو الذى أعطى السلطان لهذا الملاك ، وتقييد الشيطان بالطبع ليس ماديا أو حسيا ، لأن الشيطان روح ولكنه مجرد تحديد لحريته فى العمل والضعط على بنى البشر .
فقبض الملاك على الشيطان وقيده ألف سنة ، أى فترة زمنية طويلة حتى تتم مقاصد الله فى التاريخ ، وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه " أى قيد حريته وختم عليها " .... " لكى لا يضل الأمم فى ما بعد حتى تتم الألف سنة " أنها الفترة من الصليب حتى الأيام الأخيرة ، التى فيها " لأبد أن يحل زمانا يسيرا " .
والتحتيم هنا لتزكية المؤمن وليس لأعطاء الشيطان فرصة أخيرة للتوبة كما يرى البعض ، فالشيطان حين سقط أظلم كله ولم يعد أمامه أدنى أمل فى الأضاءة أو التوبة ، إذ أنه تكبر وسيبقى كذلك حتى النهاية ، لقد حبسته كبرياؤه فى قوقعة لا خلاص منها .
" ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما " لأن أولاد الله سيتمتعون بسلطان وملكوت روحى داخلى ... وسواء كانوا أحياء أم أموات ، شهداء أم قديسون ممن لم يسجدوا للوحش ، فالجميع فى حضن المسيح ، يملكون خلال هذه الفترة إما فى الفردوس أو على الأرض .
" أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة " والحديث هنا عن موتى الخطيئة ، موتى الروح ، الذين لا يتمتعون بهذه المعيشة الهانئة خلال فترة ملكوت العهد الجديد ، وذلك لأنهم لم يقوموا القيامة الأولى ، أى القيامة من قبر الخطيئة ، كما يقول الكتاب " استيقظ أيها النائم ، وقم من الأموات فيضىء لك المسيح " ( أف 5 : 14 ) أو قوله : " تأتى ساعة وهى الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون " ( يو 5 : 25 ) .
ثانيا : حل الشيطان : ( 20 : 7 – 10 ) .
" متى تمت الألف سنة " أى فى الأيام الأخيرة التى فى ذهن الله وقصده " يحل الشيطان من سجنه " وهكذا يزداد الأثم " فتبرد محبة الكثيرين " ( مت 24 : 12 ) وهذه هى الأيام التى حدثنا عنها الرسول بولس فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس حين قال : " ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الأيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين ، فى رياء أقوال كاذبة ، موسومة ضمائرهم " . ( 1 تى 4 : 1 ، 2 ) .
انها الأيام التى يظهر فيها الدجال ومعه النبى الكذاب ، يصنع الأيات المزيفة ، ويظهر الشاهدان للكرازة والمقاومة ، ويموتان بيد الدجال ، ثم يقومان ، ثم تسكب جامات الغضب الإلهى الأخير .
يخرج الشيطان من سجنه ليضل الأمم " جوج وماجوج " وهاتان الكلمتان وردتا فى سفر حزقيال ( ص 38 ) وفيه تحدث عن جوج وأرض ماجوج رئيس روش ماشك وتوبال ، والبعض يرى أنها أجزاء من أراضى روسيا أو الصين أو سيبريا .
ويجمع الشيطان هذه الأمم للحرب ، وأحاطوا بمعسكر القديسين ، والحديث هنا ليس عن أورشليم الحرفية بالضرورة ، بل عن كل أولاد الله فى انحاء الأرض ، فهم " المدينة المحبوبة " ولذلك فالله سينزل نارا من السماء تأكل الأعداء وتنقذ أولاده .
وهنا يطرح الشيطان فى بحيرة النار والكبريت ليشارك الوحش ( الدجال ) والنبى الكذاب ( مساعده فى صنع المعجزات الكاذبة ) فى مصيرهما المحتوم ، والعذاب هنا إلى أبد الأبدين ، فهذا حكم نهائى يختلف عن التقييد المؤقت السابق .
