إن الروحانية الحقة تتميز بالجوع القوي والشوق الشديد لمعرفة الله أكثر وأكثر، أما الروحانية الزائفة فهي تقنع بما لديها حتى الآن ولا تطمع في المزيد. إنها تتصور أنها عرفت الكفاية عن الله، وليس لديها أية رغبة في أن تتعمق أكثر في معرفة الله.
ولكن القديس الحقيقي يشتاق إلي المزيد، وكلما أحب الله أكثر أراد أن يحبه أكثر، وهو متضايق لأنه أكتشف أنه لم يحبه بدرجة كافية حتى الآن، والقديس الحقيقي يكره الخطية ويحزن لأنه ضيع سنيناً في الخطية، أما الآن فهو يشتاق أكثر وأكثر لأن يرتبط بالرب أكثر وأكثر.
ولهذا فإن القديس الحقيقي يسعى مجاهداً إلي الأمام غير مكتف بالروحانية التافهة الزهيدة التي له الآن.
أيضاً مما يعمل علي ازدياد شوق المؤمن علي التمتع أكثر بجمال وقداسة المسيح. نمو إدراكه لعمق خطيته، ولهذا يلح في طلب النعمة التي تعمل علي غفران خطيته والتغلب عليها، وتكون صلاته مثل صلاة الأب الذي كان بابنه روح نجس. صرخ أبو الولد بدموع وقال: "أؤمن يا سيدي، فأعن عدم إيماني" (مر9: 24).
إن هؤلاء الذين حصلوا علي النعمة لا يريدون أي نوع آخر من الراحة (القناعة). فبعد أن تذوقوا مباهج النعمة التي تشبع النفس، يدركون أن لا شئ يقارب السلام العميق والفرح العظيم اللذين يأتيان بالنعمة. إن النعمة وحدها هي التي تحقق توقعات وآمال الإنسان. إن أمور هذا العالم لا يمكن أبداً أن تحقق تماماً كل آمالنا وطموحاتنا. لقد أدركت هذه الحقيقة عندما كنت في التاسعة من عمري، إذ ظللت لعدة أشهر أحلم بالحصول علي طائرة نفاثة مقاتلة (لعبة تقليد).
توسلت إلي والدي أن أحصل علي هذه اللعبة عند حلول عيد الميلاد. عندما جاء عيد الميلاد أخيراً ووجدتني وأنا ألهث مبهوراً، أمزق الغلاف الورقي من حول علبة كبيرة. امتلأت طرباً عندما اكتشفت أنني حصلت علي ما كنت أريد امتلاكه، ولكن بعد عدة ساعات بدأ الحزن يزحف إلي نفسي، لقد اختفت النشوة وذهبت الإثارة. الآن وبعد أن استخدمت الطيارة اللعبة، وأديت كل العمليات التي يمكن للطيارة أن تقوم بها، لم تعد بعد ذلك تمثل لي أية متعة أو تسلية، ولا يمكن أبداً بعد ذلك أن أختبر فرحة الإثارة التي لم تدم أكثر من ساعة أو ساعتين.
واتضح لي أن الأشهر السابقة لحصولي علي اللعبة، تلك الأشهر التي كانت مشبعة بالأمل والتوقع، كانت أفضل بكثير من الوقت الحاضر الذي أمارس فيه اللعب، وهكذا بكيفية طفولية، ولكنها حقيقة وواقعية أدركت أن المسرات الأرضية لن تكون بمثل هذه العظمة التي كنت أتخيلها.
فإن سعادة النعمة دائمة وثابتة، أما المسرات العالمية فهي ليست دائمة، إنها تشبع شبعاً زائفاً ولفترة محدودة، وبعد ذلك يشعر الإنسان بالفراغ تماماً مثل الماء المالح لا تعطي إنعاشاً حقيقياً، أما فرح المباهج الروحية فعلي العكس من المسرات العالمية، فهو فرح باق وثابت حتى لو تذوق المؤمن كسرة صغيرة جداً من غني النعمة المقدمة له في المسيح يسوع فإن هذا الجزء الضئيل تبقي آثاره ولا تزول. أستطيع أن أشبه هذا كما لو كنت قد عثرت علي عمل من الأعمال الأدبية الرائعة، فبعد أن تكون قد قرأته فإنك سوف تظل تستمتع بذاكرة هذا العمل الأدبي وربما بالرؤية الجديدة التي يقدمها لك بقية أيام حياتك.
