إعداد القادة وأزمة التفكير في الكنيسة القبطية
يوسف سمير خليل
يوسف سمير خليل
مشكلة إعداد القادة والكوادر في كنيستنا القبطية من المشاكل الخطيرة التي تهدد مستقبل الكنيسة حيث أصبحنا نعاني من السطحية في كتابتنا وأفكارنا وخدمتنا واسلوب إدارتنا لهذه الخدمة ، وفي احتكاكنا بالشباب الذي يبحث عن إجابات لتساؤلاته وحلول لمشاكله نجدهم قد فقدوا الثقة في كهنتهم وخدامهم ، حيث لا الكاهن دارس ولا الخادم فاهم ، والنتيجة جيل من الشباب الذي لا يعرف شيء عن دينه ولا كتابه المقدس ، وهذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها ، ولذلك لم يكن غريباً أن نجد داخل المنتديات المسيحية الأرثوذكسية على شبكة الإنترنت مقالات لبعض الهراطقة المعاصرين وتعليقات من الأعضاء تمدح في هذه المقالات دون أي وعي من المشرفين على هذه المنتديات أو من أعضائها ، ولكي لا نطيل في المقدمة نتناول الموقف في نقاط محددة ....
1 – من هم الذين يخدمون مرحلة ابتدائي ؟
لا يوجد شك في أن مرحلة ابتدائي هي أهم مرحلة لتكوين العقلية الدينية والحياة الروحية لدى الإنسان المسيحي ، فالتعليم فيها كالنقش على الحجر ، والمبادئ التي تلقن فيها تنعكس على أفكار ونفسية المخدوم بقية حياته ويكون من الصعب تغييرها بسهولة ...
ومع أهمية هذه المرحلة نجد أن الكنيسة تترك أطفال ابتدائي ( في إيد شوية عيال بيجروا ورا بعض في حوش الكنيسة !! )
كل طالب جامعة أو أي شخص مستجد في الخدمة عايز يخدم أو عايز " يظهر " في الكنيسة ينزل خدمة ابتدائي وكأن خدمة ابتدائي هي حقل للتجارب وتدريب للخدام !!! وهذا خطر كبير على الكنيسة ...
ونحن نقول أنه لا مانع من أن ينزل طالب الجامعة أو غيره من المستجدين في خدمة مرحلة ابتدائي ولكن مع خادم كبير دارس وفاهم ويجيد التعامل مع الأطفال و تحت إشرافه ، وإلا ستكون النتيجة جيل – بل أجيال - من مرحلة إعدادي وثانوي وبالتالي أجيال من الأسر المسيحية مش فاهمين أي حاجة ، ورافضين للوجود في الكنيسة لأنه لم يتم تأسيس علاقة صحيحة بينهم وبين السيد المسيح منذ الصغر ، بل أيضاً سيكون هناك الكثير من التعاليم الخاطئة عالقة في أذهانهم نتيجة جهل الخدام .
2 – أين الدراسات العليا والبحث العلمي ؟
نحن نعلم أنه بعد نياحة نيافة الأنبا غريغوريوس اسقف الدراسات العليا والبحث العلمي والثقافة القبطية لم يرسم أسقف بديل له ، ومع كثرة مسئوليات قداسة البابا والأعباء الملقاه على كتفيه ضعف الاهتمام بالدراسات العليا والبعثات الخارجية ، ونتساءل ما هو عدد رسائل الدكتوراه والماجستير في كل عام على مستوى الكرازة ؟؟؟
يعجبني أخوتنا البروتستانت والكاثوليك عندما أجد الكثير من رعاتهم وقسوسهم يسبق أسمائهم لقب ( الدكتور القس فلان ) ليس معنى كلامي الإهتمام بالألقاب أو أن كل دكتور فاهم ومن هو غير حاصل على دكتوراه غير فاهم لأن هناك أباء لم يحصلوا على الدكتوراه ويتم إعداد رسائل دكتوراه في تعاليمهم وكتابتهم ، ولكن الذي أقصده هو لماذا لا يكون هناك تنشيط لحركة البحث العلمي والدراسات المتخصصة ؟؟ فنحن تعبنا جداً من الكهنة الذي أصبح كل واحد فيهم مفتي خاص للديار المسيحية نتيجة عدم الدراسة لدرجة أن هناك كهنة لا يعرفون تقسيمات أسفار الكتاب المقدس !!