ثالثا : الدينونة النهائية : ( 20 : 11 – 15 )
نرى هنا عرشا أبيض عظيما " يختلف عن العروش السابقة كلها ، فى أنه عظيم ( رمز كرامة الله غير المحدودة ) وأبيض ( رمز قداسته المطلقة ) وعلى العرش جالس " هربت الأرض والسماء من وجهه " ( علامة هيبته المطلقة ) " فلم يوجد لهما موضع " ( علامة انتهاء الحياة المادية ، والأرض وما عليها ، والسماء الأولى بأفلاكها ونجومها ) .
ونرى الأموات " صغارا وكبارا " أى جميع الأنفس وقد وقفت أمام الله ، لتسمع حكمة الأخير حسب ما هو مدون فى سفر الحياة ، فالمسيح هو الديان بشهادة جميع الأديان : " الآب لا يدين أحدا ، بل قد أعطى كل الدينونة للأبن " ( يو 5 : 22 ) . " هذا هو المعين من الله ديانا للأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2 تى 4 : 1 ) .
" ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم " .. والمقصود بهم الأشرار الذين ماتوا فى الخطية " وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيها ، ودينوا كل واحد بحسب أعماله " .. فأيا كانت أسباب الموت ، فالجميع سيقفون أمام الله للدينونة
" وطرح الموت والهاوية فى بحيرة النار " لم يعد هناك موت جسدى ، ولا هاوية للنفوس الشريرة ، فقد جاءت ساعة الدينونة النهائية ، هذا هو" الموت الثانى " أى الموت الأبدى فى جهنم .
" وكل من لم يوجد مكتوبا فى سفر الحياة طرح فى بحيرة النار " .. فالعبرة بأن يجد الأنسان اسمه فى سفر الحياة فى ذلك اليوم الهام والحاسم .
وهكذا أنتهى الشيطان ، والموت والهاوية ، وحلت دينونة الأشرار ومكافأة الأبرار ، فلنستعد !
الرؤيا السابعة
الكنيسة فى السماء
الأصحاحات 21 ( المدينة السماوية ) ، 22 ( ملاحظات ختامية ) .
فكرة عامة :
نأتى الآن إلى ختام هذا السفر النفيس فقد انتهى الصراع فى صوره المتعاقبة ودوراته المتعاقبة ، انتهت الأختام بإعلاناتها ، والأبواق بإنذراتها ، والجامات بأحكامها ، وانتهى الصراع بين المرأة والتنين والوحش والنبى الكذاب ، وسقطت بابل المدينة الزانية التى اضطهدت القديسين ، ودخل الجميع إلى الراحة الكاملة بعد أن طرح الشيطان إلى عذاب أبدى ، فما هى صورة العالم الجديد ؟ صورة أورشليم السماوية التى تصبو إليها أرواحنا ؟ هذه هى الرؤيا الأخيرة وقد استقرت " الكنيسة فى السماء " .
والأرض الأولى مضتا ، والبحر لا يوجد فيما بعد .. نعم ، فلقد احترقت الأرض بمصنوعاتها وتساقطت الأفلاك فى اليوم العظيم ( 2 بط 3 : 8-10 ) ، ونحن الآن على مشارف عالم جديد أبعاده ليست كأبعاد الأصحاح الحادى والعشرون
المدينة السماوية
ينقسم هذا الأصحاح إلى قسمين :
1- أورشليم الجديدة ( 21 : 1 – 8 ) .
2- أوصافها المبهجة : ( 21 : 9 – 27 ) .
أولا : أورشليم الجديدة :
رأى يوحنا " سماء جديدة وأرضا جديدة " ، لأن السماء الأولى أرضنا الحسية ، وملامحه ليست كملامحها ، نحن فى عالم الروح ، وفى " ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على بال إنسان ( 1 كو 2 : 9 ) ، البحر أيضا قد مضى وهو رمز للعالم بمياهه المالحة ، فنحن الآن فى عالم النقاء والأرتواء الكامل ، عالم السلام والصفاء العجيب .