أقول مرة أخرى وأؤكد أن الأمور العالمية لا يمكن أن تقنعنا أو ترضينا، فالجنس أو المال أو السلطان ولا حتى الطعام يمكن أن ترضينا بصفة دائمة أو نهائية، بسبب طبيعتها التي تنتمي إلي هذا العالم. إنها أشياء لا يمكن في ذاتها أن تطفئ عطشنا الروحي، فلا شئ في هذا العالم له القدرة علي إرضاء ذلك الجزء منا والذي لا ينتمي إلي هذا العالم. فإذا حاولنا أن نجعل هذه الأشياء العالمية ترضينا أو تقنعنا فكأننا نحاول أن نثبت وتداً مستديراً داخل ثقب مربع بالطبع هذا لا يصلح.
والآن يمكننا أن نفهم أن النعمة وحدها هي التي ترضينا وتقنعنا قناعة كاملة ونهائية، ومع ذلك فالقديس دائماً يرغب في المزيد، لا لأن النعمة لم تكن كافية أو مرضية، ولكن لأن المؤمن وجد النعمة مشبعة تماماً. أقول بلغة أوضح إن المؤمن تذوق حلاوة النعمة لذلك هو يريد المزيد منها، فالفرح في الرب يجعلنا نشتاق أن نتعرف علي الرب أكثر وأكثر، ولا يختبر هذه الاختبار المجيد إلا المؤمن الذي ارتبط بالرب كلياً وجزئياً، واستمتع بحلاوة وجمال الرب يسوع المطلق، وكثير من القديسين المتعمقين لم يحصلوا علي هذا الاختبار إلا بعد عقد أو عقدين وهم في حياة الإيمان.
إن القديس الحقيقي يرغب في كلام الرب وليس مجرد أن يكتشف إلي أي درجة يحبه الرب، ولكن لكي ينمو في القداسة. إن القداسة التي يريد أن يمتلكها المؤمن تتمثل في النعمة، نعمة ربنا يسوع المسيح. إن النعمة هي أعظم كنز يريد أن يمتلكه المؤمن. يقول الوحي: "مخافة الرب هي كنزه" (إشعياء 6:33). ويقول بولس: "وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة" (1تيمو6:6). ولهذا فإن ما يميز القديس عن بقية العالم ليس الرؤى التي تأتيه من الرب، أو اختبارات محبته، أو حتى رغبته في ضمان مكان في السماء، بقدر شوقه الشديد إلي الحصول علي القداسة، (القداسة التي بدونها لن يري أحد الله). وبخلاف بقية العالم فإن القديس يجوع ويعطش إلي الحصول علي قلب أكثر قداسة وأن يعيش حياة أكثر قداسة. لأن القديس يرفض أن يكتفي أو يقتنع بمنزلته الروحية الرفيعة لأنه يريد المزيد من القداسة في المسيح يسوع.
ولكن القديس الحقيقي يشتاق إلي المزيد، وكلما أحب الله أكثر أراد أن يحبه أكثر، وهو متضايق لأنه أكتشف أنه لم يحبه بدرجة كافية حتى الآن، والقديس الحقيقي يكره الخطية ويحزن لأنه ضيع سنيناً في الخطية، أما الآن فهو يشتاق أكثر وأكثر لأن يرتبط بالرب أكثر وأكثر.
ولهذا فإن القديس الحقيقي يسعى مجاهداً إلي الأمام غير مكتف بالروحانية التافهة الزهيدة التي له الآن.
أيضاً مما يعمل علي ازدياد شوق المؤمن علي التمتع أكثر بجمال وقداسة المسيح. نمو إدراكه لعمق خطيته، ولهذا يلح في طلب النعمة التي تعمل علي غفران خطيته والتغلب عليها، وتكون صلاته مثل صلاة الأب الذي كان بابنه روح نجس. صرخ أبو الولد بدموع وقال: "أؤمن يا سيدي، فأعن عدم إيماني" (مر9: 24).
إن هؤلاء الذين حصلوا علي النعمة لا يريدون أي نوع آخر من الراحة (القناعة). فبعد أن تذوقوا مباهج النعمة التي تشبع النفس، يدركون أن لا شئ يقارب السلام العميق والفرح العظيم اللذين يأتيان بالنعمة. إن النعمة وحدها هي التي تحقق توقعات وآمال الإنسان. إن أمور هذا العالم لا يمكن أبداً أن تحقق تماماً كل آمالنا وطموحاتنا. لقد أدركت هذه الحقيقة عندما كنت في التاسعة من عمري، إذ ظللت لعدة أشهر أحلم بالحصول علي طائرة نفاثة مقاتلة (لعبة تقليد).
توسلت إلي والدي أن أحصل علي هذه اللعبة عند حلول عيد الميلاد. عندما جاء عيد الميلاد أخيراً ووجدتني وأنا ألهث مبهوراً، أمزق الغلاف الورقي من حول علبة كبيرة. امتلأت طرباً عندما اكتشفت أنني حصلت علي ما كنت أريد امتلاكه، ولكن بعد عدة ساعات بدأ الحزن يزحف إلي نفسي، لقد اختفت النشوة وذهبت الإثارة. الآن وبعد أن استخدمت الطيارة اللعبة، وأديت كل العمليات التي يمكن للطيارة أن تقوم بها، لم تعد بعد ذلك تمثل لي أية متعة أو تسلية، ولا يمكن أبداً بعد ذلك أن أختبر فرحة الإثارة التي لم تدم أكثر من ساعة أو ساعتين.