وللأسف تتردد نغمة مستفزة بين الكثيرين حيث يقولون " الدكتوراه والعلم مش كل حاجة المهم التقوى " !!!
يعني هو إحنا لازم نكون جهلاء علشان يبقى عندنا تقوى ؟! وإيه التناقض بين العلم والتقوى ؟! يعنى كل اللي معاهم دكتوراه دول منحلين أخلاقياً ؟! وبعدين بصراحة وغالبيتكم عارفين إن إحنا عندنا كهنة وخدام " لا علم ولا تقوى " وأعمالهم وأحوالهم ونزاعاتهم أصبحت مكشوفة للشعب ...
ونفس هذا المنطق ذكرني بأحد الخدام الذي كان كلما أردنا شرح موضوع عقيدي لشباب ثانوي يرفض بحجة أنها مواضيع صعبة والمهم هو الروح والكتاب يقول "يا ابني أعطني قلبك وليس عقلك " وكأن المسيحية هى ديانة تغييب العقل ، طيب امتى هياخدوا العقيدة ؟! في سن المعاش ؟! وقلت له يا أستاذي لو الكنيسة كلها أيام أريوس كانت مسلمة قلبها لربنا ومفيش أثناسيوس اللي بيدرس ويبحث ويشغل عقله كانت الكنيسة كلها بقت أريوسية ، وهل في حد يقدر يقول إن أثناسيوس لم يكن إنساناً روحانياً وقديساً ؟؟ وأنا بصراحة مش عارف ليه الخلط ده ؟ ليه كل خادم مفتقد لشيء بيقف ضده ويحاربه ؟ اللي مش فاهم عقيدة بيحارب الكلام في العقيدة وينادي بالكلام في الروحيات وهو لا عايش روحيات و لا يفهمها ، واللي مفتقد لأسلوب البحث والدراسة يرفع شعار "يا ابني أعطني قلبك" ناسياً كل آيات الكتاب المقدس التي تنادي بالفهم والمعرفة وتفتيش الكتب !!
نحن لا ننكر أن لكل إنسان موهبته فهناك من لا يستطيع القيام بالبحث والدراسة المتعمقة وهذا يكفيه أن يحيا ببساطة الإيمان وبالخبرة الشخصية مع السيد المسيح ، ولكن أن يتحول هذا الشخص إلى محارباً لدراسة العقيدة والعلوم الدينية فهذا هو المرفوض .
هذا غير أننا نعاني من تمركز الدراسات العليا في القاهرة فنحن في اكليريكية الإسكندرية مثلاً لا يوجد عندنا دراسات عليا ويجب علينا الذهاب للقاهرة مما يكلفنا الكثير من الأعباء المالية والوقت والمجهود ( يعني بصراحة بيقفلوا الأبواب في وجوهنا وبيعجزونا) وكل هذا بحجة أنه لا يوجد هنا أساتذة ودكاترة تشرف على الدراسات العليا !! ومن الذي صنع هذا الوضع ؟؟ ما الذي صنع هذا سوي عدم الاهتمام بإعداد القادة والكوادر ؟ ده إحنا وصلنا لدرجة إنه عندما يتوفي مدرس أو يتنحي عن التدريس ولم يوجد بديل لتدريس مادته تلغي هذه المادة !!
نحن نحتاج إلى أسقف مساعد لقداسة البابا للاهتمام بالدراسات العليا والبحث العلمي وشئون الإكليريكيات .
3- ضعف مناهج إعداد الخدام والإكليريكيات :
سألت إحدى الخادمات الحاصلات على دورة إعداد الخدام – متوقعاً الإجابة – من كانت قبل الأخرى العذراء أم حواء ؟ فأجابت على الفور : العدرا طبعاً !!!