ثم رأى يوحنا أورشليم الجديدة نازلة من السماء ، من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها " فأورشليم الجديدة هى الكنيسة المفدية جماعة المؤمنين ، الذين تمتعوا بالسلام الإلهى ( أورشليم – مدينة السلام ) ، ولا ننسى أن الكنيسة دائما منظورة ( على الأرض ) وغير منظورة ( فى الفردوس ) ، وهما جسد واحد ، جسد المسيح الذى يمتد عبر الزمان والمكان ، لهذا رآها يوحنا نازلة من السماء لأن أساسها ورأسها فى السماء " أما سيرتنا نحن فهى فى السماوات " ( فى 3 : 30 ) ، وأما الزينة فهى الفضائل وثمار الروح القدس ، التى تتحلى بها النفوس التى تقدست للمسيح ، " وقدمت نفسها له كعذراء عفيفة " ( 2 كو 11 : 2 ) ، ولعل سفر النشيد كان يؤكد ذات المعنى حين يقول العريس السماوى لعروسه الكنيسة : " قومى يا حبيبتى يا جميلتى وتعالى " فترد النفوس : " حبيبى لى ، وأنا له " ( نش 2 : 13 ، 16 ) ، " أختى العروس جنة مغلقة ، عين مقفلة ، ينبوع مختوم " ( نش 4 : 12 ) .
ثم سمع يوحنا صوتا عظيما من السماء قائلا :
" هوذا مسكن الله مع الناس ، وهو سيسكن معهم ، وهم يكونون له شعبا ، والله نفسه يكون إلها لهم " .
وتعبير " مسكن " علامة الأستقرار النهائى فى حضن الله ، مع ارتباط دائم بينهما فهو إلههم وهم شعبه الخاص ، فماذا تراه سيفعل معهم ؟
1- عزاء كامل : فالله سيمسح دموعهم ، وسينسيهم الآم الأضطهاد سواء القادم من البشر أو الشيطان .
2- حياة أبدية : فقد مضى الموت بغير رجعة .
3- فرح خالد : فلا يكون حزن هناك ولا صراخ ، ولا وجع فى مدينة القديسين السمائية .
4- عالم جديد : فالله سيصنع كل شىء جديدا ، ليس كالعالم الأول ، عالم الخطيئة والأنين والجهاد ، ولكنه عالم جديد يسود فيه الفرح والراحة والنقاء .. نعم ، هذه الأقوال صادقة وأمينة " فهى أقوال الله الصادق الأمين " .
" قد تم .. " فشكرا لله أن فترة الجهاد قد أنقضت بسلام حتى وصلنا إلى مشارف الأبدية وعيدها الذى لا ينتهى .. " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " .. فيسوع هو محرك التاريخ ، ولا شىء يجوز من وراء ظهره بل كل شىء قد جاز عبر مشيئته المقدسة .. " أنا أعطى العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا " .. فيسوع هو سر الأرتواء والشبع الأنسانى حيث نجد فى النفس البشرية عطشا غير محدود ، وجوعا لا متناه ، ويستحيل أن يرتوى الأنسان أو يشبع من أمور هذا العالم مهما كانت خيرة أو شريرة : لا الخطيئة ولا المال ولا العلم ، ولا المراكز ولا المعرفة تشبع الأنسان ، ولن يشبع الأنسان إلا بالمسيح الماء الحى ، وشكرا لله ، إنه يعطينا هذا الشبع مجانا لسببين :
1- يستحيل أن يقدر هذا الخبز بثمن !
2- يسوع قد دفع الثمن مسبقا بفدائه العظيم لنا .
وعلى الجانب الآخر صورة محزنة للهالكين : " وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت ، التى هو الموت الثانى " ..
إن البحيرة ليست معدة أصلا للأنسان للشيطان وجنوده ، فالرب سيقول لأهل اليسار : " أذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته " ( مت 25 : 41 ) ، وأما الملكوت فهو معد للبشرية ، بدليل قوله للأبرار : " تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم " ( مت 25 : 34 ) .
ثانيا : أوصاف أورشليم المبهجة ( 21 : 9 – 27 ) .
قالها الملاك ليوحنا : " هلم فأريك العروس إمرأة الخروف " .... هذه دعوة تقابل تلك التى تلقاها يوحنا ليرى نهاية الزانية العظيمة ، دعوة مبهجة ليرى أورشليم السماوية .