واتضح لي أن الأشهر السابقة لحصولي علي اللعبة، تلك الأشهر التي كانت مشبعة بالأمل والتوقع، كانت أفضل بكثير من الوقت الحاضر الذي أمارس فيه اللعب، وهكذا بكيفية طفولية، ولكنها حقيقة وواقعية أدركت أن المسرات الأرضية لن تكون بمثل هذه العظمة التي كنت أتخيلها.
فإن سعادة النعمة دائمة وثابتة، أما المسرات العالمية فهي ليست دائمة، إنها تشبع شبعاً زائفاً ولفترة محدودة، وبعد ذلك يشعر الإنسان بالفراغ تماماً مثل الماء المالح لا تعطي إنعاشاً حقيقياً، أما فرح المباهج الروحية فعلي العكس من المسرات العالمية، فهو فرح باق وثابت حتى لو تذوق المؤمن كسرة صغيرة جداً من غني النعمة المقدمة له في المسيح يسوع فإن هذا الجزء الضئيل تبقي آثاره ولا تزول. أستطيع أن أشبه هذا كما لو كنت قد عثرت علي عمل من الأعمال الأدبية الرائعة، فبعد أن تكون قد قرأته فإنك سوف تظل تستمتع بذاكرة هذا العمل الأدبي وربما بالرؤية الجديدة التي يقدمها لك بقية أيام حياتك.
أقول مرة أخرى وأؤكد أن الأمور العالمية لا يمكن أن تقنعنا أو ترضينا، فالجنس أو المال أو السلطان ولا حتى الطعام يمكن أن ترضينا بصفة دائمة أو نهائية، بسبب طبيعتها التي تنتمي إلي هذا العالم. إنها أشياء لا يمكن في ذاتها أن تطفئ عطشنا الروحي، فلا شئ في هذا العالم له القدرة علي إرضاء ذلك الجزء منا والذي لا ينتمي إلي هذا العالم. فإذا حاولنا أن نجعل هذه الأشياء العالمية ترضينا أو تقنعنا فكأننا نحاول أن نثبت وتداً مستديراً داخل ثقب مربع بالطبع هذا لا يصلح.
والآن يمكننا أن نفهم أن النعمة وحدها هي التي ترضينا وتقنعنا قناعة كاملة ونهائية، ومع ذلك فالقديس دائماً يرغب في المزيد، لا لأن النعمة لم تكن كافية أو مرضية، ولكن لأن المؤمن وجد النعمة مشبعة تماماً. أقول بلغة أوضح إن المؤمن تذوق حلاوة النعمة لذلك هو يريد المزيد منها، فالفرح في الرب يجعلنا نشتاق أن نتعرف علي الرب أكثر وأكثر، ولا يختبر هذه الاختبار المجيد إلا المؤمن الذي ارتبط بالرب كلياً وجزئياً، واستمتع بحلاوة وجمال الرب يسوع المطلق، وكثير من القديسين المتعمقين لم يحصلوا علي هذا الاختبار إلا بعد عقد أو عقدين وهم في حياة الإيمان.
إن القديس الحقيقي يرغب في كلام الرب وليس مجرد أن يكتشف إلي أي درجة يحبه الرب، ولكن لكي ينمو في القداسة. إن القداسة التي يريد أن يمتلكها المؤمن تتمثل في النعمة، نعمة ربنا يسوع المسيح. إن النعمة هي أعظم كنز يريد أن يمتلكه المؤمن. يقول الوحي: "مخافة الرب هي كنزه" (إشعياء 6:33). ويقول بولس: "وأما التقوى مع القناعة فهي تجارة عظيمة" (1تيمو6:6). ولهذا فإن ما يميز القديس عن بقية العالم ليس الرؤى التي تأتيه من الرب، أو اختبارات محبته، أو حتى رغبته في ضمان مكان في السماء، بقدر شوقه الشديد إلي الحصول علي القداسة، (القداسة التي بدونها لن يري أحد الله). وبخلاف بقية العالم فإن القديس يجوع ويعطش إلي الحصول علي قلب أكثر قداسة وأن يعيش حياة أكثر قداسة. لأن القديس يرفض أن يكتفي أو يقتنع بمنزلته الروحية الرفيعة لأنه يريد المزيد من القداسة في المسيح يسوع.
---------------------
من كتاب: "الروحانية الصادقة"
لجيرالد ماكديرمت
Comment