ودخلت الكنيسة المرقسية ذات مرة لأجد شباب يصل عددهم لعدد الذين يحضرون محاضرة الأربعاء لسيدنا البابا ، وكانوا إعداد خدام ، فاندهشت إذا كان الشعب كله إعداد خدام فمن سيكون المخدوم ؟! فالمسألة ليست بكثرة العدد حيث تنتشر السطحية بين الغالبية ...
وإن كنا لا نستطيع أن ننكر الجهود التي تبذلها أسقفية الشباب في هذا المجال ومجالات أخري ، إلا أننا نتمنى أن يكون هناك انتقاء لبعض الشخصيات من كل كنيسة وإحاطتها بالرعاية وإعدادها بالمناهج القوية ، من أجل تخريج كوادر قادرة على حمل مسئولية التعليم في الكنيسة .
والوضع في الإكليريكية - على الأقل اكليريكية إسكندرية التي تخرجنا منها وأعرف أوضاعها – لا يقل سوءاً عن الوضع في إعداد الخدام فعدم تخريج كوادر قادرة على العطاء في مجال التعليم الكنسي هو واقع ملموس ، فعدوي طريقة التعليم المصري قد انتقلت للتعليم الكنسي ، فالطالب يحفظ المذكرات ليفرغها في ورقة الامتحان أما عن قدرته على البحث أو حل المشاكل اللاهوتية والكتابية فغير موجودة ، والمهزلة أن هناك من ينجح بالغش وهناك من يكتب الإجابات على تختة الامتحان !! ثم يتخرج حاملاً لقب اكليريكي ثم يسعى للكهنوت ...
ثم أن هناك مناهج يتم تدريسها تشبه مسابقات أتوبيسات الرحلات ولا ترقى بأي حال من الأحوال للمناهج التي تدرّس في الكليات الكاثوليكية والإنجيلية ، وأغلب المواد لا يوجد لها كتب بل عبارة عن مذكرات لا يتم الاحتفاظ بها غالباً بعد الامتحان ...
ومن المهازل التعليمية التي اذكرها انه في بعض المواد كان الذي يقوم بتصحيح الامتحان مجموعة من الخريجين ( ماسكين في
ايديهم نموذج إجابة !! ) وطبعاً لو كان الذي سيُقَيّم فكري اللاهوتي خريج و نموذج إجابة يبقى على التعليم اللاهوتي السلام .
أيها الأخوة يجب أن يتغير هذا الوضع ويجب أن يُفحص المدرس وتُفحص طريقته في التدريس وتُفحص مناهجه وامتحاناته وطريقة تصحيحه ولا يترك الطالب تحت رحمة فكر كل مدرس وتحت سلطة مزاجه الخاص في وضع الامتحانات وطريقة تصحيحها .
4- سياسة عدم الاختلاف وتقييد حرية الفكر :
الكنيسة القبطية ناجحة جداً في تهميش وتحجيم دور كل من يختلف مع الرئاسة الكنسية ، نحن لا نتكلم عن ثوابت الإيمان فالاختلاف فيها هرطقة ، ولكن نتكلم عن طريقة شرح هذا الإيمان وتفسير الكتاب المقدس ، فالكنيسة الكاثوليكية في العالم العربي مثلاً يوجد بها علماء وأقطاب كثيرين في اللاهوت وكل عالم له مدرسته الخاصة في شرح وفهم العقيدة وتفسير الكتاب المقدس ومع ذلك فهي تحافظ على وحدتها ، أما نحن إن كان عندنا عالم كبير وأخطأ ننسى كل علمه ونتناوب في غمره بالتراب حتى يختفي تماماً ( وأيضاً أكرر أنني لا أتكلم عن الأخطاء التي تُخرج الشخص عن الإيمان ) ، فالأب متى المسكين مثلاً لو كان ينتمي للكنيسة الكاثوليكية ما كانت مُنعت كتبه على الإطلاق من المكتبات بالرغم من الأخطاء التي وردت في بعضها ، فكل عالم معرض أن يخطئ لأن الآباء أنفسهم أخطئوا لأنهم اختلفوا مع بعضهم البعض ولا يمكن مع اختلافهم أن يكونوا جميعاً على صواب ...