وذهب الملاك بيوحنا بالروح إلى " جبل عظيم " فنحن هنا فى سمو وكرامة ومجد ، والمدينة " نازلة من السماء من عند الله " فالرب هو معطيها وسر قوتها وبركتها .
" لها مجد الله " ، إنه مفاض من التقدير " الذى يعطى الجميع بسخاء ولا يعير " ( يع 1 : 5 ) ، ولمعانها شبه أكرم حجر ، كحجر يشب بلورى " واليشب الأبيض يشير إلى النقاء والطهر .
" وكان لها سور عظيم عال " .. رمز الحماية والجلال زإثنا عشر عليها ملائكة وأسماء الأسباط .. فالأبواب كثيرة تعبر عن رحابة صدر الله ، والأثنى عشر رمز الديانة المنظمة فهى مفتوحة لمؤمنى العهدين ، هنا نجد الأثنى عشر سبطا وبعد قليل نجد الأثنى عشر رسولا ، والملائكة يحرسون الأبواب ، دون أن يمنعوا الدخول كملاك جنة عدن ، والأبواب موزعة على الجهات الأربع ، علامة أن الله يفتح حضنه لكل الشعوب والأمم ، وهى ثلاثة فى كل جهة ، رمز الثالوث سر خلاص الأنسان : الأب الذى خلقه ، والأبن الذى فداه ، والروح الى قدسه .
وللسور أثنا عشر أساسا عليها أسماء لرسل الخروف الأثنى عشر : " فهم أساس نشر المسيحية فى كل العالم ، بكلمتهم وكرازتهم صار الخلاص للأرض وعلى المؤمنين أن يتمسكوا بتعاليمهم لا يحيدون عنها ، كما يقول الكتاب : " مبنيين على أساس الرسل ، والأنبياء ، ويسوع نفسه حجر الزاوية " ( أف 2 : 20 ) . وهكذا عاش آباؤنا يواظبون على " تعليم الرسل " ( أع 2 : 42 ) ، وكان الرسول بولس ينبه على ذلك حتى لا يدخل إلى المؤمنين تعليم غريب ولو عن طريق ملاك " إن بشرناكم من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما ( محروما ) " ( غل 1 : 8 ) .
" ثم قاس الملاك المدينة وسورها وأبوابها بقصبة من ذهب " .. والذهب دائما رمز النقاء والبر ، فمعنى ذلك أن سكان هذه المدينة قد قيسوا بمقاييس البر فوجدوا مستحقين دم المسيح .
وكانت المدينة " مربعة " تساوى الأضلاع علامة تساوى الفرح لدى الجميع ، حتى وإن تميز أحدهم عن الآخر فهو لا يحس بذلك ، إن حدة إبصاره أقوى وهو يرى تفاصيل أدق ، لكن الثانى يرى من الجمال ما تسمح به عيناه ويبتهج مثله تماما ، لكل كأسه والكؤوس كلها مليئة ، ولكل سعته الروحية والقلوب كلها شبعانة ..
وكان الطول 12000 غلوة ، علامة الأتساع الذى يضم الكثيرين ، إشارة أخرى لرحابة صدر الله ( الغلوة حوالى 200 مترا ) .
" السور من يشب " وهو حجر كريم أبيض رمز النقاء ، والبعض يرى أنه أخضر رمز دوام الحياة ، " والمدينة تبقى " فهى البر " شبه زجاج نقى " رمز الشفافية الروحية التى يحيون فيها .
والأساسات نفسها مزينة بحجارة كريمة :
1- اليشب الأخضر : رمز دوام الحيوية .
2- الياقوت الأزرق : رمز شفافية السماء .
3- العقيق الأبيض : رمز النقاء .
4- الزمرد الذبابى : أخضر كاليشب .
5- الجزع العقيقى : أحمر رمز الفداء .
6- العقيق الأحمر : فكل من فيها مفدى بالدم .
7- الزبرجد : من أنقى أنواع الذهب رمز الكمال .
8- الزمرد السلقى : كالبحر الهادىء رمز الصفاء .