والأكثر من هذا ... التجرؤ على إصدار أحكام على بعض الأشخاص تُدخلهم أو تُخرجهم من الملكوت ، أو الخدام الجهلاء الذين كانوا يقولون لنا في مدارس الأحد أن أي زواج غير أرثوذكسي يعتبر زنا حتى لو كان زواجاً كاثوليكياً أو بروتستانتياً !!
وبالمناسبة أذكر لكم شيئاً ذكره معلمنا نيافة الأنبا غريغوريوس عن سبب عدم تبادل الأسرار بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية ، فقال أنه منذ مجمع خلقيدونية " أمست الكنيستان دائرتين مغلقتين إحداهما عن الأخرى ولا شركة بينهما ، فعمل الروح القدس في داخل كل كنيسة يجعل الأسرار ذات فاعلية في دائرة كل كنيسة على حدة بدون شركة أو اتصال بين الدائرتين أو بين الكنيستين وبلغة الكهرباء التيار سار في كل دائرة ، ولكن غير موصول بين الدائرتين " ( موسوعة الأنبا غريغوريوس ج8 ، ص 126 )
يا سيدي نيافة الأنبا غريغوريوس مادمت تعترف أن الروح القدس يعمل في أسرار الكنيسة الكاثوليكية فكيف لا تقبل الشركة في أسرارهم ؟! فهل الروح العامل عندهم غير الروح الذي يعمل عندنا وهل الكهرباء في الدائرة الأولى غير التي في الثانية ؟! فإن كان الروح القدس نفسه لم يرفض أن يعمل في أسرار الكنيسة الكاثوليكية بالرغم من الحرومات والاختلافات فهل نرفض نحن شركة أسرارهم ؟؟!!
نحن نريد أن نتخلى عن سياسة أنك مادمت تختلف معي فأنت ضدي ، فيجب أن نتعلم أن أكون مختلف معك وهذا لا يمنع أن أحبك ، لأن هذه السياسة تُخرج لنا كنيسة ضعيفة ومجمع مقدس ضعيف حيث يخشى كل شخص أن يخالف الرئاسة الكنسية لئلا يصبح منبوذا ومهمشاً ويظهر كأنه عدو للكنيسة وهذا إن لم يحدث بالكلام لكنه يحدث بالأفعال ، كما حدث مثلاً في تهميش نيافة الأنبا غريغوريوس والأب متى المسكين عن المشاركات والقرارات الكنسية والحوارات المسكونية ، وإن كانا هما لم يخسرا لكن الكنيسة هى التي خسرت علماؤها .
وأخيراً أقول أن إدعاء أي فرد بأنه يملك الصواب المطلق أو الحقيقة المطلقة وأنه يقدم الفهم والشرح السليم هو تأخر فكري رهيب للكنيسة.
يعجبني جداً الأستاذ الكبير توفيق الحكيم عندما قال في مقدمة كتابه " يقظة الفكر" :
إن مهمة الكاتب ليست في حمل القارئ على الثقة به ، بل في حمله على التفكير معه ... أريد من قارئي أن يكون مكملاً لي ، لا مؤمناً بي ... ينهض ليبحث معي ولا يكتفي بأن يتلقى عني ،،،،
5 – شعب انفعالي :
من سمات شعبنا القبطي أنه شعب شديد الانفعالية دون فهم ، فهو يصفق لأي كلمة تقال بغض النظر إذا كان يفهم معناها أم لا ، فذات مرة وجدت على أحد المنتديات المسيحية على شبكة الإنترنت موضوع عنوانه " لا توجد توبة للزاني" وكان هذا الموضوع تعليقاٌ على كلام قداسة البابا شنودة بمنع الطرف الزاني من الزواج مرة أخرى ، وطبعاً البابا لم يقل أنه لا توجد توبة للزاني ولكن صاحب الموضوع فهم ذلك وكان فرحان ومبسوط دون أدنى فهم لما يقوله ....
وأصبح الشعب يصفق ويزغرد لأي كلمة يقولها البطريرك أو الكاهن في الكنيسة دون أن يفهم معنى ما يقال ومدي صحته من خطأه ، وكثيراً عندما نناقش الشعب في أحد المواضيع نسمع عبارة " هو إنت هتعرف أكتر من أبونا " ، وهذه الظاهرة لا تخص الأقباط فقط ولكنها ملحوظة في معظم الشعب المصري ، فالشعب المصري نصفه لا يعرف القراءة والكتابة والباقي أنصاف متعلمين وقليل جداً مثقفين ، ولذلك أصبح معظم الشعب لا رأي له تقول له " شمال يبقى شمال ويمين يبقى يمين " ، نحن نريد أن يتعلم الشعب كيف يدرس ويبحث ويختلف مع الأخر ويتعلم أن يستقي معلوماته من أكثر من مصدر وأن لا يكرر كلمة " آمين " وراء شخص واحد ، ولا نريد أن يكون هتاف الشعب وتهليله لموضوع معين مقياساً لصحة قضية معينة وإن كان دليلاً على محبته لرؤسائه الدينيين ، إلى أن يصبح الشعب واعياً بالكتاب المقدس وبمبادئه اللاهوتية .
6 - المحاكمات الكنسية :
ليَّ رأي في موضوع المحاكمات الكنسية - عندما تتعلق المحاكمة بمسائل لاهوتية – وهو أنه لا يجب أن تتكون هيئة المحاكمة من عدد قليل من الأساقفة بل يجب أن يكون عدد الهيئة كبير وأن لا تقتصر على الأساقفة فقط بل تضم أيضاً المتخصصين من الأساتذة من غير الإكليروس ، بحيث لا يكون الحكم صادر اعتمادا على الفكر العقيدي الشخصي للعدد القليل الذي يقوم بالمحاكمة لأنه قد لا يكون هذا الفكر صحيحاً من الناحية اللاهوتية ، فنحن نصادف أخطاءً لاهوتية لمن يقومون حالياً بالمحاكمات الكنسية ففي إحدى المحاضرات سمعت رأيا غريباً لأحد المطارنة وهو أن الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية سواء تمت ولادتهم أو كانوا لا يزالون أجنّة في بطون أمهاتهم فهؤلاء سيدخلون جهنم حيث أن الله سمح بموتهم قبل أن يعتمدوا لأنه يعلم أنهم لو كانوا قد اعتمدوا وكبروا لكانوا أصبحوا أشرار فهو حكم عليهم بدخول جهنم على أساس علمه السابق بالشر الذي لم يعيشوه ، ومنذ متى وفي أي نص يحاسب الله الإنسان بموجب علمه السابق قبل أن يفعل هذا الإنسان شيئاً !!! كذلك الحكم على جميع الطوائف الغير أرثوذكسية بدخول جهنم غير ملتفتين إلى عمل الله وسطهم !! .... الخ .
ولذلك فالعدد الكبير في هيئة المحاكمة يضمن سلامة الحكم وبمعنى آخر تكون الهيئة عبارة عن مجمع مكاني صغير يضم الدارسين والمتخصصين من الإكليروس وغير الإكليروس ، بحيث لا يكون الحكم متأثراً بفكر شخص معين أو جماعة معينة .
نقطة أخرى تضمن سلامة الحكم وهي علانية المحاكمة ، فهنا الأمر لا يتعلق بمسائل شخصية حتى نكتمها بل هي مسائل لاهوتية ، فجلسات المجامع المسكونية سجلها لنا التاريخ ، فإن لم تعرض هذه المحاكمات على القنوات المسيحية أو في مواقع الإنترنت المسيحية الرسمية فعلى الأقل يجب أن تطبع محاضر الجلسات في كتيبات حتى يكون هناك مراجعة أخرى من التاريخ الكنسي فما كان يظن أنه صحيحاً في وقت من الأوقات من الممكن أن يتم اكتشاف بطلانه فيما بعد كما حدث في محاكم التفتيش .