9- الياقوت الأصفر : رمز الصبر لأن النار تزيده لمعانا .
10-العقيق الأخضر : تأكيد للحيوية .
11-الأسمانجونى : ويمتاز بالصلابة رمز الخلود .
12-الجشمت : ويمتاز بالجاذبية رمز جاذبية المسيح .
والأبواب عبارة عن " أثنى عشر لؤلؤة " والسوق " ذهب كزجاج شفاف " كلها تعبيرات عن المجد والبهاء والنقاء والسمو .. وطبعا السوق ليس للبيع والشراء ولكنه تعبير عن الرحابة والشركة والأتحاد بين المؤمنين .
" لا هيكل هناك " فالمسيح هيكلها وذبيحتها الدائمة " ولا شمس ولا قمر هناك " فالمسيح هو شمس البر والنور الأبدى ، وهو ينيرها بمجده الأسنى .
بل أن " الشعوب المخلصين تمشى بنورها وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها " .. فنور الكنيسة يقود الجميع إلى الخلاص ، ومهما كانت أمجادهم الأرضية فهم يطرحونها عند أقدام الرب ، مفضلين المجد السماوى عليها .
" أبوابها لن تغلق نهارا لأن ليلا لا يكون هناك " بل أبواب مفتوحة والكل " يدخل ويخرج ويجد مرعى " ( يو 10 : 9 ) .
الأصحاح الثانى والعشرون
ملاحظات ختامية
أولا : نهر الحياة وشجرة الحياة ( 22 : 1- 5 )
" وأرانى نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور خارجا من عرش الله والخروف " ... وواضح أن الكلام هنا رمزى بحت .. وهو إشارة إلى المعمودية طريقنا إلى الله وعطية الله لنا .
فى وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك شجرة حياة ، تصنع أثنى عشر ثمرة ، وتعطى كل شهر ثمرها ، وورق الشجرة لشفاء الأمم ، والشجرة رمز للسيد المسيح ، والثمرات الأثنى عشر إشارة إلى الشبع الدائم لكل تابعى الرب ( 12 رمز العبادة المنتظمة ) وهى مثمرة طول العام ، علامة سخاء النعمة بلا مواسم ، ولا موانع ، أما الورق الذى لشفاء الأمم ، فإشارة لعمل المسيح مع أولاده القادمين من أرض الأتعاب والآلام والأمراض .
" ولا تكون لعنة فيما بعد ، عرش الله والخروف يكون فيها وعبيده يخدمونه " فلقد غسل دم المسيح الأرض التى لعنت قبلا بسبب سقطة آدم .. والآن صارت البشرية فى حضرة القدوس تخدمه ، وتشبع من دسم نعمته الأبدية ، فى تسبيح وترتيل دائم .
" وهم ينظرون وجهه " أى " سنراه كما هو " ( 1 يو 3 : 2 ) وسنراه " وجها لوجه " ( 1 كو 13 : 12 ) ، " واسمه على جباههم " علامة الملكية والتخصيص ، فليس فى ذهنخم سوى المسيح والملكوت .
" ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم ، وهم سيملكون إلى ابد الآبدين " ... تأكيدا جديدا للنور الإلهى ، الذى سنعيش فيه ، وللملك المعد لنا لنتمتع به إلى الأبد .
ثانيا : الأقوال صادقة وأمينة : ( 22 : 6 – 7 )
وهنا تأتى الملاحظة الثانية فى الأصحاح إذ يؤكد الملاك ليوحنا أن " هذه الأقوال صادقة وأمينة " .. وأن الرب الإله هو الذى قصد أن يعلنها لأولاده ، من خلال هذه الرؤيا ليعرفوا مقاصده ويتشددوا فى ضيقاتهم ، فهو " آت سريعا " لا ينس ولا يتركنا نجرب فوق ما نستطيع أن نحتما ، " وطوبى لمن يحفظ أقوال نبوة هذا الكتاب " ... أى طوبى لمن يؤمن بما هو مكتوب فيها ويستعد لكفاح الأيام ونصرة الرب ، لهذا تقرأ لنا الكنيسة هذا السفر فى ليلة سبت النور ، لنرى العالم الآخر الذى ذهب إليه الرب فى تلك الليلة ليفتح الفردوس ويحرر المسبيين ، وكذلك لكى نضع أورشليم السمائية نصب أعيننا لتكون ميراثنا .
ثالثا : يوحنا يتكلم مع الملاك : ( 22 : 8 – 9 )
وبدأ يوحنا يتكلم معه فيقول : " وأنا يوحنا الذى كان ينظر ويسمع هذا " وكيف أنه حاول مرة أخرى أن يسجد للملاك فنهاه عن ذلك قائلا : أنا عبد معك ، ومع أخوتك الأنبياء ، الذين يحفظون أقوال هذا الكتاب ، " اسجد للـــه " ..
ثم يقول له الملاك : " لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب " ... أى افتح هذا الكتاب للجميع لأن تمام مقاصد الله آت سريعا ، وبالفعل بدأت الأحداث تتحرك من ختم إلى ختم ، ومن بوق إلى بوق .
وبدأ الملاك يهدد قائلا : " من يظلم فليظلم بعد ، ومن هو نجس فليتنجس بعد ، ومن هو بار فليتبرر بعد ، ومن هو مقدس فليتقدس بعد " ... أى ليمشى كل فى الطريق الذى يروق له ، لكن الله سيجازى كل واحد حسب أعماله .
رابعا : الرب يتكلم ( 22 : 10 – 16 )
وفى نهاية السفر بدأ الرب يتكلم : " ها أنا آتى سريعا ، وأجرتى معى ، لأجازى كل واحد كما يكون عمله " فالأيمان النظرى لا يكفى لأن الشياطين يؤمنون ويقشعرون ، المهم أن نترجم إيماننا إلى أعمال مقدسة بعمل الله فينا وبنا .
" أنا الألف والياء ، البداية والنهاية ، الأول والآخر " ... فالمسيح كما ذكرنا هو محور التاريخ كله ، " وطوبى للذين يصنعون وصاياه " لأنهم سيأكلون من شجرة الحياة ، ويدخلون من الأبواب إلى المدينة ، أما فى الخارج فيبقى " الكلاب " أى من عاشوا فى النجاسة وأضطهدوا أولاد الله ، والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان " وكل من يحب ويصنع كذبا " أى كل من يحب الكذب ويصنعه .
" أنا يسوع أرسلت ملاكى لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس ، أنا أصل وذرية داود ، كوكب الصبح المنير " .. فالرب يسوع هو الذى كلف يوحنا بهذه الرسالة ، وهو خالق داود النبى ، وقد جاء منه حسب الجسد .
خامسا : الكنيسة تتكلم : ( 22 : 17 )
" الروح والعروسان يقولان تعال ، ومن يسمع فليقل تعال ، ومن يعطش فليأت ومن يرد فليأخذ ماء حياة مجانا " .
هنا كرازة الكنيسة بالروح القدس ، فهى تدعو الجميع إلى الرأى الإلهى وتطلب منهم أن يدعوا بعضهم بعضا ليمتلىء البيت من المفديين المرتوين من ماء الحياة مجانا لأن الرب دفع ثمنه قبلا .
سادسا : تحذير واشتياق : ( 22 : 18 – 21 )
فمن يزيد على أقوال هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فيه ، ومن يحذف منها يحذف الله أسمه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة .
ثم يقول يوحنا : " الشاهد بهذا " نعم أنا آتى سريعا " أى حقا لقد سمعت من فمه هذا الوعد المبارك ، إذن آمين تعال أيها الرب يسوع " .. فليس لنا أفضل من هذا أن يأتى الرب وإذ يجدنا مستعدين يأخذنا إليه .
ويختم يوحنا سفره النفيس بالتحية المسيحية المعهودة : " نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين " .. فنعمته هى سندنا الوحيد فى غربة هذا الدهر وسبيلنا الأكيد إلى حياة أبدية ..
"أمين تعـــــال أيهـــــــا الــــــــرب يســــــــــوع "
================================================== ========
تم في 19-9-2006
Hunter: الأخ
الله محبة