7 - تأليه رجال الدين :
الكاهن التقي له كل احترام وتقدير وأبوة فهناك من الكهنة من لا نستحق لمس التراب الذي ساروا عليه ، ولكن الكهنة ليسوا آلهة وليسوا فوق مستوى الخطأ ، فالفكر السائد هو أنه لا يجب أن يتكلم أحد عن الكهنة أو يلومهم عندما يستحقوا اللوم لأن لهم سلطان الروح القدس وهذه كرامة الكهنوت وأنه يجب أن لا ندين أحد وكأن ما فعله السيد المسيح من توبيخ لكهنة الشعب كان خطأً وما فعله بولس الرسول في لوم القديس بطرس ووصفه بالرياء كان خطأً ، ونسوا أن المناداة بحقوق الآخرين ليست إدانة ولكنها واجب وحق ، فأسلوب " لا تجادل ولا تناقش " الذي تدعي الكنيسة رفضه هى نفسها تمارسه ولا يقول أحد أن الكنيسة لا تحجر على رأي أحد لأنها وإن كانت تترك الكل يتكلم إلا أنها تعتبر من ينتقدها خارجاً عن فكر الجماعة ومستوجب التوبة ، وإن كان من حق الشعب أن يختار راعيه ... لكن ليس من حق الشعب أن يراجعه أو ينتقده ومن يفعل ذلك فهو عدو لله وللكنيسة ، وأنا لا أعرف أين كرامة الكهنوت عند الكهنة الذين يأخذون حق أخوة الرب ويصرفونه في مباني زائدة عن الحاجة أو في مظاهر الفخامة والرفاهية فلا أنسى يوم أن كنا نحضر محاضرة لقداسة البابا وقدمت إليه شكوى من كهنة كنيسة معينة قاموا بذبح عجل كان تم التبرع به لأخوة الرب وأقاموا به حفلة لضيوفهم في عيد شفيع الكنيسة وقدمت مع الشكوى صور للموائد المملوءة باللحوم والفواكه وغيره ، وأمر قداسة البابا فوراً بأخذ مبلغ مالي منه لشراء عجل أخر لأخوة الرب ويوزعه كاهن أخر غير كهنة هذه الكنيسة !! أي كرامة هذه التي يطلبها هؤلاء ؟؟ ونفس هؤلاء الكهنة أيضاً قاموا ببناء مبنى ضخم حول الكنيسة على شكل حرفu من ثلاثة عشر طابقاً على مساحة ستة أبراج تقريباً ... ما الذي ستفعله الكنيسة بهذه المباني الضخمة والتي فاقت أحجام الفنادق الكبرى في مصر ؟ وكم شخص من أخوة الرب لم يأخذ حقه بسبب توجيه كل دخل الكنيسة للمباني وكم خدمة ضعفت بسبب عدم استيفائها حقها من الإنفاق ، أليست هذه جميعاً أموالاً مهدرة وجميعها من أموال الشعب ؟ ، وأي كرامة يطلبها الذين يفرّقون بين الغني والفقير في الافتقاد والمجاملات والأكاليل ... الخ ؟! وأي كرامة في النزاعات والمخاصمات بين الكهنة بعضهم البعض داخل الكنيسة الواحدة ؟! ، يدهشني المتنيح " القمص بيشوي كامل " عندما كان يقول كما يروي القمص تادرس يعقوب أنه لايوجد شيء أسمه " كرامة الكهنوت " لأن الكاهن خدَّام يغسل أرجل الناس !!! وهذا هو ما مارسه القمص بيشوي كامل بالفعل في حياته ومع ذلك أخذ كرامة فوق ما يطلبه كهنة اليوم من كرامة زائفة .
8 – هناك من يستحق الإعجاب والتكريم :
ومع هذا كله ينبغي أن نعطي كل ذي حق حقه ، وأن نعترف بأن هناك أساقفة ورهبان في غاية العلم والثقافة والتقوى وهناك كهنة وأساتذة ومعلمين في قمة الاستنارة وعلى مستوى عالي من البحث والدراسة ، ولا نريد أن نذكر أسماء لأن الذاكرة أضيق من أن تحصرهم ، ونحن نتمنى أن يسود في كنيستنا جو المعرفة والثقافة والتقوى وأن ننفتح على الآخر مع اعتزازنا بتراثنا وحفاظنا على إيماننا ، وهذا من أجل مستقبل أفضل لكنيستنا وسط تطورات العالم الصعبة والمتلاحقة .
في 25 / 6 / 2010 م
Comment